لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

الدين والتدين عشر معالم  Empty الدين والتدين عشر معالم {الجمعة 25 نوفمبر - 20:12}

د . سليمان بن حمد العودة
الدين والتدين عشر معالم


الحمدُ للهِ ((شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)) ( الشورى : 13) .

وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، له الدينُ واصباً ( أي الطاعة دائماً) وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه بعثه الله بالإسلام ديناً خاتماً وحقاً ، ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) (آل عمران:85) .

اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ )) (التوبة:119) (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) (آل عمران:102)

أيها الناس : الدينُ والتدينُ فِطرةٌ ربانية وحاجة ملحة، ومطلبٌ ينتهي بالمرء إلى السعادة أو الشقوة [1]

ومن أبصر واقع الشعوب اليومَ وغداً ، وبالأمس ِ وفي غابر الزمن رأى أنه ما من مجتمع أو أمةٍ إلا ولها دينٌ ومعتقدٌ ، ولكن هذه الدينَ قد يكون حقاً فيفلحُ معتنقوه في الدنيا ويسعدون في الآخرة ، وقد يكون الدين باطلاً فيورث أتباعه الشقاء سفي الدنيا والعذابَ والخزيَ في الآخرة .

إن المتأملَ في حديثِ القرآن عن الدين يجد إشارةً لهذا وذاك ويجد توجيهاً ربانياً بالتزام الدين الحق ، وتأكيداً على الإسلام على انه الدينُ الذي أراده اللهُ ونسخ به الأديان كلهّا تأملوا في عددٍ من آيات القرآن في وصف الدين الذي يريد الله ، فاللهُ يقول : (( أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)) [ الزمر / 3]

ويقول : (( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ)) [ الروم : 43]

ويقول : (( وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) [ تونس 105]

ويقول : (( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ )) [ آل عمران : 19]

ويقول : (( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ)) [ البقرة / 193]

وفي الجانب الآخر ،وعن الأديان الباطلة يقول تعالى : ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ)) (الشورى : 21) .

((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ)) (النساء : 171) .

: ((إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)) (غافر : 26) .

((وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) (البقرة : 217) .

أيها المسلمون : إننا بإزاءِ هذا الآيات القرآنية، أو سواها من آياتٍ وأحاديثَ نبويةٍ نقف على عِدة ( معالم ) حول الدين والتدين .

المعلم الأول : حاجةُ الإنسان إلى الدين ، فلا اليهودي ولا النصراني ، ولا البوذي ، ولا المجوسي ، ولا الصائبي ، ولا سواهم ممن أضلهم الله يعيشون بلا دين ولكن فضل الله في الهداية والتوفيق يؤتيه من يشاء، وعلى من وفقه اللهُ للدين الحق أن يشكرَ اللهَ على هذه النعمة التي سلبها وأضل عنها أممٌ وشعوبُ كثيرة قال اللهُ عنهم ((وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ)) (الأنعام :116) .

وقال تعالى : (( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)) (يوسف : 103) .

إن الإسلام والإيمانَ منَّةٌ رباني وعلى المسلمين أن يشكروا ربَّهم عليها وأن يعترفوا له بالفضل سبحانه إذ هداهم إليه، (( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) (الحجرات) .

((وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّه)) (الأعراف : 43) .

((اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ)) (الشورى : 12) .

المعلم الثاني : ومن عجب أن ترى أو تسمع عن حماس أصحاب الديانات الباطلة ، والممل المنحرفة ، لأديانهم ومللهم إلى حد الغلو في الدين والرهبانية المبتدعة بل يبلغ الحماسُ إلى التواصي بالصبر على هذه الآلهة وإن كانت فاسدة ؟

أجل من يقرأ ما قصَّه الله في كتابه، من أخبار الأمم الماضية يجد غلواً عن أهل الكتاب، قال الله عنهم : (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ)) (المائدة : 77) .

وقال عنها : (( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا)) (الحديد : 27) .

ويجد حماساً وصبراً عند المشركين على آلهتهم الباطلة (( أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ)) (ص : 6).

(( وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالاً)) (نوح : 23، 24) .

فهل يسوغ أن يتحمس أصحاب الباطل لأديانهم ومعتقداتهم ويتراخي ويضعف أصحاب الدين الحق عن الصدق والحماس لدينهم ؟

المعلم الثالث : بل يجدُ المطالعُ لآيات القرآن الأخبار الأمم السالفة واللاحقة محاولةً من أهلِ الباطل لتشويهِ الدينِ الحق ، ورمي المؤمنين بالباطل واتهامِهم بالفساد ن بل ومحولةِ قَتلِهم والتخلص منهم لقد حفظ القرآنُ مقولةَ فرعونَ الآثمة الكاذبة: (( ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)) (غافر : 36).

وفي قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه (( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ)) (الأنبياء : 68) .

وقومُ لوطٍ قالوا للوطٍ عليه السلام : ((أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)) (النمل 56) .

أما (ثمود) فكان جزاءُ صالح عليه السلام حين دعاهم إلى عبودية الله وحده أن تقاسم الرهطُ المفسدون (( لنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ)) . (( وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)) (النمل : 49) .

ولا يزال المفسدون من اليهود والنصارى والمشركون يتربصون بالمسلمين الدوائرَ يقتلون ويُحاصرون ويسخرون ويتهمون ((وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ)) (البروج:20) .

ولا تزال التهم تكال جزافاً للإسلام والمسلمين بالتطرف والإرهاب ونحوها وعلى المسلمين اليوم أن يصبروا على أذى أعدائهم كما صبر المسلمون من قبلهم ، وأن يدركوا أن الحملة على الإسلام والمسلمين اليوم استمرار لحملات سابقة ، وقد نجح أسلافهم في تجاوزها وهم اليوم يمتحنون لتجاوزها .

المعلم الرابع : وهل تعلمون أن هؤلاء الكفار قديماً وحديثاً الذين يتهمون المسلمين بالتطرف هو المتطرفون ، لقد قال فرعون مرة أخرى لقومه – ((مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي)) (القصص : 38) .

وهذه هي قمةُ التطرف والانحراف وفي المقابل استهجن موسى عليه السلام وازدراه قائلاً : (( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ)) (الزخرف : 52) .

وقريشٌ الوثنية كانت في وجهها الآخر متطرفة في الدين حين ألزمت نفسها بتشريعات لم يأذن الله ،وخصت نفسها بخصائص وابتدعت (الحمس) وما أدراك ما الحُمس ؟

قال أهل اللغة : الحُمس : قريشٌ لإنهم كانوا يتحمسون في دينهم أي يتشددون ، (معجم مقاييس اللغة 2/104 مادة (حَمس).

وروى ابن سعد في الطبقات : التحمس أشياء أحدثوها في دينهم تحمسوا فهيا ، أي شددوا على أنفسهم فيها (الطبقات 1/72 عن الواقدي ) .

ومن الجاهليات الأولى إلى الجاهليات المعاصرة حيث لا يكتفي أهلُها بالتهم الباطلةِ – بل يمارسون القتل والحصار بكل أشكاله المادية والمعنوية ، وتجتمع وتتحالف قوى الكفر كلها – اليوم – من يهود ونصارى وشيوعية وهندوس ووثنيين على حرب الإسلام وإبادتهم ويمكرون ويمكر الله .

ولم يكن تطرف قريش في الحج وحده .

بل إن تسييب السوائب وهي ما يسبونه من الأنعام لآلهتهم أن يُشفى لهم مريضٌ ، وقضي لهم حاجةٌ وجعلَ (البحيرة) و(الوصيلة) (والحام) معتقدات لم يأذن بها الله تطرفُ قريش أنكره القرآن ((مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا)) (المائدة : 103,102)

ومن تطرف قريشٍ وافترائها على الله ما قصه الله عليهم في سورة الأنعام : ((وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ * وَقَالُواْ هَـذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ)) إلى قوله : (( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ)) ( الأنعام : 136، 168 ، 140) .

روى البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحيهما عن عائشة رضي الله عنها قالت : ((كانت قريشٌ في الجاهلية ومن دان بدينها يقفون بالمزدلفة عند المشعر الحرام ، وكان سائرُ العربِ يقفون بعرفات )) (خ / رقم 4520، م رقم 1218) .

والمعنى أن قريشاً خصت نفسها وميزتها بالوقوف في الحج في مزدلفة دون سائر العرب التي كانت تفيض من عرفات – يعني من الحل –

وقريش وهي تُمارس هذا التطرف الديني كانت تعلم أن الوقوفَ بعرفة من مشاعر الحج التي مضى عليها إبراهيم عليه السلام – ولكن قريشاً تريد أن تميز نفسَها عن الآخرين – ولم تكن هذه هي وحدها أفكار قريش في التطرف والتشريع بما لم يأذن به الله ، فقد كان من آرائهم البدعية الحمسية إنهم حرموا على أنفسهم في حال إحرامهم : ألا يأتطقون ألاقط – أي لا يصنعون وهم محرمون، ولا يأكلون اللحم أو شيئاً من نبات الحرم وهم محرومون في جملة من المحرمات ابتدعوها وألزموا بها أنفسهم ومن وافقهم ما أنزل الله بها من سلطان وكانوا لا يطوفون بالبيت إلا وعليهم ثيابهم ، وألزموا غيرهم من أهل الحل ألا يطوفوا بالبيت إذا قدموا – أول طوافهم إلا في ثياب الحُمس، ومن لا يجدها شراءً أو إعارةً فعليه أن يطوف بالبيت عُريان

واستمرت هذه العوائدُ الجاهليةُ المتطرفة حتى أعلن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ألا يحج العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان ، وأبطل اللهُ عوائد قريش وما ابتدعته في الحج حين نزول القرآن (( فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) (البقرة : 198/ 199).



الخطبة الثانية

الحمد لله ربِّ العالمين شرع لنا أكمل الدين ، وخصنا ببعثة خاتم المرسلين ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له لا يُعبد إلا بما شرع وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله قال وهو الصادق المصدوق (( من عمل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ )) صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء والمُرسلين .

إخوة الإيمان

المعلم الخامس : وإذا تفاخرت الأممُ بأديانها وتشبثت الشعوبُ بمعبوداتها – من دون الله – فحقٌّ للأمة الإسلامية أن تفخر بدينها الحق، وأن تتمسك بعبادتها الصحيحة وتثبت على هدي السماء ، شعارُها (( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ* قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)) (الأنعام : 161، 164)

ودليلُها قوله تعالى : (( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ)) (الأنعام : 70) .

العلم السادس : ولا ينبغي للأمة ِ المسلمة وللفرد المسلم أن تصدَّه عن اتباع الدين الحق والدعوة إلهيه ما يجده من هجمات الأعداءِ ومكرِهم فتلك هجماتٌ وفتنٌ قديمةٌ تجدد ، ووعدُ الله حق (( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ )) (البقرة : 217)

((وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ)) (البقرة :120) .

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .

المعلم السابع : وثمة مصطلحاتٌ خادعةٌ وأفكارٌ مرفوضة تُطلق بين الفينة والأخرى باسم (وحدة الأديان) أو (التقريب بين الأديان) أو نحوها من مصطلحات وآراء تُلبس الحق بالباطل، وتنأى عن منهج القرآن في محاورة أهل الكتاب على أساس قوله تعالى : (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) (آل عمرن : 64).

هذا حكمُ القرآن ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ، أما الواقع التاريخي فقد اتسم تاريخُ العلاقات بين المسلمين وأهل الكتاب بالعداء والجهاد المستمر، وكان فتحاً مبيناً في القرون الفاضلة الأولى، وكان النصرُ والتمكينُ متناسباً تناسباً طردياً مع التزام المسلمين بدينهم وأخذهم بأسباب القوة المعنوية والمادية، عبر مراحلَ تاريخية متمايزة ، دون أن تشهد على الإطلاق أي لون من (الوفاق الديني) أو (التقارب العقدي ) بل شعارهم ((لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)) ودليلهم ((وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)) وستظل هذه السمةُ باقيةً وملازمةً للطائفة المنصورة حتى قيام الساعة ، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم كما قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ( د/ أحمد القاضي ، دعوة التقريب بين الأديان 4/1630بتصرف يسير) .

المعلم الثامن : أن هذه الأفكار المرفوضةَ في الدعوة (لتوحيد الأديان) أو (تقاربها) لا تُلغي أهميةَ الحوار بين المسلمين وإتباع الأديان الأخرى من قبل علماء متخصصين راسخين في العلم والدين، ويجيدون لغة الحوار مع الآخرين مع الشعور بعزة الإسلام، وذلك لدعوة الآخرين للحق، والبلاغ المبين، وتوضيح الإسلام بصورته الساطعة، وكشف الباطل، والوصول بالإسلام، إلى شعوب طالما حجبت عن نوره الوضاء، وذلك باستخدام وسائل الإعلام بمختلف قنواتها، والتقنيات الحديثة ووسائلها المختلفة ، فتلك من واجبات المسلمين في الدعوة والبلاغ .

المعلم التاسع : ويبقى بعد ذلك التدينُ بالإسلام الحق أمنٌ من الفتن بإذن الله ، وطريقٌ للسعادة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة .. إنه أعني التدينًَ المشروع طريقُ الجنة : ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً)) (الكهف: 108,107) .

وهو السبيلُ لمحبة الناس ِوتقديرهم : (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً)) (طه: 96) .

وبه يحصل لهم الأمن في الأوطان : (( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)) (الأنعام 82) .

ويتوفر رغد العيش ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ )) (الأعراف :96) .

بل إن بين الإنسان كلهم خاسرون إذا لم يتدينوا ويعملوا وفق ما شرع الله ((والعصر إن الإنسان لفي خسر)) .

يطمأن الناسُ لأهل الدين ، ويتصون بالمتديين، ويغبطون الملتزمين فما ذا يمنعك يا أخا الإسلام أن تكون في طليعة المتديين الصادقين ؟

المعلم العاشر : ولا يسوغ بحال أن يتدين اليهوديُ وهو يستمد ديانته من (تورات عزرا) و ( تلمود الحاخامات) ، ويتدين النصراني وهو يستند في ديانته إلى (الأناجيل المحرفة) و( ورسائل بولس) وهي خليط من التثليث وتأليه المسيح وسائر البدع العقدية – ومتدين الشيوعي وعقيدته تقوم على الإلحاد وإنكار خالق الوجود ، ويتدين الهنادلة وهم يعبدون البقر، ويتدين غيرُهم وهم يعبدون الشياطين أو يعبدون الفروج أو نحوها من طلالات ما كان للعقل البشري أن ينحط إليها في عصر العلم والمعرفة لا يسوغ بحال أن تروج هذه الديانات الباطلة ويتوارى المسلمُ بديانته الحقة، أو يضعف في الالتزام بدينه ، أو يعقد عن الدعوة وإنقاذ الحرقى والغرقى والجذامى ومن بهم صَرَعٌ أو حنون _ لقد أظلم الكونُ بمعبودات ضالة ، فهل ينقذ المسلمون أنفسهم أولاً من الضعف والوهن – ثم ينتقلون لإنقاذ الآخرين .

[1] وفي التنزيل: ((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) (الروم : 30) .

وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : قال صلى الله عليه وسلم : ((كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )) .

وأشهر الأقوال أن المراد بالفطرة الإسلام (الفتح 3/248) وإن وردت أقوال أخرى (تفسير القرطبي) (14/ 28) .
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى