رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / عبد الله بن محمد البصري
داء المخدرات وموسم الاختبارات
الخطبة الأولى:
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لا يَنفَكُّ أَعدَاءُ الدِّينِ وَشَانِئُو الفَضِيلَةِ ، مِن دُعَاةِ الشَّرِّ وَمُرَوِّجُو الرّذِيلَةِ ، لا يَنفَكُّونَ يَطرُقُونَ إِلى الفِتنَةِ كُلَّ بَابٍ ، وَيَسلُكُونَ إِلى الإِفسَادِ كُلَّ طَرِيقٍ ، هَمُّهُم تَجرِيدُ الأُمَّةِ مِن دِينِهَا وَإِضعَافُ العَقِيدَةِ في قُلُوبِهَا ، وَهَدَفُهُم تَغيِيرُ مَبَادِئِهَا وَنَسفُ ثَوَابِتِهَا ، إِنَّهُم يَسعَونَ لإِفسَادِ سُلُوكِ أَبنَائِهَا وَتَحطِيمِ أَخلاقِهِم وَتَخرِيبِ طِبَاعِهِم ، وَجَعلِ المُجتَمَعِ الإِسلامِيِّ مِسخًا مُشَوَّهًا لِمُجتَمَعَاتٍ لا تَمُتُّ لِدِينِهِ الحَنِيفِ بِصِلَةٍ ، وَلا يَربِطُهَا بِقِيَمِهِ وَمُثُلِهِ أَيُّ رَابِطٍ . وَبَينَ فَينَةٍ وَأُخرَى نَسمَعُ بِأَنبَاءٍ عَن ضَبطِ الأَجهِزَةِ الأَمنِيَّةِ لِمُهَرِّبِينَ ، وَالإِيقَاعِ بِشَبَكَةِ مُرَوِّجِينَ مُفسِدِينَ ، كَانُوا يُعِدُّونَ عُدَّتَهُم لِدُخُولِ هَذِهِ البِلادِ بِشَرِّ مَا يَجِدُونَ مِن أَنوَاعِ الخُمُورِ ، وَغَزوِهَا بِأَشكَالٍ مِنَ المُسكِرَاتِ وَأَلوَانٍ مِنَ المُخَدِّرَاتِ . وَهَكَذَا تَجتَمِعُ عَلَى هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ الأَيدِي الخَفِيَّةُ ، لِتَنَالَ مِن دِينِهَا وَتُفسِدَ عُقُولَ شَبَابِهَا ، وَلِتَأسِرَ أَلبَابَهُم بما لا يَستَطِيعُونَ الانفِكَاكَ عَنهُ وَلا التَّخَلُّصَ مِنهُ ، بِالقَنَوَاتِ وَالفَضَائِيَّاتِ حِينًا ، وَبِالشَّبَكَاتِ وَأَجهِزَةِ الاتِّصَالاتِ حِينًا ، وَحِينًا بِالمُسكِرَاتِ وَالمُخَدِّرَاتِ ، الَّتي عَرَفُوا أَنَّهَا أَسهَلُ طَرِيقٍ لِلوُصُولِ إِلى المُجتَمَعَاتِ ، وَأَقوَى وَسِيلَةٍ لِلتَّأثِيرِ في اتِّجَاهَاتِهِم وَتَغيِيرِ قَنَاعَاتِهِم ، إِذْ بها تَختَلُّ العُقُولُ وَتَزِيغُ الأَفهَامُ ، وَبها يُضعَفُ الاقتِصَادُ وَتُؤكَلُ الأَموَالُ ، وَمِن ثَمَّ يُملَكُ الزِّمَامُ وَيُمسَكُ بِالخِطَامِ ، وَيُقسَرُ الفَردُ عَلَى مَا لا يَرضَاهُ وَيُجبَرُ عَلَى مَا كَانَ يَأنَفُ مِنهُ ، فَتَنتَشِرُ السَّرِقَاتُ وَيَكثُرُ السَّطوُ ، وَيَختَلُّ الأَمنُ وَتُرَوَّعُ النُّفُوسُ ، وَتُشَلُّ حَرَكَةُ الفَردِ وَيَقِلُّ إِنتَاجُهُ ، فَتَتَفَاقَمُ عَلَى وَلِيِّهِ الأَعبَاءُ وَتَتَضَاعَفُ الأَحمَالُ ، وَيَعُمُّ الفَقرُ وَتَتَمَزَّقُ الأُسَرُ ، وَتَتَشَتَّتُ العِلاقَاتُ وَتَنقَطِعُ الصِّلاتُ ، وَيُصبِحُ كَيَانُ المُجتَمَعِ ضَعِيفًا وَبُنيَانُهُ هَشًّا ، فَيَغدُو أُلعُوبَةً في أَيدِي الأَسَافِلِ وَالأَرَاذِلِ ، يُحَرِّكُونَهُ مَتى شَاؤُوا إِلى مَا أَرَادُوا ، وَيَأخُذُونَ بِهِ إلى هَاوِيَةِ الجَرِيمَةِ وَمُستَنقَعَاتِ الرَّذِيلَةِ . فَتُنحَرُ إِذْ ذَاكَ أَعرَاضٌ وَيُقتَلُ عَفَافٌ ، وَتُوأَدُ فَضِيلَةٌ وَيُسلَبُ حَيَاءٌ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد أَضحَت حَربُ المُخَدِّرَاتِ مِن أَخطَرِ أَنوَاعِ الحُرُوبِ المُعَاصِرَةِ ، يُدرِكُ ذَلِكَ مَن وَقَفَ في المَيدَانَ وَاقتَرَبَ مِنَ المُعتَرَكِ ، سَوَاءٌ مِن رِجَالِ الأَمنِ وَمُكَافَحَةِ المُخَدِّرَاتِ ، أَو مِنَ العَامِلِينَ في جَمعِيَّاتِ المُكَافَحَةِ الخَيرِيَّةِ وَأَطِبَّاءِ المُستَشفَيَاتِ ، بَل يَشعُرُ بِضَرَاوَةِ تِلكِ الحَربِ وَشَرَاسَتِهَا كُلُّ مَن يَسمَعُ بِهَذِهِ الكَمِيَّاتِ الهَائِلَةِ وَالأَنوَاعِ الكَثِيرَةِ الَّتي تُحبَطُ عَملِيَّاتُ إِدخَالِهَا إِلى بِلادِنَا ، فَضلاً عَن تِلكَ الَّتي تُرَوَّجُ وَتَنتَشِرُ ، وَيَقَعُ ضَحِيَّةً لها فِئَاتٌ مِنَ المُجتَمَعِ هُم أَغلَى مَن فِيهِ ، وَإِنَّهُ وَمَعَ مَا سَنَّتهُ هَذِهِ البِلادُ مِن عُقُوبَاتٍ رَادِعَةٍ وَجَزَاءَاتٍ زَاجِرَةٍ ، فَإِنَّ هَذَا الطُّوفَانَ المُدَمِّرَ لَيُسرِعُ في زَحفِهِ إِلى البُيُوتِ ، وَيَقتَحِمُ المَدَارِسِ وَالجَامِعَاتِ ، وَتَشكُو آثَارَهُ المَصَانِعُ وَالمَعَامِلُ ، بَل وَلم تَسلمْ مِنهُ حَتى بَعضُ الدَّوَائِرِ الحُكُومِيَّةِ وَالأَجهِزَةِ الرَّسمِيَّةِ ، ممَّا يَستَدعِي مِنَّا مُوَاطِنِينَ وَمَسؤُولِينَ وَأَولِيَاءَ وَمُرَبِّينَ ، أَن نَكُونَ عَلَى وَعيٍ بِحَقَائِقِ الأُمُورِ وَإِدرَاكٍ لِحَجمِ الخَطرِ ، وَأَن يُوجَدَ بَينَنَا أَفرَادًا وَمُؤَسَّسَاتٍ تَعَاوُنٌ لِلحَدِّ مِن هَذَا الوَبَاءِ المُهلِكِ ، وَمُنَابَذَةٌ لِلمُرَوِّجِينَ وَالمَجرِمِينَ ، وَهِمَّةٌ في التَّبلِيغِ عَنهُم وَحَذَرٌ مِنَ التَّسَتُّرِ عَلَيهِم أَوِ التَّهَاوُنِ مَعَهُم ، وَإِحيَاءٌ لِوَاجِبِ الحِسبَةِ وَبَذلٌ لِحَقِّ النَّصِيحَةِ . ثم إِنَّهُ مَعَ كُلِّ ذَلِكَ ، فَإِنَّ ثَمَّةَ أَمرَينِ يُعَدَّانِ هُمَا الأَهَمَّ في عِلاجِ هَذِهِ المُشكِلَةِ :
الأَمرُ الأَوَّلُ : لا بُدَّ مِن تَنمِيَةِ الرَّقَابَةِ الذَّاتِيَّةِ في قُلُوبِ النَّاسِ عَامَّةً ، وَغَرسِهَا في أَفئِدَةِ النَاشِئَةِ وَالشَّبَابِ خَاصَّةً ، وَتَسلِيحِهِم بِالإِيمَانِ بِاللهِ وَالخَوفِ مِنهُ ـ سُبحَانَهُ ـ وَتَقرِيرِهِم بِنِعَمِهِ لِيَحمَدُوهُ وَيَشكُرُوهُ ، لا بُدَّ مِن تَكثِيفِ التَّوعِيَةِ بِخَطَرِ المُسكِرَاتِ وَالمُخَدِّرَاتِ عَلَى الدِّينِ وَالأَخلاقِ ، وَنَشرِ الوَعيِ بِأَضرَارِهَا عَلَى العُقُولِ ، وَبَيَانِ شِدَّةِ فَتكِهَا بِالأَجسَادِ . وَأَمَّا الأَمرُ الآخَرُ الَّذِي تَجِبُ العِنَايَةُ بِهِ ، فَهُوَ مَلءُ أَوقَاتِ الشَّبَابِ بما يَنفَعُهُم وَيَنفَعُ مُجتَمَعَهُم ، فَإِنَّهُ لا أَفسَدَ لِلعُقُولِ مِنَ الفَرَاغِ ، وَالنُّفُوسُ لا بُدَّ أَن تُشغَلَ بِالحَقِّ ، وَإِلاَّ سَدَّ أَهلُ الشَّرِّ فَرَاغَهَا بِبَاطِلِهِم . إِنَّ شَبَابَنَا لَمُستَهدَفُونَ في دِينِهِم وَعُقُولِهِم ، مَغزُوُّونَ في أَخلاقِهِم وَأَعراضِهِم ، وَمِن هُنَا فَقَد آنَ الأوَانُ لِتَحَرُّكِ الآبَاءِ وَأَولِيَاءِ الأُمُورِ لِحِمَايَةِ أَبنَائِهِم ممَّا يَضُرُّهُم ، وَتَزوِيدِهِم بِكُلِّ مَا يَنفَعُهُم وَيَرفَعُهُم ، لَقَد آنَ الأَوَانُ لاشتِغَالِ الآبَاءِ بِالمُهِمَّاتِ وَتَركِ مَا هُم فِيهِ مِن تَوَافِهَ وَتُرَّهَاتٍ ، كَيفَ تَنَامُ أَعيُنُ بَعضِ الآبَاءِ قَرِيرَةً وَتَرتَاحُ قُلُوبُهُم ، وَأَبنَاؤُهُم يَقضُونَ مُعظَمَ أَوقَاتِهِم خَارِجَ البُيُوتِ بَعِيدًا عَن رَقَابَتِهِم ؟ وَكَيفَ يَشتَغِلُ آخَرُونَ بِدَعَوَاتٍ وَوَلائِمَ وَمُنَاسَبَاتٍ ، وَيَهتَمُّونَ بِمُفَاخَرَاتٍ وَمُكَاثََرَاتٍ وَعَصَبِيَّاتٍ ، وَيَسعَونَ لإِحيَاءِ أَمجَادٍ فَارِغَةٍ وَاجتِرَارِ قِصَصٍ خَاوِيَةٍ ، وَالخَلَلُ يَدِبُّ إِلى بُيُوتِهِم ، وَأَبنَاؤُهُم يَتَفَلَّتُونَ مِن بَينِ أَيدِيهِم . عَجِيبٌ أَن يَحصُرَ رِجَالٌ اهتِمَامَهُم بما لَدَيهِم مِن أَنعَامٍ ، فَيَقضُوا مُعظَمَ أَوقَاتِهِم في العِنَايَةِ بها ، لا يَتَوَانَونَ في جَلبِ طَعَامِهَا وَسَقيِهَا ، وَلا يُقَصِّرُونَ في عِلاجِهَا ، بَل وَيَتَفَنَّنُونَ في لُُيُونَةِ مَأوَاهَا وَمُرَاحِهَا ، وَآخَرُونَ يَدفَعُونَ الأَموَالَ في بِنَاءِ الاستِرَاحَاتِ وَتَزيِينِهَا ، لِيَقضُوا فِيهَا السَّاعَاتِ مَعَ زُمَلائِهِم وَأَقرَانِهِم ، ثم لا يُكَلِّفَ أَحَدٌ مِن هَؤُلاءِ أَو هَؤُلاءِ نَفسَهُ أَن يَسأَلَ عَن وَلَدِهِ وَيَرعَى فَلَذَةِ كَبِدِهِ ، فَإِمَّا أَن يَترُكَهُ مَعَ الهَمَلِ ، وَإِمَّا أَن يُوَكِّلَ بِهِ الذِّئَابَ الضَّارِيَةَ .
أَيُّهَا الإِخوَةُ ، إِنَّ أَمَانَةَ التَّربِيَةِ لَثَقِيلَةٌ ، وَإِنَّ وَاجِبَ الأُبُوَّةِ لَكَبِيرٌ ، وَإِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلاًّّ عَن أَمَانَتِهِ وَمُحَاسِبُهُ عَن وَاجِبِهِ . قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ . وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولاَدُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " كُلُّكُم رَاعٍ وَمَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا استَرعَاهُ حَفِظَ أَم ضَيَّعَ حَتى يَسأَلَ الرَّجُلَ عَن أَهلِ بَيتِهِ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَقُومُوا بِوَاجِبِكُم تَسلَمُوا وَتَغنَمُوا ، وَلا تَتَخَاذَلُوا أَو تَتَجَاهَلُوا فَتَندَمُوا ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيطَانُ أَن يُوقِعَ بَينَكُم العَدَاوَةَ وَالبَغضَاءَ في الخَمرِ وَالمَيسِرِ وَيَصُدَّكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَل أَنتُم مُنتَهُونَ . وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيتُم فَاعلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلاغُ المُبِينُ "
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ المُبتَلَينَ بِالمُخَدِّرَاتِ مَرضَى يَحتَاجُونَ إِلى الرِّعَايَةِ وَالعِلاجِ ، وَغَرقَى يَتَشَوَّفُونَ إِلى المُسَاعَدَةِ وَالإِنقَاذِ ، وَمِن ثَمَّ فَلا بُدَّ مِن فَتحِ القُلُوبِ لهم وَمَدِّ جُسُورِ المَحَبَّةِ إِلَيهِم ، بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ وَنَصِيحَةٍ مُخلَصَةٍ ، في مُعَامَلَةٍ حَسَنَةٍ وَعِلاقَةٍ حَمِيمَةٍ ، وَأَسَالِيبَ مُنَوَّعَةٍ وَطُرُقٍ مُختَلِفَةٍ ، يُمزَجُ فِيهَا بَينَ التَّرغِيبِ وَالتَّرهِيبِ ، وَيُقرَنُ فِيهَا الثَّوَابُ بِالعِقَابِ ، وَهَذَا يَفرِضُ عَلَى المُصلِحِ وَالمُرَبِّي التَّحَلِّي بِالصَّبرِ وَالتَّحَمُّلِ ، في طُولِ نَفَسٍ وَسَعَةِ بَالٍ وَبُعدِ نَظَرٍ ، مَعَ تَعَلُّقٍ بِاللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَإِلحَاحٍ عَلَيهِ بِالدُّعَاءِ لِهَؤُلاءِ المُبتَلَينَ بِالهِدَايَةِ وَالتَّوفِيقِ .
أَمَّا أَنتُم أَيُّهَا الشَّبَابُ وَالفِتيَانُ ، يَا أَبنَاءَنَا وَيَا فَلَذَاتِ أَكبادِنَا ، فَاعلَمُوا أَنَّ المُخَدِّرَاتِ طَرِيقٌ مُوحِشَةٌ وَغَايَةٌ مَسدُودَةٌ ، بِدَايَتُهَا الفُضُولُ وَالتَّجرِبَةُ ، وَوَسَطُهَا مُجَارَاةُ الأَصحَابِ بِلا وَعيٍ وَلا تَفكِيرٍ ، وَفي أَثنَائِهَا سَيرٌ خَلفَ رُفَقَاءِ السُّوءِ وَاتِّبَاعٌ لِهَوَى النُّفُوسِ ، وَآخِرُهَا الإِدمَانُ وَتَدمِيرُ النَّفسِ وَتَضيِيعُ الحَيَاةِ ، وَسُوءُ العَاقِبَةِ في الدُّنيَا وَخُسرَانُ الآخِرَةِ .
أَيُّهَا الشَّبَابُ ، إِنَّ الحَيَاةَ مَرَاحِلُ وَمَحَطَّاتٌ ، وَلِكُلِّ مَرحَلَةٍ آمَالُهَا وَأَحلامُهَا ، وَوَقُودُ الحَيَاةِ الطُّمُوحُ وَنُورُهَا الأَمَلُ ، وَالأَتقِيَاءُ الأَسوِيَاءُ الأَصِحَّاءُ ، هُمُ القَادِرُونَ وَحدَهُم عَلَى المُضِيِّ في دُرُوبِ الحَيَاةِ بِثَبَاتٍ وَعَزِيمَةٍ ، وَهُمُ الصَّابِرُونَ عَلَى مِحَنِهَا بِشِدَّةٍ وَقوَّةٍ ، المُوَاجِهُونَ لأَموَاجِهَا بِإِصرَارٍ وَصَلابَةٍ ، وَهُمُ المُخَطِّطُونَ لِلمُستَقبَلِ الزَّاهِرِ وَالبُنَاةُ لِلحَضَارَةِ الشَّامِخَةِ ، بما يَملِكُونَ مِن عُقُولٍ سَلِيمَةٍ وَأَفكَارٍ صَحِيحَةٍ . وَأَمَّا المُدمِنُونَ فَهُم مُعتَلُّو الأَبدَانِ مُختَلُّو العُقُولِ ، ضِعَافُ النُّفُوسِ سَاقِطُو الهِمَمِ ، لا يَرسُمُونَ أَهدَافًا وَلا يُخَطِّطُونَ لِنَجَاحٍ ، وَلا يَستَمتِعُونَ بِحَاضِرٍ وَلا يَرقُبُونَ نَيلَ مُرَادٍ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ يَا شَبَابَنَا ـ وَكُونُوا أَقوِيَاءَ بِدِينِكُم مُتَوَكِّلِينَ عَلَى رَبِّكُم ، قَوُّوا عَزَائِمَكُم وَإِرَادَاتِكُم ، وَلا تَجعَلُوا أَنفُسَكُم عَبِيدًا لِلمُخَدِّرَاتِ ، تَسُوقُكُم نَشوَةُ دَقَائِقَ وَتَقُودُكُم مُتعَةُ لَحَظَاتٍ ، ثم تَكُونُوا رَهَائِنَ في أَيدِي المُرَوِّجِينَ وَالمُفسِدِينَ .
أَيُّهَا الشَّبَابُ ، إِنَّ أَعدَاءَكُم وَضِعَافَ النُّفُوسِ ممَّن حَولَكُم ، يَستَغِلُّونَ أَيَّامَ الامتِحَانَاتِ لِتَروِيجِ المُخَدِّرَاتِ ، وَيَزعُمُونَ أَنَّهَا تُسَاعِدُ عَلَى التَّركِيزِ ، في حِينِ أَنَّ العَكسَ مِن ذَلِكَ هُوَ الحَاصِلُ ، خَاصَّةً وَقَدِ انتَشَرَت أَنوَاعٌ مِنَ الحُبُوبِ المُنَبِّهَةِ المَغشُوشَةِ ، وَالمَخلُوطَةِ بِمُخَدِّرٍ يُتلِفُ خَلايَا المُخِّ مِن أَوَّلِ مَرَّةٍ يُستَخدَمُ فِيهَا ، ممَّا يَتَسَبَّبُ في فُقدَانِ العَقلِ مَدَى الحَيَاةِ ، أَلا فَانتَبِهُوا لأَنفُسِكُم ـ رَعَاكُمُ اللهُ ـ وَاحفَظُوا أَغلَى مَا تَملِكُونَ ـ حَفِظَكُمُ اللهُ ـ
قَد هَيَّؤُوكَ لأَمرٍ لَو فَطِنتَ لَهُ فَاربَأْ بِنَفسِكَ أَن تَرعَى مَعَ الهَمَلِ
داء المخدرات وموسم الاختبارات
الخطبة الأولى:
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لا يَنفَكُّ أَعدَاءُ الدِّينِ وَشَانِئُو الفَضِيلَةِ ، مِن دُعَاةِ الشَّرِّ وَمُرَوِّجُو الرّذِيلَةِ ، لا يَنفَكُّونَ يَطرُقُونَ إِلى الفِتنَةِ كُلَّ بَابٍ ، وَيَسلُكُونَ إِلى الإِفسَادِ كُلَّ طَرِيقٍ ، هَمُّهُم تَجرِيدُ الأُمَّةِ مِن دِينِهَا وَإِضعَافُ العَقِيدَةِ في قُلُوبِهَا ، وَهَدَفُهُم تَغيِيرُ مَبَادِئِهَا وَنَسفُ ثَوَابِتِهَا ، إِنَّهُم يَسعَونَ لإِفسَادِ سُلُوكِ أَبنَائِهَا وَتَحطِيمِ أَخلاقِهِم وَتَخرِيبِ طِبَاعِهِم ، وَجَعلِ المُجتَمَعِ الإِسلامِيِّ مِسخًا مُشَوَّهًا لِمُجتَمَعَاتٍ لا تَمُتُّ لِدِينِهِ الحَنِيفِ بِصِلَةٍ ، وَلا يَربِطُهَا بِقِيَمِهِ وَمُثُلِهِ أَيُّ رَابِطٍ . وَبَينَ فَينَةٍ وَأُخرَى نَسمَعُ بِأَنبَاءٍ عَن ضَبطِ الأَجهِزَةِ الأَمنِيَّةِ لِمُهَرِّبِينَ ، وَالإِيقَاعِ بِشَبَكَةِ مُرَوِّجِينَ مُفسِدِينَ ، كَانُوا يُعِدُّونَ عُدَّتَهُم لِدُخُولِ هَذِهِ البِلادِ بِشَرِّ مَا يَجِدُونَ مِن أَنوَاعِ الخُمُورِ ، وَغَزوِهَا بِأَشكَالٍ مِنَ المُسكِرَاتِ وَأَلوَانٍ مِنَ المُخَدِّرَاتِ . وَهَكَذَا تَجتَمِعُ عَلَى هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ الأَيدِي الخَفِيَّةُ ، لِتَنَالَ مِن دِينِهَا وَتُفسِدَ عُقُولَ شَبَابِهَا ، وَلِتَأسِرَ أَلبَابَهُم بما لا يَستَطِيعُونَ الانفِكَاكَ عَنهُ وَلا التَّخَلُّصَ مِنهُ ، بِالقَنَوَاتِ وَالفَضَائِيَّاتِ حِينًا ، وَبِالشَّبَكَاتِ وَأَجهِزَةِ الاتِّصَالاتِ حِينًا ، وَحِينًا بِالمُسكِرَاتِ وَالمُخَدِّرَاتِ ، الَّتي عَرَفُوا أَنَّهَا أَسهَلُ طَرِيقٍ لِلوُصُولِ إِلى المُجتَمَعَاتِ ، وَأَقوَى وَسِيلَةٍ لِلتَّأثِيرِ في اتِّجَاهَاتِهِم وَتَغيِيرِ قَنَاعَاتِهِم ، إِذْ بها تَختَلُّ العُقُولُ وَتَزِيغُ الأَفهَامُ ، وَبها يُضعَفُ الاقتِصَادُ وَتُؤكَلُ الأَموَالُ ، وَمِن ثَمَّ يُملَكُ الزِّمَامُ وَيُمسَكُ بِالخِطَامِ ، وَيُقسَرُ الفَردُ عَلَى مَا لا يَرضَاهُ وَيُجبَرُ عَلَى مَا كَانَ يَأنَفُ مِنهُ ، فَتَنتَشِرُ السَّرِقَاتُ وَيَكثُرُ السَّطوُ ، وَيَختَلُّ الأَمنُ وَتُرَوَّعُ النُّفُوسُ ، وَتُشَلُّ حَرَكَةُ الفَردِ وَيَقِلُّ إِنتَاجُهُ ، فَتَتَفَاقَمُ عَلَى وَلِيِّهِ الأَعبَاءُ وَتَتَضَاعَفُ الأَحمَالُ ، وَيَعُمُّ الفَقرُ وَتَتَمَزَّقُ الأُسَرُ ، وَتَتَشَتَّتُ العِلاقَاتُ وَتَنقَطِعُ الصِّلاتُ ، وَيُصبِحُ كَيَانُ المُجتَمَعِ ضَعِيفًا وَبُنيَانُهُ هَشًّا ، فَيَغدُو أُلعُوبَةً في أَيدِي الأَسَافِلِ وَالأَرَاذِلِ ، يُحَرِّكُونَهُ مَتى شَاؤُوا إِلى مَا أَرَادُوا ، وَيَأخُذُونَ بِهِ إلى هَاوِيَةِ الجَرِيمَةِ وَمُستَنقَعَاتِ الرَّذِيلَةِ . فَتُنحَرُ إِذْ ذَاكَ أَعرَاضٌ وَيُقتَلُ عَفَافٌ ، وَتُوأَدُ فَضِيلَةٌ وَيُسلَبُ حَيَاءٌ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد أَضحَت حَربُ المُخَدِّرَاتِ مِن أَخطَرِ أَنوَاعِ الحُرُوبِ المُعَاصِرَةِ ، يُدرِكُ ذَلِكَ مَن وَقَفَ في المَيدَانَ وَاقتَرَبَ مِنَ المُعتَرَكِ ، سَوَاءٌ مِن رِجَالِ الأَمنِ وَمُكَافَحَةِ المُخَدِّرَاتِ ، أَو مِنَ العَامِلِينَ في جَمعِيَّاتِ المُكَافَحَةِ الخَيرِيَّةِ وَأَطِبَّاءِ المُستَشفَيَاتِ ، بَل يَشعُرُ بِضَرَاوَةِ تِلكِ الحَربِ وَشَرَاسَتِهَا كُلُّ مَن يَسمَعُ بِهَذِهِ الكَمِيَّاتِ الهَائِلَةِ وَالأَنوَاعِ الكَثِيرَةِ الَّتي تُحبَطُ عَملِيَّاتُ إِدخَالِهَا إِلى بِلادِنَا ، فَضلاً عَن تِلكَ الَّتي تُرَوَّجُ وَتَنتَشِرُ ، وَيَقَعُ ضَحِيَّةً لها فِئَاتٌ مِنَ المُجتَمَعِ هُم أَغلَى مَن فِيهِ ، وَإِنَّهُ وَمَعَ مَا سَنَّتهُ هَذِهِ البِلادُ مِن عُقُوبَاتٍ رَادِعَةٍ وَجَزَاءَاتٍ زَاجِرَةٍ ، فَإِنَّ هَذَا الطُّوفَانَ المُدَمِّرَ لَيُسرِعُ في زَحفِهِ إِلى البُيُوتِ ، وَيَقتَحِمُ المَدَارِسِ وَالجَامِعَاتِ ، وَتَشكُو آثَارَهُ المَصَانِعُ وَالمَعَامِلُ ، بَل وَلم تَسلمْ مِنهُ حَتى بَعضُ الدَّوَائِرِ الحُكُومِيَّةِ وَالأَجهِزَةِ الرَّسمِيَّةِ ، ممَّا يَستَدعِي مِنَّا مُوَاطِنِينَ وَمَسؤُولِينَ وَأَولِيَاءَ وَمُرَبِّينَ ، أَن نَكُونَ عَلَى وَعيٍ بِحَقَائِقِ الأُمُورِ وَإِدرَاكٍ لِحَجمِ الخَطرِ ، وَأَن يُوجَدَ بَينَنَا أَفرَادًا وَمُؤَسَّسَاتٍ تَعَاوُنٌ لِلحَدِّ مِن هَذَا الوَبَاءِ المُهلِكِ ، وَمُنَابَذَةٌ لِلمُرَوِّجِينَ وَالمَجرِمِينَ ، وَهِمَّةٌ في التَّبلِيغِ عَنهُم وَحَذَرٌ مِنَ التَّسَتُّرِ عَلَيهِم أَوِ التَّهَاوُنِ مَعَهُم ، وَإِحيَاءٌ لِوَاجِبِ الحِسبَةِ وَبَذلٌ لِحَقِّ النَّصِيحَةِ . ثم إِنَّهُ مَعَ كُلِّ ذَلِكَ ، فَإِنَّ ثَمَّةَ أَمرَينِ يُعَدَّانِ هُمَا الأَهَمَّ في عِلاجِ هَذِهِ المُشكِلَةِ :
الأَمرُ الأَوَّلُ : لا بُدَّ مِن تَنمِيَةِ الرَّقَابَةِ الذَّاتِيَّةِ في قُلُوبِ النَّاسِ عَامَّةً ، وَغَرسِهَا في أَفئِدَةِ النَاشِئَةِ وَالشَّبَابِ خَاصَّةً ، وَتَسلِيحِهِم بِالإِيمَانِ بِاللهِ وَالخَوفِ مِنهُ ـ سُبحَانَهُ ـ وَتَقرِيرِهِم بِنِعَمِهِ لِيَحمَدُوهُ وَيَشكُرُوهُ ، لا بُدَّ مِن تَكثِيفِ التَّوعِيَةِ بِخَطَرِ المُسكِرَاتِ وَالمُخَدِّرَاتِ عَلَى الدِّينِ وَالأَخلاقِ ، وَنَشرِ الوَعيِ بِأَضرَارِهَا عَلَى العُقُولِ ، وَبَيَانِ شِدَّةِ فَتكِهَا بِالأَجسَادِ . وَأَمَّا الأَمرُ الآخَرُ الَّذِي تَجِبُ العِنَايَةُ بِهِ ، فَهُوَ مَلءُ أَوقَاتِ الشَّبَابِ بما يَنفَعُهُم وَيَنفَعُ مُجتَمَعَهُم ، فَإِنَّهُ لا أَفسَدَ لِلعُقُولِ مِنَ الفَرَاغِ ، وَالنُّفُوسُ لا بُدَّ أَن تُشغَلَ بِالحَقِّ ، وَإِلاَّ سَدَّ أَهلُ الشَّرِّ فَرَاغَهَا بِبَاطِلِهِم . إِنَّ شَبَابَنَا لَمُستَهدَفُونَ في دِينِهِم وَعُقُولِهِم ، مَغزُوُّونَ في أَخلاقِهِم وَأَعراضِهِم ، وَمِن هُنَا فَقَد آنَ الأوَانُ لِتَحَرُّكِ الآبَاءِ وَأَولِيَاءِ الأُمُورِ لِحِمَايَةِ أَبنَائِهِم ممَّا يَضُرُّهُم ، وَتَزوِيدِهِم بِكُلِّ مَا يَنفَعُهُم وَيَرفَعُهُم ، لَقَد آنَ الأَوَانُ لاشتِغَالِ الآبَاءِ بِالمُهِمَّاتِ وَتَركِ مَا هُم فِيهِ مِن تَوَافِهَ وَتُرَّهَاتٍ ، كَيفَ تَنَامُ أَعيُنُ بَعضِ الآبَاءِ قَرِيرَةً وَتَرتَاحُ قُلُوبُهُم ، وَأَبنَاؤُهُم يَقضُونَ مُعظَمَ أَوقَاتِهِم خَارِجَ البُيُوتِ بَعِيدًا عَن رَقَابَتِهِم ؟ وَكَيفَ يَشتَغِلُ آخَرُونَ بِدَعَوَاتٍ وَوَلائِمَ وَمُنَاسَبَاتٍ ، وَيَهتَمُّونَ بِمُفَاخَرَاتٍ وَمُكَاثََرَاتٍ وَعَصَبِيَّاتٍ ، وَيَسعَونَ لإِحيَاءِ أَمجَادٍ فَارِغَةٍ وَاجتِرَارِ قِصَصٍ خَاوِيَةٍ ، وَالخَلَلُ يَدِبُّ إِلى بُيُوتِهِم ، وَأَبنَاؤُهُم يَتَفَلَّتُونَ مِن بَينِ أَيدِيهِم . عَجِيبٌ أَن يَحصُرَ رِجَالٌ اهتِمَامَهُم بما لَدَيهِم مِن أَنعَامٍ ، فَيَقضُوا مُعظَمَ أَوقَاتِهِم في العِنَايَةِ بها ، لا يَتَوَانَونَ في جَلبِ طَعَامِهَا وَسَقيِهَا ، وَلا يُقَصِّرُونَ في عِلاجِهَا ، بَل وَيَتَفَنَّنُونَ في لُُيُونَةِ مَأوَاهَا وَمُرَاحِهَا ، وَآخَرُونَ يَدفَعُونَ الأَموَالَ في بِنَاءِ الاستِرَاحَاتِ وَتَزيِينِهَا ، لِيَقضُوا فِيهَا السَّاعَاتِ مَعَ زُمَلائِهِم وَأَقرَانِهِم ، ثم لا يُكَلِّفَ أَحَدٌ مِن هَؤُلاءِ أَو هَؤُلاءِ نَفسَهُ أَن يَسأَلَ عَن وَلَدِهِ وَيَرعَى فَلَذَةِ كَبِدِهِ ، فَإِمَّا أَن يَترُكَهُ مَعَ الهَمَلِ ، وَإِمَّا أَن يُوَكِّلَ بِهِ الذِّئَابَ الضَّارِيَةَ .
أَيُّهَا الإِخوَةُ ، إِنَّ أَمَانَةَ التَّربِيَةِ لَثَقِيلَةٌ ، وَإِنَّ وَاجِبَ الأُبُوَّةِ لَكَبِيرٌ ، وَإِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلاًّّ عَن أَمَانَتِهِ وَمُحَاسِبُهُ عَن وَاجِبِهِ . قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ . وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولاَدُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " كُلُّكُم رَاعٍ وَمَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا استَرعَاهُ حَفِظَ أَم ضَيَّعَ حَتى يَسأَلَ الرَّجُلَ عَن أَهلِ بَيتِهِ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَقُومُوا بِوَاجِبِكُم تَسلَمُوا وَتَغنَمُوا ، وَلا تَتَخَاذَلُوا أَو تَتَجَاهَلُوا فَتَندَمُوا ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيطَانُ أَن يُوقِعَ بَينَكُم العَدَاوَةَ وَالبَغضَاءَ في الخَمرِ وَالمَيسِرِ وَيَصُدَّكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَل أَنتُم مُنتَهُونَ . وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيتُم فَاعلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلاغُ المُبِينُ "
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ المُبتَلَينَ بِالمُخَدِّرَاتِ مَرضَى يَحتَاجُونَ إِلى الرِّعَايَةِ وَالعِلاجِ ، وَغَرقَى يَتَشَوَّفُونَ إِلى المُسَاعَدَةِ وَالإِنقَاذِ ، وَمِن ثَمَّ فَلا بُدَّ مِن فَتحِ القُلُوبِ لهم وَمَدِّ جُسُورِ المَحَبَّةِ إِلَيهِم ، بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ وَنَصِيحَةٍ مُخلَصَةٍ ، في مُعَامَلَةٍ حَسَنَةٍ وَعِلاقَةٍ حَمِيمَةٍ ، وَأَسَالِيبَ مُنَوَّعَةٍ وَطُرُقٍ مُختَلِفَةٍ ، يُمزَجُ فِيهَا بَينَ التَّرغِيبِ وَالتَّرهِيبِ ، وَيُقرَنُ فِيهَا الثَّوَابُ بِالعِقَابِ ، وَهَذَا يَفرِضُ عَلَى المُصلِحِ وَالمُرَبِّي التَّحَلِّي بِالصَّبرِ وَالتَّحَمُّلِ ، في طُولِ نَفَسٍ وَسَعَةِ بَالٍ وَبُعدِ نَظَرٍ ، مَعَ تَعَلُّقٍ بِاللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَإِلحَاحٍ عَلَيهِ بِالدُّعَاءِ لِهَؤُلاءِ المُبتَلَينَ بِالهِدَايَةِ وَالتَّوفِيقِ .
أَمَّا أَنتُم أَيُّهَا الشَّبَابُ وَالفِتيَانُ ، يَا أَبنَاءَنَا وَيَا فَلَذَاتِ أَكبادِنَا ، فَاعلَمُوا أَنَّ المُخَدِّرَاتِ طَرِيقٌ مُوحِشَةٌ وَغَايَةٌ مَسدُودَةٌ ، بِدَايَتُهَا الفُضُولُ وَالتَّجرِبَةُ ، وَوَسَطُهَا مُجَارَاةُ الأَصحَابِ بِلا وَعيٍ وَلا تَفكِيرٍ ، وَفي أَثنَائِهَا سَيرٌ خَلفَ رُفَقَاءِ السُّوءِ وَاتِّبَاعٌ لِهَوَى النُّفُوسِ ، وَآخِرُهَا الإِدمَانُ وَتَدمِيرُ النَّفسِ وَتَضيِيعُ الحَيَاةِ ، وَسُوءُ العَاقِبَةِ في الدُّنيَا وَخُسرَانُ الآخِرَةِ .
أَيُّهَا الشَّبَابُ ، إِنَّ الحَيَاةَ مَرَاحِلُ وَمَحَطَّاتٌ ، وَلِكُلِّ مَرحَلَةٍ آمَالُهَا وَأَحلامُهَا ، وَوَقُودُ الحَيَاةِ الطُّمُوحُ وَنُورُهَا الأَمَلُ ، وَالأَتقِيَاءُ الأَسوِيَاءُ الأَصِحَّاءُ ، هُمُ القَادِرُونَ وَحدَهُم عَلَى المُضِيِّ في دُرُوبِ الحَيَاةِ بِثَبَاتٍ وَعَزِيمَةٍ ، وَهُمُ الصَّابِرُونَ عَلَى مِحَنِهَا بِشِدَّةٍ وَقوَّةٍ ، المُوَاجِهُونَ لأَموَاجِهَا بِإِصرَارٍ وَصَلابَةٍ ، وَهُمُ المُخَطِّطُونَ لِلمُستَقبَلِ الزَّاهِرِ وَالبُنَاةُ لِلحَضَارَةِ الشَّامِخَةِ ، بما يَملِكُونَ مِن عُقُولٍ سَلِيمَةٍ وَأَفكَارٍ صَحِيحَةٍ . وَأَمَّا المُدمِنُونَ فَهُم مُعتَلُّو الأَبدَانِ مُختَلُّو العُقُولِ ، ضِعَافُ النُّفُوسِ سَاقِطُو الهِمَمِ ، لا يَرسُمُونَ أَهدَافًا وَلا يُخَطِّطُونَ لِنَجَاحٍ ، وَلا يَستَمتِعُونَ بِحَاضِرٍ وَلا يَرقُبُونَ نَيلَ مُرَادٍ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ يَا شَبَابَنَا ـ وَكُونُوا أَقوِيَاءَ بِدِينِكُم مُتَوَكِّلِينَ عَلَى رَبِّكُم ، قَوُّوا عَزَائِمَكُم وَإِرَادَاتِكُم ، وَلا تَجعَلُوا أَنفُسَكُم عَبِيدًا لِلمُخَدِّرَاتِ ، تَسُوقُكُم نَشوَةُ دَقَائِقَ وَتَقُودُكُم مُتعَةُ لَحَظَاتٍ ، ثم تَكُونُوا رَهَائِنَ في أَيدِي المُرَوِّجِينَ وَالمُفسِدِينَ .
أَيُّهَا الشَّبَابُ ، إِنَّ أَعدَاءَكُم وَضِعَافَ النُّفُوسِ ممَّن حَولَكُم ، يَستَغِلُّونَ أَيَّامَ الامتِحَانَاتِ لِتَروِيجِ المُخَدِّرَاتِ ، وَيَزعُمُونَ أَنَّهَا تُسَاعِدُ عَلَى التَّركِيزِ ، في حِينِ أَنَّ العَكسَ مِن ذَلِكَ هُوَ الحَاصِلُ ، خَاصَّةً وَقَدِ انتَشَرَت أَنوَاعٌ مِنَ الحُبُوبِ المُنَبِّهَةِ المَغشُوشَةِ ، وَالمَخلُوطَةِ بِمُخَدِّرٍ يُتلِفُ خَلايَا المُخِّ مِن أَوَّلِ مَرَّةٍ يُستَخدَمُ فِيهَا ، ممَّا يَتَسَبَّبُ في فُقدَانِ العَقلِ مَدَى الحَيَاةِ ، أَلا فَانتَبِهُوا لأَنفُسِكُم ـ رَعَاكُمُ اللهُ ـ وَاحفَظُوا أَغلَى مَا تَملِكُونَ ـ حَفِظَكُمُ اللهُ ـ
قَد هَيَّؤُوكَ لأَمرٍ لَو فَطِنتَ لَهُ فَاربَأْ بِنَفسِكَ أَن تَرعَى مَعَ الهَمَلِ
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى