رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
أنس الكيال
فجأة ! يبست قدماه وازرقت شفتاه، أما وجهه فخلا من الدماء حتى بدا وكأنه ميتاً و أخذ يتمتم : لا ... لا ...
إنها ليست سلمى بل تشبهها إلى حد كبير نعم إلى حد كبير بل هي سلمى فها هو
فمها الرقيق قد تشكل على شكل فوهة بركان و أخذ يقذف الحمم : " اسعد ...اسعد " كانت
تقولها بذهول شديد ولكن اسعد كان أشد ذهولاً إنها تقذف عليه الحمم بكثرة
وغزارة حتى أحرقت جسده بنار لم يشهدها من قبل ، يا الله !! أهكذا تكون المصادفة ؟
ترمي الإنسان في أنهار العذاب قبل أن يراها ، و تكويه بنيران العقاب قبل
أن يقترف الذنوب ؟ ربما تقوم المصادفة بما لا تقوم به الخطط ، وربما يحمل
لنا القدر في طياته ما هو أعجب من الحاضر بكثير .
كان اسعد أخاً لسلمى
أو لنقل أنهما ولدا من رحم واحدة ولهما أب مشترك إذ لا يربط بينهما إلا
أخوة النسب فأنى للملاك أن يقترب من الشيطان !! ولكن ما هذا الموقف الغريب
الذي جمعهما ... فلنستمع إلى باسل صديق اسعد : " أحمل فكرة جهنمية تحمل
الإثارة والمتعة و ... إنها ستحقق لكم أحلاماً لم تكونوا لتتمنوا حصولها .. " يصرخ اسعد و محمود باهتمام :" انطقها سريعاً ، انطقها ! " .
باسل : " لقد سرقت ، عفواً لقد أخذت قدراً من المال من أبي يكفي لتنفيذها ، وستكون الخطة على الشكل
التالي :
نذهب أولاً إلى مدرسة إنماء في الساعة الثانية عشرة و نتفق مع مستخدمها
بعد أن نعرض عليه عشرة آلاف ليرة فإن لم تكفيه ندفع خمسة عشر فإن لم
تكفيه فستفشل الخطة لأني لا أملك غيرها ، يقفل باب المدرسة قبل أن تخرج آخر
فتاة منها و يفتح لنا نافذة نستطيع القفز منها لنتسلى قليلاً مع هذه
الفتاة التي سترحب بنا بالتأكيد ، هاه ! " ، تجهم وجه محمود واسعد من هذه
الفكرة و أخذت يداهما الباردتان ترجفان باستمرار ، أمسك باسل بأيديهم
قائلاً : " ألستم رجالاً " فأجابوه : " بل بمائة رجل " .
اسعد : " إذاً هلموا " .
طوت الطرقات خطوات هؤلاء
الثلاثة ببطء شديد إذ أنها كانت تتألم جداً على مصير هذه الفتاة ، اشتعلت
الشمس بقوة و احمرت واسعر لهيبها أملا ًفي إحراقهم ولكنها فشلت في أن تمنع
القدر الآتي ، استقبل المستخدم الحقير الثلاثة كالعادة بابتسامته البلهاء
إذ أنهم يعرفونه سابقاً عندما كانوا يجلسون معه يسامرهم و يروي لهم قصص
معاكساته لفتيات المدرسة التي يعمل بها ، ولكن في هذه المرة لم يكن القصد
مسامرته أبداً ، بادره اسعد : ما رأيك بعشرة آلاف ليرة تأخذها حالاً .
- كيف بالله عليك ؟ قل لي أيها الشيطان كيف ؟ .
-
بسيطة ، تجد الفرصة المناسبة لتقفل الباب على آخر فتاة في المدرسة و تفتح
لنا النافذة في الجهة الشرقية و تترك الباقي علينا .
كان اسعد يقول هذه الكلمات البغيضة و كأنه يقول أروع الكلمات و أبسط الكلمات ، اصفر وجه المستخدم من الخوف :
- كيف ؟! ماذا سيحل بي بعد هذه الفعلة الشنيعة ؟.
- الذي سيحل بك أنك ستأخذ عشرة آلاف ليرة تصرفها على عيالك و بقليل من الذكاء لن تكشف أن لديك يداً بالموضوع .
- بل عشرين ألفاً .
- لا نملك إلا خمسة عشر ، إما أن تأخذها و إما أن نذهب .
- هاتها ! .
بدأ الجرس يدق بشدة وحرارة و
كأنه يعلن عن قدر مرعب ، وقف المارد يترقب النعجة التي سيقدمها قرباناً
لإبليس و معينيه مقابل تلك الحفنة من الأوراق القديمة ، ما هذا ؟! من هذه
الفتاة المتأخرة التي تتواثب على البلاط وكأنها تلعب الحيز ؟ انه شعرها ..
نعم هو سنابل القمح الذهبية تتطاير حولها وتدور وتدور و كأنها تريد حماية
هذه الطفلة من شيء ما ، استوقفها المستخدم بضحكته البلهاء " فتاتي الصغيرة
اجلبي لي دفتر التفقد فقد نسيت المشرفة جلبه ، أرجوك " ، أجابت برقة و أدب
: " تكرم عينك " أخذت تركض و تركض في الباحة ، لقد تمنت كل بلاطة في
الباحة أن تقفز من محلها و ترميها خارج هذه المجزرة ، ثم بدأ الدرج يخفق في
المدرسة معلناً أن سلمى تصعد عليه و تثير هذا الصوت عليه الذي بدا و كأنه
قرع دفوف حزينة تبعث إيقاعاً لأنشودة الموت ، أخذ السلم يضيف درجات على
نفسه حتى لا تصل إلى نهايته و لكنها وصلت ، نعم وصلت و دخلت إلى صفها ،
دخلت إلى حجرة من حجرات جهنم دون أن تدري ، و لكنها .. لكنها لم تجد شيئاً
لا دفتر تفقد و لا حتى دفتر إملاء ، أدارت ظهرها تريد الرجوع ، فحصلت
المفاجأة بل المصيبة .
كانت يد باسل
تربت على كتفها وتدق عليه بدقات متواصلة كالمطرقة تداعب المسمار بهدوء كي
لا تؤذي يد النجار لا من أجل المسمار ، نظرت إليه سلمى نظرة عميقة و خائفة
تستقرئ فيها ماذا يريد منها هذا المعتوه ، وبدأت شفتاها المزرقتان تقطعان
حبل الصمت الطويل بكلمات قليلة و مضطربة تستفهم فيها " ماذا تريد ؟ .. ما
الموضوع ؟ " و لكنه لم يكلف نفسه عناء الجواب بل سارع بغرس براثنه في أنحاء
جسدهاالذي بدأ يتآكل و يخبو لونه و ينطفئ جماله ، و بدأت سنابل القمح تيبس
و تحترق بلهب عينيه اللعين ، تفجرت أنهار الدموع من ينابيع عينيها و سالت
حتى وصلت إلى قلبها مما زاد في دقاته فأخذ يخفق بشدة و كأنه يريد أن ينهي
عمله بسرعة ! إنه المارد الذي رأته في منامها فها هو يستل شرايينها واحداً
تلو الآخر ، و ها هو ينهش لحمها ، و ها هو ينزع قلبها يلتهمه بشهوة ونهم ، و
يا ليته كان قلبها ، بل هو أغلى من قلبها ، إنه شرفها ، قفز هذا المارد من
باب جهنم ، و دخل مارد ثان ( محمود ) ، ما هذا ؟ وكنها رأت في منامها
مارداً واحداً ، يا الله ما هذه الدنيا الأعجب من الأحلام ! وجدها مرمية
على المقاعد كلبوة تحتضر ، ولكنه لم يهتم إذ أنها تملك بقية رحيق يستطيع
رشفه والاستمتاع به ، فارتكب أبشع الجرائم بأجمل مخلوق .
بدت سلمى
كمصباح قارب زيته على النفاذ فاخذ يرسل آخر خيوط النور قبل أن ينطفئ ، غرق
الصف بالدموع ، أصبحت الستارة سوداء ، والسبورة أخذت تتآكل متمنية أن لم
تكتب عليها هذه الكلمات التي تأخرت من أجلها سلمى ، و أناشيد الموت أخذت
ترتطم بجدران الصف لتثير جلبة وصدى في المدرسة ، و أنات سلمى الخافتة كانت
تنبعث و كأنها صراخ أم ثكلى فقدت ولدها حديثاً ، قفز اسعد من باب جهنم إلى
حجرة من حجراتها وسط هذا الجو المرعب و أخذ يقترب شيئاً فشيئاً من الغزالة
المذبوحة و كأنه يقترب من قدر رهيب ، إذ أن كل خطوة من خطاه تحن إلى التي
قبلها و تبغض التي تليها ، إلا أنه سار و سار فالبعد الذي بلغ عدة أمتار
أضحى أميالاً استجمعت سلمى بصقةً كبيرة و قذفتها في وجه اسعد كالرصاص ، يا
ليتها كانت رصاصة فأراحته بل هي أقوى من الرصاص بمائة مرة ، غسلت هذه
البصقة الطاهرة شيئاً من وساخة وجهه ، لم يكن اسعد على قوته ليحتمل هذه
البصقة النارية فهي بصقة طفلة وحشية من جسد طاهر دنس ، فخالطت البراءة
والضعف الوحشية والثأر ، حلق حول الاثنين طائر أحمر يشبه طائر الموت و لكنه
أشرس بكثير فكر أسعد ببقية الدماغ التي يحتفظ بها " نعم .. إنني أستطيع أن
أفعل خيراً لأول مرة في حياتي و ربما لآخر
مرة
" لم يعرف هذا المختل أن أخته تعاني من نزيف مهبلي حاد ، استل مديته
المجرمة وشق لها طريقا ًسهلاً إلى قلب سلمى الرقيق الهش ، اختلط الدمع
بالدم فسال هذا السائل العجيب على جسد سلمى كقطرات الندى على أكمام الورود ،
و خلعت روحها من هذا الجسد لتصعد إلى أعلى الجنان وأروعها فهي من الجنة
وعليها أن تعود إلى موطنها الأول بدل أن تستقر بهذا الجسد الذي سيتألم طيلة
حياته ، استجمع اسعد قواه المتبقية و قتل نفسه بالمدية المعقمة والمطهرة
بدم سلمى ، فخر على الأرض قائلاً " أرى الجحيم و أشم رائحته ، ليتني ... ليتني ... "
ثم يرخي رأسه على الأرض المتسخة التي ناءت به لشدة قذارته ، فلتبق هذه
القصة وشماً على جبين هذه الأرض ترويها للأجيال القادمة و تذكرها أن لكل
سلمى أخاً وأباً ينتظرها كل يوم ليقبلها قبل النوم و تنام قربه مطمئناً
عليها .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى