عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
رمضان شهر البركات والخيرات ، فيه تتآلف القلوب ،وتزول الشحناء ، وتزداد أعمال
البر..
وذلك لما فيه من إقبال النفوس على بارئها ، واستشعارها معاني الصيام والقيام ،
وتعرضها لنفحات رمضان ، ورحمات الملك العلام.
والبر والصلة أمر واجب على المسلم ، والعقوق والقطيعة من كبائر الذنوب ، وشهر رمضان
فرصة لإصلاح ذات البين ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام.
ولابد من استغلال مناسبات الخير ومواسم الطاعات التي ترق لها القلوب، وتلين فيها
المشاعر لكي نصل ما انقطع من حبال الوصال، ونكون من العاملين بقوله - تعالى-:
{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ
مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ
الْحِسَابِ}
سورة الرعد 21.
فصلة الأرحام برهان على صلاح الباطن بالتقوى، والخوف من الله، وصلاح الظاهر
بحسن الخلق مع عباد الله. وهي برهان من براهين الإيمان. قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ((من
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه))
رواه البخاري
والتعبد بصلة الأرحام من أجلِّ أعمال البر
المقربة إلى الله عز وجل، فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا
رسول الله، دلني على عمل يدنيني من الجنة، ويباعدني من النار؟، فقال له:
((تَعْبُدُ اللَّهَ لَا
تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ ذَا
رَحِمِكَ)) فلما أدبر الرجل قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: ((إِنْ
تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ))
رواه مسلم
صلة الرحم سبب لمغفرة الذنوب
واسمع رحمك الله إلى هذا الحديث فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتى النبي رجل
فقال: إني أذنبت ذنباً عظيماً، فهل لي توبة؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
((هل لك من أم؟))
قال: لا. قال: ((فهل لك من خالة؟))
قال: نعم. قال: ((فبرّها))
أخرجه الترمذي وصححه الألباني في الترغيب والترهيبب
والرحم تشهد لمن وصلها يوم القيامة،
فعن ابن عباس قال: قال -صلى الله عليه وسلم- :
((وكل رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلة
إن كان وصلها، وعليه بقطيعة إن كان قطعها))
أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني..
والصلة تعجل الثواب والقطيعة تعجل العقاب, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ليس شيء أُطِيع
الله فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم))
أخرجه البيهقي وصححه الألباني.
وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ما من ذنب أحرى أن يعجل اللهُ لصاحبه العقوبة في
الدنيا مع ما يدِّخره له في الآخرة من قطيعة الرحم والبغي))
أخرجه الحاكم في المستدرك.
وصلة الرحم سبب لمحبة الأهل للواصل:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
((إن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في
المال، منسأة في الأثر))
رواه الترمذي وصححه الألباني
ومع أن صلة الأرحام من أوسع سبل السلام الموصلة إلى دار الخلود فإن قطعها من أسرع
الطرق الموصلة للهلاك في الدنيا والآخرة، ولهذا اقترن قطع الأرحام بالإفساد في
الأرض قال - تعالى-: {فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا
أَرْحَامَكُمْ*
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}
(22-23) سورة محمد،
وقد توعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاطع الرحم فقال:
((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ))
رواه البخاري ومسلم.
إن كثيراً من الناس يستسهلون قطيعة الأرحام، وربما تمر عليهم الأسابيع والشهور بل و
السنون الطوال وهم مقيمون على تلك المعصية، ذاهلون عن حقيقة أن خصومتهم مع ذوي
أرحامهم ستتحول إلى خصومة بين يدي الملك الجبار - جل وعلا -.
ففي الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
((إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِه قَالَتْ
الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا
تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى
يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ)) قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ
{فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا
أَرْحَامَكُمْ*
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}
سورة محمد 22-23. رواه البخاري ومسلمم
إن الله - تعالى- يصل من وصل رحمه، ويجعل راحة نفسه في تلك الصلة، ولكن هذه الصلة
تحتاج إلى جهد كبير للإبقاء عليها صافية دون نزغات أو نزاعات، وتحتاج إلى جهد أكبر
لإعادتها إلى ما كانت عليه إذا طغت تلك النزغات والنزاعات حيث تبرز الحاجة إلى
إصلاح ذات البين، ومن هنا اكتسب إصلاح ذات البين منزلة عالية من منازل الطاعة
والإحسان، حتى قال سبحانه: {لاَّ
خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ
مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء
مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}
سورة النساء 1144،
ولكن للأسف هناك من يتعللون في قطيعة أرحامهم بأن أرحامهم بدؤوهم بالقطعية، وهؤلاء
أخطأوا أولاً في أنهم قابلوا الإساءة بالإساءة ولم يقابلوا الإساءة بالإحسان،
وأخطأوا ثانياً في أنهم ساووهم في معصية قطيعة الرحم، وأخطئوا ثالثاً في أنهم ظنوا
أن الوصال لا يصلح أن يكافأ به من يقاطع، مع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: ((لَيْسَ
الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ
وَصَلَهَا))
رواه البخاري
وإلى جانب تعلل بعض الناس في قطع الأرحام باستحقاق أهليهم للقطيعة فإن هناك من
يتخوفون من إراقة ماء وجوههم إذا ردهم أهلون جاحدون، لا يقبلون منهم صلحاً، ولا
يلينون لهم جانباً، ولمثل هؤلاء نقص خبر الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه
وسلم، فقال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي،
وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ((لَئِنْ
كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ
اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ))
رواه مسلم.
وأبواب الصلة كثيرة ، ولا تقتصر على زيارة أو مكالمة ، فالناس يتفاوتون فيما يدخل
عليهم السرور ، ويتفاوتون في أحوالهم ومعيشتهم ، لذا فإن الصلة تكون بالمال أو
بالهدية أو الزيارة أو الاتصال أو السؤال عنهم وتفقد أحوالهم، والتصدق على فقيرهم،
والتلطف مع غنيهم، واحترام كبيرهم، وتكون كذلك باستضافتهم وحسن استقبالهم،
ومشاركتهم في أفراحهم، ومواساتهم في أحزانهم، كما تكون بالدعاء لهم، وسلامة الصدر
نحوهم، وإجابة دعوتهم، وعيادة مرضاهم، كما تكون بدعوتهم إلى الهدى، وأمرهم بالمعروف
ونهيهم عن المنكر، أو بأي شيء تيسر، يقول ابن أبي حمزة: "تكون صلة الرحم بالمال،
وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء". وقال النووي: "صلة
الرحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب الواصل والموصول؛ فتارة تكون بالمال، وتارة
تكون بالخدمة، وتارة تكون بالزيارة والسلام وغير ذلك"
( شرح النووي لمسلم 1/287 )
والصدقة إلى ذي الرحم أولى لقوله عليه السلام: ((وإني
أرى أن تجعلها في الأقربين))
رواه البخاري ومسلم..
قال ابن عابدين: "صلة الرحم واجبة ولو كانت بسلام، وتحية، وهدية، ومعاونة،
ومجالسة، ومكالمة، وتلطف، وإحسان، وإن كان غائباً يصلهم بالمكتوب إليهم، فإن قدر
على السير كان أفضل".
فها هو شهر البر والخيرات ، وها هي أيام الرحمات ، فهلم نصل أرحامنا ، نصل من قطعنا
، ونعطي من حرمنا ، ونعفو عمن ظلمنا .
نسألك اللهم قلوباً سليمة ، ونفوساً زكية ، ونسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى