مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د. رياض بن محمد المسيميري
نقض العهد والميثاق
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ..... أما بعد
فإن من علامات ضعف الإيمان بالله واليوم الآخر والتي تنتشر في حياة المسلمين اليوم التخلق بأخلاق المنافقين .. والتشبه بهم في تصرفاتهم وسلوكاتهم .. وفي تعاملاتهم وطبائعهم .. ومن أبرز تلك الأخلاق والصفات البائسة المنكودة نقض العهود والمواثيق وإن شئت قل الغدر والخيانة ..
وأخطر أنواع نقض المواثيق نقض الميثاق مع الله تعالى ذلك الميثاق العظيم المشار إليه بقوله تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ , أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ }الأعراف173وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون وذكر سبحانه المؤمنين خاصة بذلك الميثاق الغليظ حيث يقول : {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }المائدة7 فهل التزم المسلمون بذلك الميثاق الغليظ الذي أخذه الرب عليهم وأشهدهم على أنفسهم أ لست بربكم ؟ قالوا بلى شهدنا!
هل التزم المسلمون بإقامة كيان التوحيد في النفوس ؟ والتخلص من آثار الجاهلية الأولى ؟ الإجابة على هذه التساؤلات .. تنبئك عنها تلك التجمعات الهائلة .. حول الأضرحة والمشاهد وتلك الاستغاثات والتوسلات بين يدي المقبورين وتخبرك عنها تلك الابتهالات والنداءات لمن لا يملك موتا ولا حياة ولا نشوراً لعمرك إنه نقض للميثاق من أساسه وهدم للإسلام من أصوله وسخرية بالجبار جل جلاله ويدخل في جملة ناقضي الميثاق أسباب المعاصي والموبقات المنغمسون في الرذيلة والفساد والمستسلمون للهوى وعبادة الشيطان المضيعون للصلوات والمتبعون للشهوات .. وهم مع ذلك كله .. لا يتورعون صباح مساء .. أن يرددوا قوله حق أريد به باطل .. يقولون إن الله غفور رحيم .. إن رحمة الله وسعت كل شيء .. وفي أمثال هؤلاء يقول الله تعالى {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }الأعراف169
وتأمل قوله في الآية : {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ}الأعراف169 يعني أن ما قالوه وفق ما نهوه ، باطل لا ريب فيه يخادعون الله وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون . ويدخل في جملة ناقضي الميثاق كل أولئك الذين أعلنوا توبتهم بين يدي الله تعالى .. وعاهدوه على الاستقامة والسير الحميد ورفعوا أكف الضراعة .. بقبول توبتهم .. وإقالة عثرتهم وعاهدوا الرب جل جلاله على بذل الطاعة والتزام الحدود فهجروا الموبقات والشهوات . فلما طال عليهم الأمد ، وتغير عليهم الناس اخذ الحنين إلى الماضي يدب في نفوسهم ويضعف الهمم وبحثوا لأنفسهم عن الحجج والمعاذير وتتبعوا الرخص وفتاوى علماء السوء فنقضوا العهد والميثاق مع اللطيف الخبير .. الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ولكن أكثر الناس لا يعلمون ...
ويدخل في جملة ناقضي الميثاق علماء الضلالة وأحبار السوء الذين منحهم الله تعالى ذكاء وفطنة .. وحفظا وفهماً فاستظهروا المتون وحازوا الفنون .. واستبانت لهم المحجة ..
وقامت عليهم الحجة وكان لزاماً عليهم بيان الحق ونصرة الدين ودحض الخصوم والمعاندين بالحجة والقول المبين .. بذل العلم للراغبين وكشف الشبه للحائرين ولكنهم آثروا العاجلة مع الباقية وتركوا الناس يتخبطون في خرافاتهم وتقديس أوثانهم دون علم ولا هدى ولا كتاب منير .. وفي أمثال هؤلاء يقول سبحانه : {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ }آل عمران187
إذا فكتم العلم عن الناس وحجب كلمة الحق عن مسامعهم إخلال بالميثاق وتعرض للعن والإبعاد ..
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }البقرة159 {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة160
ومن هنا ... رأينا الصحابي الجليل أبا هريرة رضي الله عنه يعلن عن سر إكثاره الرواية عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه عنه البخاري رحمه الله يقول الناس أكثر أبو هريرة يعني أكثر من رواية الحديث ولو آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثاً ثم يتلو قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى }البقرة159 الآتين السابقتين .
ويدخل في جملة ناقضي الميثاق كل أولئك الذين أخذوا على عاتقهم ... مسئولية الدعوة إلى الله تعالى ... وتنوير الناس والتصدي لتيار الانحراف في العقيدة والأخلاق والسلوك فلما أعياهم طول الطريق ... وبعد الشقة تخلوا عن دعوتهم ووضعوا رايتهم ونقضوا العهد والميثاق الذي أبرموه مع الرب جل جلاله في نصرة الدين وحماية العقيدة ومجاهدة المنافقين..
ويدخل في جملة ناقضي الميثاق كل أولئك الذين وهبهم الله المال والثروة .. فجحدوا فضل الله عليهم وأنكروا إحسانه إليهم ... واستعملوا ثراءهم في محاربة الله ومحاداة رسوله وبددوا الثروات في الفسق والفجور وبذروا تبذير الشياطين وحرموا الضعفاء والمساكين والأرامل واليتامي من حقهم في العيش الكريم وفي أمثال هؤلاء يقول الله تعالى {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ , فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ,أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ }التوبة63 يدخل في جملة ناقضي الميثاق كل أولئك الذين وهبهم الله الأبناء والذرية فبدلا من شكر المنعم العظيم والرب الكريم و تنشئة الأبناء بتنشئة الصالحين وغرس التدين في نفوسهم .. وتربيتهم على الفضيلة والمروءة والحياء .. وحسن الخلق والسمت الجميل ألفيتهم تاركين أبناءهم عرضة للفتن والفساد واختلال القيم والموازين بما جلبوه لبيوتهم ، ومحارمهم وذرياتهم من وسائل التدمير والإفساد تأمرهم بكل منكر وتعرض لهم كل قبيح وتعبث بعقائدهم وتسخر من أخلاقهم وقيمهم وفي أمثال هؤلاء يقول الله تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ , فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }الأعراف190
ويدخل في جملة ناقضي الميثاق ..... أولئك الساخرون من محمد عليه الصلاة والسلام بالتنكر لرسالته .. والخروج على شريعته والابتداع في ديانته وملته ..
فلقد قام عليه الصلاة والسلام .. بدعوته خير القيام فما ترك خيراً إلا ودل الأمة عليه .. ولا شرا إلا حذرها منه ... واستشهد الناس على ذلك في يوم الحج الأكبر فاستنطق مائة ألف أو يزيدون على تبليغه الرسالة .. وأداءه للأمانة فشهدوا بالحق وبه كانوا يعدلون .. إذا فخلع اليد من طاعته والتنكر لرسالته . نقض للميثاق الذي يقول الله فيه : {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ , فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران82
ويدخل في جملة ناقضي الميثاق كل أولئك الحكام والأمراء .. الذين بايعتهم الأمة على الكتاب والسنة وتحكيم الشريعة ونصرة الإسلام فلما مكن لهم في الأرض .. وأذعن لهم الناس نقضوا العهد الذي أبرموه والميثاق الذي واثقوه ونحوا الشريعة عن حكم الحياة واستبدلوا بها قوانين البشر وسخافات البشر وتفاهات البشر ورفعوا راية الظلم والعدوان وكمموا الأفواه وحجبوا كلمة الحق عن مسامع الناس وفي أمثال هؤلاء يقول الله تعالى : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ }البقرة83
الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد....
أما بعد:
أيها المسلمون: فإن نقض العهود والمواثيق انتكاس في الفطرة وردة في القيم ذمه القرآن الكريم ، وتوعد عليه العزيز الجبار ، في أكثر من موضع من الكتاب العزيز فمن ذلك قوله تعالى : {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }الرعد25
وقال سبحانه {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }المائدة13
فاتقوا الله أيها الناس .. وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون .... {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }النحل92
ألا وصلوا على النبي الهاشمي ،،،،،
نقض العهد والميثاق
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ..... أما بعد
فإن من علامات ضعف الإيمان بالله واليوم الآخر والتي تنتشر في حياة المسلمين اليوم التخلق بأخلاق المنافقين .. والتشبه بهم في تصرفاتهم وسلوكاتهم .. وفي تعاملاتهم وطبائعهم .. ومن أبرز تلك الأخلاق والصفات البائسة المنكودة نقض العهود والمواثيق وإن شئت قل الغدر والخيانة ..
وأخطر أنواع نقض المواثيق نقض الميثاق مع الله تعالى ذلك الميثاق العظيم المشار إليه بقوله تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ , أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ }الأعراف173وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون وذكر سبحانه المؤمنين خاصة بذلك الميثاق الغليظ حيث يقول : {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }المائدة7 فهل التزم المسلمون بذلك الميثاق الغليظ الذي أخذه الرب عليهم وأشهدهم على أنفسهم أ لست بربكم ؟ قالوا بلى شهدنا!
هل التزم المسلمون بإقامة كيان التوحيد في النفوس ؟ والتخلص من آثار الجاهلية الأولى ؟ الإجابة على هذه التساؤلات .. تنبئك عنها تلك التجمعات الهائلة .. حول الأضرحة والمشاهد وتلك الاستغاثات والتوسلات بين يدي المقبورين وتخبرك عنها تلك الابتهالات والنداءات لمن لا يملك موتا ولا حياة ولا نشوراً لعمرك إنه نقض للميثاق من أساسه وهدم للإسلام من أصوله وسخرية بالجبار جل جلاله ويدخل في جملة ناقضي الميثاق أسباب المعاصي والموبقات المنغمسون في الرذيلة والفساد والمستسلمون للهوى وعبادة الشيطان المضيعون للصلوات والمتبعون للشهوات .. وهم مع ذلك كله .. لا يتورعون صباح مساء .. أن يرددوا قوله حق أريد به باطل .. يقولون إن الله غفور رحيم .. إن رحمة الله وسعت كل شيء .. وفي أمثال هؤلاء يقول الله تعالى {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }الأعراف169
وتأمل قوله في الآية : {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ}الأعراف169 يعني أن ما قالوه وفق ما نهوه ، باطل لا ريب فيه يخادعون الله وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون . ويدخل في جملة ناقضي الميثاق كل أولئك الذين أعلنوا توبتهم بين يدي الله تعالى .. وعاهدوه على الاستقامة والسير الحميد ورفعوا أكف الضراعة .. بقبول توبتهم .. وإقالة عثرتهم وعاهدوا الرب جل جلاله على بذل الطاعة والتزام الحدود فهجروا الموبقات والشهوات . فلما طال عليهم الأمد ، وتغير عليهم الناس اخذ الحنين إلى الماضي يدب في نفوسهم ويضعف الهمم وبحثوا لأنفسهم عن الحجج والمعاذير وتتبعوا الرخص وفتاوى علماء السوء فنقضوا العهد والميثاق مع اللطيف الخبير .. الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ولكن أكثر الناس لا يعلمون ...
ويدخل في جملة ناقضي الميثاق علماء الضلالة وأحبار السوء الذين منحهم الله تعالى ذكاء وفطنة .. وحفظا وفهماً فاستظهروا المتون وحازوا الفنون .. واستبانت لهم المحجة ..
وقامت عليهم الحجة وكان لزاماً عليهم بيان الحق ونصرة الدين ودحض الخصوم والمعاندين بالحجة والقول المبين .. بذل العلم للراغبين وكشف الشبه للحائرين ولكنهم آثروا العاجلة مع الباقية وتركوا الناس يتخبطون في خرافاتهم وتقديس أوثانهم دون علم ولا هدى ولا كتاب منير .. وفي أمثال هؤلاء يقول سبحانه : {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ }آل عمران187
إذا فكتم العلم عن الناس وحجب كلمة الحق عن مسامعهم إخلال بالميثاق وتعرض للعن والإبعاد ..
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }البقرة159 {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة160
ومن هنا ... رأينا الصحابي الجليل أبا هريرة رضي الله عنه يعلن عن سر إكثاره الرواية عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه عنه البخاري رحمه الله يقول الناس أكثر أبو هريرة يعني أكثر من رواية الحديث ولو آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثاً ثم يتلو قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى }البقرة159 الآتين السابقتين .
ويدخل في جملة ناقضي الميثاق كل أولئك الذين أخذوا على عاتقهم ... مسئولية الدعوة إلى الله تعالى ... وتنوير الناس والتصدي لتيار الانحراف في العقيدة والأخلاق والسلوك فلما أعياهم طول الطريق ... وبعد الشقة تخلوا عن دعوتهم ووضعوا رايتهم ونقضوا العهد والميثاق الذي أبرموه مع الرب جل جلاله في نصرة الدين وحماية العقيدة ومجاهدة المنافقين..
ويدخل في جملة ناقضي الميثاق كل أولئك الذين وهبهم الله المال والثروة .. فجحدوا فضل الله عليهم وأنكروا إحسانه إليهم ... واستعملوا ثراءهم في محاربة الله ومحاداة رسوله وبددوا الثروات في الفسق والفجور وبذروا تبذير الشياطين وحرموا الضعفاء والمساكين والأرامل واليتامي من حقهم في العيش الكريم وفي أمثال هؤلاء يقول الله تعالى {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ , فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ,أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ }التوبة63 يدخل في جملة ناقضي الميثاق كل أولئك الذين وهبهم الله الأبناء والذرية فبدلا من شكر المنعم العظيم والرب الكريم و تنشئة الأبناء بتنشئة الصالحين وغرس التدين في نفوسهم .. وتربيتهم على الفضيلة والمروءة والحياء .. وحسن الخلق والسمت الجميل ألفيتهم تاركين أبناءهم عرضة للفتن والفساد واختلال القيم والموازين بما جلبوه لبيوتهم ، ومحارمهم وذرياتهم من وسائل التدمير والإفساد تأمرهم بكل منكر وتعرض لهم كل قبيح وتعبث بعقائدهم وتسخر من أخلاقهم وقيمهم وفي أمثال هؤلاء يقول الله تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ , فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }الأعراف190
ويدخل في جملة ناقضي الميثاق ..... أولئك الساخرون من محمد عليه الصلاة والسلام بالتنكر لرسالته .. والخروج على شريعته والابتداع في ديانته وملته ..
فلقد قام عليه الصلاة والسلام .. بدعوته خير القيام فما ترك خيراً إلا ودل الأمة عليه .. ولا شرا إلا حذرها منه ... واستشهد الناس على ذلك في يوم الحج الأكبر فاستنطق مائة ألف أو يزيدون على تبليغه الرسالة .. وأداءه للأمانة فشهدوا بالحق وبه كانوا يعدلون .. إذا فخلع اليد من طاعته والتنكر لرسالته . نقض للميثاق الذي يقول الله فيه : {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ , فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران82
ويدخل في جملة ناقضي الميثاق كل أولئك الحكام والأمراء .. الذين بايعتهم الأمة على الكتاب والسنة وتحكيم الشريعة ونصرة الإسلام فلما مكن لهم في الأرض .. وأذعن لهم الناس نقضوا العهد الذي أبرموه والميثاق الذي واثقوه ونحوا الشريعة عن حكم الحياة واستبدلوا بها قوانين البشر وسخافات البشر وتفاهات البشر ورفعوا راية الظلم والعدوان وكمموا الأفواه وحجبوا كلمة الحق عن مسامع الناس وفي أمثال هؤلاء يقول الله تعالى : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ }البقرة83
الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد....
أما بعد:
أيها المسلمون: فإن نقض العهود والمواثيق انتكاس في الفطرة وردة في القيم ذمه القرآن الكريم ، وتوعد عليه العزيز الجبار ، في أكثر من موضع من الكتاب العزيز فمن ذلك قوله تعالى : {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }الرعد25
وقال سبحانه {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }المائدة13
فاتقوا الله أيها الناس .. وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون .... {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }النحل92
ألا وصلوا على النبي الهاشمي ،،،،،
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى