مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / محمد بن علي السعوي
التدافع بين الحق والباطل
الحمد لله (( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)) وأشهدُ أن لا إله إلاَّ الله وحدهُ لا شريك له، وعد الشاكرين بالمزيد ، وتوعد الكافرين بالعذابِ الشديد ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله ، أنزل اللهُ إليه الكتاب ليخرج الناس من الظلماتِ إلى النور بإذن ربهم إلى صراطِ العزيز الحميد ، صلواتُ الله وسلامه عليه، وعلى آلهِ وأصحابه ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الوعيد .
أمَّا بعد : فيا أيُّها المسلمون، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنَّ اللهَ مع المتقين .
معشر المسلمين :
لقد اقتضت حكمةُ الله تعالى أن يكون هُناك صراعٌ بين الحق والباطل ، فأهلُ الحقِّ هم الصادقون في إيمانهم وأعمالهم ، بينما أهلُ الباطل من الكفار والمنافقين ؛ هم الكاذبون والمعرضون عن دينِ الله .
وهذا الصراعُ لا يزالُ مستمرًا حتى يرثَ الله الأرضَ ومن عليها، (( وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)) (آل عمران:141) .
أيَّها المسلمون :
أهلَ الباطلِ لا يكفيهم البقاءُ على باطلهم، وإنَّما يسعون لإضعافِ الحقِّ والصدِّ عنهُ ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ، قال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)) (لأنفال:36).
وقال سبحانه : (( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)) (البقرة: من الآية217) .
وقتالُ الكفرةِ للمؤمنين قتالٌ لنصرةِ باطلهم، فهو في سبيلِ الطاغوت ، قال تعالى : (( الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)) (النساء:76) .
أيُّها المسلمون :
ولقد قضى اللهُ تعالى أنَّ الغلبةَ للحقِ وأهله ولو بعد حين ، وأنَّ الاندحارَ والمحقَ للباطلِ وحزبِه ولو كثرَ وعلا ، قال تعالى : (( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)) (الأنبياء:18) .
لأنَّ المبطلين يعملون بالفساد ، واللهُ لا يصلحُ عمل المفسدين .
إنَّ وعدَ الله - أيُّها المسلمون - في نصرِ المؤمنين لا يتخلف ، قال تعالى : (( وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)) (سورة الفتح : 23,22) .
قال ابن كثيرٍ- رحمه الله- : (( أي هذه سنةُ الله تعالى وعادتهُ في خلقه ، ما تقابلَ الكفرُ والإيمان في موطنِ فيصلٍ إلاَّ نصرُ الله الإيمان على الكفر ، فرفعَ الحقَ ووضع الباطلَ ، كما فعل الله يوم بدر )) تفسير القرآن العظيم 4 / 192 وقال تعالى : (( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)) (سورة الصافات :173,172,171) .
أيُّها المسلمون :
وقد يسبقُ نصرُ المؤمنين أذىً من العدو وغلبةٌ له ، وللهِ الحكمة فيما يصيبُ المؤمنين من ذلك ، قال تعالى : (( إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)) (سورة آل عمران : 141,140) .
فاللهُ تعالى يبينُ أنَّ المؤمنين الذين يُصيبهم قرحٌ- أي جراحات ومصائب- بسببِ القتال، يجبُ ألاَّ يُضْعِفَ ذلك همَّتَهم واجتهادَهم في جهادِ العدو ، لأنَّهم كما أصابهم قرحٌ فقد أصابَ عدوهَم مثلَه ، وعدوهم لم يَفْتُروا لما أصابهم من القرحِ من محاربتكم مع كونهم مبطلين ، فأنتم أيُّها المؤمنون أهلُ الحقِّ أولى ألا تَضْعُفوا ولا تَفْتُروا عن مجاهدةِ ومحاربةِ هؤلاءِ الأعداءِ المبطلين الظالمين .
وقال تعالى : (( وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)) (سورة النساء : 104) .
فالمؤمنونَ أولى في الجدِّ والصبرِ والمصابرةِ في قتالِ الأعداءِ حتى يصبحوا عليهم ظاهرين ، وما ذلك على اللهِ بعزيز . نسألُ الله تعالى أن يعزَّ دينهُ وأولياءَه المؤمنين، وأن يُذلَ الكفرَ وأحزابَ الباطلِ أجمعين .
الخطبة الثانية
الحمدُ لله (( بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)) (سورة الروم: 5) نحمدهُ سُبحانه (( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)) (سورة يوسف :100) .
وأشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ الله وحدهُ لا شريكَ له (( قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) (سورة الحجرات :16) .
وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسولهُ، أسوة المؤمنين، وهو بهم رؤوفٌ رحيم ، صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه ، وعلى آلهِ وأصحابه ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد : فيا أيُّها المسلمون اتقوا الله تعالى ، وخذوا حذركم من أعدائِكم (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) (سورة آل عمران :100) .
معشر المسلمين :
ولن يحصلَ النصرُ للمؤمنين حتى يقوموا بأسبابِ النصر ، ويبتعدوا عن عواملِ الفشلِ وعوائق النصر .
فمن أسبابِ النصرِ على الكفارِ والمنافقين ـ أيُّها المسلمون ـ الإيمانُ والتقوى، قال تعالى : ((أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) (سورة الروم : 47).
وقال عن الكفار : ((وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)) (سورة الأنفال :19) .
ولكن مع هذا الإيمان لا بدَّ من إعدادِ القوةِ لإرهابِ العدو ، قال تعالى : (( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ)) (سورة الأنفال : 60) . والآخرون من المنافقين
ولقد أمرَ اللهُ تعالى بالجهادِ في سبيلهِ بالمالِ والنفس، حتى تكون كلمةُ اللهِ هي العليا، قال تعالى : ((وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)) (سورة التوبة :41) .
وقال سبحانه : (( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) (سورة الأنفال :39) .
وقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)) (سورة التحريم :9) .
أيُّها المسلمون :
ومن أسبابِ النصرِ نُصرةُ دينِ الله ، قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)) (سورة محمد :7) .
وقال سبحانه : (( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)) (سورة الحـج :40) .
ومن ذلك ذكرُ اللهِ ، قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ)) (سورة الأنفال : 45) .
ومن ذلك أخذَ الحذرِ والحيطةِ من أعداءِ الله ، قال تعالى : (( وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)) (سورة النساء :102) .
أيُّها المسلمون :
وللنصرِ عوائقٌ وعوامل، قد تسببُ الإحباطَ والهزيمة ، من ذلك التنازع والاختلاف ، قال تعالى : (( وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)) (سورة الأنفال :46) .
ومن ذلك الغرورُ والرياء ، قال تعالى : (( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)) (سورة الأنفال : 47) .
لأنَّ الرياءَ يفقدُ رضا اللهَ وتأييدَه ، بل على المسلمينَ بالائتلافِ والإخلاص، فإنَّ ذلك أقربُ للفوزِ والنصر، (( وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)) (سورة آل عمران : 126) .
نسألُ اللهُ تعالى أن يصلحَ أحوالَ المسلمين ، وأن يقوي إيمانهم وعزائمهم ، وأن يجمعَ كلمتهم على الحقِّ والهدى ، وأن يبعدهم عن سُبل الغي والردى .
عباد الله :
إنَّ اللهَ وملائكتهُ يُصلون على النبي .
التدافع بين الحق والباطل
الحمد لله (( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)) وأشهدُ أن لا إله إلاَّ الله وحدهُ لا شريك له، وعد الشاكرين بالمزيد ، وتوعد الكافرين بالعذابِ الشديد ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله ، أنزل اللهُ إليه الكتاب ليخرج الناس من الظلماتِ إلى النور بإذن ربهم إلى صراطِ العزيز الحميد ، صلواتُ الله وسلامه عليه، وعلى آلهِ وأصحابه ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الوعيد .
أمَّا بعد : فيا أيُّها المسلمون، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنَّ اللهَ مع المتقين .
معشر المسلمين :
لقد اقتضت حكمةُ الله تعالى أن يكون هُناك صراعٌ بين الحق والباطل ، فأهلُ الحقِّ هم الصادقون في إيمانهم وأعمالهم ، بينما أهلُ الباطل من الكفار والمنافقين ؛ هم الكاذبون والمعرضون عن دينِ الله .
وهذا الصراعُ لا يزالُ مستمرًا حتى يرثَ الله الأرضَ ومن عليها، (( وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)) (آل عمران:141) .
أيَّها المسلمون :
أهلَ الباطلِ لا يكفيهم البقاءُ على باطلهم، وإنَّما يسعون لإضعافِ الحقِّ والصدِّ عنهُ ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ، قال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)) (لأنفال:36).
وقال سبحانه : (( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)) (البقرة: من الآية217) .
وقتالُ الكفرةِ للمؤمنين قتالٌ لنصرةِ باطلهم، فهو في سبيلِ الطاغوت ، قال تعالى : (( الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)) (النساء:76) .
أيُّها المسلمون :
ولقد قضى اللهُ تعالى أنَّ الغلبةَ للحقِ وأهله ولو بعد حين ، وأنَّ الاندحارَ والمحقَ للباطلِ وحزبِه ولو كثرَ وعلا ، قال تعالى : (( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)) (الأنبياء:18) .
لأنَّ المبطلين يعملون بالفساد ، واللهُ لا يصلحُ عمل المفسدين .
إنَّ وعدَ الله - أيُّها المسلمون - في نصرِ المؤمنين لا يتخلف ، قال تعالى : (( وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)) (سورة الفتح : 23,22) .
قال ابن كثيرٍ- رحمه الله- : (( أي هذه سنةُ الله تعالى وعادتهُ في خلقه ، ما تقابلَ الكفرُ والإيمان في موطنِ فيصلٍ إلاَّ نصرُ الله الإيمان على الكفر ، فرفعَ الحقَ ووضع الباطلَ ، كما فعل الله يوم بدر )) تفسير القرآن العظيم 4 / 192 وقال تعالى : (( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)) (سورة الصافات :173,172,171) .
أيُّها المسلمون :
وقد يسبقُ نصرُ المؤمنين أذىً من العدو وغلبةٌ له ، وللهِ الحكمة فيما يصيبُ المؤمنين من ذلك ، قال تعالى : (( إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)) (سورة آل عمران : 141,140) .
فاللهُ تعالى يبينُ أنَّ المؤمنين الذين يُصيبهم قرحٌ- أي جراحات ومصائب- بسببِ القتال، يجبُ ألاَّ يُضْعِفَ ذلك همَّتَهم واجتهادَهم في جهادِ العدو ، لأنَّهم كما أصابهم قرحٌ فقد أصابَ عدوهَم مثلَه ، وعدوهم لم يَفْتُروا لما أصابهم من القرحِ من محاربتكم مع كونهم مبطلين ، فأنتم أيُّها المؤمنون أهلُ الحقِّ أولى ألا تَضْعُفوا ولا تَفْتُروا عن مجاهدةِ ومحاربةِ هؤلاءِ الأعداءِ المبطلين الظالمين .
وقال تعالى : (( وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)) (سورة النساء : 104) .
فالمؤمنونَ أولى في الجدِّ والصبرِ والمصابرةِ في قتالِ الأعداءِ حتى يصبحوا عليهم ظاهرين ، وما ذلك على اللهِ بعزيز . نسألُ الله تعالى أن يعزَّ دينهُ وأولياءَه المؤمنين، وأن يُذلَ الكفرَ وأحزابَ الباطلِ أجمعين .
الخطبة الثانية
الحمدُ لله (( بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)) (سورة الروم: 5) نحمدهُ سُبحانه (( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)) (سورة يوسف :100) .
وأشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ الله وحدهُ لا شريكَ له (( قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) (سورة الحجرات :16) .
وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسولهُ، أسوة المؤمنين، وهو بهم رؤوفٌ رحيم ، صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه ، وعلى آلهِ وأصحابه ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد : فيا أيُّها المسلمون اتقوا الله تعالى ، وخذوا حذركم من أعدائِكم (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) (سورة آل عمران :100) .
معشر المسلمين :
ولن يحصلَ النصرُ للمؤمنين حتى يقوموا بأسبابِ النصر ، ويبتعدوا عن عواملِ الفشلِ وعوائق النصر .
فمن أسبابِ النصرِ على الكفارِ والمنافقين ـ أيُّها المسلمون ـ الإيمانُ والتقوى، قال تعالى : ((أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) (سورة الروم : 47).
وقال عن الكفار : ((وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)) (سورة الأنفال :19) .
ولكن مع هذا الإيمان لا بدَّ من إعدادِ القوةِ لإرهابِ العدو ، قال تعالى : (( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ)) (سورة الأنفال : 60) . والآخرون من المنافقين
ولقد أمرَ اللهُ تعالى بالجهادِ في سبيلهِ بالمالِ والنفس، حتى تكون كلمةُ اللهِ هي العليا، قال تعالى : ((وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)) (سورة التوبة :41) .
وقال سبحانه : (( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) (سورة الأنفال :39) .
وقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)) (سورة التحريم :9) .
أيُّها المسلمون :
ومن أسبابِ النصرِ نُصرةُ دينِ الله ، قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)) (سورة محمد :7) .
وقال سبحانه : (( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)) (سورة الحـج :40) .
ومن ذلك ذكرُ اللهِ ، قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ)) (سورة الأنفال : 45) .
ومن ذلك أخذَ الحذرِ والحيطةِ من أعداءِ الله ، قال تعالى : (( وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)) (سورة النساء :102) .
أيُّها المسلمون :
وللنصرِ عوائقٌ وعوامل، قد تسببُ الإحباطَ والهزيمة ، من ذلك التنازع والاختلاف ، قال تعالى : (( وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)) (سورة الأنفال :46) .
ومن ذلك الغرورُ والرياء ، قال تعالى : (( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)) (سورة الأنفال : 47) .
لأنَّ الرياءَ يفقدُ رضا اللهَ وتأييدَه ، بل على المسلمينَ بالائتلافِ والإخلاص، فإنَّ ذلك أقربُ للفوزِ والنصر، (( وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)) (سورة آل عمران : 126) .
نسألُ اللهُ تعالى أن يصلحَ أحوالَ المسلمين ، وأن يقوي إيمانهم وعزائمهم ، وأن يجمعَ كلمتهم على الحقِّ والهدى ، وأن يبعدهم عن سُبل الغي والردى .
عباد الله :
إنَّ اللهَ وملائكتهُ يُصلون على النبي .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى