مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د . سليمان بن حمد العودة
يوم الجمعة الأغر سننه وأحكامه
الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، خص أمتنا بما لم يخص به غيرها من الأمم، وفضل ملتنا على سائر الملل، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخاتم الأنبياء وأفضلهم- اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الأخيار الطيبين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فاتقوا الله معاشر المسلمين، واشكروه على ما أولاكموه من نعم وأختصكم به من مزايا ومنن.
أيها المسلمون :
يغيب عن أذهان المسلمين أحيانا ما اختصهم الله تعالى به من فضل، أو يتكاسلون في الاستفادة فيما هيأ لهم من فرص الطاعات والخيرات ... وسواء كان الداء الجهل أو الكسل فهما صوارف عن الخير، ودواؤها العلم والعمل .
وحديثي إليكم- عن يوم عظيم من أيام الله لم نوله ما يستحق من العناية والتكريم، ولم نستثمره في الطاعات والقربات، بل وربما لم نعلم خصائصه ومميزاته، ولم نلتزم أحكامه وآدابه كما ينبغي، إنه اليوم الأغر في جبين هذه الأمة.. سيد الأيام على الإطلاق هو يوم الجمعة، الذي ادخره الله لنا، وأضل عنه من قبلنا.
قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله- ثبت أن الأمم قبلنا أمروا به فضلوا عنه واختار اليهود يوم السبت الذي لم يقع فيه خلق آدم، واختار النصارى يوم الأحد
الذي ابتدء فيه الخلق، واختار الله لهذه الأمة يوم الجمعة الذي أكمل الله فيه الخليقة، كما أخرج البخاري ومسلم- في صحيحيهما- واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا، ثم إن هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع: اليهود غدا، والنصارى بعد غدا))[1].
هذه الحقيقة مسجلة في كتب أهل الكتاب، ويعترف بها من من الله عليهم بالاسلام من أهل الكتاب، واستمعوا إلى هذا الحوار بين أبي هريرة رضي الله عنه وكعب الأحبار وتأييد عبد الله بن سلام رضي الله عنه: فقد قرأ أبو هريرة رضي الله عنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير يوم طلعت فيه الشمس بوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط وتيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعه من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والأنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله عز وجل حاجة إلا أعطاه إياها" قال كعب: ذلك في كل سنة يوم؟ فقلت: بل في كل جمعة، قال: فقرأ كعب التوراة فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه سلم، قال أبو هريرة، ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب فقال عبد الله بن سلام:وقد علمت أية ساعة هي)) [2].
وفي حديث آخر عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس: ((إنا لنجد في كتاب الله (يعني التوراة) في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلى يسأل الله عز وجل شيئا إلا قضى الله له حاجته)) [3].
وهكذا معاشر المسلمين تتضافر الكتب والأخبار الصحاح على فضيلة هذا اليوم، وماذا كان وما سيكون فيه وإنه لمؤسف أن تستشعر الملائكة والدواب والشجر والحجر عظمة هذا اليوم وتخشى ما يقع فيه والإنس والجان عنه غافلون، ما بال هذه وتلك لا تستشعر عظمة هذا اليوم، ويوم الجمعة أعظم عند الله من يوم الفطر ويوم الأضحى.. كل ذلك وغيره يؤكده المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث أبي لبابه بن عبد المنذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سيد الأيام يوم الجمعة وأعظمها عند الله، وأعظم عند الله من يوم الفطر ويوم الأضحى، وفيه خمس خصال، خلق الله فيه آدم وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله عز وجل آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيا إلا آتاه الله إياه ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب، ولا أرض ولا رياح ولا بحر، ولا جبال ولا شجر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة )) [4].
إخوة الإسلام :
كما أن لهذا اليوم مكانته ومنزلته في الحياة الدنيا فليوم الجمعة كذلك شأنه ومنزلة في الحياة الأخرى، وكما أن للجمعة في الحياة الدنيا أهلا يقدرونها حق قدرها، فأهلها يوم القيامة بمنزلة سامية يطرق الناس منهم عجبا.
كما جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها، ويبعث يوم الجمعة زهراء منيرة لأهلها، فيحفون بها كالعروس، تهدى إلى كريمها، تضيء لهم، يمشون في ضوئها ألوانهم كالثلج بياضا، رياحهم تسطع كالمسك، يخوضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثقلان ما يطرقون تعجبا حتى يدخلوا الجنة، لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون )) [5].
هذه معاشر المسلمين بعض ما ورد في فضل يوم الجمعة، هذا اليوم الذي لم يغذ له وزنه الحقيقي عند كثير من المسلمين، بل ربما اعتبره بعضهم فرصة لكثرة النوم والتنوع في المآكل والمشارب لا أكثر.. وربما فهمه آخرون على أنه يوم متعة جسدية ولهو ولعب وطاب لهم أن يخرجوا فيه إلى البراري، ويتركوا الجمع والجماعات، وياليت هؤلاء يفقهون كلام أهل العلم في حكم السفر المباح في يوم الجمعة، إذ نصوا على أنه لا يجوز السفر بعد دخول وقتها، إلا إذا كان سيؤديها في مسجد في طريقه، وأما السفر في أول النهار وقبل دخول وقتها فمكروه، هذا حكم السفر الذي قد يكون الإنسان محتاجا إليه، فكيف بمن يخرج من البلد في هذا الوقت لتضييع الوقت والتغيب عن الصلاة، إن التحريم والكراهية في حقه أشد [6].
اللهم علم جاهلنا وفقه متعلمنا..
الخطبة الثانية
الحمدلله رب العالمين، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه الخير كله، وأسأله المزيد من فضله، وأشهد ألا إله إلا الله في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمذا عبده ورسوله وخيرته من خلقه، اللهم صل وسلم عليه وعلى إخوانه وآله، وارض اللهم عن أصحابه وأتباعهم إلى يوم الدين.
أيها المسلمون لفضل هذا اليوم يبث الله ملائكته على أبواب المسجد بكرة ليستقبلو المبكرين المحتسبين، ويسجلوا أعمال الراغبين، ويوزعوا الهدايا على المستحقين، ويا ويحك أخي المسلم إن فاز الناس بالشاه والبعير، وكان نصيبك الخسران المبين.. يقول صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على قدر منازلهم الأول فالأول، فإذا جلس الامام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر، ومثل المهجر (يعني المبكر)كمثل الذي يهدي بدنه ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كالذي يهدي الكبش ثم كالذي يهدي الدجاجة، ثم كالذي يهدي البيضة)) [7].
أيهما الإخوة المسلمون:
التأخر في المجيء لصلاة الجمعة داء ابتليت به الأمة المسلمة، وهو في ظني يعود إلى أمرين غالبا، الأمر الأول: القصور في معرفة منزلة هذا اليوم معرفة حقيقية، تجعل المرء يضحي في سبيل هذا اليوم وفي سبيل التبكير لصلاة الجمعة بالغالي والنفيس، وهويستشعر عظمة الله وعظمة هذا اليوم
أما الأمر الآخر فهو العجز والتكاسل والرغبة في الإخلاد إلى الراحة وإعطاء النفس حقوقها من المنام والمآكل والمشارب، وتلك وربي آفة صارفة عن كل خير، ولا يزال العجز والكسل بالمرء حتى يورده المهالك.. والنفس كما قيل كالطفل إن تتركه شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم.
ويوم أن يتوافر لك أخي المسلم علم حقيقي لانظري بمنزلة يوم الجمعة عند الله.. ومجاهدة للنفس عن بعض شهواتها فستصل إلى منزلة تسمو بك عن الآخرين وتجد أثرها يوم العرض على رب العالمين.
إخوة الإيمان :
ماظنكم لو أن السلطان أمر جنوداً يقفون على الأبواب ويوافونه بالمتقدم، ويعدونهم بالعطايا والهدايا الحسان، ويسجلون المتخلف ويعدونه بالخسارة على رؤوس الأشهاد؟ فكيف الحال إذا كان الباعث هو الجبار جل جلاله والجنود هم الملائكة الأطهار.
انه حري بك أخي المسلم أن تستحي من ملائكة الرحمن أن يروك متأخرً إن تصورك لهذا الأمر في كل جمعة سيدعوك للتبكير مستقبلأ بإذن الله إن كنت ممن يعي ويتعظ ويقدر الخير ويفرق بين البدنة والبيضة، وأرجو ألا يكتبك الله مع الغافلين.. وأرجو أن يعينك الله على مواصلة السير مع الصالحين.. وألا يحشرك مع الغافلين المتكبرين..
أخا الإسلام افتح قلبك وسمعك لهذا الحديث النبوي المرغب في التبكير، واحرص على أن يكون لك منه أوفر الحظ والنصيب.
يقول صلى الله عليه وسلم: ((من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، واستمع وأنصت، ولم يلغ كان له خطوة يخطوها من بيته إلى المسجد عمل سنة أجر صيامها وقيامها.. وذلك على الله يسير )) [8].
قال الإمام أحمد: غسل بالتشديد جامع أهله، وكذلك فسره وكيع [9].
أين الراغبون في الحسنات.. وأين المسارعون إلى الخيرات.. إن ذلك جزء من فضائل يوم الجمعة .
إخوة الإسلام :
ويكفي من فضائل يوم الجمعة أن مابين الجمعتين كفارة لما بينهما
إذا ما اجتنبت الكبائر، وهنا يغلط بعض الناس فتراه يحافظ على الجمعة، ويتهاون فيما سواها من الصلوات ظنا خاطئا منه أن الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه، وإيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما ذكر أن الجمعة تكفر الذنوب الصغائر دون الكبائر، حيث قال: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)) .
ولاشك أن ترك الصلوات الخمس أو التهاون بآدائها من الكبائر،. فلا تصح الجمعة ممن هذه حاله حتى يؤدي الصلوات الخمس.
أما من يتهاون أو يترك صلاة الجمعة دون عذر فهذا جرمه كبير.. فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من ترك صلاة الجمعة تهاونا بها طبع الله على قلبه [10]
وفي الحديث الآخر: ((من ترك ثلاث جمعات من غير عذر كتب المنافقين)) [11]نسأل الله السلامة والعصمة من الزلل.
أيها المسلمون :
هناك خصائص وفضائل وأحكام أخرى للجمعة نرجئ الحديث عنها في خطبة لاحقة بإذن الله.. هذا وصلوا.
[1] أحمد بن حجر ، الجمعة ومكانتها/22، انظر ابن القيم في زاد المعاد1/365
[2] الحديث رواه أبو داود وغيره بسند صحيح ، زاد المعاد 1/392 .
[3] الحديث رواه ابن ماجه بسند حسن . انظر المصدر السابق .
[4] الحديث رواه أحمد في مسنده وابن ماجه وهو حسن 1/388 .
[5] الحديث رواه الحاكم والبيهقفي وسنده صحيح، انظر صحيح الجامع الصغير 2/142 .
[6] الشيخ صالح الفوزان ا الخطب 1/64 .
[7] حديث صحيح عن أبي هريرة، صحيح الجامع 1/273 .
[8] الحديث رواه أحمد وغيره بسند صحيح، صحيح الجامع 5/325 .
[9] زاد المعاد 1/385 .
[10] (صحيح صالح الفوزان خطبة الجمعة/61) .
[11] (صحيح الجامع 268/5) .
يوم الجمعة الأغر سننه وأحكامه
الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، خص أمتنا بما لم يخص به غيرها من الأمم، وفضل ملتنا على سائر الملل، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخاتم الأنبياء وأفضلهم- اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الأخيار الطيبين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فاتقوا الله معاشر المسلمين، واشكروه على ما أولاكموه من نعم وأختصكم به من مزايا ومنن.
أيها المسلمون :
يغيب عن أذهان المسلمين أحيانا ما اختصهم الله تعالى به من فضل، أو يتكاسلون في الاستفادة فيما هيأ لهم من فرص الطاعات والخيرات ... وسواء كان الداء الجهل أو الكسل فهما صوارف عن الخير، ودواؤها العلم والعمل .
وحديثي إليكم- عن يوم عظيم من أيام الله لم نوله ما يستحق من العناية والتكريم، ولم نستثمره في الطاعات والقربات، بل وربما لم نعلم خصائصه ومميزاته، ولم نلتزم أحكامه وآدابه كما ينبغي، إنه اليوم الأغر في جبين هذه الأمة.. سيد الأيام على الإطلاق هو يوم الجمعة، الذي ادخره الله لنا، وأضل عنه من قبلنا.
قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله- ثبت أن الأمم قبلنا أمروا به فضلوا عنه واختار اليهود يوم السبت الذي لم يقع فيه خلق آدم، واختار النصارى يوم الأحد
الذي ابتدء فيه الخلق، واختار الله لهذه الأمة يوم الجمعة الذي أكمل الله فيه الخليقة، كما أخرج البخاري ومسلم- في صحيحيهما- واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا، ثم إن هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع: اليهود غدا، والنصارى بعد غدا))[1].
هذه الحقيقة مسجلة في كتب أهل الكتاب، ويعترف بها من من الله عليهم بالاسلام من أهل الكتاب، واستمعوا إلى هذا الحوار بين أبي هريرة رضي الله عنه وكعب الأحبار وتأييد عبد الله بن سلام رضي الله عنه: فقد قرأ أبو هريرة رضي الله عنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير يوم طلعت فيه الشمس بوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط وتيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعه من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والأنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله عز وجل حاجة إلا أعطاه إياها" قال كعب: ذلك في كل سنة يوم؟ فقلت: بل في كل جمعة، قال: فقرأ كعب التوراة فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه سلم، قال أبو هريرة، ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب فقال عبد الله بن سلام:وقد علمت أية ساعة هي)) [2].
وفي حديث آخر عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس: ((إنا لنجد في كتاب الله (يعني التوراة) في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلى يسأل الله عز وجل شيئا إلا قضى الله له حاجته)) [3].
وهكذا معاشر المسلمين تتضافر الكتب والأخبار الصحاح على فضيلة هذا اليوم، وماذا كان وما سيكون فيه وإنه لمؤسف أن تستشعر الملائكة والدواب والشجر والحجر عظمة هذا اليوم وتخشى ما يقع فيه والإنس والجان عنه غافلون، ما بال هذه وتلك لا تستشعر عظمة هذا اليوم، ويوم الجمعة أعظم عند الله من يوم الفطر ويوم الأضحى.. كل ذلك وغيره يؤكده المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث أبي لبابه بن عبد المنذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سيد الأيام يوم الجمعة وأعظمها عند الله، وأعظم عند الله من يوم الفطر ويوم الأضحى، وفيه خمس خصال، خلق الله فيه آدم وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله عز وجل آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيا إلا آتاه الله إياه ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب، ولا أرض ولا رياح ولا بحر، ولا جبال ولا شجر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة )) [4].
إخوة الإسلام :
كما أن لهذا اليوم مكانته ومنزلته في الحياة الدنيا فليوم الجمعة كذلك شأنه ومنزلة في الحياة الأخرى، وكما أن للجمعة في الحياة الدنيا أهلا يقدرونها حق قدرها، فأهلها يوم القيامة بمنزلة سامية يطرق الناس منهم عجبا.
كما جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها، ويبعث يوم الجمعة زهراء منيرة لأهلها، فيحفون بها كالعروس، تهدى إلى كريمها، تضيء لهم، يمشون في ضوئها ألوانهم كالثلج بياضا، رياحهم تسطع كالمسك، يخوضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثقلان ما يطرقون تعجبا حتى يدخلوا الجنة، لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون )) [5].
هذه معاشر المسلمين بعض ما ورد في فضل يوم الجمعة، هذا اليوم الذي لم يغذ له وزنه الحقيقي عند كثير من المسلمين، بل ربما اعتبره بعضهم فرصة لكثرة النوم والتنوع في المآكل والمشارب لا أكثر.. وربما فهمه آخرون على أنه يوم متعة جسدية ولهو ولعب وطاب لهم أن يخرجوا فيه إلى البراري، ويتركوا الجمع والجماعات، وياليت هؤلاء يفقهون كلام أهل العلم في حكم السفر المباح في يوم الجمعة، إذ نصوا على أنه لا يجوز السفر بعد دخول وقتها، إلا إذا كان سيؤديها في مسجد في طريقه، وأما السفر في أول النهار وقبل دخول وقتها فمكروه، هذا حكم السفر الذي قد يكون الإنسان محتاجا إليه، فكيف بمن يخرج من البلد في هذا الوقت لتضييع الوقت والتغيب عن الصلاة، إن التحريم والكراهية في حقه أشد [6].
اللهم علم جاهلنا وفقه متعلمنا..
الخطبة الثانية
الحمدلله رب العالمين، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه الخير كله، وأسأله المزيد من فضله، وأشهد ألا إله إلا الله في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمذا عبده ورسوله وخيرته من خلقه، اللهم صل وسلم عليه وعلى إخوانه وآله، وارض اللهم عن أصحابه وأتباعهم إلى يوم الدين.
أيها المسلمون لفضل هذا اليوم يبث الله ملائكته على أبواب المسجد بكرة ليستقبلو المبكرين المحتسبين، ويسجلوا أعمال الراغبين، ويوزعوا الهدايا على المستحقين، ويا ويحك أخي المسلم إن فاز الناس بالشاه والبعير، وكان نصيبك الخسران المبين.. يقول صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على قدر منازلهم الأول فالأول، فإذا جلس الامام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر، ومثل المهجر (يعني المبكر)كمثل الذي يهدي بدنه ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كالذي يهدي الكبش ثم كالذي يهدي الدجاجة، ثم كالذي يهدي البيضة)) [7].
أيهما الإخوة المسلمون:
التأخر في المجيء لصلاة الجمعة داء ابتليت به الأمة المسلمة، وهو في ظني يعود إلى أمرين غالبا، الأمر الأول: القصور في معرفة منزلة هذا اليوم معرفة حقيقية، تجعل المرء يضحي في سبيل هذا اليوم وفي سبيل التبكير لصلاة الجمعة بالغالي والنفيس، وهويستشعر عظمة الله وعظمة هذا اليوم
أما الأمر الآخر فهو العجز والتكاسل والرغبة في الإخلاد إلى الراحة وإعطاء النفس حقوقها من المنام والمآكل والمشارب، وتلك وربي آفة صارفة عن كل خير، ولا يزال العجز والكسل بالمرء حتى يورده المهالك.. والنفس كما قيل كالطفل إن تتركه شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم.
ويوم أن يتوافر لك أخي المسلم علم حقيقي لانظري بمنزلة يوم الجمعة عند الله.. ومجاهدة للنفس عن بعض شهواتها فستصل إلى منزلة تسمو بك عن الآخرين وتجد أثرها يوم العرض على رب العالمين.
إخوة الإيمان :
ماظنكم لو أن السلطان أمر جنوداً يقفون على الأبواب ويوافونه بالمتقدم، ويعدونهم بالعطايا والهدايا الحسان، ويسجلون المتخلف ويعدونه بالخسارة على رؤوس الأشهاد؟ فكيف الحال إذا كان الباعث هو الجبار جل جلاله والجنود هم الملائكة الأطهار.
انه حري بك أخي المسلم أن تستحي من ملائكة الرحمن أن يروك متأخرً إن تصورك لهذا الأمر في كل جمعة سيدعوك للتبكير مستقبلأ بإذن الله إن كنت ممن يعي ويتعظ ويقدر الخير ويفرق بين البدنة والبيضة، وأرجو ألا يكتبك الله مع الغافلين.. وأرجو أن يعينك الله على مواصلة السير مع الصالحين.. وألا يحشرك مع الغافلين المتكبرين..
أخا الإسلام افتح قلبك وسمعك لهذا الحديث النبوي المرغب في التبكير، واحرص على أن يكون لك منه أوفر الحظ والنصيب.
يقول صلى الله عليه وسلم: ((من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، واستمع وأنصت، ولم يلغ كان له خطوة يخطوها من بيته إلى المسجد عمل سنة أجر صيامها وقيامها.. وذلك على الله يسير )) [8].
قال الإمام أحمد: غسل بالتشديد جامع أهله، وكذلك فسره وكيع [9].
أين الراغبون في الحسنات.. وأين المسارعون إلى الخيرات.. إن ذلك جزء من فضائل يوم الجمعة .
إخوة الإسلام :
ويكفي من فضائل يوم الجمعة أن مابين الجمعتين كفارة لما بينهما
إذا ما اجتنبت الكبائر، وهنا يغلط بعض الناس فتراه يحافظ على الجمعة، ويتهاون فيما سواها من الصلوات ظنا خاطئا منه أن الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه، وإيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما ذكر أن الجمعة تكفر الذنوب الصغائر دون الكبائر، حيث قال: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)) .
ولاشك أن ترك الصلوات الخمس أو التهاون بآدائها من الكبائر،. فلا تصح الجمعة ممن هذه حاله حتى يؤدي الصلوات الخمس.
أما من يتهاون أو يترك صلاة الجمعة دون عذر فهذا جرمه كبير.. فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من ترك صلاة الجمعة تهاونا بها طبع الله على قلبه [10]
وفي الحديث الآخر: ((من ترك ثلاث جمعات من غير عذر كتب المنافقين)) [11]نسأل الله السلامة والعصمة من الزلل.
أيها المسلمون :
هناك خصائص وفضائل وأحكام أخرى للجمعة نرجئ الحديث عنها في خطبة لاحقة بإذن الله.. هذا وصلوا.
[1] أحمد بن حجر ، الجمعة ومكانتها/22، انظر ابن القيم في زاد المعاد1/365
[2] الحديث رواه أبو داود وغيره بسند صحيح ، زاد المعاد 1/392 .
[3] الحديث رواه ابن ماجه بسند حسن . انظر المصدر السابق .
[4] الحديث رواه أحمد في مسنده وابن ماجه وهو حسن 1/388 .
[5] الحديث رواه الحاكم والبيهقفي وسنده صحيح، انظر صحيح الجامع الصغير 2/142 .
[6] الشيخ صالح الفوزان ا الخطب 1/64 .
[7] حديث صحيح عن أبي هريرة، صحيح الجامع 1/273 .
[8] الحديث رواه أحمد وغيره بسند صحيح، صحيح الجامع 5/325 .
[9] زاد المعاد 1/385 .
[10] (صحيح صالح الفوزان خطبة الجمعة/61) .
[11] (صحيح الجامع 268/5) .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى