عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
يتساءل المسلم وهو على مشارف عام ميلادي جديد عن دور المسلمين في مواجهة العولمة الأميركية – الصهيونية- التي تهدف إلى إلغاء الدين والهوية واللغة ؟ ويأتي التساؤل أيضاً عن موقع الإسلام في قلوب أبنائه ؟ وهل صحيح ما يقال من أن الصحوة الإسلامية تأخذ طريقها بين أبناء المسلمين ؟ وأنها لا بد أن يكون لها دور مستقبلي في مواجهة الأخطار والتحديات القادمة ؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة ليست من قبيل التنبؤ ولكنها من قبيل الاستقراء للأحداث التي حصلت في القرن الحالي ، ومن قبيل يقين المسلم بأن العزة لهذا الدين ولو بعد حين .
إن مما يستطيع أن يدركه أي مسلم عايش الفترة الزمنية الممتدة من السبعينيات إلى الآن، هو وجود بذور صحوة إسلامية لم تكن موجودة فيما قبل ، فإذا أمكن الحصول على فيلم فيديو يصور الحياة اليومية في أحد الشوارع العربية ( ذات الأغلبية المسلمة ) في فترة السبعينيات ومقارنتها بفيلم آخر للشارع نفسه في يومنا هذا يلاحظ بسهولة تغيرات بين ذاك الزمن وهذا .
لقد كان الناس – في تلك الأيام – يفتتحون يومهم بالاستماع إلى فيروز وإلى الأغاني الكلاسيكية ، وكانت أصداء هذه الأصوات تملأ آذان المارين أمام المحلات التجارية في طريقهم إلى مدارسهم أو مراكز عملهم ؛ أما اليوم فإن هذا الفعل قد استبدل - بفضل من الله تعالى – وأصبحت آيات القرآن الكريم تصدح في المحلات التجارية وداخل البيوت أيضاً ، فإذا فتحت النافذة صباحاً تأتيك آيات القرآن الكريم أو يأتيك صوت العالِم أو الخطيب الذي يلقي درساً أو خطبة دينية تستمع إليها ربة المنزل وهي تقوم بأعمالها المنزلية .
ويمكن أيضاً بالمقارنة بين صور الناس في تلك الفترة وصورهم اليوم ، أن يُلحظ اختلاف واضح في لباس الناس بين هاتين الفترتين ، ففيما كان الحجاب نادر الوجود في تلك الفترة نتيجة الانقلاب الذي قامت به بعض النسوة تحت شعار الحرية ، أصبح الحجاب - وبرغبة من المرأة أيضاً – لباساً إسلامياً تفخر به المرأة ، وتتمسك به تمسك افتخار وتحدي ، أما المسلم الملتحي الذي كان فيما مضى نادر الوجود ، فقد أصبح وجوده اليوم أمراً عادياً لا يلفت انتباه المارة .
إن هذه الأمور جد مهمة ، لأنها إنما تعبر عن تمسك المسلمين بأوامر الله عز وجل الذي أمر باتباع دينه ونهى عن متابعة أهل الكتاب ، قال عز وجل :
" ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ، قل إن هدى الله هو الهدى ، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير " ، سورة البقرة ، الآية 120.
قال الامام ابن تيمية في تفسير هذه الآية : " فانظر كيف قال في الخبر " ملتهم " وفي النهي " أهواءهم " لأن القوم لا يرضون إلا باتباع أهوائهم من قليل أو كثير ، ومن المعلوم أن متابعتهم في بعض ما هم عليه من الدين نوع متابعة لهم في بعض ما يهوونه ، أو مظنةٌ لمتابعتهم فيما يهوونه "، اقتضاء الصراط المستقيم ، ص15.
إن في ترك التشبه بالكفار ترك لاتباع الهوى وتمسك بالعقيدة ، لأن من فعل هذا الأمر مختاراً إنما يفعله نتيجة إدراك داخلي بوجود آمر يأمره بفعل هذه الأمور ، وبما أن الأمر في مثل هذه الحالة لا يمكن أن يكون نابعاً عن النفس وعن الشيطان لكونهما لا يأمران بمعروف ولا ينهيان عن شهوة ولذة ، فإنه في هذا الحالة لابد أن يكون نابعاً عن إيمان بالله الذي أمر عباده بالمعروف ونهاهم عن المنكر .
إن ميزة هذه الأفعال أنها ليست فردية ، كما أنها – إن شاء الله تعالى – في تزايد مستمر ، مما يجعل المراقب المحايد يتيقن أن الأمر اليوم يختلف عما سبق ، وأن الدافع وراء هذه التصرفات ليست دوافع آنية فردية ، بل هي نابعة عن صحوة إسلامية في نفوس أبناء الإسلام الذين نفضوا عن أنفسهم غبار الهزيمة والانحطاط وعادوا إلى أصالتهم وتمسكهم بدينهم .
وفي محاولة لمعرفة دوافع هذه الصحوة وتحليل بعض مسبباتها ، يمكن ذكر ما يلي :
-1- فشل الحلول المستوردة ووعود التيارات المتغربة ، التي كانت منتشرة بين الناس في تلك الفترة الماضية ، والتي نجحت في السيطرة على المجتمع الإسلامي وبث السموم في نفوس المسلمين عبر المدارس والجامعات ، وعبر إرسال البعثات التعليمية إلى الخارج التي كان لها دور في الدعوة إلى اللحاق بركب الحضارة الغربية ونبذ التخلف والتراجع الذي كان متمثلاً – بنظر المُبتعثين- بالتمسك بالدين والهوية الإسلامية .
-2- انتشار العلم الشرعي بين الناس وسهولة الحصول عليه ، فانتشر العلم بين الخاصة والعامة ولم يعد مقصوراً على طبقة العلماء فقط ، فأصبح من السهل على كل طالب علم أن يلتحق بالمعاهد والكليات الشرعية أو يلتحق بحلقات العلم في المساجد والبيوت ، كما أصبح من السهل على كل من يريد أن يتعرف على دينه أن يصل إلى مبتغاه عبر وسائل الإعلام المرئية وغير المرئية ، تلك الوسائل التي تعنى بنشر العلم الديني وتعريف الناس بمبادئ هذا الدين الحنيف .
-3- عودة الناس إلى الفطرة التي فطرهم الله عليها في عالم الذر ، قال تعالى :" وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ، وأشهدهم على أنفسهم ، ألست بربكم، قالوا بلى ، شهدنا"، سورة الأعراف ، الآية 172.
فالناس منذ آدم يؤمنون بوجود الله سبحانه وتعالى ، والرسل والأنبياء لم يبعثوا لكي يقولوا للناس أن هناك إلهاً ( أي لأن هذا معروف بالفطرة ) ولكنهم بعثوا " لتصحيح مسار العقيدة وتقويم الفطرة مما تقع فيه من الضــلال" ، محمد قطب ، مذاهب فكرية معاصرة ص608 .
فإذا قومت الفطرة وذهبت الموانع التي كانت تحول بين الإنسان وفطرته ، فلا بد أن يعود إلى الالتزام بشرع الله مصداقاً لقوله تعالى : " فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل .
-4- التجاء المسلمين إلى الله عز وجل بعد أن أيقنوا أنه لا ملجأ منه إلا إليه ، وقد كان لابتلاء الله عز وجل بالخوف والجوع والنقص في الأموال والأنفس أثره في هذا المجال ، لأن سُنة الابتلاء جعلها الله سبحانه وتعالى سبيلاً أمام العبد للإنابة إلى الله والعودة إليه ، قال تعالى :"ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون " ، سورة البقرة ، الآيتان 154-155.
فهذا الابتلاء من الله عز وجل للعباد هو لاختبار صبر الصابرين ، ولرفع درجات المؤمنين، وليعلم العبد أن الله هو الخالق الواحد الرازق المحيي المميت ، وهو أيضاً الغفار مجيب الدعاء ، فهو القائل : " وقال ربكم ادعوني أستجب لكم " ، سورة غافر ، الآية 60.
-5- انتباه المسلمين إلى المؤامرة التي طالت الأمة الإسلامية حيث تكالب الأعداء عليها وتحيزوا ضد أبناءها وظلموهم ظلماً لا سبيل لرفعه إلا بتكاتف أبناء الإسلام حول دينهم ، لأنه لا سبيل للعزة والنصر إلا بالعودة إلى تعاليم الإسلام والتزام شرعه ، وقد أدرك المسلمون أيضاً كذب هؤلاء الأعداء حين رفعوا شعارات لا يؤمنون بها ولا يطبقونها على أنفسهم ، كشعار الدفاع عن حقوق الإنسان ، وشعار حرية المعتقد ، وما إلى ذلك .
كل ما سبق كلام واقعي يمكن ملاحظته بسهولة بالاستقراء ، ولكن السؤال هو التالي : ألا يلزم لهذه الصحوة دعائم وأسس ؟ ألا يمكن للمسلمين اليوم أن يتراجعوا عن صحوتهم تحت أي شعار ، وتحت أي ظرف ؟
بلى ، إن الصحوة تحتاج إلى دعائم ، ودعائمها تكون بالعلم الشرعي وبالتمسك بكل ما جاء به الإسلام ، بكل بنوده وأحكامه تنفيذاً لأوامر الله عز وجل الذي يحب أن يؤخذ الكتاب بقــوة ، فقد قال سبحانه وتعالى ليحيى عليه السلام : " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " ، سورة مريم، الآية 12 .
كما قال عز وجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين " ، سورة المائدة ، الآية 67.
إن أي خلل في تبليغ الرسالة يهدد أبناء الأمة بالانحراف ، ويهددهم بغضب الله وبالضلال الذي أصاب الأمم السابقة ، والتي منها أمة اليهود التي أخذت ببعض الكتاب وكفرت ببعض ، فقال تعالى فيهم : " ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون"، سورة البقرة ، الآية 85.
وهذا الأمر هو للأسف ما يحصل مع بعض أبناء المسلمين اليوم الذين يريدون الالتزام ولكن بشروطهم وشعاراتهم وأفكارهم التحررية التي نقلوها من مذاهب فكرية دنيوية تدعو إلى النظرة إلى الدين نظرة معاصرة ، وإلى فتح باب الاجتهاد للبحث عن أحكام شرعية جديدة ونبذ تلك الأحكام المستمدة من القرآن والسنة ، وهم يعتقدون أنهم بفعلهم هذا يعملون على إيجاد حلول لمشاكل معاصرة لم تكن موجودة فيما مضى ، والواقع أن هذه المشاكل التي يتحدثون عنها إنما هي ناتجة عن التمسك بأفكار ومبادئ بعيدة عن منهج الدين الإسلامي وهي بالتالي تخدم مخططات الغرب وأهدافه في هدم الدين الإسلامي على يد أبنائه .
ومما يثير التخوف من الكبوة والانهزام ، هو أن هذه الصحوة ليست شاملة ، فهي محصورة في منطقة دون أخرى ، ومع أناس دون آخرين ، حتى أنه قد يكون في البيت المسلم الواحد المسلم الملتزم والآخر المتحرر ، البنت الملتزمة والأم المتحررة ، والمؤسف أيضاً أنه فيما تمتلئ المساجد بالمصلين ، فإن هناك أماكن أخرى تمتلئ أيضاً ، هذه الأماكن هي أماكن اللهو وعلب الليل التي تعج بأبناء المسلمين الذين يضيعون أوقاتهم بالمعاصي وارتكاب الموبقات ، وينبذون الدين وراء ظهورهم .
إن هذا التناقض ليس بمستغرب لأن الخير والشر في صراع دائم منذ بدء الخليقة ، والشيطان وأعوانه يعملون جاهدين على تكثير أتباعهم إلى يوم القيامة حسداً وكرهاً لبني آدم ، فقد ورد في القرآن الكريم على لسان إبليس لعنه الله : " قال أرأيتك هذا الذي كرمت عليّ لئن أخرتنِ إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً " ، سورة الاسراء ، الآية 62.
والمسلم ليس مطالباً باقتلاع الشر من جذوره ، إنما هو مطالب بالتبليغ والدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليرفع عنه الإثم ولتنطبق عليه صفة الخيرية التي قال الله عز وجل فيها : " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " ، سورة آل عمران ، الآية 110. والتي توجب على من يريد أن يتصف بها على أن يعمل ضمن إمكانيته وقدر استطاعته على تحويل زمن الصحوة إلى زمن نصرة ورفعة قبل أن يسبقه أعداء الإسلام الذين يحاولون أن يثبتوا بأن الصحوة التي ورد الحديث عنها هي … مجرد خواطر .
خواطر في زمن الصحوة
د. نهى قاطرجي
إن الإجابة عن هذه الأسئلة ليست من قبيل التنبؤ ولكنها من قبيل الاستقراء للأحداث التي حصلت في القرن الحالي ، ومن قبيل يقين المسلم بأن العزة لهذا الدين ولو بعد حين .
إن مما يستطيع أن يدركه أي مسلم عايش الفترة الزمنية الممتدة من السبعينيات إلى الآن، هو وجود بذور صحوة إسلامية لم تكن موجودة فيما قبل ، فإذا أمكن الحصول على فيلم فيديو يصور الحياة اليومية في أحد الشوارع العربية ( ذات الأغلبية المسلمة ) في فترة السبعينيات ومقارنتها بفيلم آخر للشارع نفسه في يومنا هذا يلاحظ بسهولة تغيرات بين ذاك الزمن وهذا .
لقد كان الناس – في تلك الأيام – يفتتحون يومهم بالاستماع إلى فيروز وإلى الأغاني الكلاسيكية ، وكانت أصداء هذه الأصوات تملأ آذان المارين أمام المحلات التجارية في طريقهم إلى مدارسهم أو مراكز عملهم ؛ أما اليوم فإن هذا الفعل قد استبدل - بفضل من الله تعالى – وأصبحت آيات القرآن الكريم تصدح في المحلات التجارية وداخل البيوت أيضاً ، فإذا فتحت النافذة صباحاً تأتيك آيات القرآن الكريم أو يأتيك صوت العالِم أو الخطيب الذي يلقي درساً أو خطبة دينية تستمع إليها ربة المنزل وهي تقوم بأعمالها المنزلية .
ويمكن أيضاً بالمقارنة بين صور الناس في تلك الفترة وصورهم اليوم ، أن يُلحظ اختلاف واضح في لباس الناس بين هاتين الفترتين ، ففيما كان الحجاب نادر الوجود في تلك الفترة نتيجة الانقلاب الذي قامت به بعض النسوة تحت شعار الحرية ، أصبح الحجاب - وبرغبة من المرأة أيضاً – لباساً إسلامياً تفخر به المرأة ، وتتمسك به تمسك افتخار وتحدي ، أما المسلم الملتحي الذي كان فيما مضى نادر الوجود ، فقد أصبح وجوده اليوم أمراً عادياً لا يلفت انتباه المارة .
إن هذه الأمور جد مهمة ، لأنها إنما تعبر عن تمسك المسلمين بأوامر الله عز وجل الذي أمر باتباع دينه ونهى عن متابعة أهل الكتاب ، قال عز وجل :
" ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ، قل إن هدى الله هو الهدى ، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير " ، سورة البقرة ، الآية 120.
قال الامام ابن تيمية في تفسير هذه الآية : " فانظر كيف قال في الخبر " ملتهم " وفي النهي " أهواءهم " لأن القوم لا يرضون إلا باتباع أهوائهم من قليل أو كثير ، ومن المعلوم أن متابعتهم في بعض ما هم عليه من الدين نوع متابعة لهم في بعض ما يهوونه ، أو مظنةٌ لمتابعتهم فيما يهوونه "، اقتضاء الصراط المستقيم ، ص15.
إن في ترك التشبه بالكفار ترك لاتباع الهوى وتمسك بالعقيدة ، لأن من فعل هذا الأمر مختاراً إنما يفعله نتيجة إدراك داخلي بوجود آمر يأمره بفعل هذه الأمور ، وبما أن الأمر في مثل هذه الحالة لا يمكن أن يكون نابعاً عن النفس وعن الشيطان لكونهما لا يأمران بمعروف ولا ينهيان عن شهوة ولذة ، فإنه في هذا الحالة لابد أن يكون نابعاً عن إيمان بالله الذي أمر عباده بالمعروف ونهاهم عن المنكر .
إن ميزة هذه الأفعال أنها ليست فردية ، كما أنها – إن شاء الله تعالى – في تزايد مستمر ، مما يجعل المراقب المحايد يتيقن أن الأمر اليوم يختلف عما سبق ، وأن الدافع وراء هذه التصرفات ليست دوافع آنية فردية ، بل هي نابعة عن صحوة إسلامية في نفوس أبناء الإسلام الذين نفضوا عن أنفسهم غبار الهزيمة والانحطاط وعادوا إلى أصالتهم وتمسكهم بدينهم .
وفي محاولة لمعرفة دوافع هذه الصحوة وتحليل بعض مسبباتها ، يمكن ذكر ما يلي :
-1- فشل الحلول المستوردة ووعود التيارات المتغربة ، التي كانت منتشرة بين الناس في تلك الفترة الماضية ، والتي نجحت في السيطرة على المجتمع الإسلامي وبث السموم في نفوس المسلمين عبر المدارس والجامعات ، وعبر إرسال البعثات التعليمية إلى الخارج التي كان لها دور في الدعوة إلى اللحاق بركب الحضارة الغربية ونبذ التخلف والتراجع الذي كان متمثلاً – بنظر المُبتعثين- بالتمسك بالدين والهوية الإسلامية .
-2- انتشار العلم الشرعي بين الناس وسهولة الحصول عليه ، فانتشر العلم بين الخاصة والعامة ولم يعد مقصوراً على طبقة العلماء فقط ، فأصبح من السهل على كل طالب علم أن يلتحق بالمعاهد والكليات الشرعية أو يلتحق بحلقات العلم في المساجد والبيوت ، كما أصبح من السهل على كل من يريد أن يتعرف على دينه أن يصل إلى مبتغاه عبر وسائل الإعلام المرئية وغير المرئية ، تلك الوسائل التي تعنى بنشر العلم الديني وتعريف الناس بمبادئ هذا الدين الحنيف .
-3- عودة الناس إلى الفطرة التي فطرهم الله عليها في عالم الذر ، قال تعالى :" وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ، وأشهدهم على أنفسهم ، ألست بربكم، قالوا بلى ، شهدنا"، سورة الأعراف ، الآية 172.
فالناس منذ آدم يؤمنون بوجود الله سبحانه وتعالى ، والرسل والأنبياء لم يبعثوا لكي يقولوا للناس أن هناك إلهاً ( أي لأن هذا معروف بالفطرة ) ولكنهم بعثوا " لتصحيح مسار العقيدة وتقويم الفطرة مما تقع فيه من الضــلال" ، محمد قطب ، مذاهب فكرية معاصرة ص608 .
فإذا قومت الفطرة وذهبت الموانع التي كانت تحول بين الإنسان وفطرته ، فلا بد أن يعود إلى الالتزام بشرع الله مصداقاً لقوله تعالى : " فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل .
-4- التجاء المسلمين إلى الله عز وجل بعد أن أيقنوا أنه لا ملجأ منه إلا إليه ، وقد كان لابتلاء الله عز وجل بالخوف والجوع والنقص في الأموال والأنفس أثره في هذا المجال ، لأن سُنة الابتلاء جعلها الله سبحانه وتعالى سبيلاً أمام العبد للإنابة إلى الله والعودة إليه ، قال تعالى :"ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون " ، سورة البقرة ، الآيتان 154-155.
فهذا الابتلاء من الله عز وجل للعباد هو لاختبار صبر الصابرين ، ولرفع درجات المؤمنين، وليعلم العبد أن الله هو الخالق الواحد الرازق المحيي المميت ، وهو أيضاً الغفار مجيب الدعاء ، فهو القائل : " وقال ربكم ادعوني أستجب لكم " ، سورة غافر ، الآية 60.
-5- انتباه المسلمين إلى المؤامرة التي طالت الأمة الإسلامية حيث تكالب الأعداء عليها وتحيزوا ضد أبناءها وظلموهم ظلماً لا سبيل لرفعه إلا بتكاتف أبناء الإسلام حول دينهم ، لأنه لا سبيل للعزة والنصر إلا بالعودة إلى تعاليم الإسلام والتزام شرعه ، وقد أدرك المسلمون أيضاً كذب هؤلاء الأعداء حين رفعوا شعارات لا يؤمنون بها ولا يطبقونها على أنفسهم ، كشعار الدفاع عن حقوق الإنسان ، وشعار حرية المعتقد ، وما إلى ذلك .
كل ما سبق كلام واقعي يمكن ملاحظته بسهولة بالاستقراء ، ولكن السؤال هو التالي : ألا يلزم لهذه الصحوة دعائم وأسس ؟ ألا يمكن للمسلمين اليوم أن يتراجعوا عن صحوتهم تحت أي شعار ، وتحت أي ظرف ؟
بلى ، إن الصحوة تحتاج إلى دعائم ، ودعائمها تكون بالعلم الشرعي وبالتمسك بكل ما جاء به الإسلام ، بكل بنوده وأحكامه تنفيذاً لأوامر الله عز وجل الذي يحب أن يؤخذ الكتاب بقــوة ، فقد قال سبحانه وتعالى ليحيى عليه السلام : " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " ، سورة مريم، الآية 12 .
كما قال عز وجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين " ، سورة المائدة ، الآية 67.
إن أي خلل في تبليغ الرسالة يهدد أبناء الأمة بالانحراف ، ويهددهم بغضب الله وبالضلال الذي أصاب الأمم السابقة ، والتي منها أمة اليهود التي أخذت ببعض الكتاب وكفرت ببعض ، فقال تعالى فيهم : " ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون"، سورة البقرة ، الآية 85.
وهذا الأمر هو للأسف ما يحصل مع بعض أبناء المسلمين اليوم الذين يريدون الالتزام ولكن بشروطهم وشعاراتهم وأفكارهم التحررية التي نقلوها من مذاهب فكرية دنيوية تدعو إلى النظرة إلى الدين نظرة معاصرة ، وإلى فتح باب الاجتهاد للبحث عن أحكام شرعية جديدة ونبذ تلك الأحكام المستمدة من القرآن والسنة ، وهم يعتقدون أنهم بفعلهم هذا يعملون على إيجاد حلول لمشاكل معاصرة لم تكن موجودة فيما مضى ، والواقع أن هذه المشاكل التي يتحدثون عنها إنما هي ناتجة عن التمسك بأفكار ومبادئ بعيدة عن منهج الدين الإسلامي وهي بالتالي تخدم مخططات الغرب وأهدافه في هدم الدين الإسلامي على يد أبنائه .
ومما يثير التخوف من الكبوة والانهزام ، هو أن هذه الصحوة ليست شاملة ، فهي محصورة في منطقة دون أخرى ، ومع أناس دون آخرين ، حتى أنه قد يكون في البيت المسلم الواحد المسلم الملتزم والآخر المتحرر ، البنت الملتزمة والأم المتحررة ، والمؤسف أيضاً أنه فيما تمتلئ المساجد بالمصلين ، فإن هناك أماكن أخرى تمتلئ أيضاً ، هذه الأماكن هي أماكن اللهو وعلب الليل التي تعج بأبناء المسلمين الذين يضيعون أوقاتهم بالمعاصي وارتكاب الموبقات ، وينبذون الدين وراء ظهورهم .
إن هذا التناقض ليس بمستغرب لأن الخير والشر في صراع دائم منذ بدء الخليقة ، والشيطان وأعوانه يعملون جاهدين على تكثير أتباعهم إلى يوم القيامة حسداً وكرهاً لبني آدم ، فقد ورد في القرآن الكريم على لسان إبليس لعنه الله : " قال أرأيتك هذا الذي كرمت عليّ لئن أخرتنِ إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً " ، سورة الاسراء ، الآية 62.
والمسلم ليس مطالباً باقتلاع الشر من جذوره ، إنما هو مطالب بالتبليغ والدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليرفع عنه الإثم ولتنطبق عليه صفة الخيرية التي قال الله عز وجل فيها : " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " ، سورة آل عمران ، الآية 110. والتي توجب على من يريد أن يتصف بها على أن يعمل ضمن إمكانيته وقدر استطاعته على تحويل زمن الصحوة إلى زمن نصرة ورفعة قبل أن يسبقه أعداء الإسلام الذين يحاولون أن يثبتوا بأن الصحوة التي ورد الحديث عنها هي … مجرد خواطر .
خواطر في زمن الصحوة
د. نهى قاطرجي
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى