رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الباب الأول ـ في ذكر الإنذار بالنار و التحذير منهاقال الله تعالى :
{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة
عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون }
و قال تعالى : { فاتقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة أعدت للكافرين
}
و قال تعالى : { و اتقوا النار التي أعدت للكافرين }
و قال تعالى : { فأنذرتكم نارا تلظى }
و قال تعالى : { لهم من فوقهم ظلل من النار و من تحتهم ظلل ذلك يخوف الله
به عباده يا عباد فاتقون }
و قال تعالى : { وما هي إلا ذكرى للبشر * كلا والقمر * والليل إذ أدبر *
والصبح إذا أسفر * إنها لإحدى الكبر * نذيرا للبشر * لمن شاء منكم أن
يتقدم أو يتأخر }
قال الحسن في قوله تعالى { نذيرا للبشر } قال : و الله ما أنذر العباد
بشيء قط أدهى منها خرجه ابن أبي حاتم
و قال قتادة في قوله تعالى : { إنها لإحدى الكبر } يعني النار
[ و روى سماك بن حرب قال : سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول : سمعت رسول
الله صلى الله عليه و سلم و آله و سلم يقول : أنذرتكم النار أنذرتكم النار
حتى لو أن رجلا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا حتى وقعت خميصة كانت على
عاتقة عند رجليه ] خرجه الإمام أحمد و في رواية له أيضا [ عن النعمان بن
بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : أنذرتكم النار
أنذرتكم النار حتى لو كان رجل في أقصى السوق لسمعه و سمع أهل السوق صوته و
هو على المنبر ] و في رواية له [ عن سماك قال : سمعت النعمان يخطب و عليه
خميصة فقال : لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول :
أنذرتكم النار أنذرتكم النار فلو أن رجلا بموضع كذا و كذا سمع صوته ]
[ و عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم :
اتقوا النار قال : و أشاح ثم قال : اتقوا النار ثم أعرض و أشاح ثلاثا حتى
ظننا أنه ينظر إليها ثم قال : اتقوا النار و لو بشق تمرة فمن لم يجد
فبكلمة طيبة ] خرجاه في الصحيحين
و خرج البيهقي بإسناده فيه جهالة [
عن أنس عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم : يا معشر المسلمين ارغبوا
فيما رغبكم الله فيه و احذروا و خافوا ما خوفكم الله به من عذابه و عقابه
و من جهنم فإنها لو كانت قطرة من الجنة معكم في دنياكم التي أنتم فيها
حلتها لكم و لو كانت قطرة من النار معكم في دنياكم التي أنتم فيها خبثتها
عليكم ]
و في الصحيحين [ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله
و سلم قال : إنما مثلي و مثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا فجعلت الدواب و
الفراش يقعن فيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار و أنتم تقتحمون فيها ] و في
رواية لمسلم [ مثلي كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش
و هذه الدواب التي في النار يقعن فيها و جعل يحجزهن و يغلبنه فيقتحمن فيها
قال : فذلكم مثلي و مثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار هلم عن
النار فتغلبوني و تقتحمون فيها ]
و في رواية للإمام أحمد [ مثلي و
مثلكم ـ أيتها الأمة ـ كمثل رجل أوقد نارا بليل فأقبلت إليها هذه الفراش و
الذباب التي تغشى النار فجعل يذبها و يغلبنه إلا تقحما في النار و أنا آخذ
بحجزكم أدعوكم إلى الجنة و تغلبوني إلا تقحما في النار ]
و خرج
الإمام أحمد أيضا [ من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عبيه و آله و سلم
قال : إن الله لم يحرم حرمة إلا و قد علم أنه سيطلعها منكم مطلع ألا و إني
آخذ بحجزكم أن تهاتفوا في النار كتهافت الفراش و الذباب ]
و خرج
البزار و الطبراني [ من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم
قال : أنا آخذ بحجزكم فاتقوا النار اتقوا النار اتقوا الحدود فإذا مت
تركتم و أنا فرطكم على الحوض فمن ورد فقد أفلح ؟ فيؤتي بأقوام و يؤخذ بهم
ذات الشمال فأقول : رب أمتي ! فيقول : إنهم لم يزالوا بعدك يريدون على
أعقابهم ] و في رواية للبزار قال : [ و أنا آخذ بحجزكم أقول : إياكم و
جهنم إياكم و الحدود إياكم و جهنم إياكم و الحدود إياكم و جهنم إياكم و
الحدود ] و ذكر بقية الحديث
و في صحيح مسلم [ عن أبي هريرة قال : لما نزلت هذه الآية :
{ و أنذر عشيرتك الأقربين } دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم
قريشا فاجتمعوا فعم و خص فقال :
يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا
أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف
أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد
المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار
فإني لا أملك لكم من الله شيئا ]
و خرج الطبراني و غيره [ من طريق
يعلى بن الأشدق عن كليب بن حزن قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله
و سلم يقول : اطلبوا الجنة جهدكم و اهربوا من النار جهدكم فإن الجنة لا
ينام طالبها و إن النار لا ينام هاربها و إن الآخرة اليوم محفوفة بالمكاره
و إن الدنيا محفوفة باللذات و الشهوات فلا تلهينكم عن الآخرة ] و يروي هذا
الحديث أيضا عن يعلى بن الأشدق عن عبد الله بن جراد عن النبي صلى الله
عليه و آله و سلم و أحاديث يعلى بن الأشدق باطلة منكرة
و خرج
الترمذي [ من حديث يحيى بن عبد الله عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه و آله و سلم قال : ما رأيت مثل النار نام هاربها و لا مثل الجنة
نام طالبها ] و يحيى هذا ضعفوه و خرجه ابن مردويه من وجه آخر أجوه من هذا
إلى أبي هريرة و خرج الطبراني نحوه بإسناده فيه نظر عن أنس عن النبي صلى
الله عليه و آله و سلم و خرجه ابن عدي بإسناده عن عمر رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه و آله و سلم
و قال يوسف بن عطية عن المعلمي بن
زياد : كان هرم بن حيان يخرج في بعض الليالي و ينادي بأعلى صوته : عجبت من
الجنة كيف نام طالبها و عجبت من النار كيف نام هاربها ثم يقول :
{ أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا و هم نائمون }
و قال أبو الجوزاء : لو وليت من أمر الناس شيئا اتخذت منارا على الطريق و
أقمت عليها رجالا ينادون في الناس : النار النار خرجه الإمام أحمد في كتاب
الزهد و خرج ابنه عبد الله في هذا الكتاب أيضا بإسناده عن مالك بن دينار
قال : لو وجدت أعوانا لناديت في منار البصرة بالليل : النار النار ثم قال
: لو وجدت أعوانا لفرقتهم في منار الدنيا : يا أيها الناس النار النار
قال الله تعالى : { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار
لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم
ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب
النار * ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار }
قال تعالى : { قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من
تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير
بالعباد * الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار
}
و قال تعالى : { و عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا و إذا خاطبهم
الجاهلون قالوا سلاما } { إنها ساءت مستقرا و مقاما }
و قال تعالى : { و يرجون رحمته و يخافون عذابه }
و قال تعالى : { و الذين هم من عذاب ربهم مشفقون }
و قال : { ذلك لمن خاف مقامي و خاف وعيد }
و قال تعالى : { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قالوا إنا كنا قبل في
أهلنا مشفقين * فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم }
قال إبراهيم التيمي : ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النار لأن
أهل الجنة قالوا :
{ الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن }
و ينبغي لمن لم يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة لأنهم قالوا :
{ إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين }
و قد كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم كثيرا ما يستعيذ من النار و
يأمر بذلك في الصلاة و غيرها و الأحاديث في ذلك كثيرة
و قال أنس : [ كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه و آله و سلم :
{ ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار } ]
خرجه البخاري
و في كتاب النسائي [ عن أبي هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه و آله و
سلم يقول : اللهم إني أعوذ بك من حر جهنم ]
و في سنن أبي داود و ابن ماجه [ عن جابر أن النبي صلى الله عليه و آله و
سلم قال لرجل : و كيف تقول في الصلاة ؟ قال أتشهد ثم أقول : اللهم إني
أسألك الجنة و أعوذ بك من النار أما إني لا أحسن دندنتك و لا دندنة معاذ
فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم حولها ند ندن ] و خرجه البراز و
لفظه [ و هل أدندن أنا و معاذ إلا لندخل الجنة و نعاذ من النار ]
و
في مسند الإمام أحمد بإسناد منقطع [ عن سليم الأنصاري : أن النبي صلى الله
عليه و آله و سلم قال له : يا سليم ماذا معك من القرآن ؟ قال : إني أسأل
الله الجنة و أعوذ به من النار و الله ما أحسن دندنتك و لا دندنة معاذ
فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم : و هل تصير دندنتي و دندنة معاذ
إلا أن نسأل الله الجنة و نعوذ به من النار ؟ ! ]
و روينا [ من حديث
سويد بن سعيد حدثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن ابن عمر أن النبي صلى
الله عليه و آله و سلم قال : إنما يدخل الجنة من يرجوها و يجنب النار من
يخافها و إنما يرحم الله من يرحم ] و خرجه أبو نعيم و عنده : [ و إنما
يرحم الله من عباده الرحماء ] و قال : غريب من حديث زيد مرفوعا متصلا تفرد
به حفص و رواه ابن عجلان عن زيد مرسلا انتهى و المرسل أشبه
و قال عمر : لو نادى منادي من السماء : أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم
إلا رجلا واحدا لخفت أن أكون أنا هو خرجه أبو نعيم
و خرج الأمام أحمد من طريق عبد الله بن الرومي قال : بلغني أن عثمان رضي
الله عنه قال : لو أني بين الجنة و النار ـ و لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي
ـ لا خترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتها أصير
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل ـ الخوف من عذاب جهنم لا ينجو منه أحد
و الخوف من عذاب جهنم لا ينجو منه أحد من الخلق و قد توعد الله سبحانه
خاصة خلقه على المعصية قال الله تعالى :
{ ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة و لا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في
جهنم ملوما مدحورا }
و قال في خلق الملائكة المكرمين : { و من يقل منهم إني إله من دونه فذلك
نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين }
و ثبت من حديث عمارة بن القعقاع [ عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه و آله و سلم في حديث الشفاعة قال : فيأتون آدم ] و ذكر الحديث [
و قال : فيقول آدم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله و لن
بغضب بعده مثله و إنه أمرني بأمر فعصيته فأخاف أن يطرحني في النار انطلقوا
إلى غيري نفسي نفسي ]
و ذكر في نوح و إبراهيم و موسى و عيسى مثل ذلك
كلهم يقول : إني أخاف أن يطرحني في النار خرجه ابن أبي الدنيا عن أبي
خيثمة عن جرير عن عمارة به و خرجه مسلم في صحيحه عن أبي خيثمة إلا أنه لم
يذكر لفظه بتمامة و خرجه البخاري من وجه آخر بغير هذا اللفظ [ و لم يزل
الأنبياء و الصديقون و الشهداء و الصالحون يخافون النار و يخوفون منها ]
فأما ما يذكر عن بعض العارفين من عدم خشية النار فالصحيح منه له وجه
سنذكره إن شاءالله تعالى
قال ابن المبارك : أنبأني عمر بن عبد الرحمن بن مهدي سمعت وهب بن منبه
يقول : قال حكيم من الحكماء إني لأستحي من الله عز و جل أن أعبده رجاء
ثواب الجنة ـ أي فقط ـ فأكون كالأجير السوء إن أعطي عمل و إن لم يعط لم
يعمل و إني لأستحي من الله أن أعبده مخافة النار أي فقط فأكون كعبد السوء
إن رهب عمل و إن لم يرهب لم يعمل و إنه يستخرج حبه مني ما لا يستخرجه مني
غيره خرجه أبو نعيم بهذا اللفظ و في تفسير لهذا الكلام من بعض رواته و هو
أنه ذم العبادة على وجه الرجاء وحده أو على وجه الخوف وحده و هذا حسن
و كان بعض السلف يقول : من عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ و من عبده
بالخوف وحده فهو حروري و من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق و من عبده
بالخوف و الرجاء و المحبة فهو موحد مؤمن و سبب هذا أنه يجب على المؤمن أن
يعبد الله بهذه الوجوه الثلاثة : المحبة و الخوف و الرجاء و لا بد له من
جميعها و من أخل ببعضها فقد أخل ببعض واجبات الإيمان و كلام هذا الحكيم
يدل على أن الحب ينبغي أن يكون أغلب من الخوف و الرجاء
و قد قال
الفضيل ابن عياض : المحبة أفضل من الخوف ثم استشهد بكلام هذا الحكيم الذي
حكاه عنه وهب و كذا قال يحيى بن معاذ قال : حسبك من الخوف ما يمنع من
الذنوب و لا حسب من الحب أبدا
فأما الخوف و الرجاء فأكثر السلف على
أنهما يستويان لا يرجح أحدهما على الآخر قاله مطرف و الحسن و أحمد و غيرهم
و منهم من رجح الخوف على الرجاء و هو محكي عن الفضيل و أبي سليمان
الداراني
و من هذا أيضا قول حذيفة المرعشي : إن عبدا يعمل على خوف
لعبد سوء و إن عبدا يعمل على رجاء لعبد سوء كلاهما عندي سواء و مراده إذا
عمل على إفراد أحدهما عن الآخر
و قال وهيب بن الورد : لا تكونوا
كالعامل يقال له : تعمل كذا و كذا فيقول : نعم إن أحسنتم لي من الأجر و
مراده : ذم من لا يلحظ في العمل إلا الأجر
و هؤلاء العارفون لهم ملحظان :
أحدهما : أن الله تعالى يستحق لذاته أن يطاع و يحب و يبتغى قربه و الوسيلة
إليه مع قطع النظر عن كونه يثيب عباده و يعاقبهم كما قال القائل
( هب البعث لم تأتنا رسله ... و جاحمة النار لم تضرم )
( أليس من الواجب المست ... حق حياء العباد من المنعم )
و قد أشار هذا إلى أن نعمه على عباده تستوجب منهم شكره عليها و حياءهم منه
[ و هذا هو الذي أشار النبي صلى الله عليه و آله و سلم لما قام حتى تورمت
قدماه فقيل له : أتفعل هذا و قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر ؟
قال : أفلا أكون عبدا شكورا ]
و الملحظ الثاني : أن أكمل الخوف و
الرجاء ما تعلق بذات الحق سبحانه دون ما تعلق بالمخلوقات في الجنة و النار
فأعلى الخوف خوف العبد و السخط و الحجاب عنه سبحانه كما قدم سبحانه ذكر
هذا العقاب لأعدائه على صليهم النار في قوله :
{ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنهم لصالوا الجحيم }
وقال ذو النون : خزف النار عند خوف الفراق كقطرة في بحر لجي كما أن أعلى
الرجاء ما تعلق بذاته سبحانه من رضاه و رؤيته و مشاهدته و قربه و لكن قد
يغلط بعض الناس في هذا فيظن أن هذا كله ليس بداخل في نعيم الجنة و لا في
مسمى الجنة إذا أطلقت و لا في مسمى عذاب النار أو في مسمى النار إذا أطلقت
و ليس كذلك
و بقي ههنا أمر آخر و هو أن يقال : ما أعده الله في جهنم
من أنواع العذاب المتعلق بالأمور المخلوقة لا يخافها العارفون كما أن ما
أعده الله في الجنة من أنواع النعيم المتعلق بالأمور المخلوقة لا يحبه
العارفون و لا يطلبونه و هذا أيضا غلط و النصوص الدالة على خلافه كثيرة
جدا ظاهرة و هو أيضا مناقض لما جبل الله عليه الخلق من محبة ما يلائمهم و
كراهة ما ينافرهم و إنما صدر مثل هذا الكلام ممن صدر منه في حال سكره و
اصطلامه و استغراقه و غيبة عقله فظن أن العبد لا يبقى له إرادة له أصلا
فإذا رجع عقله و فهمه علم أن الأمر على خلاف ذلك
و نحن نضرب لذلك
مثلا يتضح به هذا الأمر إن شاء الله تعالى و هو أن أهل الجنة إذا دخلوا
الجنة و استدعاهم الرب سبحانه إلى زيارته و مشاهدته و محاضرته يوم المزيد
فإنهم ينسون عند ذلك كل نعيم عاينوه في الجنة قبل ذلك و لا يلتفتون إلى
شيء مما هم فيه من نعيم الجنة حتى يحتجب عنهم سبحانه و يحقرون كل نعيم في
الجنة حين ينظرون إلى وجهه جل جلاله كما جاء في أحاديث يوم المزيد فلو
أنهم ذكروا حينئذ بشيء من نعيم الجنة لأعرضوا عنه و لأخبروا أنهم لا يرونه
في تلك الحال و كذلك لو خوفوا عذابا و نحوه لم يلتفوا إليه و ربما لم
يستشعروا ألمه في تلك الحال و إنما يحذرون حينئذ من الحجاب عما هم فيه و
البعد عنه فإذا رجعوا إلى منازلهم رجعوا إلى ما كانوا عليه من التنعم
بأإنواع المخلوق لهم بل يزداد نعيمهم بذلك مع شدة شوقهم إلى يوم المزيد
ثانيا
فهكذا حال العارفين الصادقين في الدنيا إذا تجلى على قلوبهم
أنوار الإحسان و استولى عليها المثل الأعلى فإن هذا من شواهد ما يحصل لهم
في الجنة يوم المزيد فهم لا يلتفتون في تلك الحال إلى غير ما هم فيه من
الأنس بالله و التنعم بقربه و ذكره و محبته حتى ينسوا ذكر نعيم الجنة و
يصغر عندهم بالنسبة إلى ما هم فيه و لا يخافون حينئذ أيضا غير حجبهم عن
الله و بعدهم عنه و انقطاع مواد الأنس به فإذا رجعوا إلى عقولهم و سكنت
عنهم سلطنة هذا الحال و قهره و جدوا أنفسهم و إرادتهم باقية فيشتاقون
حينئذ إلى الجنة و يخافون من النار مع ملاحظتهم لأعلى ما يشتاق إليه من
الجنة و يخشى منه من النار
و أيضا فالعارفون قد يلاحظون من النار
أنها ناشئة عن صفة انتقام الله و بطشه و غضبه و الأثر يدل على المؤثر
فجهنم دليل على عظمة الله و شدة بأسه و بطشه و قوة سطوته و انتقامه في
أعدائه فالخوف منها في الحقيقية خوف من الله و إجلال و إعظام و خشية
لصفاته المخوفة مع أن الله سبحانه يخوف بها عبده و يحب منهم أن يخافوه
بخوفها و أن يخشوه بخشية الوقوع فيها و أن يحذروه بالحذر منها فالخائف من
النار خائف من الله متبع لما فيه محبته و رضاه و الله أعلم
و الخوف من عذاب جهنم لا ينجو منه أحد من الخلق و قد توعد الله سبحانه
خاصة خلقه على المعصية قال الله تعالى :
{ ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة و لا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في
جهنم ملوما مدحورا }
و قال في خلق الملائكة المكرمين : { و من يقل منهم إني إله من دونه فذلك
نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين }
و ثبت من حديث عمارة بن القعقاع [ عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه و آله و سلم في حديث الشفاعة قال : فيأتون آدم ] و ذكر الحديث [
و قال : فيقول آدم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله و لن
بغضب بعده مثله و إنه أمرني بأمر فعصيته فأخاف أن يطرحني في النار انطلقوا
إلى غيري نفسي نفسي ]
و ذكر في نوح و إبراهيم و موسى و عيسى مثل ذلك
كلهم يقول : إني أخاف أن يطرحني في النار خرجه ابن أبي الدنيا عن أبي
خيثمة عن جرير عن عمارة به و خرجه مسلم في صحيحه عن أبي خيثمة إلا أنه لم
يذكر لفظه بتمامة و خرجه البخاري من وجه آخر بغير هذا اللفظ [ و لم يزل
الأنبياء و الصديقون و الشهداء و الصالحون يخافون النار و يخوفون منها ]
فأما ما يذكر عن بعض العارفين من عدم خشية النار فالصحيح منه له وجه
سنذكره إن شاءالله تعالى
قال ابن المبارك : أنبأني عمر بن عبد الرحمن بن مهدي سمعت وهب بن منبه
يقول : قال حكيم من الحكماء إني لأستحي من الله عز و جل أن أعبده رجاء
ثواب الجنة ـ أي فقط ـ فأكون كالأجير السوء إن أعطي عمل و إن لم يعط لم
يعمل و إني لأستحي من الله أن أعبده مخافة النار أي فقط فأكون كعبد السوء
إن رهب عمل و إن لم يرهب لم يعمل و إنه يستخرج حبه مني ما لا يستخرجه مني
غيره خرجه أبو نعيم بهذا اللفظ و في تفسير لهذا الكلام من بعض رواته و هو
أنه ذم العبادة على وجه الرجاء وحده أو على وجه الخوف وحده و هذا حسن
و كان بعض السلف يقول : من عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ و من عبده
بالخوف وحده فهو حروري و من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق و من عبده
بالخوف و الرجاء و المحبة فهو موحد مؤمن و سبب هذا أنه يجب على المؤمن أن
يعبد الله بهذه الوجوه الثلاثة : المحبة و الخوف و الرجاء و لا بد له من
جميعها و من أخل ببعضها فقد أخل ببعض واجبات الإيمان و كلام هذا الحكيم
يدل على أن الحب ينبغي أن يكون أغلب من الخوف و الرجاء
و قد قال
الفضيل ابن عياض : المحبة أفضل من الخوف ثم استشهد بكلام هذا الحكيم الذي
حكاه عنه وهب و كذا قال يحيى بن معاذ قال : حسبك من الخوف ما يمنع من
الذنوب و لا حسب من الحب أبدا
فأما الخوف و الرجاء فأكثر السلف على
أنهما يستويان لا يرجح أحدهما على الآخر قاله مطرف و الحسن و أحمد و غيرهم
و منهم من رجح الخوف على الرجاء و هو محكي عن الفضيل و أبي سليمان
الداراني
و من هذا أيضا قول حذيفة المرعشي : إن عبدا يعمل على خوف
لعبد سوء و إن عبدا يعمل على رجاء لعبد سوء كلاهما عندي سواء و مراده إذا
عمل على إفراد أحدهما عن الآخر
و قال وهيب بن الورد : لا تكونوا
كالعامل يقال له : تعمل كذا و كذا فيقول : نعم إن أحسنتم لي من الأجر و
مراده : ذم من لا يلحظ في العمل إلا الأجر
و هؤلاء العارفون لهم ملحظان :
أحدهما : أن الله تعالى يستحق لذاته أن يطاع و يحب و يبتغى قربه و الوسيلة
إليه مع قطع النظر عن كونه يثيب عباده و يعاقبهم كما قال القائل
( هب البعث لم تأتنا رسله ... و جاحمة النار لم تضرم )
( أليس من الواجب المست ... حق حياء العباد من المنعم )
و قد أشار هذا إلى أن نعمه على عباده تستوجب منهم شكره عليها و حياءهم منه
[ و هذا هو الذي أشار النبي صلى الله عليه و آله و سلم لما قام حتى تورمت
قدماه فقيل له : أتفعل هذا و قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر ؟
قال : أفلا أكون عبدا شكورا ]
و الملحظ الثاني : أن أكمل الخوف و
الرجاء ما تعلق بذات الحق سبحانه دون ما تعلق بالمخلوقات في الجنة و النار
فأعلى الخوف خوف العبد و السخط و الحجاب عنه سبحانه كما قدم سبحانه ذكر
هذا العقاب لأعدائه على صليهم النار في قوله :
{ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنهم لصالوا الجحيم }
وقال ذو النون : خزف النار عند خوف الفراق كقطرة في بحر لجي كما أن أعلى
الرجاء ما تعلق بذاته سبحانه من رضاه و رؤيته و مشاهدته و قربه و لكن قد
يغلط بعض الناس في هذا فيظن أن هذا كله ليس بداخل في نعيم الجنة و لا في
مسمى الجنة إذا أطلقت و لا في مسمى عذاب النار أو في مسمى النار إذا أطلقت
و ليس كذلك
و بقي ههنا أمر آخر و هو أن يقال : ما أعده الله في جهنم
من أنواع العذاب المتعلق بالأمور المخلوقة لا يخافها العارفون كما أن ما
أعده الله في الجنة من أنواع النعيم المتعلق بالأمور المخلوقة لا يحبه
العارفون و لا يطلبونه و هذا أيضا غلط و النصوص الدالة على خلافه كثيرة
جدا ظاهرة و هو أيضا مناقض لما جبل الله عليه الخلق من محبة ما يلائمهم و
كراهة ما ينافرهم و إنما صدر مثل هذا الكلام ممن صدر منه في حال سكره و
اصطلامه و استغراقه و غيبة عقله فظن أن العبد لا يبقى له إرادة له أصلا
فإذا رجع عقله و فهمه علم أن الأمر على خلاف ذلك
و نحن نضرب لذلك
مثلا يتضح به هذا الأمر إن شاء الله تعالى و هو أن أهل الجنة إذا دخلوا
الجنة و استدعاهم الرب سبحانه إلى زيارته و مشاهدته و محاضرته يوم المزيد
فإنهم ينسون عند ذلك كل نعيم عاينوه في الجنة قبل ذلك و لا يلتفتون إلى
شيء مما هم فيه من نعيم الجنة حتى يحتجب عنهم سبحانه و يحقرون كل نعيم في
الجنة حين ينظرون إلى وجهه جل جلاله كما جاء في أحاديث يوم المزيد فلو
أنهم ذكروا حينئذ بشيء من نعيم الجنة لأعرضوا عنه و لأخبروا أنهم لا يرونه
في تلك الحال و كذلك لو خوفوا عذابا و نحوه لم يلتفوا إليه و ربما لم
يستشعروا ألمه في تلك الحال و إنما يحذرون حينئذ من الحجاب عما هم فيه و
البعد عنه فإذا رجعوا إلى منازلهم رجعوا إلى ما كانوا عليه من التنعم
بأإنواع المخلوق لهم بل يزداد نعيمهم بذلك مع شدة شوقهم إلى يوم المزيد
ثانيا
فهكذا حال العارفين الصادقين في الدنيا إذا تجلى على قلوبهم
أنوار الإحسان و استولى عليها المثل الأعلى فإن هذا من شواهد ما يحصل لهم
في الجنة يوم المزيد فهم لا يلتفتون في تلك الحال إلى غير ما هم فيه من
الأنس بالله و التنعم بقربه و ذكره و محبته حتى ينسوا ذكر نعيم الجنة و
يصغر عندهم بالنسبة إلى ما هم فيه و لا يخافون حينئذ أيضا غير حجبهم عن
الله و بعدهم عنه و انقطاع مواد الأنس به فإذا رجعوا إلى عقولهم و سكنت
عنهم سلطنة هذا الحال و قهره و جدوا أنفسهم و إرادتهم باقية فيشتاقون
حينئذ إلى الجنة و يخافون من النار مع ملاحظتهم لأعلى ما يشتاق إليه من
الجنة و يخشى منه من النار
و أيضا فالعارفون قد يلاحظون من النار
أنها ناشئة عن صفة انتقام الله و بطشه و غضبه و الأثر يدل على المؤثر
فجهنم دليل على عظمة الله و شدة بأسه و بطشه و قوة سطوته و انتقامه في
أعدائه فالخوف منها في الحقيقية خوف من الله و إجلال و إعظام و خشية
لصفاته المخوفة مع أن الله سبحانه يخوف بها عبده و يحب منهم أن يخافوه
بخوفها و أن يخشوه بخشية الوقوع فيها و أن يحذروه بالحذر منها فالخائف من
النار خائف من الله متبع لما فيه محبته و رضاه و الله أعلم
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل ـ في القدر الواجب من الخوف
و القدر الواجب من الخوف ما خمل على أداء الفرائض و اجتناب المحارم فإن
زاد على ذلك بحيث صار باعثا للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات و
الانكفاف عن دقائق المكروهات و التبسط في فضول المباحات كان ذلك فضلا
محمودا فإن تزايد على ذلك بأن أوراث مرضا أو موتا أو هما لازما بحيث يقطع
عن السعي في اكتساب الفضائل المطلوية المحبوبة لله عز و جل لم يكن محمودا
و لهذا كان السلف يخافون على عطاء السلمي من شدة خوفه الذي أنساه القرآن و
صار صاحب فراش و هذا لأن خوف العقاب ليس مقصودا لذاته إنما هو سوط يساق به
المتواني عن الطاعة إليها و من هنا كانت النار من جملة نعم الله على عباده
الذين خافوه و اتقوه و لهذا المعنى عدها الله سبحانه من جملة آلائه على
الثقلين في سورة الرحمن
و قال سفيان بن عيينة : خلق الله النار رحمة
يخوف بها عباده لينتهوا أخرجه أبو نعيم و المقصود الأصلي هو طاعة الله عز
و جل و فعل مراضيه و محبوباته و ترك مناهيه و مكروهاته
و لا ننكر أن
خشية الله و هيبته و عظمته في الصدور و إجلاله مقصود أيضا و لكن القدر
النافع من ذلك ما كان عونا على التقرب إلى الله بفعل ما يحبه و ترك ما
يكرهه و متى صار الخوف مانعا من ذلك و قاطعا عنه فقد انعكس المقصود منه و
لكن إذا حصل ذلك عن غلبة كان صاحبه معذورا و قد كان في السلف من حصل له من
خوف النار أحوال شتى لغلبة حال شهادة قلوبهم للنار فمنهم من كان يلازمه
القلق و البكاء و ربما اضطرب أو غشي عليه إذا سمع ذكر النار و قد روي عن
النبي صلى الله عليه و آله و سلم شيء من ذلك إلا أن إسناده ضعيف فروى حمزة
الزيات [ عن حمران بن أعين قال : سمع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم
قارئا :
{ إن لدينا أنكالا وجحيما * وطعاما ذا غصة وعذابا أليما }
فصعق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و في رواية فبكى حتى غشي عليه
صلى الله عليه و آله و سلم ] هذا مرسل و حمران ضعيف و رواه بعضهم عن حمران
عن أبي حرب بن الأسود مرسلا أيضا و قيل : إنه روي عن حمران عن ابن عمر و
لا يصح
[ و عن عبد العزيز بن أبي رواد قال : لما أنزل الله عز و جل على نبيه صلى
الله عليه و آله و سلم :
{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة }
تلاها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ذات يوم على أصحابه فخر فتى
مغشيا عليه فوضع النبي صلى الله عليه و آله و سلم يده على فؤاده فإذا هو
يتحرك فقال : رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : يا فتى قل : لا إله
إلا الله فقالها فبشره بالجنة فقال أصحابه يا رسول الله أمن بيننا ؟ فقال
: أو ما سمعتم قوله تعالى :
{ ذلك لمن خاف مقامي و خاف وعيد } ]
و قد روي هذا عن ابن أبي رواد عن عكرمة عن ابن عباس و خرجه من هذا الوجه
الحاكم و صححه و لعل المرسل أشبه
و قال الجوزجاني في كتاب النواحين حدثنا صاحب لنا [ عن جعفر بن سليمان عن
لقمان الحنفي قال : أتى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم على شاب ينادي
في جوف الليل : و اغوثاه من النار فلما أصبح قال : يا شاب لقد أبكيت
البارحة أعين ملأ من الملائكة كثير ]
و قال سليمان بن سحيم : أخبرني
من رأى ابن عمر يصلي و هو يترجح و يتمايل و يتأوه حتى لو رآه غيرنا ممن
يجهله لقال : لقد أصيب الرجل و ذلك لذكر النار إذا مر بقوله تعالى :
{ و إذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين } أو نحو ذلك
خرجه أبو عبيدة
و في كتاب الزهد للإمام أحمد عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : قلت
ليزيد بن مرثد : مالي أرى عينك لا تجف ؟ قال : و ما مسألتك عنه ؟ قلت :
عسى الله أن ينفعني به قال : يا أخي إن الله توعدني إن أنا عصيته أن
يسجنني في النار و الله لو لم يوعدني أن يسجنني إلا في الحمام لكنت حريا
أن لا تجف لي عين قلت له : فهكذا أنت في صلاتك ؟ قال : و ما مسألتك عنه ؟
قلت : عسى الله أن ينفعني به قال : و الله إن ذلك ليعرض لي حين أسكن إلى
أهلي فيحول بيني و بين ما أريد و إنه ليوضع الطعام بين يدي فيعرض لي فيحول
بيني و بين أكله حتى تبكي امرأتي و تبكي صبياننا ما يدرون ما أبكانا و
ربما أضجر ذلك امرأتي فتقول : يا ويحها و ما خصه من طول الحزن معك في
الحياة الدنيا ما يقر لي معك عين
و قال يزيد بن حوشب : ما رأيت أخوف من الحسن و عمر بن عبد العزيز كأن
النار لم تخلق إلا لهما
و روى ضمرة عن حفص بن عمر قال : بكى الحسن فقيل ما يبكيك ؟ قال : أخاف أن
يطرحني غدا في النار و لا يبالي
و عن الفرات بن سليمان قال : كان الحسن يقول : إن المؤمنين قوم ذلت و الله
منهم الأسماع و الأبصار و الأبدان حتى حسبهم الجاهل مرضى و هم و الله
أصحاب القلوب ألا تراه يقول :
{ و قالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن }
و الله لقد كابدوا في الدنيا حزنا شديدا و جرى عليهم ما جرى على من كان
قبلهم الله ما أحزنهم ما أحزن الناس و لكن أبكاهم و أحزنهم الخوف من النار
و روى ابن المبارك عن معمر عن يحيى بن المختار عن الحسن نحوه
و روى
ابن أبي الدنيا من حديث عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال سمعت عبد الله
بن حنظلة يوما و هو على فراشه و عدته من علته فتلا رجل عنده هذه الآية :
{ لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش } فبكى حتى ظننت أنه نفسه ستخرج و قال
: صاروا بين أطباق النار ثم قام على رجليه فقال قائل : يا أبا عبد الرحمن
اقعد قال : منعني القعود ذكر جهنم و لا أدري لعلي أجدهم
و من حديت عبد الرحمن بن مصعب أن رجلا كان يوما على شط الفرات فسمع تاليا
يتلو :
{ إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون }
فتمايل فلما قال التالي : { لا يفتر عنهم و هم فيه مبلسون }
سقط في الماء فمات
و من حديث أبي بكر بن عياش قال صليت خلف فضيل بن عياض صلاة المغرب و إلى
جانبي علي ابنه فقرأ الفضيل { ألهاكم التكاثر } فلنا بلغ { لترون الجحيم }
سقط مغشيا عليه و بقي الفضيل لا يقدر يجاوز الآية ثم صلى بنا صلاة خائف
قال : ثم رابطت عليا فما أفاق إلا في نصف الليل
و روى أبو النعيم
بإسناد عن الفضيل قال : أشرفت ليلة على علي و هو في صحن الدار و هو يقول :
النار و متى الخلاص من النار ؟ و كان علي يوما عند ابن عيينه فحدث سفيان
بحديث فيه ذكر النار و في يد علي قرطاس في شيء مربوط فشهق شهقة و وقع و
رمى بالقرطاس أو وقع من يده فالتفت إليه سفيان فقال : لو علمت أنك ههنا ما
حدثت به فما أفاق إلا بعد ما شاء الله
و قال علي بن خشرم : سمعت
منصور بن عمار يقول : تكلمت يوما في المسجد الحرام فذكرت شيئا من صفة
النار فرأيت الفضيل بن غياض صاح حتى غشي عليه و طرح نفسه
و في الحلية لأبي نعيم أن علي بن فضيل صلى خلف إمام قرأ في صلاته سورة
الرحمن فلما سلم قيل لعلي : أما سمعت ما قرأ الإمام :
{ حور مقصورات في الخيام }
فقال : شغلني عيها ما قبلها :
{ يرسل عليكما شواظ من نار و نحاس فلا تنتصران }
و قال ابن أبي ذئب : حدثني من شهد عمر بن عبد العزيز ـ و هو أمير المدينة
ـ و قرأ عنده رجل :
{ و إذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا }
بكى عمر حتى غلبه البكاء و علا نيجشه فقام من مجلسه و دخل بيته و تفرق
الناس
و قال أبو نوح الأنصاري : وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين و هو ساجد
فجعلوا ينادونه : يا ابن رسول الله النار فما رفع رأسه حتى أطفئت فقيل :
ما الذي ألهاك عنها ؟ قال : النار الأخرى
قال أحمد بن أبي الحواري :
سمعت أبا سليمان يقول : ربما مثل لي رأسي بين جبلين من نار و ربما رأيتني
أهوي فيها حتى أبلغ قرارها فكيف تهنأ الدنيا من كانت هذه صفته ؟ قال أحمد
: و حدثني أبو عبد الرحمن الأسدي قال : قلت لسعيد بن عبد العزيز : ما هذا
البكاء الذي يعرض لك في الصلاة ؟ فقال : يا ابن أخي و ما سؤالك عن ذلك ؟
قلت : يا عم لعل الله أن ينفعني به قال : ما قمت في صلاتي إلا مثلت لي
جهنم
و قال سرار أبو عبد الله : عاتبت عطاء السلمي في كثرة بكائه
فقال لي : يا سرار كيف تعاتبني في شيء ليس هو لي ؟ إني إذا ذكرت أهل النار
و ما ينزل بهم من عذاب الله عز و جل و عقابه تمثلت لي نفسي بهم فكيف لنفس
تغل يداها إلى عنقها و تسحب إلى النار أن لا تبكي و تصيح ؟ و كيف لنفس
تعذب أن لا تبكي ؟
قال العلاء بن زياد كان إخوان مطرف عنده فخاضوا
في ذكر الجنة و النار فقال مطرف : لا أدري ما تقولون ! حال ذكر النار بيني
و بين الجنة
و قال عبد الله بن أبي الهذيل : لقد شغلت النار من يعقل
عن ذكر الجنة و عوتب يزيد الرقاشي على كثرة بكائه و قيل له : لو كانت
النار خلقت لك ما زدت على هذا فقال : و هل خلقت النار إلا لي و لأصحابي و
لإخواننا من الجن و الإنس ؟ أما تقرأ :
{ سنفرغ لكم أيها الثقلان }
أما تقرأ :
{ يرسل عليكما شواظ من نار و نحاس فلا تنتصران }
فقرأ حتى بلغ :
{ يطوفون بينها و بين حميم آن }
و جعل يجول في الدار و يصرخ و يبكي حتى غشي عليه
و قرئ على رابعة العدوية آية فيها ذكر النار فصرخت ثم سقطت فمكثت ما شاء
الله لم تفق
و دخل ابن وهب الحمام فسمع قارئا يقول : { و إذ يتحاجون في النار } فسقط
مغشيا عليه فغسل عنه بالنورة و هو لا يعقل
و لما أهديت معاذة العدوية إلى زوجها صلة بن أشيم أدخله ابن أخيه الحمام
ثم أدخله بيتا مطيبا فقام يصلي حتى أصبح و فعلت معاذة كذلك فلما أصبح
عاتبه ابن أخيه على فعله فقال له : إنك أدخلتني بالأمس بيتا أذكرتني به
النار ثم أدخلتني بيتا أذكرتني به الجنة فما زالت فكرتي فيهما حتى أصبحت
قال العباس بن الوليد عن أبيه : كان الأوزاعي إذا ذكر النار لم يقطع ذكرها
و لم يقدر أحد أن يسأله عن شيء حتى يسكت فأقول بيني و بين نفسي : ترى بقي
أحد في المجلس لم يتقطع قلبه حسرات ؟ !
كانت آمنة بنت أبي الورع من
العابدات الخائفات و كانت إذا ذكرت النار قالت : أدخلوا النار و أكلوا و
شربوا من النار و عاشوا ثم تبكي و كانت كأنها حبة على مقلي و كانت إذا
ذكرت النار بكت و أبكت
قال عبد الواحد بن زيد : لم أر مثل قوم
رأيتهم هجمنا مرة على نفر من العباد في سواحل البحر فتفرقوا حين رأونا فما
كنت تسمع عامة الليل إلا الصراخ و التعوذ من النار فلما أصبحنا تعقبنا
آثارهم فلم نر منهم أحدا
و القدر الواجب من الخوف ما خمل على أداء الفرائض و اجتناب المحارم فإن
زاد على ذلك بحيث صار باعثا للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات و
الانكفاف عن دقائق المكروهات و التبسط في فضول المباحات كان ذلك فضلا
محمودا فإن تزايد على ذلك بأن أوراث مرضا أو موتا أو هما لازما بحيث يقطع
عن السعي في اكتساب الفضائل المطلوية المحبوبة لله عز و جل لم يكن محمودا
و لهذا كان السلف يخافون على عطاء السلمي من شدة خوفه الذي أنساه القرآن و
صار صاحب فراش و هذا لأن خوف العقاب ليس مقصودا لذاته إنما هو سوط يساق به
المتواني عن الطاعة إليها و من هنا كانت النار من جملة نعم الله على عباده
الذين خافوه و اتقوه و لهذا المعنى عدها الله سبحانه من جملة آلائه على
الثقلين في سورة الرحمن
و قال سفيان بن عيينة : خلق الله النار رحمة
يخوف بها عباده لينتهوا أخرجه أبو نعيم و المقصود الأصلي هو طاعة الله عز
و جل و فعل مراضيه و محبوباته و ترك مناهيه و مكروهاته
و لا ننكر أن
خشية الله و هيبته و عظمته في الصدور و إجلاله مقصود أيضا و لكن القدر
النافع من ذلك ما كان عونا على التقرب إلى الله بفعل ما يحبه و ترك ما
يكرهه و متى صار الخوف مانعا من ذلك و قاطعا عنه فقد انعكس المقصود منه و
لكن إذا حصل ذلك عن غلبة كان صاحبه معذورا و قد كان في السلف من حصل له من
خوف النار أحوال شتى لغلبة حال شهادة قلوبهم للنار فمنهم من كان يلازمه
القلق و البكاء و ربما اضطرب أو غشي عليه إذا سمع ذكر النار و قد روي عن
النبي صلى الله عليه و آله و سلم شيء من ذلك إلا أن إسناده ضعيف فروى حمزة
الزيات [ عن حمران بن أعين قال : سمع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم
قارئا :
{ إن لدينا أنكالا وجحيما * وطعاما ذا غصة وعذابا أليما }
فصعق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و في رواية فبكى حتى غشي عليه
صلى الله عليه و آله و سلم ] هذا مرسل و حمران ضعيف و رواه بعضهم عن حمران
عن أبي حرب بن الأسود مرسلا أيضا و قيل : إنه روي عن حمران عن ابن عمر و
لا يصح
[ و عن عبد العزيز بن أبي رواد قال : لما أنزل الله عز و جل على نبيه صلى
الله عليه و آله و سلم :
{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة }
تلاها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ذات يوم على أصحابه فخر فتى
مغشيا عليه فوضع النبي صلى الله عليه و آله و سلم يده على فؤاده فإذا هو
يتحرك فقال : رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : يا فتى قل : لا إله
إلا الله فقالها فبشره بالجنة فقال أصحابه يا رسول الله أمن بيننا ؟ فقال
: أو ما سمعتم قوله تعالى :
{ ذلك لمن خاف مقامي و خاف وعيد } ]
و قد روي هذا عن ابن أبي رواد عن عكرمة عن ابن عباس و خرجه من هذا الوجه
الحاكم و صححه و لعل المرسل أشبه
و قال الجوزجاني في كتاب النواحين حدثنا صاحب لنا [ عن جعفر بن سليمان عن
لقمان الحنفي قال : أتى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم على شاب ينادي
في جوف الليل : و اغوثاه من النار فلما أصبح قال : يا شاب لقد أبكيت
البارحة أعين ملأ من الملائكة كثير ]
و قال سليمان بن سحيم : أخبرني
من رأى ابن عمر يصلي و هو يترجح و يتمايل و يتأوه حتى لو رآه غيرنا ممن
يجهله لقال : لقد أصيب الرجل و ذلك لذكر النار إذا مر بقوله تعالى :
{ و إذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين } أو نحو ذلك
خرجه أبو عبيدة
و في كتاب الزهد للإمام أحمد عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : قلت
ليزيد بن مرثد : مالي أرى عينك لا تجف ؟ قال : و ما مسألتك عنه ؟ قلت :
عسى الله أن ينفعني به قال : يا أخي إن الله توعدني إن أنا عصيته أن
يسجنني في النار و الله لو لم يوعدني أن يسجنني إلا في الحمام لكنت حريا
أن لا تجف لي عين قلت له : فهكذا أنت في صلاتك ؟ قال : و ما مسألتك عنه ؟
قلت : عسى الله أن ينفعني به قال : و الله إن ذلك ليعرض لي حين أسكن إلى
أهلي فيحول بيني و بين ما أريد و إنه ليوضع الطعام بين يدي فيعرض لي فيحول
بيني و بين أكله حتى تبكي امرأتي و تبكي صبياننا ما يدرون ما أبكانا و
ربما أضجر ذلك امرأتي فتقول : يا ويحها و ما خصه من طول الحزن معك في
الحياة الدنيا ما يقر لي معك عين
و قال يزيد بن حوشب : ما رأيت أخوف من الحسن و عمر بن عبد العزيز كأن
النار لم تخلق إلا لهما
و روى ضمرة عن حفص بن عمر قال : بكى الحسن فقيل ما يبكيك ؟ قال : أخاف أن
يطرحني غدا في النار و لا يبالي
و عن الفرات بن سليمان قال : كان الحسن يقول : إن المؤمنين قوم ذلت و الله
منهم الأسماع و الأبصار و الأبدان حتى حسبهم الجاهل مرضى و هم و الله
أصحاب القلوب ألا تراه يقول :
{ و قالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن }
و الله لقد كابدوا في الدنيا حزنا شديدا و جرى عليهم ما جرى على من كان
قبلهم الله ما أحزنهم ما أحزن الناس و لكن أبكاهم و أحزنهم الخوف من النار
و روى ابن المبارك عن معمر عن يحيى بن المختار عن الحسن نحوه
و روى
ابن أبي الدنيا من حديث عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال سمعت عبد الله
بن حنظلة يوما و هو على فراشه و عدته من علته فتلا رجل عنده هذه الآية :
{ لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش } فبكى حتى ظننت أنه نفسه ستخرج و قال
: صاروا بين أطباق النار ثم قام على رجليه فقال قائل : يا أبا عبد الرحمن
اقعد قال : منعني القعود ذكر جهنم و لا أدري لعلي أجدهم
و من حديت عبد الرحمن بن مصعب أن رجلا كان يوما على شط الفرات فسمع تاليا
يتلو :
{ إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون }
فتمايل فلما قال التالي : { لا يفتر عنهم و هم فيه مبلسون }
سقط في الماء فمات
و من حديث أبي بكر بن عياش قال صليت خلف فضيل بن عياض صلاة المغرب و إلى
جانبي علي ابنه فقرأ الفضيل { ألهاكم التكاثر } فلنا بلغ { لترون الجحيم }
سقط مغشيا عليه و بقي الفضيل لا يقدر يجاوز الآية ثم صلى بنا صلاة خائف
قال : ثم رابطت عليا فما أفاق إلا في نصف الليل
و روى أبو النعيم
بإسناد عن الفضيل قال : أشرفت ليلة على علي و هو في صحن الدار و هو يقول :
النار و متى الخلاص من النار ؟ و كان علي يوما عند ابن عيينه فحدث سفيان
بحديث فيه ذكر النار و في يد علي قرطاس في شيء مربوط فشهق شهقة و وقع و
رمى بالقرطاس أو وقع من يده فالتفت إليه سفيان فقال : لو علمت أنك ههنا ما
حدثت به فما أفاق إلا بعد ما شاء الله
و قال علي بن خشرم : سمعت
منصور بن عمار يقول : تكلمت يوما في المسجد الحرام فذكرت شيئا من صفة
النار فرأيت الفضيل بن غياض صاح حتى غشي عليه و طرح نفسه
و في الحلية لأبي نعيم أن علي بن فضيل صلى خلف إمام قرأ في صلاته سورة
الرحمن فلما سلم قيل لعلي : أما سمعت ما قرأ الإمام :
{ حور مقصورات في الخيام }
فقال : شغلني عيها ما قبلها :
{ يرسل عليكما شواظ من نار و نحاس فلا تنتصران }
و قال ابن أبي ذئب : حدثني من شهد عمر بن عبد العزيز ـ و هو أمير المدينة
ـ و قرأ عنده رجل :
{ و إذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا }
بكى عمر حتى غلبه البكاء و علا نيجشه فقام من مجلسه و دخل بيته و تفرق
الناس
و قال أبو نوح الأنصاري : وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين و هو ساجد
فجعلوا ينادونه : يا ابن رسول الله النار فما رفع رأسه حتى أطفئت فقيل :
ما الذي ألهاك عنها ؟ قال : النار الأخرى
قال أحمد بن أبي الحواري :
سمعت أبا سليمان يقول : ربما مثل لي رأسي بين جبلين من نار و ربما رأيتني
أهوي فيها حتى أبلغ قرارها فكيف تهنأ الدنيا من كانت هذه صفته ؟ قال أحمد
: و حدثني أبو عبد الرحمن الأسدي قال : قلت لسعيد بن عبد العزيز : ما هذا
البكاء الذي يعرض لك في الصلاة ؟ فقال : يا ابن أخي و ما سؤالك عن ذلك ؟
قلت : يا عم لعل الله أن ينفعني به قال : ما قمت في صلاتي إلا مثلت لي
جهنم
و قال سرار أبو عبد الله : عاتبت عطاء السلمي في كثرة بكائه
فقال لي : يا سرار كيف تعاتبني في شيء ليس هو لي ؟ إني إذا ذكرت أهل النار
و ما ينزل بهم من عذاب الله عز و جل و عقابه تمثلت لي نفسي بهم فكيف لنفس
تغل يداها إلى عنقها و تسحب إلى النار أن لا تبكي و تصيح ؟ و كيف لنفس
تعذب أن لا تبكي ؟
قال العلاء بن زياد كان إخوان مطرف عنده فخاضوا
في ذكر الجنة و النار فقال مطرف : لا أدري ما تقولون ! حال ذكر النار بيني
و بين الجنة
و قال عبد الله بن أبي الهذيل : لقد شغلت النار من يعقل
عن ذكر الجنة و عوتب يزيد الرقاشي على كثرة بكائه و قيل له : لو كانت
النار خلقت لك ما زدت على هذا فقال : و هل خلقت النار إلا لي و لأصحابي و
لإخواننا من الجن و الإنس ؟ أما تقرأ :
{ سنفرغ لكم أيها الثقلان }
أما تقرأ :
{ يرسل عليكما شواظ من نار و نحاس فلا تنتصران }
فقرأ حتى بلغ :
{ يطوفون بينها و بين حميم آن }
و جعل يجول في الدار و يصرخ و يبكي حتى غشي عليه
و قرئ على رابعة العدوية آية فيها ذكر النار فصرخت ثم سقطت فمكثت ما شاء
الله لم تفق
و دخل ابن وهب الحمام فسمع قارئا يقول : { و إذ يتحاجون في النار } فسقط
مغشيا عليه فغسل عنه بالنورة و هو لا يعقل
و لما أهديت معاذة العدوية إلى زوجها صلة بن أشيم أدخله ابن أخيه الحمام
ثم أدخله بيتا مطيبا فقام يصلي حتى أصبح و فعلت معاذة كذلك فلما أصبح
عاتبه ابن أخيه على فعله فقال له : إنك أدخلتني بالأمس بيتا أذكرتني به
النار ثم أدخلتني بيتا أذكرتني به الجنة فما زالت فكرتي فيهما حتى أصبحت
قال العباس بن الوليد عن أبيه : كان الأوزاعي إذا ذكر النار لم يقطع ذكرها
و لم يقدر أحد أن يسأله عن شيء حتى يسكت فأقول بيني و بين نفسي : ترى بقي
أحد في المجلس لم يتقطع قلبه حسرات ؟ !
كانت آمنة بنت أبي الورع من
العابدات الخائفات و كانت إذا ذكرت النار قالت : أدخلوا النار و أكلوا و
شربوا من النار و عاشوا ثم تبكي و كانت كأنها حبة على مقلي و كانت إذا
ذكرت النار بكت و أبكت
قال عبد الواحد بن زيد : لم أر مثل قوم
رأيتهم هجمنا مرة على نفر من العباد في سواحل البحر فتفرقوا حين رأونا فما
كنت تسمع عامة الليل إلا الصراخ و التعوذ من النار فلما أصبحنا تعقبنا
آثارهم فلم نر منهم أحدا
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل ـ [ من السلف من إذا رأى النار اضطرب و تغيرت حاله ]
{ نحن جعلناها تذكرة } قال مجاهد و غيره : يعني أن نار الدنيا تذكر بنار
الآخرة
و قال أبو حيان التيمي : سمعت منذ ثلاثين سنة أن عبد الله بن مسعود مر على
الذين ينفخون على الكير فسقط خرجه الإمام أحمد
و خرج ابن أبي الدنيا من رواية سعد بن الأخرم قال : كنت أمشي مع ابن مسعود
فمر بالحدادين و قد أخرجوا حديدا من النار فقام ينظر إليه و يبكي
و عن عطاء الخراساني كان أويس القرني يقف على موضع الحدادين فينظر إليهم
كيف ينفخون الكير و يسمع صوت النار فيصرخ ثم يسقط
و عن ابن أبي الذباب أن طلحة و زيدا مرا بكير حداد فوقفا ينظران إليه
يبكيان
قال الأعمش : أخبرني من رأى الربيع بن خيثم مر بالحدادين فنظر إلى الكير و
ما فيه فخر
و قال مطر الوراق كان جمعة و هرم بن حيان إذا أصبحا غديا فمرا بأكورة
الحدادين فنظرا إلى الحديد كيف ينفخ فيقفان و يبكيان و يستجيران من النار
و قال حماد بن سلمة عن ثابت : كان بشير بن كعب و قراء البصرة يأتون
الحدادين فينظرون إلى شهيق النار فيتعوذون بالله من النار
و عن العلاء بن محمد قال دخلت على عطاء السلمي فرأيته مغشيا عليه فقلت
لامرأته ما شأنه ؟ قالت : سجرت جارة لنا التنور فلما نظر إليه غشي عليه
و عن معاوية الكندي قال : مر عطاء السلمي على صبي معه شعلة نار فأصابت
النار الريح فسمع ذلك منها فغشي عليه
قال الحسن : كان عمر رضي الله عنه ربما توقد له النار ثم يدني يديه منها
ثم يقول : يا ابن الخطاب هل لك على هذا صبر ؟ !
و كان الأحنف بن قيس يجيء إلى المصباح بالليل فيضع أصبعه فيه ثم يقول : حس
حس ثم يقول : يا حنيف ما حملك على صنعت يوم كذا ؟ ما حملك على ما صنعت يوم
كذا ؟
و قال البختري بن حارثة : دخلت على عابد فإذا بين يديه نار قد أججها و هو
يعاتب نفسه و لم يزل يعاتبها حتى مات
و كان كثير من الصالحين يذكر النار و أنواع عذابها برؤية ما يشبهه بها في
الدنيا أو يذكره بها كرؤية البحر و أمواجه و الرؤوس المشوية و بكاء
الأطفال و في الحر و البرد و عند الطعام و الشراب و غير ذلك و سنذكر ما
تيسر من ذلك مفرقا في مواضعه إن شاء الله تعالى
و قد سبق أن منهم من
كان يذكر النار بدخول الحمام و روى ليث [ عن طلحة قال : انطلق رجل من ذات
يوم فنزع ثيابه و تمزغ في الرمضاء و هو يقول لنفسه : ذوقي نار جهنم ذوقي
{ نار جهنم أشد حرا } جيفة بالليل بطالة بالنهار ؟ !
فبينا هو كذلك إذا أبصر النبي صلى الله عليه و سلم في ظل شجرة فأتاه فقال
: غلبتني نفسي فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : ألم يكن لك بد من الذي
صنعت ؟ لقد فتحت لك أبواب السماء و لقد باهى الله بك الملائكة ] خرجها [
ابن أبي الدنيا ] و هو مرسل و خرج الطبراني نحوه من حديث بريدة موصولا و
في إسناده من لا يعرف حاله و الله أعلم
فصل ـ من الخائفين من منعه خوف جهنم من النوم
و من الخائفين من منعه خوف جهنم من النوم
قال أسد بن وداعة : كان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة على مقلى
فيقول : اللهم إن ذكر جهنم لا يدعني أنام فيقوم إلى مصلاه
و قال أبو سليمان الداراني : كان طاووس يفترش فراشه ثم يضطجع عليه فيتقلى
كما تقلى الحبة على المقلى ثم يثب فيدرجه و يستقبل القبلة حتى الصباح و
يقول : طير ذكر جهنم نوم العابدين
و قال مالك بن دينار : قالت ابنة الربيع بن خيثم : يا أبت مالك لا تنام و
الناس ينامون ؟ فقال : إن النار لا تدع أباك ينام
و كان صفوان بن محرز إذا جنه الليل يخور كما يخور الثور و يقول : منع خوف
النار مني الرقاد
و كان عامر بن عبد الله يقول : ما رأيت مثل الجنة نام طالبها و ما رأيت
مثل النار نام هاربها فكان إذا جاء الليل قال : أذهب حر النار النوم فما
ينام حتى يصبح و إذا جاء النهار قال : أذهب حر النار النوم فما ينام حتى
يمسي و روي عنه أنه كان يتلوى الحب في المقلى ثم يقوم فينادي : اللهم إن
النار قد منعتني من النوم فاغفر لي و روي عنه أنه قيل له : مالك لا تنام ؟
قال : إن ذكر جهنم لا يدعني أنام
و قال الحر بن حصين الفزاري : رأيت
شيخا من بني فزارة أمر له خالد بن عبد الله بمائة ألف فأبى أن يقبلها و
قال : أذهب ذكر جهنم حلاوة الدنيا من قلبي قال : و كان يقوم إذا نام الناس
فيصيح : النار النار النار
و كان رجل من الموالي يقال له صهيب و كان
يسهر الليل و يبكي فعوتب على ذلك و قالت له مولاته : أفسدت على نفسك فقال
إن صهيبا إذا ذكر الجنة طال شوقه و إذا ذكر النار طال نومه
و عن أبي
مهدي قال : ما كان سفيان الثوري ينام إلا أول الليل ثم ينتفض فزعا مرعوبا
ينادي : النار النار شغلني ذكر النار عن النوم و الشهوات ثم يتوضأ و يقول
على أثر وضوئه : اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم و ما أطلب إلا فكاك رقبتي
من النار
و في هذا المعنى يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى :
( إذا ما الليل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم و هم ركوع )
( أطار الخوف نومهم فقاموا ... و أهل الأمن في الدنيا هجوع )
و قال ابن المبارك أيضا :
( و ما فرشهم إلا أيامن أزرهم ... و ما وسدهم إلا ملاء و أذرع )
( و ما ليلهم فيهن إلا تخوف ... و ما نومهم إلا عشاش مروع )
( و ألوانهم صفر كأن وجوههم ... عليا جساد هي بالورس مشبع )
( نواحل قد أزرى بها الجهد و السرى ...
إلى الله في الظلماء و الناس هجع )
( و يبكون أحيانا كأن عجيجهم ... إذا نوم الناس الحنين المرجع )
( و مجلس ذكر فيهم قد شهدته ... و أعينهم من رهبة الله تدمع )
كان عباد بن زياد التيمي له إخوة متعبدون فجاء الطاعون فاخترمهم فقال
يرثاهم :
( فتية يعرف التخشع فيهم ... كلهم أحكم القرآن غلاما )
( قد برى جلده التهجد حتى ... عاد جلدا مصفرا و عظاما )
( تتحافى عن الفراش من الخو ... ف إذا الجاهلون باتوا نياما )
( بأنين و عبرة و نحيب ... و يظلون بالنهار صياما )
( يقرؤؤن القرآن لا ريب فيه ... و يبيتون سجدا و قياما )
{ نحن جعلناها تذكرة } قال مجاهد و غيره : يعني أن نار الدنيا تذكر بنار
الآخرة
و قال أبو حيان التيمي : سمعت منذ ثلاثين سنة أن عبد الله بن مسعود مر على
الذين ينفخون على الكير فسقط خرجه الإمام أحمد
و خرج ابن أبي الدنيا من رواية سعد بن الأخرم قال : كنت أمشي مع ابن مسعود
فمر بالحدادين و قد أخرجوا حديدا من النار فقام ينظر إليه و يبكي
و عن عطاء الخراساني كان أويس القرني يقف على موضع الحدادين فينظر إليهم
كيف ينفخون الكير و يسمع صوت النار فيصرخ ثم يسقط
و عن ابن أبي الذباب أن طلحة و زيدا مرا بكير حداد فوقفا ينظران إليه
يبكيان
قال الأعمش : أخبرني من رأى الربيع بن خيثم مر بالحدادين فنظر إلى الكير و
ما فيه فخر
و قال مطر الوراق كان جمعة و هرم بن حيان إذا أصبحا غديا فمرا بأكورة
الحدادين فنظرا إلى الحديد كيف ينفخ فيقفان و يبكيان و يستجيران من النار
و قال حماد بن سلمة عن ثابت : كان بشير بن كعب و قراء البصرة يأتون
الحدادين فينظرون إلى شهيق النار فيتعوذون بالله من النار
و عن العلاء بن محمد قال دخلت على عطاء السلمي فرأيته مغشيا عليه فقلت
لامرأته ما شأنه ؟ قالت : سجرت جارة لنا التنور فلما نظر إليه غشي عليه
و عن معاوية الكندي قال : مر عطاء السلمي على صبي معه شعلة نار فأصابت
النار الريح فسمع ذلك منها فغشي عليه
قال الحسن : كان عمر رضي الله عنه ربما توقد له النار ثم يدني يديه منها
ثم يقول : يا ابن الخطاب هل لك على هذا صبر ؟ !
و كان الأحنف بن قيس يجيء إلى المصباح بالليل فيضع أصبعه فيه ثم يقول : حس
حس ثم يقول : يا حنيف ما حملك على صنعت يوم كذا ؟ ما حملك على ما صنعت يوم
كذا ؟
و قال البختري بن حارثة : دخلت على عابد فإذا بين يديه نار قد أججها و هو
يعاتب نفسه و لم يزل يعاتبها حتى مات
و كان كثير من الصالحين يذكر النار و أنواع عذابها برؤية ما يشبهه بها في
الدنيا أو يذكره بها كرؤية البحر و أمواجه و الرؤوس المشوية و بكاء
الأطفال و في الحر و البرد و عند الطعام و الشراب و غير ذلك و سنذكر ما
تيسر من ذلك مفرقا في مواضعه إن شاء الله تعالى
و قد سبق أن منهم من
كان يذكر النار بدخول الحمام و روى ليث [ عن طلحة قال : انطلق رجل من ذات
يوم فنزع ثيابه و تمزغ في الرمضاء و هو يقول لنفسه : ذوقي نار جهنم ذوقي
{ نار جهنم أشد حرا } جيفة بالليل بطالة بالنهار ؟ !
فبينا هو كذلك إذا أبصر النبي صلى الله عليه و سلم في ظل شجرة فأتاه فقال
: غلبتني نفسي فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : ألم يكن لك بد من الذي
صنعت ؟ لقد فتحت لك أبواب السماء و لقد باهى الله بك الملائكة ] خرجها [
ابن أبي الدنيا ] و هو مرسل و خرج الطبراني نحوه من حديث بريدة موصولا و
في إسناده من لا يعرف حاله و الله أعلم
و من الخائفين من منعه خوف جهنم من النوم
قال أسد بن وداعة : كان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة على مقلى
فيقول : اللهم إن ذكر جهنم لا يدعني أنام فيقوم إلى مصلاه
و قال أبو سليمان الداراني : كان طاووس يفترش فراشه ثم يضطجع عليه فيتقلى
كما تقلى الحبة على المقلى ثم يثب فيدرجه و يستقبل القبلة حتى الصباح و
يقول : طير ذكر جهنم نوم العابدين
و قال مالك بن دينار : قالت ابنة الربيع بن خيثم : يا أبت مالك لا تنام و
الناس ينامون ؟ فقال : إن النار لا تدع أباك ينام
و كان صفوان بن محرز إذا جنه الليل يخور كما يخور الثور و يقول : منع خوف
النار مني الرقاد
و كان عامر بن عبد الله يقول : ما رأيت مثل الجنة نام طالبها و ما رأيت
مثل النار نام هاربها فكان إذا جاء الليل قال : أذهب حر النار النوم فما
ينام حتى يصبح و إذا جاء النهار قال : أذهب حر النار النوم فما ينام حتى
يمسي و روي عنه أنه كان يتلوى الحب في المقلى ثم يقوم فينادي : اللهم إن
النار قد منعتني من النوم فاغفر لي و روي عنه أنه قيل له : مالك لا تنام ؟
قال : إن ذكر جهنم لا يدعني أنام
و قال الحر بن حصين الفزاري : رأيت
شيخا من بني فزارة أمر له خالد بن عبد الله بمائة ألف فأبى أن يقبلها و
قال : أذهب ذكر جهنم حلاوة الدنيا من قلبي قال : و كان يقوم إذا نام الناس
فيصيح : النار النار النار
و كان رجل من الموالي يقال له صهيب و كان
يسهر الليل و يبكي فعوتب على ذلك و قالت له مولاته : أفسدت على نفسك فقال
إن صهيبا إذا ذكر الجنة طال شوقه و إذا ذكر النار طال نومه
و عن أبي
مهدي قال : ما كان سفيان الثوري ينام إلا أول الليل ثم ينتفض فزعا مرعوبا
ينادي : النار النار شغلني ذكر النار عن النوم و الشهوات ثم يتوضأ و يقول
على أثر وضوئه : اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم و ما أطلب إلا فكاك رقبتي
من النار
و في هذا المعنى يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى :
( إذا ما الليل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم و هم ركوع )
( أطار الخوف نومهم فقاموا ... و أهل الأمن في الدنيا هجوع )
و قال ابن المبارك أيضا :
( و ما فرشهم إلا أيامن أزرهم ... و ما وسدهم إلا ملاء و أذرع )
( و ما ليلهم فيهن إلا تخوف ... و ما نومهم إلا عشاش مروع )
( و ألوانهم صفر كأن وجوههم ... عليا جساد هي بالورس مشبع )
( نواحل قد أزرى بها الجهد و السرى ...
إلى الله في الظلماء و الناس هجع )
( و يبكون أحيانا كأن عجيجهم ... إذا نوم الناس الحنين المرجع )
( و مجلس ذكر فيهم قد شهدته ... و أعينهم من رهبة الله تدمع )
كان عباد بن زياد التيمي له إخوة متعبدون فجاء الطاعون فاخترمهم فقال
يرثاهم :
( فتية يعرف التخشع فيهم ... كلهم أحكم القرآن غلاما )
( قد برى جلده التهجد حتى ... عاد جلدا مصفرا و عظاما )
( تتحافى عن الفراش من الخو ... ف إذا الجاهلون باتوا نياما )
( بأنين و عبرة و نحيب ... و يظلون بالنهار صياما )
( يقرؤؤن القرآن لا ريب فيه ... و يبيتون سجدا و قياما )
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى