رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د . سليمان بن حمد العودة
طرق العلاج وقنوات إصلاح الشباب
إن الحمد لله نحمده ونستعينه...
إخوة الإيمان حين يتحدث المتحدث عن ظاهرة سلوكية سيئة- كاللواط مثلاً- فلا يعني ذلك إغفال غيرها من الظواهر السلوكية المنحرفة الأخرى لدى الشباب، كالتهاون بالصلاة أو تعاطي المخدرات، أو عقوق الوالدين، أو ضياع الأوقات والتسكع في الطرقات، وإيذاء الناس وتكدير صفو عيشهم أو غير ذلك من مظاهر نحتاج كل واحدة منها إلى وقفة وتأمل وعلاج.
ومن هنا فعلينا ونحن نرغب في علاج ظاهرة أن- نربطها بغيرها، وأن نتأمل في جملة الأسباب والعوامل المؤدية للانحراف لتلافيها، وأن نبحث في جملة العناصر والمؤسسات القادرة على العلاج والإصلاح لنشملها ونذكر بواجبها ومسؤوليتها ولا يمنع بعد ذلك أن نعالج كل ظاهرة بحسبها، لكن التنبه أساساً لعوامل البناء والتربية يعفي المجتمع كثيراً من هذه الأمراض، ويقلل ابتداء من أعداد المنحرفين والشواذ، ومن هنا فسأعمد في هذه الخطبة إلى التذكير بعدد من الجهات والأشخاص الذين يجب أن يكون لهم دورهم في استصلاح المجتمع بعامة، ومجتمع الشباب خاصة، ولست متعجلاً قي الحكم إن قلت: إن قيام هذه الجهات بمسؤوليتها كفيل بقطع دابر الفساد والرذيلة، بل وسبب- بإذن الله- في رفع همم الشباب، ونقلة كبرى في أساليب تفكيرهم يدعوهم إلى عدم النظر والتفكير في هده السواقط والرذائل من الأخلاق فضلاً عن مقارفتها أو الوقوع في حبائلها.
وهذه الجهات والمؤسسات أكتفي بذكر أربع منها:
أولاً : البيت.. وليس البيت- إخوة الإيمان- مطعماً ومقهى يتناول فيه الشاب ما لذ وطاب من المطعم والمشرب وكفى بذلك بناء للجسد على حساب الروح، وذلك تورم في الأطراف على حساب بناء العقول وتنوير الفكر، وقولوا لي بربكم : كم هي البيوت التي تعنى ببناء عقل الشباب، وتعنى بتربية فكره، وتجتهد في سبيل تهذيب سلوكه، وتعطيه مع جرعة الطعام جرعات أخرى في الإيمان والأخلاق والآداب ؟
وليست البيوت معرضاً للأزياء يجد فيها الشاب والشابة ماجد في عالم اللباس والزينة بكافة أنواعها، فتكون هذه وتلك شغله الشاغل وهمه الأوحد، ينتهي فكره عن حدودها، وتنقطع آماله حينا لا يجد عناء في سبيل الحصول عليها، وقولوا لي بربكم: أيهما أعلى نسبة في البيوت الاهتمام إلى حد الإسراف في هذه الزينة الظاهرة، أم الاهتمام بلباس التقوى الذي قال الله عنه : ((ولباس وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ)) (الأعراف :26) .
وليست البيوت مهاجع يوفر فيها للشاب والشابة ما رق وارتفع من الفرش الوثيرة ووسائل الراحة الكاملة، فينام فيها الأبناء والبنات معظم الليل وسحابة النهار يتقلبون على ظهورهم وجنوبهم، والصلاة تجمع إلى الصلاة، والأشكال لطول النوم متغيرة، والقدرة عند هؤلاء لتحمل المسؤوليات ضعيفة.. صحيح أن على البيوت مسؤولية توفير المطعم والمشرب والملبس، وجميل أن تكون البيوت المقر لراحة الأبناء ونومهم ولكن ذلك بقدر لا يصل حد السرف وثمة مسؤولية تغيب عن عدد من البيوت، وعلى أرباب البيوت أن يدركوا أن البيت ينبغي أن يكون مدرسة يتعلم فيها الأبناء الأخلاق الفاضلة، ويزرع في نفوسهم الإيمان والحياء، وأن يذكروا فيه بقضايا البعث والجزاء، ويصور لهم بالقدر الذي يعوه نعيم الجنة وعذاب النار، وأن يؤكد البيت على أهمية الوقت واستثماره بما ينفع من أمور الدين والدنيا.
وليس عيباً أيها الأب أن تحطم كبرياءك وتنزل من برجك العاجي لتخاطب الأبناء والبنات ، وتشعرهم أنك صديق محب لهم فضلا عن الأبوة والعاطفة تجاههم وسيسهل ذلك عليك تعليمهم الخير وتحذيرهم من الشر، وجميل أن تروح عن قلوبهم أحياناً بالنكتة اللطيفة، أو اللعبة المسلية، أو الرحلة الهادفة، وأن تستصحبهم معك إلى مجتمعات الخير، ودوريات الأقارب والجيران والأحباب والأصحاب الخيرين، وأجمل من ذلك أن تنشئ لهم في البيت مكتبة طيبة تحوي من الكتب المفيدة والأشرطة النافعة ما يوسع مداركهم ويعينك على تربيتهم، وأن تجعل فيها أو في أي ناحية من البيت جلسة معهم تحفظهم شيئا من كتاب الله أو تقص عليهم ما فيه عبرة لهم، أو تقرأ عليهم من سير الصالحين وأحاديث النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. أيتها الأم فإذا كان الأب أكثر هيبة عند الأولاد منك فلا تنسي أنك أكثر قربا للأولاد منه، فساهمي في نصحهم وتوجيههم وتعرفي على أحوالهم ومالا يبدونه لأبيهم، وكوني خير معين للأب على تربيتهم، فالنفع لكما، والمستفيد الأول كلاكما، وما أجمل أسرة يفهم كل واحد من الزوجين دوره فيؤديه.
أعتقد أن بيوتنا حين تبلغ هذه المنزلة وحين تفكر بهذه العقلية قادرة- بإذن الله على إخراج أجيال صالحة وعناصر فاعلة ومؤثرة سينفع الله بها الآخرين، بدل أن تكون مشكلة يتأذى منها الأهل والجيران وينال قسط من قدرها الآخرين.
ثانياً : المؤسسات التربوية وأهمها المدارس والجامعات، ودور المدرسة يتمثل في التوجيه والتربية والدعوة لمكارم الأخلاق والتحذير من سيئها، وتنظيم اللقاءات الطلابية الرحلات الهادفة المفيدة كل ذلك- ولاشك- يسهم إسهاما جيدا في استصلاح الشباب وتوجيههم واستثمار وقت فراغهم، وقبل ذلك سلوك المعلم وشخصيته وحديثه فهي منارة يهتدي بها الدارسون ويحاول الطلاب والطالبات محاكاة معلميهم ومعلماتهم، وعلى قدر همم وأخلاق الكبار يدرج الصغر، وحري بالإدارات المعنية أن يشجعوا الجادين المخلصين، وأن يلفتوا نظر من يقصرون في واجبهم أو لا يكون مستوى المسؤولية في التربية والمتابعة.
أما الجامعات فهي مستودع للعقول ومركز للمعلومات يؤهلها ذلك لعقد الدورات، وتنظيم المحاضرات والندوات، ومن ضمن واجباتها التعرف على المشكلات واقتراح الحلول المناسبة لها، والنظر بين الفينة والأخرى في المناهج الدراسية واستصلاحها وتطويرها بما يخدم أهداف الأمة ويعمق أصالتها، ويحفظ عليها كرامتها ويؤهلها لقيادة العالم من حولها.
وليست وظيفة المدرسة والجامعة أن تحفظ الطلبة والطالبات مجموعة من النصوص وتلقنهم كما من المعلومات لا يستفيدون منها في حياتهم العملية، ولا ينبغي أن يكون الهدف من الدراسة مجرد نقل الطالب من مرحلة إلى أخرى، ومنحه قي النهاية شهادة تؤهله للعمل وتصله بأسباب الرزق ليس إلا، بل أساس التعليم العمل، والتربية والتهذيب ونصاعة الفكر وارتفاع الذوق والشعور بالمسؤولية والتضحية في سبيل خدمة الآخرين وقيادة المجتمع إلى الخير كل ذلك أهداف سامية للتعليم ليس العمل والوظيفة إلا واحدا منها.
وكم هو خطاب واع ذلك التعميم الذي عممت به وزارة المعارف برقم 32/7/1/46/376 في 18/12/ 1414هـ .
مشكورة على جميع المناطق التعليمية (مؤخرا) بشأن دور المدرسة في تحقيق أهداف الإرشاد الوقائي وحماية أبنائنا الطلاب، وتضمن التعميم ثمان نقاط جديرة بتعاون المدراء والمدرسين والمرشدين والأولياء مع تحقيقها ولولا خشية الإطالة لقرأته عليكم .
هذه المؤسسات ينبغي ألا تتوقف رسالتها في الشتاء والصيف، فليست الإجازة الصيفية بأقل شأنا في حياة الطلاب من أيام الدراسة، لكن ينبغي أن يروح عن الطلاب وألا يتصل كد الأذهان عليهم فيملوا، بل تكون الإجازة فرصة للإكثار من المراكز الصيفية التي تعنى بتنشيط الشباب وملء وقت فراغهم بوسائل الترفيه المفيدة واقتراح البرامج المناسبة.
ونجدها فرصة مناسبة لنزجي الشكر الجميل للجامعات وإدارات التعليم وهي تعنى بهذه المراكز الصيفية وتشجعها وتدعو الشباب للمشاركة فيها. وعلى الأولياء أن يقدروا أهميتها ويساهموا في تشجيع أبنائهم على التسجيل فيها إذ هي من أفضل الوسائل لحفظ أوقات الشباب وحمايتهم من الانحراف بإذن الله إذا توفر لها المربون المخلصون وتولى مسؤوليتها العارفون المجربون.
اللهم ارحمنا برحمتك يا رحيم،وأصلحنا شيبا وشبابا ذكرانا وإناثا يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أمر المؤمنين بالتعاون على البر والتقوى، ونهاهم عن التعاون على الإثم والعدوان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى سائر المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وارض اللهم عن أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون..
ثالثاً: للجماعات والجمعيات الخيرية دورها في استصلاح الشباب، فجماعات تحفيظ القرآن الكريم تعنى بتعليم كتاب الله وتحفيظه وتجويده، ولاشك أن العكوف على حفظ كتاب الله والتفرغ له، وقضاء شطر من حياة الشاب في سبيله.. لاشك أن ذلك عنوان خير، وطريق للفلاح والسعادة، والقرآن يهدي للتي هي أقوم، وبقدر ما تنتشر الحلق في حي أو بلدة بقدر ما يتوفر الخير ويتقلص الشر.
وبقدر ما نشكر القائمين على هذه الجماعات ونسأل الله لهم المثوبة، فإننا نأمل أن تزيد من مناشطها فتخدم كتاب الله بالدروس النافعة التي توضح مجمل القرآن، وتكشف عن إعجازه، وتقرب معانيه وترسخ مفاهيمه في أذهان الشباب والشابات. كما نأمل أن تضاعف الحلق مناشطها في الإجازات الصيفية، سواء على مستوى البنين أو على مستوى البنات، وأن تضع لذلك من الدورات والحوافز ما يستنهض همم الأبناء والبنات، ويدعوهم إلى استثمار أوقاتهم وبناء عقولهم وإصلاح قلوبهم.
أما جمعيات البر الخيرية فلها رسالة جليلة في خدمة الفقراء وسد حاجات
المعوزين، والالتفات للفقراء والمساكين، وهو جهد يذكر فيشكر لهذه الجمعيات والقائمين عليها.
وما أجمل رسالة الجمعية حين تهدي للفقراء والمساكين الرسالة الطيبة، والكتب النافع والشريط الجيد مع إهدائها للغذاء والملبس.
وما أروع رسالة الجمعية وهي تعنى باليتامى والأرامل فتقدم لهم البرامج المفيدة، وتفكر في أساليب ربطهم بالحياة بعيدا عن استجداء الآخرين أو تسولهم مع عامة المتسولين، وليس يخفى أن من رسالة الجمعية الاجتماعية تنظيم دورات مفيدة للشباب، تنفعهم في حياتهم العملية، والمساهمة في دعم المراكز الصيفية إلى غير ذلكم من أساليب ومناشط يقدرها المسؤولون عن هذه الجمعيات وهم يتحسسون حاجات المجتمع، ويشكرهم المجتمع حين يتولونها.
أما الجهة الرابعة القادرة على الإسهام في إصلاح الشباب بإذن الله فهم العلماء والدعاة والتجار، وأصحاب الرأي والفكر أيا كانت مواقعهم، فالعلماء والدعاة عليهم مسؤولية توجيه الشباب بدروسهم ولقاءاتهم ومؤلفاتهم ومحاضراتهم وندواتهم، وبوركت أمة يقود مسيرة الشباب فيها العلماء والدعاة والمربون.
أما التجار فلهم ميدان رحب في المساهمة في إصلاح الشباب بأموالهم، وذلك بدعمهم للمشاريع والبرامج والمراكز النافعة، وتحية لأولئك التجار الذين فهموا، في دورهم واستثمروا أموالهم في دفع عجلة الخير، وفرق كبير بين هؤلاء وبين من طغت عليهم الأنانية، ولم يلتفتوا إلى مجتمعهم، ولم يساهموا في حماية أبناء المجتمع من حولهم، وكأن لسان حال بعضهم يقول: إنما جمعت هذه الأموال بجهدي وعرق جبيني، فكيف أقدمها رخيصة سهلة للآخرين، ويذكرنا هذا النوع الممسك من التجار بقصة الرجل الذي منع حق الله فيه وقال: إنما أوتيته على علم عندي؟ ولا يعفى من المسؤولية أصحاب الوجاهة والرأي، وأهل الفكر وأرباب المناصب، فكل يمكن أن يقدم شيئا لمجتمعه، ولا يسعه السلبية في الحفاظ على أغلى ثروات الأمة- وهم الشباب- فالكلمة الطيبة صدقة، والرأي المستنير لبنة في البناء، والتفكير المستديم في قضايا الشباب علامة الوعي وهو الطريق الأمثل للعلاج ومجرد النقد لذات النقد ولي زمنه، وينبغي أن يترفع العقلاء عن مقارفته، إذ يوجد فئة من لا هم لها إلا انتقاد هذا الشاب أو التقليل من قيمة هذا المشروع دون أن يقدموا بدائل مفيدة ومثمرة وبوركت يا شيخنا الجليل، ويا سماحة والدنا العزيز وأنت
تكتب رسالة إلى جميع هذه الفئات مذكرا الجميع بواجبهم ومسئولياتهم ولعل الجميع قد اطلع على الخطاب الذي وجهه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله إلى عموم العلماء والدعاة والتجار وأصحاب الوجاهة والرأي للمساهمة في إصلاح الشباب وتربيتهم بشكل عام وفي الإجازات الصيفية ودعم مراكزها بشكل خاص. وهو خطاب لا يبقي لأحد عذرا في التخلي عن المساهمة بما يستطيع.
أيها المسلمون : أرأيتم لو قام كل فرد منا بدوره الذي يستطيع وأدت هذه المؤسسات والجهات رسالتها على الوجه المطلوب هل يوجد بيننا شاذ أو منحرف، بل وهل يوجد في مجتمع كهذا فرصة لشاب غير جاد يبحث عن قضاء وقته بأي شكل كان، وأنى لمنحرف أن ينحرف وهو يجد العناية والاهتمام تلازمه أينما حل، ويجد التربية والتوجيه يحيط به أينما رحل، ويجد الجدية شعارا للمجتمع كله أينما نظر؟
إن تضافر المجتمع وتكامل المؤسسات في رسالتها عنوان وعي ودليل تحضر، وهو أنجح أسلوب للتربية المتكاملة فضلا عن الوقاية من السلوكيات المنحرفة، فلنتق الله معاشر المسلمين ولنتعاون على البر والتقوى، وليدرك كل شخص منا أنه معني بالحديث بما يستطيع، ولا يكن دور أحدنا إلقاء اللائمة على الآخرين، أو التباكي على واقع الشباب المنحرفين .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السع وهو شهيد .
طرق العلاج وقنوات إصلاح الشباب
إن الحمد لله نحمده ونستعينه...
إخوة الإيمان حين يتحدث المتحدث عن ظاهرة سلوكية سيئة- كاللواط مثلاً- فلا يعني ذلك إغفال غيرها من الظواهر السلوكية المنحرفة الأخرى لدى الشباب، كالتهاون بالصلاة أو تعاطي المخدرات، أو عقوق الوالدين، أو ضياع الأوقات والتسكع في الطرقات، وإيذاء الناس وتكدير صفو عيشهم أو غير ذلك من مظاهر نحتاج كل واحدة منها إلى وقفة وتأمل وعلاج.
ومن هنا فعلينا ونحن نرغب في علاج ظاهرة أن- نربطها بغيرها، وأن نتأمل في جملة الأسباب والعوامل المؤدية للانحراف لتلافيها، وأن نبحث في جملة العناصر والمؤسسات القادرة على العلاج والإصلاح لنشملها ونذكر بواجبها ومسؤوليتها ولا يمنع بعد ذلك أن نعالج كل ظاهرة بحسبها، لكن التنبه أساساً لعوامل البناء والتربية يعفي المجتمع كثيراً من هذه الأمراض، ويقلل ابتداء من أعداد المنحرفين والشواذ، ومن هنا فسأعمد في هذه الخطبة إلى التذكير بعدد من الجهات والأشخاص الذين يجب أن يكون لهم دورهم في استصلاح المجتمع بعامة، ومجتمع الشباب خاصة، ولست متعجلاً قي الحكم إن قلت: إن قيام هذه الجهات بمسؤوليتها كفيل بقطع دابر الفساد والرذيلة، بل وسبب- بإذن الله- في رفع همم الشباب، ونقلة كبرى في أساليب تفكيرهم يدعوهم إلى عدم النظر والتفكير في هده السواقط والرذائل من الأخلاق فضلاً عن مقارفتها أو الوقوع في حبائلها.
وهذه الجهات والمؤسسات أكتفي بذكر أربع منها:
أولاً : البيت.. وليس البيت- إخوة الإيمان- مطعماً ومقهى يتناول فيه الشاب ما لذ وطاب من المطعم والمشرب وكفى بذلك بناء للجسد على حساب الروح، وذلك تورم في الأطراف على حساب بناء العقول وتنوير الفكر، وقولوا لي بربكم : كم هي البيوت التي تعنى ببناء عقل الشباب، وتعنى بتربية فكره، وتجتهد في سبيل تهذيب سلوكه، وتعطيه مع جرعة الطعام جرعات أخرى في الإيمان والأخلاق والآداب ؟
وليست البيوت معرضاً للأزياء يجد فيها الشاب والشابة ماجد في عالم اللباس والزينة بكافة أنواعها، فتكون هذه وتلك شغله الشاغل وهمه الأوحد، ينتهي فكره عن حدودها، وتنقطع آماله حينا لا يجد عناء في سبيل الحصول عليها، وقولوا لي بربكم: أيهما أعلى نسبة في البيوت الاهتمام إلى حد الإسراف في هذه الزينة الظاهرة، أم الاهتمام بلباس التقوى الذي قال الله عنه : ((ولباس وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ)) (الأعراف :26) .
وليست البيوت مهاجع يوفر فيها للشاب والشابة ما رق وارتفع من الفرش الوثيرة ووسائل الراحة الكاملة، فينام فيها الأبناء والبنات معظم الليل وسحابة النهار يتقلبون على ظهورهم وجنوبهم، والصلاة تجمع إلى الصلاة، والأشكال لطول النوم متغيرة، والقدرة عند هؤلاء لتحمل المسؤوليات ضعيفة.. صحيح أن على البيوت مسؤولية توفير المطعم والمشرب والملبس، وجميل أن تكون البيوت المقر لراحة الأبناء ونومهم ولكن ذلك بقدر لا يصل حد السرف وثمة مسؤولية تغيب عن عدد من البيوت، وعلى أرباب البيوت أن يدركوا أن البيت ينبغي أن يكون مدرسة يتعلم فيها الأبناء الأخلاق الفاضلة، ويزرع في نفوسهم الإيمان والحياء، وأن يذكروا فيه بقضايا البعث والجزاء، ويصور لهم بالقدر الذي يعوه نعيم الجنة وعذاب النار، وأن يؤكد البيت على أهمية الوقت واستثماره بما ينفع من أمور الدين والدنيا.
وليس عيباً أيها الأب أن تحطم كبرياءك وتنزل من برجك العاجي لتخاطب الأبناء والبنات ، وتشعرهم أنك صديق محب لهم فضلا عن الأبوة والعاطفة تجاههم وسيسهل ذلك عليك تعليمهم الخير وتحذيرهم من الشر، وجميل أن تروح عن قلوبهم أحياناً بالنكتة اللطيفة، أو اللعبة المسلية، أو الرحلة الهادفة، وأن تستصحبهم معك إلى مجتمعات الخير، ودوريات الأقارب والجيران والأحباب والأصحاب الخيرين، وأجمل من ذلك أن تنشئ لهم في البيت مكتبة طيبة تحوي من الكتب المفيدة والأشرطة النافعة ما يوسع مداركهم ويعينك على تربيتهم، وأن تجعل فيها أو في أي ناحية من البيت جلسة معهم تحفظهم شيئا من كتاب الله أو تقص عليهم ما فيه عبرة لهم، أو تقرأ عليهم من سير الصالحين وأحاديث النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. أيتها الأم فإذا كان الأب أكثر هيبة عند الأولاد منك فلا تنسي أنك أكثر قربا للأولاد منه، فساهمي في نصحهم وتوجيههم وتعرفي على أحوالهم ومالا يبدونه لأبيهم، وكوني خير معين للأب على تربيتهم، فالنفع لكما، والمستفيد الأول كلاكما، وما أجمل أسرة يفهم كل واحد من الزوجين دوره فيؤديه.
أعتقد أن بيوتنا حين تبلغ هذه المنزلة وحين تفكر بهذه العقلية قادرة- بإذن الله على إخراج أجيال صالحة وعناصر فاعلة ومؤثرة سينفع الله بها الآخرين، بدل أن تكون مشكلة يتأذى منها الأهل والجيران وينال قسط من قدرها الآخرين.
ثانياً : المؤسسات التربوية وأهمها المدارس والجامعات، ودور المدرسة يتمثل في التوجيه والتربية والدعوة لمكارم الأخلاق والتحذير من سيئها، وتنظيم اللقاءات الطلابية الرحلات الهادفة المفيدة كل ذلك- ولاشك- يسهم إسهاما جيدا في استصلاح الشباب وتوجيههم واستثمار وقت فراغهم، وقبل ذلك سلوك المعلم وشخصيته وحديثه فهي منارة يهتدي بها الدارسون ويحاول الطلاب والطالبات محاكاة معلميهم ومعلماتهم، وعلى قدر همم وأخلاق الكبار يدرج الصغر، وحري بالإدارات المعنية أن يشجعوا الجادين المخلصين، وأن يلفتوا نظر من يقصرون في واجبهم أو لا يكون مستوى المسؤولية في التربية والمتابعة.
أما الجامعات فهي مستودع للعقول ومركز للمعلومات يؤهلها ذلك لعقد الدورات، وتنظيم المحاضرات والندوات، ومن ضمن واجباتها التعرف على المشكلات واقتراح الحلول المناسبة لها، والنظر بين الفينة والأخرى في المناهج الدراسية واستصلاحها وتطويرها بما يخدم أهداف الأمة ويعمق أصالتها، ويحفظ عليها كرامتها ويؤهلها لقيادة العالم من حولها.
وليست وظيفة المدرسة والجامعة أن تحفظ الطلبة والطالبات مجموعة من النصوص وتلقنهم كما من المعلومات لا يستفيدون منها في حياتهم العملية، ولا ينبغي أن يكون الهدف من الدراسة مجرد نقل الطالب من مرحلة إلى أخرى، ومنحه قي النهاية شهادة تؤهله للعمل وتصله بأسباب الرزق ليس إلا، بل أساس التعليم العمل، والتربية والتهذيب ونصاعة الفكر وارتفاع الذوق والشعور بالمسؤولية والتضحية في سبيل خدمة الآخرين وقيادة المجتمع إلى الخير كل ذلك أهداف سامية للتعليم ليس العمل والوظيفة إلا واحدا منها.
وكم هو خطاب واع ذلك التعميم الذي عممت به وزارة المعارف برقم 32/7/1/46/376 في 18/12/ 1414هـ .
مشكورة على جميع المناطق التعليمية (مؤخرا) بشأن دور المدرسة في تحقيق أهداف الإرشاد الوقائي وحماية أبنائنا الطلاب، وتضمن التعميم ثمان نقاط جديرة بتعاون المدراء والمدرسين والمرشدين والأولياء مع تحقيقها ولولا خشية الإطالة لقرأته عليكم .
هذه المؤسسات ينبغي ألا تتوقف رسالتها في الشتاء والصيف، فليست الإجازة الصيفية بأقل شأنا في حياة الطلاب من أيام الدراسة، لكن ينبغي أن يروح عن الطلاب وألا يتصل كد الأذهان عليهم فيملوا، بل تكون الإجازة فرصة للإكثار من المراكز الصيفية التي تعنى بتنشيط الشباب وملء وقت فراغهم بوسائل الترفيه المفيدة واقتراح البرامج المناسبة.
ونجدها فرصة مناسبة لنزجي الشكر الجميل للجامعات وإدارات التعليم وهي تعنى بهذه المراكز الصيفية وتشجعها وتدعو الشباب للمشاركة فيها. وعلى الأولياء أن يقدروا أهميتها ويساهموا في تشجيع أبنائهم على التسجيل فيها إذ هي من أفضل الوسائل لحفظ أوقات الشباب وحمايتهم من الانحراف بإذن الله إذا توفر لها المربون المخلصون وتولى مسؤوليتها العارفون المجربون.
اللهم ارحمنا برحمتك يا رحيم،وأصلحنا شيبا وشبابا ذكرانا وإناثا يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أمر المؤمنين بالتعاون على البر والتقوى، ونهاهم عن التعاون على الإثم والعدوان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى سائر المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وارض اللهم عن أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون..
ثالثاً: للجماعات والجمعيات الخيرية دورها في استصلاح الشباب، فجماعات تحفيظ القرآن الكريم تعنى بتعليم كتاب الله وتحفيظه وتجويده، ولاشك أن العكوف على حفظ كتاب الله والتفرغ له، وقضاء شطر من حياة الشاب في سبيله.. لاشك أن ذلك عنوان خير، وطريق للفلاح والسعادة، والقرآن يهدي للتي هي أقوم، وبقدر ما تنتشر الحلق في حي أو بلدة بقدر ما يتوفر الخير ويتقلص الشر.
وبقدر ما نشكر القائمين على هذه الجماعات ونسأل الله لهم المثوبة، فإننا نأمل أن تزيد من مناشطها فتخدم كتاب الله بالدروس النافعة التي توضح مجمل القرآن، وتكشف عن إعجازه، وتقرب معانيه وترسخ مفاهيمه في أذهان الشباب والشابات. كما نأمل أن تضاعف الحلق مناشطها في الإجازات الصيفية، سواء على مستوى البنين أو على مستوى البنات، وأن تضع لذلك من الدورات والحوافز ما يستنهض همم الأبناء والبنات، ويدعوهم إلى استثمار أوقاتهم وبناء عقولهم وإصلاح قلوبهم.
أما جمعيات البر الخيرية فلها رسالة جليلة في خدمة الفقراء وسد حاجات
المعوزين، والالتفات للفقراء والمساكين، وهو جهد يذكر فيشكر لهذه الجمعيات والقائمين عليها.
وما أجمل رسالة الجمعية حين تهدي للفقراء والمساكين الرسالة الطيبة، والكتب النافع والشريط الجيد مع إهدائها للغذاء والملبس.
وما أروع رسالة الجمعية وهي تعنى باليتامى والأرامل فتقدم لهم البرامج المفيدة، وتفكر في أساليب ربطهم بالحياة بعيدا عن استجداء الآخرين أو تسولهم مع عامة المتسولين، وليس يخفى أن من رسالة الجمعية الاجتماعية تنظيم دورات مفيدة للشباب، تنفعهم في حياتهم العملية، والمساهمة في دعم المراكز الصيفية إلى غير ذلكم من أساليب ومناشط يقدرها المسؤولون عن هذه الجمعيات وهم يتحسسون حاجات المجتمع، ويشكرهم المجتمع حين يتولونها.
أما الجهة الرابعة القادرة على الإسهام في إصلاح الشباب بإذن الله فهم العلماء والدعاة والتجار، وأصحاب الرأي والفكر أيا كانت مواقعهم، فالعلماء والدعاة عليهم مسؤولية توجيه الشباب بدروسهم ولقاءاتهم ومؤلفاتهم ومحاضراتهم وندواتهم، وبوركت أمة يقود مسيرة الشباب فيها العلماء والدعاة والمربون.
أما التجار فلهم ميدان رحب في المساهمة في إصلاح الشباب بأموالهم، وذلك بدعمهم للمشاريع والبرامج والمراكز النافعة، وتحية لأولئك التجار الذين فهموا، في دورهم واستثمروا أموالهم في دفع عجلة الخير، وفرق كبير بين هؤلاء وبين من طغت عليهم الأنانية، ولم يلتفتوا إلى مجتمعهم، ولم يساهموا في حماية أبناء المجتمع من حولهم، وكأن لسان حال بعضهم يقول: إنما جمعت هذه الأموال بجهدي وعرق جبيني، فكيف أقدمها رخيصة سهلة للآخرين، ويذكرنا هذا النوع الممسك من التجار بقصة الرجل الذي منع حق الله فيه وقال: إنما أوتيته على علم عندي؟ ولا يعفى من المسؤولية أصحاب الوجاهة والرأي، وأهل الفكر وأرباب المناصب، فكل يمكن أن يقدم شيئا لمجتمعه، ولا يسعه السلبية في الحفاظ على أغلى ثروات الأمة- وهم الشباب- فالكلمة الطيبة صدقة، والرأي المستنير لبنة في البناء، والتفكير المستديم في قضايا الشباب علامة الوعي وهو الطريق الأمثل للعلاج ومجرد النقد لذات النقد ولي زمنه، وينبغي أن يترفع العقلاء عن مقارفته، إذ يوجد فئة من لا هم لها إلا انتقاد هذا الشاب أو التقليل من قيمة هذا المشروع دون أن يقدموا بدائل مفيدة ومثمرة وبوركت يا شيخنا الجليل، ويا سماحة والدنا العزيز وأنت
تكتب رسالة إلى جميع هذه الفئات مذكرا الجميع بواجبهم ومسئولياتهم ولعل الجميع قد اطلع على الخطاب الذي وجهه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله إلى عموم العلماء والدعاة والتجار وأصحاب الوجاهة والرأي للمساهمة في إصلاح الشباب وتربيتهم بشكل عام وفي الإجازات الصيفية ودعم مراكزها بشكل خاص. وهو خطاب لا يبقي لأحد عذرا في التخلي عن المساهمة بما يستطيع.
أيها المسلمون : أرأيتم لو قام كل فرد منا بدوره الذي يستطيع وأدت هذه المؤسسات والجهات رسالتها على الوجه المطلوب هل يوجد بيننا شاذ أو منحرف، بل وهل يوجد في مجتمع كهذا فرصة لشاب غير جاد يبحث عن قضاء وقته بأي شكل كان، وأنى لمنحرف أن ينحرف وهو يجد العناية والاهتمام تلازمه أينما حل، ويجد التربية والتوجيه يحيط به أينما رحل، ويجد الجدية شعارا للمجتمع كله أينما نظر؟
إن تضافر المجتمع وتكامل المؤسسات في رسالتها عنوان وعي ودليل تحضر، وهو أنجح أسلوب للتربية المتكاملة فضلا عن الوقاية من السلوكيات المنحرفة، فلنتق الله معاشر المسلمين ولنتعاون على البر والتقوى، وليدرك كل شخص منا أنه معني بالحديث بما يستطيع، ولا يكن دور أحدنا إلقاء اللائمة على الآخرين، أو التباكي على واقع الشباب المنحرفين .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السع وهو شهيد .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى