رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د. رياض بن محمد المسيميري
رمضان المبارك
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه , ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , ومن سيِّئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل لـه , ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( ]آل عمران:102[ .
) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ( ]النساء:1[ .
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ! يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ( ]الأحزاب:70-71[ .
أما بعد : فإن أصدق الحديث كتابُ الله , وخير الهدي هدي محمد r وشرَّ الأمور مـحدثاتها , وكلَّ محدثة بدعة , وكلَّ بدعةٍ ضلالة , وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أما بعد ، أيها المسلمون :
فقد أظلَّكم شهرٌ عظيم , ومَوسمٌ كريم , تُضاعفُ فيه الدرجات , وتُقالُ فيه العثرات , شهرُ الاستعلاء , على ضروراتِ الجسدِ كلِّها , واحتمالِ ضغطِها وثقلِها , إيثاراً لما عند اللهِ من الأجرِ والنعيمِ المقيم , وفي هذا الشهرِ العظيم نتذكرُ قولَ ربِّنا - جل جلاله - وهو يبينُ الغايةَ العظمى , التي من أجلها شُرع الصيامُ وفُرض , ألا وهي تحقيقُ التقوى في القلوب , وعمارتُها بالخشيةِ واليقينِ الثابت , وتعويدُ النفسِ على الصبرِ ومكابدةُ المشاق , والإحساسِ بمعاناةِ الآخرين , وأنَّها إنْ استطاعت أن تؤمنَّ لذَّاتِها ومطعوماتِها طِوالَ العام , فإنَّ ثمةَ أنفساً كثيرة , تكابدُ الجوعَ والعطشَ العامَ كلَّه ,!
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( ]البقرة:183[ , فالصوم أيها المسلمون لم يُشرعْ عبثاً , ولم يفرضْ سفهاً , حاشا وكلا , وليستْ القضية , قضيةُ تركٍ للطعامِ أو زهدٍ في الشراب , القضيةُ أكبرُ من ذلك بكثير يا مسلمون ,
فما فُرضَ الصيامُ يومَ فُرض , إلاَّ لكي يعلمَ المسلم أنَّ هناك رباً , يُشرِّعُ الصومَ متى شاء , ويبيحُ الفطرَ متى شاء , وليعلمَ كذلك أن هناك رباً يعدُ ويَتوعد , يُعطي ويَمنع , ويَخفض ويَرفع , ويَضر ويَنفع , ألا إلى الله تصيُر الأمور ,! وليعلمَ علمَ يقيٍن لا يعتريه شكٌ , أنَّ هناكَ موتاً وقبراً , وأنَّ هناك بعثاً وحشراً , وأنَّ هناك جنةً وناراً , ونعيماً وجحيماً , فإذا استشعر الصائمُ هذه المعانيَ العظيمة , فتغلغلتْ في روحه , وجرتْ في دمه , أيقنَ بضرورةِ إصلاحِ أوضاعه , والتخلي عن كبريائه , وجرأته على انتهاكِ محارمِ الله , وسارعَ إلى الالتزامِ بشرعِ الله , وانطلقَ ينشدُ التقوى بأي ثمن , وحملِ النفس على تلمسِ رضا مولاه جلَّ جلالهُ وتقدستْ أسماؤهُ .
أيها المسلمون : وفي رمضان نتذكرُ قوله تعالى ) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ( ]البقرة: 185[, نتذكرُ هذه الآيةَ الكريمة , فنتذكرُ معها ذلكَ الحدثَ الباهر , , الذي اهتزَ له الخافقان , وغيَّرَ مسارَ التاريخ وصاغَ الحياةَ البشرية بشكلٍ جديد ,
فـقد كانَ نزولُ القرآنِ , إيذاناً بنشأةِ أمةٍ جديدة , هي تاجُ الأممِ قاطبةً , أمةٌ أنجبت رجالاً ولا كلُ الرجال , أدهشوا الدنيا بعلومِهم وجهادِهم وفتوحاتِهم , وبهروا العقولَ والنفوس , بصنائعِهم ومنجزاتِهم ,
به فتحوا القلوب , ومصَّروا الأمصار , ودكَّوا العروش , وقهروا الطغاة وأدبّوا البغاة , , ذلك القرآن , الذي أصبحَ اليوم يقرأُ في السنةِ مرةً واحـدة ,, واكتفوا بتذهيبِ وريقاته , وصقلِ صفـحاتِه , ثم ركنوه في الأدراج , ومسحوا عنه الغبار , بين الفينة والأخرى , باعتبارهِ كتاباً مقدساً والسلام ,, أمَّا أنْ يُتخذُ القرآنُ تشريعاً للأمة , ومنهجَ حياةٍ لها , فذلك أمرٌ مستحيلٌ مستحيل ,! إذ أنَّ هناك كتاباً آخر يُسمونه الدستور , ويُضفونَ عليه قداسةً وهيبة فيركعونَ لـه ويسجدون , ويوالون ويعادون , ويغضبون ويرضون , فويلٌ لهم مما كتبتْ أيديِهم وويلٌ لهم ممَّا يكسبون ,!
وفي رمضان ، نتذكرُ جملةً من أخبارِ رسولنا الحبيب - صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه - الذي ما تركَ شاردةً ولا واردة ولا طائراً يطيرُ بجناحيه , إلاَّ أنبأنا شيئاً من نبأهِ ، وأخبرنا شيئاً من خبرهِ ، يخبرنا نبيُنا صلى الله عليه وسلم عن تصفيدِ مردةِ الشياطين في رمضان فلا يصلونَ إلى ما كانوا يصلونه في غيرِ رمضان ، لكنْ من يصفدُ لنا مردةَ شياطينِ الإنس الذين لا يرعونَ في رمضانَ ولا غيرهِ ؟! فمناسبةِ رمضان يحيّ (الفنان الكبير !) فلان حفلةً غنائيةً في مسرحِ كذا وكذا .
وبمناسبة رمضان تُقيم فرقةُ الأبالسة بقيادةِ الشيطان الكبير فلان مسرحيتها الماجنةِ ابتداءً من الواحدةِ صباحاً كلِّ ليلة , فالعجل العجل .. الأماكنُ محدودةٌ ..والليالي معدودة ,! ألا شاهتْ تلك الوجوه ما أجرأهَا على انتهاكِ حُرماتِ الله وما أعظمَ استخفافِها بالله الواحدِ القهار , . ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منَّا وافتح بيننا و بينهم بالحق وأنت خير الفاتحين ,
أيها المسلمون ويخبرُنا رسولنُا صلى الله عليه وسلم عن فتحِ أبوابِ الجنةِ في رمضان ، وإغلاقِ أبوابِ النار ،وما أعظمَها من بشارة .. لو تأملنَّا بوعيٍ وإدراك ,
ولو أمعنَ المسلمون النظرَ في هذا الأحاديث وأمثالها وما فيها من معاني الرحمةِ والإحسان ،لوجدتهم مسارعينَ في الخيرات ، متنافسينَ في القُربات ، راحمينَ للضعفاء ،. محسنينَ للفقراء ،
ولو أمعنَ المسلمون النظر في حديثٍ كهذا لوجدتهم عافَّين عن الحرام معرضينَ عن الآثام ، هاجرينَ للموبقات ، تاركينَ للشهوات ,
ولو تخيل المسلمون أبوابَ الجنةِ مفتوحةً باباً باباً ، وقصورها متلألأة قصراً قصراً ،وأنهارها جارية ً نهراً نهراً ، لطاروا شوقاً إلى تلكَ الجنانِ العاليات , والباقياتِ الصالحات , والتمسوا كلَّ سببٍ وحيلة ، تُمكنهم من ولوج هاتيك الناعماتِ الخالدات ,! ألا إنَّ جناتِ ربي ، إنَّما تولجُ بأداءِ الصلاةِ جماعةً في المساجد في رمضانَ وغيرِ رمضان . ألا إنَّ جـناتِ ربي إنَّما تولجُ بأداءِ فـرائض الإسلام تـامةً غيرَ منقوصةٍ , ألا إنَّ جناتِ ربي إنَّما تولجُ بالإحسانِ إلى الخلق بصنائعِ المعروفِ ، وبذلِ الإحسان ، وتفقد المحاويج ، وأنَّها تُولجُ بالدعوةِ إلى الله والصبرِ على الأذى في ذات الله ، والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر ، والتصدي للباطل وكشف الأباطيل ,,
ويُخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم « أنَّ من لمْ يدعْ قولَ الزورِ والعملَ به فليس للهِ حاجةٌ بأنْ يدعَ طعامَه وشرابَه »([1]) وهنا تتضحُ القضيةُ الكبرى وتتجلى حقيقةُ الصيامِ كالشمسِ في رابعةِ النهار ,
فالقضيةُ يا مسلمون ، ليست قضيةَ تجويعٍ وحرمان ,
القضيةُ يا هؤلاء كفُ للسانِ عن الغيبةِ والنميمةِ والكذبِ والبهتان والسبِ واللعان , وكبحٌ للنفسِ من التلطخِ برجس المعاصي ، ووحلِ الموبقاتِ المهلكات ، فهلاَّ تذكرت أيها الأخُ الحبيب هذا الخبرَ الرهيب ، قبلَ أن تُطلق للسانكِ الزمام ، تخوضُ به مع الخائضين ، وتتهكمُ معهم بالآخرين وتسخر ، هلاَّ تذكرتَ يرحمك الله ، هذا الخبرَ الجليل قبل أنْ تحركَ بأصابعك التي خُلقتْ ، مسبحةً لله وذاكرة ، هلا تذكرتَ هذا الحديث قبلَ أنْ تحرك بأصابعك تلك ، أزرةَ تشغيلَ قنوات البثِ الفضائي وغيرِ الفضائي ، وعلمتَ يقيناً أنَّ الله ليس بغافلٍ عمَّا تعملُ ويعملون , وعمَّا تُشاهد ويُشاهدون ,! وعمَّا تسمعُ ويسمعون ,!
فإتق الله – يرحمُك الله – وأعلمْ بأنَّك راحلٌ عمَّا قريب ، وأنَّك موقوفٌ بين يديِ قاهرِ الجبابرةِ ، ومهلكِ القياصرة ، وأنَّك مسؤولٌ عن النقيرِ والقطمير ، والصغيرِ والكبير ) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ! عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ]الحجر:92-93[ فسارع – يرحمك الله – إلى التوبة النصوح وقل ربي أني ظلمت نفسي ظلماً كبيراً وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين .
ويخبرُنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أنَّ للصـائمِ عند فطرهِ دعوةً لا تُرد فهلا اغتنمتَ – يرحمُك الله – هذه الفرصةَ النادرة ودعوتَ ملكَ الملوك ، أنْ يَفيضَ عليكَ من رحماتِه ، ويُنزلَ عليك من بركاتِه ، هلاَّ دعوتَ الله أن يقيكَ شرَّ نفسك وشرَّ الشيطان وشركه ، وأنْ يأخذَ بيدكَ إلى حيثُُ البرُ والتقوى ,!
وهلاَّ اغتنمتَ أيُّها المبارك هذه الفرصةَ النادرة ، فدعوتَ الله ، أنْ يخلصَ الأمةَ من هذا الذِّل والهوان الذي آلت إليه ، يوم غيَّرت وتنكرت ، واستبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير ,! وهلاَّ اغتنمت تلكَ الدعوةَ التي لا تُرد فخصصتَ بها المضطهدين في كلِّ مكان ، هلاَّ تذكرتهم في الشيشان وأفغانستان ، وفي كشمير وفي البوسنة ، والفلبين والعراق ,!
حذاري – يرحمُك الله – أنْ تُنسيكَ فرحةُ الإفطارِ حرارةَ الدعاء ، بأنْ يعجلَ العزيزُ الجبار بهلاكِ الظالمين ، وزوالِ الجبابرةِ المتسلطين ، فإنَّه سبحانه لا يُعجزهُ شيءٌ في الأرضِِ ولا في السماءِ وهو القوي المتين .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله مالك الملك رب العالمين ، بيده مقاليد السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم .
أما بعد أيها المسلمون:فمن أحكامِ الصيام التي ينبغي الإلمامُ بها ما يلي:
أولاً : وجوبُ تبييتِ نيةِ الصيام مِن الليل ، وتكفي نيةٌ واحدة ، لصيامِ الشهرِ كلِّه ، على الصحيحِ من قول العلماء في هذه المسألة .
ثانياً : سقوطُ الصيامِ على المريض فإن كان المرضُ ملازماً للمريض ولا يُرجى زوالُه ،فيطعمُ عن كلِّ يومٍ مسكيناً ومثلُ المريض ، الكبيرُ الهرم والعاجزُ عن الصوم ، وأمَّا إنْ كانَ المرضُ يُرجى زوالُه ويُنتظرُ الشفاءُ منه فيلزمُ القضاء ، من غيرِ إطعام ، وممَّا يجبُ معرفتهُ ، أنَّ المرض ، ما لم يكنْ شاقاً أو ضاراً بالمريض ، فلا يجوزُ له الفطرُ بتاتاً .
وأما المسافرُ ؛ فيجوزُ لـه الفطرُ حتى وإنْ لم يكن ثمةَ مشقة ، وأمَّا الذين يتحايلونَ بالسفر ، من أجلِ الفطر على طريقةِ ( لأقطعنَّه بالأسفار ! ) ففطرُهم حرامٌ لا يجوز .ومن أحكام الصيام ، استحبابُ تعجيلِ الإفطار وتأخيرُ السحور ، ويستحبُ الإفطار على رُطبات فإنْ لم يتيسر فتمرات ، و إلاَّ حسا حسواتٍ من ماء
أمَّا مفسداتُ الصومِ فسبعة :
أحدها الجماعُ في نهارِ رمضان ، فمن جامعَ امرأته بَطَلَ صومُه ، ولـزمته الكفارةُ المغلظة ، وهي عتقُ رقبة ، فإنْ لم يجد ، فصيامُ شهرين متتابعين ، فإنْ لم يستطيع أطعم ستين مسكيناً .
وثاني مفسداتِ الصوم ، إنزالُ المني بمباشرةٍ أو نحوها .
وثالثُ مفسداتِ الصوم ، الأكلُ أو الشرب سواءٌ بطريقةٍ طبيعية أو صناعية
ورابعُ مفسداتِ الصوم ، ما كان بمعنى الأكلِ والشربِ كالإبرِ المغذية ونحوها وأمَّا غيرُ المغذية فلا تفطرُ مطلقاً .
وخامسُ مفسداتِ الصوم ، التقيؤُ عمداً فإنْ لم يتعمدْه صحَّ صومُه ولا شيء عليه .
وسادسُ مفسداتِ الصوم ، إخراجُ الدمِ بالحجامةِ ونحوها .
وسابعُ مفسداتِ الصوم ، وتختص به النساء خروجُ دمِ الحيضِ أو النفاس ، ولو قبلَ المغربِ بيسير .
وهذه المفطراتُ كلُها لا تفسدُ الصوم إلاَّ بثلاثةِ شروط :
الأول : أنْ يكونَ عالماً بالحكمِ وعالماً بالوقت .
الثاني : أنْ يكونَ ذاكراً غير ناسي .
الثالث : أنْ يكونَ مختاراً غير مكره .
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يفقهنا في دينه وأن يتقبل صيامنا وقيامنا اللهم نسألك رحمة تهدي بها قلوبنا ...
1 – رواه البخاري ( 1804) . من حديث أبى هريرة t .
رمضان المبارك
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه , ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , ومن سيِّئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل لـه , ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( ]آل عمران:102[ .
) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ( ]النساء:1[ .
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ! يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ( ]الأحزاب:70-71[ .
أما بعد : فإن أصدق الحديث كتابُ الله , وخير الهدي هدي محمد r وشرَّ الأمور مـحدثاتها , وكلَّ محدثة بدعة , وكلَّ بدعةٍ ضلالة , وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أما بعد ، أيها المسلمون :
فقد أظلَّكم شهرٌ عظيم , ومَوسمٌ كريم , تُضاعفُ فيه الدرجات , وتُقالُ فيه العثرات , شهرُ الاستعلاء , على ضروراتِ الجسدِ كلِّها , واحتمالِ ضغطِها وثقلِها , إيثاراً لما عند اللهِ من الأجرِ والنعيمِ المقيم , وفي هذا الشهرِ العظيم نتذكرُ قولَ ربِّنا - جل جلاله - وهو يبينُ الغايةَ العظمى , التي من أجلها شُرع الصيامُ وفُرض , ألا وهي تحقيقُ التقوى في القلوب , وعمارتُها بالخشيةِ واليقينِ الثابت , وتعويدُ النفسِ على الصبرِ ومكابدةُ المشاق , والإحساسِ بمعاناةِ الآخرين , وأنَّها إنْ استطاعت أن تؤمنَّ لذَّاتِها ومطعوماتِها طِوالَ العام , فإنَّ ثمةَ أنفساً كثيرة , تكابدُ الجوعَ والعطشَ العامَ كلَّه ,!
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( ]البقرة:183[ , فالصوم أيها المسلمون لم يُشرعْ عبثاً , ولم يفرضْ سفهاً , حاشا وكلا , وليستْ القضية , قضيةُ تركٍ للطعامِ أو زهدٍ في الشراب , القضيةُ أكبرُ من ذلك بكثير يا مسلمون ,
فما فُرضَ الصيامُ يومَ فُرض , إلاَّ لكي يعلمَ المسلم أنَّ هناك رباً , يُشرِّعُ الصومَ متى شاء , ويبيحُ الفطرَ متى شاء , وليعلمَ كذلك أن هناك رباً يعدُ ويَتوعد , يُعطي ويَمنع , ويَخفض ويَرفع , ويَضر ويَنفع , ألا إلى الله تصيُر الأمور ,! وليعلمَ علمَ يقيٍن لا يعتريه شكٌ , أنَّ هناكَ موتاً وقبراً , وأنَّ هناك بعثاً وحشراً , وأنَّ هناك جنةً وناراً , ونعيماً وجحيماً , فإذا استشعر الصائمُ هذه المعانيَ العظيمة , فتغلغلتْ في روحه , وجرتْ في دمه , أيقنَ بضرورةِ إصلاحِ أوضاعه , والتخلي عن كبريائه , وجرأته على انتهاكِ محارمِ الله , وسارعَ إلى الالتزامِ بشرعِ الله , وانطلقَ ينشدُ التقوى بأي ثمن , وحملِ النفس على تلمسِ رضا مولاه جلَّ جلالهُ وتقدستْ أسماؤهُ .
أيها المسلمون : وفي رمضان نتذكرُ قوله تعالى ) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ( ]البقرة: 185[, نتذكرُ هذه الآيةَ الكريمة , فنتذكرُ معها ذلكَ الحدثَ الباهر , , الذي اهتزَ له الخافقان , وغيَّرَ مسارَ التاريخ وصاغَ الحياةَ البشرية بشكلٍ جديد ,
فـقد كانَ نزولُ القرآنِ , إيذاناً بنشأةِ أمةٍ جديدة , هي تاجُ الأممِ قاطبةً , أمةٌ أنجبت رجالاً ولا كلُ الرجال , أدهشوا الدنيا بعلومِهم وجهادِهم وفتوحاتِهم , وبهروا العقولَ والنفوس , بصنائعِهم ومنجزاتِهم ,
به فتحوا القلوب , ومصَّروا الأمصار , ودكَّوا العروش , وقهروا الطغاة وأدبّوا البغاة , , ذلك القرآن , الذي أصبحَ اليوم يقرأُ في السنةِ مرةً واحـدة ,, واكتفوا بتذهيبِ وريقاته , وصقلِ صفـحاتِه , ثم ركنوه في الأدراج , ومسحوا عنه الغبار , بين الفينة والأخرى , باعتبارهِ كتاباً مقدساً والسلام ,, أمَّا أنْ يُتخذُ القرآنُ تشريعاً للأمة , ومنهجَ حياةٍ لها , فذلك أمرٌ مستحيلٌ مستحيل ,! إذ أنَّ هناك كتاباً آخر يُسمونه الدستور , ويُضفونَ عليه قداسةً وهيبة فيركعونَ لـه ويسجدون , ويوالون ويعادون , ويغضبون ويرضون , فويلٌ لهم مما كتبتْ أيديِهم وويلٌ لهم ممَّا يكسبون ,!
وفي رمضان ، نتذكرُ جملةً من أخبارِ رسولنا الحبيب - صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه - الذي ما تركَ شاردةً ولا واردة ولا طائراً يطيرُ بجناحيه , إلاَّ أنبأنا شيئاً من نبأهِ ، وأخبرنا شيئاً من خبرهِ ، يخبرنا نبيُنا صلى الله عليه وسلم عن تصفيدِ مردةِ الشياطين في رمضان فلا يصلونَ إلى ما كانوا يصلونه في غيرِ رمضان ، لكنْ من يصفدُ لنا مردةَ شياطينِ الإنس الذين لا يرعونَ في رمضانَ ولا غيرهِ ؟! فمناسبةِ رمضان يحيّ (الفنان الكبير !) فلان حفلةً غنائيةً في مسرحِ كذا وكذا .
وبمناسبة رمضان تُقيم فرقةُ الأبالسة بقيادةِ الشيطان الكبير فلان مسرحيتها الماجنةِ ابتداءً من الواحدةِ صباحاً كلِّ ليلة , فالعجل العجل .. الأماكنُ محدودةٌ ..والليالي معدودة ,! ألا شاهتْ تلك الوجوه ما أجرأهَا على انتهاكِ حُرماتِ الله وما أعظمَ استخفافِها بالله الواحدِ القهار , . ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منَّا وافتح بيننا و بينهم بالحق وأنت خير الفاتحين ,
أيها المسلمون ويخبرُنا رسولنُا صلى الله عليه وسلم عن فتحِ أبوابِ الجنةِ في رمضان ، وإغلاقِ أبوابِ النار ،وما أعظمَها من بشارة .. لو تأملنَّا بوعيٍ وإدراك ,
ولو أمعنَ المسلمون النظرَ في هذا الأحاديث وأمثالها وما فيها من معاني الرحمةِ والإحسان ،لوجدتهم مسارعينَ في الخيرات ، متنافسينَ في القُربات ، راحمينَ للضعفاء ،. محسنينَ للفقراء ،
ولو أمعنَ المسلمون النظر في حديثٍ كهذا لوجدتهم عافَّين عن الحرام معرضينَ عن الآثام ، هاجرينَ للموبقات ، تاركينَ للشهوات ,
ولو تخيل المسلمون أبوابَ الجنةِ مفتوحةً باباً باباً ، وقصورها متلألأة قصراً قصراً ،وأنهارها جارية ً نهراً نهراً ، لطاروا شوقاً إلى تلكَ الجنانِ العاليات , والباقياتِ الصالحات , والتمسوا كلَّ سببٍ وحيلة ، تُمكنهم من ولوج هاتيك الناعماتِ الخالدات ,! ألا إنَّ جناتِ ربي ، إنَّما تولجُ بأداءِ الصلاةِ جماعةً في المساجد في رمضانَ وغيرِ رمضان . ألا إنَّ جـناتِ ربي إنَّما تولجُ بأداءِ فـرائض الإسلام تـامةً غيرَ منقوصةٍ , ألا إنَّ جناتِ ربي إنَّما تولجُ بالإحسانِ إلى الخلق بصنائعِ المعروفِ ، وبذلِ الإحسان ، وتفقد المحاويج ، وأنَّها تُولجُ بالدعوةِ إلى الله والصبرِ على الأذى في ذات الله ، والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر ، والتصدي للباطل وكشف الأباطيل ,,
ويُخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم « أنَّ من لمْ يدعْ قولَ الزورِ والعملَ به فليس للهِ حاجةٌ بأنْ يدعَ طعامَه وشرابَه »([1]) وهنا تتضحُ القضيةُ الكبرى وتتجلى حقيقةُ الصيامِ كالشمسِ في رابعةِ النهار ,
فالقضيةُ يا مسلمون ، ليست قضيةَ تجويعٍ وحرمان ,
القضيةُ يا هؤلاء كفُ للسانِ عن الغيبةِ والنميمةِ والكذبِ والبهتان والسبِ واللعان , وكبحٌ للنفسِ من التلطخِ برجس المعاصي ، ووحلِ الموبقاتِ المهلكات ، فهلاَّ تذكرت أيها الأخُ الحبيب هذا الخبرَ الرهيب ، قبلَ أن تُطلق للسانكِ الزمام ، تخوضُ به مع الخائضين ، وتتهكمُ معهم بالآخرين وتسخر ، هلاَّ تذكرتَ يرحمك الله ، هذا الخبرَ الجليل قبل أنْ تحركَ بأصابعك التي خُلقتْ ، مسبحةً لله وذاكرة ، هلا تذكرتَ هذا الحديث قبلَ أنْ تحرك بأصابعك تلك ، أزرةَ تشغيلَ قنوات البثِ الفضائي وغيرِ الفضائي ، وعلمتَ يقيناً أنَّ الله ليس بغافلٍ عمَّا تعملُ ويعملون , وعمَّا تُشاهد ويُشاهدون ,! وعمَّا تسمعُ ويسمعون ,!
فإتق الله – يرحمُك الله – وأعلمْ بأنَّك راحلٌ عمَّا قريب ، وأنَّك موقوفٌ بين يديِ قاهرِ الجبابرةِ ، ومهلكِ القياصرة ، وأنَّك مسؤولٌ عن النقيرِ والقطمير ، والصغيرِ والكبير ) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ! عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ]الحجر:92-93[ فسارع – يرحمك الله – إلى التوبة النصوح وقل ربي أني ظلمت نفسي ظلماً كبيراً وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين .
ويخبرُنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أنَّ للصـائمِ عند فطرهِ دعوةً لا تُرد فهلا اغتنمتَ – يرحمُك الله – هذه الفرصةَ النادرة ودعوتَ ملكَ الملوك ، أنْ يَفيضَ عليكَ من رحماتِه ، ويُنزلَ عليك من بركاتِه ، هلاَّ دعوتَ الله أن يقيكَ شرَّ نفسك وشرَّ الشيطان وشركه ، وأنْ يأخذَ بيدكَ إلى حيثُُ البرُ والتقوى ,!
وهلاَّ اغتنمتَ أيُّها المبارك هذه الفرصةَ النادرة ، فدعوتَ الله ، أنْ يخلصَ الأمةَ من هذا الذِّل والهوان الذي آلت إليه ، يوم غيَّرت وتنكرت ، واستبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير ,! وهلاَّ اغتنمت تلكَ الدعوةَ التي لا تُرد فخصصتَ بها المضطهدين في كلِّ مكان ، هلاَّ تذكرتهم في الشيشان وأفغانستان ، وفي كشمير وفي البوسنة ، والفلبين والعراق ,!
حذاري – يرحمُك الله – أنْ تُنسيكَ فرحةُ الإفطارِ حرارةَ الدعاء ، بأنْ يعجلَ العزيزُ الجبار بهلاكِ الظالمين ، وزوالِ الجبابرةِ المتسلطين ، فإنَّه سبحانه لا يُعجزهُ شيءٌ في الأرضِِ ولا في السماءِ وهو القوي المتين .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله مالك الملك رب العالمين ، بيده مقاليد السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم .
أما بعد أيها المسلمون:فمن أحكامِ الصيام التي ينبغي الإلمامُ بها ما يلي:
أولاً : وجوبُ تبييتِ نيةِ الصيام مِن الليل ، وتكفي نيةٌ واحدة ، لصيامِ الشهرِ كلِّه ، على الصحيحِ من قول العلماء في هذه المسألة .
ثانياً : سقوطُ الصيامِ على المريض فإن كان المرضُ ملازماً للمريض ولا يُرجى زوالُه ،فيطعمُ عن كلِّ يومٍ مسكيناً ومثلُ المريض ، الكبيرُ الهرم والعاجزُ عن الصوم ، وأمَّا إنْ كانَ المرضُ يُرجى زوالُه ويُنتظرُ الشفاءُ منه فيلزمُ القضاء ، من غيرِ إطعام ، وممَّا يجبُ معرفتهُ ، أنَّ المرض ، ما لم يكنْ شاقاً أو ضاراً بالمريض ، فلا يجوزُ له الفطرُ بتاتاً .
وأما المسافرُ ؛ فيجوزُ لـه الفطرُ حتى وإنْ لم يكن ثمةَ مشقة ، وأمَّا الذين يتحايلونَ بالسفر ، من أجلِ الفطر على طريقةِ ( لأقطعنَّه بالأسفار ! ) ففطرُهم حرامٌ لا يجوز .ومن أحكام الصيام ، استحبابُ تعجيلِ الإفطار وتأخيرُ السحور ، ويستحبُ الإفطار على رُطبات فإنْ لم يتيسر فتمرات ، و إلاَّ حسا حسواتٍ من ماء
أمَّا مفسداتُ الصومِ فسبعة :
أحدها الجماعُ في نهارِ رمضان ، فمن جامعَ امرأته بَطَلَ صومُه ، ولـزمته الكفارةُ المغلظة ، وهي عتقُ رقبة ، فإنْ لم يجد ، فصيامُ شهرين متتابعين ، فإنْ لم يستطيع أطعم ستين مسكيناً .
وثاني مفسداتِ الصوم ، إنزالُ المني بمباشرةٍ أو نحوها .
وثالثُ مفسداتِ الصوم ، الأكلُ أو الشرب سواءٌ بطريقةٍ طبيعية أو صناعية
ورابعُ مفسداتِ الصوم ، ما كان بمعنى الأكلِ والشربِ كالإبرِ المغذية ونحوها وأمَّا غيرُ المغذية فلا تفطرُ مطلقاً .
وخامسُ مفسداتِ الصوم ، التقيؤُ عمداً فإنْ لم يتعمدْه صحَّ صومُه ولا شيء عليه .
وسادسُ مفسداتِ الصوم ، إخراجُ الدمِ بالحجامةِ ونحوها .
وسابعُ مفسداتِ الصوم ، وتختص به النساء خروجُ دمِ الحيضِ أو النفاس ، ولو قبلَ المغربِ بيسير .
وهذه المفطراتُ كلُها لا تفسدُ الصوم إلاَّ بثلاثةِ شروط :
الأول : أنْ يكونَ عالماً بالحكمِ وعالماً بالوقت .
الثاني : أنْ يكونَ ذاكراً غير ناسي .
الثالث : أنْ يكونَ مختاراً غير مكره .
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يفقهنا في دينه وأن يتقبل صيامنا وقيامنا اللهم نسألك رحمة تهدي بها قلوبنا ...
1 – رواه البخاري ( 1804) . من حديث أبى هريرة t .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى