لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
ام الشهيد
ام الشهيد
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

السيرة - سيرة الصحابيات الجليلات - أمهات المؤمنين - سيرة السيدة خديجة بنت خويلد - الدرس 2-8 : زواجها من النبي صلى الله عليه و سلم Empty السيرة - سيرة الصحابيات الجليلات - أمهات المؤمنين - سيرة السيدة خديجة بنت خويلد - الدرس 2-8 : زواجها من النبي صلى الله عليه و سلم {الجمعة 15 يوليو - 19:43}

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ،
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما
ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا
اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول
فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

أيها الأخوة الكرام مع الدرس الثاني من دروس
سير الصحابيَّات الجليلات ، رضوان الله عليهم ، ومع أم المؤمنين الأولى
السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها .



كان النبي أول شريك مضاربٍ في الإسلام هو بجهده وخديجة بمالها :

وصلنا في الدرس الماضي إلى أن النبي صلى الله
عليه وسلم خرج مع غلام خديجة رضي الله عنها ميسرَة ، وقالت السيدة خديجة
لميسرة : " لا تعص له أمراً ولا تخالف له رأياً ".
لو وقفنا عند ميسرة قليلاً ، لا نجد لهذا
الاسم ذكرٌ بين الصحابة ، يرجِّح كُتَّاب السيرة أنه توفي قبل البعثة ـ
ميسرة غلام خديجة ـ فقد رافق النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة
التجارية ، إذ كان النبي أول مضاربٍ في الإسلام ؛ هو بجهده وخديجة بمالها .
هذا هو الطريق المشروع لاستثمار المال ، أن
يكون هناك إنسانٌ لا يستطيع أن يستثمره لكبر سنه ، أو لبُعده عن جو التجارة
، أو لصغر سنه ، أو لانشغاله ، فيأتي شابٌ في مُقتبل الحياة بأمس الحاجة
إلى المال ولا يملكه ، يملك الخبرة ، ولا يملك المال ، فإذا تعاون هذا
المال مع تلك الخبرة انتفع الطرفان ، دون أن يكون أحدهما عبئاً على الآخر ،
لذلك هذا هو الطريق المشروع لتنمية الأموال ، ولكن الذين أساؤوا استخدام
هذا البند من الشرع ، أساؤوا إساءةً كبيرةً جداً وقوَّوا مركز البنوك ،
حينما أساؤوا هذا الأسلوب الشرعي النظيف ، الواضح ، المتوازن .
لذلك يعد النبي عليه الصلاة والسلام أول شريكٍ مضاربٍ في الإسلام هو بجهده وخديجة بمالها .
ميسرة حينما سار مع النبي وتتبع تصرفاته ،
وأخلاقه ، ومواقفه ، وسَمْتَهُ ، واتصاله بالله عز وجل ، أعجب به أيما
إعجاب ، أعجب من حسن معاملته ، أعجب من صدق حديثه ، دُهِشَ بما رأى من
خوارق عجيبة .
نحن نسميها للمؤمن كرامات ، فعلماء التوحيد
يسمونها للأنبياء معجزات ، أي أنك حينما تقبل على الله ، حينما تخلص له ،
حينما يحسن عملك ، حينما تصفو نيَّتك ، حينما تقدِّم كل ما تملك في سبيل
الحق ، لا بد أن يريك الله بعض الكرامات ، بعض خرق العادات ، هو إشعارٌ من
الله بالقبول ، إشعارٌ من الله بالمحبة .
لذلك عندما يشتد الحر في الهاجرة ، كانت تأتي
غمامةٌ تظلل النبي صلى الله عليه وسلم ، وتحجب عنه أشعة الشمس ، لذلك الذين
يمدحون النبي عليه الصلاة والسلام ، يصفونه بأنه مظللٌ بالغمام ، هذه من
الخوارق التي أكرم الله بها نبيه .







الله هو الحق وهو الذي يظهر فضائل الناس :

تروي الروايات أن راهباً من رهبان الصوامع في
بلاد الشام يدعى نسطوراً دنا من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبَّل رأسه ،
وقدميه ، وقال له : " أشهد أنك الذي ذكره الله في التوراة " ، لأنه رآه
مظللاً بالغمام .
لحكمةٍ أرادها الله ، وبتوفيقٍ من الله عز وجل
، يسَّر الله للنبي هذه التجارة ، وربحها ربحاً وفيراً ، وعاد ميسرة إلى
السيدة خديجة رضي الله عنها فحدثها بما رأى .
تعليقي على هذا الموقف أن الإنسان كلما كبُر
لا يمدح نفسه ، أو لا يستجدي المديح ، عمله ينطق عنه ، الإنسان إذا كان عند
الله كبيراً فهو غنيٌ عن أن يستجدي مديح الآخرين ، غنيٌ عن أن يعرض عضلاته
، وإمكاناته ، وقدراته ، وما توصَّل إليه ، وماذا فعل؟ وكيف عامل الناس ؟
دع الناس تتحدث عنك ، دع الناس يتحدثون عنك لأن الحق أبلج ، والناس لهم
عيون ولهم آذان ، ويرون :



﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا(49)﴾



( سورة النساء )

هل ورد عن النبي أنه مدح أمانته ؟ مدح صدقه ؟
تحدث عن خبرته في التجارة ؟ لا لكن ميسرة رأى كل شيء ونقل كل شيء ، ولأن
الله هو الحق ، إذاً هو الذي يظهر فضائل الناس ، يظهرها ألم تقرأ قوله
تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا (38)﴾



( سورة الحج )

الإنسان ليجهد أن يضع نفسه في الظل ـ أو في
التعبير الحديث في التعتيم ـ إن وضع نفسه في الظل الناس يتحدثون عن فضائله ،
لأنهم رأوها رأي العين ، يتحدثون عنها ، أما أنت إذا تحدثت عنها ، كان
حديثك عنها ثقيلاً ، قيل : رقصت الفضيلة تيهاً بفضلها فانكشفت عورتها ،
اجهد أن تتحدث عن الله ورسوله وأوليائه دون أن تسلِّط الأضواء على نفسك .

أنا ، نحن ، لي ، وعندي ، أربع كلماتٍ مهلكات ورد ذكرها في القرآن الكريم :

في هذه الرحلة ما تكلم النبي كلمةً عن نفسه
أبداً ؛ ولكنه كان صادقاً ، أميناً ، عفيفاً ، محباً ، حكيماً ، كل هذه
الفضائل رآها ميْسرة ، وأخبر بها خديجة ، هناك أُناسٌ همهم أن يتحدَّثوا عن
أنفسهم ، وكما تعلمون ، كلمة أنا ، ونحن ، ولي ، وعندي ، هذه أربع كلماتٍ
مهلكات ، أنا ، ونحن ، ولي ، وعندي :

﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ (12)﴾



( سورة الأعراف )

قالها إبليس فأهلكه الله .

﴿ نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ (33)﴾



( سورة النمل )

قالها قوم بلقيس فأهلكهم الله .

﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ﴾


( سورة القصص الآية : 78 )

قالها قارون فخسف الله به وبداره الأرض .

﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾


( سورة الزخرف : من آية " 51 " )

قالها فرعون فأغرقه الله عز وجل ، لا ترَ لك عملاً ، رحمة الله أوسع من عملك من أدعية النبي له الصلاة والسلام :

(( يا رب مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى لي من عملي ))


[الحاكم عن سيدنا جابر]

وبالطبع ميسرة حدَّث سيدته خديجة بما رأى من أحوال النبي العجيبة ، وأخلاقه الكريمة ، وشمائله الرفيعة .

من زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الإيمان لأن الإيمان حُسن الخلق :

تذكر بعض الروايات أن السيدة خديجة رأت
الغمامة بنفسها ، وهي تظلل النبي صلى الله عليه وسلم عندما رجع إليها ،
وكانت جالسةً في غرفة عالية مع بعض نساء قومها .
السيدة خديجة أرادت أن تتثبت من فكرةٍ ترددت
في نفسها ، فذهبت إلى ابن عمٍ لها ، فهذا إنسان غير طبيعي ، إنسان ليس له
مثيل ، هذه الغمامة ، آيةٌ من آيات الله ، وكأنه إنسان مهيَّأ لشيء كبير ،
أرادت أن تتثبت بنفسها فذهبت إلى ابن عمٍ لها يُدعى ورقة بن نوفل وكان قد
تنصَّر ، وقرأ كُتب أهل الكتاب ، فذكرت له ما أخبره ميسرة من شأن النبي ،
فقال لها : " لئن كان هذا حقاً يا خديجة فإن محمداً لنبيُّ هذه الأمة ،
وعرفت أنه كائنٌ لهذه الأمة نبيٌ ينتظر وهذا زمانه " ، أي أن ورقة بن نوفل
أبلغ السيدة خديجة ابنة عمه أن لهذا الإنسان كما تذكرين شأناً كبيراً ،
ولعله نبي هذه الأمة .
الدلائل التي تسبق البعثة ، سماها علماء
السيرة إرهاصات ، الإرهاصات معجزات ، ولكنها قبل البعثة ، كأنها إشارات
مبكِّرة إلى أن هذا الإنسان سينتظره شأنٌ كبير .
بالطبع السيدة خديجة رأت من أمانته ، ومن كرمه
، ومن صدقه ، ومن عفَّته ، ومن استقامته ، ومن خوراق العادات الشيء الكثير
، فكان قلبها متعلِّقاً بالنبي ، وقد امتلأ حباً له ، وإعجاباً به عليه
الصلاة والسلام ، وكيف لا تحبه وهو أكمل الناس خَلقاً وخُلقاً ؟




وأحسنُ منك لم تر قط عيني وأكمل منك لم تلد النساءُ
خلقـت مبرأً مـن كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاءُ
***

أيها الأخوة الكرام ، من زاد عليك في الخُلق
زاد عليك في الإيمان ، لأن الإيمان حُسن الخلق ، وما مُدِحَ النبي بمدحٍ
أبلغ من قول الله عز وجل :

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4)﴾



( سورة القلم )

هو أكمل الناس خَلقاً وخُلقاً ، وأنضر الشباب
وجهاً ، وأكملهم رجولةً ، ولكن أين السبيل إليه ؟ وما هي الوسيلة التي
تقرِّبها منه ؟ كيف تجعله يفكر في الزواج منها ويتقدم لخطبتها ؟ وقد جرت
أعراف الناس وتقاليدهم أن تكون المرأة هي المَخطوبة لا الخاطبة ، المطلوبة
لا الطالبة ، الآن الآية معكوسة ، هي تبحث عن طريقٍ تصل إليه ، الشيء الذي
أدهشها أنها ما لاحظت من النبي صلى الله عليه وسلم أنه يفكِّر في الزواج ،
ولم تر منه عليه الصلاة والسلام أي التفاتٍ إلى النساء ، ولم تر بصره يرتفع
إلى وجهها ، وهذا شأن العفيف ، فلا يملأ عينيه من محاسن المرأة ، ولا ينظر
إلى وجهها ، لك أن تكلِّمها ، ولك أن تخاطبها من دون أن تملأ عينيك منها ،
والأنثى تعرف بالضبط من نظرة الرجل ما إذا كان عفيفاً ، أو كان شهوانياً ،
أدركت أنه بعيدٌ عن جو النساء ، ولا شك أن المرأة تستشعر هذه الحالة بشكلٍ
دقيق .

السيدة خديجة خطبت النبي صلى الله عليه وسلَّم لتتشرف بالزواج منه :

قد دلت بعض الروايات أيها الأخوة أنه ما كان
في ذلك الوقت يفكِّر في الزواج إطلاقاً ، لا من خديجة ، ولا من غيرها ،
بسبب قِلَّة ما في يديه من المال ؛ وهو سيد الخلق ، وحبيب الحق ، فإذا كان
الشاب من الشباب الطيبين المؤمنين ، ألا تتزوج ؟ والله لا يوجد معي شيء ،
له في هذا النبي أسوةٌ حسنة ، سيد الخلق ، وحبيب الحق لا يوجد معه ، ما دام
لا يوجد شيء إذاً لا يفكر في الزواج إطلاقاً ، أحياناً الفقر مع العفة
يخلق بطولات ، حتى إنهم قالوا : الحُزن خلاَّق ، أكثر الفضائل لا تظهر مع
الغنى ، بل تظهر في الفقر ، شاب في ريْعان الشباب ، وسيم ، وجهه كالبدر ،
قوي ، لا سبيل إلى الزواج .
ذكر الزُهري في سيرته أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم دخل على خديجة ليتحدث معها ، فلما قام من عندها جاءت امرأةٌ
فقالت : خاطباً يا محمد ؟ قال : كلا ، قالت : ولمَ ؟ فو الله ما في قريشٍ
امرأةٌ إلا تراك كفئاً لها ، قال لها : كلاَّ ، أما كلمة كلاَّ فقد ملأت
قلب السيدة خديجة حزناً ، كلا ، أي لا أريد الزواج .
ثم سمعت من هذه المرأة أن أيَّة امرأةٍ في
قريش تراه كفئاً لها ، حتى إن الفقهاء وصلوا إلى أن أي طالب علمٍ شرعي كفءٌ
لأية امرأةٍ كائنة من كانت ، في بحث الكفاءة استثناء ، طالب العلم الشرعي ؛
هذا الإنسان المؤمن ، المستقيم ، الذي يخشى الله ، الذي يحب الله ، هذا
بأخلاقه الرضيَّة ، وبعلمه ، وباستقامته ، وبحسن خلقه ، هذا كفءٌ لأي امرأة
.
لذلك السيدة خديجة حزنت حينما قال : كلا ، وفرحت حينما اطمأنت أن كل امرأةٍ في قريش تتمنى أن يكون محمدٌ زوجاً لها .
اتفقت الروايات على أن السيدة خديجة رضي الله عنها هي التي خطبت النبي .
نحن نوسع الموضوع قليلاً : المؤمن يخطب ود
الله عز وجل ، المؤمن لا يعنيه شيءٌ إلا أن يرضى الله عنه ، فهذه امرأةٌ
رأت من فضائله ، وكماله ، ونزاهته ، واستقامته ، وأمانته ، وصدقه ، وعفافه
الشيء الكثير ، فالآية عكست ، هي التي تخطبه ، تبحث إلى وسيلةٍ إلى قلبه .
قال : اتفقت الروايات على أن السيدة خديجة هي
التي خطبت النبي صلى الله عليه وسلَّم لتتشرف بالزواج منه ، وأنها هي التي
مهَّدت بإجراءات الخطبة ، وتجاوزت بهذا كل الأعراف والتقاليد التي تجعل
الرجل هو الخاطب ، الذي يتقدَّم لخطبة امرأة ، ولها كل العُذر في ذلك ،
فمثل النبي تخطبه النساء ، وما من امرأةٍ إلا تتمناه لنفسها زوجاً ، وتبذل
كل ما تستطيع لتصبح زوجةً له .







الإنسان إذا عُرِضَ عليه شيء لا يتأبَّى عنه

وهذا تواضع منه :
تعليق متعلق بحياتنا اليومية : الشاب المؤمن إذا تزوَّج ابنتك لن يظلمها ،
لن يخونها ، لن يُهملها ، لن يقسو عليها ، زوِّجها لمؤمن ، إن أحبها
أكرمها ، وإن لم يحبها لم يظلمها ، الزواج رِق ، فلينظر أحدكم أين يضع
كريمته .
ذكرت بعض الروايات أن السيدة خديجة عرضت نفسها
على النبي صلى الله عليه وسلم ، وصرَّحت له برغبتها أن تكون زوجةً له ،
هذه رواية ، وذكرت رواياتٌ أخرى أنها أرسلت إليه بعض النساء لكي يتكلَّمن
معه في موضوع الخطبة .
بل إنه من الممكن أن نجمع بين هذه الروايات
كلها : تحدثت السيدة خديجة مع بعض خاصَّتها من النساء عن أمنيتها ، ورغبتها
في أن تصبح زوجةً للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الحديث مع صديقتها
نفيسة بنت مُنَيَّة ، وطلبت منها أن تساعدها في تحقيق رغبتها ، وقامت
بالدور المهم في التمهيد لهذه الخطبة المباركة ، وتحدثت أيضاً لأختها هالة
بنت خويلد ، وكلَّفتها بالمهمة نفسها .
أما هالة فذكرت بعض الروايات أنها تحدَّثت مع
عمار بن ياسر ، ويبدو أن عمَّاراً الذي قال : مررت أنا ورسول الله صلى الله
عليه وسلم بأخت خديجة فنادتني ، فانصرفت إليها ووقف لي رسول الله ، فقالت :
أما لصاحبك هذا من حاجةٍ في تزوِّج خديجة ؟ فقال عمار : فأخبرته ، فقال
عليه الصلاة والسلام : بلى .
الإنسان إذا عُرِضَ عليه شيء لا يتأبَّى عنه ،
من كمال الأخلاق إذا إنسان عرض عليك خير ؛ عمل ، زواج ، وكان شيء مقبول
وجيد ، لا تتكبَّر ، لا تتأبَّى ، هذا تواضع من الإنسان .





الدوافع التي دفعت السيدة خديجة إلى الزواج من النبي محمد :

أما نفيسة فقد روى ابن سعد عنها أنها قالت : "
كانت خديجة بنت خويلد امرأةً حازمة جادةً شريفة مع ما أراد الله بها من
الكرامة والخير ، وهي يومئذٍ أوسط قريشٍ نسباً ، وأعظمهم شرفاً ، وأكثرهم
مالاً ، وكل قومِها كان حريصاً على نكاحها لو قدر على ذلك ، قد طلبوها
وبذلوا لها الأموال ، فأرسلتني " .
تقول نفيسة : فأرسلتني دسيساً إلى محمد ـ
كلفتني بمهمة ـ بعد أن رجع من عيرها في الشام فقلت : " يا محمد ما يمنعك من
أن تتزوج ؟ " فقال عليه الصلاة والسلام : "ما بيدي ما أتزوج به " ، قلت : "
فإن كُفيت ذلك ، ودُعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاءة ألا تجيب ؟ " ،
قال : "فمن هي ؟ " ، قلت : " خديجة " ، قال : " وكيف لي بذلك ؟ " قالت : "
قلت علي " ، قال : " فأنا أفعل إذاً " .
لما علمت رضي الله عنها برغبة النبي صلى الله
عليه وسلم بما أُرْسِلَت إليه ، وعرضت نفسها عليه ، وبيَّنت له الدوافع
التي دفعتها إلى الزواج به ، فقالت : " يا ابن عم ، إني قد رغبت فيك
لقرابتك ، وصفتك في قومك ـ أنت وسطٌ في قومك ، إنسان كامل ـ وأمانتك ، وحسن
خُلُقِك ، وصدق حديثك " ، ولم تذكر رضي الله عنها أي دافعٍ آخر ، ولم تذكر
ما ترجو من شأنٍ كبير حينما تكون زوجة رسول الله ، لأنها علمت من ابن عمها
أن لهذا الإنسان شأنٌ كبير ، هذه أمور غيبية مستقبلية لا يمكن الجزم بها ،
يوجد عقل ، الشيء الثابت أنه ذو خلقٍ عظيم ، شمائل رفيعة ، كرم ، استقامة ،
صدق حديث ، أمانة .
تحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي
طالب في موضوع الخطبة ، وزواجه بالسيدة خديجة ، وأخبره بما حدث معه ، فوافق
عمه على أن يتقدَّم لخطبتها ، وذهب عمه مع عشرةٍ من وجوه بني هاشم إلى
عمها عمرو بن أسد ، فخطبها منه ، فزوجه ، وقال : " هذا الفحل لا يُجْدَعُ
أنفه " ، أي لا يرد طلبه .




خُطبة النكاح التي ألقاها عمّ النبي أبو طالب :

الآن تستمعون أيها الأخوة إلى الكلمة التي
ألقاها عمه أبو طالب ، هذه يسميها العلماء خُطبة النكاح ، الخِطبة أن تخطب
امرأةً ، الخُطبة أن تلقي خُطبة ، هذه خُطبة النكاح ، يقول أبو طالب :
الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع
إسماعيل ، وجعلنا حضنة بيته وسوَّاس حرمه ، وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً
آمناً ، وجعلنا حُكَّام الناس ، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله ، لا
يوزن به رجلٌ إلا رجح به ؛ شرفاً ، ونُبلاً ، وفضلاً ، وعقلاً ، وإن كان في
المال قِلٌ فإن المال ظلٌ زائل ، وأمرٌ حائل ، وعاريةٌ مسترجعة ، وهو
والله بعد هذا له نبأٌ عظيم ، وخطرٌ جليل ، وقد خطب إليكم رغبةً في كريمتكم
خديجة ، وقد بذل لها من الصداق حكمكم ـ أي ما تريدون ـ عاجله وآجله اثنتا
عشر أوقيةً ونَشَّاً ـ النَش من العملة المستعملة وقتها ـ هذه خطبة النكاح .
تحدث عن الخاطب ، عن أخلاقه ، عن نسبه ، عن
شرفه ، عن مكانته ، وتحدَّث عن الزوجة المخطوبة ، عن كرمها ، وعن عظيم
أخلاقها ، ثم تحدث عن المهر .
هذا المقدار أيها الأخوة مقدار المهر ، يتفق
مع ما جاء في الحديث الصحيح ، أن أبا سلمة بن عبد الرحمن سأل السيدة عائشة
رضي الله عنها :




((كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت :
كان صداقه لأزواجه اثنتا عشرة أوقيةً ونَشَّا ـ الأوقية أربعون درهم ،
والنَش نصف أوقية ـ ثم قالت : أتدري ما النش ؟ قال : قلت : لا . قالت : نصف
أوقية ، فتلك خمسمئة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأزواجه))



[مسلم عن إسحاق بن إبراهيم]


استنتاجات من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في زواجه بالسيدة خديجة :

أيها الأخوة الكرام الذي يعنينا من هذه السيرة
أن نستنبط منها قواعد تعيننا على أن نستقيم على أمر الله وعلى أن نصل إليه
، فمن هذه الاستنتاجات من سيرة السيدة خديجة :

1 ـ الفضيلة التي تنطوي عليها لو لم تذكرها للناس يعرفها الناس :

أولاً : الفضيلة التي تنطوي عليها لو لم
تذكرها للناس يعرفها الناس ، أنت لست بحاجةٍ إلى أن تُسَلِّط الأضواء على
نفسك ، البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديَّان لا يموت ، النبي عليه الصلاة
والسلام ما أُثر عنه أنه مدح نفسه ، ولا ذكر فضائله ، ولا شمائله ، ولا
صدقه ، ولا أمانته ، ولكن الناس جميعاً عرفوا كل فضائله ، وعرفوا كل شمائله
، وقدَّروه أعظم تقدير ، لذلك ليس من الحكمة أن تمدح نفسك .
ميسرة رأى كل شيء ، وأنبأ خديجة بكل شيء ،
وانتهى الأمر ، والله هو الحق ، ومعنى الحق الذي يظهر الحق ، ويكشف الحقائق
، هذه أول نقطة ، دع الناس يمدحونك ، أنت اصمت .


(( يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر وأثقل في الميزان من غيرها ، قلت : بلى ، قال : طول الصمت وحسن الخلق ...))


[شعب الإيمان عن أنس]

كان عليه الصلاة والسلام يغلب عليه الصمت ،
والفضائل ظاهرة ، والفضل لا يخفى على أحد ، والشمائل الطيبة لا تخفى على
أحد ، أما إذا أنت ذكرتها وتباهيت فيها ، شك الناس في إخلاصك ، وفي مكانك
عند الله عز وجل .

2 ـ أفضل شفاعةٍ أن تشفع بين اثنين في نكاح :

ثانياً : أفضل شفاعةٍ أن تشفع بين اثنين في
نكاح ، فالإنسان بحق نفسه قد يكون ضعيف ، فإذا يسَّر الله لك أن تكون سبباً
في زواجٍ مبارك ميمون ، هذا عمل طيِّب ، لأن الله عز وجل يقول :

﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ (32)﴾



( سورة النور )

أنت يجب أن يكون مسعاك أن تعرِّف شاباً بقريبة لك ، أو قريبة بشاب ، العبرة أن تكون سبب بتأسيس بيت مسلم ، هذه نقطة ثانية .

3 ـ إذا الإنسان عُرِضَ عليه الخير ينبغي ألا يتأبَّى في ذلك :

ثالثاً : إذا الإنسان عُرِضَ عليه خير من دون
طلبٍ ولا استشراف نفسٍ ، فرده ، فكأنما ردَّه على الله ، النبي كان أديباً
جداً ، أول عرض قال : بلى ، والثاني قال : بلى ، وهو سيد الخلق ، وحبيب
الحق ، هناك نفوس مريضة ، تتأبى ، ترفض ، للرفض فقط ، حباً بالرفض ، فإذا
الإنسان عُرِضَ عليه الخير ، مخلص ، جيِّد ، ينبغي ألا يتأبَّى في ذلك .

4 ـ النبي ما كان يفكر في الزواج لأنه لا يملك مالاً ولكن الله سبحانه إذا أعطى أدهش :

الشيء الأخير كما قلت قبل قليل أن النبي عليه
الصلاة والسلام ما كان يفكر في الزواج إطلاقاً ، السبب ليس بين يديه مالٌ
يعينه على الزواج ، ولكن الله سبحانه وتعالى هو الكريم ، وإذا أعطى أدهش ،
لذلك : ما شكا أحدٌ ضيق ذات يده إلا قال له النبي : اذهب فتزوج .

(( ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ
الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ
الْأَدَاءَ وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ ))



[ الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

هناك أربع استنباطات في هذا الدرس تُستنبط من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في زواجه بالسيدة خديجة .
والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى