رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الكبيرة الثانية عشرة : الربا
قال
الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة و
اتقوا الله لعلكم تفلحون } و قال الله تعالى : { الذين يأكلون الربا لا
يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } أي لا يقومون من
قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم الذي قد مسه الشيطان و صرعه { ذلك } أي
ذلك الذي أصابهم { بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا }
أي حلالا
فاستحلوا ما حرم الله فإذا بعث الله الناس يوم القيامة خرجوا مسرعين إلا
أكلة الربا فإنهم يقومون و يسقطون كما يقوم المصروع كلما قام صرع لأنهم
لما أكلوا الربا الحرام في الدنيا أرباه الله في بطونهم حتى أثقلهم يوم
القيامة فهم كلما أردوا النهوض سقطوا و يريدون الإسراع مع الناس فلا
يقدرون
و قال قتادة : إن آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا و ذلك
علم لأكلة الربا فهم به أهل الموقف و [ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لما أسري بي مررت بقوم بطونهم بين
أيديهم كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم قد مالت بهم بطونهم منضدين على
سابلة آل فرعون و آل فرعون يعرضون على النار غدوا و عشيا قال فيقبلون مثل
الإبل المنهزمة لا يسمعون و لا يعقلون فإذا أحس بهم أصحاب تلك البطون
قاموا فتميل بطونهم فلا يستطيعون أن يبرحوا حتى يغشاهم آل فرعون فيردونهم
مقبلين و مدبرين فذلك عذابهم في البرزخ بين الدنيا و الآخرة قال صلى الله
عليه و سلم : فقلت يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون الربا لا
يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ]
و في رواية قال
: [ لما عرج بي سمعت في السماء السابعة فوق رأسي رعدا و صواعق و رأيت
رجالا بطونهم بين أيديهم كالبيوت فيها حيات و عقارب ترى من ظاهر بطونهم
فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : فقال هؤلاء أكلة الربا ]
و روي
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه : إذا ظهر الزنا و الربا في
قرية أذن الله بهلاكها و عن عمر مرفوعا : إذا ضن الناس بالدينار و الدرهم
و تبايعوا بالعينة و تتبعوا أذناب البقر و تركوا الجهاد في سبيل الله أنزل
الله بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم و قال صلى الله عليه و سلم :
[ ما ظهر في قوم الربا إلا ظهر فيهم الجنون و لا ظهر في قوم الزنا إلا ظهر
فيهم الموت و ما بخس قوم الكيل و الوزن إلا منعهم الله القطر ]
و
جاء في حديث فيه طول : أن آكل الربا يعذب من حين يموت إلى يوم القيامة
بالسباحة في النهر الأحمر الذي هو مثل الدم و يلقم الحجارة و هو المال
الحرام الذي جمعه في الدنيا يكلف المشقة فيه و يلقم حجارة من نار كما
ابتلع الحرام الذي جمعه في الدنيا هذا العذاب له في البرزخ قبل يوم
القيامة مع لعنة الله له كما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال
: [ أربعة حق على الله أن لا يدخلهم الجنة و لا يذيقهم نعيمها : مدمن
الخمر و آكل الربا و آكل مال اليتيم بغير حق و العاق لوالديه إلا أن
يتوبوا ]
و قد ورد أن أكلة الربا يحشرون في صورة الكلاب و الخنازير
من أجل حيلتهم على أكل الربا كما مسخ أصحاب السبت حين تحيلوا على إخراج
الحيتان التي نهاهم الله عن اصطيادها يوم السبت فحفروا لها حياضا تقع فيها
يوم السبت فيأخذونها يوم الأحد فلما فعلوا ذلك مسخهم الله قردة و خنازير و
هكذا الذين يتحيلون على الربا بأنواع الحيل فإن الله لا تخفى عليه حيل
المحتالين قال أيوب السختياني : يخادعون الله كما يخادعون صبيا و لو أتوا
الأمر عيانا كان أهون عليهم و قال صلى الله عليه و سلم : [ الربا سبعون
بابا أهونها مثل أن ينكح الرجل أمه و أن أربي الربا استطالة الرجل في عرض
أخيه المسلم ] فصح أنه باب من أعظم أبواب الربا
و [ عن أنس قال :
خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر الربا و عظم شأنه فقال : الدرهم
الذي يصيبه الرجل من الربا أشد من ست و ثلاثين زنية في الإسلام ] و عنه
صلى الله عليه و سلم قال : [ الربا سبعون حوبا أهونها كوقع الرجل على أمه
و في رواية أهونها كالذي ينكح أمه ] و الحوب : الإثم
و عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : الزائد و المستزيد في النار ـ
يعني الآخذ و المعطي فيه سواء نسأل الله العافية
فصل : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إذا كان لك على رجل دين فأهدى لك
شيئا فلا تأخذه فإنه ربا و قال الحسن رحمه الله : إذا كان لك على رجل دين
فما أكلت من بيته فهو سحت و هذا من قوله صلى الله عليه و سلم : [ كل قرض
جر نفعا فهو ربا ] و قال ابن مسعود أيضا : من شفع لرجل شفاعة فأهدى إليه
هدية فهي سحت و تصديقه من قوله صلى الله عليه و سلم : [ من شفع لرجل شفاعة
فأهدى له عليها فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا ] أخرجه أبو
داود فنسأل الله العفو و العافية في الدين الدنيا و الآخرة
الكبيرة الثالثة عشرة : أكل مال اليتيم و ظلمه
قال الله تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في
بطونهم نارا و سيصلون سعيرا } و قال الله تعالى : { و لا تقربوا مال
اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده }
و [ عن أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في المعراج : فإذا أنا
برجال و قد وكل بهم رجال يفكون لحالهم و آخرون يجيئون بالصخور من النار
فيقذفونها بأفواههم و تخرج من أدبارهم فقلت : يا جبريل من هن هؤلاء ؟ قال
: الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ] رواه
مسلم
و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم قال : يبعث الله عز و جل قوما من قبورهم تخرج النار من بطونهم تأجج
أفواههم نارا فقيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : ألم تر أن الله تعالى
يقول : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا
} ]
و قال السدي رحمه الله تعالى : يحشر آكل مال اليتيم ظلما يوم
القيامة و لهب النار يخرج من فيه و من مسامعه و أنفه و عينه كل من رآه
يعرفه أنه آكل مال اليتيم
قال العلماء : فكل ولي ليتيم إذا كان
فقيرا فأكل من ماله بالمعروف بقدر قيامه عليه في مصالحه و تنمية ماله فلا
بأس عليه و ما زاد على المعروف فسحت حرام لقول الله تعالى : { و من كان
غنيا فليستعفف و من كان فقيرا فليأكل بالمعروف }
و في الأكل
بالمعروف أربعة أقوال : أحدهما : أنه الأخذ على وجه القرض و الثاني :
الأكل بقدر الحاجة من غير إسراف و الثالث : أنه أخذ بقدر إذا عمل لليتيم
عملا و الرابع : أنه الأخذ عند الضرورة فإن أيسر قضاه و إن لم يوسر فهو في
حل و هذه الأقوال ذكرها ابن الجوزي في تفسيره
و في البخاري أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم قال : [ أنا و كافل اليتيم في الجنة هكذا و أشار
بالسبابة و الوسطى و فرج بينهما ] و في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه و سلم
قال : [ كافل اليتيم له أو لغيره أنا و هو كهاتين في الجنة و أشار
بالسبابة و الوسطى ]
كفالة اليتيم هي القيام بأموره و السعي في
مصالحه من طعامه و كسوته و تنمية ماله إن كان له مال و إن كان لا مال له
أنفق عليه و كساه ابتغاء وجه الله تعالى و قوله في الحديث : له أو لغيره ـ
أي سواء كان اليتيم قرابة أو أجنبيا منه فالقرابة مثل أن يكفله جده أو
أخوه أو أمه أو عمه أو زوج أمه أو خاله أو غيره من أقاربه و الأجنبي من
ليس بينه و بينه قرابة
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من
ضم يتيما من المسلمين إلى طعامه و شرابه حتى يغنيه الله تعالى أوجب الله
له الجنة إلا أن يعمل ذنبا لا يغفر ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ من
مسح رأس يتيم لا يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنة و من
أحسن إلى يتيم أو يتيمه عنده كنت أنا و هو هكذا في الجنة ]
و قال
رجل لأبي الدرداء رضي الله عنه : أوصني بوصية قال : ارحم اليتيم و أدنه
منك و أطعمه من طعامك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاه رجل
يشتكي قسوة قلبه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أردت أن يلين
قلبك فادن اليتيم منك و امسح رأسه و أطعمه من طعامك فإن ذلك يلين قلبك و
تقدر على حاجتك
و مما حكي عن بعض السلف قال : كنت في بداية أمري
مكبا على المعاصي و شرب الخمر فظفرت يوما بصبي يتيم فقير فأخذته و أحسنت
إله و أطعمته و كسوته و أدخلته الحمام و أزلت شعثه و أكرمته كما يكرم
الرجل ولده بل أكثر فبت ليلة بعد ذلك فرأيت في النوم أن القيامة قامت و
دعيت إلى الحساب و أمر بي إلى النار لسوء ما كنت عليه من المعاصي فسحبتني
الزبانية ليمضوا بي إلى النار و أنا بين أيديهم حقير ذليل يجروني سحبا إلى
النار و إذا بذلك اليتيم قد اعترضني بالطريق و قال : خلو عنه يا ملائكة
ربي حتى أشفع له إلى ربي فإنه قد أحسن إلي و أكرمني فقالت الملائكة : إنا
لم نؤمر بذلك و إذا النداء من قبل الله تعالى يقول : خلوا عنه فقد وهبت له
ما كان منه بشفاعة اليتيم و إحسانه إليه قال : فاستيقظت و تبت إلى الله عز
و جل و بذلت جهدي في إيصال الرحمة إلى الأيتام و لهذا قال أنس بن مالك رضي
الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه و سلم : خير البيوت بيت فيه يتيم
يحسن إليه و شر البيوت بيت فيه يتيم يساء إليه و أحب عباد الله إلى الله
تعالى من اصطنع صنعا إلى يتيم أو أرملة و روي أن الله تعالى أوحى إلى داود
عليه السلام : يا داود كن لليتيم كالأب الرحيم و كن للأرملة كالزوج الشفيق
و اعلم كما تزرع كذا تحصد : معناه أنك كما تفعل كذلك يفعل معك أي لا بد أن
تموت و يبقى لك ولد يتيم أو امرأة أرملة و قال داود عليه السلام في
مناجاته : إلهي ما جزاء من أسند اليتيم و الأرملة ابتغاء وجهك ؟ قال :
جزاؤه أن أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي معناه ظل عرشي يوم القيامة
و مما جاء في فضل الإحسان إلى الأرملة و اليتيم عن بعض العلويين ـ و كان
نازلا ببلخ من بلاد العجم و له زوجة علوية و له منها بنات و كانوا في سعة
و نعمة فمات الزوج و أصاب المرأة و بناتها بعده الفقر و القلة فخرجت
ببناتها إلى بلدة أخرى خوف شماتة الأعداء و اتفق خروجها في شدة البرد فلما
دخلت ذلك البلد أدخلت بناتها في بعض المساجد المهجورة و مضت تحتال لهم في
القوت فمرت بجمعين : جمع على رجل مسلم و هو شيخ البلد و جمع على رجل مجوسي
و هو ضامن البلد فبدأت بالمسلم و شرحت حالها له و قالت : أنا امرأة علوية
و معي بنات أيتام أدخلتهم بعض المساجد المهجورة و أريد الليلة قوتهم فقال
لها : أقيمي عندي البينة أنك علوية شريفة فقالت : أنا امرأة غريبة ما في
البلد من يعرفني فأعرض عنها فمضت من عنده منكسرة القلب فجاءت إلى ذلك
الرجل المجوسي فشرحت له حالها و أخبرته أن معها بنات أيتام و هي امرأة
شريفة غريبة و قصت عليه ما جرى لها مع الشيخ المسلم فقام و أرسل بعض نسائه
و أتوا بها و بناتها إلى داره فأطعمهن أطيب الطعام و ألبسهن أفخر اللباس و
باتوا عنده في نعمة و كرامة قال فلما انتصف الليل رأى ذلك الشيخ المسلم في
منامه كأن القيامة قد قامت و قد عقد اللواء على رأس النبي صلى الله عليه و
سلم و إذا القصر من الزمرد الأخضر شرفاته من اللؤلؤ و الياقوت و فيه قباب
اللؤلؤ و المرجان فقال : يا رسول الله لمن هذا القصر ؟ قال لرجل مسلم موحد
فقال : يا رسول الله أنا رجل مسلم موحد
فقال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : أقم عندي البينة أنك مسلم موحد قال : فبقي متحيرا فقال له
صلى الله عليه و سلم : لما قصدتك المرأة العلوية قلت أقيمي عندي البينة
أنك علوية فكذا أنت أقم عندي البينة أنك مسلم : فانتبه الرجل حزينا على
رده المرأة خائبة ثم جعل يطوف بالبلد و يسأل عنها حتى دل عليها أنها عند
المجوسي فأرسل إليه فأتاه فقال له : أريد منك المرأة الشريفة العلوية و
بناتها فقال : ما إلى هذا من سبيل و قد لحقني من بركاتهم ما لحقني قال :
خذ مني ألف دينار و سلمهن إلي فقال لا أفعل فقال : لا بد منهن فقال : الذي
تريده أنت أنا أحق به و القصر الذي رأيته في منامك خلق لي أتدل علي
بالإسلام ؟ فوالله ما نمت البارحة أنا و أهل داري حتى أسلمنا كلنا على يد
العلوية و رأيت مثل الذي رأيت في منامك و قال لي رسول الله صلى الله عليه
و سلم : العلوية و بناتها عندك ؟ قلت : نعم يا رسول الله قال : القصر لك و
لأهل دارك و أنت و أهل دارك من أهل الجنة خلقك الله مؤمنا في الأزل قال :
فانصرف المسلم و به من الحزن و الكآبة ما لا يعلمه إلا الله فانظر رحمك
الله إلى بركة الإحسان إلى الأرملة و الأيتام نا أعقب صاحبه من الكرامة في
الدنيا !
و لهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
أنه قال : [ الساعي على الأرملة و المساكين كالمجاهد في سبيل الله ] قال
الراوي أحسبه قال : [ و كالقائم لا يفتر و كالصائم لا يفطر ] و الساعي
عليهم هو القائم بأمورهم و مصالحهم ابتغاء وجه الله تعالى وفقنا لله لذلك
بمنه و كرامه أنه جواد كريم رؤوف غفور رحيم
قال
الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة و
اتقوا الله لعلكم تفلحون } و قال الله تعالى : { الذين يأكلون الربا لا
يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } أي لا يقومون من
قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم الذي قد مسه الشيطان و صرعه { ذلك } أي
ذلك الذي أصابهم { بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا }
أي حلالا
فاستحلوا ما حرم الله فإذا بعث الله الناس يوم القيامة خرجوا مسرعين إلا
أكلة الربا فإنهم يقومون و يسقطون كما يقوم المصروع كلما قام صرع لأنهم
لما أكلوا الربا الحرام في الدنيا أرباه الله في بطونهم حتى أثقلهم يوم
القيامة فهم كلما أردوا النهوض سقطوا و يريدون الإسراع مع الناس فلا
يقدرون
و قال قتادة : إن آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا و ذلك
علم لأكلة الربا فهم به أهل الموقف و [ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لما أسري بي مررت بقوم بطونهم بين
أيديهم كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم قد مالت بهم بطونهم منضدين على
سابلة آل فرعون و آل فرعون يعرضون على النار غدوا و عشيا قال فيقبلون مثل
الإبل المنهزمة لا يسمعون و لا يعقلون فإذا أحس بهم أصحاب تلك البطون
قاموا فتميل بطونهم فلا يستطيعون أن يبرحوا حتى يغشاهم آل فرعون فيردونهم
مقبلين و مدبرين فذلك عذابهم في البرزخ بين الدنيا و الآخرة قال صلى الله
عليه و سلم : فقلت يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون الربا لا
يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ]
و في رواية قال
: [ لما عرج بي سمعت في السماء السابعة فوق رأسي رعدا و صواعق و رأيت
رجالا بطونهم بين أيديهم كالبيوت فيها حيات و عقارب ترى من ظاهر بطونهم
فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : فقال هؤلاء أكلة الربا ]
و روي
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه : إذا ظهر الزنا و الربا في
قرية أذن الله بهلاكها و عن عمر مرفوعا : إذا ضن الناس بالدينار و الدرهم
و تبايعوا بالعينة و تتبعوا أذناب البقر و تركوا الجهاد في سبيل الله أنزل
الله بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم و قال صلى الله عليه و سلم :
[ ما ظهر في قوم الربا إلا ظهر فيهم الجنون و لا ظهر في قوم الزنا إلا ظهر
فيهم الموت و ما بخس قوم الكيل و الوزن إلا منعهم الله القطر ]
و
جاء في حديث فيه طول : أن آكل الربا يعذب من حين يموت إلى يوم القيامة
بالسباحة في النهر الأحمر الذي هو مثل الدم و يلقم الحجارة و هو المال
الحرام الذي جمعه في الدنيا يكلف المشقة فيه و يلقم حجارة من نار كما
ابتلع الحرام الذي جمعه في الدنيا هذا العذاب له في البرزخ قبل يوم
القيامة مع لعنة الله له كما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال
: [ أربعة حق على الله أن لا يدخلهم الجنة و لا يذيقهم نعيمها : مدمن
الخمر و آكل الربا و آكل مال اليتيم بغير حق و العاق لوالديه إلا أن
يتوبوا ]
و قد ورد أن أكلة الربا يحشرون في صورة الكلاب و الخنازير
من أجل حيلتهم على أكل الربا كما مسخ أصحاب السبت حين تحيلوا على إخراج
الحيتان التي نهاهم الله عن اصطيادها يوم السبت فحفروا لها حياضا تقع فيها
يوم السبت فيأخذونها يوم الأحد فلما فعلوا ذلك مسخهم الله قردة و خنازير و
هكذا الذين يتحيلون على الربا بأنواع الحيل فإن الله لا تخفى عليه حيل
المحتالين قال أيوب السختياني : يخادعون الله كما يخادعون صبيا و لو أتوا
الأمر عيانا كان أهون عليهم و قال صلى الله عليه و سلم : [ الربا سبعون
بابا أهونها مثل أن ينكح الرجل أمه و أن أربي الربا استطالة الرجل في عرض
أخيه المسلم ] فصح أنه باب من أعظم أبواب الربا
و [ عن أنس قال :
خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر الربا و عظم شأنه فقال : الدرهم
الذي يصيبه الرجل من الربا أشد من ست و ثلاثين زنية في الإسلام ] و عنه
صلى الله عليه و سلم قال : [ الربا سبعون حوبا أهونها كوقع الرجل على أمه
و في رواية أهونها كالذي ينكح أمه ] و الحوب : الإثم
و عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : الزائد و المستزيد في النار ـ
يعني الآخذ و المعطي فيه سواء نسأل الله العافية
فصل : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إذا كان لك على رجل دين فأهدى لك
شيئا فلا تأخذه فإنه ربا و قال الحسن رحمه الله : إذا كان لك على رجل دين
فما أكلت من بيته فهو سحت و هذا من قوله صلى الله عليه و سلم : [ كل قرض
جر نفعا فهو ربا ] و قال ابن مسعود أيضا : من شفع لرجل شفاعة فأهدى إليه
هدية فهي سحت و تصديقه من قوله صلى الله عليه و سلم : [ من شفع لرجل شفاعة
فأهدى له عليها فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا ] أخرجه أبو
داود فنسأل الله العفو و العافية في الدين الدنيا و الآخرة
قال الله تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في
بطونهم نارا و سيصلون سعيرا } و قال الله تعالى : { و لا تقربوا مال
اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده }
و [ عن أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في المعراج : فإذا أنا
برجال و قد وكل بهم رجال يفكون لحالهم و آخرون يجيئون بالصخور من النار
فيقذفونها بأفواههم و تخرج من أدبارهم فقلت : يا جبريل من هن هؤلاء ؟ قال
: الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ] رواه
مسلم
و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم قال : يبعث الله عز و جل قوما من قبورهم تخرج النار من بطونهم تأجج
أفواههم نارا فقيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : ألم تر أن الله تعالى
يقول : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا
} ]
و قال السدي رحمه الله تعالى : يحشر آكل مال اليتيم ظلما يوم
القيامة و لهب النار يخرج من فيه و من مسامعه و أنفه و عينه كل من رآه
يعرفه أنه آكل مال اليتيم
قال العلماء : فكل ولي ليتيم إذا كان
فقيرا فأكل من ماله بالمعروف بقدر قيامه عليه في مصالحه و تنمية ماله فلا
بأس عليه و ما زاد على المعروف فسحت حرام لقول الله تعالى : { و من كان
غنيا فليستعفف و من كان فقيرا فليأكل بالمعروف }
و في الأكل
بالمعروف أربعة أقوال : أحدهما : أنه الأخذ على وجه القرض و الثاني :
الأكل بقدر الحاجة من غير إسراف و الثالث : أنه أخذ بقدر إذا عمل لليتيم
عملا و الرابع : أنه الأخذ عند الضرورة فإن أيسر قضاه و إن لم يوسر فهو في
حل و هذه الأقوال ذكرها ابن الجوزي في تفسيره
و في البخاري أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم قال : [ أنا و كافل اليتيم في الجنة هكذا و أشار
بالسبابة و الوسطى و فرج بينهما ] و في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه و سلم
قال : [ كافل اليتيم له أو لغيره أنا و هو كهاتين في الجنة و أشار
بالسبابة و الوسطى ]
كفالة اليتيم هي القيام بأموره و السعي في
مصالحه من طعامه و كسوته و تنمية ماله إن كان له مال و إن كان لا مال له
أنفق عليه و كساه ابتغاء وجه الله تعالى و قوله في الحديث : له أو لغيره ـ
أي سواء كان اليتيم قرابة أو أجنبيا منه فالقرابة مثل أن يكفله جده أو
أخوه أو أمه أو عمه أو زوج أمه أو خاله أو غيره من أقاربه و الأجنبي من
ليس بينه و بينه قرابة
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من
ضم يتيما من المسلمين إلى طعامه و شرابه حتى يغنيه الله تعالى أوجب الله
له الجنة إلا أن يعمل ذنبا لا يغفر ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ من
مسح رأس يتيم لا يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنة و من
أحسن إلى يتيم أو يتيمه عنده كنت أنا و هو هكذا في الجنة ]
و قال
رجل لأبي الدرداء رضي الله عنه : أوصني بوصية قال : ارحم اليتيم و أدنه
منك و أطعمه من طعامك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاه رجل
يشتكي قسوة قلبه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أردت أن يلين
قلبك فادن اليتيم منك و امسح رأسه و أطعمه من طعامك فإن ذلك يلين قلبك و
تقدر على حاجتك
و مما حكي عن بعض السلف قال : كنت في بداية أمري
مكبا على المعاصي و شرب الخمر فظفرت يوما بصبي يتيم فقير فأخذته و أحسنت
إله و أطعمته و كسوته و أدخلته الحمام و أزلت شعثه و أكرمته كما يكرم
الرجل ولده بل أكثر فبت ليلة بعد ذلك فرأيت في النوم أن القيامة قامت و
دعيت إلى الحساب و أمر بي إلى النار لسوء ما كنت عليه من المعاصي فسحبتني
الزبانية ليمضوا بي إلى النار و أنا بين أيديهم حقير ذليل يجروني سحبا إلى
النار و إذا بذلك اليتيم قد اعترضني بالطريق و قال : خلو عنه يا ملائكة
ربي حتى أشفع له إلى ربي فإنه قد أحسن إلي و أكرمني فقالت الملائكة : إنا
لم نؤمر بذلك و إذا النداء من قبل الله تعالى يقول : خلوا عنه فقد وهبت له
ما كان منه بشفاعة اليتيم و إحسانه إليه قال : فاستيقظت و تبت إلى الله عز
و جل و بذلت جهدي في إيصال الرحمة إلى الأيتام و لهذا قال أنس بن مالك رضي
الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه و سلم : خير البيوت بيت فيه يتيم
يحسن إليه و شر البيوت بيت فيه يتيم يساء إليه و أحب عباد الله إلى الله
تعالى من اصطنع صنعا إلى يتيم أو أرملة و روي أن الله تعالى أوحى إلى داود
عليه السلام : يا داود كن لليتيم كالأب الرحيم و كن للأرملة كالزوج الشفيق
و اعلم كما تزرع كذا تحصد : معناه أنك كما تفعل كذلك يفعل معك أي لا بد أن
تموت و يبقى لك ولد يتيم أو امرأة أرملة و قال داود عليه السلام في
مناجاته : إلهي ما جزاء من أسند اليتيم و الأرملة ابتغاء وجهك ؟ قال :
جزاؤه أن أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي معناه ظل عرشي يوم القيامة
و مما جاء في فضل الإحسان إلى الأرملة و اليتيم عن بعض العلويين ـ و كان
نازلا ببلخ من بلاد العجم و له زوجة علوية و له منها بنات و كانوا في سعة
و نعمة فمات الزوج و أصاب المرأة و بناتها بعده الفقر و القلة فخرجت
ببناتها إلى بلدة أخرى خوف شماتة الأعداء و اتفق خروجها في شدة البرد فلما
دخلت ذلك البلد أدخلت بناتها في بعض المساجد المهجورة و مضت تحتال لهم في
القوت فمرت بجمعين : جمع على رجل مسلم و هو شيخ البلد و جمع على رجل مجوسي
و هو ضامن البلد فبدأت بالمسلم و شرحت حالها له و قالت : أنا امرأة علوية
و معي بنات أيتام أدخلتهم بعض المساجد المهجورة و أريد الليلة قوتهم فقال
لها : أقيمي عندي البينة أنك علوية شريفة فقالت : أنا امرأة غريبة ما في
البلد من يعرفني فأعرض عنها فمضت من عنده منكسرة القلب فجاءت إلى ذلك
الرجل المجوسي فشرحت له حالها و أخبرته أن معها بنات أيتام و هي امرأة
شريفة غريبة و قصت عليه ما جرى لها مع الشيخ المسلم فقام و أرسل بعض نسائه
و أتوا بها و بناتها إلى داره فأطعمهن أطيب الطعام و ألبسهن أفخر اللباس و
باتوا عنده في نعمة و كرامة قال فلما انتصف الليل رأى ذلك الشيخ المسلم في
منامه كأن القيامة قد قامت و قد عقد اللواء على رأس النبي صلى الله عليه و
سلم و إذا القصر من الزمرد الأخضر شرفاته من اللؤلؤ و الياقوت و فيه قباب
اللؤلؤ و المرجان فقال : يا رسول الله لمن هذا القصر ؟ قال لرجل مسلم موحد
فقال : يا رسول الله أنا رجل مسلم موحد
فقال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : أقم عندي البينة أنك مسلم موحد قال : فبقي متحيرا فقال له
صلى الله عليه و سلم : لما قصدتك المرأة العلوية قلت أقيمي عندي البينة
أنك علوية فكذا أنت أقم عندي البينة أنك مسلم : فانتبه الرجل حزينا على
رده المرأة خائبة ثم جعل يطوف بالبلد و يسأل عنها حتى دل عليها أنها عند
المجوسي فأرسل إليه فأتاه فقال له : أريد منك المرأة الشريفة العلوية و
بناتها فقال : ما إلى هذا من سبيل و قد لحقني من بركاتهم ما لحقني قال :
خذ مني ألف دينار و سلمهن إلي فقال لا أفعل فقال : لا بد منهن فقال : الذي
تريده أنت أنا أحق به و القصر الذي رأيته في منامك خلق لي أتدل علي
بالإسلام ؟ فوالله ما نمت البارحة أنا و أهل داري حتى أسلمنا كلنا على يد
العلوية و رأيت مثل الذي رأيت في منامك و قال لي رسول الله صلى الله عليه
و سلم : العلوية و بناتها عندك ؟ قلت : نعم يا رسول الله قال : القصر لك و
لأهل دارك و أنت و أهل دارك من أهل الجنة خلقك الله مؤمنا في الأزل قال :
فانصرف المسلم و به من الحزن و الكآبة ما لا يعلمه إلا الله فانظر رحمك
الله إلى بركة الإحسان إلى الأرملة و الأيتام نا أعقب صاحبه من الكرامة في
الدنيا !
و لهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
أنه قال : [ الساعي على الأرملة و المساكين كالمجاهد في سبيل الله ] قال
الراوي أحسبه قال : [ و كالقائم لا يفتر و كالصائم لا يفطر ] و الساعي
عليهم هو القائم بأمورهم و مصالحهم ابتغاء وجه الله تعالى وفقنا لله لذلك
بمنه و كرامه أنه جواد كريم رؤوف غفور رحيم
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الكبيرة الرابعة عشرة : الكذب على الله عز و جل و على رسوله صلى
الله
عليه و سلم
قال الله عز و جل :
{ و يوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة }
قال الحسن : هم الذين يقولون : إن شئنا فعلنا و إن شئنا لم نفعل قال ابن
الجوزي في تفسيره : و قد ذهب طائفة من العلماء إلى أن الكذب على الله و
على رسوله كفر ينقل عن الملة و لا ريب أن الكذب على الله و على رسوله في
تحليل حرام و تحريم حلال كفر محض و إنما الشأن في الكذب عليه فيما سوى ذلك
و قال صلى الله عليه و سلم : [ من كذب علي بني له بيت في جهنم ] و
قال صلى الله عليه و سلم : [ و من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
] و قال صلى الله عليه و سلم : [ من روى عني حديثا و هو يرى أنه كذب فهو
أحد الكاذبين ]
و قال صلى الله عليه و سلم : [ إن كذبا علي ليس ككذب
على غيري من كذب علي معمدا فليتبوأ مقعده من النار ] و قال صلى الله عليه
و سلم : [ من يقل عني ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار ] و قال صلى الله
عليه و سلم : [ يطبع المؤهل على كل شيء إلا الخيانة و الكذب ] نسأل الله
التوفيق و العصمة إنه جواد كريم
الكبيرة الخامسة عشرة : الفرار من الزحف
و إذا لم يزد على ضعف المسلمين إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة و إن
بعدت قال الله تعالى :
{ و من يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب
من الله و مأواه جهنم و بئس المصير }
و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
اجتنبوا السبع الموبقات قالوا : و ما هن يا رسول الله ؟ قال : الشرك بالله
و السحر و قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق و أكل الربا و أكل مال
اليتيم و التولي يوم الزحف و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات ]
و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت : { إن يكن منكم عشرون
صابرون يغلبوا مائتين }
فكتب الله عليهم أن لا يفر عشرون من مائتين ثم نزلت :
{ الآن خفف الله عنكم و علم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا
مائتين و إن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله و الله مع الصابرين }
فكتب أن لا يفر مائة من مائتين رواه البخاري
الكبيرة السادسة عشرة : غش الإمام الرعية و ظلمه لهم
قال الله تعالى : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض
بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم }
و قال الله تعالى : { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم
ليوم تشخص فيه الأبصار * مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم
وأفئدتهم هواء }
و قال الله تعالى : { و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }
و قال الله تعالى : { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا
يفعلون }
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من غشنا فليس منا ] و قال عليه
السلام : [ الظلم ظلمات يوم القيامة ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ كلكم
راع و كلكم مسئول عن رعيته ] و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [
أيما راع غش رعيته فهو في النار ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ من
استرعاه الله رعية ثم لم يحطها بنصيحة إلا حرم الله عليه الجنة ] أخرجه
البخاري و في لفظ : [ يموت يوم يموت و هو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه
الجنة ]
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ما من حاكم يحكم
بين الناس إلا حبس يوم القيامة و ملك آخذ بقفاه فإن قال ألقه ألقاه فهوى
في جهنم أربعين خريفا ] رواه الإمام أحمد
و قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : [ ويل للأمراء ويل للعرفاء ويل للأمناء ليتمنين أقوام يوم
القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا يعذبون و لم يكونوا عملوا من شيء ]
و قال صلى الله عليه و سلم : [ ليأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة
يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط ]
و قال صلى الله عليه و سلم : [ ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة
مغلولة يده إلى عنقه إما أطلقه عدله أو أوبقه جوره ]
و من دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ اللهم من ولي من أمر
هذه الأمة شيئا فرفق بهم فارفق به و من شفق عليهم فاشفق عليه ] و قال صلى
الله عليه و سلم : [ من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون
حاجتهم و خلتهم و فقرهم احتجب الله دون حاجته و خلته و فقره ]
و قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ سيكون أمراء فسقة جورة فمن صدقهم
بكذبهم و أعانهم على ظلمهم فليس مني و لست منه و لن يرد على الحوض ]
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ صنفان من أمتي لن تنالهم شفاعتي
: سلطان ظلوم غشوش و غال في الدين يشهد عليهم و يتبرأ منهم ]
و قال
عليه السلام : [ أشد الناس عذابا يوم القيامة إمام جائر ] و في الحديث أن
رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ أيها الناس مروا بالمعروف و انهوا
عن النكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم و قبل أن تستغفروه فلا يغفر
لكم إن الأحبار من اليهود و الرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف
و النهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم ثم عمهم بالبلاء ]
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه
فهو رد ]
[ و من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين
لا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا ]
و في الحديث أيضا [ من لا يرحم لا يرحم لا يرحم الله من لا يرحم الناس ] و
قال صلى الله عليه و سلم : [ الإمام العادل يظله الله في ظله يوم لا ظل
إلا ظله ] و قال : [ المقسطون على منابر من نور و الذين يعدلون في حكمهم و
أهليهم و ما ولوا ]
و لما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم معاذا
رضي الله عنه إلى اليمن قال : [ إياك و كرائم أموالهم و اتقي دعوة المظلوم
فإنها ليس بينها و بين الله حجاب ] رواه البخاري و قال عليه الصلاة و
السلام : : [ ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة : فذكر منهم الملك الكذاب
و قال : إنكم ستحرصون على الإمارة و ستكون ندامة يوم القيامة ] رواه
البخاري و فيه أيضا : [ و إنا و الله لا نولي هذا العمل أحدا سأله أو أحدا
حرص عليه ]
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ يا كعب بن عجرة
أعاذك الله من إمارة السفهاء أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بهدي و لا
يستنون بسنتي ] و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و
سلم قال : من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة و
من غلب جوره عدله فله النار ]
و قال : [ ستحرصون على الإمارة و ستكون ندامة يوم القيامة ]
و قال عمر لأبي ذر رضي الله عنهما : حدثني بحديث سمعته من رسول الله فقال
أبو ذر : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ يجاء بالوالي يوم
القيامة فينبذ به على جسر جهنم فيرتج به الجسر ارتجاجة لا يبقى منه مفصل
إلا زال عن مكانه فإن كان مطيعا لله في عمله مضى به و إن كان عاصيا لله في
عمله انخرق به الجسر فهوى به في جهنم مقدار خمسين عاما ] فقال عمر : من
يطلب العمل بها يا أبا ذر ؟ قال : من سلت لله أنفه و ألصق خده بالتراب
و قال عمر بن المهاجر قال لي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : إذا رأيتني
قد ملت عن الحق فضع يدك في تلبابي ثم قل : يا عمر ما تصنع
يا راضيا
باسم الظالم كم عليك من المظالم السجن جهنم و الحق الحاكم و لا حجة لك
فيما تخاصم القبر مهول فتذكر حبسك و الحساب طويل فخلص نفسك و العمر كيوم
فبادر شمسك تفرح بمالك و الكسب خبيث و تمرح بآمالك و السير حثيث إن الظلم
لا يترك منه قدر أنملة فإذا رأيت ظالما قد سطا فنم له فربما بات فأخذت
جنبه من الليل نملة أي قروح في الجسد
الكبيرة السابعة عشر : الكبر
الكبر و الفخر و الخيلاء و العجب و التيه ـ قال الله تعالى : { و قال موسى
إني عذت بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب } و قال الله تعالى
: { إنه لا يحب المستكبرين }
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
[ بينما رجل يتبختر في مشيه إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلل فيها إلى يوم
القيامة ] و قال عليه الصلاة و السلام : [ يحشر الجبارون المتكبرون يوم
القيامة أمثال الذر يطؤهم الناس يغشاهم الذل من كل مكان ] و قال بعض السلف
أول ذنب عصي الله به الكبر
قال الله تعالى : { و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى
و استكبر و كان من الكافرين }
فمن استكبر على الحق لم ينفعه إيمانه كما فعل إبليس
و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال : [ لا يدخل الجنة أحد في قلبه
مثقال ذرة من كبر ] رواه مسلم
و قال الله تعالى : { إن الله لا يحب كل مختال فخور } و قال صلى الله عليه
و سلم : قال الله تعالى : [ العظمة إزاري و الكبرياء ردائي فمن نازعني
فيهما ألقيته في النار ] رواه مسلم المنازعة : المجاذبة
و قال صلى
الله عليه و آله و سلم : [ اختصمت الجنة و النار فقالت الجنة مالي ما
يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم ؟ و قالت النار أوثرت بالجبارين و
المتكبرين ] الحديث و قال الله تعالى : { و لا تصعر خدك للناس و لا تمش في
الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور } أي لا تمل خدك معرضا متكبرا و
المرح التبختر
و قال سلمة بن الأكوع : [ أكل رجل عند رسول الله صلى
الله عليه و سلم بشماله قال : كل بيمينك قال : لا أستطيع فقال : لا استطعت
ما منعه إلا الكبر فما رفعها إلى فيه بعد ] رواه مسلم و قال عليه الصلاة و
السلام : [ ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر ] : العتل الغليظ
الجافي و الجواظ : الجموع المنوع و قيل الضخم المختال في مشيته و قيل
البطين
[ عن ابن عمر رضي الله عنهما : قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه و سلم يقول : ما من رجل يختال في مشيته و يتعاظم في نفسه إلا لقي
الله و هو عليه غضبان ] و صح من حديث أبي هريرة : [ أول ثلاثة يدخلون
النار : أمير مسلط أي ظالم و غني لا يؤدي الزكاة و فقير فخور ] و في صحيح
البخاري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ ثلاثة لا ينظر الله
إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم : المسبل المنان و المنفق
سلعته بالحلف الكاذب ] و المسبل هو الذي يسبل إزاره أو ثيابه أو سراويله
حتى يكون إلى قدميه لأنه صلى الله عليه و سلم قال : [ ما أسبل من الكعبين
من الإزار فهو في النار ]
و أشر الكبر الذي فيه من يتكبر على العباد
بعلمه و يتعاظم في نفسه بفضيلته فإن هذا لم ينفعه علمه فإن من طلب العلم
للآخرة كسره علمه وخشع قلبه و استكانت نفسه و كان على نفسه بالمرصاد فلا
يفتر عنها بل يحاسبها كل وقت و يتفقدها فإن غفل عنها جمحت عن الطريق
المستقيم و أهلكته و من طلب العلم للفخر و الرياسة و بطر على المسلمين و
تحامق عليهم و ازدراهم فهذا من أكبر الكبر و لا يدخل الجنة من كان في قلبه
مثقال ذرة من كبر و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
الكبيرة الثامنة عشرة : شهادة الزور
قال الله تعالى : { و الذين لا يشهدون الزور } الآية و في الأثر عدلت
شهادة الزور الشرك بالله تعالى مرتين و قال الله تعالى : { و اجتنبوا قول
الزور }
و في الحديث : [ لا تزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى
تجب له النار ] قال المصنف رحمه الله تعالى : شاهد الزور قد ارتكب عظائم (
أحدها ) الكذب و الإفتراء قال الله تعالى : { إن الله لا يهدي من هو مسرف
كذاب }
و في الحديث : [ يطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة و الكذب
] و ( ثانيها ) إنه ظلم الذي شهد حتى أخذ بشهادته ماله و عرضه و روحه و (
ثالثها ) : إنه ظلم الذي شهد له بأن ساق إليه المال الحرام فأخذه بشهادته
فوجبت له النار و قال صلى الله عليه و سلم : [ من قضيت له من مال أخيه
بغير حق فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من نار ] و ( رابعها ) : أباح ما
حرم الله تعالى و عصمه من المال و الدم و العرض قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : [ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ الإشراك بالله و عقوق الوالدين
ألا و قول الزور ألا و شهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ]
رواه البخاري فنسأل الله تعالى السلامة و العافية من كل بلاء
الله
عليه و سلم
قال الله عز و جل :
{ و يوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة }
قال الحسن : هم الذين يقولون : إن شئنا فعلنا و إن شئنا لم نفعل قال ابن
الجوزي في تفسيره : و قد ذهب طائفة من العلماء إلى أن الكذب على الله و
على رسوله كفر ينقل عن الملة و لا ريب أن الكذب على الله و على رسوله في
تحليل حرام و تحريم حلال كفر محض و إنما الشأن في الكذب عليه فيما سوى ذلك
و قال صلى الله عليه و سلم : [ من كذب علي بني له بيت في جهنم ] و
قال صلى الله عليه و سلم : [ و من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
] و قال صلى الله عليه و سلم : [ من روى عني حديثا و هو يرى أنه كذب فهو
أحد الكاذبين ]
و قال صلى الله عليه و سلم : [ إن كذبا علي ليس ككذب
على غيري من كذب علي معمدا فليتبوأ مقعده من النار ] و قال صلى الله عليه
و سلم : [ من يقل عني ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار ] و قال صلى الله
عليه و سلم : [ يطبع المؤهل على كل شيء إلا الخيانة و الكذب ] نسأل الله
التوفيق و العصمة إنه جواد كريم
و إذا لم يزد على ضعف المسلمين إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة و إن
بعدت قال الله تعالى :
{ و من يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب
من الله و مأواه جهنم و بئس المصير }
و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
اجتنبوا السبع الموبقات قالوا : و ما هن يا رسول الله ؟ قال : الشرك بالله
و السحر و قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق و أكل الربا و أكل مال
اليتيم و التولي يوم الزحف و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات ]
و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت : { إن يكن منكم عشرون
صابرون يغلبوا مائتين }
فكتب الله عليهم أن لا يفر عشرون من مائتين ثم نزلت :
{ الآن خفف الله عنكم و علم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا
مائتين و إن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله و الله مع الصابرين }
فكتب أن لا يفر مائة من مائتين رواه البخاري
قال الله تعالى : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض
بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم }
و قال الله تعالى : { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم
ليوم تشخص فيه الأبصار * مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم
وأفئدتهم هواء }
و قال الله تعالى : { و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }
و قال الله تعالى : { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا
يفعلون }
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من غشنا فليس منا ] و قال عليه
السلام : [ الظلم ظلمات يوم القيامة ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ كلكم
راع و كلكم مسئول عن رعيته ] و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [
أيما راع غش رعيته فهو في النار ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ من
استرعاه الله رعية ثم لم يحطها بنصيحة إلا حرم الله عليه الجنة ] أخرجه
البخاري و في لفظ : [ يموت يوم يموت و هو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه
الجنة ]
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ما من حاكم يحكم
بين الناس إلا حبس يوم القيامة و ملك آخذ بقفاه فإن قال ألقه ألقاه فهوى
في جهنم أربعين خريفا ] رواه الإمام أحمد
و قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : [ ويل للأمراء ويل للعرفاء ويل للأمناء ليتمنين أقوام يوم
القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا يعذبون و لم يكونوا عملوا من شيء ]
و قال صلى الله عليه و سلم : [ ليأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة
يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط ]
و قال صلى الله عليه و سلم : [ ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة
مغلولة يده إلى عنقه إما أطلقه عدله أو أوبقه جوره ]
و من دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ اللهم من ولي من أمر
هذه الأمة شيئا فرفق بهم فارفق به و من شفق عليهم فاشفق عليه ] و قال صلى
الله عليه و سلم : [ من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون
حاجتهم و خلتهم و فقرهم احتجب الله دون حاجته و خلته و فقره ]
و قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ سيكون أمراء فسقة جورة فمن صدقهم
بكذبهم و أعانهم على ظلمهم فليس مني و لست منه و لن يرد على الحوض ]
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ صنفان من أمتي لن تنالهم شفاعتي
: سلطان ظلوم غشوش و غال في الدين يشهد عليهم و يتبرأ منهم ]
و قال
عليه السلام : [ أشد الناس عذابا يوم القيامة إمام جائر ] و في الحديث أن
رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ أيها الناس مروا بالمعروف و انهوا
عن النكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم و قبل أن تستغفروه فلا يغفر
لكم إن الأحبار من اليهود و الرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف
و النهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم ثم عمهم بالبلاء ]
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه
فهو رد ]
[ و من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين
لا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا ]
و في الحديث أيضا [ من لا يرحم لا يرحم لا يرحم الله من لا يرحم الناس ] و
قال صلى الله عليه و سلم : [ الإمام العادل يظله الله في ظله يوم لا ظل
إلا ظله ] و قال : [ المقسطون على منابر من نور و الذين يعدلون في حكمهم و
أهليهم و ما ولوا ]
و لما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم معاذا
رضي الله عنه إلى اليمن قال : [ إياك و كرائم أموالهم و اتقي دعوة المظلوم
فإنها ليس بينها و بين الله حجاب ] رواه البخاري و قال عليه الصلاة و
السلام : : [ ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة : فذكر منهم الملك الكذاب
و قال : إنكم ستحرصون على الإمارة و ستكون ندامة يوم القيامة ] رواه
البخاري و فيه أيضا : [ و إنا و الله لا نولي هذا العمل أحدا سأله أو أحدا
حرص عليه ]
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ يا كعب بن عجرة
أعاذك الله من إمارة السفهاء أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بهدي و لا
يستنون بسنتي ] و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و
سلم قال : من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة و
من غلب جوره عدله فله النار ]
و قال : [ ستحرصون على الإمارة و ستكون ندامة يوم القيامة ]
و قال عمر لأبي ذر رضي الله عنهما : حدثني بحديث سمعته من رسول الله فقال
أبو ذر : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ يجاء بالوالي يوم
القيامة فينبذ به على جسر جهنم فيرتج به الجسر ارتجاجة لا يبقى منه مفصل
إلا زال عن مكانه فإن كان مطيعا لله في عمله مضى به و إن كان عاصيا لله في
عمله انخرق به الجسر فهوى به في جهنم مقدار خمسين عاما ] فقال عمر : من
يطلب العمل بها يا أبا ذر ؟ قال : من سلت لله أنفه و ألصق خده بالتراب
و قال عمر بن المهاجر قال لي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : إذا رأيتني
قد ملت عن الحق فضع يدك في تلبابي ثم قل : يا عمر ما تصنع
يا راضيا
باسم الظالم كم عليك من المظالم السجن جهنم و الحق الحاكم و لا حجة لك
فيما تخاصم القبر مهول فتذكر حبسك و الحساب طويل فخلص نفسك و العمر كيوم
فبادر شمسك تفرح بمالك و الكسب خبيث و تمرح بآمالك و السير حثيث إن الظلم
لا يترك منه قدر أنملة فإذا رأيت ظالما قد سطا فنم له فربما بات فأخذت
جنبه من الليل نملة أي قروح في الجسد
الكبر و الفخر و الخيلاء و العجب و التيه ـ قال الله تعالى : { و قال موسى
إني عذت بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب } و قال الله تعالى
: { إنه لا يحب المستكبرين }
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
[ بينما رجل يتبختر في مشيه إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلل فيها إلى يوم
القيامة ] و قال عليه الصلاة و السلام : [ يحشر الجبارون المتكبرون يوم
القيامة أمثال الذر يطؤهم الناس يغشاهم الذل من كل مكان ] و قال بعض السلف
أول ذنب عصي الله به الكبر
قال الله تعالى : { و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى
و استكبر و كان من الكافرين }
فمن استكبر على الحق لم ينفعه إيمانه كما فعل إبليس
و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال : [ لا يدخل الجنة أحد في قلبه
مثقال ذرة من كبر ] رواه مسلم
و قال الله تعالى : { إن الله لا يحب كل مختال فخور } و قال صلى الله عليه
و سلم : قال الله تعالى : [ العظمة إزاري و الكبرياء ردائي فمن نازعني
فيهما ألقيته في النار ] رواه مسلم المنازعة : المجاذبة
و قال صلى
الله عليه و آله و سلم : [ اختصمت الجنة و النار فقالت الجنة مالي ما
يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم ؟ و قالت النار أوثرت بالجبارين و
المتكبرين ] الحديث و قال الله تعالى : { و لا تصعر خدك للناس و لا تمش في
الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور } أي لا تمل خدك معرضا متكبرا و
المرح التبختر
و قال سلمة بن الأكوع : [ أكل رجل عند رسول الله صلى
الله عليه و سلم بشماله قال : كل بيمينك قال : لا أستطيع فقال : لا استطعت
ما منعه إلا الكبر فما رفعها إلى فيه بعد ] رواه مسلم و قال عليه الصلاة و
السلام : [ ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر ] : العتل الغليظ
الجافي و الجواظ : الجموع المنوع و قيل الضخم المختال في مشيته و قيل
البطين
[ عن ابن عمر رضي الله عنهما : قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه و سلم يقول : ما من رجل يختال في مشيته و يتعاظم في نفسه إلا لقي
الله و هو عليه غضبان ] و صح من حديث أبي هريرة : [ أول ثلاثة يدخلون
النار : أمير مسلط أي ظالم و غني لا يؤدي الزكاة و فقير فخور ] و في صحيح
البخاري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ ثلاثة لا ينظر الله
إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم : المسبل المنان و المنفق
سلعته بالحلف الكاذب ] و المسبل هو الذي يسبل إزاره أو ثيابه أو سراويله
حتى يكون إلى قدميه لأنه صلى الله عليه و سلم قال : [ ما أسبل من الكعبين
من الإزار فهو في النار ]
و أشر الكبر الذي فيه من يتكبر على العباد
بعلمه و يتعاظم في نفسه بفضيلته فإن هذا لم ينفعه علمه فإن من طلب العلم
للآخرة كسره علمه وخشع قلبه و استكانت نفسه و كان على نفسه بالمرصاد فلا
يفتر عنها بل يحاسبها كل وقت و يتفقدها فإن غفل عنها جمحت عن الطريق
المستقيم و أهلكته و من طلب العلم للفخر و الرياسة و بطر على المسلمين و
تحامق عليهم و ازدراهم فهذا من أكبر الكبر و لا يدخل الجنة من كان في قلبه
مثقال ذرة من كبر و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
قال الله تعالى : { و الذين لا يشهدون الزور } الآية و في الأثر عدلت
شهادة الزور الشرك بالله تعالى مرتين و قال الله تعالى : { و اجتنبوا قول
الزور }
و في الحديث : [ لا تزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى
تجب له النار ] قال المصنف رحمه الله تعالى : شاهد الزور قد ارتكب عظائم (
أحدها ) الكذب و الإفتراء قال الله تعالى : { إن الله لا يهدي من هو مسرف
كذاب }
و في الحديث : [ يطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة و الكذب
] و ( ثانيها ) إنه ظلم الذي شهد حتى أخذ بشهادته ماله و عرضه و روحه و (
ثالثها ) : إنه ظلم الذي شهد له بأن ساق إليه المال الحرام فأخذه بشهادته
فوجبت له النار و قال صلى الله عليه و سلم : [ من قضيت له من مال أخيه
بغير حق فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من نار ] و ( رابعها ) : أباح ما
حرم الله تعالى و عصمه من المال و الدم و العرض قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : [ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ الإشراك بالله و عقوق الوالدين
ألا و قول الزور ألا و شهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ]
رواه البخاري فنسأل الله تعالى السلامة و العافية من كل بلاء
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الكبيرة التاسعة عشر : شرب الخمر
قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب
والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان
أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن
الصلاة فهل أنتم منتهون } فقد نهى عز و جل في هذه الآية عن الخمر و حذر
منها و قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث
] فمن لم يجتنبها فقد عصى الله و رسوله و استحق العذاب بمعصية الله و
رسوله قال الله تعالى : { و من يعص الله و رسوله و يتعد حدوده يدخله نارا
خالدا فيها و له عذاب مهين }
و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزل تحريم الخمر مشى الصحابة
بعضهم إلى بعض و قالوا حرمت الخمر و جعلت عدلا للشرك
و ذهب عبد الله بن عمرو إلى أن الخمر أكبر الكبائر و هي بلا ريب أم
الخبائث و قد لعن شاربها في غير حديث و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ كل مسكر خمر و كل خمر حرام و من
شرب الخمر في الدنيا و مات و لم يتب منها و هو مدمنها لم يشربها في الآخرة
] رواه مسلم و روى مسلم : [ عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : إن على الله عهدا لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة
الخبال قيل : يا رسول الله و ما طينة الخبال ؟ قال : عرق أهل النار أو
عصارة أهل النار ]
و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ من شرب الخمر في
الدنيا يحرمها في الآخرة ]
ذكر أن مدمن الخمر كعابد وثن : رواه الإمام أحمد في مسنده [ من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : مدمن الخمر
كعابد وثن ]
ذكر أن مدمن الخمر إذا مات و لم يتب لا يدخل الجنة :
روى النسائي [ من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا
يدخل الجنة عاق و لا مدمن خمر ] و في رواية [ ثلاثة قد حرم الله عليهم
الجنة مدمن الخمر و العاق لوالديه و الديوث و هو الذي يقر السوء في أهله ]
ذكر أن السكران لا يقبل منه حسنة : روى [ جابر بن عبد الله أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم قال : ثلاثة لا تقبل لهم صلاة و لا ترفع لهم
حسنة إلى السماء : العبد الآبق حتى يرجع إلى مواليه فيضع يده في أيديهم و
المرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى عنها و السكران حتى يصحو ]
و
الخمر ما خامر العقل أي غطاه سواء كان رطبا أو يابسا أو مأكولا أو مشروبا
و [ عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا
يقبل الله لشارب الخمر صلاة ما دام في جسده شيء منها ] و في رواية [ من
شرب الخمر لم يقبل الله منه شيئا و من سكر منها لم تقبل له صلاة أربعين
صباحا فإن تاب ثم عاد كان حقا على الله أن يسقيه من مهل جهنم ] و قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : [ من شرب الخمر و لم يسكر أعرض الله عنه
أربعين ليلة و من شرب الخمر و سكر لم يقبل الله منه صرفا و لا عدلا أربعين
ليلة فإن مات فيها مات كعابد وثن و كان حقا على الله أن يسقيه من طينة
الخبال قيل : يا رسول الله و ما طينة الخبال ؟ قال : عصارة أهل النار
القيح و الدم ]
و قال عبد الله بن أبي أوفى : من مات مدمنا للخمر
مات كعابد اللات و العزى قيل : أرأيت مدمن الخمر هو الذي لا يستفيق من
شربها ؟ قال : لا و لكن هو الذي يشربها إذا وجدها و لو بعد سنين
ذكر
أن من شرب الخمر لا يكون مؤمنا حين يشربها : [ عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه و سلم : لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن و لا يزني الزاني
حين يزني و هو مؤمن و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن و التوبة معروضة
بعد ] أخرجه البخاري و في الحديث : [ من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه
الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه ] و فيه : من شرب الحمر ممسيا
أصبح مشركا و من شربها مصبحا أمسى مشركا و فيه عن النبي صلى الله عليه و
سلم أنه قال : [ إن رائحة الجنة لتوجد من مسيرة خمسمائة عام و لا يجد
ريحها عاق و لا منان و لا مدمن خمر و لا عابد وثن ] و روى الإمام أحمد من
[ حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
و سلم : لا يدخل الجنة مدمن خمر و لا مؤمن بسحر و لا قاطع رحم و من مات و
هو يشرب الخمر سقاه الله من نهر الغوطة و هو ماء يجري من فروج المومسات ـ
أي الزانيات يؤذي أهل النار ريح فروجهن ]
و قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : [ إن الله بعثني رحمة و هدى للعالمين بعثني لأمحق المعازف و
المزامير و أمر الجاهلية و أقسم ربي تعالى بعزته لا يشرب عبد من عبيدي
جرعة من الخمر إلا سقيته مثلها من حميم جهنم و لا يدعها عبد من عبيدي من
مخافتي إلا سقيته إياها في حظائر القدس مع خير الندماء ]
ذكر من لعن
في الخمر : روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لعنت
الخمر بعينها و شاربها و ساقيها و بائعها و مبتاعها و عاصرها و معتصرها و
حاملها و المحمولة إليه و آكل ثمنها ] و رواه الإمام أحمد من حديث ابن
عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ أتاني جبريل عليه
السلام فقال : يا محمد إن الله لعن الخمر و عاصرها و معتصرها و بائعها و
مبتاعها و شاربها و آكل ثمنها و حاملها و المحمولة إليه و ساقيها و
مستقيها ]
ذكر النهي عن عيادة شربة الخمر إذا مرضوا و كذلك لا يسلم عليهم :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : لا تعودوا شراب الخمر
إذا مرضوا قال البخاري و قال ابن عمر لا تسلموا على شربة الخمر و قال صلى
الله عليه و سلم : [ لا تجالسوا شراب الخمر و لا تعودوا مرضاهم و لا
تشهدوا جنائزهم و إن شارب الخمر يجيء يوم القيامة مسودا وجهه مدلعا لسانه
على صدره يسيل لعابه يقذره كل من رآه و عرفه أنه شارب خمر ]
قال بعض
العلماء : إنما نهى عن عيادتهم و السلام عليهم لأن شارب الخمر فاسق ملعون
قد لعنه الله و رسوله كما تقدم في قوله : لعن الله الخمور و شاربها الحديث
فإن اشتراها و عصرها كان ملعونا مرتين و إن سقاها لغيره كان ملعونا ثلاث
مرات فلذلك نهى عن عيادته و السلام عليه إلا أن يتوب فمن تاب تاب الله
عليه
ذكر أن الخمر لا يحل التداوي بها : [ عن أم سلمة رضي الله عنها
قالت : اشتكت ابنة لي فنبذت لها في كوز فدخل علي رسول الله صلى الله عليه
و سلم و هو يغلي فقال : ما هذا يا أم سلمة ؟ فذكرت له أني أداوي به ابنتي
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله تعالى لم يجعل شفاء أمتي
فيما حرم عليها ]
ذكر أحاديث متفرقة رويت في الخمر : من ذلك ما ذكره
أبو نعيم في الحلية عن أبي موسى رضي الله عنه قال : أتي النبي صلى الله
عليه و سلم بنبيذ في جرة له نشيش فقال : [ اضربوا بهذا الحائط فإن هذا شرب
من لا يؤمن بالله و اليوم الآخر ]
و قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم : [ من كان في صدره آية من كتاب الله و صب عليها الخمر يجيء يوم
القيامة كل حرف من تلك الآية فيأخذ بناصيته حتى يوقفه بين يدي الله تبارك
و تعالى فيخاصمه و من خاصمه القرآن خصم فالويل لمن كان القرآن خصمه يوم
القيامة ] و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما من قوم اجتمعوا على
مسكر في الدنيا إلا جمعهم الله في النار فيقبل بعضهم على بعض يتلاومون
يقول أحدهم للآخر : يا فلان لا جزاك الله عني خيرا فأنت الذي أوردتني هذا
المورد و يقول له الآخر مثل ذلك ] و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه
قال : [ من شرب الخمر في الدنيا سقاه الله من سم الأساودة شربة يتساقط لحم
وجهه في الإناء قبل أن يشربها فإذا شربها تساقط لحمه و جلده يتأذى به أهل
النار ألا وشاربها و عاصرها و معتصرها و حاملها و المحمولة إليه و آكل
ثمنها شركاء في إثمها لا يقبل الله منهم صلاة و لا صوم و لا حجا حتى
يتوبوا فإن ماتوا قبل التوبة كان حقا على الله أن يسقيهم بكل جرعة شربوها
في الدنيا من صديد جهنم ألا و كل مسكر خمر و كل خمر حرام ]
و يدخل
في قوله صلى الله عليه و سلم كل مسكر خمر : الحشيشة كما سيأتي الكلام
عليها إن شاء الله تعالى روي : [ أن شربة الخمر إذا أتوا على الصراط
يتخطفهم الزبانية إلى نهر الخبال فيسقون بكل كأس شربوها من الخمر شربة من
نهر الخبال فلو أن تلك الشربة تصب من السماء لأحرقت السماوات من حرها ]
نعوذ بالله منها
ذكر الآثار عن السلف في الخمر : ذكر ابن مسعود رضي
الله عنه قال : إذا مات شارب الخمر فادفنوه ثم اصلبوه على خشبة ثم انبشوا
عنه قبره فإن لم تروا وجهه مصروفا عن القبلة و إلا فاتركوه مصلوبا و عن
الفضيل بن عياض أنه حضر عند تلميذ له حضرته الوفاة فجعل يلقنه الشهادة و
لسانه لا ينطق بها فكررها عليه فقال : لا أقولها و أنا بريء منها فخرج
الفضيل من عنده و هو يبكي ثم رآه بعد مدة في منامه و هو يسحب به إلى النار
فقال له : يا مسكين بم نزعت منك المعرفة ؟ فقال : يا أستاذ كان بي علة
فأتيت بعض الأطباء فقال لي تشرب في كل سنة قدحا من الخمر و إن لم تفعل
تبقى بك علتك فكنت أشربها في كل سنة لأجل التداوي ! فهذا حال من شربها
للتداوي فكيف حال من يشربها لغير ذلك ؟ نسأل الله العفو و العافية من كل
بلاء
و سئل بعض التائبين عن سبب توبته فقال : كنت أنبش القبور فرأيت
فيها أمواتا مصروفين عن القبلة فسألت أهليهم عنهم فقالوا : كانوا يشربون
الخمر في الدنيا و ماتوا من غير توبة و قال بعض الصالحين : مات لي ولد
صغير فلما دفنته رأيته بعد موته في المنام و قد شاب رأسه فقلت : يا ولدي
دفنتك و أنت صغير فما الذي شيبك ؟ فقال : يا أبتي دفن إلى جانبي رجل ممن
كان يشرب الخمر في الدنيا فزفرت جهنم لقدومه زفرة لم يبق منها طفل إلا شاب
رأسه من شدة زفرتها نعوذ بالله منها و نسأل الله العفو و العافية مما يوجب
العذاب في الآخرة
فالواجب على العبد أن يتوب إلى الله تعالى قبل أن يدركه الموت و هو على
أشر حالة فيلقى في النار نعوذ بالله منه
فصل : و الحشيشة المصنوعة من ورق القنب حرام كالخمر يحد شاربها كما يحد
شارب الخمر و هي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل و المزاج حتى يصير
في الرجل تخنث و دياثة و غير ذلك من الفساد و الخمر أخبث من جهة أنها تفضي
إلى المخاصمة و المقاتلة و كلاهما يصد عن ذكر الله و عن الصلاة
و قد
توقف بعض العلماء المتأخرين في حدها و رأى أن أكلتها تعزر بما دون الحد
حيث ظنها تغير العقل من غير طرب بمنزلة البنج و لم يجد العلماء المتقدمين
فيها كلاما و ليس كذلك بل أكلتها ينشون و يشتهونها كشراب الخمر و أكثر حتى
لا يصبروا عنها و تصدهم عن ذكر الله و الصلاة إذا أكثرا منها مع ما فيها
من الدياثة و التخنث و فساد المزاج و العقل و غير ذلك لكن لما كانت جامدة
مطعومة ـ ليست شرابا ـ تنازع العلماء في نجاستها على ثلاثة أقوال في مذهب
الإمام أحمد و غيره فقيل : هي نجسة كالخمر المشروبة و هذا هو الإعتبار
الصحيح و قيل : لا لجمودها و قيل يفرق بين جامدها و مائعها و بكل حال :
فهي داخلة فيما حرم الله و رسوله من الخمر المسكر لفظا و معنى قال أبو
موسى : يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن البتع و هو من
العسل ينبذ حتى يشتد و المزر و هو الذرة و الشعير ينبذ حتى يشتد قال : و
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أعطى جوامع الكلم بخواتمه فقال صلى
الله عليه و سلم : [ كل مسكر حرام ] رواه مسلم و قال صلى الله عليه و سلم
: [ ما أسكر كثيره فقليله حرام ] و لم يفرق صلى الله عليه و سلم بين نوع و
نوع لكونه مأكولا أو مشروبا على أن الخمر قد يصطنع بها يعني الخبز و هذه
الحشيشة قد تذاب بالماء و تشرب و الخمر يشرب و يؤكل و الحشيشة تشرب و تؤكل
و إنما لم يذكرها العلماء لأنها لم تكن على عهد السلف الماضي و إنما حدثت
في مجيء التتار إلى بلاد الإسلام و قد قيل في وصفها شعرا :
( فآكلها و زارعها حلالا ... فتلك على الشقي مصيبتان )
فوالله ما فرح إبليس بمثل فرحه بالحشيشة لأنه زينها للأنفس الخسيسة
فاستحلوها و استرخصوها :
( قل لمن يأكل الحشيشة جهلا ... عشت بأكلها بأقبح عيشة )
( قيمة المرء جوهر فلماذا ... يا أخا الجهل بعته بحشيشة )
حكاية : عن عبد الملك بن مروان : أن شابا جاء إليه باكيا حزينا فقال : يا
أمير المؤمنين إني ارتكبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة ؟ قال و ما ذنبك ؟
قال : ذنبي عظيم قال : و ما هو فتب إلى الله تعالى فإنه يقبل التوبة عن
عباده و يعفو عن السيئات قال : يا أمير المؤمنين كنت أنبش القبور و كنت
أرى فيها أمورا عجيبة قال : و ما رأيت ؟ قال يا أمير المؤمنين نبشت ليلة
قبرا فرأيت صاحبه قد حول وجهه عن القبلة فخفت منه و أردت الخروج فإذا أنا
بقائل يقول في القبر : ألا تسأل عن الميت لماذا حول وجهه عن القبلة ؟ فقلت
: لماذا حول ؟ قال : لأنه كان مستخفا بالصلاة هذا جزاء مثله ثم نبشت قبرا
آخر فرأيت صاحبه قد حول خنزيرا و قد شد بالسلاسل و الأغلال في عنقه فخفت
منه و أردت الخروج و إذا بقائل يقول لي : ألا تسأل عن عمله و لماذا يعذب ؟
فقلت : لماذا ؟ فقال : كان يشرب الخمر في الدنيا و مات من غير توبة و
الثالث يا أمير المؤمنين نبشت قبرا فوجدت صاحبه قد شد بالأرض بأوتار من
نار و أخرج لسانه من قفاه فخفت و رجعت و أردت الخروج فنوديت : ألا تسأل عن
حاله لماذا ابتلي ؟ فقالت : لماذا ؟ فقال : كان لا يتحرز من البول و كان
ينقل الحديث بين الناس فهذا جزاء مثله و الرابع يا أمير المؤمنين نبشت
قبرا فوجدت صاحبه قد اشتعل نارا فخفت منه و أردت الخروج فقيل : ألا تسأل
عنه و عن حاله ؟ فقلت و ما حاله ؟ فقال : كان تاركا للصلاة و الخامس يا
أمير المؤمنين نبشت قبرا فرأيته قد وسع على الميت مد البصر و فيه نور ساطع
و الميت نائم على سرير و قد أشرق نوره و عليه ثياب حسنة فأخذتني منه هيبة
و أردت الخروج فقيل لي : هلا تسأل عن حاله لماذا أكرم بهذه الكرامة فقلت :
لماذا أكرم ؟ فقيل لي : لأنه كان شابا طائعا نشأ في طاعة الله عز و جل و
عبادته فقال عبد الملك عند ذلك : إن في هذا لعبرة للعاصين و بشارة
للطائعين فالواجب على المبتلي بهذه المعائب المبادرة إلى التوبة و الطاعة
جعلنا الله و إياكم من الطائعين و جنبنا أفعال الفاسقين إنه جواد كريم
الكبيرة العشرون : القمار
قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب
والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان
أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن
الصلاة فهل أنتم منتهون }
و الميسر هو القمار بأي نوع كان : نرد أو
شطرنج أو فصوص أو كعاب أو جوز أو بيض أو حصى أو غير و هو من أكل أموال
الناس بالباطل الذي نهى الله عنه بقوله : { و لا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل } و داخل في قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن رجالا يتخوضون
في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ] و في صحيح البخاري أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم قال : [ من قال لصاحبه تعالى أقامرك فليتصدق ]
فإذا كان مجرد القول يوجب الكفارة أو الصدقة فما ظنك بالفعل ؟ !
فصل
: اختلف العلماء في النرد و الشطرنج إذا خليا عن رهن اتفقوا على تحريم
اللعب بالنرد لما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من لعب
بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير و دمه ] أخرجه مسلم و قال صلى
الله عليه و سلم : [ من لعب بالنرد فقد عصى الله و رسوله ] و قال ابن عمر
رضي الله عنه اللعب بالنرد قمار كالدهن بودك الخنزير
قال : و أما
الشطرنج فأكثر العلماء على تحريم اللعب بها سواء كان برهن أو بغيره أما
الرهن فهو قمار بلا خلاف و أما الكلام إذا خلا عن الرهن فهو أيضا قمار
حرام عند أكثر العلماء و حكي إباحته في رواية عن الشافعي : إذا كان في
خلوة و لم يشغل عن واجب و لا عن صلاة في وقتها و سئل النووي رحمه الله عن
العب بالشطرنج أحرام أم جائز ؟ فأجاب رحمه الله تعالى : هو حرام عند أكثر
أهل العلم و سئل أيضا رحمه الله عن لعب الشطرنج هل يجوز أم لا و هل يأثم
اللاعب بها أم لا ؟ أجاب رحمه الله : إن فوت به صلاة عن وقتها أو لعب بها
على عوض فهو حرام و إلا فمكروه عند الشافعي و حرام عند غيره و هذا كلام
النووي في فتاويه
و الدليل على تحريمه على قول الأكثرين في قول الله
تعالى : { حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير } إلى قوله { و أن
تستقسموا بالأزلام } قال سفيان و وكيع بن الجراح : هي الشطرنج و قال علي
بن أبي طالب رضي الله عنه : الشطرنج ميس الأعاجم و مر رضي الله عنه على
قوم يلعبون بها فقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ لأن يمس
أحدكم جمرا حتى يطفى خير له من أن يمسها ثم قال : و الله لغير هذا خلقتم و
قال أيضا رضي الله عنه : صاحب الشطرنج أكذب الناس يقول أحدهم : قتلت و ما
قتل و مات و ما مات و قال أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه : لا يلعب
بالشطرنج إلا خاطىء
و قيل لاسحاق بن راهوية أترى في اللعب بالشطرنج
بأس ؟ فقال : البأس كله فيه فقيل له : إن أهل الثغور يلعبون بها لأجل
الحرب فقال : هو فجور و سئل محمد بن كعب القرظي عن اللعب بالشطرنج فقال :
أدنى ما يكون فيها أن اللاعب بها يعرض يوم القيامة أو قال يحشر يوم
القيامة مع أصحاب الباطل
و سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن الشطرنج
فقال : هي أشر من النرد و تقدم الكلام عن تحريمه و سئل الإمام مالك بن أنس
رحمه الله عن الشطرنج فقال : الشطرنج من النرد بلغنا عن ابن عباس أنه ولي
مالا ليتيم فوجدها فوجدها في تركة والد اليتيم فأحرقها و لو كان اللعب بها
حلالا لما جاز له أن يحرقها لكونها مال اليتيم و لكن لما كان اللعب بها
حراما أحرقها فتكون من جنس الخمر إذا وجد في مال اليتيم وجبت إراقته كذلك
الشطرنج و هذا مذهب حبر الأمة رضي الله عنه و قيل لإبراهيم النخعي : ما
تقول في اللعب بالشطرنج ؟ فقال : إنها ملعونة
و روى أبو بكر الأثرم
في جامعه [ عن واثلة بن الأسقع عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن
الله في كل يوم ثلثمائة رضي الله عنه ستين نظرة إلى خلقه ليس لصاحب الشاه
فيها نصيب ـ يعني لا عب الشطرنج لأنه يقول شاه مات ] و روى أبو بكر الأجري
باسناده [ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الأزلام النرد و الشطرنج و ما
كان من اللهو فلا تسلموا عليهم فإنهم إذا اجتمعوا و أكبوا عليها جاءهم
الشيطان بجنوده فأحدق بهم كلما ذهب واحد منهم يصرف بصره عنها لكزه الشيطان
بجنوده فلا يزالون يلعبون حتى يتفرقوا كالكلاب اجتمعت على جيفة فأكلت منها
حتى ملأت بطونها ثم تفرقت و لأنهم يكذبون عليها فيقولون : شاه مات ] و روي
عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أشد الناس عذابا يوم القيامة صاحب
الشاه يعني صاحب الشطرنج ألا تراه يقول قتلته و الله مات و الله افترى و
كذب على الله ]
و قال مجاهد : ما من ميت يموت إلا مثل له جلساؤه
الذين كان يجالسهم فاحتضر رجل ممن كان يلعب بالشطرنج فقيل له : قل لا إله
إلا الله فقال : شاهك ثم مات فغلب على لسانه ما كان يعتاده حال حياته في
اللعب فقال عوض كلمة الإخلاص : شاهك و هذا كما جاء في إنسان آخر ممن كان
يجالس شراب الخمر إنه حين حضره الموت فجاءه إنسان يلقنه الشهادة فقال له :
اشرب و اسقني ثم مات فلا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم و هذا كما
جاء في حديث مروي : يموت كل إنسان على ما عاش عليه و يبعث على ما مات عليه
فنسأل الله المنان بفضله أن يتوفانا مسلمين لا مبدلين و لا مغيرين و لا
ضالين و لا زائغين إنه جواد كريم
قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب
والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان
أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن
الصلاة فهل أنتم منتهون } فقد نهى عز و جل في هذه الآية عن الخمر و حذر
منها و قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث
] فمن لم يجتنبها فقد عصى الله و رسوله و استحق العذاب بمعصية الله و
رسوله قال الله تعالى : { و من يعص الله و رسوله و يتعد حدوده يدخله نارا
خالدا فيها و له عذاب مهين }
و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزل تحريم الخمر مشى الصحابة
بعضهم إلى بعض و قالوا حرمت الخمر و جعلت عدلا للشرك
و ذهب عبد الله بن عمرو إلى أن الخمر أكبر الكبائر و هي بلا ريب أم
الخبائث و قد لعن شاربها في غير حديث و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ كل مسكر خمر و كل خمر حرام و من
شرب الخمر في الدنيا و مات و لم يتب منها و هو مدمنها لم يشربها في الآخرة
] رواه مسلم و روى مسلم : [ عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : إن على الله عهدا لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة
الخبال قيل : يا رسول الله و ما طينة الخبال ؟ قال : عرق أهل النار أو
عصارة أهل النار ]
و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ من شرب الخمر في
الدنيا يحرمها في الآخرة ]
ذكر أن مدمن الخمر كعابد وثن : رواه الإمام أحمد في مسنده [ من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : مدمن الخمر
كعابد وثن ]
ذكر أن مدمن الخمر إذا مات و لم يتب لا يدخل الجنة :
روى النسائي [ من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا
يدخل الجنة عاق و لا مدمن خمر ] و في رواية [ ثلاثة قد حرم الله عليهم
الجنة مدمن الخمر و العاق لوالديه و الديوث و هو الذي يقر السوء في أهله ]
ذكر أن السكران لا يقبل منه حسنة : روى [ جابر بن عبد الله أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم قال : ثلاثة لا تقبل لهم صلاة و لا ترفع لهم
حسنة إلى السماء : العبد الآبق حتى يرجع إلى مواليه فيضع يده في أيديهم و
المرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى عنها و السكران حتى يصحو ]
و
الخمر ما خامر العقل أي غطاه سواء كان رطبا أو يابسا أو مأكولا أو مشروبا
و [ عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا
يقبل الله لشارب الخمر صلاة ما دام في جسده شيء منها ] و في رواية [ من
شرب الخمر لم يقبل الله منه شيئا و من سكر منها لم تقبل له صلاة أربعين
صباحا فإن تاب ثم عاد كان حقا على الله أن يسقيه من مهل جهنم ] و قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : [ من شرب الخمر و لم يسكر أعرض الله عنه
أربعين ليلة و من شرب الخمر و سكر لم يقبل الله منه صرفا و لا عدلا أربعين
ليلة فإن مات فيها مات كعابد وثن و كان حقا على الله أن يسقيه من طينة
الخبال قيل : يا رسول الله و ما طينة الخبال ؟ قال : عصارة أهل النار
القيح و الدم ]
و قال عبد الله بن أبي أوفى : من مات مدمنا للخمر
مات كعابد اللات و العزى قيل : أرأيت مدمن الخمر هو الذي لا يستفيق من
شربها ؟ قال : لا و لكن هو الذي يشربها إذا وجدها و لو بعد سنين
ذكر
أن من شرب الخمر لا يكون مؤمنا حين يشربها : [ عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه و سلم : لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن و لا يزني الزاني
حين يزني و هو مؤمن و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن و التوبة معروضة
بعد ] أخرجه البخاري و في الحديث : [ من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه
الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه ] و فيه : من شرب الحمر ممسيا
أصبح مشركا و من شربها مصبحا أمسى مشركا و فيه عن النبي صلى الله عليه و
سلم أنه قال : [ إن رائحة الجنة لتوجد من مسيرة خمسمائة عام و لا يجد
ريحها عاق و لا منان و لا مدمن خمر و لا عابد وثن ] و روى الإمام أحمد من
[ حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
و سلم : لا يدخل الجنة مدمن خمر و لا مؤمن بسحر و لا قاطع رحم و من مات و
هو يشرب الخمر سقاه الله من نهر الغوطة و هو ماء يجري من فروج المومسات ـ
أي الزانيات يؤذي أهل النار ريح فروجهن ]
و قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : [ إن الله بعثني رحمة و هدى للعالمين بعثني لأمحق المعازف و
المزامير و أمر الجاهلية و أقسم ربي تعالى بعزته لا يشرب عبد من عبيدي
جرعة من الخمر إلا سقيته مثلها من حميم جهنم و لا يدعها عبد من عبيدي من
مخافتي إلا سقيته إياها في حظائر القدس مع خير الندماء ]
ذكر من لعن
في الخمر : روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لعنت
الخمر بعينها و شاربها و ساقيها و بائعها و مبتاعها و عاصرها و معتصرها و
حاملها و المحمولة إليه و آكل ثمنها ] و رواه الإمام أحمد من حديث ابن
عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ أتاني جبريل عليه
السلام فقال : يا محمد إن الله لعن الخمر و عاصرها و معتصرها و بائعها و
مبتاعها و شاربها و آكل ثمنها و حاملها و المحمولة إليه و ساقيها و
مستقيها ]
ذكر النهي عن عيادة شربة الخمر إذا مرضوا و كذلك لا يسلم عليهم :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : لا تعودوا شراب الخمر
إذا مرضوا قال البخاري و قال ابن عمر لا تسلموا على شربة الخمر و قال صلى
الله عليه و سلم : [ لا تجالسوا شراب الخمر و لا تعودوا مرضاهم و لا
تشهدوا جنائزهم و إن شارب الخمر يجيء يوم القيامة مسودا وجهه مدلعا لسانه
على صدره يسيل لعابه يقذره كل من رآه و عرفه أنه شارب خمر ]
قال بعض
العلماء : إنما نهى عن عيادتهم و السلام عليهم لأن شارب الخمر فاسق ملعون
قد لعنه الله و رسوله كما تقدم في قوله : لعن الله الخمور و شاربها الحديث
فإن اشتراها و عصرها كان ملعونا مرتين و إن سقاها لغيره كان ملعونا ثلاث
مرات فلذلك نهى عن عيادته و السلام عليه إلا أن يتوب فمن تاب تاب الله
عليه
ذكر أن الخمر لا يحل التداوي بها : [ عن أم سلمة رضي الله عنها
قالت : اشتكت ابنة لي فنبذت لها في كوز فدخل علي رسول الله صلى الله عليه
و سلم و هو يغلي فقال : ما هذا يا أم سلمة ؟ فذكرت له أني أداوي به ابنتي
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله تعالى لم يجعل شفاء أمتي
فيما حرم عليها ]
ذكر أحاديث متفرقة رويت في الخمر : من ذلك ما ذكره
أبو نعيم في الحلية عن أبي موسى رضي الله عنه قال : أتي النبي صلى الله
عليه و سلم بنبيذ في جرة له نشيش فقال : [ اضربوا بهذا الحائط فإن هذا شرب
من لا يؤمن بالله و اليوم الآخر ]
و قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم : [ من كان في صدره آية من كتاب الله و صب عليها الخمر يجيء يوم
القيامة كل حرف من تلك الآية فيأخذ بناصيته حتى يوقفه بين يدي الله تبارك
و تعالى فيخاصمه و من خاصمه القرآن خصم فالويل لمن كان القرآن خصمه يوم
القيامة ] و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما من قوم اجتمعوا على
مسكر في الدنيا إلا جمعهم الله في النار فيقبل بعضهم على بعض يتلاومون
يقول أحدهم للآخر : يا فلان لا جزاك الله عني خيرا فأنت الذي أوردتني هذا
المورد و يقول له الآخر مثل ذلك ] و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه
قال : [ من شرب الخمر في الدنيا سقاه الله من سم الأساودة شربة يتساقط لحم
وجهه في الإناء قبل أن يشربها فإذا شربها تساقط لحمه و جلده يتأذى به أهل
النار ألا وشاربها و عاصرها و معتصرها و حاملها و المحمولة إليه و آكل
ثمنها شركاء في إثمها لا يقبل الله منهم صلاة و لا صوم و لا حجا حتى
يتوبوا فإن ماتوا قبل التوبة كان حقا على الله أن يسقيهم بكل جرعة شربوها
في الدنيا من صديد جهنم ألا و كل مسكر خمر و كل خمر حرام ]
و يدخل
في قوله صلى الله عليه و سلم كل مسكر خمر : الحشيشة كما سيأتي الكلام
عليها إن شاء الله تعالى روي : [ أن شربة الخمر إذا أتوا على الصراط
يتخطفهم الزبانية إلى نهر الخبال فيسقون بكل كأس شربوها من الخمر شربة من
نهر الخبال فلو أن تلك الشربة تصب من السماء لأحرقت السماوات من حرها ]
نعوذ بالله منها
ذكر الآثار عن السلف في الخمر : ذكر ابن مسعود رضي
الله عنه قال : إذا مات شارب الخمر فادفنوه ثم اصلبوه على خشبة ثم انبشوا
عنه قبره فإن لم تروا وجهه مصروفا عن القبلة و إلا فاتركوه مصلوبا و عن
الفضيل بن عياض أنه حضر عند تلميذ له حضرته الوفاة فجعل يلقنه الشهادة و
لسانه لا ينطق بها فكررها عليه فقال : لا أقولها و أنا بريء منها فخرج
الفضيل من عنده و هو يبكي ثم رآه بعد مدة في منامه و هو يسحب به إلى النار
فقال له : يا مسكين بم نزعت منك المعرفة ؟ فقال : يا أستاذ كان بي علة
فأتيت بعض الأطباء فقال لي تشرب في كل سنة قدحا من الخمر و إن لم تفعل
تبقى بك علتك فكنت أشربها في كل سنة لأجل التداوي ! فهذا حال من شربها
للتداوي فكيف حال من يشربها لغير ذلك ؟ نسأل الله العفو و العافية من كل
بلاء
و سئل بعض التائبين عن سبب توبته فقال : كنت أنبش القبور فرأيت
فيها أمواتا مصروفين عن القبلة فسألت أهليهم عنهم فقالوا : كانوا يشربون
الخمر في الدنيا و ماتوا من غير توبة و قال بعض الصالحين : مات لي ولد
صغير فلما دفنته رأيته بعد موته في المنام و قد شاب رأسه فقلت : يا ولدي
دفنتك و أنت صغير فما الذي شيبك ؟ فقال : يا أبتي دفن إلى جانبي رجل ممن
كان يشرب الخمر في الدنيا فزفرت جهنم لقدومه زفرة لم يبق منها طفل إلا شاب
رأسه من شدة زفرتها نعوذ بالله منها و نسأل الله العفو و العافية مما يوجب
العذاب في الآخرة
فالواجب على العبد أن يتوب إلى الله تعالى قبل أن يدركه الموت و هو على
أشر حالة فيلقى في النار نعوذ بالله منه
فصل : و الحشيشة المصنوعة من ورق القنب حرام كالخمر يحد شاربها كما يحد
شارب الخمر و هي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل و المزاج حتى يصير
في الرجل تخنث و دياثة و غير ذلك من الفساد و الخمر أخبث من جهة أنها تفضي
إلى المخاصمة و المقاتلة و كلاهما يصد عن ذكر الله و عن الصلاة
و قد
توقف بعض العلماء المتأخرين في حدها و رأى أن أكلتها تعزر بما دون الحد
حيث ظنها تغير العقل من غير طرب بمنزلة البنج و لم يجد العلماء المتقدمين
فيها كلاما و ليس كذلك بل أكلتها ينشون و يشتهونها كشراب الخمر و أكثر حتى
لا يصبروا عنها و تصدهم عن ذكر الله و الصلاة إذا أكثرا منها مع ما فيها
من الدياثة و التخنث و فساد المزاج و العقل و غير ذلك لكن لما كانت جامدة
مطعومة ـ ليست شرابا ـ تنازع العلماء في نجاستها على ثلاثة أقوال في مذهب
الإمام أحمد و غيره فقيل : هي نجسة كالخمر المشروبة و هذا هو الإعتبار
الصحيح و قيل : لا لجمودها و قيل يفرق بين جامدها و مائعها و بكل حال :
فهي داخلة فيما حرم الله و رسوله من الخمر المسكر لفظا و معنى قال أبو
موسى : يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن البتع و هو من
العسل ينبذ حتى يشتد و المزر و هو الذرة و الشعير ينبذ حتى يشتد قال : و
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أعطى جوامع الكلم بخواتمه فقال صلى
الله عليه و سلم : [ كل مسكر حرام ] رواه مسلم و قال صلى الله عليه و سلم
: [ ما أسكر كثيره فقليله حرام ] و لم يفرق صلى الله عليه و سلم بين نوع و
نوع لكونه مأكولا أو مشروبا على أن الخمر قد يصطنع بها يعني الخبز و هذه
الحشيشة قد تذاب بالماء و تشرب و الخمر يشرب و يؤكل و الحشيشة تشرب و تؤكل
و إنما لم يذكرها العلماء لأنها لم تكن على عهد السلف الماضي و إنما حدثت
في مجيء التتار إلى بلاد الإسلام و قد قيل في وصفها شعرا :
( فآكلها و زارعها حلالا ... فتلك على الشقي مصيبتان )
فوالله ما فرح إبليس بمثل فرحه بالحشيشة لأنه زينها للأنفس الخسيسة
فاستحلوها و استرخصوها :
( قل لمن يأكل الحشيشة جهلا ... عشت بأكلها بأقبح عيشة )
( قيمة المرء جوهر فلماذا ... يا أخا الجهل بعته بحشيشة )
حكاية : عن عبد الملك بن مروان : أن شابا جاء إليه باكيا حزينا فقال : يا
أمير المؤمنين إني ارتكبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة ؟ قال و ما ذنبك ؟
قال : ذنبي عظيم قال : و ما هو فتب إلى الله تعالى فإنه يقبل التوبة عن
عباده و يعفو عن السيئات قال : يا أمير المؤمنين كنت أنبش القبور و كنت
أرى فيها أمورا عجيبة قال : و ما رأيت ؟ قال يا أمير المؤمنين نبشت ليلة
قبرا فرأيت صاحبه قد حول وجهه عن القبلة فخفت منه و أردت الخروج فإذا أنا
بقائل يقول في القبر : ألا تسأل عن الميت لماذا حول وجهه عن القبلة ؟ فقلت
: لماذا حول ؟ قال : لأنه كان مستخفا بالصلاة هذا جزاء مثله ثم نبشت قبرا
آخر فرأيت صاحبه قد حول خنزيرا و قد شد بالسلاسل و الأغلال في عنقه فخفت
منه و أردت الخروج و إذا بقائل يقول لي : ألا تسأل عن عمله و لماذا يعذب ؟
فقلت : لماذا ؟ فقال : كان يشرب الخمر في الدنيا و مات من غير توبة و
الثالث يا أمير المؤمنين نبشت قبرا فوجدت صاحبه قد شد بالأرض بأوتار من
نار و أخرج لسانه من قفاه فخفت و رجعت و أردت الخروج فنوديت : ألا تسأل عن
حاله لماذا ابتلي ؟ فقالت : لماذا ؟ فقال : كان لا يتحرز من البول و كان
ينقل الحديث بين الناس فهذا جزاء مثله و الرابع يا أمير المؤمنين نبشت
قبرا فوجدت صاحبه قد اشتعل نارا فخفت منه و أردت الخروج فقيل : ألا تسأل
عنه و عن حاله ؟ فقلت و ما حاله ؟ فقال : كان تاركا للصلاة و الخامس يا
أمير المؤمنين نبشت قبرا فرأيته قد وسع على الميت مد البصر و فيه نور ساطع
و الميت نائم على سرير و قد أشرق نوره و عليه ثياب حسنة فأخذتني منه هيبة
و أردت الخروج فقيل لي : هلا تسأل عن حاله لماذا أكرم بهذه الكرامة فقلت :
لماذا أكرم ؟ فقيل لي : لأنه كان شابا طائعا نشأ في طاعة الله عز و جل و
عبادته فقال عبد الملك عند ذلك : إن في هذا لعبرة للعاصين و بشارة
للطائعين فالواجب على المبتلي بهذه المعائب المبادرة إلى التوبة و الطاعة
جعلنا الله و إياكم من الطائعين و جنبنا أفعال الفاسقين إنه جواد كريم
قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب
والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان
أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن
الصلاة فهل أنتم منتهون }
و الميسر هو القمار بأي نوع كان : نرد أو
شطرنج أو فصوص أو كعاب أو جوز أو بيض أو حصى أو غير و هو من أكل أموال
الناس بالباطل الذي نهى الله عنه بقوله : { و لا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل } و داخل في قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن رجالا يتخوضون
في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ] و في صحيح البخاري أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم قال : [ من قال لصاحبه تعالى أقامرك فليتصدق ]
فإذا كان مجرد القول يوجب الكفارة أو الصدقة فما ظنك بالفعل ؟ !
فصل
: اختلف العلماء في النرد و الشطرنج إذا خليا عن رهن اتفقوا على تحريم
اللعب بالنرد لما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من لعب
بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير و دمه ] أخرجه مسلم و قال صلى
الله عليه و سلم : [ من لعب بالنرد فقد عصى الله و رسوله ] و قال ابن عمر
رضي الله عنه اللعب بالنرد قمار كالدهن بودك الخنزير
قال : و أما
الشطرنج فأكثر العلماء على تحريم اللعب بها سواء كان برهن أو بغيره أما
الرهن فهو قمار بلا خلاف و أما الكلام إذا خلا عن الرهن فهو أيضا قمار
حرام عند أكثر العلماء و حكي إباحته في رواية عن الشافعي : إذا كان في
خلوة و لم يشغل عن واجب و لا عن صلاة في وقتها و سئل النووي رحمه الله عن
العب بالشطرنج أحرام أم جائز ؟ فأجاب رحمه الله تعالى : هو حرام عند أكثر
أهل العلم و سئل أيضا رحمه الله عن لعب الشطرنج هل يجوز أم لا و هل يأثم
اللاعب بها أم لا ؟ أجاب رحمه الله : إن فوت به صلاة عن وقتها أو لعب بها
على عوض فهو حرام و إلا فمكروه عند الشافعي و حرام عند غيره و هذا كلام
النووي في فتاويه
و الدليل على تحريمه على قول الأكثرين في قول الله
تعالى : { حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير } إلى قوله { و أن
تستقسموا بالأزلام } قال سفيان و وكيع بن الجراح : هي الشطرنج و قال علي
بن أبي طالب رضي الله عنه : الشطرنج ميس الأعاجم و مر رضي الله عنه على
قوم يلعبون بها فقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ لأن يمس
أحدكم جمرا حتى يطفى خير له من أن يمسها ثم قال : و الله لغير هذا خلقتم و
قال أيضا رضي الله عنه : صاحب الشطرنج أكذب الناس يقول أحدهم : قتلت و ما
قتل و مات و ما مات و قال أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه : لا يلعب
بالشطرنج إلا خاطىء
و قيل لاسحاق بن راهوية أترى في اللعب بالشطرنج
بأس ؟ فقال : البأس كله فيه فقيل له : إن أهل الثغور يلعبون بها لأجل
الحرب فقال : هو فجور و سئل محمد بن كعب القرظي عن اللعب بالشطرنج فقال :
أدنى ما يكون فيها أن اللاعب بها يعرض يوم القيامة أو قال يحشر يوم
القيامة مع أصحاب الباطل
و سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن الشطرنج
فقال : هي أشر من النرد و تقدم الكلام عن تحريمه و سئل الإمام مالك بن أنس
رحمه الله عن الشطرنج فقال : الشطرنج من النرد بلغنا عن ابن عباس أنه ولي
مالا ليتيم فوجدها فوجدها في تركة والد اليتيم فأحرقها و لو كان اللعب بها
حلالا لما جاز له أن يحرقها لكونها مال اليتيم و لكن لما كان اللعب بها
حراما أحرقها فتكون من جنس الخمر إذا وجد في مال اليتيم وجبت إراقته كذلك
الشطرنج و هذا مذهب حبر الأمة رضي الله عنه و قيل لإبراهيم النخعي : ما
تقول في اللعب بالشطرنج ؟ فقال : إنها ملعونة
و روى أبو بكر الأثرم
في جامعه [ عن واثلة بن الأسقع عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن
الله في كل يوم ثلثمائة رضي الله عنه ستين نظرة إلى خلقه ليس لصاحب الشاه
فيها نصيب ـ يعني لا عب الشطرنج لأنه يقول شاه مات ] و روى أبو بكر الأجري
باسناده [ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الأزلام النرد و الشطرنج و ما
كان من اللهو فلا تسلموا عليهم فإنهم إذا اجتمعوا و أكبوا عليها جاءهم
الشيطان بجنوده فأحدق بهم كلما ذهب واحد منهم يصرف بصره عنها لكزه الشيطان
بجنوده فلا يزالون يلعبون حتى يتفرقوا كالكلاب اجتمعت على جيفة فأكلت منها
حتى ملأت بطونها ثم تفرقت و لأنهم يكذبون عليها فيقولون : شاه مات ] و روي
عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أشد الناس عذابا يوم القيامة صاحب
الشاه يعني صاحب الشطرنج ألا تراه يقول قتلته و الله مات و الله افترى و
كذب على الله ]
و قال مجاهد : ما من ميت يموت إلا مثل له جلساؤه
الذين كان يجالسهم فاحتضر رجل ممن كان يلعب بالشطرنج فقيل له : قل لا إله
إلا الله فقال : شاهك ثم مات فغلب على لسانه ما كان يعتاده حال حياته في
اللعب فقال عوض كلمة الإخلاص : شاهك و هذا كما جاء في إنسان آخر ممن كان
يجالس شراب الخمر إنه حين حضره الموت فجاءه إنسان يلقنه الشهادة فقال له :
اشرب و اسقني ثم مات فلا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم و هذا كما
جاء في حديث مروي : يموت كل إنسان على ما عاش عليه و يبعث على ما مات عليه
فنسأل الله المنان بفضله أن يتوفانا مسلمين لا مبدلين و لا مغيرين و لا
ضالين و لا زائغين إنه جواد كريم
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الكبيرة الحادية و العشرون : قذف المحصنات
قال الله تعالى :
{ إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة
ولهم عذاب عظيم * يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا
يعملون }
و قال الله تعالى : { و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا
بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا و أولئك هم
الفاسقون }
بين الله تعالى في الآية أن من قذف امرأة محصنة حرة
عفيفة عن الزنا و الفاحشة إنه ملعون في الدنيا و الآخرة و له عذاب عظيم و
عليه في الدنيا الحد ثمانون جلدة و تسقط شهادته و إن كان عدلا و في
الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ اجتنبوا السبع
الموبقات ] فذكر منها قذف المحصنات الغافلات المؤمنات و القذف أن يقول
لامرأة أجنبية حرة عفيفة مسلمة : يا زانية أو يا باغية أو يا قحبة أو يقول
لزوجها : يا زوج القحبة أو يقول لولدها : يا ولد الزانية أو يا ابن القحبة
أو يقول لبنتها يا بنت الزانية أو يا بنت القحبة فإن القحبة عبارة عن
الزانية فإذا قال ذلك أحد من رجل أو امرأة كمن قال لرجل : يا زاني أو لصبي
حر يا علق أو يا منكوح وجب عليه الحد ثمانون جلدة إلا أن يقيم بينة بذلك و
البينة كما قال الله : أربعة شهداء يشهدون على صدقه فيما قذف به تلك
المرأة أو ذاك الرجل فإن لم يقم بينة جلد إذا طالبته بذلك التي قذفها أو
إذا طالبه بذلك الذي قذفه و كذلك إذا قذف مملوكه أو جاريته بأن قال
لمملوكه : يا زاني أو لجاريته يا زانية أو يا باغية أو يا قحبة لما ثبت في
الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من قذف مملوكه
بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال ] و كثير من
الجهال واقعون في هذا الكلام الفاحش الذي عليهم فيه العقوبة في الدنيا و
الآخرة و لهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال
: [ إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها النار أبعد مما بين
المشرق و المغرب فقال له معاذ بن جبل يا رسول الله و إنا لمؤاخذون بما
نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك يا معاذ و هل يكب الناس في النار على وجوههم
إلا حصائد ألسنتهم ؟ ] و في الحديث : [ من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر
فليقل خيرا أو ليصمت ] و قال الله تبارك و تعالى في كتابه العزيز : { ما
يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } و قال عقبة بن عامر : يا رسول الله ما
النجاة ؟ قال : [ أمسك عليك لسانك و ليسعك بيتك و ابك على خطيئتك و إن
أبعد الناس إلى الله القلب القاسي ]
و قال صلى الله عليه و سلم : [
إن أبغض الناس إلى الله الفاحش المبذي الذي يتكلم بالفحش و رديء الكلام ]
وقانا الله و إياكم شر ألسنتنا بمنه و كرمه إنه جواد كريم
الكبيرة الثانية و العشرون : الغلول من الغنيمة
و هي من بيت المال و من الزكاة قال الله تعالى :
{ إن الله لا يحب الخائنين } و قال الله تعالى { و ما كان لنبي أن يغل و
من يغلل يأت بما غل يوم القيامة }
و في صحيح مسلم [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى
الله عليه و سلم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه و عظم أمره ثم قال لا ألفين
أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول : يا رسول الله أغثني
فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم
القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا
أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على
رقبته شاة لها ثغاء يقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك من الله
شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح
فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا
ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع يخفق فيقول : يا رسول الله
أغثني فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم
القيامة على رقبته صامت فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من
الله شيئا قد أبلغتك ] أخرج هذا الحديث مسلم
قوله : على رقبته رقاع
تخفق ـ أي ثياب و قماش قوله : على رقبته صامت ـ أي ذهب أو فضة فمن أخذ
شيئا من هذه الأنواع المذكورة من الغنيمة قبل أن تقسم بين الغانمين أو من
بيت المال بغير إذن الإمام أو من الزكاة التي تجمع للفقراء جاء يوم
القيامة حامله على رقبته كما ذكر الله تعالى في القرآن { و من يغلل يأت
بما غل يوم القيامة }
و لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أدوا
الخيط و المخيط و إياكم و الغلول بأنه عار على صاحبه يوم القيامة ] و [
لقول النبي صلى الله عليه و سلم لما استعمل ابن اللتيبة على الصدقة و قدم
و قال : هذا لكم و هذا أهدي لي فصعد النبي صلى الله عليه و سلم المنبر و
حمد الله و أثنى عليه إلى أن قال : و الله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه
إلا جاء يوم القيامة يحمله فلا أعرف رجلا منكم لقي الله يحمل بعيرا له
رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيصر ثم رفع يده صلى الله عليه و سلم فقال :
اللهم هل بلغت ؟ ]
و [ عن أبي هريرة قال : خرجنا مع رسول الله صلى
الله عليه و سلم إلى خيبر ففتح علينا فلم نغنم ذهبا و لا ورقا غنمنا
المتاع ـ الطعام ـ و الثياب ثم انطلقنا إلى الوادي ـ يعني وادي القرى ـ و
مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد وهبه له رجل من بني جذام يدعى رفاعة
بن يزيد من بني الضبيب فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول الله صلى الله عليه
و سلم يحل رحله فرمي بسهم فكان به حتفه فقلنا : هنيئا له بالشهادة يا رسول
الله فقال رسول الله : كلا و الذي نفسي بيده إن الشملة لتلتهب عليه نارا
أخذها من الغنائم لم تصبها المقاسم قال ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو
شراكين فقال : أصبت يوم خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم شراك أو
شراكان من نار ] متفق عليه و [ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :
كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل يقال له كركرة فمات فقال
النبي صلى الله عليه و سلم : هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة
قد غلها ] و [ عن زيد بن خالد الجهني أن رجلا غل في غزوة خيبر فامتنع
النبي صلى الله عليه و سلم من الصلاة عليه و قال : إن صاحبكم غل في سبيل
الله قال ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز اليهود ما يساوي درهمين ] و
قال الإمام أحمد رحمه الله : ما نعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم امتنع
من الصلاة على أحد إلا على الغال و قاتل نفسه و جاء عن النبي صلى الله
عليه و سلم أنه قال : [ هدايا العمال غلول ]
و في الباب أحاديث
كثيرة و يأتي بعضها في باب الظلم و الظلم على ثلاثة أقسام : أحدهما : أكل
المال بالباطل و ثانيها : ظلم العباد بالقتل و الضرب و الكسر و الجراح و
ثالثها : ظلم العباد بالشتم و اللعن و السب و القذف و قد خطب النبي صلى
الله عليه و سلم بمنى فقال : [ ألا إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم
حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ] متفق عليه
و قال صلى الله عليه و سلم : [ لا يقبل الله صلاة بغير طهور و لا صدقة من
غلول ] فنسأل الله التوفيق لما يحب و يرضى أنه جواد كريم
الكبيرة الثالثة و العشرون : السرقة
قال الله تعالى : { السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا
من الله و الله عزيز حكيم }
قال ابن شهاب : نكل الله بالقطع في سرقة أموال الناس و الله عزيز في
انتقامه من السارق حكيم فيما أوجبه من قطع يده
و قال صلى الله عليه و سلم : [ لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن و لا
يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن و لكن التوبة معروضة ]
و [ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قطع في مجن
قيمته ثلاثة دراهم ] و [ عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى
الله عليه و سلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا و في رواية قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن ] قيل
لعائشة رضي الله عنها : و ما ثمن المجن ؟ قالت : ربع دينار و في رواية قال
: [ اقطعوا في ربع دينار و لا تقطعوا فيما دون ذلك ] كان ربع الدينار
يومئذ ثلاثة دراهم و الدينار اثني عشر درهما
و [ عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لعن الله السارق الذي
يسرق البيضة فتقطع يده و يسرق الحبل فتقطع يده ] قال الأعمش كانوا يرون
أنه بيض الحديد و الحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي ثمنه ثلاثة دراهم
و [ عن عائشة رضي الله عنها قالت : كانت مخزومية تستعير المتاع و تجحده
فأمر النبي صلى الله عليه و سلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه
فيها فكلم النبي صلى الله عليه و سلم فقال له النبي صلى الله عليه و سلم :
يا أسامة لا أراك تشفع في حد من حدود الله تعالى ثم قام النبي صلى الله
عليه و سلم خطيبا فقال : إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم
الشريف تركوه و إذا سرق فيهم الضعيف قطعوه و الذي نفسي بيده لو أن فاطمة
بنت محمد سرقت لقطعت يدها ] فقطع يد المخزومية
و عن عبد الرحمن بن
جرير قال : سألنا فضالة بن عبيد عن تعليق يد السارق في عنقه أمن السنة ؟
قال : [ أتي النبي صلى الله عليه و سلم بسارق فقطع يده ثم أمر بها فعلقت
في عنقه ] قال العلماء : و لا تنفع السارق توبته إلا أن يرد ما سرقه فإن
كان مفلسا تحلل من صاحب المال و الله أعلم
الكبيرة الرابعة و العشرون : قطع الطريق
قال الله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في
الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو
ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم }
قال الواحدي رحمه الله : معنى يحاربون الله و رسوله يعصونهما و لا
يطيعونهما كل من عصاك فهو محارب لك و يسعون في الأرض فسادا أي بالقتل و
السرقة و أخذ الأموال و كل من أخذ السلاح على المؤمنين فهو محارب لله و
رسوله و هذا قول مالك و الأوزاعي و الشافعي قوله تعالى : { أن يقتلوا }
إلى قوله { أو ينفوا من الأرض } قال الوالبي عن ابن عباس رضي الله عنهما
أو أدخلت للتخير و معناها الإباحة إن شاء الإمام قتل و إن شاء صلب و إن
شاء نفى و هذا قول الحسن و سعيد بن المسيب و مجاهد و قال في رواية عطية أو
ليست للإباحة إنما هي مرتبة للحكم باختلاف الجنايات فمن قتل و أخذ المال
قتل و صلب و من أخذ المال و لم يقتل قطع و من سفك الدماء و كف عن الأموال
قتل و من أخاف السبيل و لم يقتل نفي من الأرض و هذا مذهب الشافعي رضي الله
عنه و قال الشافعي أيضا : يحد كل واحد بقدر فعله فمن وجب عليه القتل و
الصلب قتل قبل صلبه كراهية تعذيبه و يصلب ثلاثا ثم ينزل و من وجب عليه
القتل دون الصلب قتل و دفع إلى أهله يدفنونه و من وجب عليه القطع دون
القتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت فإن عاد و سرق ثانية قطعت رجله اليسرى فإن
عاد و سرق قطعت يده اليسرى لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال في
السارق : [ إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا
يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ] و لأنه فعل أبو بكر و عمر رضي الله عنهما و
لا مخالف لهما من الصحابة و وجه كونها اليسرى اتفاق من صار إلى قطع الرجل
بعد اليد على أنها اليسرى و ذلك معنى قوله تعالى { من خلاف }
و قوله
تعالى : { أو ينفوا من الأرض } قال ابن عباس : هو أن يهدر الإمام دمه
فيقول من لقيه فليقتله هذا فيمن يقدر عليه فأما من قبض عليه فنفيه من
الأرض الحبس و السجن لأنه إذا حبس و منع من التقلب في البلاد فقد نفي منها
أنشد ابن قتيبة لبعض المسجونين سعرا :
( خرجنا من الدنيا و نحن من أهلها
... فلسنا من الأحياء فيها و لا الموتى )
( إذا جاءنا السجان يوما لحاجة
... عجبنا و قلنا جاء هذا من الدنيا )
قال : فبمجرد قطع الطريق و إخافة السبيل قد ارتكب الكبيرة فكيف إذا أخذ
المال أو جرح أو قتل ؟ فقد فعل عدة كبائر مع ما غالبهم عليه من ترك الصلاة
و إنفاق ما يأخذونه في الخمر و الزنا و اللواطة و غير ذلك نسأل الله
العافية من كل بلاء و محنة إنه جواد كريم غفور رحيم
الكبيرة الخامسة و العشرون : اليمين الغموس
قال الله تعالى : { إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا أولئك
لا خلاق لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا
يزكيهم و لهم عذاب أليم }
قال الواحدي : نزلت في رجلين اختصما إلى
النبي صلى الله عليه و سلم في ضيعة فهم المدعي عليه أن يحلف فأنزل فأنزل
الله هذه الآية فنكل المدعي عليه عن اليمين و أقر للمدعي بحقه و عن [ عبد
الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من حلف على يمين و هو
فيها فاجر ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله تعالى و هو عليه غضبان ]
فقال الأشعث : في و الله نزلت كان بيني و بين رجل من اليهود أرض فجحدني
فقدمته إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ألك بينة ؟ قلت : لا قال
لليهودي : احلف قلت يا رسول الله إنه إذن يحلف فيذهب بمالي فأنزل الله
تعالى : { إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا } أي عرضا
يسيرا من الدنيا و هو ما يحلفون عليه كاذبين { أولئك لا خلاق لهم في
الآخرة } أي لا نصيب لهم في الآخرة { و لا يكلمهم الله } أي بكلام يسرهم {
و لا ينظر إليهم } نظر ا يسرهم يعني نظر الرحمة { و لا يزكيهم } و لا
يزيدهم خيرا و لا يثني عليهم
و [ عن عبد الله بن مسعود قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من حلف على مال امرىء مسلم بغير حق
لقي الله و هو عليه غضبان ] قال عبد الله ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله
عليه و سلم تصديقه من كتاب الله { إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم
ثمنا قليلا } إلى آخر الآية أخرجاه في الصحيحين و [ عن أبي أمامة قال :
كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : من اقتطع حق امرىء مسلم
بيمينه فقد أوجب الله له النار و حرم عليه الجنة فقال رجل : و إن كان
يسيرا يا رسول الله ؟ قال : و إن كان قضيبا من أراك ] أخرجه مسلم في صحيحه
قال حفص بن ميسرة : ما أشد هذا الحديث فقال : أليس في كتاب الله تعالى : {
إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا } ؟ الآية و [ عن أبي ذر
عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و
لا يزكيهم و لهم عذاب أليم فقرأ بها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث
مرات فقال أبو ذر : خابوا و خسروا يا رسول الله من هم ؟ قال : المسبل و
المنان و المنفق سلعته بالحلف الكاذب و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
الكبائر الإشراك بالله عقوق الوالدين و قتل النفس و اليمين الغموس ] أخرجه
البخاري في صحيحه و الغموس هي التي يتعمد الكذب فيها سميت غموسا لأنها
تغمس الحالف في الإثم و قيل تغمسه في النار
فصل : و من ذلك الحلف
بغير الله عز و جل كالنبي و الكعبة و الملائكة و السماء و الماء و الحياة
و الأمانة و هي من أشد ما هنا و الروح و الرأس و حياة السلطان و نعمة
السلطان و تربة فلان
[ عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله
عليه و سلم قال : إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن حلف فليحلف بالله
أو ليصمت ] و في رواية في الصحيح [ فمن كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو
ليسكت ]
و [ عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : لا تحلفوا بالطواغي و لا بآبائكم ] رواه مسلم
الطواغي : جمع طاغية و هي الأصنام و منه الحديث : هذه طاغية دوس أي صنمهم
و معبودهم و [ عن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم : من حلف بالأمانة فليس منا ] رواه أبو داود و غيره و [ عنه رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من حلف فقال إني بريء من
الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال و إن كان صادقا فلن يرجع إلى الإسلام
سالما ]
و [ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلا يقول : و
الكعبة فقال : لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم
يقول : من حلف بغير الله فقد كفر و أشرك ] رواه الترمذي و حسنه ابن حبان
في صحيحه و الحاكم و قال صحيح على شرطهم قال : و فسر بعض العلماء قوله [
كفر أو أشرك ] على التغليظ كما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال
: [ الرياء شرك ]
و قال صلى الله عليه و سلم : من حلف فقال في حلفه
و اللات و العزى فليقل لا إله إلا الله و قد كان في الصحابة من هو حديث
عهد بالحلف بها قبل إسلامه فربما سبق لسانه إلى الحلف بها فأمره النبي صلى
الله عليه و سلم أن يبادر بقوله : لا إله إلا الله ليكفر بذلك ما سبق إلى
لسانه و بالله التوفيق
قال الله تعالى :
{ إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة
ولهم عذاب عظيم * يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا
يعملون }
و قال الله تعالى : { و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا
بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا و أولئك هم
الفاسقون }
بين الله تعالى في الآية أن من قذف امرأة محصنة حرة
عفيفة عن الزنا و الفاحشة إنه ملعون في الدنيا و الآخرة و له عذاب عظيم و
عليه في الدنيا الحد ثمانون جلدة و تسقط شهادته و إن كان عدلا و في
الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ اجتنبوا السبع
الموبقات ] فذكر منها قذف المحصنات الغافلات المؤمنات و القذف أن يقول
لامرأة أجنبية حرة عفيفة مسلمة : يا زانية أو يا باغية أو يا قحبة أو يقول
لزوجها : يا زوج القحبة أو يقول لولدها : يا ولد الزانية أو يا ابن القحبة
أو يقول لبنتها يا بنت الزانية أو يا بنت القحبة فإن القحبة عبارة عن
الزانية فإذا قال ذلك أحد من رجل أو امرأة كمن قال لرجل : يا زاني أو لصبي
حر يا علق أو يا منكوح وجب عليه الحد ثمانون جلدة إلا أن يقيم بينة بذلك و
البينة كما قال الله : أربعة شهداء يشهدون على صدقه فيما قذف به تلك
المرأة أو ذاك الرجل فإن لم يقم بينة جلد إذا طالبته بذلك التي قذفها أو
إذا طالبه بذلك الذي قذفه و كذلك إذا قذف مملوكه أو جاريته بأن قال
لمملوكه : يا زاني أو لجاريته يا زانية أو يا باغية أو يا قحبة لما ثبت في
الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من قذف مملوكه
بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال ] و كثير من
الجهال واقعون في هذا الكلام الفاحش الذي عليهم فيه العقوبة في الدنيا و
الآخرة و لهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال
: [ إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها النار أبعد مما بين
المشرق و المغرب فقال له معاذ بن جبل يا رسول الله و إنا لمؤاخذون بما
نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك يا معاذ و هل يكب الناس في النار على وجوههم
إلا حصائد ألسنتهم ؟ ] و في الحديث : [ من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر
فليقل خيرا أو ليصمت ] و قال الله تبارك و تعالى في كتابه العزيز : { ما
يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } و قال عقبة بن عامر : يا رسول الله ما
النجاة ؟ قال : [ أمسك عليك لسانك و ليسعك بيتك و ابك على خطيئتك و إن
أبعد الناس إلى الله القلب القاسي ]
و قال صلى الله عليه و سلم : [
إن أبغض الناس إلى الله الفاحش المبذي الذي يتكلم بالفحش و رديء الكلام ]
وقانا الله و إياكم شر ألسنتنا بمنه و كرمه إنه جواد كريم
و هي من بيت المال و من الزكاة قال الله تعالى :
{ إن الله لا يحب الخائنين } و قال الله تعالى { و ما كان لنبي أن يغل و
من يغلل يأت بما غل يوم القيامة }
و في صحيح مسلم [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى
الله عليه و سلم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه و عظم أمره ثم قال لا ألفين
أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول : يا رسول الله أغثني
فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم
القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا
أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على
رقبته شاة لها ثغاء يقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك من الله
شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح
فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا
ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع يخفق فيقول : يا رسول الله
أغثني فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم
القيامة على رقبته صامت فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من
الله شيئا قد أبلغتك ] أخرج هذا الحديث مسلم
قوله : على رقبته رقاع
تخفق ـ أي ثياب و قماش قوله : على رقبته صامت ـ أي ذهب أو فضة فمن أخذ
شيئا من هذه الأنواع المذكورة من الغنيمة قبل أن تقسم بين الغانمين أو من
بيت المال بغير إذن الإمام أو من الزكاة التي تجمع للفقراء جاء يوم
القيامة حامله على رقبته كما ذكر الله تعالى في القرآن { و من يغلل يأت
بما غل يوم القيامة }
و لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أدوا
الخيط و المخيط و إياكم و الغلول بأنه عار على صاحبه يوم القيامة ] و [
لقول النبي صلى الله عليه و سلم لما استعمل ابن اللتيبة على الصدقة و قدم
و قال : هذا لكم و هذا أهدي لي فصعد النبي صلى الله عليه و سلم المنبر و
حمد الله و أثنى عليه إلى أن قال : و الله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه
إلا جاء يوم القيامة يحمله فلا أعرف رجلا منكم لقي الله يحمل بعيرا له
رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيصر ثم رفع يده صلى الله عليه و سلم فقال :
اللهم هل بلغت ؟ ]
و [ عن أبي هريرة قال : خرجنا مع رسول الله صلى
الله عليه و سلم إلى خيبر ففتح علينا فلم نغنم ذهبا و لا ورقا غنمنا
المتاع ـ الطعام ـ و الثياب ثم انطلقنا إلى الوادي ـ يعني وادي القرى ـ و
مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد وهبه له رجل من بني جذام يدعى رفاعة
بن يزيد من بني الضبيب فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول الله صلى الله عليه
و سلم يحل رحله فرمي بسهم فكان به حتفه فقلنا : هنيئا له بالشهادة يا رسول
الله فقال رسول الله : كلا و الذي نفسي بيده إن الشملة لتلتهب عليه نارا
أخذها من الغنائم لم تصبها المقاسم قال ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو
شراكين فقال : أصبت يوم خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم شراك أو
شراكان من نار ] متفق عليه و [ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :
كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل يقال له كركرة فمات فقال
النبي صلى الله عليه و سلم : هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة
قد غلها ] و [ عن زيد بن خالد الجهني أن رجلا غل في غزوة خيبر فامتنع
النبي صلى الله عليه و سلم من الصلاة عليه و قال : إن صاحبكم غل في سبيل
الله قال ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز اليهود ما يساوي درهمين ] و
قال الإمام أحمد رحمه الله : ما نعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم امتنع
من الصلاة على أحد إلا على الغال و قاتل نفسه و جاء عن النبي صلى الله
عليه و سلم أنه قال : [ هدايا العمال غلول ]
و في الباب أحاديث
كثيرة و يأتي بعضها في باب الظلم و الظلم على ثلاثة أقسام : أحدهما : أكل
المال بالباطل و ثانيها : ظلم العباد بالقتل و الضرب و الكسر و الجراح و
ثالثها : ظلم العباد بالشتم و اللعن و السب و القذف و قد خطب النبي صلى
الله عليه و سلم بمنى فقال : [ ألا إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم
حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ] متفق عليه
و قال صلى الله عليه و سلم : [ لا يقبل الله صلاة بغير طهور و لا صدقة من
غلول ] فنسأل الله التوفيق لما يحب و يرضى أنه جواد كريم
قال الله تعالى : { السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا
من الله و الله عزيز حكيم }
قال ابن شهاب : نكل الله بالقطع في سرقة أموال الناس و الله عزيز في
انتقامه من السارق حكيم فيما أوجبه من قطع يده
و قال صلى الله عليه و سلم : [ لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن و لا
يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن و لكن التوبة معروضة ]
و [ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قطع في مجن
قيمته ثلاثة دراهم ] و [ عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى
الله عليه و سلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا و في رواية قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن ] قيل
لعائشة رضي الله عنها : و ما ثمن المجن ؟ قالت : ربع دينار و في رواية قال
: [ اقطعوا في ربع دينار و لا تقطعوا فيما دون ذلك ] كان ربع الدينار
يومئذ ثلاثة دراهم و الدينار اثني عشر درهما
و [ عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لعن الله السارق الذي
يسرق البيضة فتقطع يده و يسرق الحبل فتقطع يده ] قال الأعمش كانوا يرون
أنه بيض الحديد و الحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي ثمنه ثلاثة دراهم
و [ عن عائشة رضي الله عنها قالت : كانت مخزومية تستعير المتاع و تجحده
فأمر النبي صلى الله عليه و سلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه
فيها فكلم النبي صلى الله عليه و سلم فقال له النبي صلى الله عليه و سلم :
يا أسامة لا أراك تشفع في حد من حدود الله تعالى ثم قام النبي صلى الله
عليه و سلم خطيبا فقال : إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم
الشريف تركوه و إذا سرق فيهم الضعيف قطعوه و الذي نفسي بيده لو أن فاطمة
بنت محمد سرقت لقطعت يدها ] فقطع يد المخزومية
و عن عبد الرحمن بن
جرير قال : سألنا فضالة بن عبيد عن تعليق يد السارق في عنقه أمن السنة ؟
قال : [ أتي النبي صلى الله عليه و سلم بسارق فقطع يده ثم أمر بها فعلقت
في عنقه ] قال العلماء : و لا تنفع السارق توبته إلا أن يرد ما سرقه فإن
كان مفلسا تحلل من صاحب المال و الله أعلم
قال الله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في
الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو
ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم }
قال الواحدي رحمه الله : معنى يحاربون الله و رسوله يعصونهما و لا
يطيعونهما كل من عصاك فهو محارب لك و يسعون في الأرض فسادا أي بالقتل و
السرقة و أخذ الأموال و كل من أخذ السلاح على المؤمنين فهو محارب لله و
رسوله و هذا قول مالك و الأوزاعي و الشافعي قوله تعالى : { أن يقتلوا }
إلى قوله { أو ينفوا من الأرض } قال الوالبي عن ابن عباس رضي الله عنهما
أو أدخلت للتخير و معناها الإباحة إن شاء الإمام قتل و إن شاء صلب و إن
شاء نفى و هذا قول الحسن و سعيد بن المسيب و مجاهد و قال في رواية عطية أو
ليست للإباحة إنما هي مرتبة للحكم باختلاف الجنايات فمن قتل و أخذ المال
قتل و صلب و من أخذ المال و لم يقتل قطع و من سفك الدماء و كف عن الأموال
قتل و من أخاف السبيل و لم يقتل نفي من الأرض و هذا مذهب الشافعي رضي الله
عنه و قال الشافعي أيضا : يحد كل واحد بقدر فعله فمن وجب عليه القتل و
الصلب قتل قبل صلبه كراهية تعذيبه و يصلب ثلاثا ثم ينزل و من وجب عليه
القتل دون الصلب قتل و دفع إلى أهله يدفنونه و من وجب عليه القطع دون
القتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت فإن عاد و سرق ثانية قطعت رجله اليسرى فإن
عاد و سرق قطعت يده اليسرى لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال في
السارق : [ إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا
يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ] و لأنه فعل أبو بكر و عمر رضي الله عنهما و
لا مخالف لهما من الصحابة و وجه كونها اليسرى اتفاق من صار إلى قطع الرجل
بعد اليد على أنها اليسرى و ذلك معنى قوله تعالى { من خلاف }
و قوله
تعالى : { أو ينفوا من الأرض } قال ابن عباس : هو أن يهدر الإمام دمه
فيقول من لقيه فليقتله هذا فيمن يقدر عليه فأما من قبض عليه فنفيه من
الأرض الحبس و السجن لأنه إذا حبس و منع من التقلب في البلاد فقد نفي منها
أنشد ابن قتيبة لبعض المسجونين سعرا :
( خرجنا من الدنيا و نحن من أهلها
... فلسنا من الأحياء فيها و لا الموتى )
( إذا جاءنا السجان يوما لحاجة
... عجبنا و قلنا جاء هذا من الدنيا )
قال : فبمجرد قطع الطريق و إخافة السبيل قد ارتكب الكبيرة فكيف إذا أخذ
المال أو جرح أو قتل ؟ فقد فعل عدة كبائر مع ما غالبهم عليه من ترك الصلاة
و إنفاق ما يأخذونه في الخمر و الزنا و اللواطة و غير ذلك نسأل الله
العافية من كل بلاء و محنة إنه جواد كريم غفور رحيم
قال الله تعالى : { إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا أولئك
لا خلاق لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا
يزكيهم و لهم عذاب أليم }
قال الواحدي : نزلت في رجلين اختصما إلى
النبي صلى الله عليه و سلم في ضيعة فهم المدعي عليه أن يحلف فأنزل فأنزل
الله هذه الآية فنكل المدعي عليه عن اليمين و أقر للمدعي بحقه و عن [ عبد
الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من حلف على يمين و هو
فيها فاجر ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله تعالى و هو عليه غضبان ]
فقال الأشعث : في و الله نزلت كان بيني و بين رجل من اليهود أرض فجحدني
فقدمته إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ألك بينة ؟ قلت : لا قال
لليهودي : احلف قلت يا رسول الله إنه إذن يحلف فيذهب بمالي فأنزل الله
تعالى : { إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا } أي عرضا
يسيرا من الدنيا و هو ما يحلفون عليه كاذبين { أولئك لا خلاق لهم في
الآخرة } أي لا نصيب لهم في الآخرة { و لا يكلمهم الله } أي بكلام يسرهم {
و لا ينظر إليهم } نظر ا يسرهم يعني نظر الرحمة { و لا يزكيهم } و لا
يزيدهم خيرا و لا يثني عليهم
و [ عن عبد الله بن مسعود قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من حلف على مال امرىء مسلم بغير حق
لقي الله و هو عليه غضبان ] قال عبد الله ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله
عليه و سلم تصديقه من كتاب الله { إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم
ثمنا قليلا } إلى آخر الآية أخرجاه في الصحيحين و [ عن أبي أمامة قال :
كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : من اقتطع حق امرىء مسلم
بيمينه فقد أوجب الله له النار و حرم عليه الجنة فقال رجل : و إن كان
يسيرا يا رسول الله ؟ قال : و إن كان قضيبا من أراك ] أخرجه مسلم في صحيحه
قال حفص بن ميسرة : ما أشد هذا الحديث فقال : أليس في كتاب الله تعالى : {
إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا } ؟ الآية و [ عن أبي ذر
عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و
لا يزكيهم و لهم عذاب أليم فقرأ بها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث
مرات فقال أبو ذر : خابوا و خسروا يا رسول الله من هم ؟ قال : المسبل و
المنان و المنفق سلعته بالحلف الكاذب و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
الكبائر الإشراك بالله عقوق الوالدين و قتل النفس و اليمين الغموس ] أخرجه
البخاري في صحيحه و الغموس هي التي يتعمد الكذب فيها سميت غموسا لأنها
تغمس الحالف في الإثم و قيل تغمسه في النار
فصل : و من ذلك الحلف
بغير الله عز و جل كالنبي و الكعبة و الملائكة و السماء و الماء و الحياة
و الأمانة و هي من أشد ما هنا و الروح و الرأس و حياة السلطان و نعمة
السلطان و تربة فلان
[ عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله
عليه و سلم قال : إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن حلف فليحلف بالله
أو ليصمت ] و في رواية في الصحيح [ فمن كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو
ليسكت ]
و [ عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : لا تحلفوا بالطواغي و لا بآبائكم ] رواه مسلم
الطواغي : جمع طاغية و هي الأصنام و منه الحديث : هذه طاغية دوس أي صنمهم
و معبودهم و [ عن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم : من حلف بالأمانة فليس منا ] رواه أبو داود و غيره و [ عنه رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من حلف فقال إني بريء من
الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال و إن كان صادقا فلن يرجع إلى الإسلام
سالما ]
و [ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلا يقول : و
الكعبة فقال : لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم
يقول : من حلف بغير الله فقد كفر و أشرك ] رواه الترمذي و حسنه ابن حبان
في صحيحه و الحاكم و قال صحيح على شرطهم قال : و فسر بعض العلماء قوله [
كفر أو أشرك ] على التغليظ كما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال
: [ الرياء شرك ]
و قال صلى الله عليه و سلم : من حلف فقال في حلفه
و اللات و العزى فليقل لا إله إلا الله و قد كان في الصحابة من هو حديث
عهد بالحلف بها قبل إسلامه فربما سبق لسانه إلى الحلف بها فأمره النبي صلى
الله عليه و سلم أن يبادر بقوله : لا إله إلا الله ليكفر بذلك ما سبق إلى
لسانه و بالله التوفيق
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الكبيرة السادسة و العشرون : الظلم
بأكل أموال الناس و أخذها ظلما و ظلم الناس و الشتم و التعدي و الإستطالة
على الضعفاء
قال الله تعالى : { و لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم
ليوم تشخص فيه الأبصار * مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم و
أفئدتهم هواء * و أنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا
أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك و نتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما
لكم من زوال * و سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم و تبين لكم كيف فعلنا
بهم و ضربنا لكم الأمثال } و قال الله تعالى : { إنما السبيل على الذين
يظلمون الناس } و قال الله تعالى : { و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب
ينقلبون }
و قال صلى الله عليه و سلم : [ إن الله ليملي للظالم حتى
إذا أخذه لم يفلته ] ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم : { و كذلك أخذ
ربك إذا أخذ القرى و هي ظالمة إن أخذه أليم شديد }
و قال صلى الله
عليه و سلم : [ من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله اليوم من
قبل أن لا يكون دينار و لا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته
فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ]
و قال صلى الله
عليه و سلم عن ربه تبارك و تعالى : أنه قال : [ يا عبادي إني حرمت الظلم
على نفسي و جعلته بينكم محرما فلا تظالموا ] و قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : [ أتدرون من المفلس ؟ قالوا : يا رسول الله المفلس فينا من
لا درهم له و لا متاع فقال : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة
و زكاة و صيام و حج فيأتي و قد شتم هذا و أخذ مال هذا و نبش عن عرض هذا و
ضرب هذا و سفك دم هذا فيؤخذ لهذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت
حسناته قبل أن يقضي ما عليه من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار ] و هذه
الأحاديث كلها في الصحاح و تقدم حديث : [ إن رجالا يتخوضون في مال الله
بغير حق فلهم النار يوم القيامة ] و تقدم قوله لمعاذ حين بعثه إلى اليمين
: [ و اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب ] و في الصحيح : [
من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة ]
و في بعض الكتب يقول الله تعالى : [ اشتد غضبي على من ظلم من لم يجد له
ناصرا غيري ] و أنشد بعضهم :
( لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا ... فالظلم يرجع عقباه إلى الندم )
( تنام عيناك و المظلوم منتبه ... يدعو عليك و عين الله لم تنم )
و كان بعض السلف يقول : لا تظلم الضعفاء فتكون من أشرار الأقوياء و قال
أبو هريرة رضي الله عنه : إن الحباري لتموت في وكرها هزالا من ظلم الظالم
و قيل مكتوب في التوراة : ينادي مناد من وراء الجسر ـ يعني الصراط ـ يا
معشر الجبابرة الطغاة و يا معشر المترفين الأشقياء إن الله يحلف بعزته و
جلاله أن لا يجاوز هذا الجسر اليوم ظالم عن جابر قال : لما رجعت مهاجرة
الحبشة عام الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ألا تخبروني
بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة ؟ فقال فتية كانوا منهم : بلى يا رسول الله
بينما نحن يوما جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم تحمل على رأسها قلة ماء
فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت المرأة على
ركبتيها و انكسرت قلتها فلما قامت التفتت إليه ثم قالت : سوف تعلم يا غادر
إذا وضع الله الكرسي و جمع الله الأولين و الآخرين و تكلمت الأيدي و
الأرجل بما كانوا يكسبون سوف تعلم من أمري و أمرك عنده غدا قال فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : [ صدقت كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ من شديدهم
لضعيفهم ؟ ]
( إذا ما الظلوم استوطأ مركبا ... و لج عتوا في قبيح اكتسابه )
( فكله إلى صرف الزمان و عدله ... سيبدو له ما لم يكن في حسابه )
و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ خمسة غضب الله عليهم إن
شاء أمضى غضبه عليهم في الدنيا و إلا أمر بهم في الآخرة إلى النار : أمير
قوم يأخذ حقه من رعيته و لا ينصفهم من نفسه و لا يدفع الظلم عنهم و زعيم
قوم يطيعونه و لا يساوي بين القوي و الضعيف و يتكلم بالهوى و رجل لا يأمر
أهله و ولده بطاعة الله و لا يعلمهم أمر دينهم و رجل استأجر أجيرا فاستوفى
منه العمل و لم يوفه أجرته و رجل ظلم امرأة صداقها ]
و عن عبد الله
بن سلام قال : إن الله تعالى لما خلق الخلق و استووا على أقدامهم رفعوا
رؤوسهم إلى السماء و قالوا : يا رب مع من أنت ؟ قال : مع المظلوم حتى يؤدى
إليه حقه و عن وهب بن منبه قال : بني جبار من الجبابرة قصرا و شيده فجاءت
عجوز فقيرة فبنت إلى جانبه كوخا تأوي إليه فركب الجبار يوما و طاف حول
القصر فرأى الكوخ فقال : لمن هذا ؟ فقيل لامرأة فقيرة تأوي إليه فأمر به
فهدم فجاءت العجوز فرأته مهدوما فقالت : من هدمه ؟ فقيل : الملك رآه فهدمه
فرفعت العجوز رأسها إلى السماء و قالت : يا رب إذا لم أكن أنا حاضرة فأين
كنت أنت ؟ قال : فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على من كان فيه فقلبه
و قيل لما حبس خالد بن برمك و ولده قال : يا أبتي بعد العز صرنا في القيد
و الحبس فقال : يا بني دعوة المظلوم سرت بليل غفلنا عنها و لم يغفل الله
عنها و كان يزيد بن حكيم يقول : ما هبت أحدا قط هيبتي رجلا ظلمته و أنا
أعلم أن لا ناصر له إلا الله يقول لي : حسبي الله : الله بيني و بينك
و حبس الرشيد أبا العتاهية الشاعر فكتب إليه من السجن هذين البيتين شعرا :
( أما و الله إن الظلم شوم ... و ما زال المسيء هو المظلوم )
( ستعلم يا ظلوم إذا التقينا ... غدا عند المليك من الملوم )
و عن أبي أمامة قال : يجيء الظالم يوم القيامة حتى إذا كان على جسر جهنم
لقيه المظلوم و عرفه ما ظلمه به فما يبرح الذين ظلموا بالذين ظلموا حتى
ينزعوا ما بأيديهم من الحسنات فإن لم يجدوا لهم حسنات حملوا عليهم من
سيئاتهم مثل ما ظلموهم حتى يردوا إلى الدرك الأسفل من النار
و [ عن
عبد الله بن أنيس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : يحشر
العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلا بهما فيناديهم مناد بصوت يسمعه من بعد
كما يسمعه من قرب أنا الملك الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل
الجنة أو أحد من أهل النار أن يدخل النار و عنده مظلمة أن أقصه حتى اللطمة
فما فوقها و لا يظلم ربك أحد قلنا يا رسول الله كيف و إنما نأتي حفاة عراة
فقال : بالحسنات و السيئات جزاء و لا يظلم ربك أحدا ] و جاء عن النبي صلى
الله عليه و سلم أنه قال [ من ضرب سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة ] و مما
ذكر أن كسرى اتخذ مؤدبا لولده يعلمه و يؤدبه حتى إذا بلغ الولد الغاية في
الفضل و الأدب استحضره المؤدب يوما و ضربه ضربا شديدا من غير جرم و لا سبب
فحقد الولد على المعلم إلى أن كبر و مات أبوه فتولى الملك بعده فاستحضر
المعلم و قال له : ما حملك على أن ضربتني في يوم كذا و كذا ضريا وجيعا من
غير جرم و لا سبب فقال المعلم : اعلم أيها الملك أنك لما بلغت الغاية في
الفضل و الأدب علمت أنك تنال الملك بعد أبيك فأردت أن أذيقك ألم الضرب و
ألم الظلم حتى لا تظلم أحدا فقال : جزاك الله خيرا ثم أمر له بجائزة و
صرفه
و من الظلم أخذ مال اليتيم و تقدم حديث معاذ بن جبل حين قال له رسول الله
: واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب
و في رواية أن دعاء المظلوم يرفع فوق الغمام و يقول الرب تبارك و تعالى :
و عزتي و جلالي لأنصرنك و لو بعد حين و أنشدوا شعرا :
( توق دعا المظلوم إن دعاءه ... ليرفع فوق السحب ثم يجاب )
( توق دعا من ليس بين دعائه ... و بين إله العالمين حجاب )
( و لا تحسبن الله مطرحا له ... و لا أنه يخفى عليه خطاب )
( فقد صح أن الله قال و عزتي ... لأنصر المظلوم و هو مثاب )
( فمن لك يصدق ذا الحديث فإنه ... جهول و إلا عقله فمصاب )
فصل : و من أعظم الظلم المماطلة بحق عليه مع قدرته على الوفاء لما ثبت في
الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ مطل الغني ظلم ] و في
رواية [ لي الواجد ظلم يحل عرضه و عقوبته ] أي يحل شكايته و حبسه
فصل : و من الظلم أن يظلم المرأة حقها من صداقها و نفقتها و كسوتها و هو
داخل في قوله صلى الله عليه و سلم [ لي الواجد ظلم يحل عرضه و عقوبته ]
و عن بن مسعود رضي الله عنه قال : يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة
فينادي به على رؤوس الخلائق هذا فلان ابن فلان من كان له عليه حق فليأت
إلى حقه قال : فتفرح المرأة أن يكون لها حق على أبيها أو أخيها أو زوجها
ثم قرأ : فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون قال فيغفر الله من حقه ما
شاء و لا يغفر من حقوق الناس شيئا فينصب العبد للناس ثم يقول الله تعالى
لأصحاب الحقوق : ائتوا إلى حقوقكم قال فيقول الله تعالى للملائكة : خذوا
من أعماله الصالحة فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر طلبته فإن كان وليا لله و فضل
له مثقال ذرة ضاعفها الله تعالى له حتى يدخله الجنة بها و إن كان عبدا
شقيا و لم يفضل له شيء فتقول الملائكة : ربنا فنيت حسناته و بقي طالبوه
فيقول الله : خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ثم صك له صكا إلى النار
و يؤيد ذلك ما تقدم من قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أتدرون من
المفلس ؟ فذكر أن المفلس من أمته من يأتي يوم القيامة بصلاة و زكاة و صيام
و يأتي و قد شتم هذا و ضرب هذا و أخذ مال هذا فيؤخذ من حسناته و لهذا من
حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم
طرح في النار ]
فصل : و من الظلم أن يستأجر أجيرا أو إنسانا في عمل
و لا يعطيه أجرته لما ثبت في صحيح البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم قال يقول الله تعالى : [ ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة و من كنت خصمه
خصمته : رجل أعطى بي غدر و رجل باع حرا فأكل ثمنه و رجل استأجر أجيرا
فاستوفى منه العمل و لم يعطه أجرته ] و كذلك إذا ظلم يهوديا أو نصرانيا أو
نقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه فهو داخل في قوله
تعالى : أنا حجيجه ـ أو قال أنا خصمه ـ يوم القيامة و من ذلك أن يحلف على
دين في ذمته كاذبا فاجرا لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه
و سلم قال : [ من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار و
حرم عليه الجنة قيل : يا رسول الله و إن كان شيئا يسيرا ؟ قال و إن قضيبا
من أراك ]
( فخف القصاص غدا إذا وفيت ما ... كسبت يداك اليوم بالقسطاس )
( في موقف ما فيه إلا شاخص ... أو مهطع أو مقنع للراس )
( أعضاؤهم فيه الشهود و سجنهم ... نار و حاكمهم شديد البأس )
( أن تمطل اليوم الحقوق مع الغنى ... فغدا تؤديها مع الإفلاس )
و قد روي أنه لا أكره للعبد يوم القيامة من أن يرى من يعرفه خشية أن
يطالبه بمظلمة ظلمه بها في الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : [
لتؤدين الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة
القرناء ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض
أو من شيء فليتحلل منه اليوم من قبل أن لا يكون دينار و لا درهم إن كان له
عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته و إن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه
فحمل عليه ثم طرح في النار ] و [ روى عبد الله بن أبي الدنيا بسنده إلى
أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أول من يختصم
يوم القيامة الرجل و امرأته و الله ما يتكلم لسانها و لكن يداها و رجلاها
يشهدان عليها بما كانت تعنث لزوجها في الدنيا و يشهد على الرجل يده و رجله
بما كان يولي زوجته من خير أو شر ثم يدعى بالرجل و خدمه مثل ذلك فما يؤخذ
منهم دوانيق و لا قراريط و لكن حسنات هذا الظالم تدفع إلى هذا المظلوم و
سيئات هذا المظلوم تحمل على هذا الظالم ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من
حديد فيقال سوقوهم إلى النار ] و كان شريح القاضي يقول : سيعلم الظالمون
حتى من انتقصوا أن الظالم ينتظر العقاب و المظلوم ينتظر النصر و الثواب
و روي أنه أراد الله بعبده خيرا سلط عليه من يظلمه و دخل طاوس اليماني على
هشام بن عبد الملك فقال له : اتق الله يوم الأذان قال هشام : و ما يوم
الأذان ؟ قال : قال الله تعالى : { فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على
الظالمين } فصعق هشام فقال طاوس : هذا ذا الصفة فكيف بذل المعاينة ؟ يا
راضيا باسم الظالم كم عليك من المظالم ؟ السجن جهنم و الحق الحاكم !
فصل : في الحذر من الدخول على الظلمة و مخالطتهم و معونتهم قال الله تعالى
{ و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار } و الركون ههنا السكون إلى
الشيء و الميل إليه بالمحبة قال ابن عباس رضي الله عنهما : لا تميلوا كل
الميل في المحبة و لين الكلام و المودة و قال السدي و ابن زيد : لا
تداهنوا الظلمة و قال عكرمة : هو أن يطيعهم و يودهم و قال أبو العالية :
لا ترضوا بأعمالهم { فتمسكم النار } فيصيبكم لفحها { و ما لكم من دون الله
من أولياء } و قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما لكم من مانع يمنعكم من
عذاب الله { ثم لا تنصرون } لا تمنعون من عذابه و قال الله تعالى : {
احشروا الذين ظلموا و أزواجهم } أي أشباههم و أمثالهم و أتباعهم [ و عن
ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : سيكون
أمراء يغشاهم غواش أو حواش من الناس يظلمون و يكذبون فمن دخل عليهم و
صدقهم بكذبهم و أعانهم على ظلمهم فليس مني و لست منه و من لم يدخل عليهم و
لم يعنهم على ظلمهم فهو مني و أنا منه ] و [ عنه رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه و سلم من أعان ظالما سلط عليه ] و قال سعيد بن المسيب رحمه
الله : لا تملأوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لئلا تحبط
أعمالكم الصالحة و قال مكحول الدمشقي : ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة
و أعوانهم ؟ فما يبقى أحد مد لهم حبرا أو حبر لهم دواة أو بري لهم قلما
فما فوق ذلك إلا حضر معهم فيجمعون في تابوت من نار فيلقون في جهنم و جاء
رجل خياط إلى سفيان الثوري فقال : إني رجل أخيط ثياب السلطان هل أنا من
أعوان الظلمة ؟ فقال سفيان بل أنت من الظلمة أنفسهم و لكن أعوان الظلمة من
يبيع منك الإبرة و الخيوط
و قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم
أنه قال : [ أول من يدخل النار يوم القيامة السواطون الذين يكون معهم
الأسواط يضربون بها الناس بين يدي الظلمة ] و عن ابن عمر رضي الله عنهما
قال : الجلاوزة و الشرط كلاب النار يوم القيامة الجلاوزة أعوان الظلمة
و قد روي أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أن مر بني اسرائيل أن
لا يتلو من ذكري فإني أذكر من ذكرني و أن ذكري إياهم أن ألعنهم و في رواية
فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه
قال : [ لا يقف أحدكم في موقف يضرب فيه رجل مظلوم فإن اللعنة تنزل على من
حضر ذلك المكان إذا لم يدفعوا عنه ]
و روي عن رسول الله صلى الله
عليه و سلم أنه قال : [ أتى رجل في قبره فقيل له : إنا ضاربوك مائة ضربة
فلم يزل يتشفع إليهم حتى صاروا إلى ضربة واحدة فضربوه فالتهب القبر عليه
نارا فقال : لم ضربتموني هذه الضربة ؟ فقالوا : إنك صليت صلاة بلا طهور و
مررت برجل مظلوم فلم تنصره ] فهذا حال من لم ينصر المظلوم مع القدرة على
نصره فكيف حال الظالم ! ؟
و قد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى
الله عليه و سلم أنه قال : [ انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال يا رسول الله
: أنصره إذا كان مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما ؟ تمنعه من الظلم فإن
ذلك نصره ]
و مما حكي قال بعض العارفين : رأيت في المنام رجلا ممن
يخدم الظلمة و المكاسين بعد موته بمدة في حالة قبيحة فقلت له ما أحوالك ؟
قال : شر حال فقلت : إلى أين صرت ؟ قال : إلى عذاب الله قلت : فما حال
الظلمة عنده ؟ قال شر حال أما سمعت قول الله عز و جل : { و سيعلم الذين
ظلموا أي منقلب ينقلبون } و مما حكي قال بعضهم رأيت رجلا مقطوع اليد من
الكتف و هو ينادي من رآني فلا يظلمن أحدا فتقدمت إليه فقلت له : يا أخي ما
قصتك ؟ قال : يا أخي قصة عجيبة و ذلك أني كنت من أعوان الظلمة فرأيت يوما
صيادا و قد اصطاد سمكة كبيرة فأعجبتني فجئت إليه فقلت : أعطني هذه السمكة
فقال : لا أعطيكها أنا آخذ بثمنها قوتا لعيالي فضربته و أخذتها منه قهرا و
مضيت بها قال : فبينا أنا أمشي بها حاملها إذ عضت على إبهامي عضة قوية
فلما جئت بها إلى بيتي و ألقيتها من يدي ضربت على إبهامي و آلمتني ألما
شديدا حتى لم أنم من شدة الوجع و الألم و ورمت يدي فلما أصبحت أتيت الطبيب
و شكوت إليه الألم فقال : هذه بدء الآكلة أقطعها و إلا تقطع يدك فقطعت
إبهامي ثم ضربت على يدي فلم أطق النوم و لا القرار من شدة الألم فقيل لي :
إقطع كفك فقطعته و انتشر الألم إلى الساعد و آلمني ألما شديدا و لم أطق
القرار و جعلت أستغيث من شدة الألم : فقيل لي : اقطعها إلى المرفق فقطعتها
فانتشر الألم إلى العضد و ضربت على عضدي أشد من الألم الأول فقيل اقطع يدك
من كتفك و إلا سرى إلى جسدك كله فقطعتها فقال لي بعض الناس : ما سبب ألمك
؟ فذكرت قصة السمكة فقال لي : لو كنت رجعت في أول ما أصابك الألم إلى صاحب
السمكة و استحللت منه و أرضيته لما قطعت من أعضائك عضوا فاذهب الآن إليه و
اطلب رضاه قبل أن يصل الألم إلى بدنك قال : فلم أزل أطلبه في البلد حتى
وجدته فوقعت على رجليه أقبلها و أبكي و قلت له : يا سيدي سألتك بالله إلا
عفوت عني فقال لي : و من أنت ؟ قلت : أنا الذي أخذت منك السمكة غصبا و
ذكرت ما جرى و أريته يدي فبكى حين رآها ثم قال : يا أخي قد أحللتك منها
لما قد رأيته بك من هذا البلاء فقلت : يا سيدي بالله هل كنت قد دعوت علي
لما أخذتها ؟ قال : نعم قلت : اللهم إن هذا تقوى علي بقوته على ضعفي على
ما رزقتني ظلما فأرني قدرتك فيه فقلت : يا سيدي قد أراك الله قدرته في و
أنا تائب إلى الله عز و جل عما كنت عليه من خدمة الظلمة و لا عدت أقف لهم
على باب و لا أكون من أعوانهم ما دمت حيا إن شاء الله و بالله التوفيق
موعظة : إخواني كم أخرج الموت نفسا من دارها لم يدارها و كم أنزل أجسادا
بجارها لم يجارها و كم أجرى العيون كالعيون بعد قرارها ـ شعر :
( يا معرضا بوصال عيش ناغم ... ستصد عنه طائعا أو كارها )
( إن الحوادث تزعج الأحرار عن ... أوطانها و الطير عن أوكارها )
أين من ملك المغارب و المشارق و عمر النواحي و غرس الحدائق و نال الأماني
و ركب العوائق ؟ صاح به من داره غراب بين ناعق و طرقه في لهوه أقطع طارق و
زجرت عليه رعود و صواعق و حل به ما شيب بعض المفارق و قلاه الحبيب الذي لم
يفارق و هجره الصديق و الرفيق الصادق و نقل من جوار المخلوقين إلى جوار
الخالق نازله و الله الموت فلم يحاشه و أذله بالقهر بعد عز جاشه و أبدله
خشن التراب بعد لين فراشه و مزقه الدود في قبره كتمزيق قماشه و بقي في ضنك
شديد من معاشه و بعد عن الصديق فكأنه لم يماشه ما نفعه و الله الإحتراز و
لا ردت عنه الركاز بل ضره من الزاد الأعواز و صار و الله عبرة للمجتاز و
قطع شاسعا من السبل الأوفاز و بقي رهينا لا يدري أهلك أم فاز و هذا لك بعد
أيام و ما أنت فيه الآن أحلام و دنياك لا تصلح و ما سمعت ستراه غدا على
التمام و يقع لي ولك ويحك ! أما يؤثر فيك الكلام ؟
الكبيرة السابعة و العشرون : المكاس
و هو داخل في قول الله تعالى : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و
يبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم }
و المكاس من أكبر أعوان الظلمة بل هو من الظلمة أنفسهم فإنه يأخذ ما لا
يستحق و يعطيه لمن لا يستحق و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم : [
المكاس لا يدخل الجنة ] و قال صلى الله عليه و سلم : لا يدخل الجنة صاحب
مكس [ رواه أبو داود و ما ذاك إلا لأنه يتقلد مظالم العباد و من أين
للمكاس يوم القيامة أن يؤدي للناس ما أخذ منهم ؟ إنما يأخذون من حسناته إن
كان له حسنات ! و هو داخل في قول النبي صلى الله عليه و سلم : ] أتدرون من
المفلس قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع إن المفلس
من أمتي من يأتي بصلاة و زكاة و صيام و حج و يأتي و قد شتم هذا و ضرب هذا
و أخذ مال هذا فيؤخذ لهذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل
أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار [
و في
حديث المرأة التي طهرت نفسها بالرجم : لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس
لغفر له أو لقبلت منه و المكاس من فيه شبه من قاطع الطريق و هو من اللصوص
و جابي المكس و كاتبه و شاهده و آخذه من جندي و شيخ و صاحب رواية شركاء في
الوزر آكلون للسحت و الحرام و صح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
] لا يدخل الجنة لحم نبت من السحت النار أولى به [ و السحت : كل حرام قبيح
الذكر يلزم منه العار
و ذكره الواحدي رحمه الله في تفسير قول الله
تعالى : { قل لا يستوي الخبيث و الطيب } و عن جابر أن رجلا قال : يا رسول
الله إن الخمر كانت تجارتي و إني جمعت من بيعها مالا فهل ينفعني ذلك المال
إن عملت فيه بطاعة الله تعالى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ]
إن أنفقته في حج أو جهاد أو صدقة لم يعدل عند الله جناح بعوضة إن الله لا
يقبل إلا الطيب فأنزل الله تعالى تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه و
آله و سلم :
{ قل لا يستوي الخبيث و الطيب و لو أعجبك كثرة الخبيث }
قال عطاء و الحسن : الحلال و الحرام فنسأل الله العفو و العافية
موعظة : أين من حصن الحصون المشيدة و احترس و عمر الحدائق فبالغ و غرس و
نصب لنفسه سرير العز و جلس و بلغ المنتهى و رأى الملتمس و ظن في نفسه
البقاء و لكن خاب الظن في النفس أزعجه و الله هازم اللذات و اختلس و نازله
بالقهر فأنزله عن الفرس و وجه به إلى دار البلاء فانطمس و تركه في ظلام
ظلمة من الجهل و الدنس فالعاقل من أباد أيامه فإن العواقب في خلس ينظر :
( تبني و تجمع و الآثار تندرس ... و تأمل اللبث و الأعمار تختلس )
( ذا اللب فكر فما في العيش من طمع ... لا بد ما ينتهي أمر و ينعكس )
( أين الملوك و أبناء الملوك و من ... كانوا إذا الناس قاموا هيبة جلسوا )
( و من سيوفهم في كل معترك ... تخشى و دونهم الحجاب و الحرس )
( أضحكوا بمهلكة في وسط معركة
... صرعى و صاروا ببطن الأرض و انطمسوا )
( و عمهم حدث و ضمهم جدث ... بأتوافهم جثث في الرمس قد حبسوا )
( كأنهم قط ما كانوا و ما خلقوا ... و مات ذكرهم بين الورى و نسوا )
( و الله لو عاينت عيناك ما صنعت ... أيدي البلا بهم و الدود يفترس )
( لعاينت منظرا تشجى القلوب له ... و أبصرت منكرا من دونه البلس )
( من أوجه ناضرات حار ناظرها ... في رونق الحسن منها كيف ينطمس )
( و أعظم باليات ما بها رمق ... و ليس تبقى لهذا و هي تنتهس )
( و السن ناطقات زانها أدب ... ما شأنها شأنها بالافة الخرس )
( حتام يا ذا النهي لا ترعوي سفها ... و دمع عينيك لا يهمي و ينبجس )
موعظة : يا من يرحل في كل يوم مرحلة و كتابه قد حوى حتى الخردلة ما ينتفع
بالنذير و النذر متصلة و لا يصغي إلى ناصح و قد عذله و دروعه مخرقه و
السهام مرسلة و نور الهدى قد بدا و لكن ما رآه و لا تأمله و هو يؤمل البقا
و يرى مصير من قد أمله قد انعكف بعد الشيب على العيب بصبابة و وله كن كيف
شئت فبين يديك الحساب و الزلزلة و نعم جلدك فلا بد للديدان أن تأكله
فيا عجبا من فتور مؤمن موقن بالجزاء و المسألة استيقن من غرور وبله و يحك
يا هذا من استدعاك و فتح منزله فقد أولاك لو علمت منزله فبادر ما بقي من
عمرك و استدرك أوله فبقية عمر المؤمن جوهرة قيمة
الكبيرة الثامنة و العشرون : أكل الحرام و تناوله على أي وجه كان
قال الله عز و جل : { و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل }
أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني
باليمين الباطلة الكاذبة يقتطع بها الرجل مال أخيه بالباطل و الأكل
بالباطل على وجهين أحدهما أن يكون على جهة الظلم نحو الغصب و الخيانة و
السرقة والثاني على جهة الهزل و اللعب كالذي يؤخذ في القمار و الملاهي و
نحو ذلك و في صحيح البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إن
رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ] و في صحيح
مسلم حين ذكر النبي صلى الله عليه و سلم : [ الرجل يطيل السفر أشعث أغبر
يمد يده إلى السماء يا رب يا رب و مطعمه حرام و مشربه حرام و ملبسه حرام و
غذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ] و [ عن أنس رضي الله عنه قال قلت يا رسول
الله : ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال صلى الله عليه و سلم : يا
أنس أطب كسبك تجب دعوتك فإن الرجل ليرفع اللقمة من الحرام إلى فيه فلا
يستجاب له دعوة أربعين يوما ] و روى البيهقي باسناده إلى رسول الله صلى
الله عليه و سلم قال : [ إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم
و إن الله يعطي الدنيا من يحب و من لا يحب و لا يعطي الدين إلا من يحب فمن
أعطاه الله الدين فقد أحبه و لا يكسب عبد مالا حراما فينفق منه فيبارك له
فيه و لا يتصدق منه فيقبل منه و لا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار
إن الله لا يمحو السيء بالسيء و لكن يمحو السيء بالحسن ] و [ عن ابن عمر
رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الدنيا حلوة خضرة
من اكتسب فيها مالا من حله و أنفقه في حقه أثابه الله و أورثه جنته و من
اكتسب فيها مالا من غير حله و أنفقه في غير حقه أدخله الله تعالى دار
الهوان و رب متخوض فيما اشتهت نفسه من الحرام له النار يوم القيامة ] و
جاء عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من لم يبال من أين اكتسب المال
لم يبال الله من أي باب أدخله النار ] و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
: لأن يجعل أحدكم في فيه ترابا خير من أن يجعل في فيه حراما ] و قد روي عن
يوسف بن أسباط رحمه الله قال : إن الشاب إذا تعبد قال الشيطان لأعوانه :
انظروا من أين مطعمه فإن كان مطعم سوء قال : دعوه يتعب و يجتهد فقد كفاكم
نفسه إن إجهاده مع أكل الحرام لا ينفعه و يؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين من
قوله صلى الله عليه و سلم [ عن الرجل الذي مطعمه حرام و مشربه حرام و
ملبسه حرام و غذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ؟ ] و قد روي في حديث أن ملكا
على بيت المقدس ينادي كل يوم و كل ليلة : من أكل حراما لم يقبل الله منه
صرفا و لا عدلا الصرف : النافلة و العدل : الفريضة و قال عبد الله بن
المبارك : ( لأن أرد درهما من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف و مائة
) و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من حج بمال حرام فقال
لبيك قال ملك : لا لبيك و لا سعديك حجك مردود عليك ] و روى الإمام أحمد في
مسنده عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من اشترى ثوبا بعشرة
دراهم و في ثمنه درهم من حرام لم يقبل الله له صلاة ما دام عليه ] و قال
وهب بن الورد : لو قمت قيام السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك أحلال
أم حرام و قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( لا يقبل الله صلاة امرىء و في
جوفه حرام حتى يتوب إلى الله تعالى منه ) و قال سفيان الثوري : من أنفق
الحرام في الطاعة كمن طهر الثوب بالبول و الثوب لا يطهره إلا الماء و
الذنب لا يكفره إلا الحلال و قال عمر رضي الله عنه : ( كنا ندع تسعة أعشار
الحلال مخافة الوقوع في الحرام ) و [ عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام ] و عن
زيد بن أرقم قال : كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج ـ أي قد كاتبه على
مال ـ و كان يجيئه كل يوم بخراجه فيسأله : من أين أتيت بها ؟ فإن رضيه
أكله و إلا تركه قال فجاءه ذات ليلة بطعام و كان أبو بكر صائما فأكل منه
لقمة و نسي أن يسأله ثم قال له : من أين جئت بهذا ؟ فقال : كنت تكهنت
لأناس بالجاهلية و ما كنت أحسن الكهانة إلا أني خدعتهم فقال أبو بكر : أف
لك كدت تهلكني ! ثم أدخل يده في فيه فجعل يتقيأ و لا يخرج فقيل له : إنها
لا تخرج إلا بالماء فدعا بماء فجعل يشرب و يتقيأ حتى قاء كل شيء في بطنه
فقيل له : يرحمك الله كل هذا من أجل هذه اللقمة ؟ فقال رضي الله عنه : لو
لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم
يقول : [ كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ] فخشيت أن ينبت بذلك في جسدي
من هذه اللقمة و قد تقدم قوله صلى الله عليه و سلم : [ لا يدخل الجنة جسد
غذي بحرام ] و إسناده صحيح قال العلماء رحمهم الله : و يدخل في هذا الباب
: المكاس و الخاتن و الزغلي و السارق و البطال و آكل الربا و موكله و آكل
مال اليتيم و شاهد الزور و من استعار شيئا فجحده و آكل الرشوة و منقص
الكيل و الوزن و من باع شيئا فيه عيب فغطاه و المقامر و الساحر و المنجم و
المصور و الزانية و النائحة و العشرية و الدلال إذا أخذ أجرته بغير إذن من
البائع و مخبر المشتري بالزائد و من باع حرا فأكل ثمنه
( فصل ) روي
عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ يؤتى يوم القيامة بأناس
معهم من الحسنات كأمثال جبل تهامة حتى إذا جيء بهم جعلها الله هباء منثورا
ثم يقذف بهم في النار فقيل يا رسول الله : كيف ذلك ؟ قال : كانوا يصلون و
يصومون و يزكون و يحجون غير أنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه
فأحبط الله أعمالهم ] و عن بعض الصالحين أنه رؤي بعد موته في المنام فقيل
له : ما فعل الله بك ؟ قال : خيرا غير أني محبوس عن الجنة بإبرة استعرتها
فلم أردها فنسأل الله تعالى العفو و العافية و التوفيق لما يحب و يرضى إنه
جواد كريم رءوف رحيم
( موعظة ) عباد الله أما الليالي و الأيام تهدم
الآجال ؟ أما مآل المقيم في الدنيا إلى زوال أما آخر الصحة يؤول إلى
الإعتلال أما غاية السلامة نقصان الكمال أما بعد استقرار المنى هجوم
الآجال أما أنبئتم عن الرحيل و قد قرب الإنتقال أما بانت لكم العبر و ضربت
لكم الأمثال ؟
( و عزيز ناعم ذل له ... كل صعب المرتقى وعر المرام )
( فكساه بعد لين ملبس ... خشنا بالرغم منه في الرغام )
( و وجوه ناضرات بدلت ... بعد لون الحسن لونا كالقتام )
( و شموس طالعات أفلت ... بعد ذاك النور منها بالظلام )
( و منيف شامخ بنيانه ... لين الأعطاف مهتز القوام )
( أف للدنيا فما شيمتها ... غير نقض العقد أو خفر الذمام )
( فاستعدوا الزاد تنجوا و اعملوا ... صالحا من قبل تقويض الخيام )
يا متعلقا بزخرف يروق بقاؤه كلمح البروق يا مضيعا في الهوى واجبات الحقوق
تبارز الخالق و تستحي من المخلوق ؟ يا مؤثرا أعلى العلالي ساترا ذلك
الفسوق ألا سترى ذلك الفسوق ! يا متولها مهاد الهوى و هو في سجن الردى
مرموق إبك على نفسك العليلة فإنك بالبكاء محقوق عجبا لمن رأى فعل الموت
لصحبه و أيقن بتلفه و ما قضى نحبه و سكن الإيمان بالآخرة في قلبه و نام
غافلا على جنبه و نسي جزاءه على جرمه و ذنبه و أعرض إلى ربه من الهوى عن
ربه كأني به و قد سقي كأس حمام يستغيث من شربه و أفرده الموت عن أهله و
سربه و نقله إلى قبره ذل فيه بعد عجبه فياذا اللب جز على قبره و عج به لقد
خرقت المواعظ المسامع و ما أراه انتفع به السامع لقد بدا نور المطالع لكنه
أعمى المطالع و لقد بانت العبر بآثار الغير لمن اغتر بالمصارع فما بالها
لا تسكب المدامع ؟ يا عجبا لقلب عند ذكر الحق غير خاشع لقد نشبت فيه مخالب
المطامع يا من شيبه قد أتى هل ترى ما مضى من العمر براجع ؟ انتبه لما بقي
و انته و راجع فالهول عظيم و الحساب شديد و الطريق شاسع إن عذاب ربك لواقع
ماله من دافع
بأكل أموال الناس و أخذها ظلما و ظلم الناس و الشتم و التعدي و الإستطالة
على الضعفاء
قال الله تعالى : { و لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم
ليوم تشخص فيه الأبصار * مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم و
أفئدتهم هواء * و أنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا
أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك و نتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما
لكم من زوال * و سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم و تبين لكم كيف فعلنا
بهم و ضربنا لكم الأمثال } و قال الله تعالى : { إنما السبيل على الذين
يظلمون الناس } و قال الله تعالى : { و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب
ينقلبون }
و قال صلى الله عليه و سلم : [ إن الله ليملي للظالم حتى
إذا أخذه لم يفلته ] ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم : { و كذلك أخذ
ربك إذا أخذ القرى و هي ظالمة إن أخذه أليم شديد }
و قال صلى الله
عليه و سلم : [ من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله اليوم من
قبل أن لا يكون دينار و لا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته
فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ]
و قال صلى الله
عليه و سلم عن ربه تبارك و تعالى : أنه قال : [ يا عبادي إني حرمت الظلم
على نفسي و جعلته بينكم محرما فلا تظالموا ] و قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : [ أتدرون من المفلس ؟ قالوا : يا رسول الله المفلس فينا من
لا درهم له و لا متاع فقال : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة
و زكاة و صيام و حج فيأتي و قد شتم هذا و أخذ مال هذا و نبش عن عرض هذا و
ضرب هذا و سفك دم هذا فيؤخذ لهذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت
حسناته قبل أن يقضي ما عليه من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار ] و هذه
الأحاديث كلها في الصحاح و تقدم حديث : [ إن رجالا يتخوضون في مال الله
بغير حق فلهم النار يوم القيامة ] و تقدم قوله لمعاذ حين بعثه إلى اليمين
: [ و اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب ] و في الصحيح : [
من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة ]
و في بعض الكتب يقول الله تعالى : [ اشتد غضبي على من ظلم من لم يجد له
ناصرا غيري ] و أنشد بعضهم :
( لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا ... فالظلم يرجع عقباه إلى الندم )
( تنام عيناك و المظلوم منتبه ... يدعو عليك و عين الله لم تنم )
و كان بعض السلف يقول : لا تظلم الضعفاء فتكون من أشرار الأقوياء و قال
أبو هريرة رضي الله عنه : إن الحباري لتموت في وكرها هزالا من ظلم الظالم
و قيل مكتوب في التوراة : ينادي مناد من وراء الجسر ـ يعني الصراط ـ يا
معشر الجبابرة الطغاة و يا معشر المترفين الأشقياء إن الله يحلف بعزته و
جلاله أن لا يجاوز هذا الجسر اليوم ظالم عن جابر قال : لما رجعت مهاجرة
الحبشة عام الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ألا تخبروني
بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة ؟ فقال فتية كانوا منهم : بلى يا رسول الله
بينما نحن يوما جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم تحمل على رأسها قلة ماء
فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت المرأة على
ركبتيها و انكسرت قلتها فلما قامت التفتت إليه ثم قالت : سوف تعلم يا غادر
إذا وضع الله الكرسي و جمع الله الأولين و الآخرين و تكلمت الأيدي و
الأرجل بما كانوا يكسبون سوف تعلم من أمري و أمرك عنده غدا قال فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : [ صدقت كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ من شديدهم
لضعيفهم ؟ ]
( إذا ما الظلوم استوطأ مركبا ... و لج عتوا في قبيح اكتسابه )
( فكله إلى صرف الزمان و عدله ... سيبدو له ما لم يكن في حسابه )
و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ خمسة غضب الله عليهم إن
شاء أمضى غضبه عليهم في الدنيا و إلا أمر بهم في الآخرة إلى النار : أمير
قوم يأخذ حقه من رعيته و لا ينصفهم من نفسه و لا يدفع الظلم عنهم و زعيم
قوم يطيعونه و لا يساوي بين القوي و الضعيف و يتكلم بالهوى و رجل لا يأمر
أهله و ولده بطاعة الله و لا يعلمهم أمر دينهم و رجل استأجر أجيرا فاستوفى
منه العمل و لم يوفه أجرته و رجل ظلم امرأة صداقها ]
و عن عبد الله
بن سلام قال : إن الله تعالى لما خلق الخلق و استووا على أقدامهم رفعوا
رؤوسهم إلى السماء و قالوا : يا رب مع من أنت ؟ قال : مع المظلوم حتى يؤدى
إليه حقه و عن وهب بن منبه قال : بني جبار من الجبابرة قصرا و شيده فجاءت
عجوز فقيرة فبنت إلى جانبه كوخا تأوي إليه فركب الجبار يوما و طاف حول
القصر فرأى الكوخ فقال : لمن هذا ؟ فقيل لامرأة فقيرة تأوي إليه فأمر به
فهدم فجاءت العجوز فرأته مهدوما فقالت : من هدمه ؟ فقيل : الملك رآه فهدمه
فرفعت العجوز رأسها إلى السماء و قالت : يا رب إذا لم أكن أنا حاضرة فأين
كنت أنت ؟ قال : فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على من كان فيه فقلبه
و قيل لما حبس خالد بن برمك و ولده قال : يا أبتي بعد العز صرنا في القيد
و الحبس فقال : يا بني دعوة المظلوم سرت بليل غفلنا عنها و لم يغفل الله
عنها و كان يزيد بن حكيم يقول : ما هبت أحدا قط هيبتي رجلا ظلمته و أنا
أعلم أن لا ناصر له إلا الله يقول لي : حسبي الله : الله بيني و بينك
و حبس الرشيد أبا العتاهية الشاعر فكتب إليه من السجن هذين البيتين شعرا :
( أما و الله إن الظلم شوم ... و ما زال المسيء هو المظلوم )
( ستعلم يا ظلوم إذا التقينا ... غدا عند المليك من الملوم )
و عن أبي أمامة قال : يجيء الظالم يوم القيامة حتى إذا كان على جسر جهنم
لقيه المظلوم و عرفه ما ظلمه به فما يبرح الذين ظلموا بالذين ظلموا حتى
ينزعوا ما بأيديهم من الحسنات فإن لم يجدوا لهم حسنات حملوا عليهم من
سيئاتهم مثل ما ظلموهم حتى يردوا إلى الدرك الأسفل من النار
و [ عن
عبد الله بن أنيس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : يحشر
العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلا بهما فيناديهم مناد بصوت يسمعه من بعد
كما يسمعه من قرب أنا الملك الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل
الجنة أو أحد من أهل النار أن يدخل النار و عنده مظلمة أن أقصه حتى اللطمة
فما فوقها و لا يظلم ربك أحد قلنا يا رسول الله كيف و إنما نأتي حفاة عراة
فقال : بالحسنات و السيئات جزاء و لا يظلم ربك أحدا ] و جاء عن النبي صلى
الله عليه و سلم أنه قال [ من ضرب سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة ] و مما
ذكر أن كسرى اتخذ مؤدبا لولده يعلمه و يؤدبه حتى إذا بلغ الولد الغاية في
الفضل و الأدب استحضره المؤدب يوما و ضربه ضربا شديدا من غير جرم و لا سبب
فحقد الولد على المعلم إلى أن كبر و مات أبوه فتولى الملك بعده فاستحضر
المعلم و قال له : ما حملك على أن ضربتني في يوم كذا و كذا ضريا وجيعا من
غير جرم و لا سبب فقال المعلم : اعلم أيها الملك أنك لما بلغت الغاية في
الفضل و الأدب علمت أنك تنال الملك بعد أبيك فأردت أن أذيقك ألم الضرب و
ألم الظلم حتى لا تظلم أحدا فقال : جزاك الله خيرا ثم أمر له بجائزة و
صرفه
و من الظلم أخذ مال اليتيم و تقدم حديث معاذ بن جبل حين قال له رسول الله
: واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب
و في رواية أن دعاء المظلوم يرفع فوق الغمام و يقول الرب تبارك و تعالى :
و عزتي و جلالي لأنصرنك و لو بعد حين و أنشدوا شعرا :
( توق دعا المظلوم إن دعاءه ... ليرفع فوق السحب ثم يجاب )
( توق دعا من ليس بين دعائه ... و بين إله العالمين حجاب )
( و لا تحسبن الله مطرحا له ... و لا أنه يخفى عليه خطاب )
( فقد صح أن الله قال و عزتي ... لأنصر المظلوم و هو مثاب )
( فمن لك يصدق ذا الحديث فإنه ... جهول و إلا عقله فمصاب )
فصل : و من أعظم الظلم المماطلة بحق عليه مع قدرته على الوفاء لما ثبت في
الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ مطل الغني ظلم ] و في
رواية [ لي الواجد ظلم يحل عرضه و عقوبته ] أي يحل شكايته و حبسه
فصل : و من الظلم أن يظلم المرأة حقها من صداقها و نفقتها و كسوتها و هو
داخل في قوله صلى الله عليه و سلم [ لي الواجد ظلم يحل عرضه و عقوبته ]
و عن بن مسعود رضي الله عنه قال : يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة
فينادي به على رؤوس الخلائق هذا فلان ابن فلان من كان له عليه حق فليأت
إلى حقه قال : فتفرح المرأة أن يكون لها حق على أبيها أو أخيها أو زوجها
ثم قرأ : فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون قال فيغفر الله من حقه ما
شاء و لا يغفر من حقوق الناس شيئا فينصب العبد للناس ثم يقول الله تعالى
لأصحاب الحقوق : ائتوا إلى حقوقكم قال فيقول الله تعالى للملائكة : خذوا
من أعماله الصالحة فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر طلبته فإن كان وليا لله و فضل
له مثقال ذرة ضاعفها الله تعالى له حتى يدخله الجنة بها و إن كان عبدا
شقيا و لم يفضل له شيء فتقول الملائكة : ربنا فنيت حسناته و بقي طالبوه
فيقول الله : خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ثم صك له صكا إلى النار
و يؤيد ذلك ما تقدم من قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أتدرون من
المفلس ؟ فذكر أن المفلس من أمته من يأتي يوم القيامة بصلاة و زكاة و صيام
و يأتي و قد شتم هذا و ضرب هذا و أخذ مال هذا فيؤخذ من حسناته و لهذا من
حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم
طرح في النار ]
فصل : و من الظلم أن يستأجر أجيرا أو إنسانا في عمل
و لا يعطيه أجرته لما ثبت في صحيح البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم قال يقول الله تعالى : [ ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة و من كنت خصمه
خصمته : رجل أعطى بي غدر و رجل باع حرا فأكل ثمنه و رجل استأجر أجيرا
فاستوفى منه العمل و لم يعطه أجرته ] و كذلك إذا ظلم يهوديا أو نصرانيا أو
نقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه فهو داخل في قوله
تعالى : أنا حجيجه ـ أو قال أنا خصمه ـ يوم القيامة و من ذلك أن يحلف على
دين في ذمته كاذبا فاجرا لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه
و سلم قال : [ من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار و
حرم عليه الجنة قيل : يا رسول الله و إن كان شيئا يسيرا ؟ قال و إن قضيبا
من أراك ]
( فخف القصاص غدا إذا وفيت ما ... كسبت يداك اليوم بالقسطاس )
( في موقف ما فيه إلا شاخص ... أو مهطع أو مقنع للراس )
( أعضاؤهم فيه الشهود و سجنهم ... نار و حاكمهم شديد البأس )
( أن تمطل اليوم الحقوق مع الغنى ... فغدا تؤديها مع الإفلاس )
و قد روي أنه لا أكره للعبد يوم القيامة من أن يرى من يعرفه خشية أن
يطالبه بمظلمة ظلمه بها في الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : [
لتؤدين الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة
القرناء ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض
أو من شيء فليتحلل منه اليوم من قبل أن لا يكون دينار و لا درهم إن كان له
عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته و إن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه
فحمل عليه ثم طرح في النار ] و [ روى عبد الله بن أبي الدنيا بسنده إلى
أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أول من يختصم
يوم القيامة الرجل و امرأته و الله ما يتكلم لسانها و لكن يداها و رجلاها
يشهدان عليها بما كانت تعنث لزوجها في الدنيا و يشهد على الرجل يده و رجله
بما كان يولي زوجته من خير أو شر ثم يدعى بالرجل و خدمه مثل ذلك فما يؤخذ
منهم دوانيق و لا قراريط و لكن حسنات هذا الظالم تدفع إلى هذا المظلوم و
سيئات هذا المظلوم تحمل على هذا الظالم ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من
حديد فيقال سوقوهم إلى النار ] و كان شريح القاضي يقول : سيعلم الظالمون
حتى من انتقصوا أن الظالم ينتظر العقاب و المظلوم ينتظر النصر و الثواب
و روي أنه أراد الله بعبده خيرا سلط عليه من يظلمه و دخل طاوس اليماني على
هشام بن عبد الملك فقال له : اتق الله يوم الأذان قال هشام : و ما يوم
الأذان ؟ قال : قال الله تعالى : { فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على
الظالمين } فصعق هشام فقال طاوس : هذا ذا الصفة فكيف بذل المعاينة ؟ يا
راضيا باسم الظالم كم عليك من المظالم ؟ السجن جهنم و الحق الحاكم !
فصل : في الحذر من الدخول على الظلمة و مخالطتهم و معونتهم قال الله تعالى
{ و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار } و الركون ههنا السكون إلى
الشيء و الميل إليه بالمحبة قال ابن عباس رضي الله عنهما : لا تميلوا كل
الميل في المحبة و لين الكلام و المودة و قال السدي و ابن زيد : لا
تداهنوا الظلمة و قال عكرمة : هو أن يطيعهم و يودهم و قال أبو العالية :
لا ترضوا بأعمالهم { فتمسكم النار } فيصيبكم لفحها { و ما لكم من دون الله
من أولياء } و قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما لكم من مانع يمنعكم من
عذاب الله { ثم لا تنصرون } لا تمنعون من عذابه و قال الله تعالى : {
احشروا الذين ظلموا و أزواجهم } أي أشباههم و أمثالهم و أتباعهم [ و عن
ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : سيكون
أمراء يغشاهم غواش أو حواش من الناس يظلمون و يكذبون فمن دخل عليهم و
صدقهم بكذبهم و أعانهم على ظلمهم فليس مني و لست منه و من لم يدخل عليهم و
لم يعنهم على ظلمهم فهو مني و أنا منه ] و [ عنه رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه و سلم من أعان ظالما سلط عليه ] و قال سعيد بن المسيب رحمه
الله : لا تملأوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لئلا تحبط
أعمالكم الصالحة و قال مكحول الدمشقي : ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة
و أعوانهم ؟ فما يبقى أحد مد لهم حبرا أو حبر لهم دواة أو بري لهم قلما
فما فوق ذلك إلا حضر معهم فيجمعون في تابوت من نار فيلقون في جهنم و جاء
رجل خياط إلى سفيان الثوري فقال : إني رجل أخيط ثياب السلطان هل أنا من
أعوان الظلمة ؟ فقال سفيان بل أنت من الظلمة أنفسهم و لكن أعوان الظلمة من
يبيع منك الإبرة و الخيوط
و قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم
أنه قال : [ أول من يدخل النار يوم القيامة السواطون الذين يكون معهم
الأسواط يضربون بها الناس بين يدي الظلمة ] و عن ابن عمر رضي الله عنهما
قال : الجلاوزة و الشرط كلاب النار يوم القيامة الجلاوزة أعوان الظلمة
و قد روي أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أن مر بني اسرائيل أن
لا يتلو من ذكري فإني أذكر من ذكرني و أن ذكري إياهم أن ألعنهم و في رواية
فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه
قال : [ لا يقف أحدكم في موقف يضرب فيه رجل مظلوم فإن اللعنة تنزل على من
حضر ذلك المكان إذا لم يدفعوا عنه ]
و روي عن رسول الله صلى الله
عليه و سلم أنه قال : [ أتى رجل في قبره فقيل له : إنا ضاربوك مائة ضربة
فلم يزل يتشفع إليهم حتى صاروا إلى ضربة واحدة فضربوه فالتهب القبر عليه
نارا فقال : لم ضربتموني هذه الضربة ؟ فقالوا : إنك صليت صلاة بلا طهور و
مررت برجل مظلوم فلم تنصره ] فهذا حال من لم ينصر المظلوم مع القدرة على
نصره فكيف حال الظالم ! ؟
و قد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى
الله عليه و سلم أنه قال : [ انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال يا رسول الله
: أنصره إذا كان مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما ؟ تمنعه من الظلم فإن
ذلك نصره ]
و مما حكي قال بعض العارفين : رأيت في المنام رجلا ممن
يخدم الظلمة و المكاسين بعد موته بمدة في حالة قبيحة فقلت له ما أحوالك ؟
قال : شر حال فقلت : إلى أين صرت ؟ قال : إلى عذاب الله قلت : فما حال
الظلمة عنده ؟ قال شر حال أما سمعت قول الله عز و جل : { و سيعلم الذين
ظلموا أي منقلب ينقلبون } و مما حكي قال بعضهم رأيت رجلا مقطوع اليد من
الكتف و هو ينادي من رآني فلا يظلمن أحدا فتقدمت إليه فقلت له : يا أخي ما
قصتك ؟ قال : يا أخي قصة عجيبة و ذلك أني كنت من أعوان الظلمة فرأيت يوما
صيادا و قد اصطاد سمكة كبيرة فأعجبتني فجئت إليه فقلت : أعطني هذه السمكة
فقال : لا أعطيكها أنا آخذ بثمنها قوتا لعيالي فضربته و أخذتها منه قهرا و
مضيت بها قال : فبينا أنا أمشي بها حاملها إذ عضت على إبهامي عضة قوية
فلما جئت بها إلى بيتي و ألقيتها من يدي ضربت على إبهامي و آلمتني ألما
شديدا حتى لم أنم من شدة الوجع و الألم و ورمت يدي فلما أصبحت أتيت الطبيب
و شكوت إليه الألم فقال : هذه بدء الآكلة أقطعها و إلا تقطع يدك فقطعت
إبهامي ثم ضربت على يدي فلم أطق النوم و لا القرار من شدة الألم فقيل لي :
إقطع كفك فقطعته و انتشر الألم إلى الساعد و آلمني ألما شديدا و لم أطق
القرار و جعلت أستغيث من شدة الألم : فقيل لي : اقطعها إلى المرفق فقطعتها
فانتشر الألم إلى العضد و ضربت على عضدي أشد من الألم الأول فقيل اقطع يدك
من كتفك و إلا سرى إلى جسدك كله فقطعتها فقال لي بعض الناس : ما سبب ألمك
؟ فذكرت قصة السمكة فقال لي : لو كنت رجعت في أول ما أصابك الألم إلى صاحب
السمكة و استحللت منه و أرضيته لما قطعت من أعضائك عضوا فاذهب الآن إليه و
اطلب رضاه قبل أن يصل الألم إلى بدنك قال : فلم أزل أطلبه في البلد حتى
وجدته فوقعت على رجليه أقبلها و أبكي و قلت له : يا سيدي سألتك بالله إلا
عفوت عني فقال لي : و من أنت ؟ قلت : أنا الذي أخذت منك السمكة غصبا و
ذكرت ما جرى و أريته يدي فبكى حين رآها ثم قال : يا أخي قد أحللتك منها
لما قد رأيته بك من هذا البلاء فقلت : يا سيدي بالله هل كنت قد دعوت علي
لما أخذتها ؟ قال : نعم قلت : اللهم إن هذا تقوى علي بقوته على ضعفي على
ما رزقتني ظلما فأرني قدرتك فيه فقلت : يا سيدي قد أراك الله قدرته في و
أنا تائب إلى الله عز و جل عما كنت عليه من خدمة الظلمة و لا عدت أقف لهم
على باب و لا أكون من أعوانهم ما دمت حيا إن شاء الله و بالله التوفيق
موعظة : إخواني كم أخرج الموت نفسا من دارها لم يدارها و كم أنزل أجسادا
بجارها لم يجارها و كم أجرى العيون كالعيون بعد قرارها ـ شعر :
( يا معرضا بوصال عيش ناغم ... ستصد عنه طائعا أو كارها )
( إن الحوادث تزعج الأحرار عن ... أوطانها و الطير عن أوكارها )
أين من ملك المغارب و المشارق و عمر النواحي و غرس الحدائق و نال الأماني
و ركب العوائق ؟ صاح به من داره غراب بين ناعق و طرقه في لهوه أقطع طارق و
زجرت عليه رعود و صواعق و حل به ما شيب بعض المفارق و قلاه الحبيب الذي لم
يفارق و هجره الصديق و الرفيق الصادق و نقل من جوار المخلوقين إلى جوار
الخالق نازله و الله الموت فلم يحاشه و أذله بالقهر بعد عز جاشه و أبدله
خشن التراب بعد لين فراشه و مزقه الدود في قبره كتمزيق قماشه و بقي في ضنك
شديد من معاشه و بعد عن الصديق فكأنه لم يماشه ما نفعه و الله الإحتراز و
لا ردت عنه الركاز بل ضره من الزاد الأعواز و صار و الله عبرة للمجتاز و
قطع شاسعا من السبل الأوفاز و بقي رهينا لا يدري أهلك أم فاز و هذا لك بعد
أيام و ما أنت فيه الآن أحلام و دنياك لا تصلح و ما سمعت ستراه غدا على
التمام و يقع لي ولك ويحك ! أما يؤثر فيك الكلام ؟
و هو داخل في قول الله تعالى : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و
يبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم }
و المكاس من أكبر أعوان الظلمة بل هو من الظلمة أنفسهم فإنه يأخذ ما لا
يستحق و يعطيه لمن لا يستحق و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم : [
المكاس لا يدخل الجنة ] و قال صلى الله عليه و سلم : لا يدخل الجنة صاحب
مكس [ رواه أبو داود و ما ذاك إلا لأنه يتقلد مظالم العباد و من أين
للمكاس يوم القيامة أن يؤدي للناس ما أخذ منهم ؟ إنما يأخذون من حسناته إن
كان له حسنات ! و هو داخل في قول النبي صلى الله عليه و سلم : ] أتدرون من
المفلس قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع إن المفلس
من أمتي من يأتي بصلاة و زكاة و صيام و حج و يأتي و قد شتم هذا و ضرب هذا
و أخذ مال هذا فيؤخذ لهذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل
أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار [
و في
حديث المرأة التي طهرت نفسها بالرجم : لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس
لغفر له أو لقبلت منه و المكاس من فيه شبه من قاطع الطريق و هو من اللصوص
و جابي المكس و كاتبه و شاهده و آخذه من جندي و شيخ و صاحب رواية شركاء في
الوزر آكلون للسحت و الحرام و صح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
] لا يدخل الجنة لحم نبت من السحت النار أولى به [ و السحت : كل حرام قبيح
الذكر يلزم منه العار
و ذكره الواحدي رحمه الله في تفسير قول الله
تعالى : { قل لا يستوي الخبيث و الطيب } و عن جابر أن رجلا قال : يا رسول
الله إن الخمر كانت تجارتي و إني جمعت من بيعها مالا فهل ينفعني ذلك المال
إن عملت فيه بطاعة الله تعالى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ]
إن أنفقته في حج أو جهاد أو صدقة لم يعدل عند الله جناح بعوضة إن الله لا
يقبل إلا الطيب فأنزل الله تعالى تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه و
آله و سلم :
{ قل لا يستوي الخبيث و الطيب و لو أعجبك كثرة الخبيث }
قال عطاء و الحسن : الحلال و الحرام فنسأل الله العفو و العافية
موعظة : أين من حصن الحصون المشيدة و احترس و عمر الحدائق فبالغ و غرس و
نصب لنفسه سرير العز و جلس و بلغ المنتهى و رأى الملتمس و ظن في نفسه
البقاء و لكن خاب الظن في النفس أزعجه و الله هازم اللذات و اختلس و نازله
بالقهر فأنزله عن الفرس و وجه به إلى دار البلاء فانطمس و تركه في ظلام
ظلمة من الجهل و الدنس فالعاقل من أباد أيامه فإن العواقب في خلس ينظر :
( تبني و تجمع و الآثار تندرس ... و تأمل اللبث و الأعمار تختلس )
( ذا اللب فكر فما في العيش من طمع ... لا بد ما ينتهي أمر و ينعكس )
( أين الملوك و أبناء الملوك و من ... كانوا إذا الناس قاموا هيبة جلسوا )
( و من سيوفهم في كل معترك ... تخشى و دونهم الحجاب و الحرس )
( أضحكوا بمهلكة في وسط معركة
... صرعى و صاروا ببطن الأرض و انطمسوا )
( و عمهم حدث و ضمهم جدث ... بأتوافهم جثث في الرمس قد حبسوا )
( كأنهم قط ما كانوا و ما خلقوا ... و مات ذكرهم بين الورى و نسوا )
( و الله لو عاينت عيناك ما صنعت ... أيدي البلا بهم و الدود يفترس )
( لعاينت منظرا تشجى القلوب له ... و أبصرت منكرا من دونه البلس )
( من أوجه ناضرات حار ناظرها ... في رونق الحسن منها كيف ينطمس )
( و أعظم باليات ما بها رمق ... و ليس تبقى لهذا و هي تنتهس )
( و السن ناطقات زانها أدب ... ما شأنها شأنها بالافة الخرس )
( حتام يا ذا النهي لا ترعوي سفها ... و دمع عينيك لا يهمي و ينبجس )
موعظة : يا من يرحل في كل يوم مرحلة و كتابه قد حوى حتى الخردلة ما ينتفع
بالنذير و النذر متصلة و لا يصغي إلى ناصح و قد عذله و دروعه مخرقه و
السهام مرسلة و نور الهدى قد بدا و لكن ما رآه و لا تأمله و هو يؤمل البقا
و يرى مصير من قد أمله قد انعكف بعد الشيب على العيب بصبابة و وله كن كيف
شئت فبين يديك الحساب و الزلزلة و نعم جلدك فلا بد للديدان أن تأكله
فيا عجبا من فتور مؤمن موقن بالجزاء و المسألة استيقن من غرور وبله و يحك
يا هذا من استدعاك و فتح منزله فقد أولاك لو علمت منزله فبادر ما بقي من
عمرك و استدرك أوله فبقية عمر المؤمن جوهرة قيمة
قال الله عز و جل : { و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل }
أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني
باليمين الباطلة الكاذبة يقتطع بها الرجل مال أخيه بالباطل و الأكل
بالباطل على وجهين أحدهما أن يكون على جهة الظلم نحو الغصب و الخيانة و
السرقة والثاني على جهة الهزل و اللعب كالذي يؤخذ في القمار و الملاهي و
نحو ذلك و في صحيح البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إن
رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ] و في صحيح
مسلم حين ذكر النبي صلى الله عليه و سلم : [ الرجل يطيل السفر أشعث أغبر
يمد يده إلى السماء يا رب يا رب و مطعمه حرام و مشربه حرام و ملبسه حرام و
غذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ] و [ عن أنس رضي الله عنه قال قلت يا رسول
الله : ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال صلى الله عليه و سلم : يا
أنس أطب كسبك تجب دعوتك فإن الرجل ليرفع اللقمة من الحرام إلى فيه فلا
يستجاب له دعوة أربعين يوما ] و روى البيهقي باسناده إلى رسول الله صلى
الله عليه و سلم قال : [ إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم
و إن الله يعطي الدنيا من يحب و من لا يحب و لا يعطي الدين إلا من يحب فمن
أعطاه الله الدين فقد أحبه و لا يكسب عبد مالا حراما فينفق منه فيبارك له
فيه و لا يتصدق منه فيقبل منه و لا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار
إن الله لا يمحو السيء بالسيء و لكن يمحو السيء بالحسن ] و [ عن ابن عمر
رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الدنيا حلوة خضرة
من اكتسب فيها مالا من حله و أنفقه في حقه أثابه الله و أورثه جنته و من
اكتسب فيها مالا من غير حله و أنفقه في غير حقه أدخله الله تعالى دار
الهوان و رب متخوض فيما اشتهت نفسه من الحرام له النار يوم القيامة ] و
جاء عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من لم يبال من أين اكتسب المال
لم يبال الله من أي باب أدخله النار ] و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
: لأن يجعل أحدكم في فيه ترابا خير من أن يجعل في فيه حراما ] و قد روي عن
يوسف بن أسباط رحمه الله قال : إن الشاب إذا تعبد قال الشيطان لأعوانه :
انظروا من أين مطعمه فإن كان مطعم سوء قال : دعوه يتعب و يجتهد فقد كفاكم
نفسه إن إجهاده مع أكل الحرام لا ينفعه و يؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين من
قوله صلى الله عليه و سلم [ عن الرجل الذي مطعمه حرام و مشربه حرام و
ملبسه حرام و غذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ؟ ] و قد روي في حديث أن ملكا
على بيت المقدس ينادي كل يوم و كل ليلة : من أكل حراما لم يقبل الله منه
صرفا و لا عدلا الصرف : النافلة و العدل : الفريضة و قال عبد الله بن
المبارك : ( لأن أرد درهما من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف و مائة
) و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من حج بمال حرام فقال
لبيك قال ملك : لا لبيك و لا سعديك حجك مردود عليك ] و روى الإمام أحمد في
مسنده عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من اشترى ثوبا بعشرة
دراهم و في ثمنه درهم من حرام لم يقبل الله له صلاة ما دام عليه ] و قال
وهب بن الورد : لو قمت قيام السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك أحلال
أم حرام و قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( لا يقبل الله صلاة امرىء و في
جوفه حرام حتى يتوب إلى الله تعالى منه ) و قال سفيان الثوري : من أنفق
الحرام في الطاعة كمن طهر الثوب بالبول و الثوب لا يطهره إلا الماء و
الذنب لا يكفره إلا الحلال و قال عمر رضي الله عنه : ( كنا ندع تسعة أعشار
الحلال مخافة الوقوع في الحرام ) و [ عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام ] و عن
زيد بن أرقم قال : كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج ـ أي قد كاتبه على
مال ـ و كان يجيئه كل يوم بخراجه فيسأله : من أين أتيت بها ؟ فإن رضيه
أكله و إلا تركه قال فجاءه ذات ليلة بطعام و كان أبو بكر صائما فأكل منه
لقمة و نسي أن يسأله ثم قال له : من أين جئت بهذا ؟ فقال : كنت تكهنت
لأناس بالجاهلية و ما كنت أحسن الكهانة إلا أني خدعتهم فقال أبو بكر : أف
لك كدت تهلكني ! ثم أدخل يده في فيه فجعل يتقيأ و لا يخرج فقيل له : إنها
لا تخرج إلا بالماء فدعا بماء فجعل يشرب و يتقيأ حتى قاء كل شيء في بطنه
فقيل له : يرحمك الله كل هذا من أجل هذه اللقمة ؟ فقال رضي الله عنه : لو
لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم
يقول : [ كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ] فخشيت أن ينبت بذلك في جسدي
من هذه اللقمة و قد تقدم قوله صلى الله عليه و سلم : [ لا يدخل الجنة جسد
غذي بحرام ] و إسناده صحيح قال العلماء رحمهم الله : و يدخل في هذا الباب
: المكاس و الخاتن و الزغلي و السارق و البطال و آكل الربا و موكله و آكل
مال اليتيم و شاهد الزور و من استعار شيئا فجحده و آكل الرشوة و منقص
الكيل و الوزن و من باع شيئا فيه عيب فغطاه و المقامر و الساحر و المنجم و
المصور و الزانية و النائحة و العشرية و الدلال إذا أخذ أجرته بغير إذن من
البائع و مخبر المشتري بالزائد و من باع حرا فأكل ثمنه
( فصل ) روي
عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ يؤتى يوم القيامة بأناس
معهم من الحسنات كأمثال جبل تهامة حتى إذا جيء بهم جعلها الله هباء منثورا
ثم يقذف بهم في النار فقيل يا رسول الله : كيف ذلك ؟ قال : كانوا يصلون و
يصومون و يزكون و يحجون غير أنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه
فأحبط الله أعمالهم ] و عن بعض الصالحين أنه رؤي بعد موته في المنام فقيل
له : ما فعل الله بك ؟ قال : خيرا غير أني محبوس عن الجنة بإبرة استعرتها
فلم أردها فنسأل الله تعالى العفو و العافية و التوفيق لما يحب و يرضى إنه
جواد كريم رءوف رحيم
( موعظة ) عباد الله أما الليالي و الأيام تهدم
الآجال ؟ أما مآل المقيم في الدنيا إلى زوال أما آخر الصحة يؤول إلى
الإعتلال أما غاية السلامة نقصان الكمال أما بعد استقرار المنى هجوم
الآجال أما أنبئتم عن الرحيل و قد قرب الإنتقال أما بانت لكم العبر و ضربت
لكم الأمثال ؟
( و عزيز ناعم ذل له ... كل صعب المرتقى وعر المرام )
( فكساه بعد لين ملبس ... خشنا بالرغم منه في الرغام )
( و وجوه ناضرات بدلت ... بعد لون الحسن لونا كالقتام )
( و شموس طالعات أفلت ... بعد ذاك النور منها بالظلام )
( و منيف شامخ بنيانه ... لين الأعطاف مهتز القوام )
( أف للدنيا فما شيمتها ... غير نقض العقد أو خفر الذمام )
( فاستعدوا الزاد تنجوا و اعملوا ... صالحا من قبل تقويض الخيام )
يا متعلقا بزخرف يروق بقاؤه كلمح البروق يا مضيعا في الهوى واجبات الحقوق
تبارز الخالق و تستحي من المخلوق ؟ يا مؤثرا أعلى العلالي ساترا ذلك
الفسوق ألا سترى ذلك الفسوق ! يا متولها مهاد الهوى و هو في سجن الردى
مرموق إبك على نفسك العليلة فإنك بالبكاء محقوق عجبا لمن رأى فعل الموت
لصحبه و أيقن بتلفه و ما قضى نحبه و سكن الإيمان بالآخرة في قلبه و نام
غافلا على جنبه و نسي جزاءه على جرمه و ذنبه و أعرض إلى ربه من الهوى عن
ربه كأني به و قد سقي كأس حمام يستغيث من شربه و أفرده الموت عن أهله و
سربه و نقله إلى قبره ذل فيه بعد عجبه فياذا اللب جز على قبره و عج به لقد
خرقت المواعظ المسامع و ما أراه انتفع به السامع لقد بدا نور المطالع لكنه
أعمى المطالع و لقد بانت العبر بآثار الغير لمن اغتر بالمصارع فما بالها
لا تسكب المدامع ؟ يا عجبا لقلب عند ذكر الحق غير خاشع لقد نشبت فيه مخالب
المطامع يا من شيبه قد أتى هل ترى ما مضى من العمر براجع ؟ انتبه لما بقي
و انته و راجع فالهول عظيم و الحساب شديد و الطريق شاسع إن عذاب ربك لواقع
ماله من دافع
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى