رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الحمد لله عز فارتفع ، وذل كل
شيء لعظمته وخضع ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، خلق
الخلائق
فأتقن ما صنع ، وشرع الشرائع فأحكم ما شرع ، لا مانع لما أعطى ، ولا معطي
لما منع ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله ، أقام صرح
الفضيلة ورفع ، ودفع أسباب الرذيلة ووضع ، صلى الله عليه وعلى آله
وأصحابه
أهل التقى والحياء والزهد والورع ، ومن سار على نهجهم واتبع ، وسلم
تسليماً
كثيراً . . . أما بعد : فاتقوا الله عباد الله ، فخير الوصايا ، وأفضل
الهدايا ، تقوى رب البرايا ، فتقواه توصد أبواب البلايا ، وتغلق منافذ
الدنايا ، وتحسن ختام المنايا ، قال باسط اليدين بالعطايا : { لِلَّذِينَ
اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ
وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } .
أيها المسلمون : لقد كانت الأمة الإسلامية ، أمة مرضية ، شامخة أبية ،
متمسكة بكتاب ربها ، عاملة بسنة نبيها ، صحيحة في عقائدها ، صالحة في
أعمالها ، حسنة في معاملاتها ، كريمة في أخلاقها ، عزيزة بدينها ، قوية
الشوكة ، جليلة مهيبة ، واليوم ، اليوم يا عباد الله ، تغير أمرها ،
وتبدل
حالها ، واختلت عقائدها ، وفسد كثير من أعمالها ، وتدهورت أخلاقها ،
وجهلت
أمر دينها ، مغلوبة على أمرها ، بسبب ابتعادها عن دينها ، اهتمت بدنياها ،
ونسيت أُخراها ، فتأخرت وتدهورت ، وغُلبت وانهزمت ، تتخبط في ظلمات الجهل
،
تنقاد للخرافات والأوهام ، وأضغاث الأحلام ، فانساقت وراء ترهات العقول ،
وكاذب النقول ، وزخرف القول ،لقد عوقبت الأمة بشر أعمالها ، فذاقت وبال
أمرها ، كل ذلك يا عباد الله ، نتيجة حتمية ، وحقيقة واقعية ، لعدم
استقامتنا على ديننا ، وانحرافنا عن صراط ربنا ، فتعالت الصيحات ،
وارتفعت
الصرخات ، لكثير من الأمراض والأسقام ، والتعديات على الأحكام ، تجرعنا
غصص
الإعراض ، أموراً مهلكة ، وآثاراً مدمرة ، فرحماك ربنا رحماك ، قال ربنا
جل
في علاه : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا
وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً
نُّكْراً } .
عباد الله : ما من ذنب يقع إلا بمعصية ، ولا يرتفع إلا بتوبة ، فالمعاصي
معاول هدم ، وأدوات دفن ، تهدم العقيدة ، وتدفن التوحيد ، والتوبة تجدد
الإيمان ، وتزيد الإحسان ، وتبعث في النفس سراج النور ، ومشعل الحق
والسرور
، لأجل المعاصي والآثام ، والجرائم العظام ، يعاني العالم بأكمله تحديات
متنوعة ، ومصائب متكاثرة ، وآفات مختلفة ، فها هو العالم ينادي ،
مستغيثًا
من ارتفاع معدلات الجريمة ، وكثرة أنواع الجناية ، تدهور في الاقتصاد ،
واحتباس للحرارة في شتى البلاد ، كل ذلك بما كسبت أيدي العباد ، فقر يراد
،
وغلاء يزداد ، تضخم مخيف ، وتمرد سخيف ، ديون
تتراكم ، وويلات تتعاظم ، ألا فلنأخذ من ذلكم العبر والعظات ، والدروس
المهمات ، ألا فلنعلم أن الربا سبب للحرمان من الخيرات ، ومنع الزكاة حبس
عن الأعطيات ، ألا وإن انتشار الفواحش والموبقات ، يؤدي إلى منع الأمطار ،
والخير المدرار ، وموت الدواب والأشجار ، وافتقار الفيافي والقفار ، ألا
وإن أعظم أسباب فقدان الأمن ، وحلول المخاوف والمصائب ، البعد عن المنهج
الإلهي ، والمخالفة للنهج النبوي ، فتسود المعاصي والشنائع ، وتتفشى
الذنوب
والفظائع ، يقول ربنا جل وعلا : { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ *
الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } ، ويقول ربنا
جل
وعلا في كلامه العظيم ، مصورًا لنا واقعا يعانيه مجتمع اليوم : {
وَضَرَبَ
اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا
رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ
فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا
يَصْنَعُونَ } ، اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ،
اللهم ارحمنا بترك المعاصي أبداً ، فضلاً منك ومنَّاً .
عباد الله : ما أحلم الله على عباده ، ما أعظم صبر الله ، ما أطول إمهال
الله ، الله يمهل ولا يهمل ، ولو أنه أخذ الناس بأول الجرم ، وابتداء
الإثم
، ما ترك على الأرض من أحدٍ أبداً ، عدلاً منه وقسطاً ، ولكنه غفور رحيم ،
رؤوف كريم ، قال العزيز العليم : { وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ
لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل
لَّهُم
مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } ، ألا وإن المتأمل في
واقع كثير من الناس اليوم ، ليجد عجباً ، ويهلك كمداً ، ابتعاد عن دين
الله
القويم ، وانحراف عن صراطه المستقيم ، وقوع في فخاخ قنوات مميتة ، وبرامج
مقيتة ، قنوات تدعوا إلى الرذيلة ، وتقتل الفضيلة ، اختلاط بين الفتيان
والفتيات ، في مشاهد مؤلمة ، يُخدش فيها الحياء ،
وتغضب رب الأرض والسماء ، حتى قلد الأبناء والبنات ما شاهدوا ، وتقمصوا
ما
رأوا وأبصروا ، فحصلت الخلوات المحرمة ، والعلاقات المجرمة ، في غفلة من
الآباء والأمهات ، فحصلت فتن ومواجع ، تقض المضاجع ، عصيان وزلل ، فساد
وخلل ، لا ينجو منها إلا من أرد النجاة ، وزهد في هذه الحياة ، واستعد
للقاء الله ، ألا فاتقوا الله أيها الآباء والأمهات ، وقوموا بما أوجب
الله
عليكم من أداء الأمانات ، والاضطلاع بالمسؤوليات ، فارعوا أبناءكم
وبناتكم
، وأدوا أماناتكم ، فقد أمركم بذلك مولاكم ، فقال ربكم : { يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ
أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا
أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ
عَظِيمٌ } .
عباد الله : إن من أعظم المعاصي ضراوة وحدوثاً ، وألماً وإحداثاً ، ضياع
شعيرة الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، في كثير من مجتمعات الإسلام ،
الشعيرة التي أمر بها الملك العلام ، وأمر بها رسول الأنام ، عليه الصلاة
والسلام ، وحاربها كثير من الكُتَّاب ووسائل الإعلام ، دونما حسيب أو
رقيب
، وما كتبوه عن الله لن يغيب ، في صور من الاستهزاء والهذيان ، والسخرية
والاستهجان ، وقد قال الواحد الديان : { قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ
وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم
بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ
طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } ، لقد خرج من كُتَّاب
المسلمين من يستهزئ بهذه الشعيرة وبرجالها ؟ بل طالب بإزالتها وإلغائها ،
فويل لمن كتبوا ، وبئس ما كسبوا ، ولعلها لم تطرق أسماعهم آيات مسطرة
سائدة
، في سورة المائدة ، فقد قال الله تعالى : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ
عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } ، ألا وإن من
الكتاب من يطالب بوقف حلقات تحفيظ كتاب الله واعجباً لهم ، ألا يخافون
الله
من فوقهم ، ألا يخشون أن يخسف بهم ، فلابد من الأخذ على أيدي السفهاء ،
وإلا وقع في الأرض فساد كبير ، وشر مستطير ، تدق معه نواقيس الخطر ،
مؤذنة
بمساوئ وضرر ، تأخذ الصالح والطالح ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : " مَا
مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ، هُمْ أَعَزُّ مِنْهُمْ
وَأَمْنَعُ ، لاَ يُغَيِّرُونَ ، إِلاَّ عَمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ " [
رواه ابن ماجة بسند صحيح ] ، وروى أهل السنن بسند صحيح ، قَالَ صلى الله
عليه وسلم : " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ
يُغَيِّرُوهُ ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ " ، اللهم
ردنا إليك رداً جميلاً ، واجعل لنا ظلاً ظليلاً ، يا ذا الجلال والإكرام .
أيها الإخوة في الله : نسمع بين حين وآخر عن أمراض تنتشر ، وأوبئة تظهر ،
وآخرها هذا الوباء الخطر ، إنفلونزا الخنازير المنتشر ، وقد حذرنا هذا
الأمر ، سيد البشر ، وبين أن سببه في انتشار الفواحش ، وفشو القبائح ، في
حديث عظيم رواه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما حيث قَالَ :
أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : " يَا
مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ
بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ ، لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ
قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ ،
وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الِّذِينَ
مَضَوْا ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا
بِالسِّنِينَ ، وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ
عَلَيْهِمْ
، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ ، إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ
مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ، وَلَمْ
يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ ، إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي
أَيْدِيهِمْ ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ
وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ _ ما لم يطلبوا الخير والسعادة
مما أنزل الله _ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ " [ رواه
ابن
ماجة وحسنه الألباني ] ، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين وقاعدين وراقدين ،
ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين ، يا أرحم الراحمين ، أقول ما سمعتم ،
وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب وخطيئة ، فاستغفروا ربكم
إنه
غفور رحيم .
الحمد لله الكبير المتعال ، أحمده على كل حال ، وأشهد أن لا إله إلا الله
ذو الفضل والنوال ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله عظيم الخلال
والخصال ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله خير صحب وآل ، والتابعين
ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم المآل .
معاشر المسلمين : تجتاح الأرض اليوم أحوال جوية غريبة ، وأجواء طبيعية
عجيبة ، زلازل تكثر ، وأعاصير تنتشر ، وبراكين تدمر ، وذلك دليل وجود
فواحش
عظيمة ، ومعاص جسيمة ، ذنوب عظام ، وجرائم وآثام ، مسلسلات هابطة ،
وبرامج
ساقطة ، تعليم للموسيقى والأغاني ، وقع في القاصي والداني ، منظر سخيف ،
يختلط فيه الشباب بالشابات ، في موقع واحد ، يشاهدهم الملايين ، مشاهد
يغتال فيها الدين ! ولقد تجرأ بعض المسلمين على شرب الخمور بأنواعها ،
والمخدرات بأشكالها ، والتشبه بالكفار ، وبزي الفجار ، ألا يخافون من
الله
الجبار القهار ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " دخلت على عائشة رضي
الله عنها أنا ورجل آخر ، فقال لها الرجل : يا أم المؤمنين حدثينا عن
الزلزلة ، فقالت : إذا استباحوا الزنا ، وشربوا الخمر ، وضربوا بالمآذن ،
غار الله جل وعلا في سمائه ، فقال للأرض : تزلزلي بهم ، فإن تابوا ونزعوا
،
وإلا هدمها عليهم " ، ألا فاتقوا الله عباد الله ، واحذروا غيرة الله ،
وإياكم وغضب الله ، فإن ما طالعتنا به وسائل الإعلام ، من قرب وقوع زلازل
وبراكين ، لهو أمر يندى له الجبين ، آيات يخوف الله بها عباده ، يا عباد
فاتقون ، قال تعالى : { وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً }
وقال تعالى : { وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً
كَبِيراً } . عباد الله : تالله وبالله لسنا بأكرم عند الله من صحابة
رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فقد تزلزلت بهم الأرض في عهد عمر بن الخطاب
رضي
الله عنهم ، فلا غروا أن تأتي التحذيرات بوقوع الزلازل والبراكين ، إذا
عُصي رب العالمين ، فالمعاصي يا عباد الله تقلب الموازين ، وتغير الأوضاع
،
وتبدل الطباع ، الناس اليوم ينتظرون المطر والماء ، والقطر من السماء ،
وإذا به هجير وغبار ، ومناخ سيء وعثار ، رياح عاتية ، وأتربة آتية ،
فلماذا
هذا يا عباد الله ؟ إنه كما قال الله جل شأنه : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم
بَعْضَ
الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ، وقال عز اسمه : { وَمَا
أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن
كَثِيرٍ } ، فلولا لطف الله ورحمته ، وعفوه ومغفرته ، لحصل بالناس شديد
البلاء ، وعظيم الداء ، فإن سألتم عن سبب هذه الكوارث ، وتلك المصائب ،
فالجواب من الله لكم : { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } .
أيها المسلمون : هذه البلايا ، وتلك الرزايا ، التي حلت مواجعها بالعالم
كله ، ووضعت فواجعها على الملأ بأسره ، من فتن ومحن ، وشرور وإحن ، ما هي
إلا نتيجةً حتمية ، وثمرةً حقيقية ، لما تعانيه البشرية ، من بعد عن منهج
رب البرية ، في صورة مخيفة ، من التحدي الإلهي ، والانفلات الديني ،
فالله
الله بالعودة الحميدة لدين الله ، فالله يفرح بتوبتكم ، ويسعد بأوبتكم ،
فالتوبة تقيل العثرات ، وتمحو الزلات ، وتزيل الهفوات ، فتوبوا إلى الله
رب
البريات ، { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ، هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة ،
والنعمة المسداة ، محمد بن عبد الله ، حيث أمركم بذلك ربكم جل في علاه ،
فقال عز من قائل عليماً : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ، اللهم صل وسلم على من بلغ الرسالة ، وأدى
الأمانة ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده ، وارض اللهم عن صحابته
أجمعين ، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام
وانصر المسلمين ، وأذل الشرك ودمر المشركين ، وانصر عبادك المجاهدين ،
اللهم انصر إخواننا المسلمين المجاهدين في سبيلك في كل مكان ، اللهم قوي
عزائمهم ، وثبت أقدامهم ، اللهم عليك بالكفار يا قوي يا جبار ، اللهم
اجعل
كيدهم في تباب ، وسعيهم إلى خراب ، اللهم اشدد عليهم وطأتك ، وارفع عنهم
يدك وعافيتك ، اللهم تابع عليهم النكبات ، واجعل أعمالهم عليهم حسرات ،
اللهم آمنا في دورنا ، وأصلح ولاة أمورنا ، اللهم وفقهم للحكم بكتابك ،
واتباع سنة نبيك ، وارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين ، اللهم عليك بمن
يحارب دينك ، ويصد عن سبيلك ، ويريد نشر الفاحشة في الذين آمنوا من
المنافقين والمنافقات ، اللهم عليك بهم ، اللهم لا ترفع لهم راية ، ولا
تحقق لهم غاية ، واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة
،
وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام
على المرسلين والحمد لله رب العالمين
شيء لعظمته وخضع ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، خلق
الخلائق
فأتقن ما صنع ، وشرع الشرائع فأحكم ما شرع ، لا مانع لما أعطى ، ولا معطي
لما منع ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله ، أقام صرح
الفضيلة ورفع ، ودفع أسباب الرذيلة ووضع ، صلى الله عليه وعلى آله
وأصحابه
أهل التقى والحياء والزهد والورع ، ومن سار على نهجهم واتبع ، وسلم
تسليماً
كثيراً . . . أما بعد : فاتقوا الله عباد الله ، فخير الوصايا ، وأفضل
الهدايا ، تقوى رب البرايا ، فتقواه توصد أبواب البلايا ، وتغلق منافذ
الدنايا ، وتحسن ختام المنايا ، قال باسط اليدين بالعطايا : { لِلَّذِينَ
اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ
وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } .
أيها المسلمون : لقد كانت الأمة الإسلامية ، أمة مرضية ، شامخة أبية ،
متمسكة بكتاب ربها ، عاملة بسنة نبيها ، صحيحة في عقائدها ، صالحة في
أعمالها ، حسنة في معاملاتها ، كريمة في أخلاقها ، عزيزة بدينها ، قوية
الشوكة ، جليلة مهيبة ، واليوم ، اليوم يا عباد الله ، تغير أمرها ،
وتبدل
حالها ، واختلت عقائدها ، وفسد كثير من أعمالها ، وتدهورت أخلاقها ،
وجهلت
أمر دينها ، مغلوبة على أمرها ، بسبب ابتعادها عن دينها ، اهتمت بدنياها ،
ونسيت أُخراها ، فتأخرت وتدهورت ، وغُلبت وانهزمت ، تتخبط في ظلمات الجهل
،
تنقاد للخرافات والأوهام ، وأضغاث الأحلام ، فانساقت وراء ترهات العقول ،
وكاذب النقول ، وزخرف القول ،لقد عوقبت الأمة بشر أعمالها ، فذاقت وبال
أمرها ، كل ذلك يا عباد الله ، نتيجة حتمية ، وحقيقة واقعية ، لعدم
استقامتنا على ديننا ، وانحرافنا عن صراط ربنا ، فتعالت الصيحات ،
وارتفعت
الصرخات ، لكثير من الأمراض والأسقام ، والتعديات على الأحكام ، تجرعنا
غصص
الإعراض ، أموراً مهلكة ، وآثاراً مدمرة ، فرحماك ربنا رحماك ، قال ربنا
جل
في علاه : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا
وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً
نُّكْراً } .
عباد الله : ما من ذنب يقع إلا بمعصية ، ولا يرتفع إلا بتوبة ، فالمعاصي
معاول هدم ، وأدوات دفن ، تهدم العقيدة ، وتدفن التوحيد ، والتوبة تجدد
الإيمان ، وتزيد الإحسان ، وتبعث في النفس سراج النور ، ومشعل الحق
والسرور
، لأجل المعاصي والآثام ، والجرائم العظام ، يعاني العالم بأكمله تحديات
متنوعة ، ومصائب متكاثرة ، وآفات مختلفة ، فها هو العالم ينادي ،
مستغيثًا
من ارتفاع معدلات الجريمة ، وكثرة أنواع الجناية ، تدهور في الاقتصاد ،
واحتباس للحرارة في شتى البلاد ، كل ذلك بما كسبت أيدي العباد ، فقر يراد
،
وغلاء يزداد ، تضخم مخيف ، وتمرد سخيف ، ديون
تتراكم ، وويلات تتعاظم ، ألا فلنأخذ من ذلكم العبر والعظات ، والدروس
المهمات ، ألا فلنعلم أن الربا سبب للحرمان من الخيرات ، ومنع الزكاة حبس
عن الأعطيات ، ألا وإن انتشار الفواحش والموبقات ، يؤدي إلى منع الأمطار ،
والخير المدرار ، وموت الدواب والأشجار ، وافتقار الفيافي والقفار ، ألا
وإن أعظم أسباب فقدان الأمن ، وحلول المخاوف والمصائب ، البعد عن المنهج
الإلهي ، والمخالفة للنهج النبوي ، فتسود المعاصي والشنائع ، وتتفشى
الذنوب
والفظائع ، يقول ربنا جل وعلا : { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ *
الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } ، ويقول ربنا
جل
وعلا في كلامه العظيم ، مصورًا لنا واقعا يعانيه مجتمع اليوم : {
وَضَرَبَ
اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا
رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ
فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا
يَصْنَعُونَ } ، اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ،
اللهم ارحمنا بترك المعاصي أبداً ، فضلاً منك ومنَّاً .
عباد الله : ما أحلم الله على عباده ، ما أعظم صبر الله ، ما أطول إمهال
الله ، الله يمهل ولا يهمل ، ولو أنه أخذ الناس بأول الجرم ، وابتداء
الإثم
، ما ترك على الأرض من أحدٍ أبداً ، عدلاً منه وقسطاً ، ولكنه غفور رحيم ،
رؤوف كريم ، قال العزيز العليم : { وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ
لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل
لَّهُم
مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } ، ألا وإن المتأمل في
واقع كثير من الناس اليوم ، ليجد عجباً ، ويهلك كمداً ، ابتعاد عن دين
الله
القويم ، وانحراف عن صراطه المستقيم ، وقوع في فخاخ قنوات مميتة ، وبرامج
مقيتة ، قنوات تدعوا إلى الرذيلة ، وتقتل الفضيلة ، اختلاط بين الفتيان
والفتيات ، في مشاهد مؤلمة ، يُخدش فيها الحياء ،
وتغضب رب الأرض والسماء ، حتى قلد الأبناء والبنات ما شاهدوا ، وتقمصوا
ما
رأوا وأبصروا ، فحصلت الخلوات المحرمة ، والعلاقات المجرمة ، في غفلة من
الآباء والأمهات ، فحصلت فتن ومواجع ، تقض المضاجع ، عصيان وزلل ، فساد
وخلل ، لا ينجو منها إلا من أرد النجاة ، وزهد في هذه الحياة ، واستعد
للقاء الله ، ألا فاتقوا الله أيها الآباء والأمهات ، وقوموا بما أوجب
الله
عليكم من أداء الأمانات ، والاضطلاع بالمسؤوليات ، فارعوا أبناءكم
وبناتكم
، وأدوا أماناتكم ، فقد أمركم بذلك مولاكم ، فقال ربكم : { يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ
أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا
أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ
عَظِيمٌ } .
عباد الله : إن من أعظم المعاصي ضراوة وحدوثاً ، وألماً وإحداثاً ، ضياع
شعيرة الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، في كثير من مجتمعات الإسلام ،
الشعيرة التي أمر بها الملك العلام ، وأمر بها رسول الأنام ، عليه الصلاة
والسلام ، وحاربها كثير من الكُتَّاب ووسائل الإعلام ، دونما حسيب أو
رقيب
، وما كتبوه عن الله لن يغيب ، في صور من الاستهزاء والهذيان ، والسخرية
والاستهجان ، وقد قال الواحد الديان : { قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ
وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم
بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ
طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } ، لقد خرج من كُتَّاب
المسلمين من يستهزئ بهذه الشعيرة وبرجالها ؟ بل طالب بإزالتها وإلغائها ،
فويل لمن كتبوا ، وبئس ما كسبوا ، ولعلها لم تطرق أسماعهم آيات مسطرة
سائدة
، في سورة المائدة ، فقد قال الله تعالى : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ
عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } ، ألا وإن من
الكتاب من يطالب بوقف حلقات تحفيظ كتاب الله واعجباً لهم ، ألا يخافون
الله
من فوقهم ، ألا يخشون أن يخسف بهم ، فلابد من الأخذ على أيدي السفهاء ،
وإلا وقع في الأرض فساد كبير ، وشر مستطير ، تدق معه نواقيس الخطر ،
مؤذنة
بمساوئ وضرر ، تأخذ الصالح والطالح ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : " مَا
مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ، هُمْ أَعَزُّ مِنْهُمْ
وَأَمْنَعُ ، لاَ يُغَيِّرُونَ ، إِلاَّ عَمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ " [
رواه ابن ماجة بسند صحيح ] ، وروى أهل السنن بسند صحيح ، قَالَ صلى الله
عليه وسلم : " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ
يُغَيِّرُوهُ ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ " ، اللهم
ردنا إليك رداً جميلاً ، واجعل لنا ظلاً ظليلاً ، يا ذا الجلال والإكرام .
أيها الإخوة في الله : نسمع بين حين وآخر عن أمراض تنتشر ، وأوبئة تظهر ،
وآخرها هذا الوباء الخطر ، إنفلونزا الخنازير المنتشر ، وقد حذرنا هذا
الأمر ، سيد البشر ، وبين أن سببه في انتشار الفواحش ، وفشو القبائح ، في
حديث عظيم رواه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما حيث قَالَ :
أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : " يَا
مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ
بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ ، لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ
قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ ،
وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الِّذِينَ
مَضَوْا ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا
بِالسِّنِينَ ، وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ
عَلَيْهِمْ
، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ ، إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ
مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ، وَلَمْ
يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ ، إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي
أَيْدِيهِمْ ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ
وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ _ ما لم يطلبوا الخير والسعادة
مما أنزل الله _ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ " [ رواه
ابن
ماجة وحسنه الألباني ] ، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين وقاعدين وراقدين ،
ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين ، يا أرحم الراحمين ، أقول ما سمعتم ،
وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب وخطيئة ، فاستغفروا ربكم
إنه
غفور رحيم .
الحمد لله الكبير المتعال ، أحمده على كل حال ، وأشهد أن لا إله إلا الله
ذو الفضل والنوال ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله عظيم الخلال
والخصال ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله خير صحب وآل ، والتابعين
ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم المآل .
معاشر المسلمين : تجتاح الأرض اليوم أحوال جوية غريبة ، وأجواء طبيعية
عجيبة ، زلازل تكثر ، وأعاصير تنتشر ، وبراكين تدمر ، وذلك دليل وجود
فواحش
عظيمة ، ومعاص جسيمة ، ذنوب عظام ، وجرائم وآثام ، مسلسلات هابطة ،
وبرامج
ساقطة ، تعليم للموسيقى والأغاني ، وقع في القاصي والداني ، منظر سخيف ،
يختلط فيه الشباب بالشابات ، في موقع واحد ، يشاهدهم الملايين ، مشاهد
يغتال فيها الدين ! ولقد تجرأ بعض المسلمين على شرب الخمور بأنواعها ،
والمخدرات بأشكالها ، والتشبه بالكفار ، وبزي الفجار ، ألا يخافون من
الله
الجبار القهار ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " دخلت على عائشة رضي
الله عنها أنا ورجل آخر ، فقال لها الرجل : يا أم المؤمنين حدثينا عن
الزلزلة ، فقالت : إذا استباحوا الزنا ، وشربوا الخمر ، وضربوا بالمآذن ،
غار الله جل وعلا في سمائه ، فقال للأرض : تزلزلي بهم ، فإن تابوا ونزعوا
،
وإلا هدمها عليهم " ، ألا فاتقوا الله عباد الله ، واحذروا غيرة الله ،
وإياكم وغضب الله ، فإن ما طالعتنا به وسائل الإعلام ، من قرب وقوع زلازل
وبراكين ، لهو أمر يندى له الجبين ، آيات يخوف الله بها عباده ، يا عباد
فاتقون ، قال تعالى : { وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً }
وقال تعالى : { وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً
كَبِيراً } . عباد الله : تالله وبالله لسنا بأكرم عند الله من صحابة
رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فقد تزلزلت بهم الأرض في عهد عمر بن الخطاب
رضي
الله عنهم ، فلا غروا أن تأتي التحذيرات بوقوع الزلازل والبراكين ، إذا
عُصي رب العالمين ، فالمعاصي يا عباد الله تقلب الموازين ، وتغير الأوضاع
،
وتبدل الطباع ، الناس اليوم ينتظرون المطر والماء ، والقطر من السماء ،
وإذا به هجير وغبار ، ومناخ سيء وعثار ، رياح عاتية ، وأتربة آتية ،
فلماذا
هذا يا عباد الله ؟ إنه كما قال الله جل شأنه : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم
بَعْضَ
الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ، وقال عز اسمه : { وَمَا
أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن
كَثِيرٍ } ، فلولا لطف الله ورحمته ، وعفوه ومغفرته ، لحصل بالناس شديد
البلاء ، وعظيم الداء ، فإن سألتم عن سبب هذه الكوارث ، وتلك المصائب ،
فالجواب من الله لكم : { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } .
أيها المسلمون : هذه البلايا ، وتلك الرزايا ، التي حلت مواجعها بالعالم
كله ، ووضعت فواجعها على الملأ بأسره ، من فتن ومحن ، وشرور وإحن ، ما هي
إلا نتيجةً حتمية ، وثمرةً حقيقية ، لما تعانيه البشرية ، من بعد عن منهج
رب البرية ، في صورة مخيفة ، من التحدي الإلهي ، والانفلات الديني ،
فالله
الله بالعودة الحميدة لدين الله ، فالله يفرح بتوبتكم ، ويسعد بأوبتكم ،
فالتوبة تقيل العثرات ، وتمحو الزلات ، وتزيل الهفوات ، فتوبوا إلى الله
رب
البريات ، { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ، هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة ،
والنعمة المسداة ، محمد بن عبد الله ، حيث أمركم بذلك ربكم جل في علاه ،
فقال عز من قائل عليماً : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ، اللهم صل وسلم على من بلغ الرسالة ، وأدى
الأمانة ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده ، وارض اللهم عن صحابته
أجمعين ، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام
وانصر المسلمين ، وأذل الشرك ودمر المشركين ، وانصر عبادك المجاهدين ،
اللهم انصر إخواننا المسلمين المجاهدين في سبيلك في كل مكان ، اللهم قوي
عزائمهم ، وثبت أقدامهم ، اللهم عليك بالكفار يا قوي يا جبار ، اللهم
اجعل
كيدهم في تباب ، وسعيهم إلى خراب ، اللهم اشدد عليهم وطأتك ، وارفع عنهم
يدك وعافيتك ، اللهم تابع عليهم النكبات ، واجعل أعمالهم عليهم حسرات ،
اللهم آمنا في دورنا ، وأصلح ولاة أمورنا ، اللهم وفقهم للحكم بكتابك ،
واتباع سنة نبيك ، وارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين ، اللهم عليك بمن
يحارب دينك ، ويصد عن سبيلك ، ويريد نشر الفاحشة في الذين آمنوا من
المنافقين والمنافقات ، اللهم عليك بهم ، اللهم لا ترفع لهم راية ، ولا
تحقق لهم غاية ، واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة
،
وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام
على المرسلين والحمد لله رب العالمين
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى