رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
الأمر بالمعروف - الأخوة الإسلامية
التأريخ: 18/2/1430هـ
المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قطب الدين وعليه مدار رحى الملة الإبراهيمية والديانة المحمدية، واعلموا أن الاحتساب واجب على كل مسلم، ومن تركه فهو آثم عاص مقصر، فويل لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد روي عن النبي ص أنه قال:"والذي نفسي بيده؛ لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر؛ أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده، ثم لتدعنه؛ فلا يستجاب لكم."حسنه الألباني ()
عباد الله:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمارة الإسلام وعلامة الإيمان (( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) [التوبة:71]
فوعد الله الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بالرحمة، وهذا فيه وعيد لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعياذ بالله.
عباد الله:
الأمر بالمعروف سبيل لنجاة الأمة من غضب الله ونقمته، وسبيل لإشاعة الخير والفضيلة، ومحاربة الشر والرذيلة، ولذا كان القطب الأعظم في ديننا، وهو مهنة ومهمة الأنبياء والأولياء والصالحين، بل لقد عده الأئمة المرضين من أركان الدين، كل ذلك لما يشتمل عليه من الفضل العظيم والخير العميم والفوائد والمصالح العاجلة والآجلة في الدنيا والآخرة، بل لقد حصر الله بعث الأمة المحمدية بالاحتساب فقال جل شأنه وتقدست أسماؤه: (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.. )) [آل عمران:110]
عباد الله:
إن أعظم مقصود للولاية الدينية والدنيوية هو الاحتساب قال شيخ الإسلام /: وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ()، والولاية الدينية كالقضاء والفتوى، والولاية الدنيوية كمنصب الإمارة أو الملك، فإنما جعل الله هذه المناصب خاصة منصب الإمارة للأمر بالمعروف فمتى ترك الحاكم الأمر بالمعروف فقد أخل بمقصود هذا المنصب، ولابد في الدولة الإسلامية من ولاية للحسبة بمعناها الشامل، وأي دولة تترك هذه الولاية فليست دولة إسلامية.
عباد الله:
المقصود بالأمر بالمعروف هو الأمر بكل ما يحبه الله ورسوله من العقائد والأخلاق والأقوال والأفعال وجميع شرائع الإسلام الظاهرة والباطنة، ومنها الواجب كالإيمان بالله والصلاة المفروضة والصيام الواجب، والصلاة في جماعة المسلمين، ومنها المستحب كصلاة السنن، وحسن الخلق، والمنكر كل ما يبغضه الله ورسوله من الأفعال والأقوال والعقائد، ومنها المحرمات كالشرك بالله والابتداع في الدين والكذب والغش في السلع، والفجور، ومنها المكروهات كسوء الخلق أعاذنا الله وإياكم منها.
قال شيخ الإسلام /: بل الدين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا قوام لأحدهما إلا بصاحبه ().
وبعد هذا البيان المختصر عن واجب الأمر بالمعروف أحب أن أعرج على أمر مهم ألا وهو دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلاد التوحيد المملكة العربية السعودية فقد صدر مرسوم ملكي يبين اختصاص الهيئات وواجباتها ومما ورد فيه:
المادة التاسعة:
من أهم واجِبات هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر إرشاد الناس ونُصحِهم لإتباع الواجِبات الدينية المُقرَّرة في الشريعة الإسلامية وحمل الناس على أدائها، وكذلك النهي عن المُنكر بما يحول دون ارتِكاب المُحرمات والممنوعات شرعاً أو إتِباع العادات والتقاليد السيئة أو البِّدع المُنكرة، ولها في سبيل ذلك كُلِه اتِخاذ الإجراءات وتوقيع العقوبات المنصوص عليها في هذا النِظام.
المادة العاشرة:
على الهيئات القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر بكُل حزم وعزم مُستنِدة إلى ما ورد في كتاب الله وسُنة رسوله ومُقتدين بسيرته – ^ – وخُلفائه الراشدين من بعدِه والأئمة المُصلحين في تحديد الواجِبات والممنوعات، وطُرق إنكارِها وأخذ الناس بالتي هي أحسن، مع استهداف المقاصِد الشرعية في إصلاحِهم.
المادة الحادية عشرة:
تقوم هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر بضبط مُرتكبي المُحرمات أو المُتهمين بذلك، أو المُتهاونين بواجبات الشريعة الإسلامية والتحقيق معهُم، ....
المادة الثانية عشرة:
للهيئة حق المُشاركة في مُراقبة الممنوعات مما له تأثير على العقائد أو السلوك أو الآداب العامة مع الجهات المُختصة..... ()
وبعد ذكر هذه المواد المبينة لعمل الهيئات والصادرة بالأمر الملكي يستغرب المرءُ الهجومَ السافر َعلى الهيئات خاصة أن هذا الهجوم في صحفنا السعودية وآخره ما ورد في جريدة الرياض يوم الأربعاء المنصرم ومنه قول محرر الرياض: (..ويحتم ضرورة التدخل في أوضاع هذا الجهاز الذي أصبح مضايقاً للناس..)!!!.
بلا شك أن جهاز الهيئة يضايق أهل الفجور ولكنه صمام أمان للمسلمين (( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ.. )) [التوبة:67]
أخيرا يا عباد الله ننبه على أمور:
أولها:على المحتسب الرفق بالناس قال شيخ الإسلام: والرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا قيل:ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر ().
وهذا كمن تأخر عن الصلاة في جماعة المسلمين، أو فعل منكر لضعف نفسه وهو مستحي خجلان ندمان فمثل هذا تقال عثرته وتستر زلته وينصح بأرق عبارة وألطف إشارة، أما من جاهر بترك الصلوات أو إيذاء خلق الله بالفجور كمن أقام دورا للزنا أو صنع الخمور، أو من ثبت عليه الزنا أو اللواط، أو تحرش ببنات المسلمين، أو خرجت المرأة سافرة عن شعرها مبدية زينتها، ونحو هذا فيجب الأخذ على يديه والغلظة له حفظا للمجتمع من مثله (( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ )) [النور:2].
ثانيا: يجب أن نفرق بين احتساب عوام المسلمين من أمثالنا فليس لنا إلا الرفق والنصح، والاحتساب باللسان بالحسنى أو بالقلب عند العجز قال تعالى:(( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى )) [طه43:44] وهذا من أعظم الاحتساب، أما ولي الحسبة (وهو عضو الهيئة) فهو يقّدر المصلحة ويعمل بما يراه أنسب وله الاحتساب باليد واللسان، ولا يجوز له الاحتساب بالقلب إلا في حالة عجزه التام.
ثالثا: أحذر كل التحذير وأنهى كل النهي لمن آمن بالله أن يلمز المحتسب بأنه فضولي أو ملقوف أو يتدخل فيما لا يعنيه، فهذه كلمة عظمة وجرمها كبير جدا قال ابن نجيم الحنفي /: (وَيُخَافُ الْكُفْرُ على من قال لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ غَوْغًا على وَجْهِ الرَّدِّ وَالْإِنْكَارِ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ له فُضُولِيٌّ) ونصره ابن عابدين في حاشيته، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يعني كل مسلم.
رابعا: أهل الحسبة يبذلون جهودا مضنية جبارة تذكر فتشكر فينبغي أن يشجعوا ماديا ومعنويا وأن يكف عن تضخيم أخطائهم، والعاملون في هذا الميدان من خيار الناس - فيما نحسب - ولا يمنعنا هذا من مناصحة من أخطأ منهم بالحسنى، وهذا الجهاز كغيره من أجهزة الدولة تجري عليه الأخطاء فالواجب تقويمه وإعانته لا هدمه ولعنه وشتمه.
من الذي ما ساء قط؟ ومن له الحسنى فقط
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.. )) [الحجرات:10] والصلاة والسلام على عبده ورسوله القائل: (أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ)، وبعد:
فإن أخوة الإسلام هي روح الإيمان القوي، ولباب المشاعر الفياضة و الأحاسيس المرهفة التي يكنها المسلم لإخوانه في العقيدة، حتى أنه ليحيا بهم، ويعيش معهم وفيهم، فكأنهم جميعا أغصان تفرعت من دوحة وانبثقت من أصل واحد، تضمحل معه فوارق الأجناس والألوان وتتوارى من خلاله التميزات العرقية وتموت العصبيات القومية والفوارق الجنسية لتبقى القاعدة الكبرى التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي هي قاعدة الإيمان وراية الإسلام وعنوانها المحبة في الله ().
ولقد تكررت الأحاديث النبوية الشريفة في تأصيل هذا المعنى النبيل قال ص:((الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ)) صححه الألباني. وقال النبي r: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)) متفق عليه.
فيجب علينا إظهار هذا الشعار العظيم الذي جعله النبي ص أوثق عرى الإيمان، ولقد حز في نفسي أن استكثر بعض الفضلاء أن نتحدث عن مجزرة غزة في أربع خطب، أما والله لو بقينا نتحدث عن غزة في مئة خطبة لما كان هذا كثيرا على إخواننا، وهذا أقل الواجب، فإن اليهود لو تمكنوا من فلسطين لاكتسحوا باقي الدول المتاخمة لهم، وأطماعهم في بلادنا معروفة مشهورة، وما زالوا يرددون أن موطنهم الأصلي في مدينة رسول الله، فأهل غزة يخوضون حربا نيابة عن الأمة جمعاء فيجب علينا الوقوف معهم ونصرتهم بكل ما نستطيع.
الأمر بالمعروف - الأخوة الإسلامية
التأريخ: 18/2/1430هـ
المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قطب الدين وعليه مدار رحى الملة الإبراهيمية والديانة المحمدية، واعلموا أن الاحتساب واجب على كل مسلم، ومن تركه فهو آثم عاص مقصر، فويل لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد روي عن النبي ص أنه قال:"والذي نفسي بيده؛ لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر؛ أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده، ثم لتدعنه؛ فلا يستجاب لكم."حسنه الألباني ()
عباد الله:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمارة الإسلام وعلامة الإيمان (( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) [التوبة:71]
فوعد الله الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بالرحمة، وهذا فيه وعيد لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعياذ بالله.
عباد الله:
الأمر بالمعروف سبيل لنجاة الأمة من غضب الله ونقمته، وسبيل لإشاعة الخير والفضيلة، ومحاربة الشر والرذيلة، ولذا كان القطب الأعظم في ديننا، وهو مهنة ومهمة الأنبياء والأولياء والصالحين، بل لقد عده الأئمة المرضين من أركان الدين، كل ذلك لما يشتمل عليه من الفضل العظيم والخير العميم والفوائد والمصالح العاجلة والآجلة في الدنيا والآخرة، بل لقد حصر الله بعث الأمة المحمدية بالاحتساب فقال جل شأنه وتقدست أسماؤه: (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.. )) [آل عمران:110]
عباد الله:
إن أعظم مقصود للولاية الدينية والدنيوية هو الاحتساب قال شيخ الإسلام /: وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ()، والولاية الدينية كالقضاء والفتوى، والولاية الدنيوية كمنصب الإمارة أو الملك، فإنما جعل الله هذه المناصب خاصة منصب الإمارة للأمر بالمعروف فمتى ترك الحاكم الأمر بالمعروف فقد أخل بمقصود هذا المنصب، ولابد في الدولة الإسلامية من ولاية للحسبة بمعناها الشامل، وأي دولة تترك هذه الولاية فليست دولة إسلامية.
عباد الله:
المقصود بالأمر بالمعروف هو الأمر بكل ما يحبه الله ورسوله من العقائد والأخلاق والأقوال والأفعال وجميع شرائع الإسلام الظاهرة والباطنة، ومنها الواجب كالإيمان بالله والصلاة المفروضة والصيام الواجب، والصلاة في جماعة المسلمين، ومنها المستحب كصلاة السنن، وحسن الخلق، والمنكر كل ما يبغضه الله ورسوله من الأفعال والأقوال والعقائد، ومنها المحرمات كالشرك بالله والابتداع في الدين والكذب والغش في السلع، والفجور، ومنها المكروهات كسوء الخلق أعاذنا الله وإياكم منها.
قال شيخ الإسلام /: بل الدين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا قوام لأحدهما إلا بصاحبه ().
وبعد هذا البيان المختصر عن واجب الأمر بالمعروف أحب أن أعرج على أمر مهم ألا وهو دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلاد التوحيد المملكة العربية السعودية فقد صدر مرسوم ملكي يبين اختصاص الهيئات وواجباتها ومما ورد فيه:
المادة التاسعة:
من أهم واجِبات هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر إرشاد الناس ونُصحِهم لإتباع الواجِبات الدينية المُقرَّرة في الشريعة الإسلامية وحمل الناس على أدائها، وكذلك النهي عن المُنكر بما يحول دون ارتِكاب المُحرمات والممنوعات شرعاً أو إتِباع العادات والتقاليد السيئة أو البِّدع المُنكرة، ولها في سبيل ذلك كُلِه اتِخاذ الإجراءات وتوقيع العقوبات المنصوص عليها في هذا النِظام.
المادة العاشرة:
على الهيئات القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر بكُل حزم وعزم مُستنِدة إلى ما ورد في كتاب الله وسُنة رسوله ومُقتدين بسيرته – ^ – وخُلفائه الراشدين من بعدِه والأئمة المُصلحين في تحديد الواجِبات والممنوعات، وطُرق إنكارِها وأخذ الناس بالتي هي أحسن، مع استهداف المقاصِد الشرعية في إصلاحِهم.
المادة الحادية عشرة:
تقوم هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر بضبط مُرتكبي المُحرمات أو المُتهمين بذلك، أو المُتهاونين بواجبات الشريعة الإسلامية والتحقيق معهُم، ....
المادة الثانية عشرة:
للهيئة حق المُشاركة في مُراقبة الممنوعات مما له تأثير على العقائد أو السلوك أو الآداب العامة مع الجهات المُختصة..... ()
وبعد ذكر هذه المواد المبينة لعمل الهيئات والصادرة بالأمر الملكي يستغرب المرءُ الهجومَ السافر َعلى الهيئات خاصة أن هذا الهجوم في صحفنا السعودية وآخره ما ورد في جريدة الرياض يوم الأربعاء المنصرم ومنه قول محرر الرياض: (..ويحتم ضرورة التدخل في أوضاع هذا الجهاز الذي أصبح مضايقاً للناس..)!!!.
بلا شك أن جهاز الهيئة يضايق أهل الفجور ولكنه صمام أمان للمسلمين (( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ.. )) [التوبة:67]
أخيرا يا عباد الله ننبه على أمور:
أولها:على المحتسب الرفق بالناس قال شيخ الإسلام: والرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا قيل:ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر ().
وهذا كمن تأخر عن الصلاة في جماعة المسلمين، أو فعل منكر لضعف نفسه وهو مستحي خجلان ندمان فمثل هذا تقال عثرته وتستر زلته وينصح بأرق عبارة وألطف إشارة، أما من جاهر بترك الصلوات أو إيذاء خلق الله بالفجور كمن أقام دورا للزنا أو صنع الخمور، أو من ثبت عليه الزنا أو اللواط، أو تحرش ببنات المسلمين، أو خرجت المرأة سافرة عن شعرها مبدية زينتها، ونحو هذا فيجب الأخذ على يديه والغلظة له حفظا للمجتمع من مثله (( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ )) [النور:2].
ثانيا: يجب أن نفرق بين احتساب عوام المسلمين من أمثالنا فليس لنا إلا الرفق والنصح، والاحتساب باللسان بالحسنى أو بالقلب عند العجز قال تعالى:(( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى )) [طه43:44] وهذا من أعظم الاحتساب، أما ولي الحسبة (وهو عضو الهيئة) فهو يقّدر المصلحة ويعمل بما يراه أنسب وله الاحتساب باليد واللسان، ولا يجوز له الاحتساب بالقلب إلا في حالة عجزه التام.
ثالثا: أحذر كل التحذير وأنهى كل النهي لمن آمن بالله أن يلمز المحتسب بأنه فضولي أو ملقوف أو يتدخل فيما لا يعنيه، فهذه كلمة عظمة وجرمها كبير جدا قال ابن نجيم الحنفي /: (وَيُخَافُ الْكُفْرُ على من قال لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ غَوْغًا على وَجْهِ الرَّدِّ وَالْإِنْكَارِ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ له فُضُولِيٌّ) ونصره ابن عابدين في حاشيته، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يعني كل مسلم.
رابعا: أهل الحسبة يبذلون جهودا مضنية جبارة تذكر فتشكر فينبغي أن يشجعوا ماديا ومعنويا وأن يكف عن تضخيم أخطائهم، والعاملون في هذا الميدان من خيار الناس - فيما نحسب - ولا يمنعنا هذا من مناصحة من أخطأ منهم بالحسنى، وهذا الجهاز كغيره من أجهزة الدولة تجري عليه الأخطاء فالواجب تقويمه وإعانته لا هدمه ولعنه وشتمه.
من الذي ما ساء قط؟ ومن له الحسنى فقط
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.. )) [الحجرات:10] والصلاة والسلام على عبده ورسوله القائل: (أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ)، وبعد:
فإن أخوة الإسلام هي روح الإيمان القوي، ولباب المشاعر الفياضة و الأحاسيس المرهفة التي يكنها المسلم لإخوانه في العقيدة، حتى أنه ليحيا بهم، ويعيش معهم وفيهم، فكأنهم جميعا أغصان تفرعت من دوحة وانبثقت من أصل واحد، تضمحل معه فوارق الأجناس والألوان وتتوارى من خلاله التميزات العرقية وتموت العصبيات القومية والفوارق الجنسية لتبقى القاعدة الكبرى التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي هي قاعدة الإيمان وراية الإسلام وعنوانها المحبة في الله ().
ولقد تكررت الأحاديث النبوية الشريفة في تأصيل هذا المعنى النبيل قال ص:((الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ)) صححه الألباني. وقال النبي r: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)) متفق عليه.
فيجب علينا إظهار هذا الشعار العظيم الذي جعله النبي ص أوثق عرى الإيمان، ولقد حز في نفسي أن استكثر بعض الفضلاء أن نتحدث عن مجزرة غزة في أربع خطب، أما والله لو بقينا نتحدث عن غزة في مئة خطبة لما كان هذا كثيرا على إخواننا، وهذا أقل الواجب، فإن اليهود لو تمكنوا من فلسطين لاكتسحوا باقي الدول المتاخمة لهم، وأطماعهم في بلادنا معروفة مشهورة، وما زالوا يرددون أن موطنهم الأصلي في مدينة رسول الله، فأهل غزة يخوضون حربا نيابة عن الأمة جمعاء فيجب علينا الوقوف معهم ونصرتهم بكل ما نستطيع.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى