لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
مسلم
مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

حراسة السفينة  Empty حراسة السفينة {الأحد 27 نوفمبر - 23:52}

د. رياض بن محمد المسيميري
حراسة السفينة



إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران:102). (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1). (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) (الأحزاب:70-71).

أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ r وشرُّ الأمورِ مـُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار

أيَّها المسلمون :

إنَّ لهذه الأمةِ خصائصَ تُميزها , ومزايا تخُصها , تنفردُ بها عن غيرِها من الأمم , ولا عجب !!

فهي الأمةُ الوسط، وهي الأمةُ المجتباة، وهي الأمةُ المختارة لتكونَ شاهدةً على الأمم مُقدمةً على الشعوب.

هذه المرتبةُ المتميزة , والمكانةُ المتسنمةُ فوق القمم , لم تكنْ لتحدثَ هكذا اعتباطاً, فهي ليست لسوادٍ في أعينِ أبنائِها, ولا لفتوةٍ في مناكبِ شبابها، ولكنْ , (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)) [آل عمران: 110].

فبالأمرِ بالمعروف , وبالنهي عن المنكر, حظيت الأمةُ برفعةِ المنزلة, وفازتْ بقصبِ السبق وتسنمتْ علوَ المقام..

ولنا أن نتساءل , تُرى ، أما زالتِ الأمةُ ، محتفظةً بأسبابِ رفعتها, ومناطِ عزِّها وفخرِها؟

أما زالتْ السفينة محتفظةً بتوازنِها, ممتنعة متحصنةً ممنْ يريدونَ خرقهَا, ويجتهدونَ في إغراقِها؟

تجيبُك أيها الأخُ الكريم ، تلك الجموعُ الهائلةِ ، حولَ الأضرحةِ, والمشاهد , تستغيثُ بغير اللهِ سبحانه ، وتنزلُ حوائجِها بمنْ لا يملكُ نفعاً ولا ضُراً , ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً !

وتجيبك جموعُ المتخلفينَ عن الصلواتِ المكتوبة،المنشغلينَ عنها بسفا سفِ الأمور.. وخيبةِ الدهورِ!

تجيبك تلك الأجسادُ العارية، على شواطئِ البحار ، وضفافِ الأنهار, باسم الترفيهِ والاستجمام!

تجيبك حاناتُ الخمورِ ، وملاعبُ القمار, ودورُ السينما, ومراتع الفساد المنتشرةُ في كثيرٍ من بلادِ المسلمين!

تجيبك , تلك الأجيالُ الهزيلة , من ذوي الاهتماماتِ التافهةِ , والهواياتِ السخيفة, والتي لا تتعدى في مجموعِها صقلَ الوجوهِ, وتلميعَها, وتصفيفَ الشعورِ, وتسريحَها, ومتابعةَ الكرةِ, والتصفيقَ لها!

أيها المسلمون :

هذه بعضُ الثمراتِ المُرَّة في بعضِ ديارِ المسلمين , والتي نتجتْ يومَ عُطِّلت فريضةُ الأمربالمعروف والنهيِ عن المنكر، وأصبح كلُ (ذي هوىً) حراً في فعلِ ما يشاء، في الوقت الذي يشاء ، دون حسيبٍ أو رقيب...

وأمامَ هذا الإسفاف ، يتساءلُ المسلمُ الغيور. ماذا تُراه يصنع , أمام هذا الطوفانِ الجارف , والركامِ النكد؟أتُراه يقفُ مكتوفَ اليدين , مكتفيا بالحوقلةِ, والإسترجاع ملقياً بالتبعةِ على غيره؟ مردداً :

ذهبَ الذينَ يعاشُ في أكنافهم *** وبقيتُ في كنفٍ كجلدِ الأجربِِ

يتحدثـــون مخافةً وملاذةً *** ويعابُ قائلهم وإن لم يشغبِ

أم تُراه ينجفلُ إلى أهله, مردداً بينه وبين نفسِه , أملكْ عليك لسانَك , وابكِ على خطيئتِك, ولْيسعُكَ بيتُك..

إنَّ الإجابة أيها الغيورُ على محارمِ الله, تجدْها في قولِه جلَّ جلاله: (( فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ)) [هود:16] .

وفي قوله عليه السلام : (( والذي نفسي بيده , لتَأمرنَّ بالمعروف , ولتنهوُنَّ عن المنكر , أو ليوشكنَّ الله , أن يبعثَ عليكم عقاباً من عنده , ثم تدعونه فلا يستجاب لكم )) [1]

أمةَ الإسلام :

إنَّ السبيلَ الوحيد , للحفاظِ على بنيةِ الأمةِ, وتماسكها , في عقائدِها وأخلاقها , وقيمِها, ومبادئها. هو بإقامةِ فريضةِ الأمرِ بالمعروف , والنهيِ عن المنكر وفق منهاجِ النبوة, دون أن تَغرَّنا صولةُ الباطلِ, وجولتُه , وبريقُه, ولمعانه. فمتى تظافرتْ الجهودُ , وحَسنت النوايا , وصدقتْ العزائم , انكمشَ الشرُّ وانزوى , ثم تلاشى وانطفا, واقرأ إنْ شئتَ قولَه تعالى : (( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)).

وقولَه : (( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ)) .

أيها المسلمون :

كم يُخطىءُ البعض, حينَ , يلجأونَ إلى المقاييسِ المادية , ويَعقدونَ المقارناتِ الحسية , بين الباطلِ, وكثرةِ سوادهِ , وبين الحقِّ, وأهلهِ الغرباء فاالجُوء إلى مثلِ هذه المقاييس , خطأٌ فادحٌ, وغلطٌ كبير , يَشلُ الحركة , ويُثبط الهمم, ويُفترُ الحماس , ويبعثرُ الجهود, ويعطّلُ مسيرةَ البناءِ ..

فالصراعُ بين الفضيلةِ والرذيلة لا يخضعُ أبداً لتلك المقاييسِ الأرضيةِ.. ولا لتلك المعاييرِ الحسية, وإلاَّ لما ذاقَ المسلمونَ حلاوةَ النصرِ في بدرٍ, والقادسية , وعينِ جالوتٍ, وغيرها , من ملاحمِ أُسد الشرى , ونمورِ الورى. ولو كانَ الصراعُ يخضعُ لحسابِ العددِ والعُدة, لما خاضَ داعيةٌ, غمارَ الدعوةِ إلى الله , ولما سابقَ مصلحٌ في مضمارِ الذبِ عن دينِ الله..

هذا الإمامُ المجدد , شيخُ الإسلام قدَّس اللهُ روحَه... يرفعُ لواءَ السلفيةِ في نجد , وحيداً فريداً, يومَ كانتْ نجدٌ بؤرةَ الإلحاد , ومستنقعَ الوثنية , يوم كانتْ عبادةُ القبورعلى قدم وساق, وتعظيمُ الأحجارِ والأشجارِ, يعصفُ بما تبقى من عقولِ الرجال , ويذيبُ ما عَلُقَ بالنفوس , من مروءةٍ, ورجولة. رفعَ الإمامُ البطل , لواءَ دعوتهِ, وجاهدَ تلكَ النماذجَ المهترئةَ من البشر,غيرَ هيابٍ, ولا وجلٍ, ووقفَ راسخَ القدمين , أمامَ إعصارِ الفساد المدمر, مستعيناً بالله, متوكلاً عليه , حتى قيض اللهُ للإمامِ من يساندهُ, ويقفُ معه في خندقٍ واحد , حتى تحققتْ المعجزة , وتجسد الحُلم, حقيقةً فوق أرض الواقع، وزهق الباطل, وعادت نجدٌ دوحةَ الإسلام , ومعقلَ التوحيد , ولمثل هذا فليعمل العاملون , هذا أنموذجٌ واحد وغيره كثير..

إذاً فالصراع بين الحقِ والباطل , وبين الفضيلةِ والرذيلة ليس بخاضعٍ أبداً إلى حساباتٍ من نوع ( واحد + واحد يساوي اثنين)

.وإنَّما هو يخضع لمثلِ قولهِ تعالى : (( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)) .. ولمثلِ قوله : (( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ)) ولمثل قوله جلَّ جلاله : (( فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ * وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ *وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)) وغيرها من الآياتِ الواضحات البينات التي تؤكد أنَّ العاقبةَ للتقوى , وأنَّ المستقبلَ للإسلام , وأنَّ القوةَ لله جميعاً , وأنَّ الله شديدُ العذاب.

أيها الأحبةُ في الله :

إنَّ قضيةَ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر , ليستْ قضيةً خاضعةً للبحثِ, والمناقشة ، وتبادلِ وجهاتِ النظر, هل تكونُ أو لا تكون؟!

ولكنَّها قضيةٌ محسومة سلفاً باعتبارِها ركيزةً من ركائزِ الدين , وعموداً من أعمدةِ الإسلام وما ذلك إلا لكونِ المُنكر ليسَ مجردَ مسألةٍ شخصية , تتعلقُ بشخصِ المُنكر , أو بشخصيةِ المُنكرِ عليه، كلاّ , كلاّ ولكنَّ المسألة لها علاقةٌ جدُّ وثيقة بكيانِ الأمةِ كلِّها , فشيوعُ المخالفاتِ الشرعية , ضربٌ للأمةِ في الصميم , وتمزيقٌ لوحدتِها دون شكٍ, أو تردد، وحديثُ السفينةِ المشهور , شاهدٌ حي , بأنَّ أثرَ المُنكرِ , يتجاوزُ حيزَ صاحبهِ , ليمتدَّ بشؤمهِ , وأثرهِ البغيض , فيغمر المجتمعَ كلَّه, بظلالهِ القاتمةِ السوداء, فحين تُخرق السفينة , فلن يميزُ الطوفانُ الجارف , بين مَن خرقَها , ومنْ لم يخرقْها ولكنَّه سيدفنُ الجميع , تحتَ أمواجهِ العاتية.

لقد ظلَّ أنسٌ t يخدمُ رسولَ اللهِ r عشرَ سنين , كما حدَّث هو بنفسه , فلم يقلْ لـه يوماً , لشيءٍ فعلَه لم فعلته ؟ ولا لشيءٍ لم يفعلْه هلاَّ فعلته ([2])، يا لله العجب , عشرُ سنين من التجاورِ المعيشي, والتلاصق المباشر وَرُغم ذلك , لم يحصلْ العتاب, أو الإنكار , ولا لمرةٍ واحدة !

فهلْ كانَ أنسٌ معصوماً بحيثُ لا يخطئ , أو يفعلْ خلافَ الأولى على أقلِّ تقدير؟!

كلاَّ , كلاَّ فأنسٌ لم يكنْ معصوماً. بل كانَ يُخطئ , وقد يصنع أحياناً ما لا يعجبُ رسولَ اللهِ r بالضرورة , لكنّهُ لم يسمعْ عتاباً, ولا إنكاراً, لأنَّ المسألة شخصيةٌ بحته , تتعلقُ بشخصِ الرسولrفقط, ولا مساسَ لها بمستقبلِ الأمةِ, وكيانِها فالتسامُحُ فيها مطلوب , وغضُّ الطرفِ لمثلها مندوب..

لكنْ إليك يا رعاك الله مواقفَ أخرى يحمرُّ فيها وجهُ رسولِ الله غضباً , حين تقعُ المخالفةُ الشرعية ويجترئُ البعضُ على حدودِ الله, فيبادرُ عليه السلام إلى إنكارِ المنكر , في ساعاتِه الأولى , دون أنْ يصبرَ عشرَ سنين , صبرَه على أنسٍ خادمِه.هذه بريرة , أمةٌ ضعيفةٌ مسكينة , يعلنُ أسيادُها عن رغبتهِم في بيعها, فتتقدمُ عائشةُ لشرائِها وعتقِها , على أن يكونَ الولاءُ لها.

فيأبى الأسيادُ , إلاّ أنْ يكونَ الولاءُ لهم , في تعدٍ مكشوف , على شرع اللهِ المطهر ودينهِ المصون. فماذا صنعَ رسولُ الله , r؟ هل غضَّ الطرف , وابتسمَ في وجوهِ القوم , ابتسامتَه للأعرابي يوم جََدَبَ معطفَه , فاحمرَّ لجذبتهِ جنبهُ الطاهر؟!

لقد صعد المنبر , وخطبَ خطبةً عصماء , أنكرَ المنكرَ بشجاعةٍ , وصدعَ بكلمتهِ المشهورة , ((ما بالُ أقوامٍ يشترطونَ شروطاً ليست في كتاب الله , أيُّما شرطٍ ليسَ في كتابِ الله فهو باطل , وإن كانَ مائةَ شرط )« إنَّما الولاءُ لمن أعتق)) [3]

لم كلُّ هذا الغضب , يا رسولَ الله , لما كلُ هذا الغضب؟

والجواب إنه منكر لا يتعلقُ بشخصهِ الكريم , وإلا لوسعهُ حلمهُ العظيم , فقد عوَّد الأمة , أن يكون حليماً في مواقفَ لا تُعدُ, ولا تحصى..ولكن المنكر في حادثة بريره يمسُّ التشريعَ الإسلاميَ في الصميم, ويصيبهُ في مقتل, فقد وجدَ رسولُ الله r نفسَه أمامَ أناسٍ , يريدون أن يجعلوا من أنفسهِم مشرعين , بسنهم لأنظمة ووضعِهم لشروط , ما أنزلَ اللهُ بها من سلطان. فكان إنكارهُ عليه الصلاة و السلام , سريعاً حازماً , وقوياً حاسماً!

ولمَّا استنفرَ رسولُ الله r أصحابَه إلى تبوك , تخلفَ كعبٌ, وصاحباه دونَ مبررٍ معقول , أو مسوغٍ مقبول , حتى إذا ما رجعَ رسولُ اللهِ بالجيشِ إلى المدينة , إذا به يتخذُ موقفَه الصلب , وإجراءَه الصارم بحقِّ الثلاثةِ الذين خُلِّفوا, فيأمرُ بهجرِهم , ويُحرِّمُ محادثتَهم ويفرضُ حولَهم سياجاً, منيعاً من العزلة. حتى ضاقتْ عليهم الأرضُ بما رحبت , وضاقتْ عليهم أنفسهم !

فلم كلُّ هذا يا رسولَ الله؟ لم كلُّ هذا؟

والجواب , أنَّ الخطأ الذي ارتكبهُ الثلاثة , والمنكرَ الذي اقترفوه , له مساسٌ بكيانِ الدولة برمتها , وكان يمكن , أن يؤثرَ سَلْباً في نفسياتِ الجيش , المتجهِ لمقاومةِ جيشِ يفوقُه عدداً, وعدة , وذلكَ أمرٌ لا يخضعْ أبداً للأمزجةِ الشخصية, أو للأهواءِ النفسية, أو لتصرفاتٍ غير مسؤولة.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم, واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم..



الخطبة الثانية

الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين,

أمَّا بعدُ:

فيأيها المسلمون ,قد لُعنت الأمةُ الإسرائيليةُ في القرآن الكريم , على لسانِ نبيين كريمينِ يوم عُطِّل جانبُ الأمرِ بالمعروف , والنهيِ عن المنكر , فعمَّ مجتمعهم الآسن منكراتُ الأهواءِ, والأدواء (( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)) [المائدة:78].

ومجتمعاتُ المسلمينَ اليوم , بحاجة إلى مدافعةِ ما فيها من منكراتٍ , ومقاومةِ ما عمَّها من رذائلَ, صوناً لعقائدِ المسلمينَ , وذباً عن أعراضِهم , وأخذاً على يدِ السفهاء , الذين يخرقونَ السفينة , ويَعقرون الناقة على إنْ يكونَ الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر وفقَ ضوابطهِ الشرعية , وأن تُؤتى البيوتُ من أبوابها , بعيداً عن التشنجِ, والانفعال، ولايتوهمنّ أحدٌ, أنَّ صلاحَه في نفسِه, وأهله , كافٍ في نجاتهِ وسلامته , ففي هذا الوهم , تكونُ مزلةُ القدم , وعثرةُ الكِرام , فالجبارُ جلَّ جلاله يقول : ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)).

وفي حديثِ زينب أنهلكُ وفينا الصالحون؟ قال : نعم إذا كثُر الخبث ! فمهلاً يا رعاك الله , فلن تنجوَ بصلاحِكَ, وإنَّما تنجوَ بإصلاحك.

واسمعْ غير مأمور (( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)) .

وحذاري يرحمُك الله , من التوكلِ, والكسل , والتملصِ من الواجب , اكتفاءً بالنقدِ, والتوجع, وندبِ الزمانِ البائسِ المنكود. فهذا عجزٌ, وخنوع , وإخلالٌ بالأمانة , وإقرارٌ للمنكر شئنا أم أبينا.

اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا, ويقيناً صادقاً, وتوبةً قبلَ الموتِ, وراحةً بعد الموتِ, ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة, ولا فتنةً مضلة,

اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ, واجعلنا هُداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين, يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه, إمام المتقين, وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.

وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي

اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور, وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون.

رواه الترمذي (2169) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه . [1]

رواه أحمد (12622) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه [2]

رواه البخاري (1422) من حديث عائشة رضي الله عنها . [3]
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى