عبد الرحمن
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ملخص الخطبة
1- نعمة البصيرة في الدين. 2- المفسدون باسم الإصلاح. 3- جرائم التفجير والقتل. 4- واجب المسلم تجاه هذه الجرائم. 5- دعوة المتورّطين للتوبة. 6- ضرورة الوحدة والاجتماع.
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا عبادَ الله، اتَّقوا الله حقَّ التقوى، فإنها خيرُ زادٍ لقَطع أشواطِ الحياة بمنأًى عن الزَّللَ وسلامةٍ من الأوزار ونجاةٍ من هَولِ يومٍ تتقلَّب فيه القلوب والأبصار.
أيّها المسلمون، إنَّ مما أنعَم الله به على المؤمنين مِن سابغ النِّعم وما أكرمهم به من جميل العطايا وما حباهم به مِن وافرِ الهباتِ أن جعلَهم على بيِّنةٍ من ربِّهم، أي: على بصيرةٍ ويقين من أمرِ الله ودينه؛ بما أنزل عليهم في كتابه، وبما جاء في سنّة نبيِّه من الهُدى والعِلم، وبما جبلهم عليه من الفِطَر القويمة الباعِثة على التمييز بين الحقِّ والباطل الحاملةِ على التفريق بين الهُدى والضَّلال، ولذا فإنّهم وقَّافون عند حدودِ الله رجَّاعون إلى الحقِّ كلّما زلّت بهم الأقدام أو مسَّهم طائفٌ من الشيطان فحادُوا عنِ السبيل وجانبوا الصراط. وعلى العكسِ منهم أولئك الذين زُيِّن لهم سوءُ عَمَلهم فرأوه حسنًا وضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسّبون أنهم يحسِنون صنعًا، فإنهم يعيثون في الأرض فسادًا ويزعمُون أنهم مصلحون.
وقد بيَّن سبحانه بُعدَ الشَّأوِ بين الفريقين بقوله: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [محمد:14].
وإنَّ من ذلك ـ أي: من تزيين العمل ـ ما وقعَ من أعمالٍ إجراميّة نكراء في مدينةِ الرياض عاصمةِ هذه البلاد الطيِّبة المباركة، وما تلاها في مدينةِ ينبُع، وما سبقهما من أحداثٍ أليمةٍ تقضُّ لها مضاجعُ أولي النهي وتهتزُّ لها أفئدةُ أولي الألباب، لِما أزهِقت فيها من نفوسٍ معصومة، ولِما سُفكت فيها من دماءٍ محرَّمة، ولِما أحدثته من ترويعٍ وخرابٍ للأموال والعمران، وكيف يستقيم هذا الإجرامُ مع قول ربِّنا الأعلى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]؟! وأين من اجتَرأ على هذه الحُرُمات، أين هو من وصيَّة نبيِّ الرحمة والهدى الواردةِ في خطبته في حَجَّة الوداع وهي قوله عليه الصلاة والسلام: ((فإنّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرام كحرمةِ يومكم هذا، في بلدكم هذا ـ أي: البلد الحرام، أي: مكّة ـ، في شهركم هذا ـ أي: في شهر ذي الحجة ـ، ألا هل بلغت؟)) قالوا: نعم، قال: ((اللهم اشهَد، فلا ترجِعوا بعدي كفَّارًا يضرِب بعضُكم رقابَ بعض))، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده، إنها لوصيتُه لأمته: ((لا ترجِعوا بعدي كفّارًا يضرب بعضُكم رقابَ بعض)) أخرجه البخاري في صحيحه[1]؟!
وإذا كان للعقلاءِ مِن تمام الحِرص على إنفاذ وصايا موتاهم ما هو معلوم مشهورٌ، فكيف بوصيّة هذا النبيِّ الذي وصفه ربُّه سبحانه بقوله: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]؟! أفلا تستحقُّ وصيَّته الرعايةَ والعِناية والعملَ بما جاء فيها؟! بل أليست هذه الوصيةُ دينًا نتعبَّد اللهَ به لأنّه سبحانه أمرنا بذلك بقوله عزّ اسمُه: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]؟! ثمَّ مَن المنتفِع بهذه الأعمال على الحقيقة؟! أهم المسلمون أم الأعداء؟! وهل حقَّقت لأصحابها شيئًا؟! وكيف يرتضي عاقلٌ لنفسِه أن ينقلِب إلى أداةٍ في يدِ أعدائه وأعداء بلدِه وأمّته، يبلغون بها ما يريدون، وهم موفورون لم يمسسهم سوء؟!
عبادَ الله، إنَّ على كلِّ مؤمن صادقٍ يحذَر الآخرةَ ويرجو رحمةَ ربِّه أن يرفعَ صوتَه بإنكار هذه الأعمال الإجراميّة لأنها محرَّمةٌ بنصوص الكتاب والسنة، ولأنها تعدٍّ لحدود الله وانتهاك لحرماته وعُدوان على عباده، ولأنها فسادٌ نهى الله عنه وأخبرَ أنّه لا يحبُّه، وأنه لا يُصلِح عملَ المفسدين.
وإنَّ على من تلوَّث بأرجاسِ هذا البلاءِ والنُّكر أن يتوبَ إلى الله تعالى قبلَ حلولِ الأجل وهو مقيمٌ على هذا الباطِل الذي لن يَجنِيَ من ورائه ما يحسَب أنه سيحظى به. والسعيدُ ـ يا عبادَ الله ـ من وُعظ بغيره ونأى بنفسه عن كلِّ ما يُفضي به إلى اتِّباع خطواتِ الشيطان وأصاخَ إلى نداء القرآن الذي يدعوه ويدعو المؤمنين كافَّة إلى النجاة بقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمْ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:208، 209].
نفعني الله وإيّاكم بهديِ كتابه وبسنَّة نبيّه ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه، إنه كان غفّارًا.
[1] صحيح البخاري: كتاب الحج (1739) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
الخطبة الثانية
الحمد لله الوليِّ الحميد، الفعّالِ لما يريد، أحمده سبحانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنّ سيِّدنا ونبينا محمَّدًا عبد الله ورسوله، اللهمّ صلِّ عليه وعلى آله وصحبه، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فيا عبادَ الله، إنه إذا كانت وَحدةُ الصَّفّ واجتماع الكلمة ونبذُ التفرُّق والاعتصام بحبل الله هو ممَّا أمِرنا به أمرًا عامًّا شاملاً لا يختصُّ بزمانٍ دون غيره، وذلك في قوله سبحانه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا الآية [آل عمران:103]، فإنَّ الأمرَ بهذه الوَحدة والاجتماع القائمَين على توحيد الله تعالى والاعتصام بحَبله أشدُّ تأكُّدًا وأعظم وجوبًا وقتَ النوازلِ وزمنَ الخطوب والشدائِد؛ لما فيها من حُسن المعونة على مواجَهَة الأخطار والتصدِّي للعدوان وإطفاء نار الفتنة.
فاعمَلوا ـ رحمكم الله ـ على الحِفاظ على أسباب اتِّحادكم واجتماعِكم، وكونوا يَدًا واحدة وقلبًا واحدًا في وجهِ هذا الخَطَر الداهِم، وأقِلُّوا من الجَدَل، وأكثِروا من العمَل، فإنّه ما ضلَّ قومٌ بعد هدًى كانوا عليه إلاَّ أوتُوا الجدَلَ وسُلِبوا العمل، كما أخبر بذلك وكما ثبَت عن الصادق المصدوق في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه بسند جيد[1].
واحذروا مِن تقديم الأهواء أو النَّزعات أو المصالح الفرديّة على مصالح الدِّين والوطن والأمّة، وإنها لأمانة أفلَحَ من أدّاها على وجهِها وقام بحقوقِها واتَّقى الله فيها.
ألا فاتّقوا الله عبادَ الله، واذكروا على الدّوام أن اللهَ تعالى قد أمركم بالصلاة والسلام على خير الأنام، فقال في أصدقِ الحديث وأحسنِ الكلام: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة...
[1] مسند أحمد (5/252، 256)، سنن الترمذي: كتاب التفسير (3253)، سنن ابن ماجه: المقدمة (48) عن أبي أمامة رضي الله عنه، وليس فيه قوله: ((وسلبوا العمل))، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه الحاكم (3674)، وحسنه الألباني في تخريج شرح الطحاوية (175).
1- نعمة البصيرة في الدين. 2- المفسدون باسم الإصلاح. 3- جرائم التفجير والقتل. 4- واجب المسلم تجاه هذه الجرائم. 5- دعوة المتورّطين للتوبة. 6- ضرورة الوحدة والاجتماع.
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا عبادَ الله، اتَّقوا الله حقَّ التقوى، فإنها خيرُ زادٍ لقَطع أشواطِ الحياة بمنأًى عن الزَّللَ وسلامةٍ من الأوزار ونجاةٍ من هَولِ يومٍ تتقلَّب فيه القلوب والأبصار.
أيّها المسلمون، إنَّ مما أنعَم الله به على المؤمنين مِن سابغ النِّعم وما أكرمهم به من جميل العطايا وما حباهم به مِن وافرِ الهباتِ أن جعلَهم على بيِّنةٍ من ربِّهم، أي: على بصيرةٍ ويقين من أمرِ الله ودينه؛ بما أنزل عليهم في كتابه، وبما جاء في سنّة نبيِّه من الهُدى والعِلم، وبما جبلهم عليه من الفِطَر القويمة الباعِثة على التمييز بين الحقِّ والباطل الحاملةِ على التفريق بين الهُدى والضَّلال، ولذا فإنّهم وقَّافون عند حدودِ الله رجَّاعون إلى الحقِّ كلّما زلّت بهم الأقدام أو مسَّهم طائفٌ من الشيطان فحادُوا عنِ السبيل وجانبوا الصراط. وعلى العكسِ منهم أولئك الذين زُيِّن لهم سوءُ عَمَلهم فرأوه حسنًا وضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسّبون أنهم يحسِنون صنعًا، فإنهم يعيثون في الأرض فسادًا ويزعمُون أنهم مصلحون.
وقد بيَّن سبحانه بُعدَ الشَّأوِ بين الفريقين بقوله: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [محمد:14].
وإنَّ من ذلك ـ أي: من تزيين العمل ـ ما وقعَ من أعمالٍ إجراميّة نكراء في مدينةِ الرياض عاصمةِ هذه البلاد الطيِّبة المباركة، وما تلاها في مدينةِ ينبُع، وما سبقهما من أحداثٍ أليمةٍ تقضُّ لها مضاجعُ أولي النهي وتهتزُّ لها أفئدةُ أولي الألباب، لِما أزهِقت فيها من نفوسٍ معصومة، ولِما سُفكت فيها من دماءٍ محرَّمة، ولِما أحدثته من ترويعٍ وخرابٍ للأموال والعمران، وكيف يستقيم هذا الإجرامُ مع قول ربِّنا الأعلى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]؟! وأين من اجتَرأ على هذه الحُرُمات، أين هو من وصيَّة نبيِّ الرحمة والهدى الواردةِ في خطبته في حَجَّة الوداع وهي قوله عليه الصلاة والسلام: ((فإنّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرام كحرمةِ يومكم هذا، في بلدكم هذا ـ أي: البلد الحرام، أي: مكّة ـ، في شهركم هذا ـ أي: في شهر ذي الحجة ـ، ألا هل بلغت؟)) قالوا: نعم، قال: ((اللهم اشهَد، فلا ترجِعوا بعدي كفَّارًا يضرِب بعضُكم رقابَ بعض))، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده، إنها لوصيتُه لأمته: ((لا ترجِعوا بعدي كفّارًا يضرب بعضُكم رقابَ بعض)) أخرجه البخاري في صحيحه[1]؟!
وإذا كان للعقلاءِ مِن تمام الحِرص على إنفاذ وصايا موتاهم ما هو معلوم مشهورٌ، فكيف بوصيّة هذا النبيِّ الذي وصفه ربُّه سبحانه بقوله: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]؟! أفلا تستحقُّ وصيَّته الرعايةَ والعِناية والعملَ بما جاء فيها؟! بل أليست هذه الوصيةُ دينًا نتعبَّد اللهَ به لأنّه سبحانه أمرنا بذلك بقوله عزّ اسمُه: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]؟! ثمَّ مَن المنتفِع بهذه الأعمال على الحقيقة؟! أهم المسلمون أم الأعداء؟! وهل حقَّقت لأصحابها شيئًا؟! وكيف يرتضي عاقلٌ لنفسِه أن ينقلِب إلى أداةٍ في يدِ أعدائه وأعداء بلدِه وأمّته، يبلغون بها ما يريدون، وهم موفورون لم يمسسهم سوء؟!
عبادَ الله، إنَّ على كلِّ مؤمن صادقٍ يحذَر الآخرةَ ويرجو رحمةَ ربِّه أن يرفعَ صوتَه بإنكار هذه الأعمال الإجراميّة لأنها محرَّمةٌ بنصوص الكتاب والسنة، ولأنها تعدٍّ لحدود الله وانتهاك لحرماته وعُدوان على عباده، ولأنها فسادٌ نهى الله عنه وأخبرَ أنّه لا يحبُّه، وأنه لا يُصلِح عملَ المفسدين.
وإنَّ على من تلوَّث بأرجاسِ هذا البلاءِ والنُّكر أن يتوبَ إلى الله تعالى قبلَ حلولِ الأجل وهو مقيمٌ على هذا الباطِل الذي لن يَجنِيَ من ورائه ما يحسَب أنه سيحظى به. والسعيدُ ـ يا عبادَ الله ـ من وُعظ بغيره ونأى بنفسه عن كلِّ ما يُفضي به إلى اتِّباع خطواتِ الشيطان وأصاخَ إلى نداء القرآن الذي يدعوه ويدعو المؤمنين كافَّة إلى النجاة بقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمْ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:208، 209].
نفعني الله وإيّاكم بهديِ كتابه وبسنَّة نبيّه ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه، إنه كان غفّارًا.
[1] صحيح البخاري: كتاب الحج (1739) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
الخطبة الثانية
الحمد لله الوليِّ الحميد، الفعّالِ لما يريد، أحمده سبحانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنّ سيِّدنا ونبينا محمَّدًا عبد الله ورسوله، اللهمّ صلِّ عليه وعلى آله وصحبه، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فيا عبادَ الله، إنه إذا كانت وَحدةُ الصَّفّ واجتماع الكلمة ونبذُ التفرُّق والاعتصام بحبل الله هو ممَّا أمِرنا به أمرًا عامًّا شاملاً لا يختصُّ بزمانٍ دون غيره، وذلك في قوله سبحانه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا الآية [آل عمران:103]، فإنَّ الأمرَ بهذه الوَحدة والاجتماع القائمَين على توحيد الله تعالى والاعتصام بحَبله أشدُّ تأكُّدًا وأعظم وجوبًا وقتَ النوازلِ وزمنَ الخطوب والشدائِد؛ لما فيها من حُسن المعونة على مواجَهَة الأخطار والتصدِّي للعدوان وإطفاء نار الفتنة.
فاعمَلوا ـ رحمكم الله ـ على الحِفاظ على أسباب اتِّحادكم واجتماعِكم، وكونوا يَدًا واحدة وقلبًا واحدًا في وجهِ هذا الخَطَر الداهِم، وأقِلُّوا من الجَدَل، وأكثِروا من العمَل، فإنّه ما ضلَّ قومٌ بعد هدًى كانوا عليه إلاَّ أوتُوا الجدَلَ وسُلِبوا العمل، كما أخبر بذلك وكما ثبَت عن الصادق المصدوق في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه بسند جيد[1].
واحذروا مِن تقديم الأهواء أو النَّزعات أو المصالح الفرديّة على مصالح الدِّين والوطن والأمّة، وإنها لأمانة أفلَحَ من أدّاها على وجهِها وقام بحقوقِها واتَّقى الله فيها.
ألا فاتّقوا الله عبادَ الله، واذكروا على الدّوام أن اللهَ تعالى قد أمركم بالصلاة والسلام على خير الأنام، فقال في أصدقِ الحديث وأحسنِ الكلام: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة...
[1] مسند أحمد (5/252، 256)، سنن الترمذي: كتاب التفسير (3253)، سنن ابن ماجه: المقدمة (48) عن أبي أمامة رضي الله عنه، وليس فيه قوله: ((وسلبوا العمل))، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه الحاكم (3674)، وحسنه الألباني في تخريج شرح الطحاوية (175).
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى