مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ولقد كان محمد -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس صبرا، وأجملهم رضا،
وأروعهم تفاؤلا، وأزكاهم أملا؛ ها هو -صلى الله عليه وسلم- يُحارَب،
ويطارَد، ويؤذَى?، ويرمى?، ويدمى?، ويتنكر له القريب والبعيد، ثم يأتيه
ملَك الجبال فيستأذنه أن يطبق على? أعدائه الأخشبين، فماذا كان موقفه -صلى
الله عليه وسلم- على? الرغم من جسمه المنهك، وقواه المحطمة، وحسرته
البالغة؟ يهتف في هدوء المؤمن، وثبات المؤمل، ويقين الموحِّد: "لا، بل أرجو
..
اليأس والقنوط والتشاؤم صفات مقيتة، وسمات بغيضة، تعكِّر الإيمان، وتغضب
الرحمن، وتوهن القوى، وتتلف الأعصاب، وتهد العزائم، وتجلب الهزائم، وتورث
الحسرة، وتمكِّن للهوان، إذا أسر بها القلب انطفأ نوره، ومات سروره، وإذا
عششت في الذهن أذابت توقده، وأطفأت توهجه؛ ولذلك فإن المؤمن مؤمل في ربه،
واثق بنصره، مستبشر بتأييده، متطلع لفرجه، مترقب لكرمه، ينظر للحياة بمنظار
ناصع، وقلب مطمئن، ونفس راضية، وروح متفائلة.
قد تحيط به الفتن، وتحدق المحن، ويشتد الكرب، ويعظم الخطب، ويحل الهم،
ويخيم الغم، وهو يخترق ظلماتها جميعا بضياء إيمانه، ونور إسلامه، وقوة
يقينه، وجمال صبره، وروعة توكله، فلا تزيده المحن إلا قوة، ولا تورثه الفتن
إلا صلابة، ولا تملؤه الخطوب إلا تفاؤلا وإشراقا، وتوهجا وإيمانا وتوكلا، (الَّذِينَ
قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران:173].
لا تجد هذا الأنس الدائم، والرضا المتواصل، والشكر المستمر إلا للمؤمن، فيا
عجبا لأمره! إن أصابته سرَّاءُ شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر
فكان خيرا له، فهو يتنقل في دوحة الخير، ويقطف ثمار الرضا في سرائه وضرائه،
ونعمه وبلائه.
بل إن الموت الذي هو أكبر مصيبة على المرء، وأخطر شيء لدى الإنسان، وأخوف
مصير عند البشر، يراه المؤمن حسنا، ويعتبره جميلا، ويسعى إليه سعيا، طالما
أنه في مرضاة الله، وعلى نور من الله، (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) [التوبة:52]. فكما أن النصر حسن وجميل، كذلك الشهادة في سبيل الله وإزهاق الروح في مرضاته أمر حسَن وجميل.
ولقد ضربت هذه الأمة أروع الأمثلة في الرضا والصبر والتفاؤل والإقدام
والثقة، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الشعوب والدول والممالك، ولقد
تعطر التاريخ، وتضمخ الدهر بأبدع النماذج في هذا الميدان، وأصدق الشواهد
في ذلك الشأن، وهكذا كان الأنبياء والأولياء والأصفياء على مر التاريخ،
تشرق نفوسهم بالرضا، وتتقد ضمائرهم بالبِشر، وتعبق أرواحهم بالتفاؤل.
ولقد كان محمد -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس صبرا، وأجملهم رضا، وأروعهم
تفاؤلا، وأزكاهم أملا؛ ها هو -صلى الله عليه وسلم- يُحارَب، ويطارَد،
ويؤذَى، ويرمى، ويدمى، ويتنكر له القريب والبعيد، ثم يأتيه ملَك الجبال
فيستأذنه أن يطبق على أعدائه الأخشبين، فماذا كان موقفه -صلى الله عليه
وسلم- على الرغم من جسمه المنهك، وقواه المحطمة، وحسرته البالغة؟ يهتف في
هدوء المؤمن، وثبات المؤمل، ويقين الموحِّد: "لا، بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده فلا يشرك به شيئا" متفق عليه.
وانظر إلى عظمة التعبير، وجلال النظرة، وسمو الهدف؛ فلم يقل: أن يخرج الله
منهم، بل من أصلابهم، أي أنه حتى لو دب اليأس من هؤلاء فإنه يؤمل أن يأتي
جيل من أصلابهم، فيتحقق به الأمر، وتثمر فيه الدعوة، ويشرق معه الأمل!.
وَشُجَّ وجهُكَ، ثَمَّ الجيشُ في أُحُدٍ *** يعُودُ ما بيْنَ مَقْتُولٍ ومُنْهَزِمِ
وَرَغْمَ تِلْكَ الرَّزايا والخُطُوبِ ومَا *** رَأيْتَ مِنْ لَوْعَةٍ كُبْرَى ومِنْ أَلَمِ
ما كنتَ تحملُ الَّا قلبَ مُحْتَسِبٍ *** في عَزْمِ مُتَّقِدٍ في وَجْهِ مُبْتَسِمِ
ويمر -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه يُعَذَّبون، ويمزقون، ويفتنون، والكفر
يكشر أنيابه، وينشب مخالبه، ويفتل عضلاته، دون قوة تمنع، أو صديق يدفع، أو
معين يعين، فينادونه بنغمة الحزن والأسى والمعاناة: يا رسول الله! ألا
تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "قد
كان مَن قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار
فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه ما
يصده ذلك عن دينه؛ والله! لَيتمنّ ا هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء
إلى حضرموت فلا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون" أخرجه البخاري.
وها هم المسلمون في غزوة الخندق يشتد كربهم، ويدلهمُّ أمرهم، ويتآمر عليهم
الأعداء، ويحدق بهم الألداء، ولن تجد أبدع وصفا لحالهم من قوله تعالى: (إِذْ
جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ
الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ
الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا
شَدِيدًا) [الأحزاب:10-11].
لقد كانوا يحفرون الخندق مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد أنهكم
الجوع، وأضناهم السهر، وأمضَّتهم الفاقة، حتى كانوا يربطون الحجارة على
بطونهم من الجوع؛ ومع كل هذا الجو القاتم، والواقع الخانق، والخطر المذهل،
يضرب -صلى الله عليه وسلم- الصخرة بيده ليحطمها فتعود كثيباً أهيم. رواه
البخاري.
وفي رواية أنه -صلى الله عليه وسلم- ضرب الضربة الأولى فكسر ثلثها وقال: "الله أكبر! أعطيت مفاتيح الشام"، ثم يقطع الثلث الآخر ويقول: "الله أكبر! أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض"، ثم يضرب الثالثة فيقول: "بسم الله" فيقطع بقية الصخرة قائلا: "الله أكبر! أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة" أخرجه أحمد وحسَّنه ابن حجر في الفتح.
ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- يبث في قلوب أصحابه وخلجات أتباعه معنى
التفاؤل والأمل وحسن الظن بالله تعالى، وصِدْق التوكل عليه، ويحذرهم من
اليأس والقنوط والتشاؤم, فعن أبي رزين قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِه", قال: قلت: يا رسول الله! أوَيضحك الرب؟! قال: "نعم", قلت: لن نعدم من رب يضحك خيراً. رواه ابن ماجة وحسنه الألباني.
إن المؤمنين، أفرادا وجماعات، في كل زمان ومكان، بحاجة دائمة إلى تمثل هذه
المعاني الرائقة من الصبر والرضا والتفاؤل، وترقّب الفرج وغرسها في النفوس،
ومزجها بالأرواح، لتفتح بها أبواب الأمل، وتشرق معها شموس الرجاء، وتعبق
بها روائح الفرج، وتندفع بها العزائم، وتتقوى الهمم، ويتجدد النشاط والبذل
والعمل والكفاح.
وإن أمة الإسلام اليوم تتجرع كؤوس الأسى، وتسقى صنوف القذى، وتتعرض لويلات
الأذى، تمطى عليها الهم بصلبه، وناء بكَلْكَلِه، وألقى بثِقله، وأمطرت
عليها سحائب الكيد الثقال، وجثم عليها مكر تزول منه الجبال؛ تآمَر الخصوم،
وتدافع الكفر، وتسابق الطغيان، وتسارع الظلَمة، وتفنن المردة.
حِيلٌ تُحبَك، وحجج تختلق، وكرامات تنتهك، ومشاعر تداس، وحقوق تغتصب؛ وحشود
تتحفز، ووفود تتربص، ومستقبل مظلم، وتحركات مخيفة، وتوجهات مريبة، وقوى
شديدة، وقلوب تطفح كُرْها للمؤمنين، وصدور تضيق ذرعا بالمسلمين، ونفوس
تمتلئ غيظا على الموحدين؛ شَمَّروا عن السواعد، وتوسعوا في القواعد،
وتوعدوا بالحروب، وهددوا بالدمار، وقالوا: مَن أشد منا قوة؟ أولم يروا أن
الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة؟! إنهم يمكرون، ويمكر الله، والله خير
الماكرين.
زَمانٌ بِألوانِ الرَّزايَا يقضّنا *** وأعداءُ إِسْلامٍ عليْنا تألَّبوا
لَظَى الهَمِّ والإِشفاقِ يكْوِي قلوبَنا *** وأرواحُنا في هَجْمَةِ الهوْلِ لُغَّبُ
أيَا ربّ يا ذا العِلْمِ والحِلْمِ إنَّنا *** إلى نَصْرِكَ الميمونِ نسعَى ونرغَبُ
فعلى المسلمين أن يلجؤوا إلى الله، وأن يحتموا بحماه، ويعتصموا بحبله،
ويلوذوا بجنابه، وينطرحوا على أعتابه، ويثقوا بنصره، ويستبشروا بمعيته، فإن
فعلوا ذلك لم يضرهم كيد، ولم يمسهم سوء، ولم يصلهم مكروه، (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم:47]، ويقول تعالى: (وَلَقَدْ
سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ
الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات:171-173]، (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران:120].
إنَّ عودةً إلى هذا القرآن العظيم، وتدبُّرا لآياته، وتأملا لأسراره، تبعث الرضا، وتنثر الدفء، وتبث الطمأنينة، وتلوح بالبشرى: (الَّذِينَ
قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ *
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ
وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا
ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ
وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ
يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا
يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:173-176].
إن هذا التآمر الخطير، والتحالف المرير على الإسلام وأهله لا يخيف
المؤمنين، ولا يثبط الموحدين، ولا يخذل المتقين، بل لا يزدادون إلا ثقة
بربهم، وأملا في خالقهم، وتمسكا بمنهاجهم؛ وليس معنى ذلك بث روح التواكل
والتهاون والتقاعس، بل يجب أن نعمل وأن نجتهد، وأن نعد كل ما نستطيع من
قوة، وأن نفخر بديننا، ونباهي بإسلامنا، وننثر عبيره في الناس، وننشر ضياءه
للبشرية.
وإننا مع كل هذه المخاوف والمخاطر نرى في ثناياها الفرج كل الفرج، والبشرى كل البشرى، والتفاؤل كل التفاؤل، وذلك لأمور منها:
1/ أن الظالم عاقبته وخيمة، ونهايته أليمة، وزواله وشيك، (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم:42].
أَجْمَعَ الكُفرُ أَمْرَهُ وتَدَاعَى *** لِحُروبٍ ملعونَةٍ شعواءِ
إنَّ للظُّلْمِ صولةً ثمَّ تمحى *** ما عرَفنا لظالمٍ مِنْ بقاءِ
غاظَهُم مشرق الهوَى وانتشارٌ *** لضياءِ الإسلامِ في الأنْحاءِ
2/ أن الكبر والغطرسة من أقوى دواعي فناء الدول، وسقوط الأمم.
3/ أن هذا أكبر دليل على قوة الدين، وهيمنة الإسلام، وسعة انتشاره، وعظيم
أثره، وجميل وقعه؛ وإلا لو كان دينا هزيلا، أو منهاجا متهافتا، لما أثار
خوفا، ولا أحدث فزعا، ولا أغاظ عدوا.
ثم إننا على ثقة بربنا، ويقين من كتابنا، وهو الذي يتردد على أسماعنا، ويداعب قلوبنا بقوله تعالى: (يُرِيدُونَ
لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ
وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى
وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ) [الصف:8-9]، فهو سيظهر على كل دين، ويهيمن على كل منهج، ويحطم كل مناوئ، ويخترق كل حجاب، بعِز عزيز وذل ذليل، بإذن الله جل وعلا.
إنها غمة وتزول، وفتنة وتنتهي، وزوبعة وتذوب بإذن الله تعالى؛ إنه كرب
وشدة، وعسر ومشقة، ولكن ليلها آذن بزوال، وثقلها منبئ بارتحال، (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [الشرح:5-6].
وليس هو أول ابتلاء أو محنة تمر بها أمة الإسلام، فقد تعرضت لمحن كبيرة،
ومتاعب جسيمة، ومخاوف مرعبة، فلم تزدد بها إلا قوة، ولم تنل منها إلا
الفتوة.
دَعِ المقاديرَ تَجْرِي في أَعِنَّتِهَا *** وَلَا تَبِيتَنَّ إِلَّا خَاليَ البالِ
مَا بَيْنَ غَمْضَةِ عَيْنٍ وانْتِباهَتِهَا *** يُغَيِّرُ اللهُ مِنْ حالٍ إلى حالِ
وختامًا، أرخوا أسماعكم، وافتحوا منافذ قلوبكم لهذه البشائر الماتعة التي
تبعث التفاؤل، وتزرع الأمل، وتنثر عطر اليقين: يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها" أخرجه مسلم.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "لَيبلُغَنَّ
هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدَر ولا وبَر إلا
أدخله الله هذا الدين، بعِز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام،
وذلا يذل به الكفر" أخرجه أحمد وصححه الألباني.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "بشِّر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض" أخرجه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا
اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ
الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ
أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ
ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55].
وأروعهم تفاؤلا، وأزكاهم أملا؛ ها هو -صلى الله عليه وسلم- يُحارَب،
ويطارَد، ويؤذَى?، ويرمى?، ويدمى?، ويتنكر له القريب والبعيد، ثم يأتيه
ملَك الجبال فيستأذنه أن يطبق على? أعدائه الأخشبين، فماذا كان موقفه -صلى
الله عليه وسلم- على? الرغم من جسمه المنهك، وقواه المحطمة، وحسرته
البالغة؟ يهتف في هدوء المؤمن، وثبات المؤمل، ويقين الموحِّد: "لا، بل أرجو
..
اليأس والقنوط والتشاؤم صفات مقيتة، وسمات بغيضة، تعكِّر الإيمان، وتغضب
الرحمن، وتوهن القوى، وتتلف الأعصاب، وتهد العزائم، وتجلب الهزائم، وتورث
الحسرة، وتمكِّن للهوان، إذا أسر بها القلب انطفأ نوره، ومات سروره، وإذا
عششت في الذهن أذابت توقده، وأطفأت توهجه؛ ولذلك فإن المؤمن مؤمل في ربه،
واثق بنصره، مستبشر بتأييده، متطلع لفرجه، مترقب لكرمه، ينظر للحياة بمنظار
ناصع، وقلب مطمئن، ونفس راضية، وروح متفائلة.
قد تحيط به الفتن، وتحدق المحن، ويشتد الكرب، ويعظم الخطب، ويحل الهم،
ويخيم الغم، وهو يخترق ظلماتها جميعا بضياء إيمانه، ونور إسلامه، وقوة
يقينه، وجمال صبره، وروعة توكله، فلا تزيده المحن إلا قوة، ولا تورثه الفتن
إلا صلابة، ولا تملؤه الخطوب إلا تفاؤلا وإشراقا، وتوهجا وإيمانا وتوكلا، (الَّذِينَ
قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران:173].
لا تجد هذا الأنس الدائم، والرضا المتواصل، والشكر المستمر إلا للمؤمن، فيا
عجبا لأمره! إن أصابته سرَّاءُ شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر
فكان خيرا له، فهو يتنقل في دوحة الخير، ويقطف ثمار الرضا في سرائه وضرائه،
ونعمه وبلائه.
بل إن الموت الذي هو أكبر مصيبة على المرء، وأخطر شيء لدى الإنسان، وأخوف
مصير عند البشر، يراه المؤمن حسنا، ويعتبره جميلا، ويسعى إليه سعيا، طالما
أنه في مرضاة الله، وعلى نور من الله، (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) [التوبة:52]. فكما أن النصر حسن وجميل، كذلك الشهادة في سبيل الله وإزهاق الروح في مرضاته أمر حسَن وجميل.
ولقد ضربت هذه الأمة أروع الأمثلة في الرضا والصبر والتفاؤل والإقدام
والثقة، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الشعوب والدول والممالك، ولقد
تعطر التاريخ، وتضمخ الدهر بأبدع النماذج في هذا الميدان، وأصدق الشواهد
في ذلك الشأن، وهكذا كان الأنبياء والأولياء والأصفياء على مر التاريخ،
تشرق نفوسهم بالرضا، وتتقد ضمائرهم بالبِشر، وتعبق أرواحهم بالتفاؤل.
ولقد كان محمد -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس صبرا، وأجملهم رضا، وأروعهم
تفاؤلا، وأزكاهم أملا؛ ها هو -صلى الله عليه وسلم- يُحارَب، ويطارَد،
ويؤذَى، ويرمى، ويدمى، ويتنكر له القريب والبعيد، ثم يأتيه ملَك الجبال
فيستأذنه أن يطبق على أعدائه الأخشبين، فماذا كان موقفه -صلى الله عليه
وسلم- على الرغم من جسمه المنهك، وقواه المحطمة، وحسرته البالغة؟ يهتف في
هدوء المؤمن، وثبات المؤمل، ويقين الموحِّد: "لا، بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده فلا يشرك به شيئا" متفق عليه.
وانظر إلى عظمة التعبير، وجلال النظرة، وسمو الهدف؛ فلم يقل: أن يخرج الله
منهم، بل من أصلابهم، أي أنه حتى لو دب اليأس من هؤلاء فإنه يؤمل أن يأتي
جيل من أصلابهم، فيتحقق به الأمر، وتثمر فيه الدعوة، ويشرق معه الأمل!.
وَشُجَّ وجهُكَ، ثَمَّ الجيشُ في أُحُدٍ *** يعُودُ ما بيْنَ مَقْتُولٍ ومُنْهَزِمِ
وَرَغْمَ تِلْكَ الرَّزايا والخُطُوبِ ومَا *** رَأيْتَ مِنْ لَوْعَةٍ كُبْرَى ومِنْ أَلَمِ
ما كنتَ تحملُ الَّا قلبَ مُحْتَسِبٍ *** في عَزْمِ مُتَّقِدٍ في وَجْهِ مُبْتَسِمِ
ويمر -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه يُعَذَّبون، ويمزقون، ويفتنون، والكفر
يكشر أنيابه، وينشب مخالبه، ويفتل عضلاته، دون قوة تمنع، أو صديق يدفع، أو
معين يعين، فينادونه بنغمة الحزن والأسى والمعاناة: يا رسول الله! ألا
تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "قد
كان مَن قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار
فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه ما
يصده ذلك عن دينه؛ والله! لَيتمنّ ا هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء
إلى حضرموت فلا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون" أخرجه البخاري.
وها هم المسلمون في غزوة الخندق يشتد كربهم، ويدلهمُّ أمرهم، ويتآمر عليهم
الأعداء، ويحدق بهم الألداء، ولن تجد أبدع وصفا لحالهم من قوله تعالى: (إِذْ
جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ
الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ
الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا
شَدِيدًا) [الأحزاب:10-11].
لقد كانوا يحفرون الخندق مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد أنهكم
الجوع، وأضناهم السهر، وأمضَّتهم الفاقة، حتى كانوا يربطون الحجارة على
بطونهم من الجوع؛ ومع كل هذا الجو القاتم، والواقع الخانق، والخطر المذهل،
يضرب -صلى الله عليه وسلم- الصخرة بيده ليحطمها فتعود كثيباً أهيم. رواه
البخاري.
وفي رواية أنه -صلى الله عليه وسلم- ضرب الضربة الأولى فكسر ثلثها وقال: "الله أكبر! أعطيت مفاتيح الشام"، ثم يقطع الثلث الآخر ويقول: "الله أكبر! أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض"، ثم يضرب الثالثة فيقول: "بسم الله" فيقطع بقية الصخرة قائلا: "الله أكبر! أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة" أخرجه أحمد وحسَّنه ابن حجر في الفتح.
ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- يبث في قلوب أصحابه وخلجات أتباعه معنى
التفاؤل والأمل وحسن الظن بالله تعالى، وصِدْق التوكل عليه، ويحذرهم من
اليأس والقنوط والتشاؤم, فعن أبي رزين قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِه", قال: قلت: يا رسول الله! أوَيضحك الرب؟! قال: "نعم", قلت: لن نعدم من رب يضحك خيراً. رواه ابن ماجة وحسنه الألباني.
إن المؤمنين، أفرادا وجماعات، في كل زمان ومكان، بحاجة دائمة إلى تمثل هذه
المعاني الرائقة من الصبر والرضا والتفاؤل، وترقّب الفرج وغرسها في النفوس،
ومزجها بالأرواح، لتفتح بها أبواب الأمل، وتشرق معها شموس الرجاء، وتعبق
بها روائح الفرج، وتندفع بها العزائم، وتتقوى الهمم، ويتجدد النشاط والبذل
والعمل والكفاح.
وإن أمة الإسلام اليوم تتجرع كؤوس الأسى، وتسقى صنوف القذى، وتتعرض لويلات
الأذى، تمطى عليها الهم بصلبه، وناء بكَلْكَلِه، وألقى بثِقله، وأمطرت
عليها سحائب الكيد الثقال، وجثم عليها مكر تزول منه الجبال؛ تآمَر الخصوم،
وتدافع الكفر، وتسابق الطغيان، وتسارع الظلَمة، وتفنن المردة.
حِيلٌ تُحبَك، وحجج تختلق، وكرامات تنتهك، ومشاعر تداس، وحقوق تغتصب؛ وحشود
تتحفز، ووفود تتربص، ومستقبل مظلم، وتحركات مخيفة، وتوجهات مريبة، وقوى
شديدة، وقلوب تطفح كُرْها للمؤمنين، وصدور تضيق ذرعا بالمسلمين، ونفوس
تمتلئ غيظا على الموحدين؛ شَمَّروا عن السواعد، وتوسعوا في القواعد،
وتوعدوا بالحروب، وهددوا بالدمار، وقالوا: مَن أشد منا قوة؟ أولم يروا أن
الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة؟! إنهم يمكرون، ويمكر الله، والله خير
الماكرين.
زَمانٌ بِألوانِ الرَّزايَا يقضّنا *** وأعداءُ إِسْلامٍ عليْنا تألَّبوا
لَظَى الهَمِّ والإِشفاقِ يكْوِي قلوبَنا *** وأرواحُنا في هَجْمَةِ الهوْلِ لُغَّبُ
أيَا ربّ يا ذا العِلْمِ والحِلْمِ إنَّنا *** إلى نَصْرِكَ الميمونِ نسعَى ونرغَبُ
فعلى المسلمين أن يلجؤوا إلى الله، وأن يحتموا بحماه، ويعتصموا بحبله،
ويلوذوا بجنابه، وينطرحوا على أعتابه، ويثقوا بنصره، ويستبشروا بمعيته، فإن
فعلوا ذلك لم يضرهم كيد، ولم يمسهم سوء، ولم يصلهم مكروه، (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم:47]، ويقول تعالى: (وَلَقَدْ
سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ
الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات:171-173]، (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران:120].
إنَّ عودةً إلى هذا القرآن العظيم، وتدبُّرا لآياته، وتأملا لأسراره، تبعث الرضا، وتنثر الدفء، وتبث الطمأنينة، وتلوح بالبشرى: (الَّذِينَ
قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ *
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ
وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا
ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ
وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ
يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا
يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:173-176].
إن هذا التآمر الخطير، والتحالف المرير على الإسلام وأهله لا يخيف
المؤمنين، ولا يثبط الموحدين، ولا يخذل المتقين، بل لا يزدادون إلا ثقة
بربهم، وأملا في خالقهم، وتمسكا بمنهاجهم؛ وليس معنى ذلك بث روح التواكل
والتهاون والتقاعس، بل يجب أن نعمل وأن نجتهد، وأن نعد كل ما نستطيع من
قوة، وأن نفخر بديننا، ونباهي بإسلامنا، وننثر عبيره في الناس، وننشر ضياءه
للبشرية.
وإننا مع كل هذه المخاوف والمخاطر نرى في ثناياها الفرج كل الفرج، والبشرى كل البشرى، والتفاؤل كل التفاؤل، وذلك لأمور منها:
1/ أن الظالم عاقبته وخيمة، ونهايته أليمة، وزواله وشيك، (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم:42].
أَجْمَعَ الكُفرُ أَمْرَهُ وتَدَاعَى *** لِحُروبٍ ملعونَةٍ شعواءِ
إنَّ للظُّلْمِ صولةً ثمَّ تمحى *** ما عرَفنا لظالمٍ مِنْ بقاءِ
غاظَهُم مشرق الهوَى وانتشارٌ *** لضياءِ الإسلامِ في الأنْحاءِ
2/ أن الكبر والغطرسة من أقوى دواعي فناء الدول، وسقوط الأمم.
3/ أن هذا أكبر دليل على قوة الدين، وهيمنة الإسلام، وسعة انتشاره، وعظيم
أثره، وجميل وقعه؛ وإلا لو كان دينا هزيلا، أو منهاجا متهافتا، لما أثار
خوفا، ولا أحدث فزعا، ولا أغاظ عدوا.
ثم إننا على ثقة بربنا، ويقين من كتابنا، وهو الذي يتردد على أسماعنا، ويداعب قلوبنا بقوله تعالى: (يُرِيدُونَ
لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ
وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى
وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ) [الصف:8-9]، فهو سيظهر على كل دين، ويهيمن على كل منهج، ويحطم كل مناوئ، ويخترق كل حجاب، بعِز عزيز وذل ذليل، بإذن الله جل وعلا.
إنها غمة وتزول، وفتنة وتنتهي، وزوبعة وتذوب بإذن الله تعالى؛ إنه كرب
وشدة، وعسر ومشقة، ولكن ليلها آذن بزوال، وثقلها منبئ بارتحال، (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [الشرح:5-6].
وليس هو أول ابتلاء أو محنة تمر بها أمة الإسلام، فقد تعرضت لمحن كبيرة،
ومتاعب جسيمة، ومخاوف مرعبة، فلم تزدد بها إلا قوة، ولم تنل منها إلا
الفتوة.
دَعِ المقاديرَ تَجْرِي في أَعِنَّتِهَا *** وَلَا تَبِيتَنَّ إِلَّا خَاليَ البالِ
مَا بَيْنَ غَمْضَةِ عَيْنٍ وانْتِباهَتِهَا *** يُغَيِّرُ اللهُ مِنْ حالٍ إلى حالِ
وختامًا، أرخوا أسماعكم، وافتحوا منافذ قلوبكم لهذه البشائر الماتعة التي
تبعث التفاؤل، وتزرع الأمل، وتنثر عطر اليقين: يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها" أخرجه مسلم.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "لَيبلُغَنَّ
هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدَر ولا وبَر إلا
أدخله الله هذا الدين، بعِز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام،
وذلا يذل به الكفر" أخرجه أحمد وصححه الألباني.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "بشِّر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض" أخرجه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا
اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ
الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ
أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ
ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55].
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى