لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

 لفح النار Empty لفح النار {الأربعاء 27 يوليو - 22:11}

كان حكمت عاملا
مجتهدا في مخبز البلدية، وكان آخر من يغادر المخبز غالبا. كان فرن المخبز
كبيرا يحتاج في بعض الأحيان إلى تنظيف، وكثيرا ما يقوم حكمت بهذا العمل.




كان اليوم الأخير
لأحد الأعياد. غدًا تنتهي العطلة الرسمية وتعود البلدية لبيع الخبز من
جديد. ذهب حكمت في ساعة متأخرة من الليل إلى المخبز
لينظف الفرن الرئيسي. دخل المخبز وقفل الباب
الخارجي، سينظف الفرن ويعود إلى منزله فورا، وعندما يأتي العمال في الساعة
الرابعة فجرا سيجدون الفرن نظيفا، فيضغطون على الزر الكهربائي لإيقاده، وما
هي إلا دقائق حتى تحصل الحرارة المطلوبة بينما يكونون هم قد انتهوا من
العجين وأعدوه للخبز.




كان حكمت في الفرن
الرئيسي مستسلما لعمله منفصلا عما حوله تماما. وفي تلك الأثناء بالضبط دخل المخبز زميله راغب ليأخذ ملابسه المتسخة للغسل. فتح
الباب الخارجي في حيرة، وتمتم قائلا: "عجيب! أبلغ الإهمال إلى هذا الحد
ليتركوا الأنوار مفتوحة في الداخل؟" تناول ملابسه واتجه نحو الباب الخارجي
فوجد باب الفرن مفتوحا، فدفعه برفق، ولم يهمل إطفاء الأنوار.




وما كادت الأنوار
تنطفئ حتى هرع حكمت إلى باب الفرن بارتياع، لكن دون جدوى إذ كان الباب
مقفلاً. أخذ يصرخ بما لديه من قوة صوت، وضرب بقبضتيه الباب بشدة ومرات
متكررة بلا فائدة. لا أحد يسمع صوته ولا أحد يشعر بأنينه وصراخه. اقشعر
جلده واعترته رجفة عنيفة وأخذته دهشة رهيبة.




لم يصح من الصدمة
لمدة طويلة... نظر إلى الساعة... الحادية عشرة وخمس دقائق... لم يبق سوى
خمس ساعات فقط. خمس ساعات بينه وبين الموت. الموت يقف ماثلا محددا أنظاره
النارية إليه مكشرا عن أنيابه المرعبة. ها هو سيلقى في نار جهنم قبل أن
ينتقل إلى دار الآخرة.




أخذ يتخيل ما سيحدث،
ستزداد حرارة الفرن رويدا رويدا، وسيشعر أولا بالعرق يبلل كل جسده، ثم
ينفد الهواء النقي وتطبق عليه الجدران حتى تخنقه، وتكثر الحرارة وتتلظى
النيران ويتميز المكان غيظا وحدة، ويأخذ دهن جسده يذوب ببطء، وتلفح ألسنة
النار لحمه فتشويه. ومن يدري فقد يموت قبل أن تحدث كل هذه الأمور بسكتة
قلبية، أو قد يفقد عقله ويصرخ كالمجنون. آه ليته يجن، الجنون أفضل شيء في
مثل هذا الموقف، إذن ينجو من عذاب نار التفكير المتأججة في دماغه.




وتذكر لذع الحرارة عندما كان يخرج الأرغفة من الفرن
المضطرم، ذلك القدر من الحرارة فقط لم يكن يطيقه فيلقي بالأرغفة من يديه
فورا. ولكن ها هو سيشوى الآن حياً.




قبل بضعة أيام بينما
كان يغلي شايا على موقد صغير مع زملائه مست يده طرفا من الحديد المحمر
كالجمر، يا إلهي، كم كان الألم فظيعا وكيف انتفخت أصابعه بسرعة، فأسرع
بوضعها في الماء البارد لمدة طويلة عله يخفف من آلامه. أما الآن، فلن يحترق
أصبع أو أصبعان بل كل جسده وكل ذرة في جسده. تمثلت أمام عينيه مشاهد من
بعض الأفلام، رجال وقد اشتعلت فيهم النار تأكلهم وهم يتلوون يمنة ويسرة
ويسقطون على الأرض دون جدوى ويصرخون بجنون ويستغيثون حيث لا مغيث.




كأن الحرارة
ارتفعت... هل ضغط الرجل على مفتاح الفرن حين أغلق الباب يا ترى؟ وإلا لماذا
ارتفعت حرارة المكان هكذا؟ يا إلهي! هل حانت اللحظة الفظيعة؟! نظر إلى
ساعته مرة أخرى، النصف بعد الواحدة ليلا... كيف مضت ساعتان بهذه السرعة؟
مضت الدقائق كالريح الجارية، كالعمر تماما. مد يده إلى الجدران الحديدية
بخوف ولمسها بأنفاس متلاحقة وقلب يكاد يفر من مكانه. تنفس الصعداء... ما
زال الحديد باردا.




حملته خواطره إلى
المنـزل، لا شك أن زوجته وولده الوحيد قلقان الآن بشأنه. لماذا صرخ بوجه
زوجته قبل أن يغادر المنزل، هل استحقت ذلك يا ترى؟ كان عليه أن يكون أكثر
رقة لرفيقة حياته. ليته لم يضرب ولده الوحيد. لا ريب أنه مسؤول عنهما أمام الله وسيؤدي حسابهما أيضا. ليته
فعل ما أشارت إليه زوجته حين قالت له: "أتوسل إليك أن تصلي يا عزيزي" لكنه
رفض محتجا: "دعينا نستمتع بالحياة، ما لنا وللصلاة في ربيع حياتنا؟" كأن
الإنسان سيحاسب عن مرحلة الشيخوخة فقط وليس عن العمر كله. لماذا لم يذهب
إلى المسجد الذي يقع على طريقه؟ ألم يسمع مرات ومرات المؤذن وهو يعلن من
أعماق قلبه عظمة الخالق ويدعو الناس إلى سبيل النجاة؟ لو أنه استجاب إلى
داعي الصلاة هذه الليلة لتمكن من أداء صلاة وقت على الأقل، وإن كانت أول
وآخر صلاة. ومن يدري، لعل الله يشفع له بفضل هذه الصلاة فيغفر له ذنوب
الأوقات الأخرى التي أهملها طوال حياته. أما الآن فهو ذاهب إلى الله بوجه
خال من نور السجود. ليتني كنت ممن تتلألؤ وجوههم بنور الصلاة.




ماذا عن ولدي؟! إنه
في السابعة من عمره. لماذا لم أهتم بتكوين قلبه وروحه بقدر ما اعتنيت
بإشباع بطنه وإلباسه الملابس الجميلة؟ لماذا لم أوجهه توجيها سليما ينير له
طريق الحياة؟ لماذا لم أنقش في قلبه حب الله ورسوله، بل لماذا نسيتهما أنا
وأسلمت نفسي إلى غفلة أنستني أنني لست مخلدا في الحياة وقد أفارقها في أية
لحظة؟ لماذا؟




ثم شردت به خواطره إلى صباه ثم إلى أيام شبابه، واستعرض فصل
الشباب يوما بعد يوم، فلم يجد سوى الذنوب والأخطاء التي يستنكرها كل قلب
سليم ويستحيي منها كل عقل بصير. مرت جميع أخطائه أمام عينيه، يا إلهي، هل
أحاسب على كل هذه الأخطاء؟ رباه...




لمعت في خاطره فكرة
كالبرق؛ أن يتيمم في الفرن ويصلي، ولكن أين التراب؟ ليكن، ذلك أفضل من أن
أذهب مسود الوجه إلى ربي، ورحمة الله واسعة. ضرب بيديه على مكان في الفرن
وتيمم ووقف للصلاة. أليس هو الملاذ الوحيد الذي يلجأ إليه كل مضطر في
اللحظات التي تسد فيها جميع الأبواب؟




لأول مرة في حياته
يحس بأنه يتحدث إلى خالق السماوات والأرض بينما المفروض أن يرتشف الإنسان
من هذا النبع في كل صلاة. ولأول مرة يدرك بعمق معنى الالتجاء إلى الله
والاستعانة به وحلاوة مناجاته. وسجد حكمت
لمبدع الزمان والمكان بجميع كيانه، وناجاه بصوت ملؤه الإخلاص شاعرا بعجزه
اللانهائي: "يا أعظم من كل عظيم يا أرحم من كل رحيم"...




بعد أن أدى صلاة
العشاء أخذ يقضي ما فاته من الصلوات. أجل إنا
لله... وإنا إليه راجعون... إنه الآن يدرك هذه الحقيقة بكل ذراته. ليته لم ينس أبدا أن المصير إليه. ولما شعر
بالتعب جلس وأخذ يستغفر الله بصوت حزين ودموع صادقة. وكلما أفاق من
استغراقه العميق وذكر أنه مسجون في هذا المكان الضيق شعر بأن الجدران تصب
عليه نارا سوداء.




أما راغب فقد ذهب
إلى بيته واستغرق في نوم عميق. لكنه فجأة انتفض من نومه، نظر إلى ساعته،
الثالثة والربع. أعوذ بالله، رؤيا مرعبة، صديقه حكمت يحترق في الفرن وسط
نيران متأججة ويصرخ بصوت يمزق الأحشاء "راغب! راغب النجدة! النجدة! راغب!"
ما هذه الرؤيا؟




فجأة برق في ذهنه
خاطر رهيب... رباه! هل أغلق باب الفرن على حكمت يا ترى؟! هرع إلى الشارع
كالريح خشية أن يكون قد فات الأوان.




أدخل المفتاح
بارتباك، فتح الأنوار وأسرع نحو الفرن، فتح الباب وصاح: "حكمت!" لم يسمع
سوى صدى صوته. هتف عدة مرات أخرى...




كان حكمت في نفس
اللحظة يصلي وسط دموع غزيرة حارة وقد غرق في عوالم علوية سماوية. فانتفض
على أثر صوت راغب. كلا هذا مستحيل، لا شك أنه سمع خطأ. فدوى نفس الصوت في
أركان الفرن. أجل هناك شخص ما يهتف باسمه مرة بعد أخرى: "حكمت، حكمت،
حكمت..." وها هي أنوار المخبز تضيء المكان.




قام من الصلاة بفرحة
غامرة وخرج من الفرن مبتهجا فرأى صديقه. انتفض راغب ذعرا وجمد في مكانه
مشدوها كأنه رأى شبحا مروعا، كان يرتعد وجلا: "من أنت..؟" فتح حكمت ذراعيه
ليحتضن صديقه، غير أن يديه ظلتا فارغتين، قال ودموعه تسيل: "أنا حكمت، حكمت
يا رجل، ألا تراني؟ دخلت الفرن ليلا ولا أدري من أغلق علي الباب." "كلا
هذا مستحيل، لا يمكن أن تكون أنت حكمت"...




ماذا يقصد؟ ما معنى
هذا التصرف الغريب؟ ما هذا الكلام، أهو وقت مزاح؟ وفجأة خطرت بباله فكرة
رهيبة، هرع إلى المرآة ونظر إلى وجهه... لا، لا،
لا يمكن أن يكون هذا الوجه وجهه، وهذا الشعر شعره! أخذ يتحسس وجهه الشاحب
المتجعد وشعره الأشيب. يا إلهي، لقد هبطت عليه الشيخوخة في ليلة واحدة.




كان كل جسده ينتفض
بنشيجه وبكائه. لم يجرؤ على النظر إلى المرآة مرة أخرى. فقد أخافه منظره
الذي رآه.




لو أحس الإنسان
بحقيقة الاحتراق في النار لشاخت نفوس كثيرة في لحظة واحدة. وظل حكمت هكذا
ممسكا برأسه بين يديه مستغرقا




في تساؤلاته...

ـــــــــــــــ(*)
كاتب وباحث تركي. وهذه القصة حقيقية وقعت في
إحدى مدن تركيا.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى