رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
معاملة اللهدلائل معرفة الله
أوصيك ونفسي ومن سمع كلامي بتقوى الله الذي خلق العباد وإليه المعاد وبه
السداد والرشاد
فاتقه يا أخي تقوى من قد عرف قرب الله منه وقدرته عليه
وآمن به إيمان من قد اقر له بالوحدانية والفردانية والأزلية لما ظهر من
مشاهدة ملكوته وشواهد سلطانه وكثرة الدلائل عليه والآيات التي تدل على
ربوبيته ونفاذ مشيئته وإحكام صنعته وبيان قدرته على جميع خلقه وحسن تدبيره
ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين
وثق به يا أخي ثقة من قد حسن ظنه به وقلت تهمته له وصدق بوعده ووثق بضمانه
وسكن قلبه عن الاضطراب إلى وعده وعظم وعيده في قلبه
روى عن بعض الحكماء أنه قال
وتعرف نعمه الظاهرة والباطنة الخاصة منها والعامة واخلص له إخلاص من قد
عرف أنه لا يقبل له عملا إلا بعد تخليصه من الآفات وإخلاصه لله لا شريك له
ولا يشرك في عمله أحدا سواه
وأعلم يا أخي أن إشراك المخلوقين في العمل أن يتزين لهم العبد في مواطن
الامتحان فيكذب في عمله أو يرائي ليكرم ويعظم لجميل قوله ومحاسن ما يظهر
من عمله وهو يعرف ذلك من نفسه أو يجهله منها
ولا يسلم يا أخي من شره إلا من هرب من مواطنه وعمل وهو لا يحب أن يطلع له
مخلوق على عمل وإن اطلع له مخلوق على عمل وهو لا يحب اطلاعه فمن صدقه ألا
يحب أن يحمده ذلك المخلوق على ما اطلع عليه من عمله وإن حمده أحد وهو لا
يحب حمده فلا يسر بحمده له على عمله فإن سره فلا يسرن لمعنى الدنيا بسبب
من الأسباب
ثم أصدق يا أخي في قولك وفعلك صدق من قد عرف أن الله مطلع على دخيلة أمره
وسره وعلانيته وما طوى عليه ضميره
وتوكل عليه يا أخي توكل من قد وثق بوعده واطمأن إلى ضمانه
واشكره يا أخي شكر من قد عرف فضله وكثرت أياديه عنده وبره به
ثقة منه بوفائه ورضا منه بقضائه واستسلاما منه لأمره
وإيمانا بقدره ويقينا صادقا منه بجنته وناره
وخفه يا أخي خوف من قد عرف سطوته وشدة نقمته وأليم عذابه ومثلته وآثاره
ووقائعه لمن خالف أمره وعصاه
وتعرف يا أخي انه لا تمسك لأحد خذله ولا صنيعة على أحد وفقه وسدده وحاطه
وحفظه وأنه لا صبر لأحد على عقوبته ونكاله وتغير نعمه
وارجه يا أخي رجاء من قد صدق بوعده وعاين ثوابه
واشكره يا أخي شكر من قد قبل منه محاسنه واصلح عمله وحباه من مزيد أياديه
وأناله من مزيد كراماته ما لم يستأهله بعمله
واستحيه يا أخي حياء من قد تعرف كثرة تفضله وجزيل مواهبه وعرف من نفسه
التقصير في شكره وقلة الوفاء منه بعهده والعجز عن القيام بأداء ما لزمه من
حقه ثم لا يتعرف من خالقه إلا جميل ستره وعظيم العافية وتتابع النعم ودوام
الإحسان إليه وعظيم الحلم والصفح عنه
فقم يا أخي بفرائضه والزم شرائعه ووافق سنة نبيه صلى الله عليه وسلم واتبع
آثار أصحاب نبيه والزم سيرتهم وتأدب بآدابهم واسلك طريقهم واهتد بهداهم
وتوسل إلى الله بحبهم وحب من أحبهم فهم الذين أنابوا اليه وقصدوا قصده
واختارهم لصحبة نبيه فجعلهم له أحبابا وأخدانا
ثم اعلم يا أخي أن الله جل ذكره قد افترض فرائض ظاهرة وباطنة وشرع لك
شرائع دلك عليها وأمرك بها ووعدك على حسن أدائها جزيل الثواب وأوعدك على
تضييعها أليم العقاب رحمة لك وحذرك نفسه شفقة منه عليك
حقيقة التوسل بحب الصالحين
فإذا صحت فيك ومنك هذه الخلال كصحتها منهم وفيهم كنت صادقا في حب القوم
وحسن الاتباع لهم
واعلم يا أخي أن علامة حبك إياهم لزومك محجتهم مع استقامة قلبك وصحة عملك
وصدق لسانك وحسن سريرتك لأمر دنياك وآخرتك كما كان القوم في هذه الأحوال
فهذا يحقق منك صدق دعواك لحبهم والتمسك بسنتهم
فلا تجمعن على نفسك الخلاف لمحجتهم والدعوى أنك على سبيلهم فمتى فعلت ذلك
صح منك جهل وكذب وتعرضت للمقت من اللطيف الخبير
ولكن إقرارا واستغفارا فذلك أولى بمن كانت هذه صفته
وليكن لك يا أخي في الحق نصيب فإنه قد قيل ليأتين على الناس زمان يكون
المقر فيه بالحق ناجيا
وإن كنت مدعيا لحبهم وأنت مخالف لأفاعيلهم عادل عن سبيل الاستقامة لطريق
المحجة التي كانوا عليها فأنت مائل الى موافقة هواك عادل عن مسيرتهم ولست
بصادق في دعواك
سياسة النفس
وهذا أمر جعله الله مهيمنا على أعمال الجوارح فما كان من أعمال العبد من
عمل ظاهر قوبل به من الباطن فما صح ووافق باطنه صلح وقبل ظاهره وما خالف
وفسد باطنه ردت عليه أعمال ظاهرة وإن كثرت وخسر ظاهرها لفساد باطنها
ويحقق ذلك كله قول الله تعالى { وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون
الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون }
وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ( إنما العمل بالنية وإنما لامرئ ما نوى
) )
فإذا أنت عرفت الحق فأقررت به ودلك الحق على أن لله عليك مع الفرائض
الظاهرة فرضا باطنا هو تصحيح السرائر واستقامة الإرادة وصدق النية ومفاتشة
الهمة ونقاء الضمير من كل ما يكره الله وعقد الندم على جميع ما مضى من
التواثب بالقلب والجوارح على ما نهى الله عنه
وقوله إن الملك ليكثر أعمال العبد بعد وفاته عند الله تعالى فيقول عبدك لم
أزل معه حتى توفيته ثم يذكر محاسن عمله فيكثرها ويطيبها ويحسن الثناء عليه
فيقول الله تعالى أنت كنت حفيظا على عمل عبدي وأنا كنت رقيبا على قلبه وإن
عمله الذي كثرته وطيبته لم يكن لي خالصا ولست أقبل من عبدي إلا ما كان لي
خالصا
فاعرف يا أخي نفسك وتفقد أحوالها وابحث عن عقد ضميرها بعناية منك وشفقة
منك عليها مخافة تلفها فليس لك نفس غيرها فإن هلكت فهي الطامة الكبرى
والداهية العظمى
فأحد النظر إليها يا أخي بعين نافذة البصر حديدة النظر حتى تعرف آفات
عملها وفساد ضميرها وتعرف ما يتحرك به لسانها ثم خذ بعنان هواها فاكبحها
بحكمة الخوف وصدق الخلاف عليها وردها بجميل الرفق الى مراجعة الإخلاص في
عملها وتصحيح الإرادة في ضميرها وصدق المنطق في لفظها واستقامة النية في
قلبها وغض البصر عما كره مولاها مع ترك فضول النظر الى ما قد أبيح النظر
إليه مما يجلب على القلب اعتقاد حب الدنيا
وخذها بالصمم عن استماع شئ مما كره مولاها من الهوى والخنا وفي تناولها
وقبضها وبسطها وفي فرحها وحزنها
وقوله في ابن آدم مضغة إذا صلحت صلح سائر جسده وإذا فسدت فسد سائر جسده
يريد عمله الا وهي القلب
وخذها بجميع همها كلها
وامنع فرجها عن جميع ما كره مولاها
وليكن مع ذلك منك تيقظ وإزالة للغفلات عن قلبك عند كل حركة تكون منك وسكون
وعند الصمت والمنطق والمدخل والمخرج والمنشط والحب والبغض والضحك والبكاء
فتعاهدها يا أخي في ذلك كله فإن لها في كل نوع ذكرناه من ذلك كله سبب
لهواها وسبب لطاعتها وسبب لمعصيتها
فإن غفلت و وافقت هواها وغفلت عن مفاتشة هممها كان جميع ما ذكرت لك من ذلك
كله معاصي منها وإن انت سقطت بالغفلة ثم رجعت بالتيقظ إلى خلاف هواها فكان
معك الندم على غفلتك وسقطتك رجع ذلك كله إحسانا وطاعات لك
فتفقدها يا أخي بالعناية المتحركة منك لها مخافة تلفها فإنك تقطع عن إبليس
طريق المعاصي وتفتح على نفسك باب الخيرات وما التوفيق إلا بالله العلي
العظيم
وخذها بتصحيح ما يصل الى بطنها من غذائها وما تستر به عورتها
بين اللسان والقلب
خطر اللسان
وخف يا أخي من لسانك اشد من خوفك من السبع الضاري القريب المتمكن من أخذك
فإن قتيل السبع من اهل الايمان ثوابه الجنة وقتيل اللسان عقوبته النار إلا
أن يعفو الله
فإياك يا اخي والغفلة عن اللسان فإنه سبع ضار و أول فريسته صاحبه
فأغلق باب الكلام من نفسك بغلق وثيق ثم لا تفتحه إلا فيما لا بد لك منه
فإذا فتحته فاحذر وخذ من الكلام حاجتك التي لا بد لك منها وأغلق الباب
وإياك والغفلة عن ذلك والتمادي في الحديث وأن يستمد بك الكلام فتهلك نفسك
فإنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ وهل يكب الناس على
مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم
وسأله رجل فقال ما أتقي فقال هذا يعني لسانه
وقال له آخر ما النجاة فقال امسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك
وقال صلى الله عليه وسلم من صمت نجا
وقال من سره ان يسلم فليلزم الصمت
و ورد عمر بن الخطاب على ابي بكر رضي الله عنهما وهو آخذ بطرف لسانه
يبصبصه فقال ما تصنع فقال هذا أوردني الموارد
وقال عبدالله بن مسعود ليس شئ أحق بطول سجن من لسان
الى أخبار كثيرة في اللسان
فإياك يا أخي والغفلة عنه فإنه اعظم جوارحك عليك جناية وأكثر ما تجد في
صحيفة أعمالك يوم القيامة من الشر ما املاه عليك لسانك وأكثر ما
وقال له رجل ما أخوف ما تخاف علي فقال هذا وأخذ رسول الله صلى الله عليه
وسلم بلسان نفسه
تجده في صحيفتك من الخير ما اكتسبه قلبك
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فضل عمل القلب على عمل اللسان
وذلك لأنها أعمال مستورة عن أعين العباد خاملة لان العبد يصل إليها قائما
وقاعدا ومضطجعا فأولئك هم أولو الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا
وعلى جنوبهم وأكثر ذكرهم التفكر قال تعالى { ويتفكرون في خلق السماوات
والأرض }
فهم اهل الإخمال من المؤمنين الذين عبدوا الله عبادة لم تظهر منهم
وذلك ان اكتساب قلوب الحكماء واهل البصائر للخير اعمال خفية تخفى على
إبليس وعلى الحفظة فهي اعمال نقية من الفساد زاكية قد حصلت مع خفة مؤنة
على أهلها جزيلة الثواب مخلصات من عوارض العدو ومن هوى النفسسياسة القلب
تصفية القلب عن الحرص على الدنيا
وتعاهد يا أخي قلبك بأسباب الآخرة وعرضه لذلك وصنه من أسباب الدنيا ومن
ذكر يجر الى الحرص والرغبة
ولا تأذن لقلبك في استصحاب ما يعسر طلبه وينطفئ نور القلب من اجله وكن في
تأليف ما بينه وبين محمود العواقب حريصا وخوف نفسك عقوبة ما في يديه من
الدنيا وقلة ادائك لما يجب عليك فيه من الشكر
واستكثر ما في يديك لما تعلم من ضعف شكرك فتشتغل النفس بما في يديها عن
الفكر في أمر الدنيا والمحبة للزيادة منها
فإذا اجممتها من ذكر الزيادة من الدنيا وحملتها على درجة الخوف
مما في يديها قنعت ورضيت وعفت عن طلب الدنيا بالحرص
والرغبة ورجعت الى الآخرة بالحرص عليها والرغبة فيها فإن النفس مبنية على
أساس الطمع
أخطار الطمع على القلب
قيل لحكيم فما آله الطمع وجماع آفاته
قال الشرة والحرص وهيجان الرغبة فعلى ايها اوقعت النفس طمعها احضرت أداتها
وجمعت آلتها وجدت في طلبها
فإذا قهرت صاحبها على موافقة هواها استعبدته فأذهلته وأذلته وأدهشته
وأتعبته وطيشت عقله ودنست عرضه وأخلقت مروءته وفتنته عن دينه وإن كان
عالما لبيبا عاقلا كيسا فطينا فصيحا حكيما فقيها لوثته واسقطته وفضحته
فاحتمل لها ذلك كله وهو الاريب العالم الاديب فصيرته بعد العلم جاهلا
سفيها أحمق خفيفا
ومخرج الحرص والرغبة من الطمع وبناء الانفس قائم على قواعد الطمع أما
الطمع في الدنيا فيستعمل أداة الطمع في طلب الزيادة من الدنيا أما الطمع
في الاخرة فيستعمل أداة الطمع في طلب الزيادة من أعمال الاخرة بالحرص
عليها والرغبة فيها
وذلك أنها سقته من موافقة هواها كأسا سما صرفا فاستمالته فمال بعلمه وعقله
وفهمه ونفاذ حكمته وبصره فاجراه مجرى هوى نفسه فعجلت له الفضيحة في عاجل
الدنيا عند حكمائها وعقلائها وأسقطته من عين الله واعين عباده أمن أهل
البصائر وأخرت له آجل الندامة الطويلة عند مفارقة الدنيا وفي عرصات
القيامة
قهر النفس على طلب الآخرة
فإذا تجردت من أسباب الدنيا وأقلبت على نفسها بالإياس من المخلوقين رجعت
برغبتها وطمعها الى اسباب الآخرة فجدت في طلبها واجتهدت وعزفت عن الدنيا
وباينت الهوى وخالفت العدو وتبعت العلم وكانت مطية للعقل صابرة على مر ما
يدل عليه الحق فنجت وأنجت
فإذا قطع عليها العبد الطمع من أسباب الدنيا وغلب بعقله هواها رجعت بطمعها
إلى أسباب الآخرة لا محالة لأنها بنيت على الطمعالخوف والحزن
وسيلة تحصيل الخوف والحزن
وتعاهد يا أخي قلبك عند هممه وألزمه الفكرة في أمر المعاد فلا تفارق قلبك
وتوهم بقلبك هول المطلع عند مفارقة الدنيا وترك ما قد بذل اهلها فيه مهج
نفوسهم وتدنيس أعراضهم وإخلاق مروءاتهم وانتقاص أديانهم ثم تركوا ذلك كله
وقدموا على الله فرادى آحاد مع ما قد وردوا عليه من وحشة القبر وسؤال منكر
ونكير وأهوال القيامة والوقوف بين يدي الله والمساءلة عن جميع ما كان منهم
من قول أو فعل من مثل مثاقيل الذر وموازين الخردل
وسؤاله عن الشباب فيم أبلى شبابه وعن العمر فيم أفنى عمره وعن المال من
أين اكتسب وعمن منع وفيم انفق وعن العلم ماذا عمل فيه وعن جميع الأعمال
التي صدقوا فيها والتي كذبوا فيها
فإنك يا أخي إن شغلت قلبك بذلك وأسكنته إياه وكان فيك شئ
من صحة تركيب العقل فإنه سيكل منك لسانك ولا يعدمك
الخوف اللازم مع الحزن الدائم والشغل المحيط بقلبك
إبليس يهوى القلوب الخربة
وخرابه إنما يكون اذا كان فارغا من الخوف اللازم والحزن الدائم فحينئذ
ينفث فيه بالوسوسة لآمال الدنيا والجمع لها مخافة فقرها مع لزوم طول الأمل
لقلبك وإعراضه عن الله تعالى وانقطاع مواد عظمة الله منه وفراغه من الهيبة
والحياء منه
فإذا وجد القلب عامرا خنس ونفر منه ولم يجد فيه مساغا ولا من جوانبه مدخلا
لأن القلب عامر بالخوف والأحزان والفكر فهو منير مضيء
يرى العبد بنور قلبه مداخل إبليس فيرميه بالإنكار لما يدعو إليه ويعتصم
بما أيده الله به من نور قلبه فيدحره عنه فولى الخبيث الى قلب قد فقد
الخوف فخرب وأظلم فلا نور فيه
فلا شيء أثقل على الخبيث من النور فإذا وجده خنس ونفر منه
وإن إبليس إنما يسور عليك في الآثام من وسوسة نفسك وخراب قلبك
فلا يقدر عليه إلا من قبل الغفلة من العبد
ونور القلب إنما هو من يتعظه وحياته فإذا غفل مات وأظلم وطفىء نوره فيلتبس
على العبد ما يدخله عليه العدو او يكدر عليه فاختلس إبليس من العبد
واستدام القلب بالغفلة فتسور عليه بالآثام فإذا اصر على الاقامة عليها
ورضي بها علاه الرين فاظلمه واستقر إبليس فيه ثم سلك به سبيل الآثام إلى
ان يوصله ويوقعه في الكبائر
ولا شيء اعجب إلى إبليس من ظلمة القلب وسواده وانطفاء نوره وتراكب الرين
عليه ولا شيء أثقل على الخبيث من النور والبياض والنقاء والصفاء وإنما
مأواه الظلمة وإلا فلا مأوى له ولا قرار في النور والبياض
ولقد بلغني ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره ان يدخل البيت المظلم
حتى يضاء له فيه بمصباح
مراقبة الله تعالى
ما يعين على المراقبة
يروي عن بعض الحكماء أنه قال إن من أشرف المقامات وأفضلها المراقبة لله
ومن احسن المراقبة أن يكون العبد مراقبا بالشكر على النعم والاعتراف
بالإساءة والتعرض للعفو عن الإساءة فيكون قلبه لازما لهذا المقام في كل
أعماله فمتى ما غفل رده إلى هذا بإذن الله
ومما يعين على هذا ترك الذنوب والتفرغ من الاشغال والعناية بالمراجعة
ومن أعمال القلب التي يزكو بها ولا يستغني عنها الإخلاص والثقة والشكر
والتواضع والاستسلام والنصيحة والحب في الله تعالى والبغض فيه
وقال أقل النصح الذي يحرجك تركه ولا يسعك إلا العمل به فمتى قصرت عنه كنت
مصرا على معصية الله تعالى في ترك النصيحة لعباده
فهذه الحال التي وصفنا واجبه على الخلق لا يسع تركها طرفة عين بضمير ولا
بفعل جوارح
وحال أخرى فوق هذه وهي فضيلة للعبد أن يكره لهم ما كره الله وأن يحب لهم
ما أحب الله تعالى
قال وجاء رجل الى عبدالله بن المبارك فقال له أوصني فقال راقب الله فقال
الرجل وما مراقبة الله فقال أن يستحيي من الله
فأقل ذلك ألا تحب لاحد من الناس شيئا مما يكره الله عز وجل ولا تكره لهم
ما أحب الله عز وجل
وذلك لأنها أعمال مستورة عن أعين العباد خاملة لان العبد يصل إليها قائما
وقاعدا ومضطجعا فأولئك هم أولو الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا
وعلى جنوبهم وأكثر ذكرهم التفكر قال تعالى { ويتفكرون في خلق السماوات
والأرض }
فهم اهل الإخمال من المؤمنين الذين عبدوا الله عبادة لم تظهر منهم
وذلك ان اكتساب قلوب الحكماء واهل البصائر للخير اعمال خفية تخفى على
إبليس وعلى الحفظة فهي اعمال نقية من الفساد زاكية قد حصلت مع خفة مؤنة
على أهلها جزيلة الثواب مخلصات من عوارض العدو ومن هوى النفس
تصفية القلب عن الحرص على الدنيا
وتعاهد يا أخي قلبك بأسباب الآخرة وعرضه لذلك وصنه من أسباب الدنيا ومن
ذكر يجر الى الحرص والرغبة
ولا تأذن لقلبك في استصحاب ما يعسر طلبه وينطفئ نور القلب من اجله وكن في
تأليف ما بينه وبين محمود العواقب حريصا وخوف نفسك عقوبة ما في يديه من
الدنيا وقلة ادائك لما يجب عليك فيه من الشكر
واستكثر ما في يديك لما تعلم من ضعف شكرك فتشتغل النفس بما في يديها عن
الفكر في أمر الدنيا والمحبة للزيادة منها
فإذا اجممتها من ذكر الزيادة من الدنيا وحملتها على درجة الخوف
مما في يديها قنعت ورضيت وعفت عن طلب الدنيا بالحرص
والرغبة ورجعت الى الآخرة بالحرص عليها والرغبة فيها فإن النفس مبنية على
أساس الطمع
أخطار الطمع على القلب
قيل لحكيم فما آله الطمع وجماع آفاته
قال الشرة والحرص وهيجان الرغبة فعلى ايها اوقعت النفس طمعها احضرت أداتها
وجمعت آلتها وجدت في طلبها
فإذا قهرت صاحبها على موافقة هواها استعبدته فأذهلته وأذلته وأدهشته
وأتعبته وطيشت عقله ودنست عرضه وأخلقت مروءته وفتنته عن دينه وإن كان
عالما لبيبا عاقلا كيسا فطينا فصيحا حكيما فقيها لوثته واسقطته وفضحته
فاحتمل لها ذلك كله وهو الاريب العالم الاديب فصيرته بعد العلم جاهلا
سفيها أحمق خفيفا
ومخرج الحرص والرغبة من الطمع وبناء الانفس قائم على قواعد الطمع أما
الطمع في الدنيا فيستعمل أداة الطمع في طلب الزيادة من الدنيا أما الطمع
في الاخرة فيستعمل أداة الطمع في طلب الزيادة من أعمال الاخرة بالحرص
عليها والرغبة فيها
وذلك أنها سقته من موافقة هواها كأسا سما صرفا فاستمالته فمال بعلمه وعقله
وفهمه ونفاذ حكمته وبصره فاجراه مجرى هوى نفسه فعجلت له الفضيحة في عاجل
الدنيا عند حكمائها وعقلائها وأسقطته من عين الله واعين عباده أمن أهل
البصائر وأخرت له آجل الندامة الطويلة عند مفارقة الدنيا وفي عرصات
القيامة
قهر النفس على طلب الآخرة
فإذا تجردت من أسباب الدنيا وأقلبت على نفسها بالإياس من المخلوقين رجعت
برغبتها وطمعها الى اسباب الآخرة فجدت في طلبها واجتهدت وعزفت عن الدنيا
وباينت الهوى وخالفت العدو وتبعت العلم وكانت مطية للعقل صابرة على مر ما
يدل عليه الحق فنجت وأنجت
فإذا قطع عليها العبد الطمع من أسباب الدنيا وغلب بعقله هواها رجعت بطمعها
إلى أسباب الآخرة لا محالة لأنها بنيت على الطمع
وسيلة تحصيل الخوف والحزن
وتعاهد يا أخي قلبك عند هممه وألزمه الفكرة في أمر المعاد فلا تفارق قلبك
وتوهم بقلبك هول المطلع عند مفارقة الدنيا وترك ما قد بذل اهلها فيه مهج
نفوسهم وتدنيس أعراضهم وإخلاق مروءاتهم وانتقاص أديانهم ثم تركوا ذلك كله
وقدموا على الله فرادى آحاد مع ما قد وردوا عليه من وحشة القبر وسؤال منكر
ونكير وأهوال القيامة والوقوف بين يدي الله والمساءلة عن جميع ما كان منهم
من قول أو فعل من مثل مثاقيل الذر وموازين الخردل
وسؤاله عن الشباب فيم أبلى شبابه وعن العمر فيم أفنى عمره وعن المال من
أين اكتسب وعمن منع وفيم انفق وعن العلم ماذا عمل فيه وعن جميع الأعمال
التي صدقوا فيها والتي كذبوا فيها
فإنك يا أخي إن شغلت قلبك بذلك وأسكنته إياه وكان فيك شئ
من صحة تركيب العقل فإنه سيكل منك لسانك ولا يعدمك
الخوف اللازم مع الحزن الدائم والشغل المحيط بقلبك
إبليس يهوى القلوب الخربة
وخرابه إنما يكون اذا كان فارغا من الخوف اللازم والحزن الدائم فحينئذ
ينفث فيه بالوسوسة لآمال الدنيا والجمع لها مخافة فقرها مع لزوم طول الأمل
لقلبك وإعراضه عن الله تعالى وانقطاع مواد عظمة الله منه وفراغه من الهيبة
والحياء منه
فإذا وجد القلب عامرا خنس ونفر منه ولم يجد فيه مساغا ولا من جوانبه مدخلا
لأن القلب عامر بالخوف والأحزان والفكر فهو منير مضيء
يرى العبد بنور قلبه مداخل إبليس فيرميه بالإنكار لما يدعو إليه ويعتصم
بما أيده الله به من نور قلبه فيدحره عنه فولى الخبيث الى قلب قد فقد
الخوف فخرب وأظلم فلا نور فيه
فلا شيء أثقل على الخبيث من النور فإذا وجده خنس ونفر منه
وإن إبليس إنما يسور عليك في الآثام من وسوسة نفسك وخراب قلبك
فلا يقدر عليه إلا من قبل الغفلة من العبد
ونور القلب إنما هو من يتعظه وحياته فإذا غفل مات وأظلم وطفىء نوره فيلتبس
على العبد ما يدخله عليه العدو او يكدر عليه فاختلس إبليس من العبد
واستدام القلب بالغفلة فتسور عليه بالآثام فإذا اصر على الاقامة عليها
ورضي بها علاه الرين فاظلمه واستقر إبليس فيه ثم سلك به سبيل الآثام إلى
ان يوصله ويوقعه في الكبائر
ولا شيء اعجب إلى إبليس من ظلمة القلب وسواده وانطفاء نوره وتراكب الرين
عليه ولا شيء أثقل على الخبيث من النور والبياض والنقاء والصفاء وإنما
مأواه الظلمة وإلا فلا مأوى له ولا قرار في النور والبياض
ولقد بلغني ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره ان يدخل البيت المظلم
حتى يضاء له فيه بمصباح
مراقبة الله تعالى
ما يعين على المراقبة
يروي عن بعض الحكماء أنه قال إن من أشرف المقامات وأفضلها المراقبة لله
ومن احسن المراقبة أن يكون العبد مراقبا بالشكر على النعم والاعتراف
بالإساءة والتعرض للعفو عن الإساءة فيكون قلبه لازما لهذا المقام في كل
أعماله فمتى ما غفل رده إلى هذا بإذن الله
ومما يعين على هذا ترك الذنوب والتفرغ من الاشغال والعناية بالمراجعة
ومن أعمال القلب التي يزكو بها ولا يستغني عنها الإخلاص والثقة والشكر
والتواضع والاستسلام والنصيحة والحب في الله تعالى والبغض فيه
وقال أقل النصح الذي يحرجك تركه ولا يسعك إلا العمل به فمتى قصرت عنه كنت
مصرا على معصية الله تعالى في ترك النصيحة لعباده
فهذه الحال التي وصفنا واجبه على الخلق لا يسع تركها طرفة عين بضمير ولا
بفعل جوارح
وحال أخرى فوق هذه وهي فضيلة للعبد أن يكره لهم ما كره الله وأن يحب لهم
ما أحب الله تعالى
قال وجاء رجل الى عبدالله بن المبارك فقال له أوصني فقال راقب الله فقال
الرجل وما مراقبة الله فقال أن يستحيي من الله
فأقل ذلك ألا تحب لاحد من الناس شيئا مما يكره الله عز وجل ولا تكره لهم
ما أحب الله عز وجل
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
المراقبة والمناجاة من اليقين
وفي رد القلب الى المراقبة مراجعتان
قال فالمناجاة والمراقبة من حيث تضع قلبك وهو أن تضعه دون العرش فتناجي من
هناك
ثم تذكر العظمة لوجود الحلاوة
والقول الآخر يروى ان الله سبحانه أوصى الى ابراهيم عليه السلام يا
ابراهيم تدري لم أتخذتك خليلا قال لا يا رب قال لطول قيامك بين يدي قال
فقيل إنما كان قيامه بالقلب وليس بالصلاة
وهذا يوافق القرآن قال تعالى { إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار }
وقول حارثة كأني انظر الى عرش ربي بارزا
اولاهما مراقبة النظر مع تذكر العلم قال تعالى { إنه عليم بذات الصدور }
وقال تعالى { يعلم ما في أنفسكم فاحذروه }
من آداب المراقبة
وقال أعلا الأعمال في الدرجات ان تعبد الله على السرور بمولاك ثم على
التعظيم له ثم على الشكر ثم على الخوف وآخر الاعمال التي
تكون بالصبر
والصبر على وجوه تصبر وصبر جميل ثم تخرج الى الخوف والشكر ثم الى التعظيم
ثم السرور
ومن أراد الزهد فليكن الكثير مما في أيدي الناس عنده قليلا وليكن القليل
عنده من دنياه كثيرا وليكن العظيم منهم اليه من الاذى صغيرا وليكن الصغير
منه إليهم عنده عظيما
وقال إذا دعتك نفسك الى ما تنقطع به عند حظك فاجعل بينك وبينها حكما من
الحياء من الله تعالى
وقال إن الاكياس إذا دعتهم النفوس الى ان تقطهم بخدائعها عن سبيل نجاتهم
حاكموها الى الحياء من الله تعالى فأذلها حكم الحياء
وقال مخرج الاغترار من حسن ظن القلب ومخرج حسن ظن القلب من القيام لله على
ما يكره ثم من كذب النفس
وقال من النصح ان تحب ان يكون الناس كلهم خيرا منك
وقال من انقطع الى الله لم يصبر على الناس ومن انقطع الى غير الله لم يصبر
عن الناس
وقال كرز من قرأ القرآن ما له ولكلام الناس
وقال إنما هي ايام قلائل فما على الإنسان لو وهب نفسه لله
وقال التواضع لله ذل القلب
وقال اول النعم معرفة العلم الذي به تؤدي فرائض الله ثم الصحة والغنى ثم
العقل
وقال ليس للعبد أن يرد على مولاه شيئا من أحكامه وعليه ان يرضى بما ورد
عليه من حكم مولاه فإن لم يرض صبر فللعبد حالان حال يوافق منه رضا على ما
يحب وحال يوافق منه صبرا على ما يكره
وقال ذكر عند ابن المبارك عابد تعبد بلا فقه فقال ليت بيني وبينه بحرا
العدل والفضل
شرائع العدل وشرائع الفضل
بسم الله الرحمن الرحيم يروى عن بعض الحكماء أنه قال طريق الآخرة واحد
والناس فيه صنفان فصنف اهل العدل وصنف أهل الفصل
والعدل عدلان عدل ظاهر فيما بينك وبين الناس وعدل باطن فيما بينك وبين
الله
وطريق العدل طريق الاستقامة وطريق الفضل طريق طلب الزيادة
والذي على الناس لزوم العمل به طريق الاستقامة وليس عليهم لزوم طريق الفضل
والصبر والورع مع العدل وهما واجبان والزهد والرضى مع الفضل وليسا بواجبين
والانصاف مع العدل والاحسان مع الفضل
ومن شغله العدل عن الفضل فمعذور ومن شغله الفضل عن العدل فهو
مخدوع متبع لهوى نفسه وعلى الانسان معرفة العدل وليس
عليه معرفة الفضل إلا تبرعا
وهكذا كل عمل لا يجب على العبد فعله لا يجب عليه علمه
صفات اهل العدل
فمفتاح العدل واولاه بالعبد و اوجبه عليه ان يعرف قدر نفسه فلا يكون لها
عنده قدر فوق منزلتها و ان الشبه سريرته علانيته
وأحزم الناس فيه واقربهم منه مأخذا المراجع لنفسه في كل خطرة تهواها نفسه
أو تكرهها فينظر في ذلك ان لو اطلع الناس على حالته هذه فاستحيا أو كرهها
تحول من تلك الحالة الى حالة لا يستحيا منها فإن الذي لا يستحيا منه ضد
الذي يستحيا منه
فإذا تحول واستمر فلينظر فإن اشتهت نفسه أن يطلع الناس عليه تحول منه الى
ما لا تشتهيه نفسه فإن الذي تشتهيه ضده فيكون أبدا في
ولا يكون العبد من أهل العدل إلا بثلاث خصال بالعلم حتى يعلم ما له مما
عليه وبالفعل وبالصبر
ضد ما تشتهيه نفسه
أبعد الناس من العدل
ولو عقلت من الذي تراقب ثم تقطعت أعضاؤك قطعا وانشق قلبك او سحت في الارض
لكنت بذلك محموقا
فلما لم تعقل لم تجد مس الحياء والخوف في مراقبة الله تعالى ومطالعته على
ضميرك وعلمه بما تجلبه حواسك على قلبك وقدرته المحيطة بك ثم أعرضت بعد ذلك
كالمتهاون به الى مراقبة من لا يطلع على سرك ولا علم له بما في ضميرك فقلت
لو اطلع الناس على ما في قلبي لقلوني ومقتوني فمسك الحياء والخوف منهم
حذرا من نقصان جاهك وسقوط منزلتك عندهم فكنت لهم مراقبا ومنهم خائفا ومن
مقتهم مشفقا إذ لم تجد مقت الله لك وسقوط منزلتك وجاهك عنده ومقت الله
اكبر
ثم إذا عملت شيئا من الطاعات التي تقرب الى الله زلفى فإن هم اطلعوا
وأبعد الناس من العدل اشدهم غفلة عن هذا واقلهم محاسبة لنفسه وأبعد الناس
من العدل وأطولهم غفلة عن هذا اشدهم تهاونا به
عليها عقدت بقلبك حب حمدهم على ذلك وأحببت اتخاذ
المنزلة عندهم بذلك
وإن كان شيئا يتقرب به الى الله من طاعة بعقد ضمير او اكتساب جوارح فإن
كان ذلك سرا أحببت أن يطلعوا عليه ليحمدوك ويقوم به جاهك
فلم تقنع باطلاع الله عز وجل ولا بثوابه في عمل السر ولا في عمل العلانية
وانت قانع بذلك راض به غافل متماد معتز مخدوع وكانت هذه الحالة عندك احسن
احوالك واحزم امورك
ولو استغنيت بالله وحده وباطلاعه عليك وبجزيل ثوابه لاهل طاعته ومحبته لهم
وتوفيقه لهم وتسديده إياهم و راقبته لاغناك ذلك عمن لا يملك لك ولا لنفسه
ضرا ولا نفعا
وقد رضي منك بذلك وليتك تضبطه
فاولى الفضائل بك وانفعها لك ان تكون نفسك عندك دون قدرها وأن تكون سريرتك
افضل من علانيتك وأن تبذل للناس حقوقهم ولا
تأخذ منهم حقك وتتجاوز عما يكون منهم وتنصفهم من نفسك
ولا تطلب الإنصاف منهم
وإنما هو التطهير ثم العمل والتطهير أولى بنا من العمل
وفي رد القلب الى المراقبة مراجعتان
قال فالمناجاة والمراقبة من حيث تضع قلبك وهو أن تضعه دون العرش فتناجي من
هناك
ثم تذكر العظمة لوجود الحلاوة
والقول الآخر يروى ان الله سبحانه أوصى الى ابراهيم عليه السلام يا
ابراهيم تدري لم أتخذتك خليلا قال لا يا رب قال لطول قيامك بين يدي قال
فقيل إنما كان قيامه بالقلب وليس بالصلاة
وهذا يوافق القرآن قال تعالى { إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار }
وقول حارثة كأني انظر الى عرش ربي بارزا
اولاهما مراقبة النظر مع تذكر العلم قال تعالى { إنه عليم بذات الصدور }
وقال تعالى { يعلم ما في أنفسكم فاحذروه }
من آداب المراقبة
وقال أعلا الأعمال في الدرجات ان تعبد الله على السرور بمولاك ثم على
التعظيم له ثم على الشكر ثم على الخوف وآخر الاعمال التي
تكون بالصبر
والصبر على وجوه تصبر وصبر جميل ثم تخرج الى الخوف والشكر ثم الى التعظيم
ثم السرور
ومن أراد الزهد فليكن الكثير مما في أيدي الناس عنده قليلا وليكن القليل
عنده من دنياه كثيرا وليكن العظيم منهم اليه من الاذى صغيرا وليكن الصغير
منه إليهم عنده عظيما
وقال إذا دعتك نفسك الى ما تنقطع به عند حظك فاجعل بينك وبينها حكما من
الحياء من الله تعالى
وقال إن الاكياس إذا دعتهم النفوس الى ان تقطهم بخدائعها عن سبيل نجاتهم
حاكموها الى الحياء من الله تعالى فأذلها حكم الحياء
وقال مخرج الاغترار من حسن ظن القلب ومخرج حسن ظن القلب من القيام لله على
ما يكره ثم من كذب النفس
وقال من النصح ان تحب ان يكون الناس كلهم خيرا منك
وقال من انقطع الى الله لم يصبر على الناس ومن انقطع الى غير الله لم يصبر
عن الناس
وقال كرز من قرأ القرآن ما له ولكلام الناس
وقال إنما هي ايام قلائل فما على الإنسان لو وهب نفسه لله
وقال التواضع لله ذل القلب
وقال اول النعم معرفة العلم الذي به تؤدي فرائض الله ثم الصحة والغنى ثم
العقل
وقال ليس للعبد أن يرد على مولاه شيئا من أحكامه وعليه ان يرضى بما ورد
عليه من حكم مولاه فإن لم يرض صبر فللعبد حالان حال يوافق منه رضا على ما
يحب وحال يوافق منه صبرا على ما يكره
وقال ذكر عند ابن المبارك عابد تعبد بلا فقه فقال ليت بيني وبينه بحرا
العدل والفضل
شرائع العدل وشرائع الفضل
بسم الله الرحمن الرحيم يروى عن بعض الحكماء أنه قال طريق الآخرة واحد
والناس فيه صنفان فصنف اهل العدل وصنف أهل الفصل
والعدل عدلان عدل ظاهر فيما بينك وبين الناس وعدل باطن فيما بينك وبين
الله
وطريق العدل طريق الاستقامة وطريق الفضل طريق طلب الزيادة
والذي على الناس لزوم العمل به طريق الاستقامة وليس عليهم لزوم طريق الفضل
والصبر والورع مع العدل وهما واجبان والزهد والرضى مع الفضل وليسا بواجبين
والانصاف مع العدل والاحسان مع الفضل
ومن شغله العدل عن الفضل فمعذور ومن شغله الفضل عن العدل فهو
مخدوع متبع لهوى نفسه وعلى الانسان معرفة العدل وليس
عليه معرفة الفضل إلا تبرعا
وهكذا كل عمل لا يجب على العبد فعله لا يجب عليه علمه
صفات اهل العدل
فمفتاح العدل واولاه بالعبد و اوجبه عليه ان يعرف قدر نفسه فلا يكون لها
عنده قدر فوق منزلتها و ان الشبه سريرته علانيته
وأحزم الناس فيه واقربهم منه مأخذا المراجع لنفسه في كل خطرة تهواها نفسه
أو تكرهها فينظر في ذلك ان لو اطلع الناس على حالته هذه فاستحيا أو كرهها
تحول من تلك الحالة الى حالة لا يستحيا منها فإن الذي لا يستحيا منه ضد
الذي يستحيا منه
فإذا تحول واستمر فلينظر فإن اشتهت نفسه أن يطلع الناس عليه تحول منه الى
ما لا تشتهيه نفسه فإن الذي تشتهيه ضده فيكون أبدا في
ولا يكون العبد من أهل العدل إلا بثلاث خصال بالعلم حتى يعلم ما له مما
عليه وبالفعل وبالصبر
ضد ما تشتهيه نفسه
أبعد الناس من العدل
ولو عقلت من الذي تراقب ثم تقطعت أعضاؤك قطعا وانشق قلبك او سحت في الارض
لكنت بذلك محموقا
فلما لم تعقل لم تجد مس الحياء والخوف في مراقبة الله تعالى ومطالعته على
ضميرك وعلمه بما تجلبه حواسك على قلبك وقدرته المحيطة بك ثم أعرضت بعد ذلك
كالمتهاون به الى مراقبة من لا يطلع على سرك ولا علم له بما في ضميرك فقلت
لو اطلع الناس على ما في قلبي لقلوني ومقتوني فمسك الحياء والخوف منهم
حذرا من نقصان جاهك وسقوط منزلتك عندهم فكنت لهم مراقبا ومنهم خائفا ومن
مقتهم مشفقا إذ لم تجد مقت الله لك وسقوط منزلتك وجاهك عنده ومقت الله
اكبر
ثم إذا عملت شيئا من الطاعات التي تقرب الى الله زلفى فإن هم اطلعوا
وأبعد الناس من العدل اشدهم غفلة عن هذا واقلهم محاسبة لنفسه وأبعد الناس
من العدل وأطولهم غفلة عن هذا اشدهم تهاونا به
عليها عقدت بقلبك حب حمدهم على ذلك وأحببت اتخاذ
المنزلة عندهم بذلك
وإن كان شيئا يتقرب به الى الله من طاعة بعقد ضمير او اكتساب جوارح فإن
كان ذلك سرا أحببت أن يطلعوا عليه ليحمدوك ويقوم به جاهك
فلم تقنع باطلاع الله عز وجل ولا بثوابه في عمل السر ولا في عمل العلانية
وانت قانع بذلك راض به غافل متماد معتز مخدوع وكانت هذه الحالة عندك احسن
احوالك واحزم امورك
ولو استغنيت بالله وحده وباطلاعه عليك وبجزيل ثوابه لاهل طاعته ومحبته لهم
وتوفيقه لهم وتسديده إياهم و راقبته لاغناك ذلك عمن لا يملك لك ولا لنفسه
ضرا ولا نفعا
وقد رضي منك بذلك وليتك تضبطه
فاولى الفضائل بك وانفعها لك ان تكون نفسك عندك دون قدرها وأن تكون سريرتك
افضل من علانيتك وأن تبذل للناس حقوقهم ولا
تأخذ منهم حقك وتتجاوز عما يكون منهم وتنصفهم من نفسك
ولا تطلب الإنصاف منهم
وإنما هو التطهير ثم العمل والتطهير أولى بنا من العمل
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
التطهير والعمل
أهمية التطهر من الافات قبل العمل
والتطهير هو الانتقال عن الشر الى الاساس الذي يبنى عليه الخير وقد يمكن
ان يسقط البناء ويبقى الأساس ولا يمكن ان يسقط الاساس ويبقى البناء
ومن لم يتطهر قبل العمل فإن الشر يمنع العبد من منفعة الخير فترك الشر
أولى بالعبد ثم يطلب الخير بعد
والنفس تجزع من التطهير وتفر الى اعمال الطاعات لثقل التطهير عليها وخفة
العمل بالطاعات بلا طهارة
فإذا كانت الطهارات متقدمة امام العمل بالطاعات بعد خفته عليها
لمكان الطهارة فالحاجة الى معرفة الاسباب التي يطلب
منها الخير وتوصل الى الله شديدة
فمن كانت له عناية بنفسه وخاف عليها التلف طلب لطائف الاسباب بدقائق الفطن
وغائص الفهم حتى يصل اليها فإذا وصل اليها تمسك بها وعمل عليها لان
المعرفة لآفات العمل تكون قبل العمل ومعرفة الطريق قبل سلوكه وحاجة العبد
الى معرفة نفسه وهواها وعدوه ومعرفة الشر أشد إن كان كيسا وهو الى ذلك
افقر إن كان فطنا معنيا بنفسه
لانه ليس العمل بكل الخير يلزم العبد والشر كله لازم للعبد تركه ومن ترك
الشر وقع في الخير وليس كل من عمل بالخير كان من أهله
ومعرفة العبد للشر فيها علم الخير والشر وليس في معرفة الخير العلمان
جميعا لان كل من ميز الخير من الشر فعزله واعتزله فكل ما بقي بعد ذلك فهو
خير كله وقد يمكن أن يعلم الخير ولا يحسن ان يميز ما فيه من الشر من
الافات التي تفسده وتبطله لان الخير مشوب ممازج بالشر والشر شر كله
الشيطان يضل الناس بالخير وبالشر
وقد اضل العدو الخبيث عن الله كثيرا من الناس بالخير واضل كثيرا منهم
بالشر وإنما اضل من أضل منهم بالخير لقلة معرفتهم بما يمازج الخير من الشر
فجهلوا معرفة ذلك و أوهمتهم انفسهم أنهم على خير وهدى وطريق محبة وسبيل
واستقامة وهم ضالون عن الله عادلون عن طريق محبته وسبيل الاستقامة اليه
وإنما ذلك من كثرة الافات التي تلحق الاعمال وقلة علم العمال بها فإنا لله
وإنا اليه راجعون
الطلب على قدر المعرفة
والحري أن تارك الشر يكون تركه له على قدر ما يعرف من ضرره وهو قائم بفرض
تقرب إقامته من الله زلفى وطالب الخير يكون طلبه على قدر ما يرجو ويعرف من
منفعته ومن أن العلم شئ والعمل شئ والمنفعة شئ وربما كان علم ولم يكن
صاحبه به عاملا وربما كان علم وعمل ولم تكن منفعة وربما كان علم وعمل
ومنفعة ثم يكون بعد ذلك إبطال وإحباط وربما علم العبد وعمل وانتفع وسلم وتم
ما أغفل الناس عن أنفسهم وعن اهوائهم وعن عدوهم فنعوذ بالله من الغفلة
والسهو والنسيان الذي يردي ويفسد الأعمالالخصال التي يطلب منها الخير
صاحب الخير العامل به لا يستغني عن الصدق والصواب والشكر والرجاء والخوف
وطالب الخير لا يستغني عن خمس خصال سوى ما يحتاج فيه الى علم حدود الاعمال
واحكامها وادائها الى الله تعالى خالصة مخلصة مشوبة بالصدق كما امر وفرض
وسن في الاوقات التي امر وفرضالصواب
وليس شيء اشد تهمة ولا اكثر ضررا على السنة من العقل فمتى
اما الصواب فالسنة والسنة ليس بكثرة الصلاة تدرك ولا بكثرة الصيام والصدقة
ولا بالعقل والفهم ولا بغرائب الحكمة ولا بالبلاغ والموعظة ولكن بالاتباع
والاستسلام لكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والائمة
الراشدين من بعده
اراد العبد ان يسلك سبيل السنة بالعقل والفهم خالفها
واخذ في غير طريقها
الصدق
تعمل العمل ثم لا تريد على ذلك جزاء ولا شكورا الا من الله تعالى ولا
تبطله بالمن والاذى ومنه صدق اللسان في الحديث وقد يصدق في حاله بلسانه
وهو عاص لله تعالى في صدقه وهو المغتاب والنمام
واما الصدق ففي اربعة اشياءالشكر
واما الشكر فمعرفة البلوى فإذا عرف ان كل نعمة فهي من الله
لا غيره وانما هي بلوى يختبر بها عبده شكر ام كفر وكل
سوء صرف عن العبد فالله تعالى صرفه ليشكره عبده او يكفره فهذا من الشكر
فإذا عرف العبد هذا انه من الله وعده من نعمه عليه ولم يدخل فيه احدا نفسه
لا غيرها فقد شكره فالشكر متفاوت والناس فيه متباينون متصاعدون وهذا ادناه
واما اعلاه فلا يبلغه احد وليس له حد
ومنه ايضا وهو يشبه ما وصفنا الا انه اصل الشكر ان يعرف العبد ان ما به من
نعمة فمن الله بقلبه علم يقين لا تخالطه الشكوك فإذا عرف بقلبه ذلك ذكره
بلسانه فحمده عليه ثم لم يستعن بشيء من نعم المنعم على شيء مما يكره
المنعم
واعلا من ذلك من الشكر ان تعد كل بلاء نزل بك نعمة لان لله من البلاء ما
انزله بغيرك اشد واعظم من الذي انزله بك
والناس يحتاجون عند ذلك الى الصبر وهو قائم بالشكر
الرجاء
واما الرجاء فهو ان ترجو قبول الاعمال وجزيل الثواب عليها
وتخاف مع ذلك ان يرد عليك عملك او يكون قد دخلته آفة
أفسدته عليك
والراجون ثلاثة
رجل عمل حسنة وهو صادق في عملها مخلص فيها يريد الله بها ويطلب ثوابه فهو
يرجو قبولها وثوابها ومعه الاشفاق فيها
ورجل عمل سيئة ثم تاب منها الى الله فهو يرجو قبول توبته وثوابها ويرجو
العفو عنها والمغفرة لها ومعه الاشفاق الا يعاقبه عليها
واما الثالث فهو الرجل يتمادى في الذنوب وفيما لا يحبه لنفسه ولا يحب ان
يلقى الله به ويرجو المغفرة من غير توبة وهو مع ذلك غير تائب منها ولا
مقلع عنها وهو مع ذلك يرجو
فهذا يقال له مفتر متعلق بالرجاء الكاذب والاماني الكاذبة والطمع الكاذب
والقيام على هذا يقطع مواد عظمة الله من قلب العبد فيدوم اعراضه عنه ويأنس
بجانب مكر الله ويأمن تعجيل العقوبة وهذا هو المفتر المخدوع المستدرج
واما امثالنا من الناس فينبغي ان يكون الخوف عندهم اكثر من الرجاء لان
الرجاء الصادق انما يكون على قدر العمل بالطاعات
أهمية التطهر من الافات قبل العمل
والتطهير هو الانتقال عن الشر الى الاساس الذي يبنى عليه الخير وقد يمكن
ان يسقط البناء ويبقى الأساس ولا يمكن ان يسقط الاساس ويبقى البناء
ومن لم يتطهر قبل العمل فإن الشر يمنع العبد من منفعة الخير فترك الشر
أولى بالعبد ثم يطلب الخير بعد
والنفس تجزع من التطهير وتفر الى اعمال الطاعات لثقل التطهير عليها وخفة
العمل بالطاعات بلا طهارة
فإذا كانت الطهارات متقدمة امام العمل بالطاعات بعد خفته عليها
لمكان الطهارة فالحاجة الى معرفة الاسباب التي يطلب
منها الخير وتوصل الى الله شديدة
فمن كانت له عناية بنفسه وخاف عليها التلف طلب لطائف الاسباب بدقائق الفطن
وغائص الفهم حتى يصل اليها فإذا وصل اليها تمسك بها وعمل عليها لان
المعرفة لآفات العمل تكون قبل العمل ومعرفة الطريق قبل سلوكه وحاجة العبد
الى معرفة نفسه وهواها وعدوه ومعرفة الشر أشد إن كان كيسا وهو الى ذلك
افقر إن كان فطنا معنيا بنفسه
لانه ليس العمل بكل الخير يلزم العبد والشر كله لازم للعبد تركه ومن ترك
الشر وقع في الخير وليس كل من عمل بالخير كان من أهله
ومعرفة العبد للشر فيها علم الخير والشر وليس في معرفة الخير العلمان
جميعا لان كل من ميز الخير من الشر فعزله واعتزله فكل ما بقي بعد ذلك فهو
خير كله وقد يمكن أن يعلم الخير ولا يحسن ان يميز ما فيه من الشر من
الافات التي تفسده وتبطله لان الخير مشوب ممازج بالشر والشر شر كله
الشيطان يضل الناس بالخير وبالشر
وقد اضل العدو الخبيث عن الله كثيرا من الناس بالخير واضل كثيرا منهم
بالشر وإنما اضل من أضل منهم بالخير لقلة معرفتهم بما يمازج الخير من الشر
فجهلوا معرفة ذلك و أوهمتهم انفسهم أنهم على خير وهدى وطريق محبة وسبيل
واستقامة وهم ضالون عن الله عادلون عن طريق محبته وسبيل الاستقامة اليه
وإنما ذلك من كثرة الافات التي تلحق الاعمال وقلة علم العمال بها فإنا لله
وإنا اليه راجعون
الطلب على قدر المعرفة
والحري أن تارك الشر يكون تركه له على قدر ما يعرف من ضرره وهو قائم بفرض
تقرب إقامته من الله زلفى وطالب الخير يكون طلبه على قدر ما يرجو ويعرف من
منفعته ومن أن العلم شئ والعمل شئ والمنفعة شئ وربما كان علم ولم يكن
صاحبه به عاملا وربما كان علم وعمل ولم تكن منفعة وربما كان علم وعمل
ومنفعة ثم يكون بعد ذلك إبطال وإحباط وربما علم العبد وعمل وانتفع وسلم وتم
ما أغفل الناس عن أنفسهم وعن اهوائهم وعن عدوهم فنعوذ بالله من الغفلة
والسهو والنسيان الذي يردي ويفسد الأعمال
صاحب الخير العامل به لا يستغني عن الصدق والصواب والشكر والرجاء والخوف
وطالب الخير لا يستغني عن خمس خصال سوى ما يحتاج فيه الى علم حدود الاعمال
واحكامها وادائها الى الله تعالى خالصة مخلصة مشوبة بالصدق كما امر وفرض
وسن في الاوقات التي امر وفرض
وليس شيء اشد تهمة ولا اكثر ضررا على السنة من العقل فمتى
اما الصواب فالسنة والسنة ليس بكثرة الصلاة تدرك ولا بكثرة الصيام والصدقة
ولا بالعقل والفهم ولا بغرائب الحكمة ولا بالبلاغ والموعظة ولكن بالاتباع
والاستسلام لكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والائمة
الراشدين من بعده
اراد العبد ان يسلك سبيل السنة بالعقل والفهم خالفها
واخذ في غير طريقها
الصدق
تعمل العمل ثم لا تريد على ذلك جزاء ولا شكورا الا من الله تعالى ولا
تبطله بالمن والاذى ومنه صدق اللسان في الحديث وقد يصدق في حاله بلسانه
وهو عاص لله تعالى في صدقه وهو المغتاب والنمام
واما الصدق ففي اربعة اشياء
واما الشكر فمعرفة البلوى فإذا عرف ان كل نعمة فهي من الله
لا غيره وانما هي بلوى يختبر بها عبده شكر ام كفر وكل
سوء صرف عن العبد فالله تعالى صرفه ليشكره عبده او يكفره فهذا من الشكر
فإذا عرف العبد هذا انه من الله وعده من نعمه عليه ولم يدخل فيه احدا نفسه
لا غيرها فقد شكره فالشكر متفاوت والناس فيه متباينون متصاعدون وهذا ادناه
واما اعلاه فلا يبلغه احد وليس له حد
ومنه ايضا وهو يشبه ما وصفنا الا انه اصل الشكر ان يعرف العبد ان ما به من
نعمة فمن الله بقلبه علم يقين لا تخالطه الشكوك فإذا عرف بقلبه ذلك ذكره
بلسانه فحمده عليه ثم لم يستعن بشيء من نعم المنعم على شيء مما يكره
المنعم
واعلا من ذلك من الشكر ان تعد كل بلاء نزل بك نعمة لان لله من البلاء ما
انزله بغيرك اشد واعظم من الذي انزله بك
والناس يحتاجون عند ذلك الى الصبر وهو قائم بالشكر
الرجاء
واما الرجاء فهو ان ترجو قبول الاعمال وجزيل الثواب عليها
وتخاف مع ذلك ان يرد عليك عملك او يكون قد دخلته آفة
أفسدته عليك
والراجون ثلاثة
رجل عمل حسنة وهو صادق في عملها مخلص فيها يريد الله بها ويطلب ثوابه فهو
يرجو قبولها وثوابها ومعه الاشفاق فيها
ورجل عمل سيئة ثم تاب منها الى الله فهو يرجو قبول توبته وثوابها ويرجو
العفو عنها والمغفرة لها ومعه الاشفاق الا يعاقبه عليها
واما الثالث فهو الرجل يتمادى في الذنوب وفيما لا يحبه لنفسه ولا يحب ان
يلقى الله به ويرجو المغفرة من غير توبة وهو مع ذلك غير تائب منها ولا
مقلع عنها وهو مع ذلك يرجو
فهذا يقال له مفتر متعلق بالرجاء الكاذب والاماني الكاذبة والطمع الكاذب
والقيام على هذا يقطع مواد عظمة الله من قلب العبد فيدوم اعراضه عنه ويأنس
بجانب مكر الله ويأمن تعجيل العقوبة وهذا هو المفتر المخدوع المستدرج
واما امثالنا من الناس فينبغي ان يكون الخوف عندهم اكثر من الرجاء لان
الرجاء الصادق انما يكون على قدر العمل بالطاعات
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الخوف
ومعنى الحديث الذي جاء لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا ينبغي ان يكون
خاصا بين اهله وهو قبل الحديث الاخر المؤمن كذي قلبين قلب يرجو به وقلب
يخاف به فإنما هو اذا احسن رجا واذا اساء خاف مع التوبة والندم والاقلاع
فأما من عرف نفسه بكثرة الاساءة فينبغي ان يكون خوفه على قدر ذلك ورجاؤه
على قدر ما يعرف من نفسه من الاحسان لان الرجاء على قدر الطلب والخوف على
قدر الهرب
والخوف على قدر الذنوب فلو كان الرجاء يستقيم بلا عمل لكان المحسن والمسيء
في الرجاء سواء وقد قال الله تعالى { الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا
في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله } وقال { إن رحمة الله قريب من
المحسنين }البلوي والاختبار
القرآن يقرر الابتلاء بالدنيا كلها
واعلم أيقن أن الدنيا كلها كثيرها وقليلها حلوها ومرها وأولها وآخرها وكل
شيء من أمرها بلوى من الله تعالى للعبد واختبار
وبلواها وان كثرت وتشعبت واختلفت فهو مجموع كله في خلتين في الشكر والصبر
فإما ان يشكر على نعمة او يصبر على مصيبة
قال الله تعالى { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا
}
وقال { ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض }
وقال { ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم }
وقال { خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم
أحسن عملا }
وقال { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم }
واكثر من ذلك في كتاب الله تعالى
وانما كانت بلوى آدم عليه السلام أقل من آية في كتاب الله تعالى { ولا
تقربا هذه الشجرة } وهو كله لك بلوى
وقال { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون }
اكثر الفتنة في الناس
فإنك من لم يعرفك من أهل زمانك ولم تعرفه ولم تسمع به كأنك
وان اكثر ما بلي به العبد من اهل الدنيا الناس وافتن الناس لك واكثرهم
لشغلك انما هو بمعارفك منهم واشغل معارفك لك واكثرهم عليك فتنة من انت بين
ظهرانيهم ينظرون اليك وتنظر اليهم ويكلمونك وتكلمهم
لم تبتل بهم وكأنهم لم يبتلوا بك وكأنهم لم يكونوا من
هذه الدنيا التي انت فيها
فأرجع في صبرك إلى الله واستعن به وانقطع اليه واستانس بذكره وأقلل من
الخلطاء ما استطت بل اترك القليل أيضا تسلم لقول الله تعالى { وجعلنا
بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا } فاهرب من الفتنة
فرجع صبرك الى معارفك ومن انت بين ظهرانيهم فنظرك اليهم فتنة ونظرهم اليك
فتنة وكلامك معهم فتنة وكلامهم معك فتننة وجفاؤك لهم فتنة وجفاؤهم لك فتنة
وكرامتهم لك فتنة وكرامتك لهم فتنة لك
واعتبر من ذلك بموضع تمر فيه فيه معارفك وموضع تمر فيه ليس فيه احد يعرفك
وهكذا شهوات المطعم والملبس وشهوات العين ما يحل النظر اليه وما لا يحل
النظر اليه مما كان من ذلك في غير البلدة التي انت فيها فأنت منها سليم
وفتنتها مصروفة عنك ان شاء الله تعالى لان مؤنتها ساقطة وهكذا انت في جميع
امورك
الابتلاء في العمل
ان حججت فكنت خاليا ليس معك من يعرفك بالخير وتعرفه كان اسلم لك والا فهو
فتنة فانظر كيف تسلم منها
وان خرجت من بلدة انت فيها معروف بالخير فخرجت منها وهم لا يعلمون اين
تريد فهو اسلم لك وان علموا فهو فتنة فانظر كيف تسلم منها
وكذلك الغزو وبلوى اهل الغزو وما ينوبهم في مغازيهم من الفتنة والبلية
اعظم من بلية غيرهم من الذين يعملون اعمال البر وهم قبل ان يدخلوا في هذه
الاشياء في عافية فإذا دخلوها جاءت الفتنة من التحاسد بعضهم لبعض وطمعهم
فيما يرجون من السهام وطمعهم في الحملان وما يجعل للناس في سبيل الغزو
ولقد سمعت رجلا من المذكورين من اهل الغزو وممن له غناء عند لقاء العدو
واسم عظيم في المطوعة يقول الخيل قد خرجت ولم
وعملك الذي تعمل انما هو فتنة انت فيه تريد ان توقي اعين الناس واكثرهم من
يعرفك بالخير فأعمالك لك فتنة
يقض لي الخروج فيها أما السلامة فأحب ان يسلموا ولكني
أكره أن يغنموا وليس أنا فيهم
ولقد رأيت من يغار على ما يقوى به بعض الغزاة حيث لم يعط هو وأعطي غيره
كما يغار الرجل على بعض حرمه ولقد رأيت من غزا ولم يغنم ود ان لم يكن غزا
ولا يؤمن يا أخي على كل من دخل في عمل من أعمال الدنيا والاخرة جميعا إذا
لحقتهم في عملهم الآفات التي تفسد الاعمال ان يدخل عليهم الشيطان فيها من
العيوب والفتن مثل هذا وأكثر من هذا
فليحذر الرجل على كل عمل يعمله من أعمال الدنيا والاخرة وليراقب الله فيه
ويعامله بضمير خالص ويحذر اطلاع الله على فساد ضميره ويحذر اطلاع
المخلوقين على عمله فإن كناس الحشوس أكرم من هذا الصائم وهذا المصلي وهذا
القائم وهذا الغازي الذي يكره ان ينال المسلمون من غنائم الروم والجالس في
بيته ببغداد يحب ان يغنموا منهم
فاحذر رحمك الله من قرب منك وقربت منه فإن الذين بعدوا منك وبعدت منهم
سلموا منك وسلمت منهم
يود أقوام غدا انهم لم يكونوا سمعوا بآذانهم كثيرا من أعمالهم التي هي
في رأي العين يرجى لصاحبها عليها الثواب الجزيل
والدرجات الرفيعة ويغيطون من لم يكن عمل مثل ما عملوا كثيرا من حسناتهم
وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحسبون
كيف يهلك العبد بأعمال البر
فلما وردوا على الله عز وجل وجدوه قد أحبط أعمالهم وهم لا يشعرون لأنهم
كانوا قد تعجلوا ثواب اعمالهم من المخلوقين في الدنيا فافتضحوا وفضيحة ما
هناك باقية ولم يجدوا من ثواب اعمالهم إلا كما وجد صاحب السراب وصاحب
الرماد
فليس اسم الأعمال يراد ولا تزيين ظاهرها ولكن تقوى الله وما يقرب اليه
زلفى فليت بين العبد وبين كل عمل يباعد من تقوى الله ومن الله بعد
المشرقين
قال العدو الخبيث ثم لآتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن
شمائلهم فلو لم يكن في
يقال إنها أعمال من البر كانوا يرون انها منجيتهم فكانت هي مهلكتهم لما
مازجها من الرياء وحب المحمدة من المخلوقين واتخاذ المنازل بالطاعات
وإقامة الجاه وحب القدر والميل الى ثواب المخلوقين
الكتاب من صفات إبليس إلا هذا قد كان ينبغي للناس أن
يحذروه
ولو نظرت في اكثر الناس لوجدت أن أكثرهم إنما يؤتى من قبل البر وقلة
العناية بتصفية الاعمال وما قد استحلت النفس من حب المحمدة من المخلوقين
وقد يؤتى قوم كثير من قبل الآثام إلا أن علامة الفتنة في الناس جميعا
مختلفة وأكثر الناس إنما يعرفون من قد فتن بالآثام ولا يعرفون من فتن
بالبر إلا القليل من الناس من أهل النور والفطن والفراسة والتوسم والكياسة
وذلك ان الذي يعمل بأعمال البر وهو يحب فتنتها أكثر من الذي يخاف فتنتها
والذي يجهل فتنتها اكثر من الذي يعلم فتنتها
ومن الناس من يعلم فتن الاعمال ومبطلاتها ثم يغلبه الهوى ومنهم من يعلم
وتقل عنايته فيغفل
واعلم ان الذي يعمل وقد علم الافات التي تفسد الاعمال ومعه العناية بنفسه
وعمله ومعه التيقظ وإزالة الغفلة وهو مع ذلك مشفق خائف من الافات ما يكاد
يسلم إلا من عصم الله تعالى فكيف الذي يجهل ويغفل ويغلبه الهوى ويحب دخول
الافة
شمول الفتنة وخطرها
فلتكن همتك في النظر في مرآة الفكر كالهمة بالعمل وأكثر من ذلك فإنه ليس
شهوات الذنوب والسيئات وشهوات المطاعم والمشارب والملابس والبناء والمراكب
والمناكح والذهب والفضة بأغلب على اصحابها من شهوات الجاه وحب الرئاسة
وإقامة القدر واتخاذ المنزلة وقبول الامر والنهي وقضاء الحوائج وحب
العدالة عند الجيران والاصحاب والاخوان والمدحة على اصحاب البر في حسناتهم
وقد تجد الرجل يغلب شهوة الذنب فيترك الذنوب ويصير الى اعمال البر فيضعف
عند تصفيتها وتغلبه شهوة ما فيها فيعمل حسنات كثيرة بقوة واقتدار عليها
وظمأ شديد وسهر فلا يقدر على ان يغلب شهوته على تصفيتها فإنا لله وإنا
إليه راجعون مما قد نزل بنا وما اعظم خطرنا
وقد طلبت الدنيا في زماننا خاصة بكل جهة بالبر والاثم جميعا افتتانا فاحذر
فتنة البر والاثم جميعا لئلا ينزل بك ما نزل بغيرك في الترك والطلب
وما أغفلنا عن عظيم الخطر
أحذر خداع الشيطان وهوى نفسك
وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وقد قال تعالى { فإذا
قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم }
وقال { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب
السعير }
وقال { إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم وقال }
ثم اعلم أني لست أزهدك في طلب اعمال البر لأن كل عمل لا تعمله اليوم لا
تجد ثوابه غدا ولكني احذرك خداع الشيطان وهوى نفسك الأمارة بالسوء
{ وكذلك سولت لي نفسي } وقال { فطوعت له نفسه قتل أخيه
فقتله فأصبح من الخاسرين } وقال { بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل }
وقال { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } وقال { ولا تتبع
الهوى فيضلك عن سبيل الله } وقال { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من
الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين } وقال { واتبع هواه وكان أمره فرطا
} وقال { وكذبوا واتبعوا أهواءهم }
مع اشياء كثيرة في ذكر عداوة إبليس وذم النفس والهوى
كيف يعرف الانسان سلامته من الافات
فقال إن الانسان عند معرفة عيب نفسه أبله وعند معرفة عيب غيره جهبيذ
فيحتقر عيب اهل كل صناعة وأهل كل عمل من اعمال الدنيا والاخرة ويحتقر عيب
من هو في مثل مرتبته ويستعظم ذلك من كل من رآه منه فإذا اتى على عيب نفسه
جازه الى عيوبهم كأنه أعمى عنه لم يره
وهو يطلب العذر لنفسه ولا يطلبه لغيره فهو في طلب عذرها جهبيذ وفي طلب عذر
غيرها ابله وهو يضمر عند ذلك لصاحبه ما يكره أن يضمر له غيره لو رأى منه
مثل ذلك العيب
فإذا رأيت عيبا أو زلة أو عثرة من غيرك فاجعل نفسك مكانه ثم انظر الذي كنت
تحب ان يستقبلك به لو رأى منك مثل الذي رأيت منه وأضمر ذلك له في نفسك
فإنه يحب منك مثل ما كنت تحبه منه
وهكذا إذا رأيت ما يستحسن فأردت ان تعرف علم السلامة من
قلت ارى من الناس أشياء يعاب مثلها واحب ان أسلم من التعبير والازدراء
والعيب فلا أدرى اسلمت منه نفسي أم لا
الحسد له
وبالحري أن يكون أخف الناس عليك عند الزلة من يطلب لزلتك عذرا ومخرجا فإذا
لم يجد للعذر موضعا ساءه ذلك وأخفى مكانه وعند حسنتك يسر فإن لم يسر لم
تسؤه
فهكذا فكن لهم عند الزلة وعند الحسنة فإذا كنت كذلك فلا تحب إزالة نعمة
أنعمها الله على أحد في دين ولا في دنيا ولا تحب أن يقيم أحد على معصية
الله تعالى ولا تحب ان يهلك ستره عند زلته فإنك إذا فعلت ذلك بقلبك زال عن
قلبك الحسد عن الدين والدنيا جميعا
ومتى غلبت عليك المسابقة الى ضميرك بسوء المحضر فلا تغلبن على مشاهدته
بحسن المراجعة من جميع أمورك
ومعنى الحديث الذي جاء لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا ينبغي ان يكون
خاصا بين اهله وهو قبل الحديث الاخر المؤمن كذي قلبين قلب يرجو به وقلب
يخاف به فإنما هو اذا احسن رجا واذا اساء خاف مع التوبة والندم والاقلاع
فأما من عرف نفسه بكثرة الاساءة فينبغي ان يكون خوفه على قدر ذلك ورجاؤه
على قدر ما يعرف من نفسه من الاحسان لان الرجاء على قدر الطلب والخوف على
قدر الهرب
والخوف على قدر الذنوب فلو كان الرجاء يستقيم بلا عمل لكان المحسن والمسيء
في الرجاء سواء وقد قال الله تعالى { الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا
في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله } وقال { إن رحمة الله قريب من
المحسنين }
القرآن يقرر الابتلاء بالدنيا كلها
واعلم أيقن أن الدنيا كلها كثيرها وقليلها حلوها ومرها وأولها وآخرها وكل
شيء من أمرها بلوى من الله تعالى للعبد واختبار
وبلواها وان كثرت وتشعبت واختلفت فهو مجموع كله في خلتين في الشكر والصبر
فإما ان يشكر على نعمة او يصبر على مصيبة
قال الله تعالى { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا
}
وقال { ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض }
وقال { ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم }
وقال { خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم
أحسن عملا }
وقال { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم }
واكثر من ذلك في كتاب الله تعالى
وانما كانت بلوى آدم عليه السلام أقل من آية في كتاب الله تعالى { ولا
تقربا هذه الشجرة } وهو كله لك بلوى
وقال { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون }
اكثر الفتنة في الناس
فإنك من لم يعرفك من أهل زمانك ولم تعرفه ولم تسمع به كأنك
وان اكثر ما بلي به العبد من اهل الدنيا الناس وافتن الناس لك واكثرهم
لشغلك انما هو بمعارفك منهم واشغل معارفك لك واكثرهم عليك فتنة من انت بين
ظهرانيهم ينظرون اليك وتنظر اليهم ويكلمونك وتكلمهم
لم تبتل بهم وكأنهم لم يبتلوا بك وكأنهم لم يكونوا من
هذه الدنيا التي انت فيها
فأرجع في صبرك إلى الله واستعن به وانقطع اليه واستانس بذكره وأقلل من
الخلطاء ما استطت بل اترك القليل أيضا تسلم لقول الله تعالى { وجعلنا
بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا } فاهرب من الفتنة
فرجع صبرك الى معارفك ومن انت بين ظهرانيهم فنظرك اليهم فتنة ونظرهم اليك
فتنة وكلامك معهم فتنة وكلامهم معك فتننة وجفاؤك لهم فتنة وجفاؤهم لك فتنة
وكرامتهم لك فتنة وكرامتك لهم فتنة لك
واعتبر من ذلك بموضع تمر فيه فيه معارفك وموضع تمر فيه ليس فيه احد يعرفك
وهكذا شهوات المطعم والملبس وشهوات العين ما يحل النظر اليه وما لا يحل
النظر اليه مما كان من ذلك في غير البلدة التي انت فيها فأنت منها سليم
وفتنتها مصروفة عنك ان شاء الله تعالى لان مؤنتها ساقطة وهكذا انت في جميع
امورك
الابتلاء في العمل
ان حججت فكنت خاليا ليس معك من يعرفك بالخير وتعرفه كان اسلم لك والا فهو
فتنة فانظر كيف تسلم منها
وان خرجت من بلدة انت فيها معروف بالخير فخرجت منها وهم لا يعلمون اين
تريد فهو اسلم لك وان علموا فهو فتنة فانظر كيف تسلم منها
وكذلك الغزو وبلوى اهل الغزو وما ينوبهم في مغازيهم من الفتنة والبلية
اعظم من بلية غيرهم من الذين يعملون اعمال البر وهم قبل ان يدخلوا في هذه
الاشياء في عافية فإذا دخلوها جاءت الفتنة من التحاسد بعضهم لبعض وطمعهم
فيما يرجون من السهام وطمعهم في الحملان وما يجعل للناس في سبيل الغزو
ولقد سمعت رجلا من المذكورين من اهل الغزو وممن له غناء عند لقاء العدو
واسم عظيم في المطوعة يقول الخيل قد خرجت ولم
وعملك الذي تعمل انما هو فتنة انت فيه تريد ان توقي اعين الناس واكثرهم من
يعرفك بالخير فأعمالك لك فتنة
يقض لي الخروج فيها أما السلامة فأحب ان يسلموا ولكني
أكره أن يغنموا وليس أنا فيهم
ولقد رأيت من يغار على ما يقوى به بعض الغزاة حيث لم يعط هو وأعطي غيره
كما يغار الرجل على بعض حرمه ولقد رأيت من غزا ولم يغنم ود ان لم يكن غزا
ولا يؤمن يا أخي على كل من دخل في عمل من أعمال الدنيا والاخرة جميعا إذا
لحقتهم في عملهم الآفات التي تفسد الاعمال ان يدخل عليهم الشيطان فيها من
العيوب والفتن مثل هذا وأكثر من هذا
فليحذر الرجل على كل عمل يعمله من أعمال الدنيا والاخرة وليراقب الله فيه
ويعامله بضمير خالص ويحذر اطلاع الله على فساد ضميره ويحذر اطلاع
المخلوقين على عمله فإن كناس الحشوس أكرم من هذا الصائم وهذا المصلي وهذا
القائم وهذا الغازي الذي يكره ان ينال المسلمون من غنائم الروم والجالس في
بيته ببغداد يحب ان يغنموا منهم
فاحذر رحمك الله من قرب منك وقربت منه فإن الذين بعدوا منك وبعدت منهم
سلموا منك وسلمت منهم
يود أقوام غدا انهم لم يكونوا سمعوا بآذانهم كثيرا من أعمالهم التي هي
في رأي العين يرجى لصاحبها عليها الثواب الجزيل
والدرجات الرفيعة ويغيطون من لم يكن عمل مثل ما عملوا كثيرا من حسناتهم
وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحسبون
كيف يهلك العبد بأعمال البر
فلما وردوا على الله عز وجل وجدوه قد أحبط أعمالهم وهم لا يشعرون لأنهم
كانوا قد تعجلوا ثواب اعمالهم من المخلوقين في الدنيا فافتضحوا وفضيحة ما
هناك باقية ولم يجدوا من ثواب اعمالهم إلا كما وجد صاحب السراب وصاحب
الرماد
فليس اسم الأعمال يراد ولا تزيين ظاهرها ولكن تقوى الله وما يقرب اليه
زلفى فليت بين العبد وبين كل عمل يباعد من تقوى الله ومن الله بعد
المشرقين
قال العدو الخبيث ثم لآتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن
شمائلهم فلو لم يكن في
يقال إنها أعمال من البر كانوا يرون انها منجيتهم فكانت هي مهلكتهم لما
مازجها من الرياء وحب المحمدة من المخلوقين واتخاذ المنازل بالطاعات
وإقامة الجاه وحب القدر والميل الى ثواب المخلوقين
الكتاب من صفات إبليس إلا هذا قد كان ينبغي للناس أن
يحذروه
ولو نظرت في اكثر الناس لوجدت أن أكثرهم إنما يؤتى من قبل البر وقلة
العناية بتصفية الاعمال وما قد استحلت النفس من حب المحمدة من المخلوقين
وقد يؤتى قوم كثير من قبل الآثام إلا أن علامة الفتنة في الناس جميعا
مختلفة وأكثر الناس إنما يعرفون من قد فتن بالآثام ولا يعرفون من فتن
بالبر إلا القليل من الناس من أهل النور والفطن والفراسة والتوسم والكياسة
وذلك ان الذي يعمل بأعمال البر وهو يحب فتنتها أكثر من الذي يخاف فتنتها
والذي يجهل فتنتها اكثر من الذي يعلم فتنتها
ومن الناس من يعلم فتن الاعمال ومبطلاتها ثم يغلبه الهوى ومنهم من يعلم
وتقل عنايته فيغفل
واعلم ان الذي يعمل وقد علم الافات التي تفسد الاعمال ومعه العناية بنفسه
وعمله ومعه التيقظ وإزالة الغفلة وهو مع ذلك مشفق خائف من الافات ما يكاد
يسلم إلا من عصم الله تعالى فكيف الذي يجهل ويغفل ويغلبه الهوى ويحب دخول
الافة
شمول الفتنة وخطرها
فلتكن همتك في النظر في مرآة الفكر كالهمة بالعمل وأكثر من ذلك فإنه ليس
شهوات الذنوب والسيئات وشهوات المطاعم والمشارب والملابس والبناء والمراكب
والمناكح والذهب والفضة بأغلب على اصحابها من شهوات الجاه وحب الرئاسة
وإقامة القدر واتخاذ المنزلة وقبول الامر والنهي وقضاء الحوائج وحب
العدالة عند الجيران والاصحاب والاخوان والمدحة على اصحاب البر في حسناتهم
وقد تجد الرجل يغلب شهوة الذنب فيترك الذنوب ويصير الى اعمال البر فيضعف
عند تصفيتها وتغلبه شهوة ما فيها فيعمل حسنات كثيرة بقوة واقتدار عليها
وظمأ شديد وسهر فلا يقدر على ان يغلب شهوته على تصفيتها فإنا لله وإنا
إليه راجعون مما قد نزل بنا وما اعظم خطرنا
وقد طلبت الدنيا في زماننا خاصة بكل جهة بالبر والاثم جميعا افتتانا فاحذر
فتنة البر والاثم جميعا لئلا ينزل بك ما نزل بغيرك في الترك والطلب
وما أغفلنا عن عظيم الخطر
أحذر خداع الشيطان وهوى نفسك
وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وقد قال تعالى { فإذا
قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم }
وقال { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب
السعير }
وقال { إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم وقال }
ثم اعلم أني لست أزهدك في طلب اعمال البر لأن كل عمل لا تعمله اليوم لا
تجد ثوابه غدا ولكني احذرك خداع الشيطان وهوى نفسك الأمارة بالسوء
{ وكذلك سولت لي نفسي } وقال { فطوعت له نفسه قتل أخيه
فقتله فأصبح من الخاسرين } وقال { بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل }
وقال { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } وقال { ولا تتبع
الهوى فيضلك عن سبيل الله } وقال { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من
الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين } وقال { واتبع هواه وكان أمره فرطا
} وقال { وكذبوا واتبعوا أهواءهم }
مع اشياء كثيرة في ذكر عداوة إبليس وذم النفس والهوى
كيف يعرف الانسان سلامته من الافات
فقال إن الانسان عند معرفة عيب نفسه أبله وعند معرفة عيب غيره جهبيذ
فيحتقر عيب اهل كل صناعة وأهل كل عمل من اعمال الدنيا والاخرة ويحتقر عيب
من هو في مثل مرتبته ويستعظم ذلك من كل من رآه منه فإذا اتى على عيب نفسه
جازه الى عيوبهم كأنه أعمى عنه لم يره
وهو يطلب العذر لنفسه ولا يطلبه لغيره فهو في طلب عذرها جهبيذ وفي طلب عذر
غيرها ابله وهو يضمر عند ذلك لصاحبه ما يكره أن يضمر له غيره لو رأى منه
مثل ذلك العيب
فإذا رأيت عيبا أو زلة أو عثرة من غيرك فاجعل نفسك مكانه ثم انظر الذي كنت
تحب ان يستقبلك به لو رأى منك مثل الذي رأيت منه وأضمر ذلك له في نفسك
فإنه يحب منك مثل ما كنت تحبه منه
وهكذا إذا رأيت ما يستحسن فأردت ان تعرف علم السلامة من
قلت ارى من الناس أشياء يعاب مثلها واحب ان أسلم من التعبير والازدراء
والعيب فلا أدرى اسلمت منه نفسي أم لا
الحسد له
وبالحري أن يكون أخف الناس عليك عند الزلة من يطلب لزلتك عذرا ومخرجا فإذا
لم يجد للعذر موضعا ساءه ذلك وأخفى مكانه وعند حسنتك يسر فإن لم يسر لم
تسؤه
فهكذا فكن لهم عند الزلة وعند الحسنة فإذا كنت كذلك فلا تحب إزالة نعمة
أنعمها الله على أحد في دين ولا في دنيا ولا تحب أن يقيم أحد على معصية
الله تعالى ولا تحب ان يهلك ستره عند زلته فإنك إذا فعلت ذلك بقلبك زال عن
قلبك الحسد عن الدين والدنيا جميعا
ومتى غلبت عليك المسابقة الى ضميرك بسوء المحضر فلا تغلبن على مشاهدته
بحسن المراجعة من جميع أمورك
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى