لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب ذاد المهاجر الى ربه - صفحة 2 Empty كتاب ذاد المهاجر الى ربه {الخميس 9 يونيو - 15:23}

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته


زاد المهاجر الى ربه


بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وعليه نتوكل
قال الشيخ الامام العالم العلامة محمد بن ابي بكر المعروف بابن قيم
الجوزية رضي الله عنه وارضاه في كتابه الدي سيره من تبوك ثامن المحرم سنة
ثلاث وثلاثين وسبعمائة بعد كلام له سبق : احمد الله بمحامده التي هو لها
اهل والصلاة والسلام على خاتم رسله وانبيائه : محمد صلى الله عليه و سلم
وبعد : فان الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه وتعاونوا على البر والتقوى
ولاتعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب
وقد اشتملت هده الاية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم
بعضهم بعضا وفيما بينهم وبين ربهم فان كل عبد لاينفك عن هاتين الحالتين
وهذين الواجبين : واجب بينه وبين الله وواجب بينه وبين الخلق



فاما ما بينه وبين الخلق : من المعاشرة والمعاونه والصحبة
فالواجب عليه فيها ان يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة الله
وطاعته التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه ولاسعادة له الا بها وهي البر
والتقوى اللذان هما جماع الدين كله واذا افرد كل واحد من الاسمين دخل في
مسمى الاخر اما تضمنا واما لزوما ودخوله فيه تضمنا اظهر لان البر جزء مسمى
التقوى وكدلك التقوى فانه جزء مسمى البر وكون احدهما لايدخل في الاخر عند
الاقتران لايدل على انه لايدخل فيه عند انفراد الاخر
و نظير هذا لفظ الايمان والاسلام و الايمان والعمل الصالح و الفقير
والمسكين و الفسوق والعصيان و المنكر والفاحشة ونظائره كثيرة
وهذه قاعدة جليلة من احاط بها زالت عنه اشكالات كثيرة اشكلت على كثير من
الناس البر والتقوى
ولنذكر من هذا مثالا واحدا يستدل به على غيره وهو البر والتقوى فان حقيقة
البر هو الكمال المطلوب من الشئ والمنافع التي فيه والخير كما يدل عليه
اشتقاق هذه اللفظة وتصاريفها في الكلام ومنه البر بالضم لمنافعة وخيره
بالاضافة الى سائر الحبوب



ومنه رجل بار وبر وكرام برره والابرار
فالبر : كلمة جامعة لجميع انواع الخير والكمال والمطلوب من العبد وفي
مقابلته الاثم وفي حديث النواس بن سمعان ان النبي صلى الله عليه و سلم قال
له جئت تسال عن البر والاثم فالاثم كلمة جامعة للشرور والعيوب التي يذم
العبد عليها
فيدخل في مسمى البر : الايمان واجزاؤه الظاهرة والباطنة ولا ريب ان التقوى
جزء هذا المعنى واكثر ما يعبر عن بر القلب وهو وجود طعم الايمان فيه
وحلاوته وما يلزم ذلك من طمانينتة وسلامته وانشراحه



وقوته وفرحه بالايمان فإن للايمان فرحة وحلاوة ولذة في القلب
فمن لم يجدها فهو فاقد الايمان او ناقصه وهو من القسم الذين قال الله عز و
جل فيهم قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل
الايمان في قلوبكم
فهؤلاء على اصح القولين مسلمون غير منافقين وليسوا بمؤمنين اذا لم يدخل
الايمان في قلوبهم فيباشرها حقيقة
وقد جمع الله خصال البر في قوله تعالى ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل
المشرق والمغرب ولكن البرمن امن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب
والنبيين واتى المال على حبه ذوي القربي واليتامى والمساكين وابن السبيل
والسائلين وفي الرقاب واقام الصلاة واتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا
عاهدوا والصابرين في الباساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا واولئك
هم المتقون
فاخبر سبحانه ان البر هو الايمان بالله وبملائكته وكتبه ورسله واليوم
الاخر وهذه هي اصول الايمان الخمس التي لاقوام للايمان الا بها
وانها الشرائع الظاهرة من اقامة الصلاة وايتاء الزكاة والنفقات الواجبة



وانها الاعمال القلبية التي هي حقائقه من الصبر والوفاء بالعهد
فتناولت هده الخصال جميع اقسام الدين حقائقه وشرائعه والاعمال المتعلقة
بالجوارح والقلب واصول الايمان الخمس ثم اخبر سبحانه عن هذا انها هي خصال
التقوى بعينها فقال اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون التقوى
واما التقوى فحقيقتها العمل بطاعة الله ايمانا واحتسابا امرا ونهيا فيفعل
ما امر الله به ايمانا بالامر وتصديقا بوعده ويترك ما نهى الله عنه ايمانا
بالنهى وخوفا من وعيده
كما قال طلق بن حبيب اذا وقعت الفتنة فاطفئوها بالتقوى قالوا : وما التقوى
قال : ان تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجوا ثواب الله وان تترك معصية
الله على نور من الله تخاف عقاب الله
وهذا احسن ما قيل في حد التقوى
فان كل عمل لابد له من مبدا وغاية فلا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون
مصدره عن الايمان فيكون الباعث عليه هو الايمان المحض لا العادة ولا الهوى
ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك بل لابد ان يكون مبدؤه محض الايمان
وغايته ثواب الله وابتغاء مرضاته وهو الاحتساب



ولهذا كثيرا ما يقرن بين هذين الاصلين في مثل قول النبي صلى
الله عليه و سلم : من صام رمضان ايمانا واحتسابا و ومن قام ليلة القدر
ايمانا واحتسابا ونظائره
فقوله على نور من الله اشارة الى الاصل الاول وهو الايمان الدي هو مصدر
العمل والسبب الباعث عليه
وقوله ترجو ثواب الله اشارة ان الاصل الثاني وهو الاحتساب وهو الغاية التي
لاجلها يوقع العمل ولها يقصد به
ولا ريب ان هذا اسم لجميع اصول الايمان وفروعه وان البر داخل في هذا
المسمى
واما عند اقتران احدهما بالاخر كقوله تعالى : وتعاونوا على البر والتقوى
فالفرق بينهما فرق بين السبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها فان
البر مطلوب لذاته اذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاح له بدونه كما تقدم

واما التقوى فهي الطريق الموصل الى البر والوسيلة اليه ولفظها يدل على هذا
فانها فعلى ومن وقى يقي وكان اصلها وقوى فقلبوا الواو تاء كما قالوا تراث
من الوراثة وتجاه من الوجه وتخمة من الوخمة ونظائرها فلفظها دال على انها
من الوقاية فان المتقي قد جعل بينه وبين النار وقاية والوقاية من باب دفع
الضر فالتقوى والبر كالعافية والصحة



العلم النافع
وهذا باب شريف ينتفع به انتفاعا عظيما في فهم ألفاظ القران ودلالته ومعرفة
حدود ما انزل الله على رسوله فانه هو العلم النافع وقد ذم الله تعالى في
كتابه من ليس له علم بحدود ما انزل الله على رسوله
فإن عدم العلم بذلك مستلزم مفسدتين عظيمتين
احداهما ان يدخل في مسمى اللفظ ماليس منه فيحكم له بحكم المراد من اللفظ
فيساوي بين ما فرق الله بينهما
والثانية ان يخرج من مسمى اللفظ بعض افراده الداخلة تحته فيسلب عنه حكمه
فيفرق بين ما جمع الله بينهما
والذكي الفطن يتفطن لافرادء هذه القاعدة وامثالها فيرى ان كثيرا من
الاختلاف او اكثره انما ينشا من هذا الوضع وتفصيل هذا لايفي به كتاب ضخم
ومن هذا لفظ : الخمر فانه اسم شامل لكل مسكر فلا يجوز اخراج بعض المسكرات
منه وينفى عنها حكمه
وكذلك لفظ : الميسر واخراج بعض انواع القمار منه
وكذلك لفظ : النكاح وادخال ماليس بنكاح في مسماه



وكذلك لفظ : الربا واخراج بعض انواعه منه وادخال ماليس بربا فيه

وكذلك لفظ : الظلم والعدل والمعروف والمنكر ونظائره اكثر من ان تحصى
والمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم : هو التعاون على البر والتقوى فيعين
كل واحد صاحبه على ذلك علما وعملا
فان العبد وحده لايستقل بعلم ذلك ولابالقدرة عليه فاقتضت حكمة الرب سبحانه
ان جعل النوع الانساني قائما بعضه ببعضه معينا بعضه لبعضه
ثم قال تعالى ولاتتعاونوا على الاثم والعدوان
ووالاثم والعدوان في جانب النهي نظير : البر والتقوى في جانب الامر والفرق
بين الاثم والعدوان كالفرق ما بين محرم الجنس ومحرم القدر
الاثم : فالاثم ما كان حراما لجنسه والعدوان ماحرم لزيادة في قدر وتعدي ما
اباح الله منه فالزنا والخمر والسرقة ونحوها : اثم
ونكاح الخامسة واستيفاء المجني عليه اكثر من حقه ونحوه وعدوان



العدوان : فالعدوان : هو تعدي حدود الله التي قال فيها : تلك
حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فاولئك هم الظالمون
وقال في موضع اخر تلك حدود الله فلا تقربوها فنهى عن تعديها في اية وعن
قربانها في اية وهذا لان حدوده سبحانه هي النهايات الفاصلة بين الحلال
والحرام ونهاية الشئ تارة تدخل فيه فتكون منه وتارة لاتكون داخلة فيه
فتكون لها حكم المقابلة فالاعتبار الاول نهى عن تعديها وبالاعتبار الثاني
نهى عن قربانها



فصل : مابين العبد وربه


فهذا حكم العبد فيما بينه وبين الناس وهو ان تكون مخالطته لهم تعاونا على
البر والتقوى علما وعملا
واما حاله فيما بينه وبين الله تعالى فهو ايثار طاعته وتجنب معصيته وهو
قوله تعالى واتقوا الله فارشدت الاية الى ذكر واجب العبد بينه وبين الخلق
وواجبه بينه وبين الحق
ولايتم له اداء الواجب الاول إلا بعزل نفسه من الوسط والقيام بذلك لمحض
النصيحة والاحسان ورعاية الامر ولايتم له اداء الواجب الثاني الا بعزل
الخلق من البين والقيام له بالله اخلاصا ومحبة وعبودية
فينبغي التفطن لهذه الدقيقة التي كل خلل يدخل على العبد في اداء هذين
الامرين الواجبين انما هو عدم مراعاتها علما وعملا وهذا معنى قول الشيخ
عبدالقادر قدس الله روحه كن مع الحق بلا خلق ومع الخلق بلا نفس ومن لم يكن
كذلك لم يزل في تخبيط ولم يزل امره فرطا والمقصود بهذه المقدمة ما بعدها

فصل في الهجرة الى الله ورسوله


لما فصل عير السفر واستوطن المسافر دار الغربة وحيل بينه وبين مالوفاته
وعوائده المتعلقة بالوطن ولوازمه : احدث له ذلك نظرا فاجل فكره في اهم
مايقطع به منازل السفر الى الله وينفق فيه بقية عمره فارشده من بيده الرشد
الى ان اهم شئ يقصده انما هو الهجرة الى الله ورسوله فانها فرض عين على كل
احد في كل وقت وانه لاانفكاك لاحد عن وجوبها وهي مطلوب الله ومراده من
العباد نوعا الهجرة
إذ الهجرة هجرتان
هجرة بالجسم من بلد الى بلد وهذه احكامها معلومة وليس المراد الكلام فيها
والهجرة الثانية الهجرة بالقلب الى الله ورسوله وهذه هي المقصودة هنا وهذه
الهجرة هي الهجرة الحقيقية وهي الاصل وهجرة الجسد تابعة لها

رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب ذاد المهاجر الى ربه - صفحة 2 Empty رد: كتاب ذاد المهاجر الى ربه {الخميس 9 يونيو - 15:26}

فصل في اطفال المؤمنين


واما النوع الثاني من الاتباع : فهم اتباع المؤمنين من ذريتهم الذين لم
يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا وانما هم مع ابائهم تبع لهم
وقال الله تعالى فيهم والذين امنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم
ذريتهم وما التناهم من عملهم من شئ
اخبر سبحانه انه الحق الذرية بآبائهم في الجنة كما اتبعهم اياهم في
الايمان
ولما كان الذرية لاعمل لهم يستحقون به تلك الدرجات قال تعالى : وما
التناهم من عملهم من شئ والضمير عائد الى الذين امنوا
أي وما نقصناهم من عملهم بل رفعنا ذريتهم الى درجتهم مع توفيتهم اجور
اعمالهم فليست منزلتهم منزلة من لم يكن له عمل بل وفيناهم اجورهم فالحقنا
بهم ذريتهم فوق ما يستحقون من اعمالهم
ثم لما كان هذا الالحاق في الثواب والدرجات فضلا من الله فربما

وقع في الوهم ان الحاق الذرية ايضا حاصل لهم في حكم العدل فلما
اكتسبوا سيئات اوجبت عقوبة كان كل عامل رهينا بكسبه لا يتعلق بغيره شئ
فالالحاق المذكور انما هو في الفضل والثواب لا في العدل والعقاب وهذا نوع
من اسرار القران وكنوزه التي يختص الله بفهمها من شاء
فقد تضمنت هذه الاية اقسام الخلائق كلهم : اشقيائهم و سعدائهم
السعداء المتبوعين والاتباعوالاشقياء المتبوعين والاتباع
فعلى العاقل الناصح لنفسه ان ينظر في أي الاقسام هو و لا يغتر بالعادة
ويخلد الى البطالة فان كان من قسم سعيد انتقل الى ما هو فوقه وبذل جهده
والله ولي التوفيق والنجاح وان كان من قسم شقي انتقل منه الى القسم السعيد
في زمن الامكان قبل ان يقول ياليتني اتخدت مع الرسول سبيلا



فصل في سفر الهجرة


والمقصود بهذا ان من اعظم التعاون على البر والتقوى والتعاون على سفر
الهجرة الى الله والرسول باليد واللسان والقلب والمساعدة والنصيحة تعليما
وارشادا ومودة
ومن كان هكذا مع عباد الله فكل خير اليه اسرع واقبل الله اليه بقلوب عباده
وفتح على قلبه ابواب العلم ويسره لليسرى
ومن كان بالضد فبالضد زاد المسافر
فإن قلت : قد اشرت الى سفر عظيم وامر جسيم فما زاد هذا السفر وما طريقه
وما مركبه
قلت زاده العلم الموروث من خاتم الانبياء صلى الله عليه و سلم ولا زاد له
سواه فمن لم يحصل هذا الزاد فلا يخرج من بيته وليقعد مع الخالفين
فرفقاء المتخلف البطالون اكثر من ان يحصوا فله اسوة بهم ولن ينفعه هذا
التاسي يوم الحسرة شيئا كما قال تعالى : ولن ينفعكم اليوم اذ ظلمتم انكم
في العذاب مشتركون فقطع الله سبحانه انتفاعهم بتاسي بعضهم

ببعض في العذاب فان مصائب الدنيا اذا عمت صارت مسلاة وتأسي بعض
المصابين ببعض كما قالت الخنساء
ولولا كثرة الباكين حولي ... على اخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل اخي
ولكن ... اسلي النفس عنه بالتاسي
فهذا الروح الحاصل من التاسي معدوم بين المشتركين في العذاب يوم القيامة


طريق السفر واما طريقه : فهو بذل الجهد واستفراغ الوسع فلا ينال
بالمني



ولن يدرك بالهوينا وانما هو كما قيل
فخض غمرات الموت واسم الى العلا ... لكي تدرك العز الرفيع الدائم
فلا خير في نفس تخاف من الردى ... ولاهمة تصبو الى لوم لائم
ولا سبيل الى ركوب هذا الظهر الا بامرين :
احدهما : ان لايصبو في الحق الى لوم لائم فان اللوم يصيب الفارس فيصرعه عن
فرسه ويجعله صريعا في الارض
والثاني : ان تهون عليه نفسه في الله فيقدم حينئذ ولا يخاف الاهوال فمتى
خافت النفس تاخرت و احجمت واخلدت الى الارض ولا يتم له هذان

الامران الا بالصبر فمن صبر قليلا صارت تلك الاهوال ريحا رخاء
في حقه تحمله بنفسها الى مطلوبه فبينما هو يخاف منها اذ صارت اعظم اعوانه
وخدمه وهذا امر لا يعرفه الا من دخل فيه مركب المسافر
واما مركبه فصدق اللجأ الى الله والانقطاع اليه بكليته وتحقيق الافتقار
اليه بكل وجه والضراعة اليه وصدق التوكل والاستعانة به والانطراح بين يديه
انطراح المسلوم المكسور الفارغ الذي لاشئ عنده فهو يتطلع الى قيمه ووليمة
ان يجده ويلم شعثه و يمده من فضله و يستره فهذا الذي يرجي له ان يتولى
الله هدايته وان يكشف له ما خفي على غيره من طريق هذه الهجرة ومنازلها



فصل في التدبر والتفكر في الاء الله


ورأس الامر وعموده في ذلك انما هو دوام التفكر وتدبر ايات الله حيث تستولي
على الفكر وتشغل القلب فاذا صارت معاني القران مكان الخواطر من قلبه وجلس
على كرسيه وصار له التصرف وصار هو الامير المطاع امره فحينئذ يستقيم له
سيره ويتضح له الطريق وتراه ساكنا وهو يباري الريح وترى الجبال تحسبها
جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شئ انه خبير مما تفعلون

فصل في افلا يتدبرون القران


فان قلت : انك قد اشرت الى مقام عظيم فافتح لي بابه واكشف لي حجابه وكيف
تدبر القران وتفهمه والاشراف على عجائبه وكنوزه وهذه تفاسير الائمة
بايدينا فهل في البيان غير ما ذكروه قلت : ساضرب لك امثالا تحتذي عليها
وتجعلها اماما لك في هذا المقصد
قال الله تعالى : هل اتاك حديث ضيف ابراهيم المكرمين اذ دخلوا عليه فقالوا
سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ الى اهله فجاء بعجل سمين فقربه اليهم قال
الا تاكلون فاوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم فاقبلت امراته
في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم قالوا : كذلك قال ربك انه هو الحكيم
العليم
فعهدى بك اذا قرات هذه الاية وتطلعت الى معناها وتدبرتها فانما تطلع منها
على ان الملائكة اتوا ابراهيم في صورة الاضياف ياكلون ويشربون وبشروه
بغلام عليم وانما امراته عجبت من ذلك فاخبرتها الملائكة ان الله قال ذلك
ولم يتجاوز تدبرك غير ذلك

فاسمع الان بعض ما في هذه الايات من انواع الاسرار
وكم قد تضمنت من الثناء على ابراهيم
وكيف جمعت الضيافة وحقوقها
وما تضمنت من الرد على اهل الباطل من الفلاسفة والمعطلة
وكيف تضمنت علما عظيما من اعلام النبوة
وكيف تضمنت جميع صفات الكمال التي ردها الى العلم والحكمة
وكيف اشارت الى دليل امكان المعاد بالطف اشارة واوضحها ثم افصحت وقوعه
وكيف تضمنت الاخبار عن عدل الرب وانتقامه من الامم المكذبة
وتضمنت ذكر الاسلام والايمان والفرق بينهما
وتضمنت بقاء ايات الرب الدالة على توحيده وصدق رسله وعلى اليوم الاخر
وتضمنت انه لا ينتفع بهذا كله الا من في قلبه خوف من عذاب الاخرة وهم
المؤمنون بها
واما من لا يخاف الاخرة ولا يؤمن بها فلا ينتفع بتلك الايات
فاسمع الان بعض تفاصيل هذه الجملة
قال الله تعالى هل اتاك حديث ضيف ابراهيم المكرمين افتتح سبحانه القصة
بصيغة موضوعة للاستفهام وليس المراد بها حقيقة



الاستفهام ولهذا قال بعض الناس : ان هل في مثل هذا الموضع بمعنى
قد التي تقتضي التحقيق ولكن في ورود الكلام في مثل هذا بصيغة الاستفهام سر
لطيف ومعنى بديع فإن المتكلم اذا اراد ان يخبر المخاطب بامر عجيب ينبغي
الاعتناء به واحضار الذهن له صدر له الكلام باداة الاستفهام لتنبيه سمعه
وذهنه للمخبر به فتارة يصدره بالا وتارة يصدره بهل فقول هل علمت ما كان من
كيت وكيت اما مذكرا به واما واعظا له مخوفا واما منبها على عظمه ما يخبر
به واما مقررا له
فقوله تعالى هل اتاك حديث موسى و هل اتاك نبا الخصم وهل اتاك حديث الغاشية
و هل اتاك حديث ضيف ابراهيم المكرمين متضمن لتعظيم هذه القصص والتنبيه على
تدبرها ومعرفتها ما تضمنته
ففيه امر اخر
وهو التنبيه على ان اتيان هذا اليك علم من اعلام النبوة فانه من الغيب
الذي لاتعمله انت ولا قومك فهل اتاك من غير اعلامنا وارسالنا وتعريفنا ام
لم ياتك الا من قبلنا
فانظر ظهور هذا الكلام بصيغة الاستفهام وتامل عظم موقعة من



جميع موارده يشهد انه من الفصاحة في ذروتها العليا
وقوله ضيف ابراهيم المكرمين متضمن لثنائه على خليله ابراهيم فان في
المكرمين قولين
احدهما : اكرام ابراهيم لهم ففيه مدح ابراهيم باكرام الضيف
والثاني : انهم مكرمون عنذ الله كقوله تعالى بل عباد مكرمون وهو متضمن
ايضا لتعظيم خليله ومدحه اذ جعل ملائكته المكرمين اضيافا له فعلى كلا
التقديرين فيه مدح لابراهيم
وقوله فقالوا سلاما قال سلام متضمن بمدح اخر لابراهيم حيث رد عليهم السلام
احسن مما حيوه به فان تحيتهم باسم منصوب متضمن لجملة فعلية تقديره : سلمنا
عليك سلاما وتحية ابراهيم لهم باسم مرفوع متضمن لجملة اسمية تقديره سلام
دائم او ثابث او مستقر عليكم ولا ريب ان الجملة الاسمية تقتضي الثبوت
واللزوم والفعلية تقتضي التجدد والحدوث فكانت تحية ابراهيم اكمل واحسن
ثم قال قوم منكرون وفي هذا من حسن مخاطبة الضيف والتذمم منه وجهان في
المدح
احداهما : انه حذف المبتدا والتقدير : انتم قوم منكرون فتذمم منهم ولم
يواجههم بهذا الخطاب لما فيه من الاستيحاش



وكان النبي صلى الله عليه و سلم لايواجه احدا بما يكرهه بل يقول
وما بال اقوام يقولون كذا ويفعلون كذا
الثاني قوله قوم منكرون فحذف فاعل الانكار وهو الذي كان انكرهم كما قال في
موضع اخر نكرهم ولاريب ان قوله منكرون الطف من ان يقول انكرتم
وقوله فراغ الى اهله فجاء بعجل سمين فقربه اليهم قال الا تاكلون متضمن
وجوها من المدح واداب الضيافة واكرام الضيف
منها قوله فراغ الى اهله والروغان الذهاب بسرعة واختفاء وهو يتضمن
المبادرة الى إكرام الضيف والاختفاء يتضمن ترك تخجيله والا يعرض للحياء
وهذا بخلاف من يتثاقل ويتبارد على ضيفه ثم يبرز بمراى منه ويحل صرة النفقة
ويزن ما ياخذ ويتناول الاناء بمراى منه ونحو ذلك مما يتضمن تخجيل الضيف
وحياءه فلفظة راغ تنفي هذين الامرين وفي قوله تعالى الى اهله مدح اخر لما
فيه من الاشعار ان كرامة الضيف معدة حاصلة عند اهله وانه لايحتاج ان
يستقرض من جيرانه ولا يذهب الى غير اهله اذ قرى الضيف حاصل عندهم
وقوله : فجاء بعجل سمين يتضمن ثلاثة انواع من المدح
احدها : خدمة ضيفه بنفسه فانه لم يرسل به وانما جاء به بنفسه
الثاني : انه جاءهم بحيوان تام لم ياتهم ببعضه ليتخيروا من اطيب لحمه ما
شاءوا
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب ذاد المهاجر الى ربه - صفحة 2 Empty رد: كتاب ذاد المهاجر الى ربه {الخميس 9 يونيو - 15:27}


الثالث : انه سمين ليس بهمزول وهذا من نفائس الاموال ولد البقر
السمين فانهم يعجبون به فمن كرمه هان عليه ذبحه واحضاره
وقوله اليهم متضمن المدح وادابا اخرى وهو احضار الطعام الى بين يدي الضيف
بخلاف من يهيئ الطعام في موضع ثم يقيم ضيفه فيورده عليه
وقوله الا تأكلون فيه مدح واداب اخر فانه عرض عليهم الاكل بقوله الا
تأكلوا وهذه صيغة عرض مؤذنة بالتلطف بخلاف من يقول : ضعوا ايديكم في
الطعام كلوا تقدموا ونحو هذا
وقوله فاوجس منهم خيفة لانه لما رآهم لا ياكلون من طعامه اضمر منهم خوفا
ان يكون معهم شر فان الضيف ادا اكل من طعام رب المنزل اطمان اليه وانس به
فلما علموا منه ذلك قالوا لاتخف وبشروه بغلام عليم وهذا الغلام اسحق لا
اسماعيل لان امراته عجبت من ذلك فقالت : عجوز عقيم لايولد لمثلي فاني لي
بالولد واما اسماعيل فانه من سريته هاجر وكان بكره واول ولده وقد بين
سبحانه هذا في سورة هود في قوله تعالى فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق
يعقوب وهذه هي القصة نفسها
وقوله تعالى فاقبلت امراته في صرة فصكت وجهها فيه بيان ضعف عقل المرأة
وعدم ثباتها اذ بادرت الى الندبة فصكت الوجه عند هذا الاخبار



وقوله عجوز عقيم فيه حسن ادب المراة عند خطاب الرجال واقتصارها
من الكلام على ما يتادى به الحاجة فانها حذفت المبتدا ولم تقل انا عجوز
عقيم واقتصرت على ذكر السبب الدال على عدم الولادة لم تذكر غيره واما في
سورة هود فذكرت السبب المانع منها ومن ابراهيم وصرحت بالعجب
وقوله تعالى قالوا كذلك قال ربك متضمن لاثبات صفة القول له وقوله انه هو
الحكيم العليم متضمن لاثبات صفة الحكمة والعلم اللذين هما مصدر الخلق
والامر فجميع ما خلقه سبحانه صادر عن علمه وحكمته وكذلك امره وشرعه مصدره
عن علمه وحكمته
والعلم والحكمة متضمنان لجميع صفات الكمال فالعلم يتضمن الحياة و لوازم
كمالها من القيومية والقدرة والبقاء والسمع والبصر وسائر الصفات التي
يستلزمها العلم التام
والحكمة تتضمن كمال الارادة والعدل والرحمة والاحسان والجود والبر ووضع
الاشياء في مواضعها على احسن وجوهها ويتضمن ارسال واثبات الثواب والعقاب
كل هذا العلم من اسمه الحكيم كما هي طريقة القران في الاستدلال على هذه
المطالب العظيمة بصفة الحكمة والانكار على من يزعم انه خلق الخلق عبثا
وسدى وباطلا فحينئذ صفة حكمته تتضمن الشرع والقدر والثواب



والعقاب ولهذا كان اصح القولين ان المعاد يعلم بالعقل وان السمع
ورد بتفصيل ما يدل العقل على اثباته
ومن تامل طريقة القران وجدها دالة على ذلك وانه سبحانه يضرب لهم الامثال
المعقولة التي تدل على امكان المعاد تارة ووقوعه اخرى فيذكر ادلة القدرة
الدالة على امكان المعاد وادلة الحكمة المستلزمة لوقوعه
ومن تامل ادلة المعاد في القران وجدها كذلك مغنية بحمد الله عن غيرها
كافية شافية موصلة الى المطلوب بسرعة متضمنة للجواب عن الشبه العارضة
لكثير من الناس
وان ساعد التوفيق كتبت في ذلك سفرا كبيرا لما رايت في الادلة التي ارشد
اليها القران من الشقاء والهدى وسرعة الانصاف وحسن البيان والتنبيه على
مواضع الشبه والجواب عنها بما ينثلج له الصدر ويكثر معه اليقين بخلاف غيره
من الادلة فانها على العكس من ذلك وليس هذا موضع التفصيل
والمقصود ان صدور الخلق والامر عن علم الرب وحكمته واختصت هذه القصة بذكر
هذين الاسمين لاقتضائهما لتعجب النفوس من تولد مولود بين ابوين لايولد
لمثلهما عادة وخفاء العلم بسبب هذا الايلاد وكون الحكمة اقتضت جريان هذه
الولادة على غير العادة المعروفة فذكر في الاية اسم العلم والحكمة المتضمن
لعلمه سبحانه بسبب هذا الخلق وغايته وحكمته في وضعه موضعه من غير اخلال
بموجب الحكمة



ثم ذكر سبحانه وتعالى قصة الملائكة في ارسالهم لهلاك قوم لوط
وارسال الحجارة المسومة عليهم وفي هذا ما يتضمن تصديق رسله واهلاك
المكذبين لهم والدلالة على المعاد والثواب والعقاب لوقوعه عيانا في هذا
العالم وهذا من اعظم الادلة الدالة على صدق رسله لصحة ما اخبروا به عن
ربهم
ثم قال تعالى : فاخرجنا من كان فيها من المؤمنون فما وجدنا فيها غير بيت
من المسلمين ففرق بين الاسلام والايمان هنا لسر اقتضاه الكلام
فان الاخراج هنا عبارة عن النجاة فهو اخراج نجاة من العذاب و لاريب ان هذا
مختص بالمؤمنين المتبعين للرسل ظاهرا وباطنا
وقوله تعالى فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين لما كان الموجودون من
المخرجين اوقع اسم الاسلام عليهم لان امراة لوط كانت من اهل هذا البيت وهي
مسلمة في الظاهر فكانت في البيت الموجودين لافي القوم الناجيين وقد اخبر
سبحانه عن خيانة امراة لوط وخيانتها انها كانت تدل قومها على اضيافه
وقلبها معهم وليست خيانة فاحشة فكانت من اهل البيت المسلمين ظاهرا وليست
من المؤمنين الناجيين
ومن وضع دلالة القران والفاظه مواضعها تبين له من اسراره وحكمة ما يبهر
العقول ويعلم انه تنزيل من حكيم حميد
وبهذا خرج الجواب عن السؤال المشهور وهو : ان الاسلام اعم من



الايمان فكيف استثناء الاعم من الاخص وقاعدة الاستثناء تقتضي
العكس وتبين ان المسلمين المستثنين مما وقع عليه فعل الوجود والمؤمنين غير
مستثنين منه بل هم المخرجون الناجون
وقوله تعالى وتركنا فيها اية للذين يخافون العذاب الاليم فيه دليل على ان
آيات الله سبحانه وعجائبه التي فعلها في هذا العالم وابقى آثارها دالة
عليه وعلى صدق رسله انما ينتفع بها من يؤمن بالمعاد ويخشى عذاب الله تعالى

كما قال الله تعالى في موضع آخر ان في ذلك لآية لمن خاف عذاب الاخرة
وقال تعالى : سيذكر من يخشى فان من لايؤمن بالآخرة غايته ان يقول : هؤلاء
قوم اصابهم الدهر كما اصاب غيرهم ولا زال الدهر فيه الشقاوة والسعادة
و اما من آمن بالآخرة واشفق منها فهو الذي ينتفع بالآيات والمواعظ
والمقصود بهذا انما هو التنبيه والتمثيل على تفاوت الافهام في معرفة
القرآن واستنباط اسراره وآثار كنوزه ويعتبر بهذا غيره والفضل بيد الله
يؤتيه من يشاء



فصل الرفيق والطريق والمقصود ان القلب لما تحول لهذا السفر طلب
رفيقا



يانس به في السفر فلا يجد الا معارضا مناقضا او لائما بالتأنيب مصرحا او
فارغا من هذه الحركة معرضا وليت كل ما ترى هكذا فلقد احسن اليك من خلال
وطريقك ولم يطرح شره عليك كما قال القائل
انا لفي زمن ترك القبيح به ... من اكثر الناس احسان واجمال
فإدا كان هذا المعروف من الناس فالمطلوب في هذا الزمان المعاونة على هذا
السفر بالاعراض وترك اللائمة والاعتراض الا ما عسى ان يقع نادرا فيكون
غنيمة باردرة لا قيمة لها
ولا ينبغي ان لا يتوقف العبد في سيره على هذه الغنيمة بل يسير و لو وحيدا
غريبا فانفراد العبد في طريق طلبة دليل على صدق المحبة
ومن نظر في هذه الكلمات التي تضمنتها هذه الورقات علم انها من اهم ما يحصل
به التعاون على البر والتقوى وسفر الهجرة الى الله ورسوله وهو الذي قصد
سطرها بكتابتها وجعلها هديته المعجلة السابقة الى اصحابه ورفقائه في طلب
العلم
وشهد الله وكفى بالله شهيدا ولو توافي احدا منهم لقابلها بالقبول ولبادر

الى تفهمها وعدها من افضل ما اهدى صاحب الى صاحبه فإن غير هذا
من جريانات الركب الخيرية وان تطلعت النفوس اليها ففائدتها قليلة وهي في
غاية الرخص لكثرة جالبها وانما الهدية النافعة كلمة يهديها الرجل الى اخيه
المسلم الموتى الاحياء والاحياء الموتى
ومن اراد هذا السفر فعليه بمرافقة الاموات الذين هم في العالم احياء فانه
يبلغ بمرافقتهم الى مقصده وليحذر من مرافقة الاحياء الذين هم في الناس
اموات فإنهم يقطعون عليه طريقه فليس لهذا السالك انفع من تلك المرافقة
واوفق له من هذه المفارقة فقد قال بعض السلف : شتان بين اقوام موتى تحيا
القلوب بذكرهم وبين اقوام احياء تموت القلوب بمخالطتهم
فما على العبد اضر من عشائره وابناء جنسه فنظره قاصر وهمته واقفة عند
التشبه بهم ومباهاتهم والسلوك اين سلكوا حتى لو دخلوا جحر ضب لاحب ان
يدخله معهم
فمتى صرف همته عن صحبتهم الى صحبة من اشباحهم مفقودة ومحاسنهم وآثارهم
الجميلة في العالم موجودة استحدث بذلك همة اخرى وعملا آخر وصار بين الناس
غريبا وان كان فيهم مشهورا ونسيبا ولكنه



غريب محبوب يرى ما الناس فيه و لا يرون ما هو فيه يقيم لهم
المعاذير ما استطاع ويحضهم بجهده و طاقته سائرا فيهم بعينين عين ناظرة الى
الامر والنهى بها يأمرهم وينهاهم ويواليهم ويعاديهم ويؤدي لهم الحقوق و
يستوفيها عليهم وعين ناظرة الى القضاء والقدر بها يرحمهم ويدعو لهم و
يستغفر لهم ويلتمس وجوه المعاذير فيما لا يخل بامر و لا يعود بنقض شرع وقد
وسعهم بسطته ورحمته ولينه ومعذرته وقفا عند قوله تعالى خذ العفو وامر
بالعرف واعرض عن الجاهلين متدبرا لما تضمنته هذه الآية من حسن المعاشرة مع
الخلق واداء حق الله فيهم والسلامة من شرهم فلو اخذ الناس كلهم بهذه الآية
لكفتهم وشفتهم فان العفو ما عفى من اخلاقهم وسمحت به طبائعهم ووسعهم بذلة
من اموالهم و اخلاقهم
فهذا ما منهم اليه واما ما يكون منه اليهم فأمرهم بالمعروف وهو ما تشهد به
العقول وتعرف حسنة وهو ما امر الله به و اما ما يتقي به اذى جاهلهم
فالاعراض عنه وترك الانتقام لنفسه والاقتصار لها
فأي كمال للعبد وراء هذا واي معاشرة وسياسة لهذا العالم احسن من هذه
المعاشرة والسياسة فلو فكر الرجل في كل شر يلحقه من العالم اعني الشر
الحقيقي الذي لا يوجب له الرفعة والزلفى من الله وجد سببه الاخلال بهذه
الثلاث او بعضها والا فمع القيام بها فكل ما يحصل له من الناس



فهو خير له وان شرا في الظاهر فانه يتولد من الامر بالمعروف ولا
يتولد منه الا خيرا وان ورد في حالة شر واذى
كما قال الله تعالى ان الذين جاءوا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل
هو خير لكم
وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في
الامر فإذا عزمت فتوكل على الله وقد تضمنت هذه الكلمات مراعاة حق الله وحق
الخلق فإنهم اما يسيئوا في حق الله وفي حق رسوله فإن اساءوا في حقك فقابل
ذلك بعفوك عنهم وان اساءوا في حقي فاسألني اغفر لهم واستجلب قلوبهم
واستخرج ما عندهم من الراي بمشاورتهم فإن ذلك احرى في استجلاب طاعتهم وبذل
النصيحة فاذا عزمت فلا استشارة بعد ذلك بل توكل وامض لما عزمت عليه من
امرك فإن الله يحب المتوكلين
فهذا وامثاله من الاخلاق التي ادب الله بها رسوله وقال تعالى فيه وانك
لعلى خلق عظيم قالت عائشة رضي الله عنها كان خلقه القرآن وهذا لايتم الا
بثلاثة اشياء
احدها : ان يكون العود طيبا فاما ان كانت الطبيعة جافية غليظة



يابسة عسر عليها مزاولة ذلك علما وارادة وعملا بخلاف الطبيعة
المنقادة اللينة السلسة القياد فانها مستعدة انما تريد الحرث والبذر
الثاني : ان تكون النفس قوية غالبة قاهرة لدواعي البطالة والغي والهوى فان
هذه الامور تنافي الكمال فان لم تقو النفس على قهرها و الا لم تزل مغلوبة
مقهورة
الثالث : علم شاف بحقائق الاشياء وتنزيلها منازلها يميز بين الشحم والورم
والزجاجة والجوهرة
فإذا اجتمعت فيه هذه الخصال الثلاث وساعد التوفيق فهو القسم الذي سبقت لهم
من ربهم الحسنى وتمت لهم العناية
والله سبحانه وتعالى اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تسليما كثيرا ابدا الى يوم الدين والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى