رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د . خالد بن علي المشيقح
الجريمة الخلقية
الحمدُ لله الذي حرَّمَ الفواحشَ والآثام، وشَرَعَ من الأحكام ما يُصلِحُ الأنام، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ لهُ ، الملكُ القدوسُ السلامُ وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه المبعوثُ بالدينِ القويم والمنهجِ المستقيم فلم يَتْرُكْ خيراً إلا دلَّنا عليهِ ورغَّبنا فيه، ولا شرَّاً إلا حذَّرنا منه وزَجَرنا عنه فجزاه اللهُ عنها خيرَ ما جزى نبياً عن أمتهِ، وصلواتُ اللهِ وسلامُه عليه دائماً إلى يوم الدينِ وعلى آله وأصحابِه أجمعين وعلى جميعِ من تبعَهم بإحسان .
أما بعد : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) (الحشر، الآية : 18) .
أيها المسلمون : حديثي إليكم في هذه اللحظات هو عن أمرٍ كبيرٍ، وبلاٍ خطيرٍ إنه صيحةُ نذير وتحذير عن الفاحشة الكبرى، والجريمةِ العظمى التي هي من أخبثِ الجرائمِ و أفحشِها، وأسوئها، وأقبحِها وأعظمِها بلاءً وشراً، إنها فاحشةُ اللواطِ (وهي) إتيانُ الذكرِ للذكرِ، عياذاً باللهِ من عمى البصيرةِ وانتكاس الفطرةِ .
اللواطُ الذي هو من كبائرِ الذنوبِ بإجماع العلماءِ، وأولُ من ارتكبَ هذه الفاحشةَ قومُ نبيِ الله لوطٍ – عليه السلام – حيثُ بعثَه اللهُ إليهم داعياً إلى التوحيد ناهياً لهم عن ارتكابِ هذه الفاحشةِ التي لم يسبقْهم إليها أحدٌ من بني آدمَ . قال الله تعالى : ((وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ)) (الأعراف :81,80) .
وقال تعالى : ((وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)) .
وقال : ((أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ )) (العنكبوت: 29) .
لقد كان هؤلاء القومُ من أفجرِ الناسِ و أخبثهم وأكثرِهم سعياً بالفساد وقطع الطريق، وكانوا يأتونَ في ناديهمُ المنكرَ جهاراً دون حياءٍ أو خجل وليس منهم رجلٌ رشيدٌ، ويكفي أنهم سبقوا الناسَ إلى هذه الفِعْلِة السيئة التي تَنْفُرُ منها الطباعُ السليمة وتشمئَزّ منها النفوسُ الكريمة .
قال الوليد بن عبد الملك (لولا أن الله ذكر قومَ لوطٍ ما شعرت أن أحداً يفعل ذلك) [1]
لكنَّ قومَ لوط قد فسدت فطرهم فتركوا ما خَلَقَ لهم من النساءِ إلى إتيان الذُّكران من العالمين قال الله تعالى في سورة الشعراء ((كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ )) (الشعراء: 160 ).
((إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ)) (الشعراء : 106- 109)..
((وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ )) (الشعراء : 166) ..
فما هو ردُّ هؤلاء على نبيهم لوط عليه السلام ؟ قال الله عنهم : (( قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ* رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ* فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ .ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ )) (الشعراء: 167 – 173).
وقال تعالى عنهم أنهم قالوا : (( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ )) (النمل: 56 ).
بل تجاوزوا واستعجلوا العذاب (( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ )) (العنكبوت: 29–30) .
فاستجاب الله لدعوةِ نبيه لوطٍ – عليه السلام – فأرسلَ اللهُ ملائكته إلى قرى لوط ( قرى سَدُوم ) .
قال تعالى : ((وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ)) (هود : 77).
وقال المفسرون قدم هؤلاء الملائكةُ على لوط وهم في أجملِ صورةٍ ( شبابٌ حسانٌ) ولله في ذلك حكمةٌ بالغة، فنزلوا على لوط ضيوفاً فضاق صدْرُهُ – عليه السلام – حيث لم يعلم أنه مملائكة، وخاف عليهم من قومه . قال تعالى في سورة هود ((وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ)) (هود: 77– 78) .
وقال تعالى: ((وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ* قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيفِي فَلا تَفْضَحُونِ* وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ )) (الحجر: 67 – 69) .
وبعد مجادلة لوطٍ لقومه المفسدين طمأن الملائكة لوطاً – عليه السلام – وقالوا له : ((قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ إمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ )) (هود: 81 ).
ولما طَلَعَ الفجرُ نَجَّى الله لوطاً ومن معه من المؤمنين ورٌفِعَت قُرى هؤلاء القوم المجرمين نحوَ المساءِ حتى سَمِعَتِ الملائكةُ صياحَهم وصياحَ حيواناتهم ثم قَلَبها عليهم فَجَعَلَ عاليها سافلها ونزلت عليهم مع ذلك حجارةٌ شديدةٌ صلبة متتابعةٌ (( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ )) (سورة : 82, 83)..
فجعلهم آية للعالمين، وعبرةً للمعتبرين، ونكالاً وسلفاً لمن شاركهم في أعمالهم من المجرمين، وجعل ديارَهم بِطَريقِ السالكين ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ* وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)) سورة (الحجر: 75 – 77) .
أخذهم على غِرّة وهم نائمون، وجاءهم بأسه وهم في سكرتهم يعمهون، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ذهبت اللذاتُ، وأعقبتِ الحسراتُ، إنقضتِ الشهواتُ وأَوْرَثَتْهم الشقوات تمتّعوا قليلاً فعُذِّبوا طويلاً فلو رأيت الأعلى والأسفلَ من هذه الطائفةِ الخبيثةِ والنيران تخرج من منافذ وجوههم وأبدانهم ، وهم ما بين أطباق الجحيم، يُصَبُّ من فوقِ رؤوسهم الحميم، ويقال لهم وهم على وجوهِهِم يُسْحَبون ذوقوا ما كنتم تكسبون ولإخوانهم ومن عمل بعملهم أمثالُها وما هي من الظالمين ببعيد [2].
(إن ديار قوم لوطٍ ليست ببعيدةٍ من الكفّار المكذبين لنبينا صلى الله عليه وسلم فكان عليهم أن يعتبروا بما وقع لأهلها إذا مروا عليها في أسفارهم إلى الشام ((وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) الصافات: 137– 138) .
((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا )) (سورة : 10) .
((وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَة )) (سورة: 102– 103).
أيها المسلمون : ولقد خافَ النبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم على أمتِه أن يعملوا بعملِ هؤلاءِ القوم المجرمين ففي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي عن جابر بن عبد الله قال : سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول : ((إن أخوفَ ما أخافَ على أمتي عملُ قومِ لوطٍ )) [3].
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن الترمذي أيضاً(( ومن وجدتموه يعملُ عملَ قومِ لوطٍ فاقتلوا الفاعل والمفعول به)) .
فحدُّ اللوطيِّ هو القتلُ بكل حالٍ قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية – رحمه الله – (قد عُلِمَ بالاضطرار من دين الإسلام، ودين سائر الأمم بعدَ قومِ لوطٍ تحريم الفاحشة اللوطية، ولهذا بيًّن اللهُ في كتابه أنه لم يفعلها قبل قوم لوط أحدٌ من العالمين، ولقد عذَّب الله المستحلّين لها بعذابٍ ما عَذّبَ به أحداً من الأمم حيث طَمَسَ أبصارهم، وقَلَبَ مدائهم فجعل عاليها سافلها وأتبعهم بالحجارة من السماء) إلى أن قال – رحمه الله – عن اللوطيين [ اتفق الصحابة على قتلهم جميعاً، لكن تنازعوا في صفة القتل، فبعضهم قال : يُرْجَم، وبعضهم قال يُرْمَى من أعلى جدارٍ في القرية ويُتْبَع بالحجارة، وبعضهم قال يُحرَّق بالنار، ولهذا كان مذهبُ السلف والفقهاء أنهما يرجمانِ بكرين كانا أو ثيبينِ ) أ.هـ كلامه – رحمه الله تعالى [4]
وقال ابن القيم – رحمه الله - : (وأجمع أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلِه – يعني اللوطيَّ فلم يختلف منهم رجلان ) .. وحَرَّق خالدُ بنُ الوليد لوطياً بأمر أبي بكر – رضي الله عنه – وثبت تحريقهم عن علي بن أبي طالب وابن الزبير وهشام بن عبد الملك ولقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل هذه الفاحشة ففي مسند الإمام عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ((معلونٌ من عملِ بعملِ قومِ لوط )) [5].
أيها المسلمون : إن مشكلة اللوطِ اليومَ لا تقتصر على وجود أشخاصٍ شاذين في أنحاء متفرقة من العالم، بل لقد أصبح لهؤلاء المنحرفين، جمعياتٌ في بلدان الغرب تحميهم وتنظم علمهم القبيح فتّباً لهؤلاء الكفار ما أضلَّ سعيَهم ، وما أعظم شقاءهم ولا يُستغرَب هذا منهم، وإنما يَحُزُّ في النفس أن يوجدَ من شبابِ المسلمين من يقترفُ هذه الفاحشة الممقوتة بشكل ملفت للنظر وعند رجال الهيئات والجهات المسؤولة الخبرُ اليقين ( فإنا لله وإنا إليه راجعون) .
نسأل الله العافية . يا سبحان الله كيف يرضى مسلم عاقل لنفسه هذا المستوى المنحطَّ أين الغيرةُ والحميةُ ؟ أين العزةُ والكرامةُ ؟ أين الشهامةُ والرجولةُ ؟
حقاً إنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوبَ التي في الصدور وصَدَق الله ((أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)) (فاطر: 8).
فيا أيها الآباءُ والمربون إليكم باختصارٍ شديد بعض الأسباب التي تُوقع في هذه الفاحشة عصمني الله وإياكم وذرياتنا منها بمنّه وكرمه .ولنكون على درايةٍ ووقايةٍ فإن الوقاية خير من العلاج فمن الأسباب :
* الغفلةُ عن الولد وعدمِ تحذيره من صحبة الكبارِ و الفساقِ ولاسيما الأقاربُ فإن أبناء العم والخال الفاسقين – أشد ضرراً في الغالب من البعيد، وقد يفسدون الولد وأهلهُ لا يشعرون .
* ومن الأسباب عدمُ تلبيةِ حوائجِ الولد ومن ثم يلجأ إلى من يلبّي حاجته ويوفر رغبتَه، ويعرض عليه أنواعَ المغريات من نقودٍ وقيادة سيارة وغيرها مقابلَ فعل الفاحشة والتورّطِ في هذه البلية.
* ومن الأسباب عدمُ تنشئةِ الولد منذُ الصغرِ على الخوف من الله ومراقبتِه، وأنه لا تخفى عليه خافية .
* ومنها الميوعةُ والتخنثُ الذي ابُتلي به بعض الصبيان كإطالة الشعر تشبهاً بالنساء ولبسِ الضيّق الذي يصف تقاطيع البدن من (بنطلونات) وغيرها أو التكسّرُ في المشية والكلام والترددُ على الأماكن المشبوهة .
* ومن الأسباب أيضاً التساهلُ في معاشرة المردانِ وصحبتهم وإدمان النظر إليهم ولهذا كان السلف يحذّرون من مجالسة المردان والخلوة بهم ولاسيما أهلُ الترف والنعمة منهم .
قال الحسن بن ذكوان : - رحمه الله – ( لا تجالسوا أبناء الأغنياء فإن لهم صوراً كصور النساء وهم أشد فتنة من العذارى) .
وقال بعضهم (إذا رأيت من يُحِدّ النظرَ إلى الأمردِ فاتّهمْه) .
وقال عطاء – رحمه الله – كل نظرة يهواها القلب لا خير فيها) .
وقال ابن الجوزي – رحمه الله – صحبة الأحداث – أي الصغار – أقوى حبائل الشيطان التي يصيد بها ..
* ومن الأسباب الفراغُ والخلوّ من الشواغلِ عند كثيرٍ من الشباب فتجده ضائقاً ليس في أمر دين ولا دنيا .
* ومن أسباب فعلِها مشاهدةٌ الأفلام السيئة، والصورِ الخليعةِ، وسماعِ الأغاني الماجنةِ خاصةً ما يكون منها فيه وصفٌ الحسانِ الوجوهِ، وعرضٌ لهذه الفاحشة، نعوذ بالله مما يغضبه ويسخطه .
* ومن الأسباب أيضاً شربٌ – صغار السن – للدُّخَان حيث يحتاج البعضُ منهم إلى نقودٍ يشتري بها دخاناً فلا يجد وسيلةً للحصول على النقود إلا هذه الفاحشة .
* ومنها اختلاطُ صغار السنِّ بالكبارِ الفساقِ في البيعِ والشراءِ ولا سيما بيع وشراء الحَمَامِ، حسبَ إفادة بعضِ المراقبين لأحوالهم.
أيها الأخوة :
هذه أهمُّ الأسبابِ التي ذَكَرْتُها لكم بعدَ بحث وإفادة لهم اطلاعٌ على بعض القضايا، ولا سيما أحوال هؤلاء الشاذين، فاعتبروا يا أولي الأبصار، ولا يكُنْ حظُّنا من العلمَ بالأسبابِ بدون عملٍ فتقومَ الحجة علينا.
أسأل الله أن يُصْلح شبابَ المسلمين، وأن يجعلهم هداةً مهتدين، اللهم ردهم إليك رداً جميلا، اللهم جنبنا وإياهم الفواحشَ والفتنَ ، ما ظهر منها وما بطنَ اللهمّ حصِّن فروجَهم وطهِّر قلوبَهم، واجعلهم نصرةً للإسلام والمسلمين يا ربَّ العالمين .
هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه إن ربنا لغفور شكور .
الخطبة الثانية
الحمد للهِ ربِ العالمين، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحَده لا شريكَ له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن أصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
أما بعد :
فيا أيها الأخوة المسلمون : إن لفاحشة اللواط من الأضرارِ والآثار السيئة في الدنيا والآخرةِ ما لا يعلمهُ إلا اللهُ ، وفيما يلي توضيحٌ لما قاله المختصون حول هذه الفاحشة وأضرارها .
فمن ذلك الرغبةُ عن المرأة فإن من شأن اللواط أن يصرف الرجل عن المرأة ، وقد يبلغُ به الأمر إلى حدِّ العجز عن مباشرتِها، وبذلك تتعطلُ أهم وظيفة للزواج وهي إيجادُ النسل .
ومن هذه الأضرار التأثيرُ في الأعصابِ ومسخ الرجولة، واختلالُ توازن العقل عند اللواطيين، والبلاهةُ والارتباكُ، والضعفُ الشديدُ في إرادته، ومن ذلك الأمراضُ الفتاكةُ التي تصيب هؤلاء الشاذين تلك الأمراض التي أعلن الطبُ عجزَه عن علاجِها .
مثل الهربس والكلاميديا وغيرها من الأمراض القديمةِ مثل الزهريِ والسيلان وغيرهما من الأسقام التي تنجم عن العلاقات الجنسية المحرمة، قال صلى الله عليه وسلم : (( لم تظهر الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا )) وهو حديث صحيح .
ومن أضرار هذا الذنب العظيم أنه سببٌ في مقتِ الإنسان، وهوانهِ على الله فيا خيبة من أُبعدَ عن ربه بسبب لذةٍ مؤقتةٍ وشهوةٍ عابرةٍ، كان بإمكانه أن يقاومها بالابتهال إلى الله والتضرع إليه أن ينقذه، فما ردَّ سبحانه عبداً منيباً وما خيب راجياً .
ومن الآثار الخطيرة التي يُبتلى بها أصحابُ هذه الفاحشة مسخُ القلب وعمى البصيرة والعقوبة الشديدة إذا لم يتوبوا منها وقد يحالُ بينهم وبين التوبة، كما أشار إلى ذلك الإمام ابن القيم في كتابه الفذ (الجواب الكافي).
كما أنهم قد يُختَم لهم بخاتمةٍ سيئة والعياذُ بالله ، وفي هذا قصص ذُكِرَت في الكتابِ المشار إليه آنفاً، وأعظم الآثار المهلكة إعراضُ القلب عن الله وتعلُّقه بغيره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في كتاب العبودية ( من استعبد قلبه صورةٌ مرحمة امرأةٌ أو صبيٌ فهذا هو العذابُ الذي لا يدانيه عذابٌ وهؤلاء عشاقُ الصور من أعظمِ الناس عذاباً، وأقلِّهم ثواباً، فإن العاشقَ للصورة إذا بقي قلبُه متعلقاً بها مستعبداً لها اجتمعَ له من أنواع الشرور والفساد ما لا يحصيه إلا ربُّ العباد، ولو سَلِمَ من فِعْلِ الفاحشةِ الكبرى فدوام تعلق القلبِ بها بلا فعل الفاحشة أشدُّ ضرراً عليه ممن فعل ذنبا ثم يتوب منه ويزول أثرهُ من قلبهِ ) أهـ.[6]
كما يتسبب اللواطُ بشكل مباشرٍ في مرض الإيدز : وما أدراك ما الإيدز ؟ ذلك المرضُ الذي أفزعَ العالمَ وأرعبَه؛ لكثرة المصابين به ولقلّة علاجه وانعدامه، وللغموضِ المخيفِ الذي يُحيطُ به، وهذا المرضُ يعني نقصَ المناعة المكتسبة، أو انهيارُ المناعةِ المكتسبة؛ ذلك أن الله – عز وجل – أودعُ جسم الإنسان مناعة تكافحُ مختلفَ الأمراض، فإذا أصيب بهذا المرضِ انهارت مناعتُه، فلا يكاد يصمد أمامَ أقلِّ الأمراض، أما أكثرية المصابين بهذا المرض فقد ذكر المختصون أن نسبة 95 % منهم هم ممن يمارسون اللواط ، وأن تسعة أعشار المصابين به يموتون بعد ثلاث سنين من بداية المرض .
ومن السلبيات والآثار الخطيرة لفعل الفاحشة، أن من كانوا في صغرهم تفعل بهم الفاحشة يستمرون على هذا الفعل إلى الكبر، ولا يتلذّذون إلا بها ولا يصبرون عنها – عياذاً بالله من سوء الخاتمة – ولربما بلغوا الستين أو أكثر وهم على هذا العمل الخبث، وقال الحافظ بن كثير – رحمه الله – ( إن في اللواط من المفاسد ما يفوقُ الحصر والتعداد، ولهذا تنوعت عقوباتُ فاعليه، ولأن يُقتل المفعول به خيرٌ له من أن يؤتى في دبره، فإنه يَفْسِد فساداً لايُرجى له بعده صلاحٌ أبداً إلا أن يشاء الله ) .
وفي كتاب الجواب الكافي ما نصه (وقتلُ المفعول به خيرٌ من وطئه فإنه إذا وطأهُ الرجل قتله قتلاً لا ترجى الحياة معه بخلاف قَتْلِه فإنه مظلوم شهيد) .
وقد أباح الإمامُ ابن المبارك – رحمه الله – الله للغلام إذا أُريدَت منه الفاحشةُ ولم يتخلص إلا بالقتلِ أن له أن يقتلَ من يراودُه دفاعاً عن نفسهِ.
أيها المسلمون لكم أن تتساءلوا هل من علاج ودواءٍ لهذه الفاحشة ليقطع دابرها ويزولَ أثرُها ؟ وأقول نعم بحمدِ الله فما أُنزلَ من داء إلا وله دواء وعلاج .
ويتمثل هذا العلاج بأمور منها : معاقبة من يفعلون هذه الفاحشة بالقتل كما أجمعَ على ذلك الصحابةُ رضي الله عنهم ومن العلاجِ أن يقوم الآباء والمدرسون وطلبة العلم بواجبهم فيحذِّروا من هذه الفاحشة ويبيّنوا للمجتمع ما فيها من مفاسدَ وأضرار، وعلى الآباء خاصةً أن يبادروا بتزويج أولادهم في سنٍّ مبكّرة، وأن يعينوهم على الرفقة الصالحة وأن يُبعِدوا عنهم المجرمين والفاسدين الذين يحسِّنوا القبيح ويوقعُونهم في الموبقات .
كما أن على الآباء : أن يقوموا بملء الفراغ الذي يوجد عند هؤلاء الشباب ، إما بتوجيههم إلى طلب العلم والدخول في حلق تحفيظ القرآن مع المراقبة والمتابعة عن بُعد . وإما بالإعمال الدنيوية النافعة كالتجارة ونحوها .
كما إن عليك أيها الأب ، أن تربي الولد منذ الصغر على الخوفِ من الله سبحانه وعلى الرجولةِ والخشونةِ في المأكل والملبس، ولا بأس أن تعوَدَه حلاقةَ رأسه إن كان الشعر سبباً لجماله، كما أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه شاباً جميلاً افتتنت به الناس بأن يحلق رأسه.
كما إن من المسؤولية الملقاة على عاتق الأولياء من آباء وإخوانٍ وغيرهم أن يُبْعدوا عن هؤلاء الشباب كل ما يثيرُ الشهوة من غناءٍ وأفلامٍ ومجلاتٍ وقصصٍ غرامية، مع الاستمرار الدائم بالتوجيه والنصيحة والتحذير من الركوب مع الكبار الفاسقِ أو صحبتهم، ولا مانع من توفير طالباتهم ورغباتهم المباحة باعتدال، كقيادة السيارة مثلاً، وذلك لأنها من أعظم وسائل المنحرفين لجذب الأولاد، ولكن لابد من إشراف الأب على هذا الأمر وضبطه بضوابط شرعية لئلا تكون السيارة سبباً في إفساد الولد أو فساده، ولابد – أيها الأخوة من الحزم والقوة مع هؤلاء المفسدين الذين يتجولون داخل الأحياء بسياراتهم لأغراضٍ خبيثة والرفع بهم إلى الجهات المختصة لتأديبهم .
وختاماً فإن على من ابتُلي بارتكاب هذه الفاحشة القذرة أن يبادر بالتوبة إلى الله بصدق وإخلاص – قبل أن ينزلَ به الموت – فتتقطّعُ نفسه حسراتٍ على ما فعل من الفواحش والمحرمات، (( فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )) (المنافقون: 10, 11)
وليكثر من الأعمال الصالحة كالصلاة والذكر وتلاوة القرآن، وعيادة المرضى، واتباع الجنائز ومجالسة الصالحين .
وعليه أن يربي نفسه على التحلي بالصبر، وأن يلزم غضَّ البصر، وليحاسب نفسَه على التقصير، وليتذكرْ مراقبةَ السميع البصير، وليحرص على إعفاف نفسه بالزواج، ولكيثر من التضرع بين يدي ربِّه سبحانه فما ردَّ سائلاً، ولا خيّب راجياً، ولا أبعدَ منيباً، بل قال سبحانه (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) (الزمر: 53) أ. هـ .
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة عليه فقد قال الله تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )) (الأحزاب : 56).
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشركَ والمشركين وأحْمِ حوزة الدين وانضر من نصر الدين ووفق ولاتنا وولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه يا ربَّ العالمين .
اللهم ارفع عنا الوباء والغلاءَ والربا والزنا والزلازل والمحن والفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامةً برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
[1] من سير أعلام النبلاء (4/347) .
[2] أ.هـ ( باختصار من الجواب الكافي مع زيادات) .
[3] صحيح سنن الترمذي (2/76) .
[4] وفي صحيح سنن الترمذي للألباني قال الترمذي واختلف أهل العلم في حد اللوطي فرأى بعضهم أن عليه الرجم ... إلى أن قال [ وقال حد اللوطي حد الزاني ] .
[5] قال الألباني في صحيح الجامع هو صحيح .
[6] كتاب العبودية لابن تيمية ص 58 .
الجريمة الخلقية
الحمدُ لله الذي حرَّمَ الفواحشَ والآثام، وشَرَعَ من الأحكام ما يُصلِحُ الأنام، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ لهُ ، الملكُ القدوسُ السلامُ وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه المبعوثُ بالدينِ القويم والمنهجِ المستقيم فلم يَتْرُكْ خيراً إلا دلَّنا عليهِ ورغَّبنا فيه، ولا شرَّاً إلا حذَّرنا منه وزَجَرنا عنه فجزاه اللهُ عنها خيرَ ما جزى نبياً عن أمتهِ، وصلواتُ اللهِ وسلامُه عليه دائماً إلى يوم الدينِ وعلى آله وأصحابِه أجمعين وعلى جميعِ من تبعَهم بإحسان .
أما بعد : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) (الحشر، الآية : 18) .
أيها المسلمون : حديثي إليكم في هذه اللحظات هو عن أمرٍ كبيرٍ، وبلاٍ خطيرٍ إنه صيحةُ نذير وتحذير عن الفاحشة الكبرى، والجريمةِ العظمى التي هي من أخبثِ الجرائمِ و أفحشِها، وأسوئها، وأقبحِها وأعظمِها بلاءً وشراً، إنها فاحشةُ اللواطِ (وهي) إتيانُ الذكرِ للذكرِ، عياذاً باللهِ من عمى البصيرةِ وانتكاس الفطرةِ .
اللواطُ الذي هو من كبائرِ الذنوبِ بإجماع العلماءِ، وأولُ من ارتكبَ هذه الفاحشةَ قومُ نبيِ الله لوطٍ – عليه السلام – حيثُ بعثَه اللهُ إليهم داعياً إلى التوحيد ناهياً لهم عن ارتكابِ هذه الفاحشةِ التي لم يسبقْهم إليها أحدٌ من بني آدمَ . قال الله تعالى : ((وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ)) (الأعراف :81,80) .
وقال تعالى : ((وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)) .
وقال : ((أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ )) (العنكبوت: 29) .
لقد كان هؤلاء القومُ من أفجرِ الناسِ و أخبثهم وأكثرِهم سعياً بالفساد وقطع الطريق، وكانوا يأتونَ في ناديهمُ المنكرَ جهاراً دون حياءٍ أو خجل وليس منهم رجلٌ رشيدٌ، ويكفي أنهم سبقوا الناسَ إلى هذه الفِعْلِة السيئة التي تَنْفُرُ منها الطباعُ السليمة وتشمئَزّ منها النفوسُ الكريمة .
قال الوليد بن عبد الملك (لولا أن الله ذكر قومَ لوطٍ ما شعرت أن أحداً يفعل ذلك) [1]
لكنَّ قومَ لوط قد فسدت فطرهم فتركوا ما خَلَقَ لهم من النساءِ إلى إتيان الذُّكران من العالمين قال الله تعالى في سورة الشعراء ((كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ )) (الشعراء: 160 ).
((إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ)) (الشعراء : 106- 109)..
((وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ )) (الشعراء : 166) ..
فما هو ردُّ هؤلاء على نبيهم لوط عليه السلام ؟ قال الله عنهم : (( قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ* رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ* فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ .ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ )) (الشعراء: 167 – 173).
وقال تعالى عنهم أنهم قالوا : (( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ )) (النمل: 56 ).
بل تجاوزوا واستعجلوا العذاب (( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ )) (العنكبوت: 29–30) .
فاستجاب الله لدعوةِ نبيه لوطٍ – عليه السلام – فأرسلَ اللهُ ملائكته إلى قرى لوط ( قرى سَدُوم ) .
قال تعالى : ((وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ)) (هود : 77).
وقال المفسرون قدم هؤلاء الملائكةُ على لوط وهم في أجملِ صورةٍ ( شبابٌ حسانٌ) ولله في ذلك حكمةٌ بالغة، فنزلوا على لوط ضيوفاً فضاق صدْرُهُ – عليه السلام – حيث لم يعلم أنه مملائكة، وخاف عليهم من قومه . قال تعالى في سورة هود ((وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ)) (هود: 77– 78) .
وقال تعالى: ((وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ* قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيفِي فَلا تَفْضَحُونِ* وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ )) (الحجر: 67 – 69) .
وبعد مجادلة لوطٍ لقومه المفسدين طمأن الملائكة لوطاً – عليه السلام – وقالوا له : ((قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ إمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ )) (هود: 81 ).
ولما طَلَعَ الفجرُ نَجَّى الله لوطاً ومن معه من المؤمنين ورٌفِعَت قُرى هؤلاء القوم المجرمين نحوَ المساءِ حتى سَمِعَتِ الملائكةُ صياحَهم وصياحَ حيواناتهم ثم قَلَبها عليهم فَجَعَلَ عاليها سافلها ونزلت عليهم مع ذلك حجارةٌ شديدةٌ صلبة متتابعةٌ (( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ )) (سورة : 82, 83)..
فجعلهم آية للعالمين، وعبرةً للمعتبرين، ونكالاً وسلفاً لمن شاركهم في أعمالهم من المجرمين، وجعل ديارَهم بِطَريقِ السالكين ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ* وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)) سورة (الحجر: 75 – 77) .
أخذهم على غِرّة وهم نائمون، وجاءهم بأسه وهم في سكرتهم يعمهون، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ذهبت اللذاتُ، وأعقبتِ الحسراتُ، إنقضتِ الشهواتُ وأَوْرَثَتْهم الشقوات تمتّعوا قليلاً فعُذِّبوا طويلاً فلو رأيت الأعلى والأسفلَ من هذه الطائفةِ الخبيثةِ والنيران تخرج من منافذ وجوههم وأبدانهم ، وهم ما بين أطباق الجحيم، يُصَبُّ من فوقِ رؤوسهم الحميم، ويقال لهم وهم على وجوهِهِم يُسْحَبون ذوقوا ما كنتم تكسبون ولإخوانهم ومن عمل بعملهم أمثالُها وما هي من الظالمين ببعيد [2].
(إن ديار قوم لوطٍ ليست ببعيدةٍ من الكفّار المكذبين لنبينا صلى الله عليه وسلم فكان عليهم أن يعتبروا بما وقع لأهلها إذا مروا عليها في أسفارهم إلى الشام ((وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) الصافات: 137– 138) .
((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا )) (سورة : 10) .
((وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَة )) (سورة: 102– 103).
أيها المسلمون : ولقد خافَ النبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم على أمتِه أن يعملوا بعملِ هؤلاءِ القوم المجرمين ففي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي عن جابر بن عبد الله قال : سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول : ((إن أخوفَ ما أخافَ على أمتي عملُ قومِ لوطٍ )) [3].
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن الترمذي أيضاً(( ومن وجدتموه يعملُ عملَ قومِ لوطٍ فاقتلوا الفاعل والمفعول به)) .
فحدُّ اللوطيِّ هو القتلُ بكل حالٍ قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية – رحمه الله – (قد عُلِمَ بالاضطرار من دين الإسلام، ودين سائر الأمم بعدَ قومِ لوطٍ تحريم الفاحشة اللوطية، ولهذا بيًّن اللهُ في كتابه أنه لم يفعلها قبل قوم لوط أحدٌ من العالمين، ولقد عذَّب الله المستحلّين لها بعذابٍ ما عَذّبَ به أحداً من الأمم حيث طَمَسَ أبصارهم، وقَلَبَ مدائهم فجعل عاليها سافلها وأتبعهم بالحجارة من السماء) إلى أن قال – رحمه الله – عن اللوطيين [ اتفق الصحابة على قتلهم جميعاً، لكن تنازعوا في صفة القتل، فبعضهم قال : يُرْجَم، وبعضهم قال يُرْمَى من أعلى جدارٍ في القرية ويُتْبَع بالحجارة، وبعضهم قال يُحرَّق بالنار، ولهذا كان مذهبُ السلف والفقهاء أنهما يرجمانِ بكرين كانا أو ثيبينِ ) أ.هـ كلامه – رحمه الله تعالى [4]
وقال ابن القيم – رحمه الله - : (وأجمع أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلِه – يعني اللوطيَّ فلم يختلف منهم رجلان ) .. وحَرَّق خالدُ بنُ الوليد لوطياً بأمر أبي بكر – رضي الله عنه – وثبت تحريقهم عن علي بن أبي طالب وابن الزبير وهشام بن عبد الملك ولقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل هذه الفاحشة ففي مسند الإمام عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ((معلونٌ من عملِ بعملِ قومِ لوط )) [5].
أيها المسلمون : إن مشكلة اللوطِ اليومَ لا تقتصر على وجود أشخاصٍ شاذين في أنحاء متفرقة من العالم، بل لقد أصبح لهؤلاء المنحرفين، جمعياتٌ في بلدان الغرب تحميهم وتنظم علمهم القبيح فتّباً لهؤلاء الكفار ما أضلَّ سعيَهم ، وما أعظم شقاءهم ولا يُستغرَب هذا منهم، وإنما يَحُزُّ في النفس أن يوجدَ من شبابِ المسلمين من يقترفُ هذه الفاحشة الممقوتة بشكل ملفت للنظر وعند رجال الهيئات والجهات المسؤولة الخبرُ اليقين ( فإنا لله وإنا إليه راجعون) .
نسأل الله العافية . يا سبحان الله كيف يرضى مسلم عاقل لنفسه هذا المستوى المنحطَّ أين الغيرةُ والحميةُ ؟ أين العزةُ والكرامةُ ؟ أين الشهامةُ والرجولةُ ؟
حقاً إنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوبَ التي في الصدور وصَدَق الله ((أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)) (فاطر: 8).
فيا أيها الآباءُ والمربون إليكم باختصارٍ شديد بعض الأسباب التي تُوقع في هذه الفاحشة عصمني الله وإياكم وذرياتنا منها بمنّه وكرمه .ولنكون على درايةٍ ووقايةٍ فإن الوقاية خير من العلاج فمن الأسباب :
* الغفلةُ عن الولد وعدمِ تحذيره من صحبة الكبارِ و الفساقِ ولاسيما الأقاربُ فإن أبناء العم والخال الفاسقين – أشد ضرراً في الغالب من البعيد، وقد يفسدون الولد وأهلهُ لا يشعرون .
* ومن الأسباب عدمُ تلبيةِ حوائجِ الولد ومن ثم يلجأ إلى من يلبّي حاجته ويوفر رغبتَه، ويعرض عليه أنواعَ المغريات من نقودٍ وقيادة سيارة وغيرها مقابلَ فعل الفاحشة والتورّطِ في هذه البلية.
* ومن الأسباب عدمُ تنشئةِ الولد منذُ الصغرِ على الخوف من الله ومراقبتِه، وأنه لا تخفى عليه خافية .
* ومنها الميوعةُ والتخنثُ الذي ابُتلي به بعض الصبيان كإطالة الشعر تشبهاً بالنساء ولبسِ الضيّق الذي يصف تقاطيع البدن من (بنطلونات) وغيرها أو التكسّرُ في المشية والكلام والترددُ على الأماكن المشبوهة .
* ومن الأسباب أيضاً التساهلُ في معاشرة المردانِ وصحبتهم وإدمان النظر إليهم ولهذا كان السلف يحذّرون من مجالسة المردان والخلوة بهم ولاسيما أهلُ الترف والنعمة منهم .
قال الحسن بن ذكوان : - رحمه الله – ( لا تجالسوا أبناء الأغنياء فإن لهم صوراً كصور النساء وهم أشد فتنة من العذارى) .
وقال بعضهم (إذا رأيت من يُحِدّ النظرَ إلى الأمردِ فاتّهمْه) .
وقال عطاء – رحمه الله – كل نظرة يهواها القلب لا خير فيها) .
وقال ابن الجوزي – رحمه الله – صحبة الأحداث – أي الصغار – أقوى حبائل الشيطان التي يصيد بها ..
* ومن الأسباب الفراغُ والخلوّ من الشواغلِ عند كثيرٍ من الشباب فتجده ضائقاً ليس في أمر دين ولا دنيا .
* ومن أسباب فعلِها مشاهدةٌ الأفلام السيئة، والصورِ الخليعةِ، وسماعِ الأغاني الماجنةِ خاصةً ما يكون منها فيه وصفٌ الحسانِ الوجوهِ، وعرضٌ لهذه الفاحشة، نعوذ بالله مما يغضبه ويسخطه .
* ومن الأسباب أيضاً شربٌ – صغار السن – للدُّخَان حيث يحتاج البعضُ منهم إلى نقودٍ يشتري بها دخاناً فلا يجد وسيلةً للحصول على النقود إلا هذه الفاحشة .
* ومنها اختلاطُ صغار السنِّ بالكبارِ الفساقِ في البيعِ والشراءِ ولا سيما بيع وشراء الحَمَامِ، حسبَ إفادة بعضِ المراقبين لأحوالهم.
أيها الأخوة :
هذه أهمُّ الأسبابِ التي ذَكَرْتُها لكم بعدَ بحث وإفادة لهم اطلاعٌ على بعض القضايا، ولا سيما أحوال هؤلاء الشاذين، فاعتبروا يا أولي الأبصار، ولا يكُنْ حظُّنا من العلمَ بالأسبابِ بدون عملٍ فتقومَ الحجة علينا.
أسأل الله أن يُصْلح شبابَ المسلمين، وأن يجعلهم هداةً مهتدين، اللهم ردهم إليك رداً جميلا، اللهم جنبنا وإياهم الفواحشَ والفتنَ ، ما ظهر منها وما بطنَ اللهمّ حصِّن فروجَهم وطهِّر قلوبَهم، واجعلهم نصرةً للإسلام والمسلمين يا ربَّ العالمين .
هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه إن ربنا لغفور شكور .
الخطبة الثانية
الحمد للهِ ربِ العالمين، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحَده لا شريكَ له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن أصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
أما بعد :
فيا أيها الأخوة المسلمون : إن لفاحشة اللواط من الأضرارِ والآثار السيئة في الدنيا والآخرةِ ما لا يعلمهُ إلا اللهُ ، وفيما يلي توضيحٌ لما قاله المختصون حول هذه الفاحشة وأضرارها .
فمن ذلك الرغبةُ عن المرأة فإن من شأن اللواط أن يصرف الرجل عن المرأة ، وقد يبلغُ به الأمر إلى حدِّ العجز عن مباشرتِها، وبذلك تتعطلُ أهم وظيفة للزواج وهي إيجادُ النسل .
ومن هذه الأضرار التأثيرُ في الأعصابِ ومسخ الرجولة، واختلالُ توازن العقل عند اللواطيين، والبلاهةُ والارتباكُ، والضعفُ الشديدُ في إرادته، ومن ذلك الأمراضُ الفتاكةُ التي تصيب هؤلاء الشاذين تلك الأمراض التي أعلن الطبُ عجزَه عن علاجِها .
مثل الهربس والكلاميديا وغيرها من الأمراض القديمةِ مثل الزهريِ والسيلان وغيرهما من الأسقام التي تنجم عن العلاقات الجنسية المحرمة، قال صلى الله عليه وسلم : (( لم تظهر الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا )) وهو حديث صحيح .
ومن أضرار هذا الذنب العظيم أنه سببٌ في مقتِ الإنسان، وهوانهِ على الله فيا خيبة من أُبعدَ عن ربه بسبب لذةٍ مؤقتةٍ وشهوةٍ عابرةٍ، كان بإمكانه أن يقاومها بالابتهال إلى الله والتضرع إليه أن ينقذه، فما ردَّ سبحانه عبداً منيباً وما خيب راجياً .
ومن الآثار الخطيرة التي يُبتلى بها أصحابُ هذه الفاحشة مسخُ القلب وعمى البصيرة والعقوبة الشديدة إذا لم يتوبوا منها وقد يحالُ بينهم وبين التوبة، كما أشار إلى ذلك الإمام ابن القيم في كتابه الفذ (الجواب الكافي).
كما أنهم قد يُختَم لهم بخاتمةٍ سيئة والعياذُ بالله ، وفي هذا قصص ذُكِرَت في الكتابِ المشار إليه آنفاً، وأعظم الآثار المهلكة إعراضُ القلب عن الله وتعلُّقه بغيره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في كتاب العبودية ( من استعبد قلبه صورةٌ مرحمة امرأةٌ أو صبيٌ فهذا هو العذابُ الذي لا يدانيه عذابٌ وهؤلاء عشاقُ الصور من أعظمِ الناس عذاباً، وأقلِّهم ثواباً، فإن العاشقَ للصورة إذا بقي قلبُه متعلقاً بها مستعبداً لها اجتمعَ له من أنواع الشرور والفساد ما لا يحصيه إلا ربُّ العباد، ولو سَلِمَ من فِعْلِ الفاحشةِ الكبرى فدوام تعلق القلبِ بها بلا فعل الفاحشة أشدُّ ضرراً عليه ممن فعل ذنبا ثم يتوب منه ويزول أثرهُ من قلبهِ ) أهـ.[6]
كما يتسبب اللواطُ بشكل مباشرٍ في مرض الإيدز : وما أدراك ما الإيدز ؟ ذلك المرضُ الذي أفزعَ العالمَ وأرعبَه؛ لكثرة المصابين به ولقلّة علاجه وانعدامه، وللغموضِ المخيفِ الذي يُحيطُ به، وهذا المرضُ يعني نقصَ المناعة المكتسبة، أو انهيارُ المناعةِ المكتسبة؛ ذلك أن الله – عز وجل – أودعُ جسم الإنسان مناعة تكافحُ مختلفَ الأمراض، فإذا أصيب بهذا المرضِ انهارت مناعتُه، فلا يكاد يصمد أمامَ أقلِّ الأمراض، أما أكثرية المصابين بهذا المرض فقد ذكر المختصون أن نسبة 95 % منهم هم ممن يمارسون اللواط ، وأن تسعة أعشار المصابين به يموتون بعد ثلاث سنين من بداية المرض .
ومن السلبيات والآثار الخطيرة لفعل الفاحشة، أن من كانوا في صغرهم تفعل بهم الفاحشة يستمرون على هذا الفعل إلى الكبر، ولا يتلذّذون إلا بها ولا يصبرون عنها – عياذاً بالله من سوء الخاتمة – ولربما بلغوا الستين أو أكثر وهم على هذا العمل الخبث، وقال الحافظ بن كثير – رحمه الله – ( إن في اللواط من المفاسد ما يفوقُ الحصر والتعداد، ولهذا تنوعت عقوباتُ فاعليه، ولأن يُقتل المفعول به خيرٌ له من أن يؤتى في دبره، فإنه يَفْسِد فساداً لايُرجى له بعده صلاحٌ أبداً إلا أن يشاء الله ) .
وفي كتاب الجواب الكافي ما نصه (وقتلُ المفعول به خيرٌ من وطئه فإنه إذا وطأهُ الرجل قتله قتلاً لا ترجى الحياة معه بخلاف قَتْلِه فإنه مظلوم شهيد) .
وقد أباح الإمامُ ابن المبارك – رحمه الله – الله للغلام إذا أُريدَت منه الفاحشةُ ولم يتخلص إلا بالقتلِ أن له أن يقتلَ من يراودُه دفاعاً عن نفسهِ.
أيها المسلمون لكم أن تتساءلوا هل من علاج ودواءٍ لهذه الفاحشة ليقطع دابرها ويزولَ أثرُها ؟ وأقول نعم بحمدِ الله فما أُنزلَ من داء إلا وله دواء وعلاج .
ويتمثل هذا العلاج بأمور منها : معاقبة من يفعلون هذه الفاحشة بالقتل كما أجمعَ على ذلك الصحابةُ رضي الله عنهم ومن العلاجِ أن يقوم الآباء والمدرسون وطلبة العلم بواجبهم فيحذِّروا من هذه الفاحشة ويبيّنوا للمجتمع ما فيها من مفاسدَ وأضرار، وعلى الآباء خاصةً أن يبادروا بتزويج أولادهم في سنٍّ مبكّرة، وأن يعينوهم على الرفقة الصالحة وأن يُبعِدوا عنهم المجرمين والفاسدين الذين يحسِّنوا القبيح ويوقعُونهم في الموبقات .
كما أن على الآباء : أن يقوموا بملء الفراغ الذي يوجد عند هؤلاء الشباب ، إما بتوجيههم إلى طلب العلم والدخول في حلق تحفيظ القرآن مع المراقبة والمتابعة عن بُعد . وإما بالإعمال الدنيوية النافعة كالتجارة ونحوها .
كما إن عليك أيها الأب ، أن تربي الولد منذ الصغر على الخوفِ من الله سبحانه وعلى الرجولةِ والخشونةِ في المأكل والملبس، ولا بأس أن تعوَدَه حلاقةَ رأسه إن كان الشعر سبباً لجماله، كما أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه شاباً جميلاً افتتنت به الناس بأن يحلق رأسه.
كما إن من المسؤولية الملقاة على عاتق الأولياء من آباء وإخوانٍ وغيرهم أن يُبْعدوا عن هؤلاء الشباب كل ما يثيرُ الشهوة من غناءٍ وأفلامٍ ومجلاتٍ وقصصٍ غرامية، مع الاستمرار الدائم بالتوجيه والنصيحة والتحذير من الركوب مع الكبار الفاسقِ أو صحبتهم، ولا مانع من توفير طالباتهم ورغباتهم المباحة باعتدال، كقيادة السيارة مثلاً، وذلك لأنها من أعظم وسائل المنحرفين لجذب الأولاد، ولكن لابد من إشراف الأب على هذا الأمر وضبطه بضوابط شرعية لئلا تكون السيارة سبباً في إفساد الولد أو فساده، ولابد – أيها الأخوة من الحزم والقوة مع هؤلاء المفسدين الذين يتجولون داخل الأحياء بسياراتهم لأغراضٍ خبيثة والرفع بهم إلى الجهات المختصة لتأديبهم .
وختاماً فإن على من ابتُلي بارتكاب هذه الفاحشة القذرة أن يبادر بالتوبة إلى الله بصدق وإخلاص – قبل أن ينزلَ به الموت – فتتقطّعُ نفسه حسراتٍ على ما فعل من الفواحش والمحرمات، (( فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )) (المنافقون: 10, 11)
وليكثر من الأعمال الصالحة كالصلاة والذكر وتلاوة القرآن، وعيادة المرضى، واتباع الجنائز ومجالسة الصالحين .
وعليه أن يربي نفسه على التحلي بالصبر، وأن يلزم غضَّ البصر، وليحاسب نفسَه على التقصير، وليتذكرْ مراقبةَ السميع البصير، وليحرص على إعفاف نفسه بالزواج، ولكيثر من التضرع بين يدي ربِّه سبحانه فما ردَّ سائلاً، ولا خيّب راجياً، ولا أبعدَ منيباً، بل قال سبحانه (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) (الزمر: 53) أ. هـ .
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة عليه فقد قال الله تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )) (الأحزاب : 56).
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشركَ والمشركين وأحْمِ حوزة الدين وانضر من نصر الدين ووفق ولاتنا وولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه يا ربَّ العالمين .
اللهم ارفع عنا الوباء والغلاءَ والربا والزنا والزلازل والمحن والفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامةً برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
[1] من سير أعلام النبلاء (4/347) .
[2] أ.هـ ( باختصار من الجواب الكافي مع زيادات) .
[3] صحيح سنن الترمذي (2/76) .
[4] وفي صحيح سنن الترمذي للألباني قال الترمذي واختلف أهل العلم في حد اللوطي فرأى بعضهم أن عليه الرجم ... إلى أن قال [ وقال حد اللوطي حد الزاني ] .
[5] قال الألباني في صحيح الجامع هو صحيح .
[6] كتاب العبودية لابن تيمية ص 58 .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى