لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
مسلم
مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

قيادة المرأة بين الرفض والإجاب  Empty قيادة المرأة بين الرفض والإجاب {السبت 26 نوفمبر - 10:14}

د.محمد بن عبد الله الهبدان
قيادة المرأة بين الرفض والإجاب


أمةَ الإسلام :

لا تزال دعواتٌ تخرجُ من هنا وهناك، تدعو إلى قضايا معينةٍ، أصبحتْ هي موضوعَ حديثِ الناسِ في مجالسِهم، ومدارَ كلامِهم في منتدياتهِم، وكلٌّ يطرحُ وجهتَه، ويدلي بدلوِه ليُقنعَ الآخر بجدوى قناعاتِه، لذا سنطرحُ الآراءَ في هذه القضيةِ وننظرُ إليها بعينِ الإنصافِ والتجردِ ونطرحُ الأهواءَ جانبا، ويكونُ هدفُنا هو الوصولُ للحق، نبتغي بذلك وجَه الله تعالى والدارَ الآخرة.

أيها المسلمون :

تُطالعُنا الصحفُ بين كلِّ حينٍ وآخر، بقضيةِ قيادةِ المرأةِ للسيارةِ، ويحقُ لنا أن نتساءلَ أيها المسلمون قبل أن نبدأَ الحوار، هل قضيةُ قيادةِ المرأةِ للسيارةِ هي أهمُ قضيةٍ نحتاجُها الآن ؟!! أليستْ هناك قضايا أهمَّ وأولى بالطرحِ من هذه القضية ؟ أليستْ قضيةُ العنوسةِ مشكلةً ضخمةً للغاية تحتاجُ إلى وقفةٍ جادةِ من المسؤولين ؟ أليستْ قضيةُ الطلاقِ والمطلقاتِ وما يواجهْنَه من مشاكلَ ومصاعبَ تحتاجُ إلى علاج ؟!! كم نسبةُ النساءِ المطلقاتِ في مجتمعنا ؟هل طُرحتْ مشاريعُ لحلِ مشكلاتهِن وإثارةِ قضاياهن ؟!! كم عددُ الأرامل، ماذا قدم المجتمعُ لهن ؟!! فيا سبحان الله، تناسينا كلَ هذه القضايا المصيريةِ، والتفتنا إلى قضيةٍ جانبية ؟!

وأقول كما قالتْ إحدى الكاتباتِ في جريدةِ الجزيرة : ( إني أقولُ لمن يطرحون هذه القضية ، أنتم إنسانيون للغاية تحملون كافةَ أعباءِ وهمومِ المرأةِ على عاتقِكم، وكلَّ ما يتعلقُ بها من قضايا ومسؤوليات، فهي شغلُكُم الشاغلُ بالفعلِ، ولكنْ هل مشكلاتُ وقضايا المرأةِ في العالم جميعُها حلت وأصبحت في أحسنِ حال، فلم يبق غيرُ مسألةِ قيادةِ السيارة؟ وهل قيادةُ السيارةِ غايةٌ أم وسيلةٌ في حدِ ذاتها ؟ وما هي القيمةُ العظيمةُ التي تعطيها رخصةُ القيادةِ للمرأةِ حتى نقولَ إن المرأةَ السعوديةَ حُرمتْ منها ؟ وهل لديكم أدنى فكرةٍ عن وضعِ النساءِ في العالم ؟ والمرأةُ السعودية أبعدُ ما تكونُ عما يحدثُ لنساءِ العالمِ من اعتداءٍ صارخٍ ونهبٍ للحقوق، والمرأةُ في هذه البلادِ تُدركُ جيداً أنها غاليةٌ ومعززةٌ ومكرمةٌ، فمعاملاتهُا تسيرُ في الجهاتِ الرسميةِ أولاً لأنها امرأةٌ، ولا تقفُ في الطابورِ لأنها امرأةٌ، وتتعاملُ معها الدولةُ وكافةُ الجهاتِ الرسميةِ بكثيرٍ من الاحترامِ والتقديرِ والمراعاةِ لكونهِا امرأةً، فتمثلُ قيمةً لدى حكومتِها ولدى أسرتهِا، فهي محاطةٌ بهالة من القدسيةِ والعفةِ والاحترامِ، ولذلك المرأةُ السعوديةُ أكثرُ نساءِ العالمِ غلاءً في مهورِهن مما شكل مشكلةً وعقبةً رئيسيةً أمام الراغبِ في الزواجِ ، وأوجد مشكلةً العنوسةِ ..) انتهى كلامُها .

أيها المسلمون :

لقد طالعتْنا الصحفُ ببعضِ ما استدل به المؤيدون لقيادةِ المرأةِ للسيارةِ، كقولهِم قيادةُ المرأةِ للسيارةِ ضرورةٌ من ضروراتِ العصرِ، ومطلبٌ من متطلباتِ الحياةِ، والسؤالُ الذي يطرحُ نفسَه بنفسِه، هل العصرُ والحياةُ أدلةٌ شرعيةٌ تتحكمان في حياتِنا وشئوننِا؛ بحيثُ ما أحله العصرُ أو ارتضاهُ أهلُه يكون حلالاً، وما حرمتْه الحياةُ أو أبغضَهُ الناسُ يكون حراماً ؟ أم أننا متعبدون بدينٍ ربانيٍ ،و منهجٍ إيماني .

وهل كلُّ ما كان من ضرورياتِ العصرِ يكونُ حلالا ؟ إذن ما تقولون في الربا الذي ضرب بجذورِه في بلادِ العالم كافةً، هل سيكونُ حلالا ؟ يقول الله تعالى: (( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ )) (سورة الانعام : 116) .

ونحن أيضا إذا أردنا أن نُحَكِّمَ العصرَ والحياةَ ـ جدلاً ـ في قيادةِ المرأةِ للسيارةِ، فإننا سنجدُ أن قيادةَ المرأةِ للسيارةِ ستسببُ مشكلاتٍ عديدةً والدليلُ على ذلك ما يلي:

أولاً : تسجلُ الإحصاءاتُ المروريةُ الرسميةُ أن هناك ما يزيدُ على ثلاثين ألفِ مصابٍ وأربعةِ آلافِ حالةِ وفاةٍ سنوياً ، يقعون ضحايا في نحِو ربعِ مليونِ حادثٍ مروريٍ، وفقاً لإحصاءاتِ عامِ ألفٍ وأربعِمِائة وعشرين. واللافتُ للنظرِ أن عددَ الوفياتِ في ذلك العام، قد سجل زيادةً بنسبةِ ثلاثةِ عشرَ بالمائة عن العامِ الذي قبله، مما يعني أنَّ هُناك تصاعداً في خطورةِ حوادثِ الطرقِ داخلَ المملكة، هذا الإحصاءُ والنساءُ لم يقدْن، فكيف إذا قادتْ النساءُ فكم ستصبحُ حوادثُ المرور ؟ ‍‍وكم سيكونُ عددُ الضحايا ؟‍‍

وقد أكدتْ الدراساتُ في شتى دولِ العالمِ أنَّ خمساً وثمانين بالمائةِ من أسبابِ الحوادث ترجعُ إلى السائق ؟‍‍ مع العلمِ أنَّ الرجلَ أثبتُ قلباً، وأقوى إرادةً، خاصةً في وقتِ الأزماتِ، فماذا سيكونُ الحالُ مع قيادةِ المرأةِ الرقيقةِ الناعمة ؟!!

ثانياً : ثبت من خلالِ الدراساتِ أن وسائلَ النقلِ والمواصلاتِ تعدُّ المساهمَ الأكبرَ في تلوثِ الهواءِ الجوي، وبالتالي تلوثِ المناخ، وتلوثِ الهواءِ في المدنِ المزدحمة، وقد بلغتْ النسبةُ ستين بالمائة !! ونحن لا نحتاجُ إلى دليلٍ لإثباتِ الزحامِ الموجودِ في بلادِنا.

ثالثاً : بلغَ عددُ السياراتِ المستخدَمة في المملكةِ في عام ألفين مليونين وتسعَمائة وخمسةَ آلاف وأربعَمائة سيارة، ويقدرُ لهذا العددِ أن يصلَ إلى ثلاثِ ملايين وثلاثمِائة وستين ألف ومائةٍ وخمسين سيارةً عام ألفين وخمسةِ ميلادي، ويا تُرى كم سيكونُ العددُ لو أضيفَ عددُ سياراتِ العاملاتِ في القطاعِ التعليمي والطبي، وعددُ سياراتِِ طالباتِ الجامعاتِ في المملكة، يا تُرى هل يمكنُ أن نتحركَ في شوارعِنا أم أننا نستغني عنها ويكون السيرُ على الأقدامِ أسرعَ من السيرِ على السيارة ؟!!

أيها المسلمون :

ومما استدلوا به أيضاً قولهُم : إنَّ قيادةَ المرأةِ للسيارةِ في هذه البلادِ لن تكونَ كغيرِها من بلاد العالم، بل يحكمُهُ نظامُ، وقانونٌ يحفظُ لنا نسائَنا من الاختلاطِ والسفورِ، فيقالُ : هل إذا خرجتْ المرأةُ لقيادةِ السيارةِ نستطيعُ أن نقولَ لها : عليكِ بالحجابِ الشرعي ؟ وإياكِ أن تسافري إلى مدينةٍ أخرى بدون محرم ؟ وإيَّاكِ أن تخرجي من بيتِكِ إلاَّ للضرورة والحاجةِ الماسةِ وبإذنِ زوجِكِ ؟ وإذا اشتُرط أن يكونَ عمرُها أربعين سنة فهل كلُ امرأةٍ ستوقفُ ويسألهُا رجلُ المرور، كم عمرُكِ ؟ ونقولُ للشباب إيَّاكم أن تؤذوا السائقاتِ بالمطارداتِ أو المعاكساتِ، لأنهن أخواتُكم في الله !! وإذا كانتْ النساءُ مع السائقين لم يسلمْن من مطارداتِ الشبابِ، والمواكبِ التي أصبحتْ ظاهرةً في المجتمعِ، فكيف إذا كانتْ لوحدِها ؟ وهل نمنُعها من الخروجِ خارجَ المدنِ أو الأماكنِ النائية خشيةَ أن تتعطلَ المرأةُ في مكانٍ بعيدٍ، فتصبحُ هدفا للذئابِ البشرية، ماذا سيقولُ المطالِبون بالقيادةِ أمام هذه الإشكالاتِ التي ستقعُ؟! وهل يمكنُ حلُها ؟!!

ومما ذكره المطالبون للقيادةِ أنه يمكنُ أن تقودَ المرأةُ وهي محجبةٌ !! والواقعُ يكذبُ هذا القولَ ويبطلُه، لأنَّ من قادتْ من النساءِ سوف تكشفُ وجهَها لتحذرَ عقباتِ الطرق ، ومغباتِ الحوادث، وعلى فرضِ أنَّهُ يمكنُ تطبيقهُ في ابتداءِ الأمرِ، هل سيستمرُ أم يتحولُ بعد فترةٍ وجيزة ؟ يوضحُ ذلك ما ذكرتْه صحيفةُ الشرقِ الأوسطِ الصادرةِ في عامِ ألفٍ وأربعِمائة وتسعةَ عشر في شهرِ ربيعٍ الأول في اليومِ الخامس، وفيه : ( أنَّ إدارةَ المرورِ في قطرِ سنتْ قانوناً يمنع النساءَ المنقباتِ من قيادةِ السيارات .

وقالتْ الصحيفة : إنَّ الإدارةَ العامةَ للمرورِ التابعةَ لوزارةِ الداخلية سنتْ القانونَ الجديدَ بقصدِ تجنبِ تَخفي البعضِ من النساء أو الرجال تحت النقابِ للقيامِ بأعمالٍ مخالفةٍ للقانون ؛ ومنهم فئةُ صغارِ السنِ من الشباب غيرِ المسموح لهم باستصدارِ رخصِ قيادةِ السيارات ، حيثُ يتخفونَ في زيِ المنقباتِ ويقومون بقيادةِ السياراتِ، مما يؤدي إلى أضرارٍ بالغيرِ في الشارع "

فماذا يقولُ المطالبونَ بقيادةِ المرأةِ بهذا التصريحِ من بلدٍ عربيٍ مجاور ؟!! أرأيتم كيف أصبحتْ القيادة سبباً لإسقاطِ الحجاب !!

ومما قالوهُ أيضا أنَّ النساءَ قد ركبْنَ في زمنِ النبي r الإبلَ لوحدِهن ولم يُنكَرْ عليهن، وهذا الكلامُ لا دليلَ عليه، فلم يثبتْ في دليلٍ ولا توجد حادثةٌ تشهدُ لقولهم بل بالعكس ؛ فإنَّ من يراجعُ أحاديثَ النبيِ r وسيرتَه يتضحُ له أنَّ النساءَ كنَّ يركبْنَ متستراتٍ في الهودجِ على ظهورِ الإبلِ، ويقودُ بهن أحدُ الرجالِ من محارمهنَّ، كما روى البخاريُ أن النبيَ r كان من سيرتِه أنَّه يخرجُ بإحدى نسائِه في غزواتِه ويجعلُها تركبُ في الهودج ، ويأمرُ أحداً يقودُ بها البعيرُ أو من المماليكِ، أو يركبْن رديفاتٍ لأحدِ محارمِهنَّ أي خلف ظهرِه، كما في البخاري أن النبيَّ r أمر عبدَ الرحمنِ بنَ أبي بكر الصديق أن يردفَ عائشةَ ويعمرَها من التنعيم، وعلى التسليِم أنها تقودُ الجملَ،

فيا أيُّها العقلاءُ :

هل هُناك مقارنةٌ بين الجملِ والسيارة، أليستْ السيارةُ تحتاجُ إلى أوراقٍ ثبوتيةٍ، وتأكدٍ من هويةِ السائق، إضافةً إلى ما يترتبُ عليها من الحوادثِ المتلفةِ للأنفسِ والممتلكات، ولما تتطلبُه قيادتهُا من الفنِ والمهارةِ، وقد جُعلتْ لها أقسامٌ دوريةٌ، وجهاتٌ رسمية لم تجعلْ للجمالِ والبغالِ والحمير !!

وذكر بعضُهم أيضا بأن قيادةَ المرأةِ سيكونُ مثلُ تعليمِها ؛ حيث عارضه البعضُ في بدايةِ أمرهِ ثم تقبلوه تدريجياً، ونقولُ شتان بين الأمرين، فتعليمُ المرأةِ المسلمةِ أمرٌ رغب فيه الشرعُ، والذين عارضوا أمرَ التعليمِ في أولِ الأمر لم يعارضوهُ لذاتِه، كما يتوهمُ البعضُ أو يتغافلُ، إنَّما عارضوه لأنَّهم خشوا أن يكونَ حالُهُ كحالِ تعليمِ النساءِ في الدولِ الإسلاميةِ الأخرى ؛ حيثُ الاختلاطُ والموادُ الفاسدة، فلما تيقنوا أنَّ هذا لن يحدث، وأنَّ التعليمَ سيرتبطُ بعلماءِ الشريعةِ، وسيكونُ مستقلاً، اطمأنوا لذلك، فأين تعليمُ المرأةِ المسلمةِ التي تخرجُ من بيتِها بحجابٍ كامل إلى مدرسةٍ خاصةٍ ببناتِ جنسِها مغلقةِ الأبواب ، وعليها الحراس ، وتدرسُ موادَ نافعة، من قيادةِ السيارةِ وما فيها من المفاسد ؟!!

ومما قالوه أيضا: أنَّ هناك أُسراً لا يوجدُ من يعولهُم ،وأراملُ لا ولي يقومُ على شؤونهِم ، والسماحُ لنساءِ هؤلاءِ بالقيادةِ فيه دفعٌ لحاجتِهم ، وتخفيفٌ لضرورتهِم، ويقالُ لهؤلاءِ إنَّ الأراملَ والمحتاجاتِ في المجتمع لن يستفدْن من السماحِ للمرأةِ بقيادةِ السيارة شيئاً ، لأنَّ غالبَهن لا يستطيعن شراءَ السيارةِ فضلاً عن تحملِ تبعاتهِا، لكونهن لا يستطعنْ تحملَ تبعاتِ بيوتهِن أصلاً !! وإذا كانتْ أمهاتُ الأسرِ الفقيرة بحاجةٍ إلى القيادةِ، فليحضرْن سائقاً يقضين به ضرورتهَن، مع عدمِ الخلوةِ بهنَّ بحالٍ من الأحوال، مع العلمِ أنه قد وفر الكثير من حاجات النقل الضرورية، فالتعليمُ العامُ والجامعيُّ تتوفرُ فيه حافلاتُ نقلٍ مجانية ، والمستشفيات قد وُفرتْ لها سياراتُ الإسعافِ لنقل المرضى، من أي مكانٍ في البلدِ إلى المستشفيات فضلاً عن الجمعيات الخيرية، التي تقومُ على الأسرِ المحتاجةِ ، والترابطِ الاجتماعي المتميزِ في هذا البلدِ بين غالبِ الأقاربِ والجيران .

ومما قالهُ المُطالبون بالقيادِة قولهُم : إنَّ قيادةَ المرأةِ خيرٌ لها من الخلوةِ بالسائقِ الأجنبي !!

ومن تأمل بعينِ الإنصافِ والتجردِ، علم أنَّ كلاَ الأمرينِ فيهما ضررٌ، وأحدُهما أضرُّ من الآخر، ولكن ليس هُناك ضرورةٌ توجبُ ارتكابَ أحدِهما، فقيادةُ المرأةِ للسيارة مفاسدُها أعظم، وخطرُها أكبرُ ، فالشرعُ عندما حرم الخلوةَ بالمرأةِ، إنما حرمها سداً لذريعةِ الفساد، لكنَّ القيادةَ يلزمُ منها الوقوعُ في الحرامِ، ككشفِ الوجه، ونزعِ الحياء ـ والحياءُ من الإيمان - وسببٌ لكثرةِ الخروج من المنزل، والبيتُ خيرٌ لها، كما قال r ، وفتحُ البابِ على مصراعيه لها بحيثُ تخرجُ متى تشاء ، وإلى مَنْ تشاء، وحيث شاءتْ، وتمردُها على زوجِها وأهلِها ، فلأدنى سببٌ يُثيرُها في البيتِ تخرُج منه ، وتذهبُ لسيارتهِا إلى حيث ترى!! وكذا مطالبتُها بصورتهِا في رخصةِ القيادةِ للتحققِ من هويتِها، وكما أنها سببٌ للفتنة في مواقفَ عديدة : في الوقوفِ عند إشاراتِ الطريق، وعند نقطِة التفتش، وفي الوقوفِ لملءِ إطارِ السيارةِ بالهواء، وفي الوقوفِ عند محطاتِ البنزينِ، وفي الوقوفِ عند رجالِ المرورِ عند التحقيقِ في مخالفةٍ أو حادثٍ، وفي الوقوفِ عند خللٍ يقعُ بالسيارة أثناء الطريقِ، فتحتاجُ المرأةُ إلى إسعافِها، فماذا تكونُ حالتُها ؟ وربما تصادفُ رجلاً سافلاً يساومُها على عرضِها في تخليصِها من محنتِها ، لا سيما إذا عظمتْ حاجتُها حتى بلغتْ حدَّ الضرورة، ثم أيها المسلمون : وهل يتوقعُ أن الأسرَ ستستغني عن السائقِ الذي اعتادتْ تكليفَهُ بشراءِ حوائجِ البيت، وإيصالِ من شاؤا وسط الليلِ ، وغسيلِ السيارات وأفنيةِ المنازل ، وتعبئةِ اسطواناتِ الغاز وحملِها، إلى آخر القائمة المعروفة، هل ستستغني الأسرُ عنه وقد اعتادتْ عليه، لتقومَ نساؤُها بذلك !! وهل ستقومُ النساءُ مقامَه في توصيلِ من ير يدن ؟ إن معظمَ الشبابِ يتثاقلون عن خدمةِ أهاليهم وتحريكِ سياراتهِم لأقرب مكان، فما الظنُّ بالنساء ؟! ثم إنَّ واقعَ الدولِ القريبة منا يشهدُ بهذا، حيثُ قادتْ نساؤُهم وبقي السائقين في بيوتهِم!! فاجتمع الضرران.

وقالوا : ألا تروْن أننا بالسماحِ بالقيادةِ نتخلصُ من الضغوطِ الكثيرة التي تتعرضُ لها بلادُنا من الغربِ بخصوصِ قضيةِ المرأة ، فنرتاحُ بعدها ونتنفسُ الصعداءَ، من هذا الشدِ والتأزمِ الذي نعيشُه، ونقولُ: هيهات أن يكونَ ذلك !! لأنَّ الغربَ كلما زدتَّ له انبطاحاً زاد ضغطاً في أمورٍ قد لا ترضونها سياسياً لا شرعيا !! وقد أخبرنا اللهُ عن حقيقةٍ ينبغي أن لا تغيبَ عن أذهاننِا، وأن لا نحاولَ خداعَ أنفسِنا بتجاهِلها، وهي أن الغربَ لن يرضى عنا دون الكفرِ باللهِ تعالى، فهل ترضون بهذا ؟!! يقولُ الله تعالى : (( وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ )) (سورة البقرة :120) .

فلا تحلم برضى الكفارِ أو تخفيفِ الضغوطِ ما دمت على الإسلامِ، وليكنْ لنا عبرةٌ بحال تركيا، فهاهي قدمتْ التنازلاتِ تلو التنازلات التي لا تخفى على متابعِ، فعلمَنَتْ البلاد، وحاربتْ مظاهرَ الإسلام ، وكل هذا لتُرضيَّ الغربَ النصراني، وتتذللَ له أن يقبلَها عضواً في الاتحادِ الأوربي، ولكن ماذا كانتْ النتيجةُ إلى يومنا هذا ؟ اسمع ذلك في هذا الخبرِ نشرتْه مجلةُ المجتمع في عددِها ألفٍ وخمسِمِائة وعشرة : ( أكد جونتر فرهويغن مسؤولُ شؤونِ التوسعِ في لجنةِ الاتحادِ، عدمَ وجودِ خططٍ أوربيةٍ حاليةٍ لمنحِ تركيا موعداً ـ مجردَ موعد ـ لبدءِ مباحثاتِ العضويةِ مع الاتحاد ) !! والسببُ أن تركيا إلى الآن لم تعلنْ نصرانيتَها حتى يرضى الغربُ عنها كما أخبرنا تعالى، لهذا ينبغي أن يعلمَ العقلاءُ في بلادِنا، أنهم إذا تنازلوا في هذا الأمرِ سيجدون أنفسَهم أمام قائمةٍ طويلةٍ من التنازلات التي لا تنتهي ، ولكن إنَّ هم اتقوا وصبروا ولم يتنازلوا في هذا الأمرِ سيجدون أنَّ اللهَ ينصرُهم ويفرجُ عنهم أزمتَهم ، وأنَّ الغربَ يملُّ ويكلُّ وييأسُ، ويتحققُ فيهم قولُه تعالى: (( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا )) (سورة الأحزاب :25) .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم



الخطبة الثانية

أيها المسلمون :

هذا جلُ ما استدلَ به المطالبون بقيادةِ المرأةِ للسيارة ، وقد تبين لكم من خلالِ العرضِ ضعفُ هذه الشبه، وليعلمْ الجميعُ أنَّ في تحقيقِ هذا المطلبِ مفاسدَ عظيمةً تعودُ على الفردِ والمجتمع، تقدم ذكرُ طرفٍ منها في حديثِنا السابقِ، ومن هذه المفاسد، أنَّ في قيادةِ المرأةِ زيادةَ اعتمادِ الرجلِ على زوجتِه في قضاءِ حاجاتِ البيت، كتوصيلِ الأولاد إلى المدرسةِ، وزيارةِ الأقارب، وشراءِ الأغراضِ المنزليةِ، ونحوِ ذلك من الأمورِ التي ربما تتطلبُ السفرَ إلى المدنِ المجاورة ، وفي هذا من إرهاقِ المرأةِ بالواجباتِ المنزليةِ ما لا يخفى، وفيه أيضاً تفريطٌ في حق البيتِ والأولادِ، ونحنُ نرى الآنَ الثمراتِ المرةَ لخروجِ المرأةِ للعملِ، فأصبحتْ التربيةُ والحضانةُ في كثيرٍ من بيوتِ الموظفاتِ من مهماتِ الخدم، وغالبُهم من الأعاجِم الذين لا يُحسنون تربيةَ الأولاد، ورُبما كانوا من النصارى أو الوثنيين .

وهُنا تكونُ المصائبُ الثلاث : الأولى أنَّ الأبَ لا يقومُ بشؤونِ بيتِه ، والأم لا تقومُ بشؤونِ منزلهِا، والأولادَ بيدِ الخدم ، ومن ثم على المجتمعِ السلام ، ولعلي أعرضُ لكم مقولةً لمن جربوا هذا الأمرَ وذاقوا مرارتَه، وهي دولةٌ خليجيةٌ مجاورة،

تقولُ صحيفةُ البيانِ الإماراتية ِ: ( تغيرتْ الحياةُ بشكلٍ كبيرٍ وملحوظٍ، وأثرُ هذا التغييرِ على كلِ فردٍ من أفرادِ الأسرةِ الزوجِ والزوجةِ والأبناءِ، وجاء هذا التغييرُ لصالحَ فردٍ معين في الأسرةِ على حسابِ فردٍ آخر، أو بمعنى آخر، أنَّ الرجلَ ارتاحَ كثيراً في هذه الحياةِ، مقارنةً بالمرأةِ التي خرجتْ لميدانِ العملِ تشاركُ الرجلَ همومَ الحياةِ من الناحيةِ الماديةِ والمعنويةِ، أيضاً ولم يقتصرْ دورُها على هذا بل تعدى الأمرُ إلى أنها تحملتْ أيضاً مسئوليةَ تربيةِ الأبناءِ بمفردِها، فأصبحتْ هي المعلمةُ الخصوصيةُ للأطفالِ، والسائقةُ التي تولتْ مهمةَ توصيلِ الأبناءِ للمدرسةِ والعودةِ بهم للبيت، ومن ثمَّ تجهيزَ الطعامِ لهم، ومتابعةَ أمورِهم كلِها، وعلى الرغمِ من كلِّ ما تقدمُه المرأةُ للبيت والأولادِ والزوجِ، إلاَّ أننا نجدُ الرجلَ قابعاً في منزلِهِ وكأنَّه في زمنِ (سي السيد)، يأمرُ وينهى ويتابعُ أبناءَهُ من نافذةٍ بعيدةٍ، رامياً بكل مسئولياتِه على المرأةِ، واقتصر دورُه الأساسي على توفيرِ المصروفِ للبيتِ فقط، ومن ثم الخروجُ مع الأصدقاءِ والجلوسِ في (الكوفي شوب) وما إلى ذلك.

والذي زادَ في همومِ المرأةِ هو قيامُها بقيادةِ السيارةِ، التي أرادتْها وسيلةً آمنةً وسهلةً تقضي بها مشاويَرها، خاصةً بعد أن انخرطتْ في سوقِ العمل، فإذا بالرجلِ يعدَّها مخرجاً جديداً له من مسئولياتِه التي أخذ يتخلصُ منها واحدةً تلو الأخرى، ويلقي بها على عاتقِ الزوجة.

تحقيقُنا اليوم يتناولُ قيادة المرأةِ للسيارة، وكيف أثقلتْها بالمسئولياتِ، وحوّلتْها بالفعلِ إلى زوجةٍ بدرجةِ (سائقِ الأسرة الخاص)، [1] أرأيتم كيفَ أصبحتْ القيادةُ حملاً ثقيلاً على المرأة ؟!!

وإني أتساءلُ !! أليس للعلماءِ قيمةٌ في هذا البلدِ ؟ أليس هُناك جهاتٍ رسميةٍ من قبلِ ولي الأمرِ؟! قد بيَّنوا فيها رأيَهم، ووضحوا فيها حُرمةَ قيادِة المرأةِ للسيارة، أيحقُّ لغيرِهم من الكتابِ والصحفيين أن يتكلموا في القضايا المصيرية للأمةِ، بعد أن فصلَّ العلماءُ فيها ؟

ألم يأمرْ اللهُ عزَّ وجل بالرجوعِ لأهلِ العلمِ كما قال تعالى: (( وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ )) (سورة النساء :38) .

فلماذا يسمحُ لهؤلاءِ بالحديثِ والكلام ؟!!

أمةَ الإسلام :

وأمامَ هذه القضيةِ التي نسألُ اللهَ تعالى أن يكفيَّنا إياها بما يشاءُ، فإنني أوجهُ عامةَ الأمة بما يلي :

أولاً : الله َاللهَ أن يؤتى الإسلامُ من قبلكَ، لا تكنْ ممن يُساهمُ في نشرِ الرذيلةِ بين المؤمنين، أين كان موقُعك؟ وفي أيِ مكانٍ كان منصبُك؟ فإنَّ هذه المناصبَ كلَّها ستزولُ، ومصيرُك أن تقفَ بين يدي اللهِ تعالى، فما جوابُك أمام الجبارِ حين يسألُك:لم ألزمتَ الأمَّةَ بهذا البلاء ؟ لم ساعدتَ وكتبتَ وشهِدتَ عن أمرٍ بيَّن العلماءُ حُرمتَه وضررَه ؟ فتذكر أيُّها المسلمُ هذا الأمرَ ولا تكنْ عوناً للشيطانِ وحزبِهِ على إخوانِك المؤمنين .

ثانياً : على الجميعِ بلا استثناءٍ أن يكتبوا ويبرقوا وينا صحوا المسؤولين برفضِ هذا الأمرِ، وأنَّه لا يمكنُ السكوتُ عليه لأنَّه بوابةٌ لشرورٍ كثيرةٍ، وإذا انفتح هذا البابُ فعلى الأمة السلام .

ثالثاً : على العلماءِ وطلابِ العلمِ أن يتقوا اللهَ تعالى ويبينوا الحقَ للناسِ، وينا صحوا المسؤولين ويكتبوا بياناً عاماً للأمةِ، يوضِّحوا فيه خطورةَ الموضوعِ، وأثرَه الفاعلَ في فسادِ نساءِ المجتمع، وألا يقفَ الأمرُ على الكتابةِ فقط، بل المطالبةِ الأكيدةِ والإصرارِ الشديدِ على رفضِ الفكرةِ من أصلها .

رابعاً : نشرُ كلِ ما يتعلقُ بالموضوعِ لعامةِ الأمةِ، سواءٌ كان ذلك عبرَ شريطٍ أو مطويةٍ أو كتابٍ لتوضيحِ حقيقةِ الأمرِ وأبعادِه الخفية .

خامساً : اللهَ اللهَ بالدعاءِ أن يحفظَ لهذا المجتمعِ ستَرهُ وعفافَه، وأن يردَّ كيدَ الأعداءِ في نحورِهم.

سادساً : على جميعِ المشاركين في تأييدِ قيادةِ المرأةِ للسيارة، والساعين لإصدارِ القرارِ أن يتقوا الله في أمتِهم، لأنَّ الأمةَ ستقفُ لهم خصماً يوم القيامةِ ، ولن تنفعَهم المناصبُ يوم العرضِ الأكبرِ على اللهِ، بل سيرفعون أكفَّ الضراعةِ إلى اللهِ أن ينتقمَ ممن كان وراءَ هذه المنكراتِ، بأن ينزلَ به المثلات، وأن يجعلَه عبرةً لمن خلفهُ ممن يفكرُ أن يسلكَ مسلكه .

سابعاً : على كل وليٍ من الأولياءِ القيامُ بخدمةِ أهليهم وقضاءِ حوائجِ أخواتهِم درءاً لفتنةِ السائقين، وسداً لذريعةِ القائلين بقيادةِ المرأة للسيارة .

وأخيراً على الجميعِ أن يتقوا عقوبةَ اللهِ إن سكتوا عن هذا الأمرِ، ولم يُجاهدوا في إنكارهِ وإسكاتِ كلِ من يُثيرُه ، ولْنحذرْ عقوبةَ الله، فالساكتُ عن الحقِّ شيطانٌ أخرس، (( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً )) (سورة الأنفال :25 ).

[1] ـ جريدة البيان الإماراتية 28/10/1421 الثلاثاء .
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى