مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د. رياض بن محمد المسيميري
الدعوة المحمدية وثورة الجاهلية
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران:102). (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1). (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) (الأحزاب:70-71).
أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ r وشرُّ الأمورِ مـُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار
أيَّها المسلمون :
يقولُ اللهُ تعالى في كتابه الكريم : (( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) (آل عمران:164) .
ففي هذه الآية العظيمة, يمتنُ الله تعالى على عبادهِ المؤمنين, ببعثةِ أفضلِ أنبيائه, وأشرفِ رسله, الذي ما عرفتْ البشريةُ قبلَه ولن تعرفَ بعدَهُ خيراً منه, لقد بُعِثَ عليه الصلاة ُوالسلام على حين فترةٍ من الرسل, وانقطاعٍ من السبل, في وقتٍ عمَّتْ الجاهليةُ الأرضَ, وسادت الفوضَى أصقاعَ المعمورة وضَرَبَ الشركُ بجذورٍ راسخةٍْ, تهونُ عنده الجبالُ الرواسي, وعاش الناسُ خواءً روحياً, وانحداراً أخلاقياً, وساد الدنيا ظلامٌ مخيفٌ, فلم تعدْ ترى من يوحدِ الله, إلا بقايا من أهلِ الكتاب, وانتشرتْ الأصنامُ, والأوثانُ في كل مكانٍ, وأصبحَ الناسُ يصلون لها ويسجدون, ويستغيثون بها ويستنصرون ويذبحون لها وينذرون.
وبلغ السخفُ, والحماقةُ بأولئك المغفلين حداً مخيفاً مفزعاً, فكان أحدهم إذا خرج بغنيماتهِ يرعاهنَّ في الباديةِ ولم يجد صنماً أو وثناً يصلي لـه ويعبده, حلب مِعْزَته فوق كومةٍ من ترابٍ, وصنع تمثالاً من طين, ثم أخذ يسجدُ له ويستغيثُ به, ثم يذهبُ, ويتركهُ!
بل بلغ السخفُ ببعضهم أدهى من ذلك وأمر, فكان بعضهم يُخرِجُ من جُعبتِه تمرةً أو تمرتين, فيسجدُ لها ويـركع, ثـم إذا أحـسَّ بالجوع, أكـل تمرتَه تلـك !
وصـدق الله إذا يقول: ((لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)) ]الحجر:72[.
هذه صورٌ, تعكس الحالةَ المفجعةَ, التي كانت تعيشها تلك القطعانُ البشريةُ الضالة, في ذلك الزمان الكئيب...
حتى أذنَ اللهُ تعالى, ببعثةِ النبيِ r, ليعيدَ للبشريةِ التائهة, صوابَها وعقلَها ! فقد وجَدَ النبيُ r إنساناً فسدتْ فطرتهُ, وفَسَدَ عقلُه, وفَسَدَ ذوقُه, فصار يستحلي المرَّ ويستطيبُ الخبيث, ويستمرئ الوخيم.
ووجد مجتمعاً, أصبحَ الذئبُ فيه راعياً, والخصمُ الجائرُ قاضياً, ولا أَنكَرَ في هذا المجتمعِ من المعروف ! ولا أَعرَفَ فيه من المنكر !!
فقد عوقرتْ الخمرُ إلى حدِ الإدمان, ومورستْ الرذيلةُ إلى حدِ الاستهتار, وتُوعُطِيَ بالربا إلى حد الاغتصابِ, والاستلاب, وبولغَ في القسوةِ والظلم, حتى قُتِلَ الصبيان ووئدت البنات !!.
بُعث عليه الصلاة والسلام, والجاهليون العرب, أشبهُ بِقِطْعَانِ غَنَمٍ, ليس لهن راع, والسياسةُ كجملٍ هائج, حبلهُ على غاربه ؛ وأمامَ هذا الركامُ الهائلُ من الإرتكاسِ والانتكاس, في الفطرِ والعقول, والأحاسيسِ والمشاعر والتوجهاتِ والتصرفاتِ ؛ بدأ عليه الصلاةُ والسلام, مشَوَارَهُ العظيمِ مع الدعوةِ, بكل عزيمةٍ وثباتٍ, مستعيناً بربهِ ومولاهُ, طالباً المَدَدَ والعَوْنَ منه وحدهُ, فَصَدَعَ بالحقِ, غير هيابٍ ولاوجلٍ, وشمَّرَ عن ساعدِ الجدِ, مُقبلاً غيرَ مدبر, فلم يدعُ إلى إصلاحٍ اقتصادي, أو تكافلٍ اجتماعي, أو نظامٍ سياسي, وإن جاءت هذه القضايا تبعاً فيما بعد, وإنما ابتدأ بتصحيحِ العقيدةِ في النفوسِ, وتوحيدِ الله في العبادةِ, وتركِ عبادةِ الأصنامِ والأوثان.
وظلَّ يدعو إلى التوحيدِ, إلى لا إله إلا الله ثَلاثَ عَشْرةَ سنة, قبل أن يُأمرَ بالصلاةِ, والزكاةِ, والصوم, والحج, وقبل أن يُأمرَ بتركِ المحرماتِ, من الربا والزنا وشُربِ الخمرِ..
ثَلاَثَ عَشْرةَ سنة, والنبيُّ الصابرُ المحتسبُ, يدعو إلى كلمةٍ واحدةٍ, والتي لا قيمة لكل الكلماتِ بدونها..
يدعو إليها أهَلَهُ وعشيرته.. وقَوْمَهُ وقبيلته.. فقامت عليه الجاهليةُ ولم تقعد, وتصدى لـه أقربُ الناس إليه, فضلاً عن غيرهم , وعُذِّب هو وأتباعهُ, أقسى أنواعِ العذابِ , فـأدميتْ قدمَاهُ الشريفتان, وشجَّ رأسهُ, ووُضعَ سلى الجزورِ بين كتفيهِ, وهو ساجدٌ, واتُهم بالسحرِ, والشعوذةِ, والجنون..
ووُضعتْ الصخورُ الحاميةٌ, فوق صدرِ بلال.. وقُتلتْ سمية.. وعذبَّ عمارٌ, وخباب..!
كلُ ذلك, من أجلِ لا إله إلا الله كلمةِ التوحيدِ العظيمة, الذي ظنَّ كثيرٌ من السُّذجِ, والمغفلين اليوم, بأنها كلمةٌ تُقالُ فحسب, وما عَرَفَ أولئك أنها كلمةٌ قامت من أجلِها السمواتُ والأرض, وصَلَحَ عليها أمرُ الدنيا والآخرةِ, كلمةٌ أُسستْ من أجلِها الملة ونُصبتْ لها القبلةُ, وجردت لها سيوفُ الجهاد..
إنها الكلمة التي غيرتْ مسارَ التاريخِ, وحولتْ أمماً وشعوباً, من حالٍ إلى حال, والتي لا يمكنُ إحداثُ تغييرٍ آخر, إلا بغرسِها في النفوسِ, وتثبتها في القلوبِ مرةً أُخرى.
إنَّ معناها العظيمُ, يقضي من قائِلِها, تحقيقُ العبوديةِ الخالصةِ لله وحده, في كل ما يأتي ويذر!
إنَّ معناها : أن أُقرُّ واعترفُ, بأن للهَ تعالى هو المتفردُ بالألوهيةِ والوحدانيةِ, فلا إلهَ بحقٍ سواه, ولامعبودَ بصدقٍ إلا إياه!
وأنَّ مقاليدُ السمواتِ والأرض بيده فلا مَلَكَ, ولا وليَّ, ولا مدبر ولا متصرف إلا الله, وأنه الحاكمُ لامعقبَ لحُكمِه, ولا شريكَ له في ملكهِ, ولا ينفُذُ إلا أمره..
ولا أعترفُ إلا بشرعهِ, ولا أخضعُ إلا لقولهِ ولا أتوكلُ إلا عليه, ولا أخافُ إلا منه, ولا أذبحُ إلا له, ولا أدعوْ إلا إياه ولا أرجو أحداً سواه, وأنا أرفضُ كلَّ نوعٍ من أنواعِ العبودية, والطاعة والخضوع لغيرِ الله, ولا أخضعُ لدستورٍ, ولا نظامٍ, ولا قانونٍ, ولا تشريعٍ إلا إذا وافق شَرْعَ اللهِ وأمرهِ.. جل ثناؤه, وتقدست اسماؤه, فأنا مؤمنٌ باللهِ وحـَدَه , كافرٌ بكلِّ الطواغيتِ والآلهةِ من دونهِ, فهل تسمعُ الدنيا هذا الكلام؟!
ولما عَرَفَ الجاهليون الأوائل, عِظَم الكلمةِ, التي جاء بها محمدٌ r, وأنها تعني كلَّ ذلك, حارَبوهَا بضراوةٍ, وقاتَلوهَا بوحشيةٍ, فكل من شَعَرَ بخطورةِ تلك الكلمةِ على مصالحهِ, وَقَفَ أمامها وَقْفَة الأسدِ, واستَمَاتَ في الصد عنها, والتنديدِ بخطرها..
فقد أحسَّ الكهنةُ, والمشعوذون بخطورتِها على كِهانتهم وشعوذتهم, وأنها ستفرقُ الناسَ من حولهم, فكشَّروا عن أنيابهم وأعلنوا الحرب عليها, ورأى رؤساءُ العشائِر, أنَّ هذه الكلمةُ, ستقوضُ سلطَتَهم من القواعد, فهبوا للدفاع عن سلطتِهم, ومكانتِهم المهددة..
وكذلكَ أحسَّ الرأسماليون, والانتهازيون, بخطرٍ يهددُ مكاسبَهم الخبيثةَ, وأرصدتِهمُ الحرام, فاستشاطوا غضباً, وحنقاً, وتدافعوا يذودون بكل قواههم, عن تلك المكاسبِ الباطلة..
وكذلك أحسَّ بالخطرِ, عُبَّادُ القوميةِ الذين تعصبوا لقومياتِهم, وعصبياتِهم, وعبَدَوا التقاليدَ, والعادات, كما أحسَ بالخطر كذلك عُبَّادُ الشهواتِ والأهواءِ!!
وبالجملة أحسَّ عُبَّادُ تلكَ الأوثانِ والأصنامِ والأنداد, على اختلافِ أشكالِها ومسمياتها, بخطورةِ كلمةِ التوحيد, على مصالحِهم, وأطماعِهم, وتوجهاتِهم, فاتحدوا جميعاً لحربها, وحربِ حامل لوائها محمدٍ عليه الصلاة والسلام , وعَقَدوا العزمَ على مقاومته, ووضعِ العراقيلِ في طريقهِ, والنبيُ r, ماضٍ قـُدماً, في طريقهِ المليئةُ بالأشواكِ, واتباعُه صابرون محتسبون, حتى أَذِنَ اللهُ بالهجرةِ إلى المدينة, ليقيم دولةَ الإسلامِ العظيمة, على تقوى من اللهِ, ورضوان, ثم يعودُ بعد سنواتٍ قليلةٍ إلى مكةَ فاتحاً منتصراً, محطماً لأصنامها, وأوثانها, مقوضاً للجاهليةِ من القواعدِ حاملاً التوحيدَ العظيم, إلى أمِ القرى بعد أن ذاقتْ مرارةَ الوثنيةِ, واكتوتْ بنارِ العبوديةِ لغيرِ اللهِ زماناً طويلاً, فكانت بعثته عليه السلام أعظمَ مِنَّه وأجلَّ نعمةً, أظـهرَ اللهُ به دينهُ, وأعـزَّ به جُنده.
أعـوذ بالله من الشيطان الرجيم : ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)) ]التوبة:33[.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم, واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين,
أمَّا بعدُ:
فقد تبين فيما تقدم, أنَّ الشغلَ الشاغل, الذي استحَوََذ على تفكير النبي r واهتمامِه, طيلةَ العهدِ المكي على وجه الخصوص, هو تصحيحُ العقيدةِ في النفوسِ, واستنقاذُ الجموعِ الهائلةِ, من مستنقعِ الشركِ, وإعادتُها إلى الحنفيةِ السمحاء. وهذا المنهجَ الذي سار عليه النبي r, هو ذاتُ المنهجِ الذي سار عليه كلُ الأنبياءِ من قبله, فما من نبيٍ قَبَلَه إلا ودعا قوَمَه إلى التوحيد أولاً..
فقد قال نوحٌ لقـومه: ((يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ))]الأعراف: 59[, وقال نفس العبارة هودٌ, وصالحٌ, وشعيب, وغيرهم من الأنبياء.
ومن هنا نُدركُ, أنَّ أيَّ صلاحٍ ننشدهُ لأُمتنا, وأيَّ محاولةٍ لاستنقاذِها من تخلُفِها وانحطاطِها, لا يمكن أن يتحققَ له النجاحُ المطلوبُ, مادام التوحيدُ ضائعاً, والعقيدةُ ممتهنةً ؛ واليوم تعجُ مجتمعاتُ المسلمين في طولِ العالمِ الإسلامي, وعرضه, بالأوثانِ والآلهةِ الباطلةِ, فلا تكادُ تجدُ بلداً إسلامياً واحداً – إلا ما رحم ربي - إلا وقدْ انتشرتْ فيه الـوثنيةُ, وعمت فيها مظاهرُ الشركِ, وأوضحُ تلك المظاهرِ, من مظاهرِ الوثنية عبادةُ القبورِ والأضرحةِ, والمزارات, ودعاءُ الأمواتِ, والأولياء, من دون الله تعالى فتجدِ الناسَ زرافاتٍ ووحداناً, يطوفون بالقبورِ, والأضرحة, ويتمسحون بها ويتوسلون بالأمواتِ, في تفريجِ الكرباتِ, وشفاءِ المرضى, ورد الغائبين وذُبحتْ لتلك القبورِ القرابينُ, والذبائح, ونُذرتْ لها النذورُ, وقَصَدَها الناسُ من كلِ حَدَبٍ, وصوب.
وكلُ ذلك من الشركِ الأكبرِ, الذي يستوجبُ الخلودَ في النارِ, أبد الآباد (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) (النساء:48).
(( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ))]المائدة:72[.
وحصلتْ كلُ تلكَ المآسي, تحت سمعِ, وبصرِ علماءِ الضلالةِ, الذين باركوا تلك الممارساتِ وشجعوها, سعياً وراء شهوةٍ, أو شبهةٍ, وصَمتَ أكثرُ الباقين, واكتفوا بالحوقلةِ, والإسترجاع, وآثروا السلامةَ, على أن يخرجوا إلى المقابر والمزاراتِ, فيأخذوا على أيدي السفهاءِ, ويعيدوهم إلى جادةِ الصوابِ, ومن هنا يتبينُ خطأُ بعضِ الجماعاتِ المعاصرةِ, التي تنتمي إلى الدعوةِ, وهي لا تهتمُ بالعقيدة, وإنما تركزُ على أمورٍ جانبيةٍ, أخلاقيةٍ, وسلوكية, وهي ترى كـثيراً من الناسِ, يمارسون الشـركَ الأكبر, حول الأضرحةِ المبنيةِ على القبورِ, ولا تنكرُ ذلك, ولا تنهَى عنه, ولا تحذرُ منه, لا في كلمةٍ, ولا في محاضرةٍ, ولا في مؤلفٍ إلا قليلاً, بل قد يكونُ بين صفوفِ تلك الجماعاتِ من يمارسُ الشركَ, والتصوفَ المنحرف, فلا ينهونه, ولا ينبهونه, مع أنَّ البدايةَ بدعوةِ هؤلاءِ, وإصلاحِ عقائدهم, أولى من دعوةِ الملاحدةِ, والكفار المصرحينَ بكفرهم, لأنَّ الملاحدةَ والكفار, مقرون بكـفرهم, وأمـا القبوريون, والمتصوفةُ المنحرفون فيظنون أنهم مسلمون, وأنَّ ما هم عليه هو الإسلام , فيغترون ويُغْروُن غَيرَهم, واللهُ جل وعلا أمَرَنَا بالبدءِ بالكفارِ الأقربين, فقال تعالى : (( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ))]الشعراء:214[.
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا, ويقيناً صادقاً, وتوبةً قبلَ الموتِ, وراحةً بعد الموتِ, ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة, ولا فتنةً مضلة,
اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ, واجعلنا هُداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين, يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه, إمام المتقين, وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.
وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي
اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور, وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
الدعوة المحمدية وثورة الجاهلية
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران:102). (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1). (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) (الأحزاب:70-71).
أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ r وشرُّ الأمورِ مـُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار
أيَّها المسلمون :
يقولُ اللهُ تعالى في كتابه الكريم : (( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) (آل عمران:164) .
ففي هذه الآية العظيمة, يمتنُ الله تعالى على عبادهِ المؤمنين, ببعثةِ أفضلِ أنبيائه, وأشرفِ رسله, الذي ما عرفتْ البشريةُ قبلَه ولن تعرفَ بعدَهُ خيراً منه, لقد بُعِثَ عليه الصلاة ُوالسلام على حين فترةٍ من الرسل, وانقطاعٍ من السبل, في وقتٍ عمَّتْ الجاهليةُ الأرضَ, وسادت الفوضَى أصقاعَ المعمورة وضَرَبَ الشركُ بجذورٍ راسخةٍْ, تهونُ عنده الجبالُ الرواسي, وعاش الناسُ خواءً روحياً, وانحداراً أخلاقياً, وساد الدنيا ظلامٌ مخيفٌ, فلم تعدْ ترى من يوحدِ الله, إلا بقايا من أهلِ الكتاب, وانتشرتْ الأصنامُ, والأوثانُ في كل مكانٍ, وأصبحَ الناسُ يصلون لها ويسجدون, ويستغيثون بها ويستنصرون ويذبحون لها وينذرون.
وبلغ السخفُ, والحماقةُ بأولئك المغفلين حداً مخيفاً مفزعاً, فكان أحدهم إذا خرج بغنيماتهِ يرعاهنَّ في الباديةِ ولم يجد صنماً أو وثناً يصلي لـه ويعبده, حلب مِعْزَته فوق كومةٍ من ترابٍ, وصنع تمثالاً من طين, ثم أخذ يسجدُ له ويستغيثُ به, ثم يذهبُ, ويتركهُ!
بل بلغ السخفُ ببعضهم أدهى من ذلك وأمر, فكان بعضهم يُخرِجُ من جُعبتِه تمرةً أو تمرتين, فيسجدُ لها ويـركع, ثـم إذا أحـسَّ بالجوع, أكـل تمرتَه تلـك !
وصـدق الله إذا يقول: ((لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)) ]الحجر:72[.
هذه صورٌ, تعكس الحالةَ المفجعةَ, التي كانت تعيشها تلك القطعانُ البشريةُ الضالة, في ذلك الزمان الكئيب...
حتى أذنَ اللهُ تعالى, ببعثةِ النبيِ r, ليعيدَ للبشريةِ التائهة, صوابَها وعقلَها ! فقد وجَدَ النبيُ r إنساناً فسدتْ فطرتهُ, وفَسَدَ عقلُه, وفَسَدَ ذوقُه, فصار يستحلي المرَّ ويستطيبُ الخبيث, ويستمرئ الوخيم.
ووجد مجتمعاً, أصبحَ الذئبُ فيه راعياً, والخصمُ الجائرُ قاضياً, ولا أَنكَرَ في هذا المجتمعِ من المعروف ! ولا أَعرَفَ فيه من المنكر !!
فقد عوقرتْ الخمرُ إلى حدِ الإدمان, ومورستْ الرذيلةُ إلى حدِ الاستهتار, وتُوعُطِيَ بالربا إلى حد الاغتصابِ, والاستلاب, وبولغَ في القسوةِ والظلم, حتى قُتِلَ الصبيان ووئدت البنات !!.
بُعث عليه الصلاة والسلام, والجاهليون العرب, أشبهُ بِقِطْعَانِ غَنَمٍ, ليس لهن راع, والسياسةُ كجملٍ هائج, حبلهُ على غاربه ؛ وأمامَ هذا الركامُ الهائلُ من الإرتكاسِ والانتكاس, في الفطرِ والعقول, والأحاسيسِ والمشاعر والتوجهاتِ والتصرفاتِ ؛ بدأ عليه الصلاةُ والسلام, مشَوَارَهُ العظيمِ مع الدعوةِ, بكل عزيمةٍ وثباتٍ, مستعيناً بربهِ ومولاهُ, طالباً المَدَدَ والعَوْنَ منه وحدهُ, فَصَدَعَ بالحقِ, غير هيابٍ ولاوجلٍ, وشمَّرَ عن ساعدِ الجدِ, مُقبلاً غيرَ مدبر, فلم يدعُ إلى إصلاحٍ اقتصادي, أو تكافلٍ اجتماعي, أو نظامٍ سياسي, وإن جاءت هذه القضايا تبعاً فيما بعد, وإنما ابتدأ بتصحيحِ العقيدةِ في النفوسِ, وتوحيدِ الله في العبادةِ, وتركِ عبادةِ الأصنامِ والأوثان.
وظلَّ يدعو إلى التوحيدِ, إلى لا إله إلا الله ثَلاثَ عَشْرةَ سنة, قبل أن يُأمرَ بالصلاةِ, والزكاةِ, والصوم, والحج, وقبل أن يُأمرَ بتركِ المحرماتِ, من الربا والزنا وشُربِ الخمرِ..
ثَلاَثَ عَشْرةَ سنة, والنبيُّ الصابرُ المحتسبُ, يدعو إلى كلمةٍ واحدةٍ, والتي لا قيمة لكل الكلماتِ بدونها..
يدعو إليها أهَلَهُ وعشيرته.. وقَوْمَهُ وقبيلته.. فقامت عليه الجاهليةُ ولم تقعد, وتصدى لـه أقربُ الناس إليه, فضلاً عن غيرهم , وعُذِّب هو وأتباعهُ, أقسى أنواعِ العذابِ , فـأدميتْ قدمَاهُ الشريفتان, وشجَّ رأسهُ, ووُضعَ سلى الجزورِ بين كتفيهِ, وهو ساجدٌ, واتُهم بالسحرِ, والشعوذةِ, والجنون..
ووُضعتْ الصخورُ الحاميةٌ, فوق صدرِ بلال.. وقُتلتْ سمية.. وعذبَّ عمارٌ, وخباب..!
كلُ ذلك, من أجلِ لا إله إلا الله كلمةِ التوحيدِ العظيمة, الذي ظنَّ كثيرٌ من السُّذجِ, والمغفلين اليوم, بأنها كلمةٌ تُقالُ فحسب, وما عَرَفَ أولئك أنها كلمةٌ قامت من أجلِها السمواتُ والأرض, وصَلَحَ عليها أمرُ الدنيا والآخرةِ, كلمةٌ أُسستْ من أجلِها الملة ونُصبتْ لها القبلةُ, وجردت لها سيوفُ الجهاد..
إنها الكلمة التي غيرتْ مسارَ التاريخِ, وحولتْ أمماً وشعوباً, من حالٍ إلى حال, والتي لا يمكنُ إحداثُ تغييرٍ آخر, إلا بغرسِها في النفوسِ, وتثبتها في القلوبِ مرةً أُخرى.
إنَّ معناها العظيمُ, يقضي من قائِلِها, تحقيقُ العبوديةِ الخالصةِ لله وحده, في كل ما يأتي ويذر!
إنَّ معناها : أن أُقرُّ واعترفُ, بأن للهَ تعالى هو المتفردُ بالألوهيةِ والوحدانيةِ, فلا إلهَ بحقٍ سواه, ولامعبودَ بصدقٍ إلا إياه!
وأنَّ مقاليدُ السمواتِ والأرض بيده فلا مَلَكَ, ولا وليَّ, ولا مدبر ولا متصرف إلا الله, وأنه الحاكمُ لامعقبَ لحُكمِه, ولا شريكَ له في ملكهِ, ولا ينفُذُ إلا أمره..
ولا أعترفُ إلا بشرعهِ, ولا أخضعُ إلا لقولهِ ولا أتوكلُ إلا عليه, ولا أخافُ إلا منه, ولا أذبحُ إلا له, ولا أدعوْ إلا إياه ولا أرجو أحداً سواه, وأنا أرفضُ كلَّ نوعٍ من أنواعِ العبودية, والطاعة والخضوع لغيرِ الله, ولا أخضعُ لدستورٍ, ولا نظامٍ, ولا قانونٍ, ولا تشريعٍ إلا إذا وافق شَرْعَ اللهِ وأمرهِ.. جل ثناؤه, وتقدست اسماؤه, فأنا مؤمنٌ باللهِ وحـَدَه , كافرٌ بكلِّ الطواغيتِ والآلهةِ من دونهِ, فهل تسمعُ الدنيا هذا الكلام؟!
ولما عَرَفَ الجاهليون الأوائل, عِظَم الكلمةِ, التي جاء بها محمدٌ r, وأنها تعني كلَّ ذلك, حارَبوهَا بضراوةٍ, وقاتَلوهَا بوحشيةٍ, فكل من شَعَرَ بخطورةِ تلك الكلمةِ على مصالحهِ, وَقَفَ أمامها وَقْفَة الأسدِ, واستَمَاتَ في الصد عنها, والتنديدِ بخطرها..
فقد أحسَّ الكهنةُ, والمشعوذون بخطورتِها على كِهانتهم وشعوذتهم, وأنها ستفرقُ الناسَ من حولهم, فكشَّروا عن أنيابهم وأعلنوا الحرب عليها, ورأى رؤساءُ العشائِر, أنَّ هذه الكلمةُ, ستقوضُ سلطَتَهم من القواعد, فهبوا للدفاع عن سلطتِهم, ومكانتِهم المهددة..
وكذلكَ أحسَّ الرأسماليون, والانتهازيون, بخطرٍ يهددُ مكاسبَهم الخبيثةَ, وأرصدتِهمُ الحرام, فاستشاطوا غضباً, وحنقاً, وتدافعوا يذودون بكل قواههم, عن تلك المكاسبِ الباطلة..
وكذلك أحسَّ بالخطرِ, عُبَّادُ القوميةِ الذين تعصبوا لقومياتِهم, وعصبياتِهم, وعبَدَوا التقاليدَ, والعادات, كما أحسَ بالخطر كذلك عُبَّادُ الشهواتِ والأهواءِ!!
وبالجملة أحسَّ عُبَّادُ تلكَ الأوثانِ والأصنامِ والأنداد, على اختلافِ أشكالِها ومسمياتها, بخطورةِ كلمةِ التوحيد, على مصالحِهم, وأطماعِهم, وتوجهاتِهم, فاتحدوا جميعاً لحربها, وحربِ حامل لوائها محمدٍ عليه الصلاة والسلام , وعَقَدوا العزمَ على مقاومته, ووضعِ العراقيلِ في طريقهِ, والنبيُ r, ماضٍ قـُدماً, في طريقهِ المليئةُ بالأشواكِ, واتباعُه صابرون محتسبون, حتى أَذِنَ اللهُ بالهجرةِ إلى المدينة, ليقيم دولةَ الإسلامِ العظيمة, على تقوى من اللهِ, ورضوان, ثم يعودُ بعد سنواتٍ قليلةٍ إلى مكةَ فاتحاً منتصراً, محطماً لأصنامها, وأوثانها, مقوضاً للجاهليةِ من القواعدِ حاملاً التوحيدَ العظيم, إلى أمِ القرى بعد أن ذاقتْ مرارةَ الوثنيةِ, واكتوتْ بنارِ العبوديةِ لغيرِ اللهِ زماناً طويلاً, فكانت بعثته عليه السلام أعظمَ مِنَّه وأجلَّ نعمةً, أظـهرَ اللهُ به دينهُ, وأعـزَّ به جُنده.
أعـوذ بالله من الشيطان الرجيم : ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)) ]التوبة:33[.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم, واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين,
أمَّا بعدُ:
فقد تبين فيما تقدم, أنَّ الشغلَ الشاغل, الذي استحَوََذ على تفكير النبي r واهتمامِه, طيلةَ العهدِ المكي على وجه الخصوص, هو تصحيحُ العقيدةِ في النفوسِ, واستنقاذُ الجموعِ الهائلةِ, من مستنقعِ الشركِ, وإعادتُها إلى الحنفيةِ السمحاء. وهذا المنهجَ الذي سار عليه النبي r, هو ذاتُ المنهجِ الذي سار عليه كلُ الأنبياءِ من قبله, فما من نبيٍ قَبَلَه إلا ودعا قوَمَه إلى التوحيد أولاً..
فقد قال نوحٌ لقـومه: ((يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ))]الأعراف: 59[, وقال نفس العبارة هودٌ, وصالحٌ, وشعيب, وغيرهم من الأنبياء.
ومن هنا نُدركُ, أنَّ أيَّ صلاحٍ ننشدهُ لأُمتنا, وأيَّ محاولةٍ لاستنقاذِها من تخلُفِها وانحطاطِها, لا يمكن أن يتحققَ له النجاحُ المطلوبُ, مادام التوحيدُ ضائعاً, والعقيدةُ ممتهنةً ؛ واليوم تعجُ مجتمعاتُ المسلمين في طولِ العالمِ الإسلامي, وعرضه, بالأوثانِ والآلهةِ الباطلةِ, فلا تكادُ تجدُ بلداً إسلامياً واحداً – إلا ما رحم ربي - إلا وقدْ انتشرتْ فيه الـوثنيةُ, وعمت فيها مظاهرُ الشركِ, وأوضحُ تلك المظاهرِ, من مظاهرِ الوثنية عبادةُ القبورِ والأضرحةِ, والمزارات, ودعاءُ الأمواتِ, والأولياء, من دون الله تعالى فتجدِ الناسَ زرافاتٍ ووحداناً, يطوفون بالقبورِ, والأضرحة, ويتمسحون بها ويتوسلون بالأمواتِ, في تفريجِ الكرباتِ, وشفاءِ المرضى, ورد الغائبين وذُبحتْ لتلك القبورِ القرابينُ, والذبائح, ونُذرتْ لها النذورُ, وقَصَدَها الناسُ من كلِ حَدَبٍ, وصوب.
وكلُ ذلك من الشركِ الأكبرِ, الذي يستوجبُ الخلودَ في النارِ, أبد الآباد (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) (النساء:48).
(( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ))]المائدة:72[.
وحصلتْ كلُ تلكَ المآسي, تحت سمعِ, وبصرِ علماءِ الضلالةِ, الذين باركوا تلك الممارساتِ وشجعوها, سعياً وراء شهوةٍ, أو شبهةٍ, وصَمتَ أكثرُ الباقين, واكتفوا بالحوقلةِ, والإسترجاع, وآثروا السلامةَ, على أن يخرجوا إلى المقابر والمزاراتِ, فيأخذوا على أيدي السفهاءِ, ويعيدوهم إلى جادةِ الصوابِ, ومن هنا يتبينُ خطأُ بعضِ الجماعاتِ المعاصرةِ, التي تنتمي إلى الدعوةِ, وهي لا تهتمُ بالعقيدة, وإنما تركزُ على أمورٍ جانبيةٍ, أخلاقيةٍ, وسلوكية, وهي ترى كـثيراً من الناسِ, يمارسون الشـركَ الأكبر, حول الأضرحةِ المبنيةِ على القبورِ, ولا تنكرُ ذلك, ولا تنهَى عنه, ولا تحذرُ منه, لا في كلمةٍ, ولا في محاضرةٍ, ولا في مؤلفٍ إلا قليلاً, بل قد يكونُ بين صفوفِ تلك الجماعاتِ من يمارسُ الشركَ, والتصوفَ المنحرف, فلا ينهونه, ولا ينبهونه, مع أنَّ البدايةَ بدعوةِ هؤلاءِ, وإصلاحِ عقائدهم, أولى من دعوةِ الملاحدةِ, والكفار المصرحينَ بكفرهم, لأنَّ الملاحدةَ والكفار, مقرون بكـفرهم, وأمـا القبوريون, والمتصوفةُ المنحرفون فيظنون أنهم مسلمون, وأنَّ ما هم عليه هو الإسلام , فيغترون ويُغْروُن غَيرَهم, واللهُ جل وعلا أمَرَنَا بالبدءِ بالكفارِ الأقربين, فقال تعالى : (( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ))]الشعراء:214[.
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا, ويقيناً صادقاً, وتوبةً قبلَ الموتِ, وراحةً بعد الموتِ, ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة, ولا فتنةً مضلة,
اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ, واجعلنا هُداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين, يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه, إمام المتقين, وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.
وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي
اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور, وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى