رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفات مع السيرة النبوية 42 ـ غزوة الخندق 3 ـ أحداث فلسطين ولبنان
التأريخ: 25/6/1427هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71]. أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
وبعد وصف حفر الخندق واستعداد المسلمين لخوض غمار هذه المعركة الفاصلة،وبلوغ خبر خيانة بني قريظة،وانتشار الخبر بين المسلمين،فبلغت القلوب الحناجر،وصدق فيهم وصف الله جل وعلا ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾ [الأحزاب 10،11]. وظهر النفاق في أسوء صوره وأخس طباعه.()
وإن الآية السابقة لتظهر لنا (صورة الهول الذي روع المدينة، والكرب الذي شملها، والذي لم ينج منه أحد من أهلها. وقد أطبق عليها المشركون من قريش وغطفان واليهود من بني قريظة من كل جانب. من أعلاها ومن أسفلها. فلم يختلف الشعور بالكرب والهول في قلب عن قلب؛ وإنما الذي اختلف هو استجابة تلك القلوب، وظنها بالله، وسلوكها في الشدة، وتصوراتها للقيم والأسباب والنتائج. ومن ثم كان الابتلاء كاملاً والامتحان دقيقاً. والتمييز بين المؤمنين والمنافقين حاسماً لا تردد فيه.
وننظر اليوم فنرى الموقف بكل سماته، وكل انفعالاته، وكل خلجاته، وكل حركاته، ماثلاً أمامنا كأننا نراه من خلال هذا النص القصير.
ننظر فنرى الموقف من خارجه: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم}..
ثم ننظر فنرى أثر الموقف في النفوس: {وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر}.. وهو تعبير مصور لحالة الخوف والكربة والضيق، يرسمها بملامح الوجوه وحركات القلوب.
{وتظنون بالله الظنونا}.. ولا يفصل هذه الظنون. ويدعها مجملة ترسم حالة الاضطراب في المشاعر والخوالج، وذهابها كل مذهب، واختلاف التصورات في شتى القلوب.
ثم تزيد سمات الموقف بروزاً، وتزيد خصائص الهول فيه وضوحاً: {هنالك ابتُلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً}.. والهول الذي يزلزل المؤمنين لا بد أن يكون هولاً مروعاً رعيباً.) ()
قال الشيخ محمد الغزالي /: (إن معركة الأحزاب لم تكن معركة خسائر بل معركة أعصاب.
فقتلى الفريقين من المؤمنين والكفار يعدون على الأصابع، ومع تلك الحقيقة فهي من أحسم المعارك في تاريخ الإسلام؛ إذ إن مصير هذه الرسالة العظمى كان فيها أشبه بمصير رجل يمشي على حافة قمة سامقة، أو حبل ممدود، فلو اختل توازنه لحظة وفقد السيطرة على موقفه، لهوى من مرتفعه إلى وادٍ سحيق، ممزق الأعضاء، ممزع الأشلاء! ولقد أمسى المسلمون وأصبحوا فإذا هم كالجزيرة المنقطعة وسط طوفان يتهددها بالغرق ليلاً أو نهاراً. وبين الحين والحين يتطلع المدافعون: هل اقتحمت خطوطهم في ناحية ما من منطقة الدفاع؟ وكان المشركون يدورون حول المدينة غضاباً يتحسسون نقطة لينحدروا منها فينفسوا عن حنقهم المكتوم، ويقطِّعوا أوصال هذا الدين الثائر.
وعرف المسلمون ما يتربص بهم وراء هذا الحصار، فقرروا أن يرابطوا في مكانهم ينضحون بالنبل كل مقترب، ويتحملون لأواء هذه الحراسة التي تنتظم السهل والجبل، وتتسع ثغورها يوماً بعد يوم) ()
قال ابن إسحاق: ولما فرغ رسول الله @ من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف وزغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وأهل تهامة وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نقمي إلى جانب أحد وخرج رسول الله @والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم.
عباد الله:
كان النبي ص سياسيا محنكا،فحاول فت عضد الأحزاب،وتفريق هذا الجيش العرمرم، فخطط لصلح مع غطفان اللذين جاؤوا من أجل تمر خيبر، بأن يعطيهم التمر بلا قتال على أن يرجعوا.
قال ابن هشام /: فلما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله @ إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر والى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه فجرى بينه وبينهما الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك [مجرد تفاهم مبدئي] فلما أراد رسول الله @ أن يفعل بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر لهما واستشارهما فيه فقالا له: يا رسول الله أمراً تحبه فنصنعه أم شيئاً أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم شيئاً تصنعه لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعاً أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا! والله ما لنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم قال رسول الله @ فأنت وذاك فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال: ليجهدوا علينا.
عباد الله:
لم يكن الموقف سهلا على الصحابة ي،ولكنهم صبروا في ذات الله،قال الشيخ الغزالي يصف الموقف: (ورأى رسول الله ما بالناس من البلاء والكرب، فجعل يبشرهم ويقول: والذي نفسي بيده ليفرجنّ عنكم ما ترون من الشدة! وإني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق آمناً، وأن يدفع الله إليّ مفاتيح الكعبة! وليهلكن الله كسرى وقيصر، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله.
ووقع ثقل المقاومة على أصحاب الإيمان الراسخ والنجدة الرائعة. كان عليهم أن يكبتوا مظاهر القلق التي انبعثت وتكاثرت في النفوس الخوارة الهلوع، وأن يشيعوا موجة من الإقدام والشجاعة تغلب أو توقف نزعات الجبن والتردد التي بدت هنا وهنالك. وطبائع النفوس تتفاوت تفاوتاً كبيراً لدى الأزمات العضوض.
منها الهش الذي سرعان ما يذوب ويحمله التيار معه كما تحمل المياه الغثاء والأوحال.
ومنها الصلب الذي تمر به العواصف المجتاحة، فتنكسر حدَّتها على متنه وتتحول رغوة خفيفة وزَبَداً.
أجل من الناس من يهجم على الشدائد ليأخذها قبل أن تأخذه. وعلى لسانه قول الشاعر:
تأخرتُ أستبقي الحياةَ فلم أجدْ لِنفسي حياةً مِثل أن أتقدَّما
ومنهم من إذا مسه الفزع طاش لبه فولّى الأدبار. وكلما هاجه طلب الحياة وحب البقاء أوغل في الفرار.
وقد نعى القرآن الكريم على هذا الصنف الجزوع موقفه في معركة الأحزاب فقال: ((قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمْ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا. قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنْ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا)).
وعندما حاولت قريش اقتحام الخندق، وعندما حاولت احتلال موقع النبي، وعندما عجمت عود المرابطين تبحث عن نقطة رخوة؛ لتثب منها إلى قلب المدينة، كان أولئك المؤمنون الراسخون سراعاً إلى داعي الفداء، يجيئون من كل صوب ليستيقن العدو أن دون مرامه الأهوال.
عباد الله:
أحكم أهل الخندق الحصار على المدينة،ولم يستطيعوا دخول المدينة،إلا أن بعض الخيالة حاولوا القفز.
قال ابن إسحاق: ثم تيمموا مكاناً ضيقاً من الخندق فضربوا خيلهم فاقتحمت منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع وخرج علي بن أبي طالب ا في نفر معه من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد يوم أحد فلما يوم الخندق خرج معلماً ليرى مكانه فلما وقف هو وخيله قال: من يبارز؟ فبرز له علي بن أبي طالب فقال له: يا عمرو إنك قد كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه قال له: أجل قال له علي: فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام قال: لا حاجة لي بذلك قال: فإني أدعوك إلى النزال فقال له: لم يابن أخي؟ فوالله ما أحب أن أقتلك قال له علي: لكني والله أحب أن أقتلك فحمي عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا فقتله علي رضي الله عنه وخرجت خيلهم منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة.
وأقبل على الخندق أسد من أسود الإسلام وهو الصحابي الجليل سعد بن معاذ ا وهو يردد:
لبث قليلاً يشهد الهيجا جمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل
ثم إن رجلا يقال له ابن العرقة رماه فأصابه في أكْحَلَه ()، وهو يقول: خذها مني وأنا ابن العرقة فقال له سعد: عرق الله وجهك في النار، اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه اللهم وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.
قال ابن هشام: ويقال إن الذي رمى سعداً خفاجة بن عاصم بن حبان.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله إمام المتقين وقائد المجاهدين، وآله الطيبين الطاهرين أما بعد:
فيا عباد الله:
إن أمريكا ومن خلفها إسرائيل تحارب أمة قوية لها حضارة ضاربه في أطناب التأريخ،وليست تحارب أمة هزيلة العقائد ضيفة المبادئ،ولكن هذه الأمة تائهة،ولها يوم لا محالة تعود للطريق،ومن تأمل التأريخ وجد أن الأمة مرت في أوقات أشد من هذه الأوقات ولكنها عادت للنهوض لما عادت لربها وكفرت بكل المبادئ الضالة المنحرفة،وقد صدق الشيخ محمد الغزالي / لما قال: (إذا لم يعتنق العرب الإسلام,وينتموا إليه ظاهراً وباطنـاً, فلينتظروا خسفاً ومسخاً ومذابح أخرى).
عباد الله:
إن لنا إخوانا في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان والشيشان يذبحون،لأنهم مسلمون، فلا تبخلوا على أنفسكم بالدعاء لهم،لعل الله أن يرفع عنهم،وأن لا يبتلينا بما ابتلاهم به.
وقفات مع السيرة النبوية 42 ـ غزوة الخندق 3 ـ أحداث فلسطين ولبنان
التأريخ: 25/6/1427هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71]. أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
وبعد وصف حفر الخندق واستعداد المسلمين لخوض غمار هذه المعركة الفاصلة،وبلوغ خبر خيانة بني قريظة،وانتشار الخبر بين المسلمين،فبلغت القلوب الحناجر،وصدق فيهم وصف الله جل وعلا ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾ [الأحزاب 10،11]. وظهر النفاق في أسوء صوره وأخس طباعه.()
وإن الآية السابقة لتظهر لنا (صورة الهول الذي روع المدينة، والكرب الذي شملها، والذي لم ينج منه أحد من أهلها. وقد أطبق عليها المشركون من قريش وغطفان واليهود من بني قريظة من كل جانب. من أعلاها ومن أسفلها. فلم يختلف الشعور بالكرب والهول في قلب عن قلب؛ وإنما الذي اختلف هو استجابة تلك القلوب، وظنها بالله، وسلوكها في الشدة، وتصوراتها للقيم والأسباب والنتائج. ومن ثم كان الابتلاء كاملاً والامتحان دقيقاً. والتمييز بين المؤمنين والمنافقين حاسماً لا تردد فيه.
وننظر اليوم فنرى الموقف بكل سماته، وكل انفعالاته، وكل خلجاته، وكل حركاته، ماثلاً أمامنا كأننا نراه من خلال هذا النص القصير.
ننظر فنرى الموقف من خارجه: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم}..
ثم ننظر فنرى أثر الموقف في النفوس: {وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر}.. وهو تعبير مصور لحالة الخوف والكربة والضيق، يرسمها بملامح الوجوه وحركات القلوب.
{وتظنون بالله الظنونا}.. ولا يفصل هذه الظنون. ويدعها مجملة ترسم حالة الاضطراب في المشاعر والخوالج، وذهابها كل مذهب، واختلاف التصورات في شتى القلوب.
ثم تزيد سمات الموقف بروزاً، وتزيد خصائص الهول فيه وضوحاً: {هنالك ابتُلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً}.. والهول الذي يزلزل المؤمنين لا بد أن يكون هولاً مروعاً رعيباً.) ()
قال الشيخ محمد الغزالي /: (إن معركة الأحزاب لم تكن معركة خسائر بل معركة أعصاب.
فقتلى الفريقين من المؤمنين والكفار يعدون على الأصابع، ومع تلك الحقيقة فهي من أحسم المعارك في تاريخ الإسلام؛ إذ إن مصير هذه الرسالة العظمى كان فيها أشبه بمصير رجل يمشي على حافة قمة سامقة، أو حبل ممدود، فلو اختل توازنه لحظة وفقد السيطرة على موقفه، لهوى من مرتفعه إلى وادٍ سحيق، ممزق الأعضاء، ممزع الأشلاء! ولقد أمسى المسلمون وأصبحوا فإذا هم كالجزيرة المنقطعة وسط طوفان يتهددها بالغرق ليلاً أو نهاراً. وبين الحين والحين يتطلع المدافعون: هل اقتحمت خطوطهم في ناحية ما من منطقة الدفاع؟ وكان المشركون يدورون حول المدينة غضاباً يتحسسون نقطة لينحدروا منها فينفسوا عن حنقهم المكتوم، ويقطِّعوا أوصال هذا الدين الثائر.
وعرف المسلمون ما يتربص بهم وراء هذا الحصار، فقرروا أن يرابطوا في مكانهم ينضحون بالنبل كل مقترب، ويتحملون لأواء هذه الحراسة التي تنتظم السهل والجبل، وتتسع ثغورها يوماً بعد يوم) ()
قال ابن إسحاق: ولما فرغ رسول الله @ من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف وزغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وأهل تهامة وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نقمي إلى جانب أحد وخرج رسول الله @والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم.
عباد الله:
كان النبي ص سياسيا محنكا،فحاول فت عضد الأحزاب،وتفريق هذا الجيش العرمرم، فخطط لصلح مع غطفان اللذين جاؤوا من أجل تمر خيبر، بأن يعطيهم التمر بلا قتال على أن يرجعوا.
قال ابن هشام /: فلما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله @ إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر والى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه فجرى بينه وبينهما الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك [مجرد تفاهم مبدئي] فلما أراد رسول الله @ أن يفعل بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر لهما واستشارهما فيه فقالا له: يا رسول الله أمراً تحبه فنصنعه أم شيئاً أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم شيئاً تصنعه لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعاً أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا! والله ما لنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم قال رسول الله @ فأنت وذاك فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال: ليجهدوا علينا.
عباد الله:
لم يكن الموقف سهلا على الصحابة ي،ولكنهم صبروا في ذات الله،قال الشيخ الغزالي يصف الموقف: (ورأى رسول الله ما بالناس من البلاء والكرب، فجعل يبشرهم ويقول: والذي نفسي بيده ليفرجنّ عنكم ما ترون من الشدة! وإني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق آمناً، وأن يدفع الله إليّ مفاتيح الكعبة! وليهلكن الله كسرى وقيصر، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله.
ووقع ثقل المقاومة على أصحاب الإيمان الراسخ والنجدة الرائعة. كان عليهم أن يكبتوا مظاهر القلق التي انبعثت وتكاثرت في النفوس الخوارة الهلوع، وأن يشيعوا موجة من الإقدام والشجاعة تغلب أو توقف نزعات الجبن والتردد التي بدت هنا وهنالك. وطبائع النفوس تتفاوت تفاوتاً كبيراً لدى الأزمات العضوض.
منها الهش الذي سرعان ما يذوب ويحمله التيار معه كما تحمل المياه الغثاء والأوحال.
ومنها الصلب الذي تمر به العواصف المجتاحة، فتنكسر حدَّتها على متنه وتتحول رغوة خفيفة وزَبَداً.
أجل من الناس من يهجم على الشدائد ليأخذها قبل أن تأخذه. وعلى لسانه قول الشاعر:
تأخرتُ أستبقي الحياةَ فلم أجدْ لِنفسي حياةً مِثل أن أتقدَّما
ومنهم من إذا مسه الفزع طاش لبه فولّى الأدبار. وكلما هاجه طلب الحياة وحب البقاء أوغل في الفرار.
وقد نعى القرآن الكريم على هذا الصنف الجزوع موقفه في معركة الأحزاب فقال: ((قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمْ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا. قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنْ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا)).
وعندما حاولت قريش اقتحام الخندق، وعندما حاولت احتلال موقع النبي، وعندما عجمت عود المرابطين تبحث عن نقطة رخوة؛ لتثب منها إلى قلب المدينة، كان أولئك المؤمنون الراسخون سراعاً إلى داعي الفداء، يجيئون من كل صوب ليستيقن العدو أن دون مرامه الأهوال.
عباد الله:
أحكم أهل الخندق الحصار على المدينة،ولم يستطيعوا دخول المدينة،إلا أن بعض الخيالة حاولوا القفز.
قال ابن إسحاق: ثم تيمموا مكاناً ضيقاً من الخندق فضربوا خيلهم فاقتحمت منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع وخرج علي بن أبي طالب ا في نفر معه من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد يوم أحد فلما يوم الخندق خرج معلماً ليرى مكانه فلما وقف هو وخيله قال: من يبارز؟ فبرز له علي بن أبي طالب فقال له: يا عمرو إنك قد كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه قال له: أجل قال له علي: فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام قال: لا حاجة لي بذلك قال: فإني أدعوك إلى النزال فقال له: لم يابن أخي؟ فوالله ما أحب أن أقتلك قال له علي: لكني والله أحب أن أقتلك فحمي عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا فقتله علي رضي الله عنه وخرجت خيلهم منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة.
وأقبل على الخندق أسد من أسود الإسلام وهو الصحابي الجليل سعد بن معاذ ا وهو يردد:
لبث قليلاً يشهد الهيجا جمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل
ثم إن رجلا يقال له ابن العرقة رماه فأصابه في أكْحَلَه ()، وهو يقول: خذها مني وأنا ابن العرقة فقال له سعد: عرق الله وجهك في النار، اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه اللهم وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.
قال ابن هشام: ويقال إن الذي رمى سعداً خفاجة بن عاصم بن حبان.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله إمام المتقين وقائد المجاهدين، وآله الطيبين الطاهرين أما بعد:
فيا عباد الله:
إن أمريكا ومن خلفها إسرائيل تحارب أمة قوية لها حضارة ضاربه في أطناب التأريخ،وليست تحارب أمة هزيلة العقائد ضيفة المبادئ،ولكن هذه الأمة تائهة،ولها يوم لا محالة تعود للطريق،ومن تأمل التأريخ وجد أن الأمة مرت في أوقات أشد من هذه الأوقات ولكنها عادت للنهوض لما عادت لربها وكفرت بكل المبادئ الضالة المنحرفة،وقد صدق الشيخ محمد الغزالي / لما قال: (إذا لم يعتنق العرب الإسلام,وينتموا إليه ظاهراً وباطنـاً, فلينتظروا خسفاً ومسخاً ومذابح أخرى).
عباد الله:
إن لنا إخوانا في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان والشيشان يذبحون،لأنهم مسلمون، فلا تبخلوا على أنفسكم بالدعاء لهم،لعل الله أن يرفع عنهم،وأن لا يبتلينا بما ابتلاهم به.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى