رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفات مع السيرة النبوية 44 ـ غزوة بني قريظة
التأريخ: 8/8/1427هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71]. أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
تحدثنا في خطب ماضية عن غزوة الخندق،وذكرنا أنه مما زاد الشدة على المسلمين خيانة يهود بني قريظة،ثم ذكرنا كيف أن إسلام نعيم بن مسعود ا كان له أكبر الأثر في حلّ وثاق هذه الحرب التي أريد لها أن تجتث الإسلام من جذوره،وبعد مغادرة جيش قريش رجع النبي @ والصحابة لبيوتهم للراحة من عناء تلك المعاناة الكبيرة،والضغط النفسي الشديد،فجيوش قريش في وجوههم وخيانة بني قريظة في ظهورهم.
قال الشيخ الغزالي يصف الموقف بعد غزوة الأحزاب: انفضت حشود الأحزاب حول المدينة، وعادت المطيُّ بها من حيث أتت تذرع رحاب الصحراء وليس تحمل معها إلا الفشل والخيبة، وبقي يهود قريظة وحدهم، أو بقوا وبقيت غدرتهم التي فضحت طواياهم، فأصبحوا وأمسوا أشبه بالمجرم الذي ثبتت إدانته، فهو يرقب -بوجه كالح- قصاص العدالة منه.
وكانت مشاعر التغيظ في أفئدة المسلمين نحو أولئك اليهود قد بلغت ذروتها، إنهم هم الذين استخرجوا العرب استخراجاً، واستقدموهم إلى دار الهجرة ليجتاحوها من أقطارها، ويستأصلوا المسلمين فيها، إن جراحات المسلمين لطردهم من ديارهم ومطاردتهم في عقيدتهم، واستباحة أموالهم ودمائهم لكل ناهب ومغتال، لمَّا تندمل بعد، بل لن تندمل أبداً، فكيف ساغ لأولئك الخونة من بني إسرائيل أن يرسموا بأنفسهم الخطة لإهلاك الإسلام وأبنائه على هذا النحو الذليل؟.
ثم ما الذي يجعل بني قريظة خاصة -وهم لم يروا في جوار محمد إلا البر والوفاء- يستديرون بأسلحتهم منضمين إلى أعداء الإسلام كي يشركوهم في قتل المسلمين وسلبهم؟.)
وضع رسول الله ص سلاحه واغتسل،فقد أراد تأجيل تأديب بني قريظة لوقت آخر بعد أن يسترد الصحابة أنفاسهم، فأتاه جبريل # وقد عصب رأسه الغبار()، فقال: وضعت السلاح، فوالله ما وضعته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأين). قال: ها هنا، وأومأ إلى بني قريظة. قالت: فخرج إليهم رسول الله @. أخرجه البخاري
وعن أنس ا قال: كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم، موكب جبريل حين سار رسول الله @ إلى بني قريظة. أخرجه البخاري
وهنا أمر النبي @ الصحابة بالتحرك لأبني قريظة،وكان أمرا جازما،فلا لابد من تأديب هذه الفئة الخسيسة واجتثاث هذا العفن حتى لا تنتقل العدوى لغيرهم من أصحاب القلوب السليمة،وحتى لا يكنون جواسيس لأعداء الأمة،فقال رسول الله @: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة). فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، ثم يرد منا ذلك. فذكر ذلك للنبي @ فلم يعنف واحدا منهم. أخرجه البخاري ()
وهذا فيه أن الصحابة اجتهدوا في زمن النبي ص ولم يكن رسول الله يعنف من أنطلق من فهم الدليل ولم يعرض عنه ولو أخطأ،ولكن كان يشتد غضبه على الجاهل الذي يتكلم فيما لا يحسن فإنه قد قال مرة (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال) ()
وحمل راية المسلمين يومئذ أسد من أسود الإسلام أبو الحسن والحسين علي بن أبي طالب ا، ولما بلغ حصونهم سمع منهم سب قبيح للنبي ص ولأزواجه المطهرات رضي الله عنهن فرجع علي ا حتى لقي رسول الله @ بالطريق فقال: يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث قال: لم؟ أظنك سمعت منهم لي أذى؟ قال: نعم يا رسول الله قال: لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً فلما دنا رسول الله @ من حصونهم قال: يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟ قالوا: يا أبا القاسم ما كنت جهولاً.
(هذه خلال اليهود، يسفهون إذا أمنوا، ويقتلون إذا قدروا، ويذكِّرون الناس بالمثل العليا إذا وجلوا، ليستفيدوا منها وحدهم لا لشيء آخر.أما العهود، فهي آخر شيء في الحياة يقفون عنده.)
وحاصرهم رسول الله @خمساً وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب.و أيقنوا بأن رسول الله @غير منصرف عنهم حتى يناجزهم،هناك تكلم أحد حكمائهم وهو كعب بن أسد فقال لهم: يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالاً ثلاثاً فخذوا أيها شئتم قالوا: وما هي؟ قال: نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل وأنه للذي تجدونه في كتابكم فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبداً ولا نستبدل به غيره.
فقال: فإذا أبيتم علي هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالاً مصلتين السيوف لم نترك وراءنا ثقلاً حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلاً نخشى عليه وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء قالوا: نقتل هؤلاء المساكين! فما خير العيش بعدهم؟
فقال: فإن أبيتم على هذه فإن الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة قالوا: نفسد سبتنا علينا ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ!
فقال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازماً
قال ابن هشام: ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله @: أن أبعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر وكانوا حلفاء الأوس لنستشيره في أمرنا فأرسه رسول الله @ إليهم فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم وقالوا له: يا أبا لبابة! أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم،وأشار بيده إلى حلقه إنه الذبح قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله @ ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله @ حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال: لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت وعهد الله أن لا أطأ بني قريظة أبداً ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبداً.)
وفعل أبي لبابة هذا هو كفعل حاطب بن أبي بلتعة يوم فتح مكة ب وقد أخطأ الصحابيان وكانت خيانة لسر النبي ص،ولكن كان أفئدتهما حية تنبض بالإيمان،فتابا مباشرة مما أخطأ فيه.
قال ابن إسحاق: فلما بلغ رسول الله @ خبره وكان قد استبطأه قال: أما إنه لو جاءني لاستغفرت له فأما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه.
و نزلت توبة أبو لبابة على رسول الله @من السحر وهو في بيت أم سلمة فقالت أم سلمة: فسمعت رسول الله @ من السحر وهو يضحك قالت: فقلت: مم تضحك يا رسول الله؟ أضحك الله سنك قال: تيب على أبي لبابة قالت: قلت: أفلا أبشره يا رسول الله؟ قال: بلى إن شئت قال: فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب فقالت: يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك قالت: فثار الناس إليه ليطلقوه فقال: لا والله حتى يكون رسول الله @هو الذي يطلقني بيده فلما مر عليه رسول الله @خارجاً إلى صلاة الصبح أطلقه.
قال ابن هشام: أقام أبو لبابة مرتبطاً بالجزع ست ليال تأتيه امرأته في كل وقت صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع فيما حدثني بعض أهل العلم والآية التي نزلت في توبته قول الله عز وجل: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:102] ()()
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ولي المظلومين والصلاة والسلام على إمام المهتدين وآله الطيبين الطاهرين أما بعد:
فقد انهارت معنويات بني قريظة فلما أصبحوا في يومهم الأخير نزلوا على حكم رسول الله @ فتواثبت الأوس فقالوا: يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت وقد كان رسول الله @ قبل بني قريظة قد حاصر بني قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكمه فسأله إياهم عبد الله بن أبي بن سلول فوهبهم له فلما كلمته الأوس قال رسول الله @: ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا: بلى قال رسول الله @: فذاك إلى سعد بن معاذ.
فلما حكّمه رسول الله @ في بني قريظة أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطئوا له بوسادة من أدم وكان رجلاً جسيماً جميلاً ثم أقبلوا معه إلى رسول الله @ وهم يقولون: يا أبا عمرو أحسن في مواليك فإن رسول الله @ إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه قال: لقد أتى لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد عن كلمته التي سمع منه فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم فأما المهاجرون من قريش فيقولون: إنما أراد رسول الله @ الأنصار وأما الأنصار فيقولون قد عم بها رسول الله @ فقاموا إليه فقالوا: يا أبا عمرو إن رسول الله @ قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فقال سعد بن معاذ: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم لما حكمت؟ قالوا: نعم: وعلى من هاهنا؟ في الناحية التي فيها رسول الله @ وهو معرض عن رسول الله @ إجلالاً له فقال رسول الله @: نعم قال سعد: فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء. ()
فقال رسول الله ص: الله أكبر لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات.
الحمد لله الذي فضل بعض الشهور على بعض،والحمد لله الذي خص لنا من الأزمنة ما نعبده فيها ليغفر لنا،والصلاة والسلام على عبده ورسوله وآله وسلم،أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالصيام فقال: ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) [البقرة:185] وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة: 183] فالله تعالى كتب الصيام علينا كما كتبه على من قبلنا من الأمم،قال تعالى عن مريم الصديقة: ((فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً)) [مريم:26].
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ غ: بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ ـ وذكر منها ـ وَصَوْمِ رَمَضَانَ)، فالصيام من أركان الإسلام الخمس،وقد فرض في السنة الثانية للهجرة النبوية فصام النبي @ تسع رمضانات إجماعًا.
والله تعالى لا يأمر بأمر إلا لمصلحة العباد الأخروية والدنيوية وللصيام حكم كثيرة نذكر منها:
أن فيه تضييقا لمجارى الشيطان في بدن الإنسان فيقيه غالباً من الأخلاق الرديئة ويزكي نفسه
فيه تزهيد في الدنيا وشهواتها وترغيب في الآخرة
فيه باعث على العطف على المساكين والإحساس بأحوالهم
فيه تعويد النفس على طاعة الله جل وعلا بترك المحبوب تقربا لله.
الشعور بوحدة المسلمين حيث يصمون جميعا بترك الطعام والشراب والجماع قربة إلى الله جل وعلا.
وفيه فوائد طبية للجسد.
عباد الله:
للصيام فضل ومنقبة عظيمة ويدل على ذلك أدلة فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ص يَقُول (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا).
وعَنْ عَنْ النَّبِيِّ غ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ ()
ومن فضائل الصيام أن خلوف فم الصائم أطيب من ريح المسك في الآخرة للحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن أَبَي هُرَيْرَةَ قال رسول الله غ:..وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ()
قال العز بن عبد السلام: مثل المجاهد يثعب جرحه دما؛ اللون لون دم والريح ريح مسك. ()
والصيام اختص به الله تعالى؛ قال رسول الله غ:(قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به..) رواه البخاري، وعلة ذلك أن الصيام فيه سرية؛ وأن مداره على القلب. وقيل انفرد تعالى بمعرفة مقدار ثوابه وبضعف حسناته، حيث أن باقي الأعمال الحسنة بعشر إلى سبعمائة ضعف أما الصيام فهو لله تعالى يثيب عليه بغير تقدير
واختص شهر رمضان بفضائل منها أن أبواب الجنة تفتح وأبواب النار تغلق فعن أبي هُرَيْرَةَ"قَالَ رَسُولُ اللَّه غ إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ ()
وأما حال رسول الله ص في رمضان فكان مميزا عن باقي الشهور فعَن ابْنِ عَبَّاسٍ ب قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ غ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ غ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ)()
ولعلنا أن نقف في خطب قادمة مع بعض أحكام الصيام
وقفات مع السيرة النبوية 44 ـ غزوة بني قريظة
التأريخ: 8/8/1427هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71]. أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
تحدثنا في خطب ماضية عن غزوة الخندق،وذكرنا أنه مما زاد الشدة على المسلمين خيانة يهود بني قريظة،ثم ذكرنا كيف أن إسلام نعيم بن مسعود ا كان له أكبر الأثر في حلّ وثاق هذه الحرب التي أريد لها أن تجتث الإسلام من جذوره،وبعد مغادرة جيش قريش رجع النبي @ والصحابة لبيوتهم للراحة من عناء تلك المعاناة الكبيرة،والضغط النفسي الشديد،فجيوش قريش في وجوههم وخيانة بني قريظة في ظهورهم.
قال الشيخ الغزالي يصف الموقف بعد غزوة الأحزاب: انفضت حشود الأحزاب حول المدينة، وعادت المطيُّ بها من حيث أتت تذرع رحاب الصحراء وليس تحمل معها إلا الفشل والخيبة، وبقي يهود قريظة وحدهم، أو بقوا وبقيت غدرتهم التي فضحت طواياهم، فأصبحوا وأمسوا أشبه بالمجرم الذي ثبتت إدانته، فهو يرقب -بوجه كالح- قصاص العدالة منه.
وكانت مشاعر التغيظ في أفئدة المسلمين نحو أولئك اليهود قد بلغت ذروتها، إنهم هم الذين استخرجوا العرب استخراجاً، واستقدموهم إلى دار الهجرة ليجتاحوها من أقطارها، ويستأصلوا المسلمين فيها، إن جراحات المسلمين لطردهم من ديارهم ومطاردتهم في عقيدتهم، واستباحة أموالهم ودمائهم لكل ناهب ومغتال، لمَّا تندمل بعد، بل لن تندمل أبداً، فكيف ساغ لأولئك الخونة من بني إسرائيل أن يرسموا بأنفسهم الخطة لإهلاك الإسلام وأبنائه على هذا النحو الذليل؟.
ثم ما الذي يجعل بني قريظة خاصة -وهم لم يروا في جوار محمد إلا البر والوفاء- يستديرون بأسلحتهم منضمين إلى أعداء الإسلام كي يشركوهم في قتل المسلمين وسلبهم؟.)
وضع رسول الله ص سلاحه واغتسل،فقد أراد تأجيل تأديب بني قريظة لوقت آخر بعد أن يسترد الصحابة أنفاسهم، فأتاه جبريل # وقد عصب رأسه الغبار()، فقال: وضعت السلاح، فوالله ما وضعته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأين). قال: ها هنا، وأومأ إلى بني قريظة. قالت: فخرج إليهم رسول الله @. أخرجه البخاري
وعن أنس ا قال: كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم، موكب جبريل حين سار رسول الله @ إلى بني قريظة. أخرجه البخاري
وهنا أمر النبي @ الصحابة بالتحرك لأبني قريظة،وكان أمرا جازما،فلا لابد من تأديب هذه الفئة الخسيسة واجتثاث هذا العفن حتى لا تنتقل العدوى لغيرهم من أصحاب القلوب السليمة،وحتى لا يكنون جواسيس لأعداء الأمة،فقال رسول الله @: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة). فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، ثم يرد منا ذلك. فذكر ذلك للنبي @ فلم يعنف واحدا منهم. أخرجه البخاري ()
وهذا فيه أن الصحابة اجتهدوا في زمن النبي ص ولم يكن رسول الله يعنف من أنطلق من فهم الدليل ولم يعرض عنه ولو أخطأ،ولكن كان يشتد غضبه على الجاهل الذي يتكلم فيما لا يحسن فإنه قد قال مرة (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال) ()
وحمل راية المسلمين يومئذ أسد من أسود الإسلام أبو الحسن والحسين علي بن أبي طالب ا، ولما بلغ حصونهم سمع منهم سب قبيح للنبي ص ولأزواجه المطهرات رضي الله عنهن فرجع علي ا حتى لقي رسول الله @ بالطريق فقال: يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث قال: لم؟ أظنك سمعت منهم لي أذى؟ قال: نعم يا رسول الله قال: لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً فلما دنا رسول الله @ من حصونهم قال: يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟ قالوا: يا أبا القاسم ما كنت جهولاً.
(هذه خلال اليهود، يسفهون إذا أمنوا، ويقتلون إذا قدروا، ويذكِّرون الناس بالمثل العليا إذا وجلوا، ليستفيدوا منها وحدهم لا لشيء آخر.أما العهود، فهي آخر شيء في الحياة يقفون عنده.)
وحاصرهم رسول الله @خمساً وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب.و أيقنوا بأن رسول الله @غير منصرف عنهم حتى يناجزهم،هناك تكلم أحد حكمائهم وهو كعب بن أسد فقال لهم: يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالاً ثلاثاً فخذوا أيها شئتم قالوا: وما هي؟ قال: نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل وأنه للذي تجدونه في كتابكم فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبداً ولا نستبدل به غيره.
فقال: فإذا أبيتم علي هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالاً مصلتين السيوف لم نترك وراءنا ثقلاً حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلاً نخشى عليه وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء قالوا: نقتل هؤلاء المساكين! فما خير العيش بعدهم؟
فقال: فإن أبيتم على هذه فإن الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة قالوا: نفسد سبتنا علينا ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ!
فقال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازماً
قال ابن هشام: ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله @: أن أبعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر وكانوا حلفاء الأوس لنستشيره في أمرنا فأرسه رسول الله @ إليهم فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم وقالوا له: يا أبا لبابة! أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم،وأشار بيده إلى حلقه إنه الذبح قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله @ ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله @ حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال: لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت وعهد الله أن لا أطأ بني قريظة أبداً ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبداً.)
وفعل أبي لبابة هذا هو كفعل حاطب بن أبي بلتعة يوم فتح مكة ب وقد أخطأ الصحابيان وكانت خيانة لسر النبي ص،ولكن كان أفئدتهما حية تنبض بالإيمان،فتابا مباشرة مما أخطأ فيه.
قال ابن إسحاق: فلما بلغ رسول الله @ خبره وكان قد استبطأه قال: أما إنه لو جاءني لاستغفرت له فأما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه.
و نزلت توبة أبو لبابة على رسول الله @من السحر وهو في بيت أم سلمة فقالت أم سلمة: فسمعت رسول الله @ من السحر وهو يضحك قالت: فقلت: مم تضحك يا رسول الله؟ أضحك الله سنك قال: تيب على أبي لبابة قالت: قلت: أفلا أبشره يا رسول الله؟ قال: بلى إن شئت قال: فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب فقالت: يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك قالت: فثار الناس إليه ليطلقوه فقال: لا والله حتى يكون رسول الله @هو الذي يطلقني بيده فلما مر عليه رسول الله @خارجاً إلى صلاة الصبح أطلقه.
قال ابن هشام: أقام أبو لبابة مرتبطاً بالجزع ست ليال تأتيه امرأته في كل وقت صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع فيما حدثني بعض أهل العلم والآية التي نزلت في توبته قول الله عز وجل: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:102] ()()
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ولي المظلومين والصلاة والسلام على إمام المهتدين وآله الطيبين الطاهرين أما بعد:
فقد انهارت معنويات بني قريظة فلما أصبحوا في يومهم الأخير نزلوا على حكم رسول الله @ فتواثبت الأوس فقالوا: يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت وقد كان رسول الله @ قبل بني قريظة قد حاصر بني قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكمه فسأله إياهم عبد الله بن أبي بن سلول فوهبهم له فلما كلمته الأوس قال رسول الله @: ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا: بلى قال رسول الله @: فذاك إلى سعد بن معاذ.
فلما حكّمه رسول الله @ في بني قريظة أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطئوا له بوسادة من أدم وكان رجلاً جسيماً جميلاً ثم أقبلوا معه إلى رسول الله @ وهم يقولون: يا أبا عمرو أحسن في مواليك فإن رسول الله @ إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه قال: لقد أتى لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد عن كلمته التي سمع منه فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم فأما المهاجرون من قريش فيقولون: إنما أراد رسول الله @ الأنصار وأما الأنصار فيقولون قد عم بها رسول الله @ فقاموا إليه فقالوا: يا أبا عمرو إن رسول الله @ قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فقال سعد بن معاذ: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم لما حكمت؟ قالوا: نعم: وعلى من هاهنا؟ في الناحية التي فيها رسول الله @ وهو معرض عن رسول الله @ إجلالاً له فقال رسول الله @: نعم قال سعد: فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء. ()
فقال رسول الله ص: الله أكبر لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات.
الحمد لله الذي فضل بعض الشهور على بعض،والحمد لله الذي خص لنا من الأزمنة ما نعبده فيها ليغفر لنا،والصلاة والسلام على عبده ورسوله وآله وسلم،أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالصيام فقال: ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) [البقرة:185] وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة: 183] فالله تعالى كتب الصيام علينا كما كتبه على من قبلنا من الأمم،قال تعالى عن مريم الصديقة: ((فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً)) [مريم:26].
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ غ: بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ ـ وذكر منها ـ وَصَوْمِ رَمَضَانَ)، فالصيام من أركان الإسلام الخمس،وقد فرض في السنة الثانية للهجرة النبوية فصام النبي @ تسع رمضانات إجماعًا.
والله تعالى لا يأمر بأمر إلا لمصلحة العباد الأخروية والدنيوية وللصيام حكم كثيرة نذكر منها:
أن فيه تضييقا لمجارى الشيطان في بدن الإنسان فيقيه غالباً من الأخلاق الرديئة ويزكي نفسه
فيه تزهيد في الدنيا وشهواتها وترغيب في الآخرة
فيه باعث على العطف على المساكين والإحساس بأحوالهم
فيه تعويد النفس على طاعة الله جل وعلا بترك المحبوب تقربا لله.
الشعور بوحدة المسلمين حيث يصمون جميعا بترك الطعام والشراب والجماع قربة إلى الله جل وعلا.
وفيه فوائد طبية للجسد.
عباد الله:
للصيام فضل ومنقبة عظيمة ويدل على ذلك أدلة فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ص يَقُول (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا).
وعَنْ عَنْ النَّبِيِّ غ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ ()
ومن فضائل الصيام أن خلوف فم الصائم أطيب من ريح المسك في الآخرة للحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن أَبَي هُرَيْرَةَ قال رسول الله غ:..وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ()
قال العز بن عبد السلام: مثل المجاهد يثعب جرحه دما؛ اللون لون دم والريح ريح مسك. ()
والصيام اختص به الله تعالى؛ قال رسول الله غ:(قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به..) رواه البخاري، وعلة ذلك أن الصيام فيه سرية؛ وأن مداره على القلب. وقيل انفرد تعالى بمعرفة مقدار ثوابه وبضعف حسناته، حيث أن باقي الأعمال الحسنة بعشر إلى سبعمائة ضعف أما الصيام فهو لله تعالى يثيب عليه بغير تقدير
واختص شهر رمضان بفضائل منها أن أبواب الجنة تفتح وأبواب النار تغلق فعن أبي هُرَيْرَةَ"قَالَ رَسُولُ اللَّه غ إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ ()
وأما حال رسول الله ص في رمضان فكان مميزا عن باقي الشهور فعَن ابْنِ عَبَّاسٍ ب قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ غ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ غ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ)()
ولعلنا أن نقف في خطب قادمة مع بعض أحكام الصيام
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى