رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفات مع السيرة النبوية 43 ـ غزوة الخندق 4
التأريخ: 3/7/1427هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71]. أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
مع الخطبة الرابعة عن غزوة الخندق،تلك الغزوة الفاصلة بين الإسلام و الكفر،فقد أجلب الكفر بل قواته على المسلمين،وبذلوا كل ما بوسعهم لإستأصال شوكتهم،ولكن خيبهم الله،فقد وقف الصحابة وقوف الأسود،وثبتوا ثبات السدود،فلم يرم أعداء الله من رسول الله ولا من دين الله،وانتكصوا على أعقابهم بالخيبة والخسران.
إن من عجائب الدهر والزمان،ومن جميل تصاريف الله في الكون أن يسلم في ظل تلك الضروف الصعبة نعيم بن مسعود ا فإن مقتضى العقل ألا يسلم أو ينتظر حتى يرى ما يؤول عليه حال المسلمين،فإن كل الدلائل العقلية تدل على هزيمة المسلمين فلماذا يورط نفسه؟
ولكنه الإيمان إذا خالط قلب العبد المسلم قلبه من حال إلى حال.
قال ابن القيم /: (ثم إن الله عز وجل - وله الحمد - صنع أمرا من عنده خذل به العدو وهزم جموعهم وفل حدهم فكان مما هيأ من ذلك أن رجلا من غطفان يقال له نعيم بن مسعود بن عامر رضي الله عنه جاء إلى رسول الله @ فقال يا رسول الله إني قد أسلمت فمرني بما شئت فقال رسول الله @ إنما أنت رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة فذهب من فوره ذلك إلى بني قريظة وكان عشيرا لهم في الجاهلية فدخل عليهم وهم لا يعلمون بإسلامه فقال يا بني قريظة إنكم قد حاربتم محمدا وإن قريشا إن أصابوا فرصة انتهزوها وإلا انشمروا إلى بلادهم راجعين وتركوكم ومحمدا فانتقم منكم قالوا: فما العمل يا نعيم؟ قال لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن قالوا: لقد أشرت بالرأي ثم مضى على وجهه إلى قريش فقال لهم تعلمون ودي لكم ونصحي لكم قالوا: نعم. قال إن يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ثم يمالئونه عليكم فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم ثم ذهب إلى غطفان فقال لهم مثل ذلك فلما كان ليلة السبت من شوال بعثوا إلى اليهود: إنا لسنا بأرض مقام وقد هلك الكراع والخف فانهضوا بنا حتى نناجز فأرسل إليهم اليهود: إن اليوم يوم السبت وقد علمتم ما أصاب من قبلنا حين أحدثوا فيه ومع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن فلما جاءتهم رسلهم بذلك قالت قريش: صدقكم والله نعيم فبعثوا إلى يهود إنا والله لا نرسل إليكم أحدا فاخرجوا معنا حتى نناجز محمدا فقالت قريظة صدقكم والله نعيم فتخاذل الفريقان) ()
هكذا كان إسلام امرئ واحد،فقد نفع الله به،وخذّل به أعداء الإسلام.
عباد الله:
استمر النبي ص ببذل الأسباب الشرعية،فقد كان رَسُولُ اللَّهِ @ يَوْمَ الْأَحْزَابِ يديم الدعاء ويطيل الصلاة ويتذلل لربه ومولاه عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اللَّهُمَّ اهْزِمْ الْأَحْزَابَ اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ) وهكذا يكون النبي @ بذل الأسباب الشرعية المأمور بها، وبعد هذا الصبر العظيم،وجَلَدْ الكبير جاءت المعجزات مصداقا لقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد:7]،فأرسل الله على المشركين جندا من الريح فجعلت تقوض خيامهم ولا تدع لهم قدرا إلا كفأتها ولا طنبا إلا قلعته ولا يقر لهم قرار وجند الله من الملائكة يزلزلونهم ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف،وانتشر بينهم خيانة بني قريظة،وطال عليهم الانتظار فانهارت معنوياتُهمْ.
﴿...وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ﴾ [المدثر:31]
قال الشيخ الغزالي يصف تلك الريح العظيمة: (وفي ليلة شاتية عاتية لفحت سبراتها الوجوه والجلود، وأقعدت الرجال في أماكنهم ينشدون الدفء، ويفرون من القر المتساقط على الصخور والرمال اتجهت نيات القوم إلى اتخاذ قرار حاسم في هذا القتال الفاشل!.
وكأنما كان زئير الرياح الهوج سوطاً يلهب المهاجمين حتى لا يتوانوا في الخلاص من هذا الموقف، ونظر رسول الله @ من وراء أسوار المدينة، وحوله أصحابه جاثمون في مكامنهم يرمقون الأفق بحذر، ويرقبون الغيب بأمل والظلام البارد الثقيل يرين على كل شيء في الصحراء المترامية.)
ووصف الله تعالى ذلك فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ﴾ [الأحزاب:9]
عباد الله:
في صورة جميلة من صور طاعة الصحابة ي للنبي ص واستجابتهم لأوامره مهما كانت عصيبة وصعبة هذه الصورة التي يرويها لنا كاتم السر حذيفة بن اليمان ا فقال: (رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ @ أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ فَقَالَ قُمْ يَا حُذَيْفَةُ فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ قَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ @ وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ قُمْ يَا نَوْمَانُ) رواه مسلم
عباد الله:
غادر القوم بخيبة أمل،لم يصلوا لشيء مما صبوا إليه،ونصر الله عبده وأعز جنده، ورجعت الطمأنينة إلى النفوس، وظهرت خيبة الأحزاب بعدما أقبلت من كل فج لتجتاح يثرب، وظهرت صلابة المسلمين في مواجهة الأزمات المرهقة.
﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ﴾ [الأحزاب:25]
وتفاءل النبي ص بعد هذه المعركة،وكان دائما متفائل،ويحب التفاؤل وينشره بين أصحابه فعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ: (قَالَ النَّبِيُّ @ يَوْمَ الْأَحْزَابِ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَنَا)
فهلا نشرنا بيننا شيء من التفائل ونقول مع النبي ص: {غدا نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَنَا}.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالين
عباد الله:
بعد عرض معركة الخندق العظيمة،والتي كانت آخر سلسلة الهجوم الظالم الغاشم على المؤمنين،وظهر في هذه المعكرة طاعة الصحابة ي للنبي ص،وظهر فيها شجاعتهم، وصبرهم، كما ظهر نفاق المنافقين،وانكشف الغطاء عن زيف المبطلين الكاذبين.
عباد الله:
دخل النبي ص المدينة ووضع السلاح فجاءه جبريل # وهو يغتسل في بيت أم سلمة،فقال: أوقد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: نعم فقال جبريل: فما وضعت الملائكة السلاح بعد وما رجعت الآن إلا من طلب القوم إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذناً فأذن في الناس من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة.
وسنقف في خطبة قادمة إن شاء الله مع ما حصل مع بني قريظة.
وقفات مع السيرة النبوية 43 ـ غزوة الخندق 4
التأريخ: 3/7/1427هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71]. أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
مع الخطبة الرابعة عن غزوة الخندق،تلك الغزوة الفاصلة بين الإسلام و الكفر،فقد أجلب الكفر بل قواته على المسلمين،وبذلوا كل ما بوسعهم لإستأصال شوكتهم،ولكن خيبهم الله،فقد وقف الصحابة وقوف الأسود،وثبتوا ثبات السدود،فلم يرم أعداء الله من رسول الله ولا من دين الله،وانتكصوا على أعقابهم بالخيبة والخسران.
إن من عجائب الدهر والزمان،ومن جميل تصاريف الله في الكون أن يسلم في ظل تلك الضروف الصعبة نعيم بن مسعود ا فإن مقتضى العقل ألا يسلم أو ينتظر حتى يرى ما يؤول عليه حال المسلمين،فإن كل الدلائل العقلية تدل على هزيمة المسلمين فلماذا يورط نفسه؟
ولكنه الإيمان إذا خالط قلب العبد المسلم قلبه من حال إلى حال.
قال ابن القيم /: (ثم إن الله عز وجل - وله الحمد - صنع أمرا من عنده خذل به العدو وهزم جموعهم وفل حدهم فكان مما هيأ من ذلك أن رجلا من غطفان يقال له نعيم بن مسعود بن عامر رضي الله عنه جاء إلى رسول الله @ فقال يا رسول الله إني قد أسلمت فمرني بما شئت فقال رسول الله @ إنما أنت رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة فذهب من فوره ذلك إلى بني قريظة وكان عشيرا لهم في الجاهلية فدخل عليهم وهم لا يعلمون بإسلامه فقال يا بني قريظة إنكم قد حاربتم محمدا وإن قريشا إن أصابوا فرصة انتهزوها وإلا انشمروا إلى بلادهم راجعين وتركوكم ومحمدا فانتقم منكم قالوا: فما العمل يا نعيم؟ قال لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن قالوا: لقد أشرت بالرأي ثم مضى على وجهه إلى قريش فقال لهم تعلمون ودي لكم ونصحي لكم قالوا: نعم. قال إن يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ثم يمالئونه عليكم فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم ثم ذهب إلى غطفان فقال لهم مثل ذلك فلما كان ليلة السبت من شوال بعثوا إلى اليهود: إنا لسنا بأرض مقام وقد هلك الكراع والخف فانهضوا بنا حتى نناجز فأرسل إليهم اليهود: إن اليوم يوم السبت وقد علمتم ما أصاب من قبلنا حين أحدثوا فيه ومع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن فلما جاءتهم رسلهم بذلك قالت قريش: صدقكم والله نعيم فبعثوا إلى يهود إنا والله لا نرسل إليكم أحدا فاخرجوا معنا حتى نناجز محمدا فقالت قريظة صدقكم والله نعيم فتخاذل الفريقان) ()
هكذا كان إسلام امرئ واحد،فقد نفع الله به،وخذّل به أعداء الإسلام.
عباد الله:
استمر النبي ص ببذل الأسباب الشرعية،فقد كان رَسُولُ اللَّهِ @ يَوْمَ الْأَحْزَابِ يديم الدعاء ويطيل الصلاة ويتذلل لربه ومولاه عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اللَّهُمَّ اهْزِمْ الْأَحْزَابَ اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ) وهكذا يكون النبي @ بذل الأسباب الشرعية المأمور بها، وبعد هذا الصبر العظيم،وجَلَدْ الكبير جاءت المعجزات مصداقا لقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد:7]،فأرسل الله على المشركين جندا من الريح فجعلت تقوض خيامهم ولا تدع لهم قدرا إلا كفأتها ولا طنبا إلا قلعته ولا يقر لهم قرار وجند الله من الملائكة يزلزلونهم ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف،وانتشر بينهم خيانة بني قريظة،وطال عليهم الانتظار فانهارت معنوياتُهمْ.
﴿...وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ﴾ [المدثر:31]
قال الشيخ الغزالي يصف تلك الريح العظيمة: (وفي ليلة شاتية عاتية لفحت سبراتها الوجوه والجلود، وأقعدت الرجال في أماكنهم ينشدون الدفء، ويفرون من القر المتساقط على الصخور والرمال اتجهت نيات القوم إلى اتخاذ قرار حاسم في هذا القتال الفاشل!.
وكأنما كان زئير الرياح الهوج سوطاً يلهب المهاجمين حتى لا يتوانوا في الخلاص من هذا الموقف، ونظر رسول الله @ من وراء أسوار المدينة، وحوله أصحابه جاثمون في مكامنهم يرمقون الأفق بحذر، ويرقبون الغيب بأمل والظلام البارد الثقيل يرين على كل شيء في الصحراء المترامية.)
ووصف الله تعالى ذلك فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ﴾ [الأحزاب:9]
عباد الله:
في صورة جميلة من صور طاعة الصحابة ي للنبي ص واستجابتهم لأوامره مهما كانت عصيبة وصعبة هذه الصورة التي يرويها لنا كاتم السر حذيفة بن اليمان ا فقال: (رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ @ أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ فَقَالَ قُمْ يَا حُذَيْفَةُ فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ قَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ @ وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ قُمْ يَا نَوْمَانُ) رواه مسلم
عباد الله:
غادر القوم بخيبة أمل،لم يصلوا لشيء مما صبوا إليه،ونصر الله عبده وأعز جنده، ورجعت الطمأنينة إلى النفوس، وظهرت خيبة الأحزاب بعدما أقبلت من كل فج لتجتاح يثرب، وظهرت صلابة المسلمين في مواجهة الأزمات المرهقة.
﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ﴾ [الأحزاب:25]
وتفاءل النبي ص بعد هذه المعركة،وكان دائما متفائل،ويحب التفاؤل وينشره بين أصحابه فعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ: (قَالَ النَّبِيُّ @ يَوْمَ الْأَحْزَابِ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَنَا)
فهلا نشرنا بيننا شيء من التفائل ونقول مع النبي ص: {غدا نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَنَا}.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالين
عباد الله:
بعد عرض معركة الخندق العظيمة،والتي كانت آخر سلسلة الهجوم الظالم الغاشم على المؤمنين،وظهر في هذه المعكرة طاعة الصحابة ي للنبي ص،وظهر فيها شجاعتهم، وصبرهم، كما ظهر نفاق المنافقين،وانكشف الغطاء عن زيف المبطلين الكاذبين.
عباد الله:
دخل النبي ص المدينة ووضع السلاح فجاءه جبريل # وهو يغتسل في بيت أم سلمة،فقال: أوقد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: نعم فقال جبريل: فما وضعت الملائكة السلاح بعد وما رجعت الآن إلا من طلب القوم إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذناً فأذن في الناس من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة.
وسنقف في خطبة قادمة إن شاء الله مع ما حصل مع بني قريظة.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى