رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د.محمد بن عبد الله الهبدان
العلاقات الزوجية
الخطبة الأولى :
الحمد لله ...أما بعد :
فإن مما عُني به الإسلامُ عنايةً خاصة ، واهتم به اهتماماً مميزاً ..هو ميثاق الزوجية ..حيث توافرتِ النصوص ، كتاباً وسنة ..مبينةً أهميةَ ذلك الرباطِ العظيم ..والميثاق الغليظ ..الذي يُجمع بين الزوجين ..كما توضحُ تلك النصوص طبيعة العلاقةِ وحساسيَتها وظروفَها وملابساتِها ..وحقوقَ الزوجين وواجباِتها كلُ ذلك ، في قالبٍ فريدٍ ..من الإتقان والإبداع لا يوجد له نظيرٌ ولا مقارب ..في القديمِ والحديث ..فهو صنعُ الله ، الذي أتقن كل شيء أنه خبير بما تفعلون .
وبادئ ذي بدء ..نشيرُ إلى ترغيبِ الشارع الحكيم في النكاح كما في قوله تعالى: } وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم { وبقوله عليه الصلاة والسلام : " يا معشر الشباب من استطاع من منكم الباءة فليتزوج .. " الحديث إلى غير ذلك من النصوص المعروفة ..كما أباحَ الإسلامُ للخاطبِ الجادِ في خِطبته ..أباحَ له أن ينظرَ إلى مخطوبتهِ ..دون خلوة أو ريبة حتى تقرَ عينُه ..ويطمئنَ قلبهُ ..وذلك أحرى أن يؤدَم بينهما.
واحترمَ الإسلامُ المرأةَ ..واحترمَ رأيها ..وجعلَ لها حقَ قبولِ النكاحِ أو ردهِ ..فلا يجوز إكراهُها ..أو الضغطُ عليها ..دون مبررٍ شرعي ..كما جعلَ المهرَ حقاً خالصاً لها ..لا يجوز بخسُها إياه أو مساومتها عليه ..وإكراما للمرأةِ وحفظاً لها ..وصوناً لشرفها وكرامتِها ..وحتى لا تستغلَ أو تُخدع ..جعلَ الإسلامُ الوليَ شرطاً في صحةِ النكاح ..فلا نكاحَ إلا بولي يتولى أمرها ..ويحفظُ حقَها ..ويصونُ حياءها ..فإذا ما أُبرمَ ميثاقُ الزواج ..وقامتْ الحياة الزوجية ..عَقِبَ تلك الخطواتِ الهادئة ..وتلك الحيثياتِ الملائمة ..وجدنا الإسلامَ العظيم ..يحيطُ الزوجينِ بمزيدِ رعايةٍ وتوجيه ..لما لها من الأثرِ الفاعل في تكوينِ الأسرةِ المسلمة ..الآخذةِ في النمو والاتساع ..مقدمةً أبناءها للمجتمع الكبير ..فمنهم ظالمٌ لنفسه ..ومنهم مقتصد ..ومنهم سابق بالخيراتِ بإذن الله ..ذلك هو الفضلُ الكبير ..ومن هنا وضعَ الشارعُ الحكيم ..وضعَ النقاطَ على الحروف ..وبيّن الحقوقَ والواجبات ..حتى لا يظلمَ أحدُ الزوجينِ صاحبَه ..ولكي تمضي الحياةُ الزوجية ..على أسسِ متينة ..من الحبِ والوئام ..والاحترام المتبادل ..وفي زماننا هذا ..فرط كثير من الأزواج ..رجالاً ونساءً ..بحقوق بعضهم لبعض متناسين قوله عليه الصلاة والسلام : " لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ " رواه مسلم ([1])
فدعونا نتذاكر شيئا من تلك الحقوق لعلنا نستدرك ما فاتنا ..ونفي بما بقي علينا ..
فمن حقوقِ الزوجةِ على زوجِها ..أن يعلَمها ما تحتاجُ إليه ، من العلمِ الشرعيِ الصحيح ..كالطهارةِ والصلاة ..وأحكامِ الحيضِ والنفاس وغيرِ ذلك مما لابد لها من معرفته ..حتى تعبدَ الله على بصيرة ..و يسلمَ لها ديُنها وتبراَ بهِ ذمتُها .
وقد يقول قائل : إن الزوجَ نفسهَ يجهلُ كثيراً ..من هذهِ الأمور ..وفاقدُ الشيء لا يعطيه؟! وهو استدراكٌ أجابَ القرآنُ عليه بقوله : } فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون { وأهل الذكر .وهم العلماء الربانيون ..منتشرونَ في بلادنا ..وهم أشهرُ من أن يذكروا ..وأكثرُ من أن يحصروا ..ووسائلُ الاتصالِ بهم سهلةٌ ميسورة ..وفتاواهم ورسائلهُم ، موفورةٌ منشورة .
ومن حقوقِ الزوجة كذلك ..حفظُها وصونُها من كلِ ما يُدنسُ عفتَها ..ويذهبُ حياءهَا ويميعُ أخلاقَها ..ويتحققُ كلُ ذلك وزيادة ..حين يحولُ بينها وبين وسائلِ الفتنة ..وأسبابِ الشرِ والفساد ..التي تعرضُ لها المنكر ..وتزينُ لها الفاحشة ..وتميتُ في نفسِها الغيرة ..فيصونُ بيتَه ويطهُره ..من وسائلِ التدمير التي طالما قوضتْ البيوتَ من أركانِها ..وأدمتْ القلوبَ بقبيحِ فعالها ..وقد يقابلُ الزوجُ باحتجاج الزوجةِ وغضبِ الأولاد ..فلا يكترثُ ولا يُبالي فذلكَ مقتضى رجولتِه ..وعلامةُ شجاعته ..وحقهُ الشرعي ، في القوامةِ والتدبير ..متذكراً قوله عليه الصلاة والسلام : " من ترك شيئا لله عوضُه اللهُ خيراً منه " وقوله : " كلكم راع ومسئول عن رعيته " ومناجياً ربه بتضرع وخشوع :
فليتكَ تحلو والحياةُ مريــرةٌ وليتكَ ترضى و الأنامُ غضاب
إذا صحَّ منك الودُ فالكلُ هينٌ وكلُ الذي فوقَ الترابِ ترابُ
ومما يصونُ الزوجةَ ..ويحفظُ دينَها وحياءَها ..أمرهُا بالحجابِ الشرعي ..الساترِ لجميعِ بدنِها ..امتثالاً لقوله تعالى : } يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن { . وقوله تعالى : } وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن { وكلما كانت الزوجةٌ متسترةً متحجبة ..دلَّ ذلك على شهامةِ زوجهِا وغيرتهِ و رجولتهِ .
ومن وسائل حفظِها كذلك ..منعهُا من الاختلاطِ بالرجال الأجانب ، في الأسواقِ والدكاكين متبذلةً متهتكة ..فضلاً عن الخلوةِ بهم لوحدها .
ومن وسائلِ حفظِها : منعهُا من قريناتِ السوء ..الساقطاتِ السافلات ..المائلاتِ المميلات ..فكم جنين على بناتِ المسلمين من البلاءِ والفتنة ..والكيدِ والمكرِ العظيم .
ومن حقوقِ الزوجةِ كذلك : احترامُها وتقديرُها ..واستشارتهُا فيما تدعو إليه الحاجة ..والبشاشةُ في وجههِا ..ومعاشرتُها بالمعروف .
ومن حقوقِ الزوجةِ كذلك ..حقُها في السكنِ والطعامِ والكساء ، فقد سُئلَ النبي r مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : " أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوِ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ " ([2]) .
ومن حقوقِ الزوجة كذلك ..حقُها في رعايتِها صحياً فيذهبُ بها إلى الطبيبةِ المسلمة ..الأمينةِ الموثوقة ..متى دعتْ الحاجةُ إلى ذلك ..وأن يجتنبَ عرضَها على الأطباءِ الرجال ..إلا إذا تعذر وجودُ النساء ..وأن يجلسَ معها عند الطبيب حائلاً بينه وبين رؤيةِ شيء من بدنها إلا ما دعت إليه الضرورةُ القصوى ..والضرورةُ تقدرُ بقدرها .
ومن حقوقِ الزوجة كذلك ..الوفاءُ لها بما اشُترط عليهِ في عقدِ النكاح ..ففي الحديث الصحيح قال r : " إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوفَى بِهَا مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ "([3]) .
ومن حقوقِ الزوجة كذلك ..عدم الاعتداءِ على مالهِا ؛ فبعضُ الأزواج ..يستغلُ عاطفة زوجته فيسرقُ مالها ..بحجةِ بناءِ المستقبلِ المشترك ..أو يشكو لها حاجةً أو فاقةً وهو كاذب ..أو أنه سيتاجرُ لها فيه .أو غيرَ ذلك من الدعاوى ..وهو إنما يقصدُ محضَ الاستيلاء على مالها والاستئثارِ به لنفسه . وهذا سحتٌ وغلول : " و لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ النَّارُ أَوْلَى بِهِ " رواه أحمد .
وأما حقوقُ الزوج ..فله على زوجته أن تحفظَه في نفسهِ وماله ..وفي حضرتِه وغيبته ، وألا تقطعَ رأياً دون مشورتِه وأن تخدمَه فيما جرى به عرفُ الناس ..وأن تطيعَه في غير معصيةِ الله تعالى ..
أيها الأحبة في الله : لقد بين النبي r أنَّ المرأة خلقت من ضلع ، وأن أعوج ما في الضلع أعلاه ، فإن ذهبتَ تقيمُها كسرتَها ، وكسرُها طلاقُها ..وإن استمعتَ بها ؛ استمعتَ على ما بها من عوج .
ففي الحديث الشريف ..يتضحُ بجلاء ما جُبلت عليه المرأة من النقصِ البين والاعوجاجِ الظاهر ..فكثيرا ما يقع منها الخطأ والنسيان ..وهنا تظهرُ شخصيةُ الزوج وهدوءُه وحكمتهُ ..فيعالجُ الموقفَ بحسنِ تصرفِه ..فلا يبادرُ إلى معاقبةِ زوجتهِ أو الصراخِ في وجهها ..أو التلويحِ بها بورقةِ الطلاق ..في كلِ حين ومناسبة ..فكل تلك الأساليب ..قد لا تؤدي غرضها ..ولا تحققُ مقصودَها ..بل ربما زادت الوحشةَ بين الزوجين ..ولكنْ رفقاً بالقوارير ..فالموعظةُ الحسنة ..والكلمة الطيبة ..تُذهبُ وحشةَ الصدور ..وتزيلُ البغضَ والنفور : } ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ..وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم {
فإن أبت الزوجةُ إلا العناد ..ولم تستجبْ للموعظةِ ..والقولِ الجميل ..عندها يكون الهجرُ في المضجع ..ففيه كسرٌ لكبريائها ..وترويضٌ لنفرتها ..فإن استمرتْ في نشوزِها وواصلتْ في إعراضِها ..فضربٌ غيرُ مبرح } واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ؛ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا {
وقد يفهمُ بعضُ الناس ..مشروعيةَ الضربِ في الآية منها خاطئا ..فلا يكادُ يضعُ العصا عن عاتقه ..أو يحسبُ الضربَ كسراً للعظام ..وإسالةً للدماء ..ولطماً للخدود ..كلا إن الضربَ آخرُ الحلول ..حين تخفقُ المواعظ ..وينفذُ الصبرُ الطويل ..ويفشلُ الهجرُ الجميل ..ثم هو ضربٌ برفقٍ ولين فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان والله بكل شيء عليم .
بارك الله لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله ..أما بعد ..
فقد يشكو بعضُ الأزواج ..من تمردِ زوجاتهِم عليهم ..وعلى أوامرهِم ..ويشكو كثرةَ مخالفتهن ونشوزهِن وإعراضهِن ..والسببُ واضحٌ لا لبس فيه ولا غموض ..وعلى نفسها جنت براقش ..فالزوجةُ التي تتلقى ثقافتَها وأخلاقَها ..صباحَ مساء ..من أجهزةِ التدميرِ والإفساد ..والتي تعرضُ لها ..مشاهدَ حية ..لنساءٍ فاسقات سافلاتِ ، من ممثلاتٍ ومطربات ..تعرضُ لها تلكَ النماذجَ المنحرفة ..كنجومٍ وكواكب..فماذا ينتظر الزوج منها بعد ذلك ؟!!
أينتظرُ من زوجته أن تكونَ عائشةَ أو سمية ؟ أو صفيةَ أو ذاتَ النطاقين ؟
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
هذا أحد الأسبابِ في تمردِ الزوجات ونشوزهِن .
وأما السببُ الثاني ..فهو ذلك الفهمُ المنكوس الذي فهمَه بعضُ الجهلة ؛ لاحترامِ المرأة ..فقد يفهمُ بعضُ الأزواج في بعض بلاد المسلمين أن احترامَ المرأة هو اصطحابُها إلى حفلاتٍ مشبوهة ..وأماكنَ موبوءة ..حيثُ يختلطُ الرجالُ بالنساء ..وتخدشُ الفضيلة بل تذبحُ ذبحا ..ويتوارى الحياء، بل يقتلْ قتلا ..وهذا يفعله المتأمركون والمتفرنجون ..الذين فهموا الحضارةَ بالمقلوب كما يظنُ البعض ..أن احترامَ الزوجة ..يكون في منحهِا حريةَ الخروجِ والدخول ، متى شاءت وأين شاءت ، وتسافرُ وحدها ..وتقيمُ وحدها ..فأين القوامةُ إذن ؟ وما معنى الزوجيةِ بعد ذلك ؟ كما يظن بعض الناس أن احترامَ الزوجة يكونُ بجعلها الآمرةَ الناهيةَ في البيت ، تفعلُ ما تشاء ..وتتركُ ما تشاء ..بيدهِا مقاليدُ أمورِ الأسرة ..تقربُ وتُبعد ..وتُدني وتُقصي ..والنبي r يقول : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة "
ألا وصلوا رحمكم الله
العلاقات الزوجية
الخطبة الأولى :
الحمد لله ...أما بعد :
فإن مما عُني به الإسلامُ عنايةً خاصة ، واهتم به اهتماماً مميزاً ..هو ميثاق الزوجية ..حيث توافرتِ النصوص ، كتاباً وسنة ..مبينةً أهميةَ ذلك الرباطِ العظيم ..والميثاق الغليظ ..الذي يُجمع بين الزوجين ..كما توضحُ تلك النصوص طبيعة العلاقةِ وحساسيَتها وظروفَها وملابساتِها ..وحقوقَ الزوجين وواجباِتها كلُ ذلك ، في قالبٍ فريدٍ ..من الإتقان والإبداع لا يوجد له نظيرٌ ولا مقارب ..في القديمِ والحديث ..فهو صنعُ الله ، الذي أتقن كل شيء أنه خبير بما تفعلون .
وبادئ ذي بدء ..نشيرُ إلى ترغيبِ الشارع الحكيم في النكاح كما في قوله تعالى: } وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم { وبقوله عليه الصلاة والسلام : " يا معشر الشباب من استطاع من منكم الباءة فليتزوج .. " الحديث إلى غير ذلك من النصوص المعروفة ..كما أباحَ الإسلامُ للخاطبِ الجادِ في خِطبته ..أباحَ له أن ينظرَ إلى مخطوبتهِ ..دون خلوة أو ريبة حتى تقرَ عينُه ..ويطمئنَ قلبهُ ..وذلك أحرى أن يؤدَم بينهما.
واحترمَ الإسلامُ المرأةَ ..واحترمَ رأيها ..وجعلَ لها حقَ قبولِ النكاحِ أو ردهِ ..فلا يجوز إكراهُها ..أو الضغطُ عليها ..دون مبررٍ شرعي ..كما جعلَ المهرَ حقاً خالصاً لها ..لا يجوز بخسُها إياه أو مساومتها عليه ..وإكراما للمرأةِ وحفظاً لها ..وصوناً لشرفها وكرامتِها ..وحتى لا تستغلَ أو تُخدع ..جعلَ الإسلامُ الوليَ شرطاً في صحةِ النكاح ..فلا نكاحَ إلا بولي يتولى أمرها ..ويحفظُ حقَها ..ويصونُ حياءها ..فإذا ما أُبرمَ ميثاقُ الزواج ..وقامتْ الحياة الزوجية ..عَقِبَ تلك الخطواتِ الهادئة ..وتلك الحيثياتِ الملائمة ..وجدنا الإسلامَ العظيم ..يحيطُ الزوجينِ بمزيدِ رعايةٍ وتوجيه ..لما لها من الأثرِ الفاعل في تكوينِ الأسرةِ المسلمة ..الآخذةِ في النمو والاتساع ..مقدمةً أبناءها للمجتمع الكبير ..فمنهم ظالمٌ لنفسه ..ومنهم مقتصد ..ومنهم سابق بالخيراتِ بإذن الله ..ذلك هو الفضلُ الكبير ..ومن هنا وضعَ الشارعُ الحكيم ..وضعَ النقاطَ على الحروف ..وبيّن الحقوقَ والواجبات ..حتى لا يظلمَ أحدُ الزوجينِ صاحبَه ..ولكي تمضي الحياةُ الزوجية ..على أسسِ متينة ..من الحبِ والوئام ..والاحترام المتبادل ..وفي زماننا هذا ..فرط كثير من الأزواج ..رجالاً ونساءً ..بحقوق بعضهم لبعض متناسين قوله عليه الصلاة والسلام : " لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ " رواه مسلم ([1])
فدعونا نتذاكر شيئا من تلك الحقوق لعلنا نستدرك ما فاتنا ..ونفي بما بقي علينا ..
فمن حقوقِ الزوجةِ على زوجِها ..أن يعلَمها ما تحتاجُ إليه ، من العلمِ الشرعيِ الصحيح ..كالطهارةِ والصلاة ..وأحكامِ الحيضِ والنفاس وغيرِ ذلك مما لابد لها من معرفته ..حتى تعبدَ الله على بصيرة ..و يسلمَ لها ديُنها وتبراَ بهِ ذمتُها .
وقد يقول قائل : إن الزوجَ نفسهَ يجهلُ كثيراً ..من هذهِ الأمور ..وفاقدُ الشيء لا يعطيه؟! وهو استدراكٌ أجابَ القرآنُ عليه بقوله : } فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون { وأهل الذكر .وهم العلماء الربانيون ..منتشرونَ في بلادنا ..وهم أشهرُ من أن يذكروا ..وأكثرُ من أن يحصروا ..ووسائلُ الاتصالِ بهم سهلةٌ ميسورة ..وفتاواهم ورسائلهُم ، موفورةٌ منشورة .
ومن حقوقِ الزوجة كذلك ..حفظُها وصونُها من كلِ ما يُدنسُ عفتَها ..ويذهبُ حياءهَا ويميعُ أخلاقَها ..ويتحققُ كلُ ذلك وزيادة ..حين يحولُ بينها وبين وسائلِ الفتنة ..وأسبابِ الشرِ والفساد ..التي تعرضُ لها المنكر ..وتزينُ لها الفاحشة ..وتميتُ في نفسِها الغيرة ..فيصونُ بيتَه ويطهُره ..من وسائلِ التدمير التي طالما قوضتْ البيوتَ من أركانِها ..وأدمتْ القلوبَ بقبيحِ فعالها ..وقد يقابلُ الزوجُ باحتجاج الزوجةِ وغضبِ الأولاد ..فلا يكترثُ ولا يُبالي فذلكَ مقتضى رجولتِه ..وعلامةُ شجاعته ..وحقهُ الشرعي ، في القوامةِ والتدبير ..متذكراً قوله عليه الصلاة والسلام : " من ترك شيئا لله عوضُه اللهُ خيراً منه " وقوله : " كلكم راع ومسئول عن رعيته " ومناجياً ربه بتضرع وخشوع :
فليتكَ تحلو والحياةُ مريــرةٌ وليتكَ ترضى و الأنامُ غضاب
إذا صحَّ منك الودُ فالكلُ هينٌ وكلُ الذي فوقَ الترابِ ترابُ
ومما يصونُ الزوجةَ ..ويحفظُ دينَها وحياءَها ..أمرهُا بالحجابِ الشرعي ..الساترِ لجميعِ بدنِها ..امتثالاً لقوله تعالى : } يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن { . وقوله تعالى : } وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن { وكلما كانت الزوجةٌ متسترةً متحجبة ..دلَّ ذلك على شهامةِ زوجهِا وغيرتهِ و رجولتهِ .
ومن وسائل حفظِها كذلك ..منعهُا من الاختلاطِ بالرجال الأجانب ، في الأسواقِ والدكاكين متبذلةً متهتكة ..فضلاً عن الخلوةِ بهم لوحدها .
ومن وسائلِ حفظِها : منعهُا من قريناتِ السوء ..الساقطاتِ السافلات ..المائلاتِ المميلات ..فكم جنين على بناتِ المسلمين من البلاءِ والفتنة ..والكيدِ والمكرِ العظيم .
ومن حقوقِ الزوجةِ كذلك : احترامُها وتقديرُها ..واستشارتهُا فيما تدعو إليه الحاجة ..والبشاشةُ في وجههِا ..ومعاشرتُها بالمعروف .
ومن حقوقِ الزوجةِ كذلك ..حقُها في السكنِ والطعامِ والكساء ، فقد سُئلَ النبي r مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : " أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوِ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ " ([2]) .
ومن حقوقِ الزوجة كذلك ..حقُها في رعايتِها صحياً فيذهبُ بها إلى الطبيبةِ المسلمة ..الأمينةِ الموثوقة ..متى دعتْ الحاجةُ إلى ذلك ..وأن يجتنبَ عرضَها على الأطباءِ الرجال ..إلا إذا تعذر وجودُ النساء ..وأن يجلسَ معها عند الطبيب حائلاً بينه وبين رؤيةِ شيء من بدنها إلا ما دعت إليه الضرورةُ القصوى ..والضرورةُ تقدرُ بقدرها .
ومن حقوقِ الزوجة كذلك ..الوفاءُ لها بما اشُترط عليهِ في عقدِ النكاح ..ففي الحديث الصحيح قال r : " إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوفَى بِهَا مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ "([3]) .
ومن حقوقِ الزوجة كذلك ..عدم الاعتداءِ على مالهِا ؛ فبعضُ الأزواج ..يستغلُ عاطفة زوجته فيسرقُ مالها ..بحجةِ بناءِ المستقبلِ المشترك ..أو يشكو لها حاجةً أو فاقةً وهو كاذب ..أو أنه سيتاجرُ لها فيه .أو غيرَ ذلك من الدعاوى ..وهو إنما يقصدُ محضَ الاستيلاء على مالها والاستئثارِ به لنفسه . وهذا سحتٌ وغلول : " و لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ النَّارُ أَوْلَى بِهِ " رواه أحمد .
وأما حقوقُ الزوج ..فله على زوجته أن تحفظَه في نفسهِ وماله ..وفي حضرتِه وغيبته ، وألا تقطعَ رأياً دون مشورتِه وأن تخدمَه فيما جرى به عرفُ الناس ..وأن تطيعَه في غير معصيةِ الله تعالى ..
أيها الأحبة في الله : لقد بين النبي r أنَّ المرأة خلقت من ضلع ، وأن أعوج ما في الضلع أعلاه ، فإن ذهبتَ تقيمُها كسرتَها ، وكسرُها طلاقُها ..وإن استمعتَ بها ؛ استمعتَ على ما بها من عوج .
ففي الحديث الشريف ..يتضحُ بجلاء ما جُبلت عليه المرأة من النقصِ البين والاعوجاجِ الظاهر ..فكثيرا ما يقع منها الخطأ والنسيان ..وهنا تظهرُ شخصيةُ الزوج وهدوءُه وحكمتهُ ..فيعالجُ الموقفَ بحسنِ تصرفِه ..فلا يبادرُ إلى معاقبةِ زوجتهِ أو الصراخِ في وجهها ..أو التلويحِ بها بورقةِ الطلاق ..في كلِ حين ومناسبة ..فكل تلك الأساليب ..قد لا تؤدي غرضها ..ولا تحققُ مقصودَها ..بل ربما زادت الوحشةَ بين الزوجين ..ولكنْ رفقاً بالقوارير ..فالموعظةُ الحسنة ..والكلمة الطيبة ..تُذهبُ وحشةَ الصدور ..وتزيلُ البغضَ والنفور : } ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ..وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم {
فإن أبت الزوجةُ إلا العناد ..ولم تستجبْ للموعظةِ ..والقولِ الجميل ..عندها يكون الهجرُ في المضجع ..ففيه كسرٌ لكبريائها ..وترويضٌ لنفرتها ..فإن استمرتْ في نشوزِها وواصلتْ في إعراضِها ..فضربٌ غيرُ مبرح } واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ؛ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا {
وقد يفهمُ بعضُ الناس ..مشروعيةَ الضربِ في الآية منها خاطئا ..فلا يكادُ يضعُ العصا عن عاتقه ..أو يحسبُ الضربَ كسراً للعظام ..وإسالةً للدماء ..ولطماً للخدود ..كلا إن الضربَ آخرُ الحلول ..حين تخفقُ المواعظ ..وينفذُ الصبرُ الطويل ..ويفشلُ الهجرُ الجميل ..ثم هو ضربٌ برفقٍ ولين فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان والله بكل شيء عليم .
بارك الله لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله ..أما بعد ..
فقد يشكو بعضُ الأزواج ..من تمردِ زوجاتهِم عليهم ..وعلى أوامرهِم ..ويشكو كثرةَ مخالفتهن ونشوزهِن وإعراضهِن ..والسببُ واضحٌ لا لبس فيه ولا غموض ..وعلى نفسها جنت براقش ..فالزوجةُ التي تتلقى ثقافتَها وأخلاقَها ..صباحَ مساء ..من أجهزةِ التدميرِ والإفساد ..والتي تعرضُ لها ..مشاهدَ حية ..لنساءٍ فاسقات سافلاتِ ، من ممثلاتٍ ومطربات ..تعرضُ لها تلكَ النماذجَ المنحرفة ..كنجومٍ وكواكب..فماذا ينتظر الزوج منها بعد ذلك ؟!!
أينتظرُ من زوجته أن تكونَ عائشةَ أو سمية ؟ أو صفيةَ أو ذاتَ النطاقين ؟
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
هذا أحد الأسبابِ في تمردِ الزوجات ونشوزهِن .
وأما السببُ الثاني ..فهو ذلك الفهمُ المنكوس الذي فهمَه بعضُ الجهلة ؛ لاحترامِ المرأة ..فقد يفهمُ بعضُ الأزواج في بعض بلاد المسلمين أن احترامَ المرأة هو اصطحابُها إلى حفلاتٍ مشبوهة ..وأماكنَ موبوءة ..حيثُ يختلطُ الرجالُ بالنساء ..وتخدشُ الفضيلة بل تذبحُ ذبحا ..ويتوارى الحياء، بل يقتلْ قتلا ..وهذا يفعله المتأمركون والمتفرنجون ..الذين فهموا الحضارةَ بالمقلوب كما يظنُ البعض ..أن احترامَ الزوجة ..يكون في منحهِا حريةَ الخروجِ والدخول ، متى شاءت وأين شاءت ، وتسافرُ وحدها ..وتقيمُ وحدها ..فأين القوامةُ إذن ؟ وما معنى الزوجيةِ بعد ذلك ؟ كما يظن بعض الناس أن احترامَ الزوجة يكونُ بجعلها الآمرةَ الناهيةَ في البيت ، تفعلُ ما تشاء ..وتتركُ ما تشاء ..بيدهِا مقاليدُ أمورِ الأسرة ..تقربُ وتُبعد ..وتُدني وتُقصي ..والنبي r يقول : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة "
ألا وصلوا رحمكم الله
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى