رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ , ونستغفرهُ , ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا , منْ يهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ , ومنْ يضلل فلا هاديَ له .وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ]آل عمران:102[ .
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ] النساء:1[.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } ]الأحزاب:70-71[.
أما بعد : فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ , وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ r وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها , وكلَّ محدثةٍ بدعة , وكلَّ بدعةٍ ضلالة , وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أما بعدُ ، أيها المسلمون :
فيقولُ اللهُ تعالى في كتابه الكريم : { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } ] آل عمران:164[. ففي هذه الآية العظيمة , يمتنُ الله تعالى على عبادهِ المؤمنين , ببعثةِ أفضلِ أنبيائه , وأشرفِ رسله , الذي ما عرفتْ البشريةُ قبلَه ولن تعرفَ بعدَهُ خيراً منه , لقد بُعِثَ عليه الصلاة ُوالسلام على حين فترةٍ من الرسل , وانقطاعٍ من السبل , في وقتٍ عمَّتْ الجاهليةُ الأرضَ , وسادت الفوضَى أصقاعَ المعمورة وضَرَبَ الشركُ بجذورٍ راسخةٍْ , تهونُ عنده الجبالُ الرواسي , وعاش الناسُ خواءً روحياً , وانحداراً أخلاقياً , وساد الدنيا ظلامٌ مخيفٌ , فلم تعدْ ترى من يوحدِ الله , إلا بقايا من أهلِ الكتاب , وانتشرتْ الأصنامُ, والأوثانُ في كل مكانٍ , وأصبحَ الناسُ يصلون لها ويسجدون , ويستغيثون بها ويستنصرون ويذبحون لها وينذرون .
وبلغ السخفُ, والحماقةُ بأولئك المغفلين حداً مخيفاً مفزعاً , فكان أحدهم إذا خرج بغنيماتهِ يرعاهنَّ في الباديةِ ولم يجد صنماً أو, وثناً يصلي لـه ويعبده, حلب مِعْزَته فوق كومةٍ من ترابٍ, وصنع تمثالاً من طين , ثم أخذ يسجدُ له ويستغيثُ به , ثم يذهبُ, ويتركهُ , بل بلغ السخفُ ببعضهم أدهى من ذلك وأمر , فكان بعضهم يُخرِجُ من جُعبتِه تمرةً أو تمرتين , فيسجدُ لها ويـركع , ثـم إذا أحـسَّ بالجوع , أكـل تمرتَه تلـك ! وصـدق الله إذا يقول: { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } ]الحجر:72[هذه صورٌ , تعكس الحالةَ المفجعةَ , التي كانت تعيشها تلك القطعانُ البشريةُ الضالة , في ذلك الزمان .
حتى أذنَ اللهُ تعالى , ببعثةِ النبيِ r , ليعيدَ للبشريةِ التائهة ,صوابَها وعقلَها ! فَوجَدَ النبيُ r إنساناً فسدتْ فطرتهُ , وفَسَدَ عقلُه, وفَسَدَ ذوقُه , فصار يستحلي المرَّ ويستطيبُ الخبيث , ويستمرئ الوخيم .
ووجد مجتمعاً , أصبحَ الذئبُ فيه راعياً , والخصمُ الجائرُ قاضياً , ولا أَنكَرَ في هذا المجتمعِ من المعروف ! ولا أَعرَفَ فيه من المنكر !! فقد عوقرتْ الخمرُ إلى حدِ الإدمان , ومورستْ الرذيلةُ إلى حدِ الاستهتار , وتُوعُطِيَ بالربا إلى حد الاغتصابِ, والاستلاب , وبولغَ في القسوةِ والظلم , حتى قُتِلَ الصبيان ووئدت البنات !! .
بُعث عليه الصلاة والسلام , والجاهليون العرب , أشبهُ بِقِطْعَانِ غَنَمٍ , ليس لهن راع , والسياسةُ كجملٍ هائج , حبلهُ على غاربه ؛ وأمامَ هذا الركامُ الهائلُ من الإرتكاسِ والانتكاس , في الفطرِ والعقول , والأحاسيسِ والمشاعر والتوجهاتِ والتصرفاتِ ؛ بدأ عليه الصلاةُ والسلام , مشَوَارَهُ العظيمِ مع الدعوةِ , بكل عزيمةٍ وثباتٍ , مستعيناً بربهِ ومولاهُ , طالباً المَدَدَ والعَوْنَ منه وحدهُ , فَصَدَعَ بالحقِ , غير هيابٍ ولاوجلٍ , وشمَّرَ عن ساعدِ الجدِ , مُقبلاً غيرَ مدبر , فلم يدعُ إلى إصلاحٍ اقتصادي, أو تكافلٍ اجتماعي , أو نظامٍ سياسي , وإن جاءت هذه القضايا تبعاً فيما بعد, وإنما ابتدأ بتصحيحِ العقيدةِ في النفوسِ , وتوحيدِ الله في العبادةِ , وتركِ عبادةِ الأصنامِ والأوثان .
وظلَّ يدعو إلى التوحيدِ , إلى لا إله إلا الله ثَلاثَ عَشْرةَ سنة , قبل أن يُأمرَ بالصلاةِ, والزكاةِ, والصوم, والحج , وقبل أن يُأمرَ بتركِ المحرماتِ, من الربا والزنا وشُربِ الخمرِ ثَلاَثَ عَشْرةَ سنة , والنبيُّ الصابرُ المحتسبُ , يدعو إلى كلمةٍ واحدةٍ , والتي لا قيمة لكل الكلماتِ بدونها , يدعو إليها أهَلَهُ وقَوْمَهُ فقامت عليه الجاهليةُ ولم تقعد , وتصدى لـه أقربُ الناس إليه , فضلاً عن غيرهم ، وعُذِّب هو وأتباعهُ , أقسى أنواعِ العذابِ ، فـأدميتْ قدمَاهُ الشريفتان , وشجَّ رأسهُ , ووُضعَ سلى الجزورِ بين كتفيهِ, وهو ساجدٌ , واتُهم بالسحرِ, والشعوذةِ ,والجنون , ووُضعتْ الصخورُ الحاميةٌ , فوق صدرِ بلال وقُتلتْ سمية , وعذبَّ عمارٌ, وخباب , كلُ ذلك ,من أجلِ لا إله إلا الله كلمةِ التوحيدِ العظيمة , الذي ظنَّ كثيرٌ من السُّذجِ, والمغفلين اليوم , بأنها كلمةٌ تُقالُ فحسب , وما عَرَفَ أولئك أنها كلمةٌ قامت من أجلِها السمواتُ والأرض, وصَلَحَ عليها أمرُ الدنيا والآخرةِ , كلمةٌ أُسستْ من أجلِها الملة ونُصبتْ لها القبلةُ , وشُرِّعت لها سيوفُ الجهاد, إنها الكلمة التي غيرتْ مسارَ التاريخِ , وحولتْ أمماً وشعوباً , من حالٍ إلى حال , والتي لا يمكنُ إحداثُ تغييرٍ آخر , إلا بغرسِها في النفوسِ , وتثبتها في القلوبِ مرةً أُخرى .
إنَّ معناها العظيمُ , يقضي من قائِلِها , تحقيقُ العبوديةِ الخالصةِ لله وحده , في كل ما يأتي ويذر , إنَّ معناها : أن أُقرُّ واعترفُ , بأن للهَ تعالى هو المتفردُ بالألوهيةِ والوحدانيةِ . فلا إلهَ بحقٍ سواه , ولامعبودَ بصدقٍ إلا إياه , وأنَّ مقاليدُ السمواتِ والأرض بيده فلا مَلَكَ, ولا وليَّ , ولاحاكم مستأثرٌ في هذا الكون , متصرفٌ فيه , إلا الله, وأنه الحاكمُ لامعقبَ لحُكمِه , ولا شريكَ له في ملكهِ , ولا ينفُذُ إلا أمره , ولا أعترفُ إلا بشرعهِ , ولا أخضعُ إلا لقولهِ ولا أتوكلُ إلا عليه , ولا أخافُ إلا منه , ولا أذبحُ إلا له , ولا أدعوْ إلا إياه ولا أرجو أحداً سواه , وأنا أرفضُ كلَّ نوعٍ من أنواعِ العبودية, والطاعة والخضوع لغيرِ الله , ولا أخضعُ لدستورٍ, ولا نظامٍ ,ولا قانونٍ, ولا تشريعٍ إلا إذا وافق شَرْعَ اللهِ وأمرهِ جل ثناؤه , وتقدست اسماؤه , فأنا مؤمنٌ باللهِ وحـَدَه ، كافرٌ بكلِّ الطواغيتِ والآلهةِ من دونهِ , فهل تسمعُ الدنيا هذا الكلام؟!
ولما عَرَفَ الجاهليون الأوائل , عِظَم الكلمةِ , التي جاء بها محمدٌ r , وأنها تعني كلَّ ذلك , حارَبوهَا بضراوةٍ , وقاتَلوهَا بوحشيةٍ , فكل من شَعَرَ بخطورةِ تلك الكلمةِ على مصالحهِ , وَقَفَ أمامها وَقْفَة الأسدِ , واستَمَاتَ في الصد عنها , والتنديدِ بخطرها . فقد أحسَّ الكهنةُ, والمشعوذون بخطورتِها على كِهانتهم وشعوذتهم , وأنها ستفرقُ الناسَ من حولهم , فكشَّروا عن أنيابهم وأعلنوا الحرب عليها , ورأى رؤساءُ العشائِر , أنَّ هذه الكلمةُ , ستقوضُ سلطَتَهم من القواعد , فهبوا للدفاع عن سلطتِهم, ومكانتِهم المهددة , وكذلكَ أحسَّ الرأسماليون, والانتهازيون , بخطرٍ يهددُ مكاسبَهم الخبيثةَ , وأرصدتِهمُ الحرام , فاستشاطوا غضباً, وحنقاً , وتدافعوا يذودون بكل قواههم , عن تلك المكاسبِ الباطلة , وكذلك أحسَّ بالخطرِ , عُبَّادُ القوميةِ الذين تعصبوا لقومياتِهم, وعصبياتِهم , وعبَدَوا التقاليدَ, والعادات , كما أحسَ بالخطر كذلك عُبَّادُ الشهواتِ والأهواءِ , وبالجملة أحسَّ عُبَّادُ تلكَ الأوثانِ والأصنامِ والأنداد , على اختلافِ أشكالِها ومسمياتها, بخطورةِ كلمةِ التوحيد, على مصالحِهم, وأطماعِهم, وتوجهاتِهم , فاتحدوا جميعاً لحربها , وحربِ المُبشرِ بها محمدٍ عليه الصلاة والسلام ، وعَقَدوا العزمَ على مقاومته , ووضعِ العراقيلِ في طريقهِ , والنبيُ r , ماضٍ قـُدماً , في طريقهِ المليئةُ بالأشواكِ , واتباعُه صابرون محتسبون , حتى أَذِنَ اللهُ بالهجرةِ إلى المدينة , ليقيم دولةَ الإسلامِ العظيمة , على تقوى من اللهِ, ورضوان , ثم يعودُ بعد سنواتٍ قليلةٍ إلى مكةَ فاتحاً منتصراً , محطماً لأصنامها, وأوثانها , مقوضاً للجاهليةِ من القواعدِ حاملاً التوحيدَ العظيم , إلى أمِ القرى بعد أن ذاقتْ مرارةَ الوثنيةِ , واكتوتْ بنارِ العبوديةِ لغيرِ اللهِ زماناً طويلاً , فكانت بعثته عليه السلام أعظمَ مِنَّه وأجلَّ نعمةً , أظـهرَ اللهُ به دينهُ , وأعـزَّ به جُنده .
أعـوذ بالله من الشيطان الرجيم : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } ]التوبة:33[ .
بارك الله لي ولكم..
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه , والشكرُ له على توفيقه, وامتنانه , أما بعد :
فقد تبين فيما تقدم , أنَّ الشغلَ الشاغل , الذي استحَوَذَ على تفكير النبي r واهتمامِه , طيلةَ العهدِ المكي على وجه الخصوص , هو تصحيحُ العقيدةِ في النفوسِ , واستنقاذُ الجموعِ الهائلةِ , من مستنقعِ الشركِ, وإعادتُها إلى الحنفيةِ السمحاء . وهذا المنهجَ الذي سار عليه النبي r , هو ذاتُ المنهجِ الذي سار عليه كلُ الأنبياءِ من قبله , فما من نبيٍ قَبَلَه إلا ودعَ قوَمَه إلى التوحيد أولاً: فقد قال نوحٌ لقـومه { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } ]الأعراف: 59[ , وقال نفس العبارة هودٌ, وصالحٌ, وشعيب , وغيرهم من الأنبياء .
ومن هنا نُدركُ , أنَّ أيَّ صلاحٍ نُنُشدهُ لأُمتنا , وأيَّ محاولةٍ لاستنقاذِها من تخلُفِها وانحطاطِها , لا يمكن أن يتحققَ له النجاحُ المطلوبُ , مادام التوحيدُ ضائعاً , والعقيدةُ ممتهنةً ؛ واليوم تعجُ مجتمعاتُ المسلمين في طولِ العالمِ الإسلامي, وعرضه , بالأوثانِ الآلهةِ الباطلةِ , فلا تكادُ تجدُ بلداً إسلامياً واحداً – إلا ما رحم ربي - إلا وقدْ انتشرتْ فيه الـوثنيةُ , وعمت فيها مظاهرُ الشركِ , وأوضحُ تلك المظاهرِ , من مظاهرِ الوثنية عبادةُ القبورِ والأضرحةِ, والمزارات , ودعاءُ الأمواتِ, والأولياء , من دون الله تعالى فتجدِ الناسَ زرافاتٍ ووحداناً , يطوفون بالقبورِ, والأضرحة , ويتمسحون بها ويتوسلون بالأمواتِ , في تفريجِ الكرباتِ, وشفاءِ المرضى , ورد الغائبين وذُبحتْ لتلك القبورِ القرابينُ, والذبائح , ونُذرتْ لها النذورُ , وقَصَدَها الناسُ من كلِ حَدَبٍ, وصوب .
وكلُ ذلك من الشركِ الأكبرِ , الذي يستوجبُ الخلودَ في النارِ , أبد الآباد { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } ]النساء:48[ , { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } ]المائدة:72[ .
وحصلتْ كلُ تلكَ المآسي , تحت سمعِ, وبصرِ علماءِ الضلالةِ , الذين باركوا تلك الممارساتِ وشجعوها , سعياً وراء شهوةٍ, أو شبهةٍ , وصَحَتَ أكثرُ الباقين, واكتفوا بالحوقلةِ, والترجيعِ , وآثروا السلامةَ , على أن يخرجوا إلى المقابرِ, كي يأخذوا على أيدي السفهاءِ , ويعيدوهم إلى جادةِ الصوابِ , ومن هنا يتبينُ خطأُ بعضِ الجماعاتِ المعاصرةِ , التي تنتمي إلى الدعوةِ , وهي لا تهتمُ بالعقيدة , وإنما تركزُ على أمورٍ جانبيةٍ , أخلاقيةٍ, وسلوكية , وهي ترى كـثيراً من الناسِ , يمارسون الشـركَ الأكبر , حول الأضرحةِ المبنيةِ على القبورِ , ولا تنكرُ ذلك, ولا تنهَى عنه, ولا تحذرُ منه , لا في كلمةٍ , ولا في محاضرةٍ , ولا في مؤلفٍ إلا قليلاً , بل قد يكونُ بين صفوفِ تلك الجماعاتِ من يمارسُ الشركَ ,والتصوفَ المنحرف , فلا ينهونه, ولا ينبهونه , مع أنَّ البدايةَ بدعوةِ هؤلاءِ, وإصلاحِ عقائدهم , أولى من دعوةِ الملاحدةِ, والكفار المصرحينَ بكفرهم , لأنَّ الملاحدةَ والكفار , مقرون بكـفرهم, وأمـا القبوريون , والمتصوفةُ المنحرفون فيظنون أنهم مسلمون , وأنَّ ما هم عليه هو الإسلام ، فيغترون ويُغْروُن غَيرَهم, واللهُ جل وعلا أمَرَنَا بالبدءِ بالكفارِ الأقربين, فقال تعالى : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } ]الشعراء:214[ .
ألا وصلوا على النبي الهاشمي نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
الدعوة المحمدية في مكة وموقف الجاهلية منها
الدكتور رياض بن محمد المسيميري
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ]آل عمران:102[ .
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ] النساء:1[.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } ]الأحزاب:70-71[.
أما بعد : فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ , وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ r وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها , وكلَّ محدثةٍ بدعة , وكلَّ بدعةٍ ضلالة , وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أما بعدُ ، أيها المسلمون :
فيقولُ اللهُ تعالى في كتابه الكريم : { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } ] آل عمران:164[. ففي هذه الآية العظيمة , يمتنُ الله تعالى على عبادهِ المؤمنين , ببعثةِ أفضلِ أنبيائه , وأشرفِ رسله , الذي ما عرفتْ البشريةُ قبلَه ولن تعرفَ بعدَهُ خيراً منه , لقد بُعِثَ عليه الصلاة ُوالسلام على حين فترةٍ من الرسل , وانقطاعٍ من السبل , في وقتٍ عمَّتْ الجاهليةُ الأرضَ , وسادت الفوضَى أصقاعَ المعمورة وضَرَبَ الشركُ بجذورٍ راسخةٍْ , تهونُ عنده الجبالُ الرواسي , وعاش الناسُ خواءً روحياً , وانحداراً أخلاقياً , وساد الدنيا ظلامٌ مخيفٌ , فلم تعدْ ترى من يوحدِ الله , إلا بقايا من أهلِ الكتاب , وانتشرتْ الأصنامُ, والأوثانُ في كل مكانٍ , وأصبحَ الناسُ يصلون لها ويسجدون , ويستغيثون بها ويستنصرون ويذبحون لها وينذرون .
وبلغ السخفُ, والحماقةُ بأولئك المغفلين حداً مخيفاً مفزعاً , فكان أحدهم إذا خرج بغنيماتهِ يرعاهنَّ في الباديةِ ولم يجد صنماً أو, وثناً يصلي لـه ويعبده, حلب مِعْزَته فوق كومةٍ من ترابٍ, وصنع تمثالاً من طين , ثم أخذ يسجدُ له ويستغيثُ به , ثم يذهبُ, ويتركهُ , بل بلغ السخفُ ببعضهم أدهى من ذلك وأمر , فكان بعضهم يُخرِجُ من جُعبتِه تمرةً أو تمرتين , فيسجدُ لها ويـركع , ثـم إذا أحـسَّ بالجوع , أكـل تمرتَه تلـك ! وصـدق الله إذا يقول: { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } ]الحجر:72[هذه صورٌ , تعكس الحالةَ المفجعةَ , التي كانت تعيشها تلك القطعانُ البشريةُ الضالة , في ذلك الزمان .
حتى أذنَ اللهُ تعالى , ببعثةِ النبيِ r , ليعيدَ للبشريةِ التائهة ,صوابَها وعقلَها ! فَوجَدَ النبيُ r إنساناً فسدتْ فطرتهُ , وفَسَدَ عقلُه, وفَسَدَ ذوقُه , فصار يستحلي المرَّ ويستطيبُ الخبيث , ويستمرئ الوخيم .
ووجد مجتمعاً , أصبحَ الذئبُ فيه راعياً , والخصمُ الجائرُ قاضياً , ولا أَنكَرَ في هذا المجتمعِ من المعروف ! ولا أَعرَفَ فيه من المنكر !! فقد عوقرتْ الخمرُ إلى حدِ الإدمان , ومورستْ الرذيلةُ إلى حدِ الاستهتار , وتُوعُطِيَ بالربا إلى حد الاغتصابِ, والاستلاب , وبولغَ في القسوةِ والظلم , حتى قُتِلَ الصبيان ووئدت البنات !! .
بُعث عليه الصلاة والسلام , والجاهليون العرب , أشبهُ بِقِطْعَانِ غَنَمٍ , ليس لهن راع , والسياسةُ كجملٍ هائج , حبلهُ على غاربه ؛ وأمامَ هذا الركامُ الهائلُ من الإرتكاسِ والانتكاس , في الفطرِ والعقول , والأحاسيسِ والمشاعر والتوجهاتِ والتصرفاتِ ؛ بدأ عليه الصلاةُ والسلام , مشَوَارَهُ العظيمِ مع الدعوةِ , بكل عزيمةٍ وثباتٍ , مستعيناً بربهِ ومولاهُ , طالباً المَدَدَ والعَوْنَ منه وحدهُ , فَصَدَعَ بالحقِ , غير هيابٍ ولاوجلٍ , وشمَّرَ عن ساعدِ الجدِ , مُقبلاً غيرَ مدبر , فلم يدعُ إلى إصلاحٍ اقتصادي, أو تكافلٍ اجتماعي , أو نظامٍ سياسي , وإن جاءت هذه القضايا تبعاً فيما بعد, وإنما ابتدأ بتصحيحِ العقيدةِ في النفوسِ , وتوحيدِ الله في العبادةِ , وتركِ عبادةِ الأصنامِ والأوثان .
وظلَّ يدعو إلى التوحيدِ , إلى لا إله إلا الله ثَلاثَ عَشْرةَ سنة , قبل أن يُأمرَ بالصلاةِ, والزكاةِ, والصوم, والحج , وقبل أن يُأمرَ بتركِ المحرماتِ, من الربا والزنا وشُربِ الخمرِ ثَلاَثَ عَشْرةَ سنة , والنبيُّ الصابرُ المحتسبُ , يدعو إلى كلمةٍ واحدةٍ , والتي لا قيمة لكل الكلماتِ بدونها , يدعو إليها أهَلَهُ وقَوْمَهُ فقامت عليه الجاهليةُ ولم تقعد , وتصدى لـه أقربُ الناس إليه , فضلاً عن غيرهم ، وعُذِّب هو وأتباعهُ , أقسى أنواعِ العذابِ ، فـأدميتْ قدمَاهُ الشريفتان , وشجَّ رأسهُ , ووُضعَ سلى الجزورِ بين كتفيهِ, وهو ساجدٌ , واتُهم بالسحرِ, والشعوذةِ ,والجنون , ووُضعتْ الصخورُ الحاميةٌ , فوق صدرِ بلال وقُتلتْ سمية , وعذبَّ عمارٌ, وخباب , كلُ ذلك ,من أجلِ لا إله إلا الله كلمةِ التوحيدِ العظيمة , الذي ظنَّ كثيرٌ من السُّذجِ, والمغفلين اليوم , بأنها كلمةٌ تُقالُ فحسب , وما عَرَفَ أولئك أنها كلمةٌ قامت من أجلِها السمواتُ والأرض, وصَلَحَ عليها أمرُ الدنيا والآخرةِ , كلمةٌ أُسستْ من أجلِها الملة ونُصبتْ لها القبلةُ , وشُرِّعت لها سيوفُ الجهاد, إنها الكلمة التي غيرتْ مسارَ التاريخِ , وحولتْ أمماً وشعوباً , من حالٍ إلى حال , والتي لا يمكنُ إحداثُ تغييرٍ آخر , إلا بغرسِها في النفوسِ , وتثبتها في القلوبِ مرةً أُخرى .
إنَّ معناها العظيمُ , يقضي من قائِلِها , تحقيقُ العبوديةِ الخالصةِ لله وحده , في كل ما يأتي ويذر , إنَّ معناها : أن أُقرُّ واعترفُ , بأن للهَ تعالى هو المتفردُ بالألوهيةِ والوحدانيةِ . فلا إلهَ بحقٍ سواه , ولامعبودَ بصدقٍ إلا إياه , وأنَّ مقاليدُ السمواتِ والأرض بيده فلا مَلَكَ, ولا وليَّ , ولاحاكم مستأثرٌ في هذا الكون , متصرفٌ فيه , إلا الله, وأنه الحاكمُ لامعقبَ لحُكمِه , ولا شريكَ له في ملكهِ , ولا ينفُذُ إلا أمره , ولا أعترفُ إلا بشرعهِ , ولا أخضعُ إلا لقولهِ ولا أتوكلُ إلا عليه , ولا أخافُ إلا منه , ولا أذبحُ إلا له , ولا أدعوْ إلا إياه ولا أرجو أحداً سواه , وأنا أرفضُ كلَّ نوعٍ من أنواعِ العبودية, والطاعة والخضوع لغيرِ الله , ولا أخضعُ لدستورٍ, ولا نظامٍ ,ولا قانونٍ, ولا تشريعٍ إلا إذا وافق شَرْعَ اللهِ وأمرهِ جل ثناؤه , وتقدست اسماؤه , فأنا مؤمنٌ باللهِ وحـَدَه ، كافرٌ بكلِّ الطواغيتِ والآلهةِ من دونهِ , فهل تسمعُ الدنيا هذا الكلام؟!
ولما عَرَفَ الجاهليون الأوائل , عِظَم الكلمةِ , التي جاء بها محمدٌ r , وأنها تعني كلَّ ذلك , حارَبوهَا بضراوةٍ , وقاتَلوهَا بوحشيةٍ , فكل من شَعَرَ بخطورةِ تلك الكلمةِ على مصالحهِ , وَقَفَ أمامها وَقْفَة الأسدِ , واستَمَاتَ في الصد عنها , والتنديدِ بخطرها . فقد أحسَّ الكهنةُ, والمشعوذون بخطورتِها على كِهانتهم وشعوذتهم , وأنها ستفرقُ الناسَ من حولهم , فكشَّروا عن أنيابهم وأعلنوا الحرب عليها , ورأى رؤساءُ العشائِر , أنَّ هذه الكلمةُ , ستقوضُ سلطَتَهم من القواعد , فهبوا للدفاع عن سلطتِهم, ومكانتِهم المهددة , وكذلكَ أحسَّ الرأسماليون, والانتهازيون , بخطرٍ يهددُ مكاسبَهم الخبيثةَ , وأرصدتِهمُ الحرام , فاستشاطوا غضباً, وحنقاً , وتدافعوا يذودون بكل قواههم , عن تلك المكاسبِ الباطلة , وكذلك أحسَّ بالخطرِ , عُبَّادُ القوميةِ الذين تعصبوا لقومياتِهم, وعصبياتِهم , وعبَدَوا التقاليدَ, والعادات , كما أحسَ بالخطر كذلك عُبَّادُ الشهواتِ والأهواءِ , وبالجملة أحسَّ عُبَّادُ تلكَ الأوثانِ والأصنامِ والأنداد , على اختلافِ أشكالِها ومسمياتها, بخطورةِ كلمةِ التوحيد, على مصالحِهم, وأطماعِهم, وتوجهاتِهم , فاتحدوا جميعاً لحربها , وحربِ المُبشرِ بها محمدٍ عليه الصلاة والسلام ، وعَقَدوا العزمَ على مقاومته , ووضعِ العراقيلِ في طريقهِ , والنبيُ r , ماضٍ قـُدماً , في طريقهِ المليئةُ بالأشواكِ , واتباعُه صابرون محتسبون , حتى أَذِنَ اللهُ بالهجرةِ إلى المدينة , ليقيم دولةَ الإسلامِ العظيمة , على تقوى من اللهِ, ورضوان , ثم يعودُ بعد سنواتٍ قليلةٍ إلى مكةَ فاتحاً منتصراً , محطماً لأصنامها, وأوثانها , مقوضاً للجاهليةِ من القواعدِ حاملاً التوحيدَ العظيم , إلى أمِ القرى بعد أن ذاقتْ مرارةَ الوثنيةِ , واكتوتْ بنارِ العبوديةِ لغيرِ اللهِ زماناً طويلاً , فكانت بعثته عليه السلام أعظمَ مِنَّه وأجلَّ نعمةً , أظـهرَ اللهُ به دينهُ , وأعـزَّ به جُنده .
أعـوذ بالله من الشيطان الرجيم : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } ]التوبة:33[ .
بارك الله لي ولكم..
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه , والشكرُ له على توفيقه, وامتنانه , أما بعد :
فقد تبين فيما تقدم , أنَّ الشغلَ الشاغل , الذي استحَوَذَ على تفكير النبي r واهتمامِه , طيلةَ العهدِ المكي على وجه الخصوص , هو تصحيحُ العقيدةِ في النفوسِ , واستنقاذُ الجموعِ الهائلةِ , من مستنقعِ الشركِ, وإعادتُها إلى الحنفيةِ السمحاء . وهذا المنهجَ الذي سار عليه النبي r , هو ذاتُ المنهجِ الذي سار عليه كلُ الأنبياءِ من قبله , فما من نبيٍ قَبَلَه إلا ودعَ قوَمَه إلى التوحيد أولاً: فقد قال نوحٌ لقـومه { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } ]الأعراف: 59[ , وقال نفس العبارة هودٌ, وصالحٌ, وشعيب , وغيرهم من الأنبياء .
ومن هنا نُدركُ , أنَّ أيَّ صلاحٍ نُنُشدهُ لأُمتنا , وأيَّ محاولةٍ لاستنقاذِها من تخلُفِها وانحطاطِها , لا يمكن أن يتحققَ له النجاحُ المطلوبُ , مادام التوحيدُ ضائعاً , والعقيدةُ ممتهنةً ؛ واليوم تعجُ مجتمعاتُ المسلمين في طولِ العالمِ الإسلامي, وعرضه , بالأوثانِ الآلهةِ الباطلةِ , فلا تكادُ تجدُ بلداً إسلامياً واحداً – إلا ما رحم ربي - إلا وقدْ انتشرتْ فيه الـوثنيةُ , وعمت فيها مظاهرُ الشركِ , وأوضحُ تلك المظاهرِ , من مظاهرِ الوثنية عبادةُ القبورِ والأضرحةِ, والمزارات , ودعاءُ الأمواتِ, والأولياء , من دون الله تعالى فتجدِ الناسَ زرافاتٍ ووحداناً , يطوفون بالقبورِ, والأضرحة , ويتمسحون بها ويتوسلون بالأمواتِ , في تفريجِ الكرباتِ, وشفاءِ المرضى , ورد الغائبين وذُبحتْ لتلك القبورِ القرابينُ, والذبائح , ونُذرتْ لها النذورُ , وقَصَدَها الناسُ من كلِ حَدَبٍ, وصوب .
وكلُ ذلك من الشركِ الأكبرِ , الذي يستوجبُ الخلودَ في النارِ , أبد الآباد { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } ]النساء:48[ , { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } ]المائدة:72[ .
وحصلتْ كلُ تلكَ المآسي , تحت سمعِ, وبصرِ علماءِ الضلالةِ , الذين باركوا تلك الممارساتِ وشجعوها , سعياً وراء شهوةٍ, أو شبهةٍ , وصَحَتَ أكثرُ الباقين, واكتفوا بالحوقلةِ, والترجيعِ , وآثروا السلامةَ , على أن يخرجوا إلى المقابرِ, كي يأخذوا على أيدي السفهاءِ , ويعيدوهم إلى جادةِ الصوابِ , ومن هنا يتبينُ خطأُ بعضِ الجماعاتِ المعاصرةِ , التي تنتمي إلى الدعوةِ , وهي لا تهتمُ بالعقيدة , وإنما تركزُ على أمورٍ جانبيةٍ , أخلاقيةٍ, وسلوكية , وهي ترى كـثيراً من الناسِ , يمارسون الشـركَ الأكبر , حول الأضرحةِ المبنيةِ على القبورِ , ولا تنكرُ ذلك, ولا تنهَى عنه, ولا تحذرُ منه , لا في كلمةٍ , ولا في محاضرةٍ , ولا في مؤلفٍ إلا قليلاً , بل قد يكونُ بين صفوفِ تلك الجماعاتِ من يمارسُ الشركَ ,والتصوفَ المنحرف , فلا ينهونه, ولا ينبهونه , مع أنَّ البدايةَ بدعوةِ هؤلاءِ, وإصلاحِ عقائدهم , أولى من دعوةِ الملاحدةِ, والكفار المصرحينَ بكفرهم , لأنَّ الملاحدةَ والكفار , مقرون بكـفرهم, وأمـا القبوريون , والمتصوفةُ المنحرفون فيظنون أنهم مسلمون , وأنَّ ما هم عليه هو الإسلام ، فيغترون ويُغْروُن غَيرَهم, واللهُ جل وعلا أمَرَنَا بالبدءِ بالكفارِ الأقربين, فقال تعالى : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } ]الشعراء:214[ .
ألا وصلوا على النبي الهاشمي نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
الدعوة المحمدية في مكة وموقف الجاهلية منها
الدكتور رياض بن محمد المسيميري
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى