لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
عبير الروح
عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

الحرص على المال والجاه-حسين بن غنام الفريدي Empty الحرص على المال والجاه-حسين بن غنام الفريدي {الأحد 30 أكتوبر - 21:03}

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-؛ فمن اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن شكره زاده، ومن أقرضه جزاه. واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


عباد الله: إن في ضرب الأمثال عظةًً للنفوس، وحياةً للقلوب، وضياءً للسالكين، ونورًا للعارفين.


هو منهج القرآن في التذكير، وطريقة السنة النبوية في التعليم، فهو يهيئ النفوس بقبول المواعظ، ويرسخ الحكم والقيم عند العقلاء.


وبين أيدينا مثلٌ ضربه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بعبارة وجيزة، قد اشتمل على حكم عظيمة، فارعوه سمعكم، واستفيدوا منه في حياتكم، هو للفقراء عزاءٌ، وللأغنياء دواء، وهو للمتواضعين تسلية، وللوجهاء شفاءٌ وتذكرة.


عن كعب بن مالك الأنصاري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم، بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه". رواه الإمام الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.


فهذا مثل عظيم، يبين فساد دين المرء بحرصه على المال والجاه، وأن فساد الدين بذلك ليس بأقلّ من فساد الغنم التي غاب عنها رعاتها وأُرسل فيها ذئبان جائعان، فمن المعلوم أنه لا ينجو منها إلا القليل.


فالحرص على المال وشدة محبته وتطلبه والتعلق به، لو لم يكن فيه إلا إضاعة هذا العمر الشريف في طلب رزق مضمون مقسوم فيجمعه لمن لا يجده، ويقدم على من لا يعذره، لكفاه بذلك ذمًّا للحرص، ولكان جديرًا بالعاقل أن لا يشغل نفسه بالحرص الشديد عليه.


قيل لبعض الحكماء: "إن فلانًا جمع مالًا، قال: فهل جمع أيامًا لينفقه فيها؟! قيل: لا، قال: ما جمع شيئًا".


يا جامعًا مانعـًا والدهر يرمقه *** مفكـرًا أيّ باب منه يغلقه
جمعت مالًا ففكر هل جمعت له *** يا جامع المال أيامًا تفرّقه
المال عنـدك مخزون لوارثـه *** ما المال مالك إلا يوم تنفقه
إن القناعة من يحلل بساحتهـا *** لم يلق في ظلها همًّا يؤرقه


عاتب أعرابي أخًا له على الحرص، فقال له: "يا أخي: أنت طالب ومطلوب، يطلبك من لا تفوته، وتطلب من قد كفيته".


عباد الله: هذا حال الحريص على المال من وجه حِلِّهِ، فما بالك بمن يطلبه من وجوهه المحرمة ويمنع حقوقه الواجبة؟!


إن هذا من الشح المذموم الذي قال الله فيه: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9].


وعن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم". أخرجه مسلم.


وأما حرص المرء على الشرف والرفعة في الدنيا، فهو أشد إهلاكًا من الحرص على المال، وضرره أعظم، والزهد فيه أصعب؛ فإن المال يبذل في طلب الرياسة والشرف، ومحال أن يجتمع عند العبد طلب العلو في الدارين، فمن طلبه في الدنيا حُرِمَ منه في الآخرة، يقول الله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الأرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَلْعَـاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص:83].


وإنه لقليلٌ من يحرص على رئاسة الدنيا بطلب الولايات فيوفق، بل إنه يوكَلُ إلى نفسه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الرحمن بن سمرة: "يا عبد الرحمن: لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها". رواه البخاري ومسلم.


وقال بعض السلف: "ما حرص أحد على ولاية فعدل فيها".


وفي الحديث: "إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة". رواه البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


ومن دقيق الحرص على الشرف والجاه، أن طالبه يحب أن يُحمَد على فِعاله، والله يقول: (لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مّنَ الْعَذَابِ) [آل عمران:188].


ومن هنا كان أئمة الهدى ينهون عن حمدهم على أفعالهم وما يصدر منهم من الإحسان إلى الخلق، ويأمرون بإضافة الحمد على ذلك لله وحده لا شريك له؛ فإنّ النعم كلّها منه.


كتب عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- مرة إلى أهل الموسم كتابًا يقرأ عليهم وفيه: "أمرٌ بالإحسان إليهم وإزالةُ المظالم التي كانت عليهم"، وفي الكتاب: "لا تحمدوا على ذلك إلا الله، فإنه لو وكلني إلى نفسي كنت كغيري".


عباد الله: وإن الخطورة كل الخطورة، تكمن في طلب الولايات بالعبادات، فالعلم والعمل والزهد إنما يطلب به ما عند الله.


قال الإمام الثوري: "إنما فضلُ العلم؛ لأنه يُتقَى به الله وإلا كان كسائر الأشياء".


وفي الحديث: "من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرض الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة". رواه أحمد وأبو داود بإسناد حسن.


وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أول الخلق تُسعرُ بهم النار يوم القيامة ثلاثة: منهم العالم الذي قرأ القرآن ليقال: قارئ، وتعلم العلم ليقال: عالم، وإنه يقال له: قد قيل، ويؤمر به فيسحب على وجهه حتى يلقى في النار".


ويعظم الخطر إذا طلب به الحظوة عند الملوك والسلاطين، يقول ابن رجب -رحمه الله-: "ومن طلب الشرف بالدين، الدخول على الملوك والدنو منهم، وهو الباب الذي يدخل منه علماء الدنيا إلى نيل الشرف والرياسات فيها".


أخرج الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في حديثه: "وما ازداد أحد من السلطان دنوًّا إلا ازداد من الله بعدًا". له شواهد تعضده.


ويقول ابن رجب أيضًا: "ومن أعظم ما يخشى على من يدخل على الملوك الظلمة، أن يصدقهم بكذبهم ويعينهم على ظلمهم ولو بالسكوت عن الإنكار عليهم، عن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ويكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، وليس بوارد عليّ الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني وأنا منه، وهو وارد عليّ الحوض". رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وإسناده حسن.


عباد الله: إن عمارة القلب بتقوى الله -عز وجل- لهو العزة والشرف والجاه، فمن اتقى الله أحبّه الناس وهابوه، ومن أعرض عن ذكره أبغضه الناس وشتموه وأذله الله، يقول الحسن البصري: "إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين، فإن ذل المعصية في رقابهم".


وكان حجاج بن أرطأة يقول: "قتلني حب الشرف"، فقال له سوار: "لو اتقيت الله شرفت".


وفي ذلك قيل:


ألا إنما التقوى هي العز والكرمْ *** وحبـك للدنيا هو الـذل والسـَّقَمْ
وليس على عبـدٍ تقـيٍّ نقيصةٌ *** إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجمْ


ولقد كان الحسن البصري لا يستطيع أحد أن يسأله هيبةً له، وكذلك الإمام مالك بن أنس، حتى قيل فيه:


يدع الجواب ولا يراجع هيبة *** والسائلون نواكـس الأذقـان
نور الوقار وعز سلطان التقى *** فهو المهيب وليس ذا السلطان


ويقول محمد بن واسع: "إذا أقبل العبد بقلبه على الله أقبل الله عليه بقلوب المؤمنين".


وكتب وهب بن منبه إلى مكحول: "أما بعد: فإنك أصبت بظاهر علمك عند الناس شرفًا ومنزلة، فاطلب بباطن علمك عند الله منزلة وزلفى، واعلم أن إحدى المنزلتين تمنع من الأخرى".


وبكل حال فطلب شرف الآخرة يحصل معه شرف الدنيا وإن يرده صاحبه ولم يطلبه، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـانُ وُدًّا) [مريم:96]، أي: مودة في قلوب عباده.


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...











الخطبة الثانية:








أما بعد: فاتقوا الله في جميع أموركم، وراقبوه في كل أحوالكم، وإياكم وحب الرئاسة، فإن طلبها من عدم الكياسة، وإياكم وإيثار ما يفنى على ما يبقى، فما عندكم ينفد وما عند الله باق، وأصلحوا سرائركم؛ فإنها محل نظر الرب منكم.


وإياكم واتباع الهوى، واعلموا أن من اتباع الهوى الرغبة في الدنيا، ومن الرغبة فيها حب المال والشرف، ومن حب المال والشرف استحلال الحرام.


وعليكم بالتقوى؛ فإنها مانعة من اتباع الهوى، ورادعة عن حب الدنيا: (فَأَمَّا مَن طَغَى * وَءاثَرَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِىَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى) [النازعات:37-41].


وقد وصف الله تعالى أهل النار بالمال والسلطان، قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يالَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَـابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنّى مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنّى سُلْطَـانِيَهْ) [الحاقة:25-29].


عباد الله: لا يذهب وهلكم وحدسكم إلى أنني أدعو إلى البطالة والكسل والخمول، ومد يد السؤال للآخرين، وتلقي الصدقات من أيدي المحسنين، حاشا لله، كيف يكون ذلك، والله تعالى يقول: (هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك:15].


واليد المنفقة خير من اليد السائلة، إنما عنيتُ بحديثي أولئك الذين عشش حب الدنيا في قلوبهم، فحملهم ذلك على الشح والطمع والجشع والغفلة عن كثير من الواجبات، سواء البيتية أو الدعوية، فكم من راعٍ أهمل أسرته بسبب حب الدنيا، والجري خلفها، فأخفق أولاده وفسدت نساؤه، وكم من داعية إلى الله واعظ هزّ أعواد المنابر بحلو كلامه، ترك ذلك لما حرص على الدنيا وسَكِرَ في خمرتها وتاه في لجتها.


كذلك طلب الرئاسة، لا تثريب على من طلبها بحقها ممن يرى في نفسه القوة والأمانة بعد استشارة العارفين واستخارة رب العالمين، والتأكد من رسوخ قدمه في العلم واليقين. ولقد كان بعض الصالحين يتولى القضاء ويقول: "ألا أتولاه لأستعين به على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". ويوسف نبي الله -عليه السلام-: (قَالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف:55].


ولكن إياك وأن تؤتى من قبل نفسك، واحذر الشهوة الخفية في طيات قلبك، وصحح نيتك، وحاسب نفسك، وإياك واستئثارك برأيك؛ فمن استبدّ برأيه هلك، فإن رأيت غير ذلك ففر إلى الله واستعفف يعفك الله.


ألا فاتقوا الله -عباد الله-، وانجوا بأنفسكم، واسلكوا طريق الاستقامة فإن فيه العزة والكرامة.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى