رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
عبادة بن
الصامت ( رجل يعد بألف رجل )
متى قيلت هذه الكلمة ؟ وفي حق من ؟ بل من
الذي قالها ؟ إنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أجرى الله
الحق على لسانه ، فلا يقول إلا حقاً ، ولا ينطق إلا صدقاً .
وقد قيلت في حق صحابي صنديد ، أسلم في بدء
الدعوة ، وحسن إسلامه ، وظل حاملاً سيفه ، يلازم النبي أينما ذهب ، فشهد المشاهد جميعها ، وأبلى
فيها البلاء الحسن ، حتى قبض رسول الله وهو عنه راض ، وفي عهد الخليفة
الأول ( أبي بكر الصديق ) أظهر من
القوة والشجاعة ما دفع به في أتون المعارك ، فحمل حسامه الذي كان يذب به عن
وجه النبي صلى الله عليه وسلم ، ها هو يذهب به ليحمي بيضة الإسلام من
هؤلاء المرتدين ، وأدعياء النبوة ، ومانعي الزكاة ، فكان نعم البطل الشجاع ،
المؤمن بربه ، التواق إلى جنة الخلد وملاقاة الأحبة محمد صلى الله عليه
وسلم وحزبه .
ها هو أمير المؤمنين ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه يبعث به ضمن ثلاثة
من الرجال ، على رأس جيش قوامه أربعة آلاف ، لينطلقوا باسم الله إلى بلاد
النيل ، ليحرروا مصر من أغلال الروم .
لقد أرسلهم الخليفة العادل رضي الله عنه بعد
أن وصلته رسالة من القائد الهمام ( عمرو بن
العاص ) يشرح له الموقف في مصر ، وكثافة جند الروم ، ومعهم المصريين
، ولما فرغ الأمير من قراءة الرسالة ، واقتنع بما فيها ، هز رأسه علامة
الإيجاب ، ثم كتب إلى القائد عمرو بن العاص رسالة قصيرة قال فيها :
( إني قد أمددتك بأربعة
آلاف رجل على كل ألف رجل منهم مقام ألف ) وكان
بطلنا العملاق صاحب البشرة الداكنة
، والعينان الحادتان ، والصوت الجهوري ، هو أحد هؤلاء الأربعة رضي
الله عنه ، وأرضاه ، كانت عيون المقوقس قد استطاعت أن تندس بين جنود
المسلمين ، تنظر إليهم ، وتتأملهم وتدرس أحوالهم ريثما تقوم بتبليغ المقوقس
بمدى قوة هؤلاء المسلمين ، ومناطق الضعف التي تعتري حركتهم ، حتى يستطيع
ملكهم أن يحتاط.
ما إن وطأت أقدام الأربعة آلاف الذين بعث لهم
أمير المؤمنين ( عمر بن الخطاب ) حتى
التحموا ببقية إخوانهم من الجنود وراحوا جميعاً يهتفون في صوت واحد ، صوت
هادر يسقط جدران المدينة .
الله أكبر ، الله أكبر .
ما كادت الكلمة تنطلق في قوة ، حتى أصابت
عيون ، المقوقس وجواسيسه ، وكادت قلوبهم أن تخرج من حناجرها من شدة الهلع
والخوف ، الله أكبر ، الله أكبر ، كادوا أن يصعقوا من هول قوتها ، فإذا بهم
يفرون كالجرذان المذعورة ، لينقلوا الأخبار إلى المقوقس .
وما هم المقوقس بنظرات غاضبة ، وصاح في
وجوههم : ما بك ، ماذا رأيتم ؟
قالوا : رأينا قوماً الموت أحب إلى أحدهم من
الحياة ، والتواضع أحب إليهم من الرفعة ، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا
مهمة ، وإنما جلوسهم على التراب وأكلهم على ركبهم ، وأميرهم كواحد منهم ،
ما يعرف رفيعهم من وضيعهم ، ولا السيد من العبد ، إذا حضرت الصلاة لم يتخلف
عنها منهم أحد .
يغسلون أطرافهم بالماء ، ويخشعون في صلاتهم .
صمت المقوقس ، وراحت عيناه تنظران إلى بعيد ،
إلى عالم لا يراه سواه ، ثم هز رأسه وقال : والذي يحلف به لو أن هؤلاء
استقبلوا الجبال لأزالوها ، وما يقوى على قتال هؤلاء أحد .
ولئن لم نغنم صلحهم اليوم وهم محصورون بهذا
النيل لم يجيبونا بعد اليوم إذا أمكنتهم الأرض ، وقووا على الخروج من
موضعهم .
أرسل المقوقس إلى أمير الجيوش ( عمرو بن العاص ) بنفر من
خاصيته ليتفاوضوا معه .
وينظرون أي طريقة ممكنة تصلح لإجراء الصلح .
لكن قائد المسلمين لم يصلح لهؤلاء الرسل
بالعودة إلا في اليوم الثالث من ذهابهم إليه ، مما أصاب المقوقس بالقلق ،
والترقب ، وضرب أخماس في أسداس .
ولما عاد رجاله تنفس الصعداء ن وابتسم في
اطمئنان .
سألهم عن هذا التأخير ، فراحوا يصفون له حال
هؤلاء الجنود ، كيف يأكلون ، وكيف يتعاملون فيها بينهم ، تمسكهم بدينهم
وحبهم لنبيهم ، واشتياقهم للموت في سبيل الجنة التي أعدها ربهم لهم .
إنهم والله لأناس
يحبون الموت ويسعون إليه طواعية ، كما نحب نحن الحياة ونتعلق بها ، ثم
رفعوا إليه المطالب التي قدمها قائدهم ، وهي :
إما الإسلام ، ويكون لكم
ما للمسلمين ، وعليكم ما عليهم .
وإما الجزية يدفعونها
عن يد وهم صاغرون .
وإما
القتال .
بعد أيام أرسل عمرو بن العاص نفراً من أصحابه على رأسهم هذا
الصحابي العملاق ، وأمره عمرو أن يكون متكلم القوم وأميرهم .
لما دخلوا على المقوقس ، ارتعدت فرائصه ،
وخاف من رؤية هذا الصحابي ، قال لهم :
نحوا عني هذا الأسود وقدموا غيرها يكلمني .
قالوا له :
إن هذا الأسود أفضلنا رأياً وعلماً ، وهو
سيدنا وخيرنا والمقدم علينا ، ونرجع جميعأً إلى قوله ورأيه ، وقد أمره
الأمير دوننا بما أمره وأمرنا ألا نخالف رأيه قوله .
حدق المقوقس في وجه الصحابي ، وقال في تأفف
واستياء : وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم ، وإنما ينبغي أن يكون هو
دونكم ؟
قالوا :
إنه وإن كان أسود كما ترى فإنه أفضلنا موضعاً
، وأفضلنا سابقة وعقلاً ورأياً ، وليس ينكر السواد فينا .
قال المقوقس :
- تقدم يا أسود ، وكلمني برفق ، فإنني أهاب
سوادك ، وإن أشتد كلامك علي ازددت لك هيبة .
تقدم إليه الصحابي العملاق ، ورماه بنظرات
حادة قاسية ، ثم هز رأسه مبتسماً وقال : ( قد سمعت مقالتك ، وأن فيمن خلفت
من أصحابي ألف رجل ، كلهم مثلي وأشد سواداً مني وأفظع منظراً ، لو رأيتهم
لكنت أهيب لهم مني ، وأنا قد وليت ، وأدبر شبابي وإني مع ذلك بحمد لله ما
أهاب أحداً ولو كانوا مائة أو ألفاً من الأعداء ) .
هناك انكفأت رأس المقوقس على صدره ، وأحس أنه
أمام أسود عملاقة في هيئة رجال من البشر ، فعلم أنها النهاية المحتومة ،
ولو اجتمعت لهم كل جيوش الأرض .
من كتاب : 100 قصة وقصة من قصص الصحابة رضي الله عنه
إعداد : محمد عبد الظاهر المطارقي .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى