رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ , ونستغفرهُ , ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا , منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ , ومنْ يُضلل فلا هاديَ له ، وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله .) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( ]آل عمران:102[ .) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ( ] النساء:1[.) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ( ]الأحزاب:70-71[.
أما بعد : فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ , وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها , وكلَّ محدثةٍ بدعة , وكلَّ بدعةٍ ضلالة , وكلَّ ضلالةٍ في النار ..
أما بعدُ ، أيها المسلمون :
فإنَّ لهذه الأمةِ خصائصَ تُميزها ، ومزايا تخُصها ، تنفردُ بها عن غيرِها من الأمم ، ولا عجب !! فهي الأمةُ الوسط ,وهي الأمةُ المجتباة ,وهي الأمةُ المختارة لتكونَ شاهدةً على الأمم مُقدمةً على الشعوب .هذه المرتبةُ المتميزة ، والمكانةُ المتسنمةُ فوق القمم ، لم تكنْ لتحدثَ هكذا اغتباطاً , فهي ليست لسوادٍ في أعينِ أبنائِها, ولا لفتوةٍ في مناكبِ شبابها ,ولكنْ ، ]كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ[ (آل عمران: 110)!!فبالأمرِ بالمعروف ، وبالنهي عن المنكر , حظيت الأمةُ برفعةِ المنزلة , وفازتْ بقصبِ السبق وتسنمتْ علوَ المقام , ولنا أن نتساءل ! تُرى ، أما زالتِ الأمةُ ، محتفظةً بأسبابِ رفعتها, ومناطِ عزِّها وفخرِها ؟أما زالتْ السفينة ، محتفظةً بتوازنِها ممتنعة,ً متحصنةً ممنْ يريدونَ خرقهَا, ويجتهدونَ في إغراقِها ؟ تجيبُك أيها الأخُ الكريم ، تلك الجموعُ الهائلةِ ، حولَ الأضرحةِ, والمشاهد ، تستغيثُ بغير اللهِ سبحانه ، وتنزلُ بحوائجِها بمنْ لا يملكُ نفعاً ولا ضُراً ، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً .وتجيبك جموعُ المتخلفينَ عن الصلواتِ المكتوبة , المنشغلينَ عنها بسفا سفِ الأمور .. وخيبةِ الدهورِ. تجيبك تلك الأجسادُ العارية ,على شواطئِ البحار ، وضفافِ الأنهار, باسم الترفيهِ والاستجمام . تجيبك حاناتُ الخمورِ ، وملاعبُ القمار, ودورُ السينما, ومراتع الفساد المنتشرةُ في كثيرٍ من بلادِ المسلمين . تجيبك ، تلك الأجيالُ الهزيلة ، من ذوي الاهتماماتِ التافهةِ ، والهواياتِ السخيفة, والتي لا تتعدى في مجموعِها صقلَ الوجوهِ, وتلميعَها , وتصفيفَ الشعورِ, وتسريحَها , ومتابعةَ الكرةِ, والتصفيقَ لها .
أيها المسلمون ، هذه بعضُ الثمراتِ المُرَّة في بعضِ ديارِ المسلمين ، والتي نتجتْ يومَ عُطِّلت فريضةُ الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر , وأصبح كلُ ( ذي هوىً ) حراً في فعلِ ما يشاء , في الوقت الذي يشاء ، دون حسيبٍ أو رقيب .وأمامَ هذا الإسفاف ، يتساءلُ المسلمُ الغيور . ماذا تُراه يصنع ، أمام هذا الطوفانِ الجارف ، والركامِ النكد ؟أتُراه يقفُ مكتوفَ اليدين ، متمسكاً بالحوقلةِ, والترجيع ملقياً بالتبعةِ على غيره ؟ مردداً :
ذهبَ الذينَ يعاشُ في أكتافهم *** وبقيتُ في كنفٍ كجلدِ الأجربِِ
يتحدثـــون مخافةً وملاذةً *** ويعابُ قائلهم وإن لم يشغبِ
أم تُراه ينجفلُ إلى أهله , مردداً بينه وبين نفسِه ، أملكْ عليك لسانَك ، وابكِ على خطيئتِك , ولْيسعُكَ بيتُك .إنَّ الإجابةَ أيها الغيورُ على محارمِ الله , تجدْها في قولِه جلَّ جلاله:{ فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ } وفي قوله عليه السلام : « والذي نفسي بيده ، لتَأمرنَّ بالمعروف ، ولتنهوُنَّ عن المنكر ، أو ليوشكنَّ الله ، أن يبعثَ عليكم عقاباً من عنده ، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم » [1].
أمةَ الإسلام ، إنَّ السبيلَ الوحيد ، للحفاظِ على بنيةِ الأمةِ, وتماسكها ، في عقائدِها وأخلاقها ، وقيمِها, ومبادئها. هو بإقامةِ فريضةِ الأمرِ بالمعروف ، والنهيِ عن المنكر وفق منهاجِ النبوة , دون أن تَغرَّنا صولةُ الباطلِ, وجولتُه ، وبريقُه, ولمعانه . فمتى تظافرتْ الجهودُ ، وحَسنت النوايا ، وصدقتْ العزائم ، انكمشَ الشرُّ وانزوى ، ثم تلاشى, وانطفا, واقرأ إنْ شئتَ قولَه تعالى : ] بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [ وقولَه : ] فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [ ..
أيها المسلمون ، كم يُخطىءُ البعض, حينَ ، يلجأونَ إلى المقاييسِ المادية ، ويَعقدونَ المقارناتِ الحسية ، بين الباطلِ, وكثرةِ سوادهِ ، وبين الحقِّ, وأهلهِ الغرباء فاللجُوئي إلى مثلِ هذه المقاييس ، خطأُ فادحٌ, وغلطٌ كبير ، يَشلُ الحركة ، ويُثبط الهمم, ويُفترُ الحماس ، ويبعثرُ الجهود , ويعطّلُ مسيرةَ البناءِ ، فالصراعُ بين الفضيلةِ والرذيلة لا يخضعُ أبداً لتلك المقاييسِ الأرضيةِ .. ولا لتلك المعاييرِ الحسية , وإلاَّ لما ذاقَ المسلمونَ حلاوةَ النصرِ في بدرٍ, والقادسية ، وعينِ جالوتٍ, وغيرها ، من ملاحمِ أُسد الشرى ، ونمورِ الورى . ولو كانَ الصراعُ يخضعُ لحسابِ العددِ والعُدة, لما خاضَ داعيةٌ, غمارَ الدعوةِ إلى الله ، ولما سابقَ مصلحٌ في مضمارِ الذبِ عن دينِ الله , هذا الإمامُ المجدد ، شيخُ الإسلام قدَّس اللهُ روحَه ... يرفعُ لواءَ السلفيةِ في نجد ، وحيداً فريداً , يومَ كانتْ نجدٌ بؤرةَ الإلحاد ، ومستنقعَ الوثنية ، يوم كانتْ عبادةُ القبور على قدمٍ, وساق , وتعظيمُ الأحجارِ, والأشجارِ ، يعصفُ بما تبقى من عقولِ الرجال ، ويذيبُ ما عَلُقَ بالنفوس ، من مروءةٍ, ورجولة . رفعَ الإمامُ البطل ، لواءَ دعوتهِ, وجاهدَ تلكَ النماذجَ المهترئةَ من البشر ، غيرَ هيابٍ, ولا وجلٍ, ووقفَ راسخَ القدمين ، أمامَ إعصارِ الفساد المدمر ، مستعيناً بالله , متوكلاً عليه ، حتى قيض اللهُ للإمامِ من يساندهُ , ويقفُ معه في خندقٍ واحد ، حتى تحققتْ المعجزة ، وتجسد الحُلم, حقيقةً فوق أرض الواقع ,وزهق الباطل , وعادت نجدٌ دوحةَ الإسلام ، ومعقلَ التوحيد ، ولمثل هذا فليعمل العاملون ، هذا أنموذجٌ واحد وغيره كثير , إذاً فالصراع بين الحقِ والباطل ، وبين الفضيلةِ والرذيلة ليس بخاضعٍ أبداً إلى حساباتٍ من نوع واحد + واحد يساوي اثنين .وإنَّما هو يخضع لمثلِ قولهِ تعالى : ] وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [ ..ولمثلِ قوله : ] كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [ ولمثل قوله جلَّ جلاله : ] فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ * وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ *وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [ وغيرها من الآياتِ الواضحات البينات التي تؤكد أنَّ العاقبةَ للتقوى ، وأنَّ المستقبلَ للإسلام ، وأنَّ القوةَ لله جميعاً ، وأنَّ الله شديدُ العذاب .
أيها الأحبةُ في الله : إنَّ قضيةَ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر ، ليستْ قضيةً خاضعةً للبحثِ, والمناقشة ،وتبادلِ وجهاتِ النظر, هل تكونُ أو لا تكون ؟!ولكنَّها قضيةٌ محسومة سلفاً باعتبارِها ركيزةً من ركائزِ الدين ، وعموداً من أعمدةِ الإسلام وما ذلك إلا لكونِ المُنكر ليسَ مجردَ مسألةٍ شخصية ، تتعلقُ بشخصِ المُنكر ، أو بشخصيةِ المُنكرِ عليه ,كلاّ ، كلاّ . ولكنَّ المسألة ، لها علاقةٌ جدُّ وثيقة بكيانِ الأمةِ كلِّها ، فشيوعُ المخالفاتِ الشرعية ، ضربٌ للأمةِ في الصميم ، وتمزيقٌ لوحدتِها دون شكٍ, أو تردد ,وحديثُ السفينةِ المشهور ، شاهدٌ حي ، بأنَّ أثرَ المُنكرِ ، يتجاوزُ حيزَ صاحبهِ ، ليمتدَّ بشؤمهِ ، وأثرهِ البغيض ، فيغمر المجتمعَ كلَّه , بظلالهِ القائمةِ السوداء فحين تُخرق السفينة ، فلن يميزُ الطوفانُ الجارف ، بين مَن خرقَها ، ومنْ لم يخرقْها ولكنَّه سيدفنُ الجميع ، تحتَ أمواجهِ العاتية .
لقد ظلَّ أنسٌ رضي الله عنه يخدمُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عشرَ سنين ، كما حدَّث هو بنفسه ، فلم يقلْ لـه يوماً ، لشيءٍ فعلَه لم فعلته ؟ ولا لشيءٍ لم يفعلْه هلاَّ فعلته ([2]),يا لله العجب ، عشرُ سنين من التجاورِ المعيشي! والتلاصق المباشر وَرُغم ذلك ، لم يحصلْ العتاب, أو الإنكار ! ولا لمرةٍ واحدة ، فهلْ كانَ أنسٌ معصوماً بحيثُ لا يخطئ ، أو يفعلْ خلافَ الأولى على أقلِّ تقدير ؟!كلاَّ ، كلاَّ فأنسٌ لم يكنْ معصوماً . بل كانَ يُخطئ ، وقد يصنع أحياناً ما لا يعجبُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالضرورة ، لكنّهُ لم يسمعْ عتاباً, ولا إنكاراً , لأنَّ المسألة شخصيةٌ بحته ، تتعلقُ بشخصِ الرسول فقط, ولا مساسَ لها بمستقبلِ الأمةِ, وكيانِها فالتسامُحُ فيها مطلوب ، وغضُّ الطرفِ لمثلها مندوب, لكنْ إليك يا رعاك الله مواقفَ أخرى يحمرُّ فيها وجهُ رسولِ الله غضباً ، حين تقعُ المخالفةُ الشرعية ويجترئُ البعضُ على حدودِ الله, فيبادرُ عليه السلام إلى إنكارِ المنكر ، في ساعاتِه الأولى ، دون أنْ يصبرَ عشرَ سنين ، صبرَه على أنسٍ خادمِه .هذه بريرة ، أمةٌ ضعيفةٌ مسكينة ، يعلنُ أسيادُها عن رغبتهِم في بيعها, فتتقدمُ عائشةُ لشرائِها وعتقِها ، على أن يكونَ الولاءُ لها .
فيأبى الأسيادُ ، إلاّ أنْ يكونَ الولاءُ لهم ، في تعدٍ مكشوف ، على شرع اللهِ المطهر ودينهِ المصون . فماذا صنعَ رسولُ الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ هل غضَّ الطرف ، وابتسمَ في وجوهِ القوم ، ابتسامتَه للأعرابي يوم جَذَبَ معطفَه ، فاحمرَّ لجذبتهِ جنبهُ الطاهر ؟!لقد صعد المنبر ، وخطبَ خطبةً عصماء ، أنكرَ المنكرَ بشجاعةٍ ، وصدعَ بكلمتهِ المشهورة ، (ما بالُ أقوامٍ يشترطونَ شروطاً ليست في كتاب الله ، أيُّما شرطٍ ليسَ في كتابِ الله فهو باطل ، وإن كانَ مائةَ شرط « إنَّما الولاءُ لمن أعتق»([3]) لما كلُّ هذا الغضب ، يا رسولَ الله ، لما كلُ هذا الغضب ؟ والجواب إنه منكر لا يتعلقُ بشخصهِ الكريم ، وإلا لوسعهُ حلمهُ العظيم ، فقد عوَّد الأمة ، أن يكون حليماً في مواقفَ لا تُعدُ, ولا تحصى .ولكن المنكر هذه المرة ، لكنَّ المنكر في حادثة بريره يمسُّ التشريعَ الإسلاميَ , في الصميم , ويصيبهُ في مقتل, فقد وجدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نفسَه أمامَ أناسٍ ، يريدون أن يجعلوا من أنفسهِم مشرعين ، بسنهم لأنظمة ووضعِهم لشروط ، ما أنزلَ اللهُ بها من سلطان . فكان إنكارهُ عليه الصلاة و السلام ، سريعاً, حازماً ، وقوياً ,حاسماً . ولمَّا استنصرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابَه إلى تبوك ، تخلفَ كعبٌ, وصاحباه دونَ مبررٍ معقول ، أو مسوغٍ مقبول ، حتى إذا ما رجعَ رسولُ اللهِ بالجيشِ إلى المدينة ، إذا به يتخذُ موقفَه الصلب ، وإجراءَه الصارم بحقِّ الثلاثةِ الذين خُلِّفوا, فيأمرُ بهجرِهم ، ويُحرِّمُ محادثتَهم ويفرضُ حولَهم سياجاً, منيعاً من العزلة . حتى ضاقتْ عليهم الأرضُ بما رحبت ، وضاقتْ عليهم أنفسهم ,!فلما كلُّ هذا ، يا رسولَ الله ؟ لما كلُّ هذا ؟
والجواب ، أنَّ الخطأ الذي ارتكبهُ الثلاثة ، والمنكرَ الذي اقترفوه ، له مساسٌ بكيانِ الدولة برمتها ، وكان يمكن ، أن يؤثرَ سَلْباً في نفسياتِ الجيش ، المتجهِ لمقاومةِ جيشِ يفوقُه عدداً, وعدة ، وذلكَ أمرٌ لا يخضعْ أبداً للأمزجةِ الشخصية , أو للأهواءِ النفسية , أو لتصرفاتٍ غير مسؤولة .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .....
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع , ويخفض ويرفع , ويضر وينفع , ألا إلى الله تصير الأمور , أما بعد :
أيها المسلمون : فقد لُعنت الأمةُ الإسرائيليةُ في القرآن الكريم ، على لسانِ نبيين كريمينِ يوم عُطِّل جانبُ الأمرِ بالمعروف ، والنهيِ عن المنكر ، فعمَّ مجتمعهم الآسن منكراتُ الأهواءِ , والأدواء ] لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ( (المائدة:78) .
ومجتمعاتُ المسلمينَ اليوم ، بحاجة إلى مدافعةِ ما فيها من منكراتٍ ، ومقاومةِ ما عمَّها من رذائلَ, صوناً لعقائدِ المسلمينَ ، وذباً عن أعراضِهم ، وأخذاً على يدِ السفهاء ، الذين يخرقونَ السفينة ، ويَعقرون الناقة على إنْ يكونَ الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر وفقَ ضوابطهِ الشرعية ، وأن تُؤتى البيوتُ من أبوابها ، بعيداً عن التشنجِ, والانفعال ,ولايتوهمنّ أحدٌ , أنَّ صلاحَه في نفسِه, وأهله ، كافٍ في نجاتهِ وسلامته ، ففي هذا الوهم ، تكونُ مزلةُ القدم ، وعثرةُ الكِرام ، فالجبارُ جلَّ جلاله يقول : ]وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [ وفي حديثِ زينب أنهلكُ وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثُر الخبث ! فمهلاً يا رعاك الله ، فلن تنجوَ بصلاحِكَ, وإنَّما تنجوَ بإصلاحك .
واسمعْ غير مأمور ] فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [ .
وحذاري يرحمُك الله ، من التوكلِ, والكسل ، والتملصِ من الواجب ، اكتفاءً بالنقدِ, والتوجع , وندبِ الزمانِ البائسِ المنكود . فهذا عجزٌ, وخنوع ، وإخلالٌ بالأمانة ، وإقرارٌ للمنكر شئنا أم أبينا .
اللهم إنا نسألك ..
-------------------------------------
[1]- رواه الترمذي (2169) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه .
[2]- رواه أحمد (12622) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .
[3]- رواه البخاري (1422) من حديث عائشة رضي الله عنها .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الدكتور رياض بن محمد المسيميري
أما بعد : فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ , وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها , وكلَّ محدثةٍ بدعة , وكلَّ بدعةٍ ضلالة , وكلَّ ضلالةٍ في النار ..
أما بعدُ ، أيها المسلمون :
فإنَّ لهذه الأمةِ خصائصَ تُميزها ، ومزايا تخُصها ، تنفردُ بها عن غيرِها من الأمم ، ولا عجب !! فهي الأمةُ الوسط ,وهي الأمةُ المجتباة ,وهي الأمةُ المختارة لتكونَ شاهدةً على الأمم مُقدمةً على الشعوب .هذه المرتبةُ المتميزة ، والمكانةُ المتسنمةُ فوق القمم ، لم تكنْ لتحدثَ هكذا اغتباطاً , فهي ليست لسوادٍ في أعينِ أبنائِها, ولا لفتوةٍ في مناكبِ شبابها ,ولكنْ ، ]كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ[ (آل عمران: 110)!!فبالأمرِ بالمعروف ، وبالنهي عن المنكر , حظيت الأمةُ برفعةِ المنزلة , وفازتْ بقصبِ السبق وتسنمتْ علوَ المقام , ولنا أن نتساءل ! تُرى ، أما زالتِ الأمةُ ، محتفظةً بأسبابِ رفعتها, ومناطِ عزِّها وفخرِها ؟أما زالتْ السفينة ، محتفظةً بتوازنِها ممتنعة,ً متحصنةً ممنْ يريدونَ خرقهَا, ويجتهدونَ في إغراقِها ؟ تجيبُك أيها الأخُ الكريم ، تلك الجموعُ الهائلةِ ، حولَ الأضرحةِ, والمشاهد ، تستغيثُ بغير اللهِ سبحانه ، وتنزلُ بحوائجِها بمنْ لا يملكُ نفعاً ولا ضُراً ، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً .وتجيبك جموعُ المتخلفينَ عن الصلواتِ المكتوبة , المنشغلينَ عنها بسفا سفِ الأمور .. وخيبةِ الدهورِ. تجيبك تلك الأجسادُ العارية ,على شواطئِ البحار ، وضفافِ الأنهار, باسم الترفيهِ والاستجمام . تجيبك حاناتُ الخمورِ ، وملاعبُ القمار, ودورُ السينما, ومراتع الفساد المنتشرةُ في كثيرٍ من بلادِ المسلمين . تجيبك ، تلك الأجيالُ الهزيلة ، من ذوي الاهتماماتِ التافهةِ ، والهواياتِ السخيفة, والتي لا تتعدى في مجموعِها صقلَ الوجوهِ, وتلميعَها , وتصفيفَ الشعورِ, وتسريحَها , ومتابعةَ الكرةِ, والتصفيقَ لها .
أيها المسلمون ، هذه بعضُ الثمراتِ المُرَّة في بعضِ ديارِ المسلمين ، والتي نتجتْ يومَ عُطِّلت فريضةُ الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر , وأصبح كلُ ( ذي هوىً ) حراً في فعلِ ما يشاء , في الوقت الذي يشاء ، دون حسيبٍ أو رقيب .وأمامَ هذا الإسفاف ، يتساءلُ المسلمُ الغيور . ماذا تُراه يصنع ، أمام هذا الطوفانِ الجارف ، والركامِ النكد ؟أتُراه يقفُ مكتوفَ اليدين ، متمسكاً بالحوقلةِ, والترجيع ملقياً بالتبعةِ على غيره ؟ مردداً :
ذهبَ الذينَ يعاشُ في أكتافهم *** وبقيتُ في كنفٍ كجلدِ الأجربِِ
يتحدثـــون مخافةً وملاذةً *** ويعابُ قائلهم وإن لم يشغبِ
أم تُراه ينجفلُ إلى أهله , مردداً بينه وبين نفسِه ، أملكْ عليك لسانَك ، وابكِ على خطيئتِك , ولْيسعُكَ بيتُك .إنَّ الإجابةَ أيها الغيورُ على محارمِ الله , تجدْها في قولِه جلَّ جلاله:{ فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ } وفي قوله عليه السلام : « والذي نفسي بيده ، لتَأمرنَّ بالمعروف ، ولتنهوُنَّ عن المنكر ، أو ليوشكنَّ الله ، أن يبعثَ عليكم عقاباً من عنده ، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم » [1].
أمةَ الإسلام ، إنَّ السبيلَ الوحيد ، للحفاظِ على بنيةِ الأمةِ, وتماسكها ، في عقائدِها وأخلاقها ، وقيمِها, ومبادئها. هو بإقامةِ فريضةِ الأمرِ بالمعروف ، والنهيِ عن المنكر وفق منهاجِ النبوة , دون أن تَغرَّنا صولةُ الباطلِ, وجولتُه ، وبريقُه, ولمعانه . فمتى تظافرتْ الجهودُ ، وحَسنت النوايا ، وصدقتْ العزائم ، انكمشَ الشرُّ وانزوى ، ثم تلاشى, وانطفا, واقرأ إنْ شئتَ قولَه تعالى : ] بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [ وقولَه : ] فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [ ..
أيها المسلمون ، كم يُخطىءُ البعض, حينَ ، يلجأونَ إلى المقاييسِ المادية ، ويَعقدونَ المقارناتِ الحسية ، بين الباطلِ, وكثرةِ سوادهِ ، وبين الحقِّ, وأهلهِ الغرباء فاللجُوئي إلى مثلِ هذه المقاييس ، خطأُ فادحٌ, وغلطٌ كبير ، يَشلُ الحركة ، ويُثبط الهمم, ويُفترُ الحماس ، ويبعثرُ الجهود , ويعطّلُ مسيرةَ البناءِ ، فالصراعُ بين الفضيلةِ والرذيلة لا يخضعُ أبداً لتلك المقاييسِ الأرضيةِ .. ولا لتلك المعاييرِ الحسية , وإلاَّ لما ذاقَ المسلمونَ حلاوةَ النصرِ في بدرٍ, والقادسية ، وعينِ جالوتٍ, وغيرها ، من ملاحمِ أُسد الشرى ، ونمورِ الورى . ولو كانَ الصراعُ يخضعُ لحسابِ العددِ والعُدة, لما خاضَ داعيةٌ, غمارَ الدعوةِ إلى الله ، ولما سابقَ مصلحٌ في مضمارِ الذبِ عن دينِ الله , هذا الإمامُ المجدد ، شيخُ الإسلام قدَّس اللهُ روحَه ... يرفعُ لواءَ السلفيةِ في نجد ، وحيداً فريداً , يومَ كانتْ نجدٌ بؤرةَ الإلحاد ، ومستنقعَ الوثنية ، يوم كانتْ عبادةُ القبور على قدمٍ, وساق , وتعظيمُ الأحجارِ, والأشجارِ ، يعصفُ بما تبقى من عقولِ الرجال ، ويذيبُ ما عَلُقَ بالنفوس ، من مروءةٍ, ورجولة . رفعَ الإمامُ البطل ، لواءَ دعوتهِ, وجاهدَ تلكَ النماذجَ المهترئةَ من البشر ، غيرَ هيابٍ, ولا وجلٍ, ووقفَ راسخَ القدمين ، أمامَ إعصارِ الفساد المدمر ، مستعيناً بالله , متوكلاً عليه ، حتى قيض اللهُ للإمامِ من يساندهُ , ويقفُ معه في خندقٍ واحد ، حتى تحققتْ المعجزة ، وتجسد الحُلم, حقيقةً فوق أرض الواقع ,وزهق الباطل , وعادت نجدٌ دوحةَ الإسلام ، ومعقلَ التوحيد ، ولمثل هذا فليعمل العاملون ، هذا أنموذجٌ واحد وغيره كثير , إذاً فالصراع بين الحقِ والباطل ، وبين الفضيلةِ والرذيلة ليس بخاضعٍ أبداً إلى حساباتٍ من نوع واحد + واحد يساوي اثنين .وإنَّما هو يخضع لمثلِ قولهِ تعالى : ] وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [ ..ولمثلِ قوله : ] كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [ ولمثل قوله جلَّ جلاله : ] فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ * وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ *وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [ وغيرها من الآياتِ الواضحات البينات التي تؤكد أنَّ العاقبةَ للتقوى ، وأنَّ المستقبلَ للإسلام ، وأنَّ القوةَ لله جميعاً ، وأنَّ الله شديدُ العذاب .
أيها الأحبةُ في الله : إنَّ قضيةَ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر ، ليستْ قضيةً خاضعةً للبحثِ, والمناقشة ،وتبادلِ وجهاتِ النظر, هل تكونُ أو لا تكون ؟!ولكنَّها قضيةٌ محسومة سلفاً باعتبارِها ركيزةً من ركائزِ الدين ، وعموداً من أعمدةِ الإسلام وما ذلك إلا لكونِ المُنكر ليسَ مجردَ مسألةٍ شخصية ، تتعلقُ بشخصِ المُنكر ، أو بشخصيةِ المُنكرِ عليه ,كلاّ ، كلاّ . ولكنَّ المسألة ، لها علاقةٌ جدُّ وثيقة بكيانِ الأمةِ كلِّها ، فشيوعُ المخالفاتِ الشرعية ، ضربٌ للأمةِ في الصميم ، وتمزيقٌ لوحدتِها دون شكٍ, أو تردد ,وحديثُ السفينةِ المشهور ، شاهدٌ حي ، بأنَّ أثرَ المُنكرِ ، يتجاوزُ حيزَ صاحبهِ ، ليمتدَّ بشؤمهِ ، وأثرهِ البغيض ، فيغمر المجتمعَ كلَّه , بظلالهِ القائمةِ السوداء فحين تُخرق السفينة ، فلن يميزُ الطوفانُ الجارف ، بين مَن خرقَها ، ومنْ لم يخرقْها ولكنَّه سيدفنُ الجميع ، تحتَ أمواجهِ العاتية .
لقد ظلَّ أنسٌ رضي الله عنه يخدمُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عشرَ سنين ، كما حدَّث هو بنفسه ، فلم يقلْ لـه يوماً ، لشيءٍ فعلَه لم فعلته ؟ ولا لشيءٍ لم يفعلْه هلاَّ فعلته ([2]),يا لله العجب ، عشرُ سنين من التجاورِ المعيشي! والتلاصق المباشر وَرُغم ذلك ، لم يحصلْ العتاب, أو الإنكار ! ولا لمرةٍ واحدة ، فهلْ كانَ أنسٌ معصوماً بحيثُ لا يخطئ ، أو يفعلْ خلافَ الأولى على أقلِّ تقدير ؟!كلاَّ ، كلاَّ فأنسٌ لم يكنْ معصوماً . بل كانَ يُخطئ ، وقد يصنع أحياناً ما لا يعجبُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالضرورة ، لكنّهُ لم يسمعْ عتاباً, ولا إنكاراً , لأنَّ المسألة شخصيةٌ بحته ، تتعلقُ بشخصِ الرسول فقط, ولا مساسَ لها بمستقبلِ الأمةِ, وكيانِها فالتسامُحُ فيها مطلوب ، وغضُّ الطرفِ لمثلها مندوب, لكنْ إليك يا رعاك الله مواقفَ أخرى يحمرُّ فيها وجهُ رسولِ الله غضباً ، حين تقعُ المخالفةُ الشرعية ويجترئُ البعضُ على حدودِ الله, فيبادرُ عليه السلام إلى إنكارِ المنكر ، في ساعاتِه الأولى ، دون أنْ يصبرَ عشرَ سنين ، صبرَه على أنسٍ خادمِه .هذه بريرة ، أمةٌ ضعيفةٌ مسكينة ، يعلنُ أسيادُها عن رغبتهِم في بيعها, فتتقدمُ عائشةُ لشرائِها وعتقِها ، على أن يكونَ الولاءُ لها .
فيأبى الأسيادُ ، إلاّ أنْ يكونَ الولاءُ لهم ، في تعدٍ مكشوف ، على شرع اللهِ المطهر ودينهِ المصون . فماذا صنعَ رسولُ الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ هل غضَّ الطرف ، وابتسمَ في وجوهِ القوم ، ابتسامتَه للأعرابي يوم جَذَبَ معطفَه ، فاحمرَّ لجذبتهِ جنبهُ الطاهر ؟!لقد صعد المنبر ، وخطبَ خطبةً عصماء ، أنكرَ المنكرَ بشجاعةٍ ، وصدعَ بكلمتهِ المشهورة ، (ما بالُ أقوامٍ يشترطونَ شروطاً ليست في كتاب الله ، أيُّما شرطٍ ليسَ في كتابِ الله فهو باطل ، وإن كانَ مائةَ شرط « إنَّما الولاءُ لمن أعتق»([3]) لما كلُّ هذا الغضب ، يا رسولَ الله ، لما كلُ هذا الغضب ؟ والجواب إنه منكر لا يتعلقُ بشخصهِ الكريم ، وإلا لوسعهُ حلمهُ العظيم ، فقد عوَّد الأمة ، أن يكون حليماً في مواقفَ لا تُعدُ, ولا تحصى .ولكن المنكر هذه المرة ، لكنَّ المنكر في حادثة بريره يمسُّ التشريعَ الإسلاميَ , في الصميم , ويصيبهُ في مقتل, فقد وجدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نفسَه أمامَ أناسٍ ، يريدون أن يجعلوا من أنفسهِم مشرعين ، بسنهم لأنظمة ووضعِهم لشروط ، ما أنزلَ اللهُ بها من سلطان . فكان إنكارهُ عليه الصلاة و السلام ، سريعاً, حازماً ، وقوياً ,حاسماً . ولمَّا استنصرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابَه إلى تبوك ، تخلفَ كعبٌ, وصاحباه دونَ مبررٍ معقول ، أو مسوغٍ مقبول ، حتى إذا ما رجعَ رسولُ اللهِ بالجيشِ إلى المدينة ، إذا به يتخذُ موقفَه الصلب ، وإجراءَه الصارم بحقِّ الثلاثةِ الذين خُلِّفوا, فيأمرُ بهجرِهم ، ويُحرِّمُ محادثتَهم ويفرضُ حولَهم سياجاً, منيعاً من العزلة . حتى ضاقتْ عليهم الأرضُ بما رحبت ، وضاقتْ عليهم أنفسهم ,!فلما كلُّ هذا ، يا رسولَ الله ؟ لما كلُّ هذا ؟
والجواب ، أنَّ الخطأ الذي ارتكبهُ الثلاثة ، والمنكرَ الذي اقترفوه ، له مساسٌ بكيانِ الدولة برمتها ، وكان يمكن ، أن يؤثرَ سَلْباً في نفسياتِ الجيش ، المتجهِ لمقاومةِ جيشِ يفوقُه عدداً, وعدة ، وذلكَ أمرٌ لا يخضعْ أبداً للأمزجةِ الشخصية , أو للأهواءِ النفسية , أو لتصرفاتٍ غير مسؤولة .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .....
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع , ويخفض ويرفع , ويضر وينفع , ألا إلى الله تصير الأمور , أما بعد :
أيها المسلمون : فقد لُعنت الأمةُ الإسرائيليةُ في القرآن الكريم ، على لسانِ نبيين كريمينِ يوم عُطِّل جانبُ الأمرِ بالمعروف ، والنهيِ عن المنكر ، فعمَّ مجتمعهم الآسن منكراتُ الأهواءِ , والأدواء ] لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ( (المائدة:78) .
ومجتمعاتُ المسلمينَ اليوم ، بحاجة إلى مدافعةِ ما فيها من منكراتٍ ، ومقاومةِ ما عمَّها من رذائلَ, صوناً لعقائدِ المسلمينَ ، وذباً عن أعراضِهم ، وأخذاً على يدِ السفهاء ، الذين يخرقونَ السفينة ، ويَعقرون الناقة على إنْ يكونَ الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر وفقَ ضوابطهِ الشرعية ، وأن تُؤتى البيوتُ من أبوابها ، بعيداً عن التشنجِ, والانفعال ,ولايتوهمنّ أحدٌ , أنَّ صلاحَه في نفسِه, وأهله ، كافٍ في نجاتهِ وسلامته ، ففي هذا الوهم ، تكونُ مزلةُ القدم ، وعثرةُ الكِرام ، فالجبارُ جلَّ جلاله يقول : ]وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [ وفي حديثِ زينب أنهلكُ وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثُر الخبث ! فمهلاً يا رعاك الله ، فلن تنجوَ بصلاحِكَ, وإنَّما تنجوَ بإصلاحك .
واسمعْ غير مأمور ] فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [ .
وحذاري يرحمُك الله ، من التوكلِ, والكسل ، والتملصِ من الواجب ، اكتفاءً بالنقدِ, والتوجع , وندبِ الزمانِ البائسِ المنكود . فهذا عجزٌ, وخنوع ، وإخلالٌ بالأمانة ، وإقرارٌ للمنكر شئنا أم أبينا .
اللهم إنا نسألك ..
-------------------------------------
[1]- رواه الترمذي (2169) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه .
[2]- رواه أحمد (12622) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .
[3]- رواه البخاري (1422) من حديث عائشة رضي الله عنها .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الدكتور رياض بن محمد المسيميري
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى