رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
بعض الإيذاء الذي تعرض له النبي ص
التأريخ: 8/5/1428هـ
المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
أما بعد
:فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
لقد بعث الله النبي ^ بالتوحيد الخالص الذي أسه وأساسه إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له،﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ.. ﴾ [آل عمران:19] (أرسله الله جلا وعلا إلى أناس يتعبدون()ويحجون ويتصدقون()ويذكرون الله كثيرا()، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله. يقولون نريد منهم التقرب إلى الله ونريد شفاعتهم عنده مثل الملائكة وعيسى ومريم وأناس وغيرهم من الصالحين. فبعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم - عليه السلام - ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق لله لا يصلحُ منه شيء لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل فضلا عن غيرهما.) ()
ولقد لخص هذه الدعوة ربعي بن عامر حيث قال: (ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد الى عبادة الله ومن ضيق الدنيا الى سعتها ومن جور الاديان الى عدل الاسلام)
عباد الله:
بَعَثَ الله عبده ورسوله سيدنا محمد بن عبدالله ^ فكان مشعل نور وهداية،بل هو النور والهداية، والعفة والعفاف،وهو الصادق الأمين بل هو الصدق والأمانة،وصدق القائل ():
فَمَا حَمَلَتْ من ناقَةٍ فَوْقَ رَحْلِها أَعفَّ وأَوْفَى ذِمَّةً من مُحَمَّدٍ
فمن تمسك بآثاره الجليلة نجا،ومن حاد عنها أورد نفسه في المهالك فبأس الورد المورود.
وبقي هذا السيد العظيم والرسول الكريم سنوات في مكة يحاور هذا ويناظر ذاك،ويدعو الثالث رجاء أن نجاتهم من النار.
فكان يرمق الجميع بعين الرأفة والرحمة والمودة والإحسان،وكانت دموعة الطاهرة تسيل على خده الشريف ألما وحسرة عليهم،فنههاه ربه جل وعلا وتقدس عن الحزن - رحمة به – ((وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ)) [النحل:127]،ولكن قلبه الكبير كان متألما لحالهم وخائفا على مصيرهم فجاء النهي الثاني ((فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ)) [فاطر:8]، ولكن الأمر بلغ مبلغا عظيما فكادت روحة الطاهرة الشريفة المعظمة أن تزهق خوفا عليهم من الهلاك في أودية جهنم ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً ﴾ [الكهف: 6]، وقال، وقال ((لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)) [الشعراء:3]، فهذا وصف دقيق لحال المصطفى الكريم،وهو ينظر لمن نَكَلَ عن الهداية من هذه الأمة.
فما زال يتحمل في ذات الله المشاق والصعوبات حتى بدأ ثماره اليانعة تخرج شيئا فشيئا،وهو ينظر إليها جذلا بها نظر المزارع الذي حرث وبذر وسقى،وينتظر من ربه الثمرة.
فكانت ثماره تخرج الواحدة تلو الأخرى،وكل واحدة منها أشهى وأحلى من الثانية،وليس هذا مستغربا ولا عجيبا فالزارع محمد ص والراعي رب الأرض والسموات فما أحلاها من ثمرة،وما أزهاه من زرع.
وقابل ^ في مكة أبشع صور القهر والاستبداد،فصار الصادق الأمين كاذب خائن،أين ذهب العقول أيتورع عن الكذب على البشر ويكذب على رب الأرض والسموات؟!
وقالوا: ساحر وكاهن، وهم يعرفون السحر والكهانة ولكنه الظلم والاستكبار
﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل13:14]
ولما لم ينفع السب والشتم والتهديد والوعيد أعلنوا المقاطعة الاقتصادية،وكان عهد الفجور والظلم والقهر، قال ابن القيم /: (فلما رأت قريش أمر ^ يعلو والأمور تتزايد أجمعوا على أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف [ومن دخل معهم المؤمنين] أن لا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله ^ [ليقتلوه] وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة)، وبلغ الأمر مبلغاً حتى أكل النبي الكريم وأصحابه الورق والجلود، قال عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ رضي الله عنه: (...وَلَقَدْ رَأَيْتُنِى سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ^ مَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الشَّجَرِ حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا..) الحديث أخرجه مسلم.
وبعد هذا وقبله تعرض النبي ص لأعظم أنواع الأذى في سبيل نشر التوحيد الخالص من الشرك والشوائب،وتنوعت صور إيذاء رسول الله ^، الذي تحمل من أهله وعشيرته ما تنوء عن حمله الجبال الراسيات فكان النفر الذين يؤذون رسول الله ^في بيته أبا لهب، والحكم بن أبي العاص بن أمية، وعقبة بن أبي معيط، وعدى بن حمراء الثقفي، وابن الأصداء الهذلى - وكانوا جيرانه - لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاص، فكان أحدهم يطرح عليه صلى الله عليه وسلم رحم الشاة وهو يصلى، وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله ^حجرًا ليستتر به منهم إذا صلى فكان رسول الله ^إذا طرحوا عليه ذلك الأذى يخرج به على العود، فيقف به على بابه، ثم يقول: (يا بني عبد مناف، أي جوار هذا؟) ثم يلقيه في الطريق. وازداد عقبة بن أبي مُعَيْط في شقاوته وخبثه، فقد روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:أن النبي ^كان يصلى عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس؛ إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجىء بسَلاَ جَزُور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم [وهو عقبة بن أبي معيط] فجاء به فنظر، حتى إذا سجد النبي وضع على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر، لا أغنى شيئًا، لو كانت لي منعة، قال: فجعلوا يضحكون، ويحيل بعضهم على بعضهم [أي يتمايل بعضهم على بعض مرحًا وبطرًا] ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد، لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة، فطرحته عن ظهره.أبي بن خلف فكان هو وعقبة بن أبي معيط متصافيين. وجلس عقبة مرة إلى النبي ^وسمع منه، فلما بلغ ذلك أبيًا أنبه وعاتبه، وطلب منه أن يتفل في وجه رسول الله ^ففعل, وبعد هذا وفوقه صور كثيرة ومشاهد متعددة.
أما أحبابه وأصحابه رضوان الله عليهم فقد نالهم الكثير أيضا،ومن ذلك فعن سعيد بن جبير، قال قلت لعبد الله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله ^من العذاب ما قال نعم والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي نزل به حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة حتى يقولوا له آللات والعزى إلهك من دون الله؟ فيقول:نعم،حتى إن الجُعل ليمر بهم فيقولون له أهذا الجعل إلهك من دون الله؟ فيقول:نعم افتداء منهم مما يبلغون من جهده.
ومن أعلام الصحابة اللذين نالوا التعذيب والقهر الصابر في ذات الله بل إمام الصابرين وشيخ المحتسبين السيد المقدم مؤذن رسول الله بلال بن أبي رباح عليه رضوان الله:
يا صاحِ هذا بلالُ من
عَرَفَتْهُ رمضاءُ الحرمْ
عَرَفَتْهُ مَكْةُ كُلُها
بطحائُها والمحتدمْ
بالسوطِ يضربُ بالقفا
والصخرُ يا صحي صممْ
صَبَرَ الهِزْبرُ لأنه عَشِقَ
الهُدى والبيع تمْ
ولم يكتفِ هؤلاء الأراذل بتعذيب الرجال حتى انتقلوا لتعذيب النساء فهذه الصحابية الشهيدة سمية أم عمار بن ياسر عذبها آل بني المغيرة على الإسلام وهي تأبى غيره وصبرت حتى مر بها أبو جهل يوما فطعنها بحربة في قلبها () فماتت، رحمها الله، وهي أول شهيد في الإسلام، وكانت عجوزا كبيرة ضعيفة وكان رسول الله ^ يمر بعمار وأمه وأبيه وهم يعذبون بالأبطح في رمضاء مكة فيقول:«صبراً يا آل ياسر موعدكم الجنة».
ثم هاجر بأبي وأمي عليه الصلاة والسلام إلى طابا الطيبة فأشرقت بدخوله وزكت بحلوله وازدانت بنزوله،وحق لها أن ترقص طربا وأن تشدوا فرحا فأي فخر هي فيه وأي عز نثر على ربوعها وأي حلاوة خالطة روحها
هل زار طيبة ذاك العرف حين سرى فتربها أبدا مسك يخامره
طابت بطيب رسول الله فهي به سمت وراقت بمن فاقت مفاخره()
وبقي في المدينة النبوية عشر سنين يدعو وينافح عن التوحيد الخالص،وتعرض فيها لأنواع من الأذى والمحن على يد أعدائه من المشركين واليهود أو من تلبس لبوس الإسلام من المنافقين،وما زال صابرا يبلغ دعوة ربه
أيا خير مبعوثٍ إلى خير أمّةٍ نصحت وبلّغت الرسالة والوحيا
فلو كان بالإمكان بمقلتي إليك رسول الله أنضيتها سعيا ()
ثم قضى أجله الذي كتبه الله له،وعن أنس بن مالك قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، أظلمت المدينة، حتى لم ينظر بعضنا إلى بعض، وكان أحدنا يبسط يده، فلا يبصرها، فما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا.
وترك لنا أخباره الصحيحة التي نقلها الصحابة ومن بعدهم الأئمة لنقتفي آثاره لنكون معه في الجنة برحمة الله وفضله.
وكان الصحابة رضي الله عنهم شموس الضحى ونجوم الليل فهم هداية لمن بَكّرَ وهداية لمن سرى،فمن اقتدى بهم نجا ومن ألحد عن صفهم هلك.
الحمد لله القائل ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ.. ﴾ [التوبة:71] والصلاة والسلام على عبده ورسوله القائل: (المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا). ثم شبك بين أصابعه أما بعد:
عباد الله:
من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم()لأن الله وصفهم بأنهم رحماء بينهم ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ.. ﴾ [الفتح:29]،وهم كالجسد الواحد،وإن قلوبنا تأن وأعيننا تدمع وهي تشاهد المجازر اليهودية لإخواننا في أرض الرباط فلسطين،وإن إخواننا وقعوا بين المطرقة والسندان كما يقال،فالمطرقة الدولة اليهودية والسندان المنافقين في الداخل أذناب اليهود.وليس لنا إلا أن ندعوا الله تعالى أن يرفع عن إخواننا المحن التي جثمت على صدورهم سنين طويلة.
بعض الإيذاء الذي تعرض له النبي ص
التأريخ: 8/5/1428هـ
المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
أما بعد
:فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
لقد بعث الله النبي ^ بالتوحيد الخالص الذي أسه وأساسه إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له،﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ.. ﴾ [آل عمران:19] (أرسله الله جلا وعلا إلى أناس يتعبدون()ويحجون ويتصدقون()ويذكرون الله كثيرا()، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله. يقولون نريد منهم التقرب إلى الله ونريد شفاعتهم عنده مثل الملائكة وعيسى ومريم وأناس وغيرهم من الصالحين. فبعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم - عليه السلام - ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق لله لا يصلحُ منه شيء لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل فضلا عن غيرهما.) ()
ولقد لخص هذه الدعوة ربعي بن عامر حيث قال: (ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد الى عبادة الله ومن ضيق الدنيا الى سعتها ومن جور الاديان الى عدل الاسلام)
عباد الله:
بَعَثَ الله عبده ورسوله سيدنا محمد بن عبدالله ^ فكان مشعل نور وهداية،بل هو النور والهداية، والعفة والعفاف،وهو الصادق الأمين بل هو الصدق والأمانة،وصدق القائل ():
فَمَا حَمَلَتْ من ناقَةٍ فَوْقَ رَحْلِها أَعفَّ وأَوْفَى ذِمَّةً من مُحَمَّدٍ
فمن تمسك بآثاره الجليلة نجا،ومن حاد عنها أورد نفسه في المهالك فبأس الورد المورود.
وبقي هذا السيد العظيم والرسول الكريم سنوات في مكة يحاور هذا ويناظر ذاك،ويدعو الثالث رجاء أن نجاتهم من النار.
فكان يرمق الجميع بعين الرأفة والرحمة والمودة والإحسان،وكانت دموعة الطاهرة تسيل على خده الشريف ألما وحسرة عليهم،فنههاه ربه جل وعلا وتقدس عن الحزن - رحمة به – ((وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ)) [النحل:127]،ولكن قلبه الكبير كان متألما لحالهم وخائفا على مصيرهم فجاء النهي الثاني ((فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ)) [فاطر:8]، ولكن الأمر بلغ مبلغا عظيما فكادت روحة الطاهرة الشريفة المعظمة أن تزهق خوفا عليهم من الهلاك في أودية جهنم ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً ﴾ [الكهف: 6]، وقال، وقال ((لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)) [الشعراء:3]، فهذا وصف دقيق لحال المصطفى الكريم،وهو ينظر لمن نَكَلَ عن الهداية من هذه الأمة.
فما زال يتحمل في ذات الله المشاق والصعوبات حتى بدأ ثماره اليانعة تخرج شيئا فشيئا،وهو ينظر إليها جذلا بها نظر المزارع الذي حرث وبذر وسقى،وينتظر من ربه الثمرة.
فكانت ثماره تخرج الواحدة تلو الأخرى،وكل واحدة منها أشهى وأحلى من الثانية،وليس هذا مستغربا ولا عجيبا فالزارع محمد ص والراعي رب الأرض والسموات فما أحلاها من ثمرة،وما أزهاه من زرع.
وقابل ^ في مكة أبشع صور القهر والاستبداد،فصار الصادق الأمين كاذب خائن،أين ذهب العقول أيتورع عن الكذب على البشر ويكذب على رب الأرض والسموات؟!
وقالوا: ساحر وكاهن، وهم يعرفون السحر والكهانة ولكنه الظلم والاستكبار
﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل13:14]
ولما لم ينفع السب والشتم والتهديد والوعيد أعلنوا المقاطعة الاقتصادية،وكان عهد الفجور والظلم والقهر، قال ابن القيم /: (فلما رأت قريش أمر ^ يعلو والأمور تتزايد أجمعوا على أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف [ومن دخل معهم المؤمنين] أن لا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله ^ [ليقتلوه] وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة)، وبلغ الأمر مبلغاً حتى أكل النبي الكريم وأصحابه الورق والجلود، قال عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ رضي الله عنه: (...وَلَقَدْ رَأَيْتُنِى سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ^ مَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الشَّجَرِ حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا..) الحديث أخرجه مسلم.
وبعد هذا وقبله تعرض النبي ص لأعظم أنواع الأذى في سبيل نشر التوحيد الخالص من الشرك والشوائب،وتنوعت صور إيذاء رسول الله ^، الذي تحمل من أهله وعشيرته ما تنوء عن حمله الجبال الراسيات فكان النفر الذين يؤذون رسول الله ^في بيته أبا لهب، والحكم بن أبي العاص بن أمية، وعقبة بن أبي معيط، وعدى بن حمراء الثقفي، وابن الأصداء الهذلى - وكانوا جيرانه - لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاص، فكان أحدهم يطرح عليه صلى الله عليه وسلم رحم الشاة وهو يصلى، وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله ^حجرًا ليستتر به منهم إذا صلى فكان رسول الله ^إذا طرحوا عليه ذلك الأذى يخرج به على العود، فيقف به على بابه، ثم يقول: (يا بني عبد مناف، أي جوار هذا؟) ثم يلقيه في الطريق. وازداد عقبة بن أبي مُعَيْط في شقاوته وخبثه، فقد روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:أن النبي ^كان يصلى عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس؛ إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجىء بسَلاَ جَزُور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم [وهو عقبة بن أبي معيط] فجاء به فنظر، حتى إذا سجد النبي وضع على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر، لا أغنى شيئًا، لو كانت لي منعة، قال: فجعلوا يضحكون، ويحيل بعضهم على بعضهم [أي يتمايل بعضهم على بعض مرحًا وبطرًا] ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد، لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة، فطرحته عن ظهره.أبي بن خلف فكان هو وعقبة بن أبي معيط متصافيين. وجلس عقبة مرة إلى النبي ^وسمع منه، فلما بلغ ذلك أبيًا أنبه وعاتبه، وطلب منه أن يتفل في وجه رسول الله ^ففعل, وبعد هذا وفوقه صور كثيرة ومشاهد متعددة.
أما أحبابه وأصحابه رضوان الله عليهم فقد نالهم الكثير أيضا،ومن ذلك فعن سعيد بن جبير، قال قلت لعبد الله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله ^من العذاب ما قال نعم والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي نزل به حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة حتى يقولوا له آللات والعزى إلهك من دون الله؟ فيقول:نعم،حتى إن الجُعل ليمر بهم فيقولون له أهذا الجعل إلهك من دون الله؟ فيقول:نعم افتداء منهم مما يبلغون من جهده.
ومن أعلام الصحابة اللذين نالوا التعذيب والقهر الصابر في ذات الله بل إمام الصابرين وشيخ المحتسبين السيد المقدم مؤذن رسول الله بلال بن أبي رباح عليه رضوان الله:
يا صاحِ هذا بلالُ من
عَرَفَتْهُ رمضاءُ الحرمْ
عَرَفَتْهُ مَكْةُ كُلُها
بطحائُها والمحتدمْ
بالسوطِ يضربُ بالقفا
والصخرُ يا صحي صممْ
صَبَرَ الهِزْبرُ لأنه عَشِقَ
الهُدى والبيع تمْ
ولم يكتفِ هؤلاء الأراذل بتعذيب الرجال حتى انتقلوا لتعذيب النساء فهذه الصحابية الشهيدة سمية أم عمار بن ياسر عذبها آل بني المغيرة على الإسلام وهي تأبى غيره وصبرت حتى مر بها أبو جهل يوما فطعنها بحربة في قلبها () فماتت، رحمها الله، وهي أول شهيد في الإسلام، وكانت عجوزا كبيرة ضعيفة وكان رسول الله ^ يمر بعمار وأمه وأبيه وهم يعذبون بالأبطح في رمضاء مكة فيقول:«صبراً يا آل ياسر موعدكم الجنة».
ثم هاجر بأبي وأمي عليه الصلاة والسلام إلى طابا الطيبة فأشرقت بدخوله وزكت بحلوله وازدانت بنزوله،وحق لها أن ترقص طربا وأن تشدوا فرحا فأي فخر هي فيه وأي عز نثر على ربوعها وأي حلاوة خالطة روحها
هل زار طيبة ذاك العرف حين سرى فتربها أبدا مسك يخامره
طابت بطيب رسول الله فهي به سمت وراقت بمن فاقت مفاخره()
وبقي في المدينة النبوية عشر سنين يدعو وينافح عن التوحيد الخالص،وتعرض فيها لأنواع من الأذى والمحن على يد أعدائه من المشركين واليهود أو من تلبس لبوس الإسلام من المنافقين،وما زال صابرا يبلغ دعوة ربه
أيا خير مبعوثٍ إلى خير أمّةٍ نصحت وبلّغت الرسالة والوحيا
فلو كان بالإمكان بمقلتي إليك رسول الله أنضيتها سعيا ()
ثم قضى أجله الذي كتبه الله له،وعن أنس بن مالك قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، أظلمت المدينة، حتى لم ينظر بعضنا إلى بعض، وكان أحدنا يبسط يده، فلا يبصرها، فما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا.
وترك لنا أخباره الصحيحة التي نقلها الصحابة ومن بعدهم الأئمة لنقتفي آثاره لنكون معه في الجنة برحمة الله وفضله.
وكان الصحابة رضي الله عنهم شموس الضحى ونجوم الليل فهم هداية لمن بَكّرَ وهداية لمن سرى،فمن اقتدى بهم نجا ومن ألحد عن صفهم هلك.
الحمد لله القائل ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ.. ﴾ [التوبة:71] والصلاة والسلام على عبده ورسوله القائل: (المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا). ثم شبك بين أصابعه أما بعد:
عباد الله:
من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم()لأن الله وصفهم بأنهم رحماء بينهم ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ.. ﴾ [الفتح:29]،وهم كالجسد الواحد،وإن قلوبنا تأن وأعيننا تدمع وهي تشاهد المجازر اليهودية لإخواننا في أرض الرباط فلسطين،وإن إخواننا وقعوا بين المطرقة والسندان كما يقال،فالمطرقة الدولة اليهودية والسندان المنافقين في الداخل أذناب اليهود.وليس لنا إلا أن ندعوا الله تعالى أن يرفع عن إخواننا المحن التي جثمت على صدورهم سنين طويلة.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى