رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
هي دعوة عملية للتعامل مع القرآن العظيم
بشكل تطبيقي وبنظرة تغير كل شيء في حياتنا لما يحب الله ويرضى، دعوة لنعيش
جنة الدنيا، دعوة للتعامل مع آيات القرآن الكريم بشكل عملي تطبيقي فلا
نكتفي بمجرد تلاوته ثم حبس آياته بعد ذلك بين دفتي المصحف، دعوة لإخراج
الآيات لتثير القلب فينبض بها، فتتحرك بها الجوارح.
أي: نتحرك بالقرآن، فعندها سيكون كتاب الله ربيعاً للقلب وذهاباً للهم وجلاء للحزن.
سنتكلم
عن تجربة حية واقعية اشتركت فيها مجموعة من النساء تم توجيههن وتدريبهن
على كيفية التطبيق العملي لآيات القرآن الكريم، وكانت نتائج هذه التجربة
ناجحة جداً وذلك من واقع روايات النساء أنفسهن وكيفية تعاملهن مع الآيات.
كانت من أنشط الأخوات بالمسجد بشوشة
الوجه مبتسمة الثغر أينما ذهبت نثرت من كلماتها زهرات فواحة الرائحة تنزل
برداً وسلاماً على من يلتقيها ويتعامل معها، ولكن بعد فترة لاحظت ذبول
كلماتها وقد خف نشاطها. وشحب وجهها، بل ودوماً تشكو من أمراض عضوية لا نكاد
نرى لها أثراً على أعضائها وأحببت أن أختلي بها، وهي من ضمدت كثيراً من
الجراح، لعلي أسري عنها أو أكون لها سنداً.
وبالفعل دبر لنا القدر الكريم موعداً،
ولم أحتج إلى كثير من المشقة لتتكلم وكأنها كانت تنتظر هذا اللقاء بل
وكأنها تعد له عداً، نظرت إليَّ وقالت: والله يا أختاه أشعر بكرب عظيم وكأن
الرياح العاتية تحملني وتصعد بي ثم تلقي بي من عل، وتحملني وتدور بي فلا
أكاد أدرك أين مكاني، فكل شيء في حياتي على ما يرام والحمد لله أقوم بتربية
أولادي كما تعلمين ويعلم الجميع على كتاب ربي وسنة رسول ومن قبل كان
اختياري لزوج صالح يقدم لي معونة العلم والحكمة والخوف من الله وقد كان
كذلك، وأفضل.
انزوى وحيداً:
وسارت بي الأيام على
أحلى ما يتمنى المسلم ويرضى، كذلك أولادي من ذكور وإناث كانوا أكثر مني
حباً لدينهم، ثم حدث ما تصورت به نفسي كجمل يريد أن يلج في سم الخياط.
وهيهات أن يحدث ذلك! فإن أحد أولادي الذكور كان يصلي، في المسجد، مع أخلاق
كريمة حب للخير ولا تكادي تسمعين له صوت، وفجأة تغير كل شيء فأصبح صوته
كصوت الرعد ليس فقط على من بالمنزل، بل تعدى الأمر والده، أما الصلاة
فبالكاد يا أختاه يصلي الفروض، وبعد أن كان محبوباً، أصبح الجميع يتحاشون
التعامل معه بل ولا يحبون ذلك على الإطلاق، فانزوى وحيداً في حجرته لا يكاد
يبرحها، وإن ألححت عليه بالخروج والجلوس معنا ندمت على ذلك أشد الندم فهو
يتحرش بالجميع ويتصور أنه هو المظلوم وكل من حوله على جميع المستويات، هم
من ظلموه، وكلما هممت بعمل ما يُرضي ربي وجدته في طريقي، ابني فلذة كبدي
يستغرق كل وقتي وليت ذلك بفائدة تُرجى، ولن أقول المزيد فسبحان مغيِّر
الأحوال ومبدل الإنسان، ولكني لا أخفي عليك، فإن كل تفكيري مع هذا الولد،
لا أريد أن يأخذه مني الشيطان وهو من سهرت عليه الليالي الليلة تلو الأخرى،
معلمة شارحة مهذبة.
وسأوجز لك يا أختي ما وصل إليه أمري: إن إخوته
وأخواته لا يريدون صحبته على الإطلاق، ولا يريدون حتى الحديث معه، فتصوري
حالي: أصلح بين الناس ولا أستطيع إصلاح أمر بيتي ومع أقرب الناس إلى قلبي.
حالة في كثير من البيوت:
تنهدت
تنهيدة مؤلمة لأم تشعر بمسؤولياتها الكبيرة ويرهقها شأن أولادها، جلست
قريباً منها وقلت لها: حبيبتي إن هذا ليس شأنك وحدك، ولكن كثيراً من الأسر
الملتزمة تبتلى بشاب أو فتاة من أولادها وقد ابتعد عنهم بزاوية منفرجة في
الأقوال والأفعال، ويحدث ذلك غالباً في الفترة التي يُطلق عليها فترة
المراهقة، هذه السن التي تتفجر فيها طاقة الفتى، فقد ينضج الشاب بصفة خاصة
بكل عنفوان وتلازمه كلمة " لا "، والقرآن يروي لنا قصص فتية في القرآن
الكريم تفجرت طاقاتهم وعنفوانهم في رفض الباطل، فقد قالها إبراهيم ويوسف
عليهما السلام وفتية أهل الكهف وفتى الأخدود، فليست هذه مشكلة على الإطلاق،
أن يعترض ويقول " لا " إلا إذا قالها في الاتجاه المعاكس، مثل " لا " التي
قالها ابن نوح، هنا نسمع نفير الخطر وهذا ما يؤرق الآباء والأمهات،
ويسألون أنفسهم: ترى أيًّا من هذه اللاءات ستكون ملازمة لأولادهم؟! أعلم
أنك حاولت أن تدخلي إلى نفس ولدك ولكنه قابلك بالصدود والجفوة المصحوبة
بالغلظة، وبالتأكيد حاول والده بشتى الطرق أن يرده إلى الطريق، ولكن كل
محاولاته باءت بالفشل الذريع إن لم يزدد الأمر سوءاً بسبب محاولاته.
قالت الأخت: والله هذا ما حدث وكأنك كنت معنا.
قلت
لها: إذن ليس لنا ملجأ إلا الله، وقد يسَّر لنا سبحانه ما يهوِّن علينا ما
نعاني منه، بل جعل معنا الدليل ليمسك بأيدينا فإن اتبعناه كان في ذلك حل
جميع مشكلاتنا.
قالت الأخت بشغف شديد: أعدك ألا أترك يدي أبداً تفلت من يد الدليل، المهم دليني بأي الآيات القرآنية ستكون حركتي وصحبتي.
قولها أثلج صدري فهي أخت أحسبها من الصادقات.
فقلت لها: ليس أمامنا إلا اللجوء لقول الله سبحانه: ومن يتق الله يجعل له مخرجا (2) (الطلاق).
فكل الطرق كما ترين موصدة وليس لك مخرج إلا بالتقوى وليس معنى ذلك أنك لا تتقين الله ولكن معناه...
قاطعتني
قائلة: أفهم ما تريدين قوله، سأجعل إن شاء الله تعالى التقوى في صحبتي
أينما حللت وذهبت وستكون معي في أقوالي، بل سأجعلها توجه فكري.
استأذنت الأخت الكريمة ومدت يديها إليَّ
مودعة وهي تقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا)، صدق ربي وبقي أن أصدق مع
ربي ليتحقق وعده لي، ودعتها وأنا أدعو لها من قلبي بالتوفيق والنجاح، فهي
تجارب نخوضها وفي كل تجربة نسأل فيها الرحمن أن يكلل جهودنا بالنجاح.
مرت الأيام والشهور والسنوات، والأخت
باقية على العهد، وكلما التقينا رددت نفس الآية وسألتني أن أدعو لها
بالثبات، بل كانت تسأل كل من تقابله، أن يدعو لها بالثبات، وبعد أن كان
شاغلها الشاغل تصرفات وأفعال ولدها، وبعد أن كانت دوماً تسأل الناس أن
يهديه الله، أصبح شاغلها الشاغل: كيف تحقق في نفسها التقوى، وقد كان لها
تجارب سأذكر بعضها نقلاً عنها، بعد أن كانت ترفض أن تروي لنا أياً من
تجاربها حتى يحقق الله لها الرجاء بهداية ولدها، وبعد أن منَّ الله عليها
وأكرمها بهدايته تهاوت حججها وبدأت تخرج من صمتها.
أريد إنقاذ ابني:
فروت لنا في المسجد ما كان من أمرها وقالت: حاولت يا أخواتي أن أغيِّر كل أحوالي، حيث فكرت قليلاً:
فإن كنت حقاً أريد إنقاذ ابني من شيطانه لِمَ لا أضيف على صلاة الفجر قليلاً من قيام الليل؟
وبدأ
الأمر بركعتين قبل الفجر، وصلوا إلى ثماني ركعات، جعلها الله لي فردوس
الدنيا وكنزها، وحاولت أن أزيد من قراءة صلاة الفجر مما جعلني أزيد من حفظي
لكتاب الله، ومهما وصفت ما شعرت به من نعيم وراحة وهدوء فهو هدوء لا يشعر
بدرجته إلا من يحفظ القرآن، وحاولت أن أصادق الهدوء في تعاملاتي اليومية
خاصة مع أولادي، بل حاولت جاهدة أن أصل إلى مرضاة ربي عن طريق مرضاة زوجي،
وكنت أفعل ذلك.. فكل طاعة قدمتها لزوجي لم أكن حينها أرى سوى ربي، وكم يشعر
الإنسان بسعادة حقيقية عندما يفعل ذلك، فهو يعمل العمل وهو ضامن أجر
المالك المطاع، المهم أن يتقبله وهو ما كنت أحاوله بإخلاص العمل أولاً
وكثرة الدعااء إلى المولى أن يتقبله ثانياً، ولا أخفي أبداً مشاعري
الرائعة، وكم كانت مستوياتي الروحية مرتفعة، فقد كنت أشعر وكأني أطير على
الأرض طيراناً، وبدأت أعيد حساباتي في علاقاتي بجيراني وصديقاتي، وأوصلت ما
كان قد قُطع من صلة أرحام، وكم هو أمر جميل أن كل مكان تذهبين إليه تشعرين
بوجود الخالق معك وتستشعرين رؤيته إياك، وسماعه لك، فإن هذا ما شعرت به من
تقربي إلى الله قرباً لم أكن أحلم به، فقد أصبحت أدعوه بحب ورجاء.. اختلط
شوقي بخوفي ورغبتي برهبتي، مشاعر ممتزجة تجعل محصلة امتزاجها سعادة يغبطنا
عليها كل من حُرم منها.
قالت لها إحدى الحاضرات: هل يمكنك يا أختاه أن تسردي لنا موقفاً مررت به تجسدين لنا فيه مشاعرك تلك لعل الله ينفعنا بك.
قالت
الأخت الراوية: سأروي لكم موقفاً من تلك المواقف، ففي يوم تكالبت عليَّ
هموم كثيرة وشعرت بضيق شديد وقد تعلمت من القرآن أنني إن حدث ذلك ألزم
التسبيح لعل الله يفرج كربي.. فهداني سبحانه إلى صلة الرحم وذكرني بالحديث
وأخذت أردد: " إني خلقت الرحم واشتققت له اسماً من اسمي.. فمن وصله وصلته
ومن قطعه قطعته"، فارتديت ثيابي وجعلت مقصدي أحد أعمامي، وبعد وصولي إلى
منزله لم أستخدم المصعد كعادتي وصعدت على الدرج وأنا أقصد ذلك، فكلما صعدت
درجة ناديت ربي وقلت له: اللهم إني وصلته كما أمرت فصلني كما وعدت وأسأله
حل مشكلتي.. وظللت على هذا الحال حتى وصلت إلى باب عمي، وعندما فُتح لي
شعرت وكأن الله قد فتح لي باب الرحمة فدخلت عليهم متهللة مستبشرة، وفي طريق
عودتي لمنزلي شعرت بسكينة غمرت كل أعضائي فوهبت لي الهدوء والطمأنينة
وزادني سبحانه بأن هيأ لي من كان سبباً في حل مشكلتي وشعرت وكأن هذه
المشكلة كانت سحابة صيف سرعان ما انقشعت، وزادني سبحانه بحمد له وشكر مما
زاد من أنسي به، وزادني سبحانه بشعور عميق يملأ نفسي بالامتنان الشديد لله
وحده، وهذا المزيج من رحمة الله يجعل في صلاتك لذة وفي فؤادك يقيناً، وفي
صومك نقاءً، وفي صدقتك رضاً.
فرج الله:
وأضافت الأخت إني عندما
أعمل العمل لا أبتغي به إلا وجه الله كما أمر سبحانه أشعر بقربي من ربي
وكأني سجدت له ألف ركعة تطوعاً، إن تجربتي جعلتني أفرق بين إيماني التقليدي
الوراثي وبين إيماني اليقيني الأساسي بعد أن صاحبت الآية الكريمة: (ومن
يتق الله يجعل له مخرجا) .
فقد تبدلت أحوالي لما جعل من أمري يسراً ومن
همي فرجاً وتذرعت بالصبر في تعاملي مع ابني.. السبب الرئيس لما هداني الله
إليه من خير، وكنت كثيرة الدعاء لابني في سجودي وفي كل لقاء مع ربي،
وانقضت السنوات سريعة، وفي الوقت الذي أذن به الرحمن رد عليَّ ابني رداً
كريماً، وعاد الود والوفاق بينه وبين إخوته بفيض من نعماء الله عليَّ وعلى
والده.
نعم رده إلينا رداً كريماً بفضله،
ورحمته وكرمه وجوده سبحانه، وأنا أشهدكن جميعاً أنه لا حول لي ولا قوة فيما
أتاني من خير، ولكنه فضل الله يهبه لمن شاء في الوقت الذي يشاء وكانت دموع
الأخت تنساب على وجنتيها فرحاً بفضل الله سبحانه ولم تشعر كل من كانت
بالمسجد إلا وهي تمسح عن وجهها الدموع، وأرادت أن تهنئ الأخت بنتيجة تحركها
العملي التطبيقي الفعلي بالآية الكريمة
إن أغلب مشكلاتنا إن لم نحصرها في سبب واحد وأحطنا بها من كل الاتجاهات سيحالفنا بمشيئة الله التوفيق في حلها.
بشكل تطبيقي وبنظرة تغير كل شيء في حياتنا لما يحب الله ويرضى، دعوة لنعيش
جنة الدنيا، دعوة للتعامل مع آيات القرآن الكريم بشكل عملي تطبيقي فلا
نكتفي بمجرد تلاوته ثم حبس آياته بعد ذلك بين دفتي المصحف، دعوة لإخراج
الآيات لتثير القلب فينبض بها، فتتحرك بها الجوارح.
أي: نتحرك بالقرآن، فعندها سيكون كتاب الله ربيعاً للقلب وذهاباً للهم وجلاء للحزن.
سنتكلم
عن تجربة حية واقعية اشتركت فيها مجموعة من النساء تم توجيههن وتدريبهن
على كيفية التطبيق العملي لآيات القرآن الكريم، وكانت نتائج هذه التجربة
ناجحة جداً وذلك من واقع روايات النساء أنفسهن وكيفية تعاملهن مع الآيات.
كانت من أنشط الأخوات بالمسجد بشوشة
الوجه مبتسمة الثغر أينما ذهبت نثرت من كلماتها زهرات فواحة الرائحة تنزل
برداً وسلاماً على من يلتقيها ويتعامل معها، ولكن بعد فترة لاحظت ذبول
كلماتها وقد خف نشاطها. وشحب وجهها، بل ودوماً تشكو من أمراض عضوية لا نكاد
نرى لها أثراً على أعضائها وأحببت أن أختلي بها، وهي من ضمدت كثيراً من
الجراح، لعلي أسري عنها أو أكون لها سنداً.
وبالفعل دبر لنا القدر الكريم موعداً،
ولم أحتج إلى كثير من المشقة لتتكلم وكأنها كانت تنتظر هذا اللقاء بل
وكأنها تعد له عداً، نظرت إليَّ وقالت: والله يا أختاه أشعر بكرب عظيم وكأن
الرياح العاتية تحملني وتصعد بي ثم تلقي بي من عل، وتحملني وتدور بي فلا
أكاد أدرك أين مكاني، فكل شيء في حياتي على ما يرام والحمد لله أقوم بتربية
أولادي كما تعلمين ويعلم الجميع على كتاب ربي وسنة رسول ومن قبل كان
اختياري لزوج صالح يقدم لي معونة العلم والحكمة والخوف من الله وقد كان
كذلك، وأفضل.
انزوى وحيداً:
وسارت بي الأيام على
أحلى ما يتمنى المسلم ويرضى، كذلك أولادي من ذكور وإناث كانوا أكثر مني
حباً لدينهم، ثم حدث ما تصورت به نفسي كجمل يريد أن يلج في سم الخياط.
وهيهات أن يحدث ذلك! فإن أحد أولادي الذكور كان يصلي، في المسجد، مع أخلاق
كريمة حب للخير ولا تكادي تسمعين له صوت، وفجأة تغير كل شيء فأصبح صوته
كصوت الرعد ليس فقط على من بالمنزل، بل تعدى الأمر والده، أما الصلاة
فبالكاد يا أختاه يصلي الفروض، وبعد أن كان محبوباً، أصبح الجميع يتحاشون
التعامل معه بل ولا يحبون ذلك على الإطلاق، فانزوى وحيداً في حجرته لا يكاد
يبرحها، وإن ألححت عليه بالخروج والجلوس معنا ندمت على ذلك أشد الندم فهو
يتحرش بالجميع ويتصور أنه هو المظلوم وكل من حوله على جميع المستويات، هم
من ظلموه، وكلما هممت بعمل ما يُرضي ربي وجدته في طريقي، ابني فلذة كبدي
يستغرق كل وقتي وليت ذلك بفائدة تُرجى، ولن أقول المزيد فسبحان مغيِّر
الأحوال ومبدل الإنسان، ولكني لا أخفي عليك، فإن كل تفكيري مع هذا الولد،
لا أريد أن يأخذه مني الشيطان وهو من سهرت عليه الليالي الليلة تلو الأخرى،
معلمة شارحة مهذبة.
وسأوجز لك يا أختي ما وصل إليه أمري: إن إخوته
وأخواته لا يريدون صحبته على الإطلاق، ولا يريدون حتى الحديث معه، فتصوري
حالي: أصلح بين الناس ولا أستطيع إصلاح أمر بيتي ومع أقرب الناس إلى قلبي.
حالة في كثير من البيوت:
تنهدت
تنهيدة مؤلمة لأم تشعر بمسؤولياتها الكبيرة ويرهقها شأن أولادها، جلست
قريباً منها وقلت لها: حبيبتي إن هذا ليس شأنك وحدك، ولكن كثيراً من الأسر
الملتزمة تبتلى بشاب أو فتاة من أولادها وقد ابتعد عنهم بزاوية منفرجة في
الأقوال والأفعال، ويحدث ذلك غالباً في الفترة التي يُطلق عليها فترة
المراهقة، هذه السن التي تتفجر فيها طاقة الفتى، فقد ينضج الشاب بصفة خاصة
بكل عنفوان وتلازمه كلمة " لا "، والقرآن يروي لنا قصص فتية في القرآن
الكريم تفجرت طاقاتهم وعنفوانهم في رفض الباطل، فقد قالها إبراهيم ويوسف
عليهما السلام وفتية أهل الكهف وفتى الأخدود، فليست هذه مشكلة على الإطلاق،
أن يعترض ويقول " لا " إلا إذا قالها في الاتجاه المعاكس، مثل " لا " التي
قالها ابن نوح، هنا نسمع نفير الخطر وهذا ما يؤرق الآباء والأمهات،
ويسألون أنفسهم: ترى أيًّا من هذه اللاءات ستكون ملازمة لأولادهم؟! أعلم
أنك حاولت أن تدخلي إلى نفس ولدك ولكنه قابلك بالصدود والجفوة المصحوبة
بالغلظة، وبالتأكيد حاول والده بشتى الطرق أن يرده إلى الطريق، ولكن كل
محاولاته باءت بالفشل الذريع إن لم يزدد الأمر سوءاً بسبب محاولاته.
قالت الأخت: والله هذا ما حدث وكأنك كنت معنا.
قلت
لها: إذن ليس لنا ملجأ إلا الله، وقد يسَّر لنا سبحانه ما يهوِّن علينا ما
نعاني منه، بل جعل معنا الدليل ليمسك بأيدينا فإن اتبعناه كان في ذلك حل
جميع مشكلاتنا.
قالت الأخت بشغف شديد: أعدك ألا أترك يدي أبداً تفلت من يد الدليل، المهم دليني بأي الآيات القرآنية ستكون حركتي وصحبتي.
قولها أثلج صدري فهي أخت أحسبها من الصادقات.
فقلت لها: ليس أمامنا إلا اللجوء لقول الله سبحانه: ومن يتق الله يجعل له مخرجا (2) (الطلاق).
فكل الطرق كما ترين موصدة وليس لك مخرج إلا بالتقوى وليس معنى ذلك أنك لا تتقين الله ولكن معناه...
قاطعتني
قائلة: أفهم ما تريدين قوله، سأجعل إن شاء الله تعالى التقوى في صحبتي
أينما حللت وذهبت وستكون معي في أقوالي، بل سأجعلها توجه فكري.
استأذنت الأخت الكريمة ومدت يديها إليَّ
مودعة وهي تقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا)، صدق ربي وبقي أن أصدق مع
ربي ليتحقق وعده لي، ودعتها وأنا أدعو لها من قلبي بالتوفيق والنجاح، فهي
تجارب نخوضها وفي كل تجربة نسأل فيها الرحمن أن يكلل جهودنا بالنجاح.
مرت الأيام والشهور والسنوات، والأخت
باقية على العهد، وكلما التقينا رددت نفس الآية وسألتني أن أدعو لها
بالثبات، بل كانت تسأل كل من تقابله، أن يدعو لها بالثبات، وبعد أن كان
شاغلها الشاغل تصرفات وأفعال ولدها، وبعد أن كانت دوماً تسأل الناس أن
يهديه الله، أصبح شاغلها الشاغل: كيف تحقق في نفسها التقوى، وقد كان لها
تجارب سأذكر بعضها نقلاً عنها، بعد أن كانت ترفض أن تروي لنا أياً من
تجاربها حتى يحقق الله لها الرجاء بهداية ولدها، وبعد أن منَّ الله عليها
وأكرمها بهدايته تهاوت حججها وبدأت تخرج من صمتها.
أريد إنقاذ ابني:
فروت لنا في المسجد ما كان من أمرها وقالت: حاولت يا أخواتي أن أغيِّر كل أحوالي، حيث فكرت قليلاً:
فإن كنت حقاً أريد إنقاذ ابني من شيطانه لِمَ لا أضيف على صلاة الفجر قليلاً من قيام الليل؟
وبدأ
الأمر بركعتين قبل الفجر، وصلوا إلى ثماني ركعات، جعلها الله لي فردوس
الدنيا وكنزها، وحاولت أن أزيد من قراءة صلاة الفجر مما جعلني أزيد من حفظي
لكتاب الله، ومهما وصفت ما شعرت به من نعيم وراحة وهدوء فهو هدوء لا يشعر
بدرجته إلا من يحفظ القرآن، وحاولت أن أصادق الهدوء في تعاملاتي اليومية
خاصة مع أولادي، بل حاولت جاهدة أن أصل إلى مرضاة ربي عن طريق مرضاة زوجي،
وكنت أفعل ذلك.. فكل طاعة قدمتها لزوجي لم أكن حينها أرى سوى ربي، وكم يشعر
الإنسان بسعادة حقيقية عندما يفعل ذلك، فهو يعمل العمل وهو ضامن أجر
المالك المطاع، المهم أن يتقبله وهو ما كنت أحاوله بإخلاص العمل أولاً
وكثرة الدعااء إلى المولى أن يتقبله ثانياً، ولا أخفي أبداً مشاعري
الرائعة، وكم كانت مستوياتي الروحية مرتفعة، فقد كنت أشعر وكأني أطير على
الأرض طيراناً، وبدأت أعيد حساباتي في علاقاتي بجيراني وصديقاتي، وأوصلت ما
كان قد قُطع من صلة أرحام، وكم هو أمر جميل أن كل مكان تذهبين إليه تشعرين
بوجود الخالق معك وتستشعرين رؤيته إياك، وسماعه لك، فإن هذا ما شعرت به من
تقربي إلى الله قرباً لم أكن أحلم به، فقد أصبحت أدعوه بحب ورجاء.. اختلط
شوقي بخوفي ورغبتي برهبتي، مشاعر ممتزجة تجعل محصلة امتزاجها سعادة يغبطنا
عليها كل من حُرم منها.
قالت لها إحدى الحاضرات: هل يمكنك يا أختاه أن تسردي لنا موقفاً مررت به تجسدين لنا فيه مشاعرك تلك لعل الله ينفعنا بك.
قالت
الأخت الراوية: سأروي لكم موقفاً من تلك المواقف، ففي يوم تكالبت عليَّ
هموم كثيرة وشعرت بضيق شديد وقد تعلمت من القرآن أنني إن حدث ذلك ألزم
التسبيح لعل الله يفرج كربي.. فهداني سبحانه إلى صلة الرحم وذكرني بالحديث
وأخذت أردد: " إني خلقت الرحم واشتققت له اسماً من اسمي.. فمن وصله وصلته
ومن قطعه قطعته"، فارتديت ثيابي وجعلت مقصدي أحد أعمامي، وبعد وصولي إلى
منزله لم أستخدم المصعد كعادتي وصعدت على الدرج وأنا أقصد ذلك، فكلما صعدت
درجة ناديت ربي وقلت له: اللهم إني وصلته كما أمرت فصلني كما وعدت وأسأله
حل مشكلتي.. وظللت على هذا الحال حتى وصلت إلى باب عمي، وعندما فُتح لي
شعرت وكأن الله قد فتح لي باب الرحمة فدخلت عليهم متهللة مستبشرة، وفي طريق
عودتي لمنزلي شعرت بسكينة غمرت كل أعضائي فوهبت لي الهدوء والطمأنينة
وزادني سبحانه بأن هيأ لي من كان سبباً في حل مشكلتي وشعرت وكأن هذه
المشكلة كانت سحابة صيف سرعان ما انقشعت، وزادني سبحانه بحمد له وشكر مما
زاد من أنسي به، وزادني سبحانه بشعور عميق يملأ نفسي بالامتنان الشديد لله
وحده، وهذا المزيج من رحمة الله يجعل في صلاتك لذة وفي فؤادك يقيناً، وفي
صومك نقاءً، وفي صدقتك رضاً.
فرج الله:
وأضافت الأخت إني عندما
أعمل العمل لا أبتغي به إلا وجه الله كما أمر سبحانه أشعر بقربي من ربي
وكأني سجدت له ألف ركعة تطوعاً، إن تجربتي جعلتني أفرق بين إيماني التقليدي
الوراثي وبين إيماني اليقيني الأساسي بعد أن صاحبت الآية الكريمة: (ومن
يتق الله يجعل له مخرجا) .
فقد تبدلت أحوالي لما جعل من أمري يسراً ومن
همي فرجاً وتذرعت بالصبر في تعاملي مع ابني.. السبب الرئيس لما هداني الله
إليه من خير، وكنت كثيرة الدعاء لابني في سجودي وفي كل لقاء مع ربي،
وانقضت السنوات سريعة، وفي الوقت الذي أذن به الرحمن رد عليَّ ابني رداً
كريماً، وعاد الود والوفاق بينه وبين إخوته بفيض من نعماء الله عليَّ وعلى
والده.
نعم رده إلينا رداً كريماً بفضله،
ورحمته وكرمه وجوده سبحانه، وأنا أشهدكن جميعاً أنه لا حول لي ولا قوة فيما
أتاني من خير، ولكنه فضل الله يهبه لمن شاء في الوقت الذي يشاء وكانت دموع
الأخت تنساب على وجنتيها فرحاً بفضل الله سبحانه ولم تشعر كل من كانت
بالمسجد إلا وهي تمسح عن وجهها الدموع، وأرادت أن تهنئ الأخت بنتيجة تحركها
العملي التطبيقي الفعلي بالآية الكريمة
إن أغلب مشكلاتنا إن لم نحصرها في سبب واحد وأحطنا بها من كل الاتجاهات سيحالفنا بمشيئة الله التوفيق في حلها.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى