رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
كلمة في الأحداث
25/8/1428هـ
مسجد خالد بن الوليد
الحمد لله الذي أوجب على العلماء البيان وحرم عليهم الكتمان، وأمر بالعدل في القول كما أمر بالعدل في الحكم فقال تعالى: [وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ] وقال تعالى: [وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا] وقال سبحانه: [وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ].
والصلاة و السلام على عبده ورسوله القائل: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قالوا لمن يا رسول الله قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) ( [1] ) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال تعالى: [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً{70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً{71} إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً{72} لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{73}].
أيها المؤمنون:
نحن على مشارف رمضان، وكان الأجدر بنا أن نحصر كلامنا وما يجب علينا فيه، وبيان بعض أحكامه وآدابه، و لكن الأحداث التي نمر بها، و الأوضاع التي نعيشها تفرض علينا أن نقول كلمة حولها، وأن نقدم نصيحة خالصة لوجه الله: نصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، بين يدي كلامنا عن رمضان.
عباد الله:
يقول الله تعالى: [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ] ويقول سبحانه: [ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ].
يقرر الله تبارك وتعالى في هاتين الآيتين أن سبب المصائب و النكبات التي تتعرض لها الأمم و الشعوب جماعات و أفراداً حكاماً ومحكومين، إنما هي بسبب ذنوبهم و معاصيهم وإعراضهم عن شرع الله وتغير ما في نفوسهم من المقاصد والنوايا من الخير إلى الشر، فجيب علينا أن نعرف ذلك حتى نتجنبه لنتجنب المصائب والفتن، فالأمراض و الأوبئة مصائب، و الجدب و القحط و شدة المؤونة وارتفاع الأسعار كذلك من المصائب، و جَور السلطان و عدم قيامه بما يجب عليه اتجاه رعيته كذلك من المصائب، وتسلط الأعداء وقهرهم للمسلمين من أكبر المصائب وأشدها، بل إن كثيراً من المصائب إنما هو ناتج عنها، و الفتن الداخلية و الاضطرابات الأمنية والسياسة و المنازعات بين أخوة الدين و الوطن و النسب هي كذلك مصيبة وأي مصيبة.
ولكن هذه المصائب و غيرها لا تأتي من فراغ، ولا تنبع من الأرض أو البحر، ولا تنزل من السماء بدون سبب، إنما أسبابها هي أعمال قلوبنا وجوارحنا وإتباع أهوائنا و شهواتنا، وطاعة و موالاة أعدائنا، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة، وشخص تلك الأمراض و أوضح أسبابها ليتجنبها العاقل الحريص على مصلحته و مصلحة أمته، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إذا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لم تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ في قَوْمٍ قَطُّ حتى يُعْلِنُوا بها إلا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، ولم يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عليهم، ولم يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إلا مُنِعُوا الْقَطْرَ من السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لم يُمْطَرُوا، ولم يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إلا سَلَّطَ الله عليهم عَدُوًّا من غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ ما في أَيْدِيهِمْ، وما لم تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ الله إلا جَعَلَ الله بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ) ([2]).
إن تلك العقوبات الربانية و المصائب الكارثية التي شخصها النبي صلى الله عليه وسلم وبيَّن أسبابها، كلها موجودة ونحن جميعاً متسببون فيها الحاكم و المحكوم و الراعي والرعية، و التاجر و المستهلك و القوي و الضعيف، وعلينا جميعاً إن كنا ناصحين لأنفسنا ولأمتنا ووطننا أن نتعاون على إزالة هذه الأسباب و إيجاد المخرج الصحيح من تلك المحن و الفتن.
عباد الله:
وإن من المصائب العظيمة و الفتن الكبيرة وجود الاضطرابات، و بروز العصبيات، وارتفاع الشعارات الداعية إلى الفرقة و الخلاف وتفريق كلمة المسلمين، يُنفذ ذلك أبناء الأمة الواحدة والأخوة في الدين و النسب والوطن، بإيحاء من أعدائهم المتربصين بهم والذين يبغونهم الفتنة دون أن يشعروا بذلك ويدركوا تلك الأهداف و المآرب الخبيثة.
وهذا هو دأب الأعداء قديماً وحديثاً، وقد ظهر أول ما ظهر على أيدي أعداء الإسلام من اليهود و المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة مواقف، فكشفه الله تعالى فيما كشف من مخططاتهم في سورة التوبة في أعقاب عزوة تبوك، وحذر منه أشد التحذير قال الله تعالى: [لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ{47} لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ] فإذا كان من الصحابة من هو سمّاع لما يلقيه الأعداء، أفلا يمكن أن يكون ذلك فينا؟ الجواب: بلى، وإنَّ ما حصل يوم السبت الماضي وما بعده من أحداث إنما هي جملة من المصائب و الفتن التي نحن السبب فيها بذنوبنا ومعاصينا، وبُعدنا عن الله على المستوى الشعبي والرسمي، وهي كذلك لا يبعد أن يكون وراءها كيد وتدبير ومؤامرة أعدائنا، فالهتافات التي رفعت فيها ذات دلالة خطيرة، والفوضى العارمة التي حدثت مخالفة للشرع و العقل و المصلحة، وهي أيضاً مؤشر آخر على إن نهاية هذه الأعمال خطيرة ومضرة بكل المقاييس.
ومع تأكيدنا على هذه القراءة للأحداث إلا أننا نؤكد كذلك على أن هنالك أسباباً أخرى، وذرائع استغلها محبوالفوضى وزارعوالفتنة و المتآمرون على الوحدة و الأمة، تلك الأسباب هي ما أقر به واعترف الجميع من وجود ظواهر شوهت صورة الوحدة، وأساءت إلى النظام، وجلبت سخط الشارع وهي جالبة كذلك لسخط الله تعالى.
إن الفساد المالي و الإداري المتفشي في كل مكان، و وجود متنفذين يستغلون مناصبهم ووجاهتهم لظلم الناس والإضرار بهم والاستيلاء على ممتلكاتهم، وضعف التحرك لعلاج قضايا الناس وحل مشاكلهم وحمايتهم من الظلمة و المعتدين، وكذلك ضعف التدابير الواقية من ارتفاع الأسعار وحماية المستهلكين من جشع ومطامع بعض التجار، وعدم الأخذ بقوة على أيدي المتلاعبين بأقوات الناس ومقومات حياتهم.
ذلك وغيره كان من الذرائع القوية و الحجج الواضحة التي اتُخذت كقميص عثمان وعُلق عليها كل ما يدعوا إليه المناوئون للوحدة، واستدروا به تعاطف الجماهير، فالفساد والظلم والمشقة على الرعية كل ذلك حرَّمه الشرع، و حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، و توعد عليه بأشد الوعيد، وأوجب الله على الأمة أن تواجه ذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقول كلمة الحق والأخذ على يد الظالم، ولكن بالضوابط الشرعية و الآداب الإسلامية و المقاصد الحسنة و الأساليب البناءة لا الهدامة.
يتولى ذلك أهل العلم و الحكمة وأهل الرأي و الخبرة وأهل الحل و العقد، وليس الجماهير الجاهلة وغوغاء الناس. كما إننا نكر أشد الإنكار ما حصل من فوضى ووقع من انفلات ورفع شعارات جاهلية وما حصل من أضرار مادية و معنوية في الأنفس و الأموال والسكينة العامة، ونحذر إخواننا المصلين من المشاركة في مثل تلك الفتن و الانجرار وراء تلك الشعارات و الوقوع في فخاخ من يبغونهم الفتنة.
وعليهم حين يرون ما يرون من سلبيات ومظاهر سيئة، أن ينظروا أيضاً إلى الإنجازات الكبيرة والمكاسب العظيمة، والتحولات التي حصلت في البلاد بفضل الله تعالى ثم بفضل الوحدة المباركة.
وأخيراً نقول:
إن على الجهات المسئولة أن تتحمل مسؤوليتها بجدارة وأمانتها بقوة، وأن تقوم بمهامها على أكمل وجه، وعليها أن تتحلى بالحلم و الحكمة في مواجهة ما قد يقع من رعيتها، وأن تكون كالأب الحنون عليهم لا أن تطلق العنان لرجال أمنها أن يُنكِّلوا بالناس ويخرجوا عن إطار الشرع و العقل، فحرمة المسلم عند الله عظيمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لزوال الدنيا بأسرها أهون عند الله من قتل رجل مسلم) ( [3] )، وعليها إزالة الأسباب التي أدت إلى تلك الاحتقانات والذرائع التي يتذرع بها الداعون إلى تلك الفتن. ثم إيضاح الملابسات الداخلية والخارجية المحيطة بالوضع المتأزم، ولكن بصدق وأمانة وشفافية؛ فإنه لا ينجي في مثل هذه الأزمات إلا الصدق قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ] و قال تعالى: [طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ].
وأصل الحلول ورأسها وأساسها التي تبنى عليه هو الرجوع إلى الله، وإصلاح ما بيننا وبينه والتضرع بين يديه، قال تعالى: [وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ{42} فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{43} ] ثم بعد تحقيق الرجوع إلى الله والتضرع بين يديه، تتوفر النوايا الحسنة والجهود المكثفة الصادقة لإيجاد الحلول الممكنة في شتى المجالات، قال تعالى: [وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ]. أقول قولي هذا و استغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية
- الحمد و الثناء و الوصية:
عباد الله:
بعد أيام يهل علينا هلال رمضان، فبماذا استعدينا له؟ أليس هو شهر التوبة، وشهر الرحمة، وشهر.مضاعفة الأجور؟!أليس فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؟! أليس فيه مغفرة الذنوب، والعتق من النيران؟! وهل هذه الفرص العظيمة و العطايا الجسيمة تحصل بغير استعداد؟ لا، كما قال الإمام الشافعي:
ومن رام العلا من غير كد ** أضاع العمر في طلب المحال
إذاً لابد من عمل ولا بد للعمل من نية ولابد للنية من إرادة واستحضار:
- فلنهيئ أنفسنا للمنافسة.
- ولتكن لدينا رغبة صادقة تحملنا على العمل.
- توبة نصوح تجلوا قلوبنا.
- إزالة موانع قبول العمل وأهمها التخلص من الشرك وأنواعه كثيرة.
- التخلص من الأحقاد و الضغائن و الهجر و القطيعة.
- و علينا مواجهة الحرب الشرسة التي تشنها الفضائيات لحرماننا من الاستفادة من رمضان.
- علينا أن ندرك أن رمضان هذا العام يختلف عن كل رمضان فالأوضاع متأزمة و ربما يراد لها أن تستمر إلى رمضان الآخر.
فعلينا أن نحافظ على هذا الشهر الكريم، ولا نضيعه في إقحام أنفسنا في الفتنة والفوضى والصخب، فقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان وفي الصيام أن لا نرفث ونصخب... الخ.
- وأوضاع الأمة في معيشتها صعبة للغاية فعلى الجميع أن يعملوا على التخفيف من تلك المعاناة.
[1] رواه مسلم 1/74 برقم 55
[2] ) رواه ابن ماجه 2 /1332 برقم 4019 وهو صحيح.
[3] رواه الترمذي 4 / 16 برقم 1395 وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: 5077.
25/8/1428هـ
مسجد خالد بن الوليد
الحمد لله الذي أوجب على العلماء البيان وحرم عليهم الكتمان، وأمر بالعدل في القول كما أمر بالعدل في الحكم فقال تعالى: [وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ] وقال تعالى: [وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا] وقال سبحانه: [وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ].
والصلاة و السلام على عبده ورسوله القائل: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قالوا لمن يا رسول الله قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) ( [1] ) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال تعالى: [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً{70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً{71} إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً{72} لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{73}].
أيها المؤمنون:
نحن على مشارف رمضان، وكان الأجدر بنا أن نحصر كلامنا وما يجب علينا فيه، وبيان بعض أحكامه وآدابه، و لكن الأحداث التي نمر بها، و الأوضاع التي نعيشها تفرض علينا أن نقول كلمة حولها، وأن نقدم نصيحة خالصة لوجه الله: نصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، بين يدي كلامنا عن رمضان.
عباد الله:
يقول الله تعالى: [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ] ويقول سبحانه: [ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ].
يقرر الله تبارك وتعالى في هاتين الآيتين أن سبب المصائب و النكبات التي تتعرض لها الأمم و الشعوب جماعات و أفراداً حكاماً ومحكومين، إنما هي بسبب ذنوبهم و معاصيهم وإعراضهم عن شرع الله وتغير ما في نفوسهم من المقاصد والنوايا من الخير إلى الشر، فجيب علينا أن نعرف ذلك حتى نتجنبه لنتجنب المصائب والفتن، فالأمراض و الأوبئة مصائب، و الجدب و القحط و شدة المؤونة وارتفاع الأسعار كذلك من المصائب، و جَور السلطان و عدم قيامه بما يجب عليه اتجاه رعيته كذلك من المصائب، وتسلط الأعداء وقهرهم للمسلمين من أكبر المصائب وأشدها، بل إن كثيراً من المصائب إنما هو ناتج عنها، و الفتن الداخلية و الاضطرابات الأمنية والسياسة و المنازعات بين أخوة الدين و الوطن و النسب هي كذلك مصيبة وأي مصيبة.
ولكن هذه المصائب و غيرها لا تأتي من فراغ، ولا تنبع من الأرض أو البحر، ولا تنزل من السماء بدون سبب، إنما أسبابها هي أعمال قلوبنا وجوارحنا وإتباع أهوائنا و شهواتنا، وطاعة و موالاة أعدائنا، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة، وشخص تلك الأمراض و أوضح أسبابها ليتجنبها العاقل الحريص على مصلحته و مصلحة أمته، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إذا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لم تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ في قَوْمٍ قَطُّ حتى يُعْلِنُوا بها إلا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، ولم يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عليهم، ولم يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إلا مُنِعُوا الْقَطْرَ من السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لم يُمْطَرُوا، ولم يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إلا سَلَّطَ الله عليهم عَدُوًّا من غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ ما في أَيْدِيهِمْ، وما لم تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ الله إلا جَعَلَ الله بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ) ([2]).
إن تلك العقوبات الربانية و المصائب الكارثية التي شخصها النبي صلى الله عليه وسلم وبيَّن أسبابها، كلها موجودة ونحن جميعاً متسببون فيها الحاكم و المحكوم و الراعي والرعية، و التاجر و المستهلك و القوي و الضعيف، وعلينا جميعاً إن كنا ناصحين لأنفسنا ولأمتنا ووطننا أن نتعاون على إزالة هذه الأسباب و إيجاد المخرج الصحيح من تلك المحن و الفتن.
عباد الله:
وإن من المصائب العظيمة و الفتن الكبيرة وجود الاضطرابات، و بروز العصبيات، وارتفاع الشعارات الداعية إلى الفرقة و الخلاف وتفريق كلمة المسلمين، يُنفذ ذلك أبناء الأمة الواحدة والأخوة في الدين و النسب والوطن، بإيحاء من أعدائهم المتربصين بهم والذين يبغونهم الفتنة دون أن يشعروا بذلك ويدركوا تلك الأهداف و المآرب الخبيثة.
وهذا هو دأب الأعداء قديماً وحديثاً، وقد ظهر أول ما ظهر على أيدي أعداء الإسلام من اليهود و المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة مواقف، فكشفه الله تعالى فيما كشف من مخططاتهم في سورة التوبة في أعقاب عزوة تبوك، وحذر منه أشد التحذير قال الله تعالى: [لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ{47} لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ] فإذا كان من الصحابة من هو سمّاع لما يلقيه الأعداء، أفلا يمكن أن يكون ذلك فينا؟ الجواب: بلى، وإنَّ ما حصل يوم السبت الماضي وما بعده من أحداث إنما هي جملة من المصائب و الفتن التي نحن السبب فيها بذنوبنا ومعاصينا، وبُعدنا عن الله على المستوى الشعبي والرسمي، وهي كذلك لا يبعد أن يكون وراءها كيد وتدبير ومؤامرة أعدائنا، فالهتافات التي رفعت فيها ذات دلالة خطيرة، والفوضى العارمة التي حدثت مخالفة للشرع و العقل و المصلحة، وهي أيضاً مؤشر آخر على إن نهاية هذه الأعمال خطيرة ومضرة بكل المقاييس.
ومع تأكيدنا على هذه القراءة للأحداث إلا أننا نؤكد كذلك على أن هنالك أسباباً أخرى، وذرائع استغلها محبوالفوضى وزارعوالفتنة و المتآمرون على الوحدة و الأمة، تلك الأسباب هي ما أقر به واعترف الجميع من وجود ظواهر شوهت صورة الوحدة، وأساءت إلى النظام، وجلبت سخط الشارع وهي جالبة كذلك لسخط الله تعالى.
إن الفساد المالي و الإداري المتفشي في كل مكان، و وجود متنفذين يستغلون مناصبهم ووجاهتهم لظلم الناس والإضرار بهم والاستيلاء على ممتلكاتهم، وضعف التحرك لعلاج قضايا الناس وحل مشاكلهم وحمايتهم من الظلمة و المعتدين، وكذلك ضعف التدابير الواقية من ارتفاع الأسعار وحماية المستهلكين من جشع ومطامع بعض التجار، وعدم الأخذ بقوة على أيدي المتلاعبين بأقوات الناس ومقومات حياتهم.
ذلك وغيره كان من الذرائع القوية و الحجج الواضحة التي اتُخذت كقميص عثمان وعُلق عليها كل ما يدعوا إليه المناوئون للوحدة، واستدروا به تعاطف الجماهير، فالفساد والظلم والمشقة على الرعية كل ذلك حرَّمه الشرع، و حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، و توعد عليه بأشد الوعيد، وأوجب الله على الأمة أن تواجه ذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقول كلمة الحق والأخذ على يد الظالم، ولكن بالضوابط الشرعية و الآداب الإسلامية و المقاصد الحسنة و الأساليب البناءة لا الهدامة.
يتولى ذلك أهل العلم و الحكمة وأهل الرأي و الخبرة وأهل الحل و العقد، وليس الجماهير الجاهلة وغوغاء الناس. كما إننا نكر أشد الإنكار ما حصل من فوضى ووقع من انفلات ورفع شعارات جاهلية وما حصل من أضرار مادية و معنوية في الأنفس و الأموال والسكينة العامة، ونحذر إخواننا المصلين من المشاركة في مثل تلك الفتن و الانجرار وراء تلك الشعارات و الوقوع في فخاخ من يبغونهم الفتنة.
وعليهم حين يرون ما يرون من سلبيات ومظاهر سيئة، أن ينظروا أيضاً إلى الإنجازات الكبيرة والمكاسب العظيمة، والتحولات التي حصلت في البلاد بفضل الله تعالى ثم بفضل الوحدة المباركة.
وأخيراً نقول:
إن على الجهات المسئولة أن تتحمل مسؤوليتها بجدارة وأمانتها بقوة، وأن تقوم بمهامها على أكمل وجه، وعليها أن تتحلى بالحلم و الحكمة في مواجهة ما قد يقع من رعيتها، وأن تكون كالأب الحنون عليهم لا أن تطلق العنان لرجال أمنها أن يُنكِّلوا بالناس ويخرجوا عن إطار الشرع و العقل، فحرمة المسلم عند الله عظيمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لزوال الدنيا بأسرها أهون عند الله من قتل رجل مسلم) ( [3] )، وعليها إزالة الأسباب التي أدت إلى تلك الاحتقانات والذرائع التي يتذرع بها الداعون إلى تلك الفتن. ثم إيضاح الملابسات الداخلية والخارجية المحيطة بالوضع المتأزم، ولكن بصدق وأمانة وشفافية؛ فإنه لا ينجي في مثل هذه الأزمات إلا الصدق قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ] و قال تعالى: [طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ].
وأصل الحلول ورأسها وأساسها التي تبنى عليه هو الرجوع إلى الله، وإصلاح ما بيننا وبينه والتضرع بين يديه، قال تعالى: [وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ{42} فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{43} ] ثم بعد تحقيق الرجوع إلى الله والتضرع بين يديه، تتوفر النوايا الحسنة والجهود المكثفة الصادقة لإيجاد الحلول الممكنة في شتى المجالات، قال تعالى: [وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ]. أقول قولي هذا و استغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية
- الحمد و الثناء و الوصية:
عباد الله:
بعد أيام يهل علينا هلال رمضان، فبماذا استعدينا له؟ أليس هو شهر التوبة، وشهر الرحمة، وشهر.مضاعفة الأجور؟!أليس فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؟! أليس فيه مغفرة الذنوب، والعتق من النيران؟! وهل هذه الفرص العظيمة و العطايا الجسيمة تحصل بغير استعداد؟ لا، كما قال الإمام الشافعي:
ومن رام العلا من غير كد ** أضاع العمر في طلب المحال
إذاً لابد من عمل ولا بد للعمل من نية ولابد للنية من إرادة واستحضار:
- فلنهيئ أنفسنا للمنافسة.
- ولتكن لدينا رغبة صادقة تحملنا على العمل.
- توبة نصوح تجلوا قلوبنا.
- إزالة موانع قبول العمل وأهمها التخلص من الشرك وأنواعه كثيرة.
- التخلص من الأحقاد و الضغائن و الهجر و القطيعة.
- و علينا مواجهة الحرب الشرسة التي تشنها الفضائيات لحرماننا من الاستفادة من رمضان.
- علينا أن ندرك أن رمضان هذا العام يختلف عن كل رمضان فالأوضاع متأزمة و ربما يراد لها أن تستمر إلى رمضان الآخر.
فعلينا أن نحافظ على هذا الشهر الكريم، ولا نضيعه في إقحام أنفسنا في الفتنة والفوضى والصخب، فقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان وفي الصيام أن لا نرفث ونصخب... الخ.
- وأوضاع الأمة في معيشتها صعبة للغاية فعلى الجميع أن يعملوا على التخفيف من تلك المعاناة.
[1] رواه مسلم 1/74 برقم 55
[2] ) رواه ابن ماجه 2 /1332 برقم 4019 وهو صحيح.
[3] رواه الترمذي 4 / 16 برقم 1395 وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: 5077.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى