لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة الجزء الثانى - صفحة 2 Empty كتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة الجزء الثانى {الأحد 19 يونيو - 15:11}

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

فصل وهذان الضلالان اعني الضلال والشقاء يذكرهما سبحانه كثيرا في

كلامه ويخبر انهما حظ اعدائه ويذكر ضدهما وهما الهدى والفلاح كثيرا ويخبر انهما حظ اوليائه اما الاول فكقوله تعالى ان المجرمين في ضلال وسعر فالضلال الضلال والسعر هو الشقاء والعذاب وقال تعالى قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين وأما الثاني فكقوله تعالى في أول البقرة وقد ذكر المؤمنين وصفاتهم اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون وكذلك في أول لقمان وقال في الانعام الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون ولما كانت سورة ام القرآن اعظم سورة في القرآن وافرضها قراءة على الامة واجمعها لكل ما يحتاج
إليه العبد واعمها نفعا ذكر فيها الامرين فأمرنا ان نقول اهدنا الصراط
المستقيم صراط الذين انعمت عليهم فذكر الهداية والنعمة وهما الهدى
والفلاح ثم قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فذكر المغضوب عليهم وهم اهل
الشقاء والضالين وهم اهل الضلال وكل من الطائفتين له الضلال والشقاء لكن
ذكر الوصفين معا لتكن الدلالة على كل منهما بصريح لفظه وأيضا فإنه ذكر ماهو
اظهر الوصفين في كل طائفة فإن الغضب على اليهود أظهر لعنادهم الحق
بعدمعرفته والضلال في النصارى اظهر لغلبة الجهل فيهم وقد صح عن النبي صلى
الله عليه و سلم انه قال اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون
فصل وقوله تعالى فاما ياتينكم مني هدى هو خطاب لمن اهبطه من الجنةبقوله اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو ثم قال فاما يأتينكم مني هدى وكلا الخطابين لابوي الثقلين وهو دليل على ان الجن مامورون منهيون داخلون تحت شرائع الانبياء وهذا مما لا خلاف فيه بين الامة وان نبينا بعث اليهم كما بعث إلى الانس كما لا خلاف بينها ان مسيئهم مستحق للعقاب وانما اختلف علماء الاسلام في المسلم منهم هل يدخل الجنة فالجمهور على ان محسنهم في الجنة كما ان مسيئهم في النار وقيل بل ثوابهم سلامتهم من الجحيم واما الجنة فلا يدخلها احد من اولاد إبليس وإنماهي
لبني آدم وصالحي ذريته خاصة وحكى هذا القول عن ابي حنيفة رحمه الله تعالى
واحتج الاولون بوجوه احدها هذه الاية فانه سبحانه اخبر ان من اتبع هداه فلا
يخاف ولا يحزن ولا يضل ولا يشقى وهذا مستلزم

لكمال النعيم ولا يقال ان الاية إنما تدل على نفي العذاب فقط ولا خلاف ان مؤمنيهم لا يعاقبون لانا نقول لولم تدل الاية الا على امر عدمي فقط لم يكن مدحا لمؤمني الانس ولما كان فيها الا مجرد امرعدمي وهو عدم الخوف والحزن ومعلوم ان سياق الاية ومقصودها إنما اريد
به ان من اتبع هدى الله الذي انزله حصل له غاية النعيم واندفععنه غاية
الشقاء وعبر عن هذا المعنى المطلوب بنفي الامور المذكورة لاقتضاء الحال
لذلك فإنه لما اهبط آدم من الجنة حصل له من الخوف والحزن والشقاء ما حصل
فاخبره سبحانه انه معطيه وذريته عهدا من اتبعه منهم انتفى عنه الخوف
والحزن والضلال والشقاء ومعلوم انه لا ينتفى ذلك كله إلا بدخول دار النعيم
ولكن المقام بذكر التصريح بنفي غاية المكروهات اولى الثاني قوله تعالى وإذ
صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إناسمعنا كتابا انزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق
مستقيم يا قومنا اجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من
عذاب اليم فأخبرنا سبحانه عن نذيرهم اخبارا بقوله ان من اجاب داعيه غفر له
وأجاره من العذاب ولو كانت المغفرة لهم إنما ينالون بها مجرد النجاة من العذاب كان ذلك حاصلا بقوله ويجركم من عذاب اليم بل تمام
المغفرة دخول الجنة والنجاة من النار فكل من غفر الله له فلا بد من دخوله
الجنة الثالث قوله تعالى في الحور العين لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فهذا
يدل على ان مؤمني الجن والانس يدخلون الجنة وأنه لم يسبق من احد منهم طمث
لاحد من الحور فدل على ان مؤمنيهم يتأنى منهم طمث الحور العين بعد الدخول كما يتأتى من الانس ولو كانوا ممن لا يدخل الجنة لما حسن
الاخبار عنهم بذلك الرابع قوله تعالى فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا
النار التي وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين وبشر الذين آمنوا وعملوا
الصالحات ان لهم جنات تجري من تحتها الانهار كلما رزقوا
منها من ثمرةرزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها
أزواج مطهرة وهم فيها خالدون والجن منهم مؤمن ومنهم كافر كما قال صالحوهم وانا منا المسلمون ومنا القاسطون فكما دخل
كافرهم في الاية الثانية وجب ان يدخل مؤمنهم في الاولى الخامس قوله عن
صالحيهم فمن اسلم فأولئك تحروا رشدا والرشد هو الهدى والفلاح وهو الذي يهدى
إليه القرآن ومن لم يدخل الجنة لم ينل غاية الرشد بل لم يحصل له من الرشد
الا مجردالعلم السادس قوله تعالى سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء
والارض اعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو
الفضل العظيم ومؤمنهم ممن آمن بالله ورسله فيدخل في المبشرين ويستحق
البشارة السابع قوله تعالى والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم عم

سبحانه
بالدعوة وخص بالهداية المفضية اليها فمن هداه اليها فهو من دعاه اليها فمن
اهتدى من الجن فهو من المدعوين اليها الثامن قوله تعالى ويوم نحشرهم جميعا
يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال اولياؤهم من الانس ربنا استمتع
بعضنا ببعض وبلغنا اجلنا الذي اجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله ان ربك حكيم عليم وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا
يكسبون يا معشر الجن والانس الم ياتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي
وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على انفسنا وغرتهم الحياة الدنيا
وشهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين ذلك ان لم يكن ربك مهلك القرى بظلم
واهلها غافلون ولكل درجات مما عملوا وهذا عام في الجن والانس فاخبرهم تعالى ان لكلهم درجات من عمله فاقتضى ان يكون لمحسنهم درجات من عمله كما لمحسن
الانس التاسع قوله تعالى إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل
عليهم الملائكة ان لا تخافوا ولاتحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون
وقولوه تعالى أن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم
يحزنون اولئك اصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا
يعملون ووجه التمسك بالاية من جوه ثلاثة احدها عموم الاسم الموصول فيها
الثاني ترتيبه الجزاء المذكورعلى المسألة ليدل على أنه مستحق بها وهو قول
ربنا الله مع الاستقامة والحكم يعم بعموم علته فإذا كان دخول الجنة مرتبا
على الاقرار بالله وربوبيته مع الاستقامة على امره فمن اتى ذلك استحق
الجزاء الثالث انه قال فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون اولئك اصحاب الجنة
خالدين فيها جزاء بما كانوايعملون
فدل على ان كل من لا خوف عليه ولا حزن فهو من اهل الجنة وقد تقدم في اول
الايات قوله تعالى فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون وانه متناول
للفريقين ودلت هذه الاية على ان من لا خوف عليه ولا حزن فهو من اهل الجنة
العاشر انه إذا دخل مسيئهم النار بعدل الله فدخول محسنهم الجنة بفضله
ورحمته اولى فإن رحمته سبقت غضبه والفضل اغلب من العدل ولهذا لا يدخل النار
الا من عمل اعمال اهل النار واما الجنة فيدخلها من لم يعمل خيرا قط بل ينشيء لها أقواما يسكنهم إياها من غير عمل عملوه ويرفع فيها درجات العبد من غير سعي منه بل بما يصل إليه من دعاء المؤمنين وصلاتهم وصدقتهم وأعمال البر التي يهدونها إليه بخلاف اهل النار فإنه لا يعذب فيها بغير عمل اصلا وقد ثبت بنص القرآن واجماع الامة ان مسيء الجن في النار بعدل الله وبما كانوا يكسبون فمحسنهم في الجنة بفضل الله بما كانوا يعملون لكن قيل انهم يكونون في ربض الجنة يراهم اهل الجنة ولا يرونهم كما كانوا في الدنيا يرون بني آدم من حيث لا يرونهم ومثل هذا لايعلم الا بتوقيف تنقطع الحجة عنده فإن ثبتت حجة يجب اتباعها وإلا فهو مما يحكى ليعلم وصحته موقوفة على الدليل. والله أعلم.
فصل ومتابعة هدى الله التي رتب عليها هذه الامور هي تصديق خبره من

غير اعتراض شبهة تقدح في تصديقه وامتثال امره من غير اعتراض شهوة تمنع امتثاله وعلى هذين الاصلين مدار الايمان وهما تصديق الخبر وطاعة الامر ويتبعهما امران آخران وهما نفي شبهات الباطل الواردة عليه المانعة من كمال التصديق وان لا يخمش بها وجه تصديقه ودفع شهوات الغي الواردة عليه المانعة من كمال
الامتثال فهنا اربعة امور احدها تصديق الخبر الثاني بذل الاجتهاد في رد
الشبهات التي توحيها شياطين الجن والانس في معارضته الثالث طاعة الامر
والرابع مجاهدة النفس في دفع الشهوات التي تحول بين العبد وبين كمال الطاعة وهذان الامران اعني الشبهات والشهوات اصل فساد العبد وشقائه في معاشه ومعاده كما ان الاصلين الاولين وهما تصديق الخبر وطاعة الامر اصل سعادته وفلاحه في معاشه ومعاده وذلك ان العبد له قوتان قوة الادراك والنظر وما يتبعها من العلم والمعرفة والكلام وقوة الارادة والحب وما يتبعه من النية والعزم والعمل فالشبهة تؤثر فسادا في القوة العلمية النظرية ما لم يداوها بدفعها والشهوة تؤثر فسادا في القوة الارادية العملية ما لم يداوها باخراجها قال الله تعالى في حق نبيه يذكر مامن به عليه من نزاهته وطهارته مما يلحق غيره من ذلك والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى فما ضل دليل على كمال علمه ومعرفته وانه على الحق المبين وما غوى دليل على كمال
رشده وأنه أبر العالمين فهو الكامل في علمه وفي عمله وقد وصف صلى الله
عليه و سلم بذلك خلفاءه من بعده وأمر باتباعهم على سنتهم فقال عليكم بسنتي
وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي رواه الترمذي وغيره فالراشد ضد
الغاوي والمهدي ضد الضال وقد قال تعالى كالذين من قبلكم كانوا اشد منكم قوة
وأكثر اموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا اولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرةوأولئك هم الخاسرون فذكر تعالى الاصلين وهما دار الاولين والاخرين احدهما الاستمتاع بالخلاف وهو النصيب من الدنيا والاستمتاع به متضمن لنيل الشهوات المانعة
من متابعة الامر بخلاف المؤمن فإنه وان نال من الدنيا وشهواتها فإنه لا
يستمتع بنصيبه كله ولا يذهب طيباته في حياته الدنيا بل ينال منها ما ينال
منها ليتقوى به على التزود لمعاده والثاني الخوض بالشبهات الباطلة وهو
قوله وخضتم كالذي خاضوا وهذا شأن النفوس الباطلة التي لم تخلق للآخرة
لاتزال ساعية في نيل شهواتها فإذا نالتها فإنما هي في خوض بالباطل الذي لا يجدي عليها إلا الضرر العاجل والاجل ومن تمام
حكمة الله تعالى انه يبتلى هذه النفوس بالشقاء والتعب في تحصيل مراداتها
وشهواتها فلا تتفرغ للخوض بالباطل الا قليلا ولو تفرغت هذه النفوس
الباطولية

لكانت ائمة تدعوا الى النار وهذا حال من تفرغ منها كما هومشاهد
بالعيان وسواء كان المعنى وخضتم كالحزب الذي خاضوا او كالفريق الذي خاضوا
فإن الذي يكون للواحد والجمع ونظيره قوله تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به
اولئك هم المتقون لهم ما يشاؤن
عند ربهم ذلك جزاء المحسنين لكن لا يجرى على جمع تصحيح فلا يجيء المسلمون
الذي جاؤوا وإنا يجيء غالبا في اسم الجمع كالحزب والفريق او حيث لا يذكر
الموصوف وان كان جمعا كقول الشاعر
وإن الذي جاءت تقبح دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد
او
حيث يراد الجنس دون الواحد والعدد كقوله تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به
ثم قال اولئك هم المتقون ونظيره الاية التي نحن منها وهي قوله وخضتم كالذي
خاضوا او كان المعنى علىالقول الاخر وخضتم خوضا كالخوض الذي خاضوا فيكون
صفة لمصدر محذوف كقولك اضرب كالذي ضرب واحسن كالذي احسن ونظائره وعلى هذا
فيكون العائد منصوبا محذوفا وحذفه في مثل ذلك قياس مطرد على القولين فقد
ذمه سبحانه على الخوض بالباطل واتباع الشهوات واخبر ان من كانت هذه حالته
فقد حبط عمله في الدنيا والاخرة وهو من الخاسرين ونظير هذا قول اهل النار
لاهل الجنة وقد سألوهم كيف دخلوها قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم
المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين فذكروا الاصلين الخوض
بالباطل وما يتبعه من التكذيب بيوم الدين وايثار الشهوات وما يستلزمه من ترك الصلوات واطعام ذوي الحاجات فهذان الاصلان هماما هما والله ولي التوفيق
فصل
والقلب السليم الذي ينجو من عذاب الله هو القلب الذي قد سلممن هذا وهذا
فهو القلب الذي قد سلم لربه وسلم لامره ولم تبق فيه منازعة لامره ولا
معارضة لخبره فهو سليم مما سوى الله وأمره لا يريد الا الله ولا يفعل إلا ما أمره
الله فالله وحده غايته وامره وشرعه وسيلته وطريقته لا تعترضه شبهة تحول
بينه وبين تصديق خبره لكن لا تمر عليه إلا وهي مجتازة تعلم انه لا قرار لها
فيه ولا شهوة تحول بينه وبين متابعة رضاه ومتى كان القلب كذلك فهو سليم من
الشرك وسليم من البدع وسليم من الغي وسليم من الباطل وكل الاقوال التي
قيلت في تفسيره فذلك يتضمنها وحقيقته انه القلب الذي قد سلم لعبودية ربه
حياء وخوفا وطمعا ورجاء ففنى بحبه عن حب ما سواه وبخوفه عن خوف ما سواه وبرجائه عن رجاء ما سواه وسلم لامره

ولرسوله تصديقا وطاعة كما تقدم
واستسلم لقضائه وقدره فلم يتهمه ولم ينازعه ولم يتسخط لاقداره فاسلم لربه
انقيادا وخضوعا وذلا وعبودية وسلم جميع احواله واقواله واعماله واذواقه ومواجيده ظاهرا وباطنا من مشاكة رسوله وعرض ما جاء من سواها عليها فما وافقها قبله وما خالفها رده وما لم يتبين له فيه موافقة ولا مخالفة وقف امره وأرجأه إلى ان
يتبين له وسالم أولياءه وحزبه المفلحين الذابين عن دينه وسنة نبيه
القائمين بها وعادى اعداءه المخالفين لكتابه وسنة نبيه الخارجين عنهما الداعين إلى خلافهما
فصل
وهذه المتابعة هي التلاوة التي اثنى الله على اهلها في قولهتعالى ان الذين
يتلون كتاب الله وفي قوله إن الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته اولئك
يؤمنون به والمعنى يتبعون كتاب الله حق اتباعه وقال تعالى اتل ما اوحى اليك من الكتاب واقم الصلاة وقال إنما امرت
ان اعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت ان اكون من المسلمين
وان اتلوا القرآن فحقيقة التلاوة في هذه المواضع هي التلاوة المطلقة التامة
وهي تلاوة اللفظ والمعنى فتلاوة اللفظ جزء مسمى التلاوة المطلقة وحقيقة
اللفظ إنما هي
الاتباع يقال اتل اثر فلان وتلوت اثره وقفوته وقصصته بمعنى تبعت خلفه ومنه
قوله تعالى والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها أي تبعها في الطلوع بعد غيبتها
ويقال جاء القوم يتلو بعضهم بعضا أي يتبع وسمى تالي الكلام تاليا لانه
يتبع بعض الحروف بعضا لا يخرجها جملة واحدة بل يتبع بعضها بعضا مرتبة كلما انقضى
حرف او كلمة اتبعه بحرف آخر وكلمة اخرى وهذه التلاوة وسيلة وطريقة
والمقصود التلاوة الحقيقية وهي تلاوة المعنى واتباعه تصديقا بخبره وائتمارا بأمره وانتهاء بنهيه وائماما به حيث ما قادك
انقدت معه فتلاوة القرآن تتناول تلاوة لفظه ومعناه وتلاوة المعنى اشرف من
مجرد تلاوة اللفظ وأهلها هم اهل القرآن الذين لهم الثناء في الدنيا والاخرة
فإنهم اهل تلاوة ومتابعة حقا
فصل ثم قال تعالى ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشرهيوم القيامة اعمى لما أخبر
سبحانه عن حال من اتبع هداه في معاشه ومعاده اخبر عن حال من اعرض عنه ولم
يتبعه فقال ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا أي عن الذكر الذي انزلته
فالذكر هنا مصدر مضاف إلى الفاعل كقيامي وقراءتي لا إلى المفعول وليس المعنى ومن اعرض

عن ان يذكرني بل هذا لازم المعنى ومقتضاه من وجه آخر سنذكره واحسن من هذا الوجه ان يقال الذكر هنا مضاف إضافة الاسماء لا إضافة المصادر إلى معمولاتها
والمعنى ومن اعرض عن كتابي ولم يتبعه فإن القرآن يسمى ذكرا قال تعالى وهذا
ذكر مبارك انزلناه وقال تعالى ذلك نتلوه عليك من الايات والذكر الحكيم
وقال تعالى وما هو الا ذكر للعالمين وقال تعالى إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وانه لكتاب عزيز وقال تعالى إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن وعلى هذا فاضافته كاضافة الاسماء
الجوامد التي لا يقصد بها اضافة العامل الىمعموله ونظيره في اضافة اسم
الفاعل غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب فإن هذه الاضافات لم يقصد بها
قصد الفعل المتجدد وإنما قصد
بها قصد الوصف الثابت اللازم وكذلك جرت اوصافا على اعرف المعارف وهو اسم
الله تعالى في قوله تعالى تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب
وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير
فصل
وقوله تعالى فإن له معيشة ضنكا فسرها غير واحد من السلف بعذابالقبر وجعلوا
هذه الاية احد الادلة الدالة على عذاب القبر ولهذا قال ونحشره يوم القيامة
اعمى قال رب لم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها
وكذلك اليوم تنسى أي تترك في العذاب كماتركت
العمل بآياتنا فذكر عذاب البرزخ وعذاب دار البوارونظيره قوله تعالى في حق
آل فرعون النار يعرضون عليها غدوا وعشيا فهذا في البرزخ ويوم تقوم الساعة
ادخلوا آل فرعون اشد العذاب فهذا في القيامة الكبرى ونظيره قوله تعالى ولو
ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا ايديهم اخرجوا انفسكم
اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم
تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون فقول الملائكة اليوم
تجزون عذاب الهون المراد به عذاب البرزخ الذي أوله يوم القبض والموت ونظيره
قوله تعالى ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم
وذوقوا عذاب الحريق فهذه الاذاقة هي في البرزخ واولها حين الوفاة فإنه
معطوف علىقوله يضربون وجوههم وأدبارهم وهو من القول المحذوف مقوله لدلالة
الكلام عليه كنظائره وكلاهما واقع
وقت الوفاة وفي الصحيح عن البراء بن عازب رضى الله عنه في قوله تعالى يثبت
الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال نزلت في
عذاب القبر والاحاديث في عذاب القبر تكاد تبلغ حد التواتر والمقصود ان الله
سبحانه اخبر ان من اعرض عن ذكره وهو الهدى الذي من اتبعه لا يضل ولا يشقى
فإن له معيشة ضنكا وتكفل لمن حفظ

عهده ان يحييه حياة
طيبة ويجزيه اجره في الآخرة فقال تعالى من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو
مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون فاخبر سبحانه عن فلاح ما تمسك بعهده علماوعملا
في العاجلة بالحياة الطيبة وفي الآخرة باحسن الجزاء وهذا بعكس من له
المعيشة الضنك في الدنيا والبرزخ ونسيانه في العذاب بالاخرة وقال سبحانه
ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وانهم ليصدونهم عن
السبيل ويحسبون انهم مهتدون فأخبر سبحانه ان من ابتلاه بقرينه من الشياطين
وضلاله به إنما كان
بسبب اعراضه وعشوه عن ذكره الذي انزله على رسوله فكان عقوبة هذا الاعراض
ان قيض له شيطانا يقارنه فيصده عن سبيل ربه وطريق فلاحه وهو يحسب انه مهتد
حتى إذا وافى ربه يوم القيامة مع قرينه وعاين هلاكه وافلاسه قال يا ليت
بيني وبينك بعدالمشرقين فبئس القرين وكل من اعرض عن الاهتداء بالوحي الذي
هو ذكر الله فلا بد ان يقول هذا يوم القيامة فإن قيل فهل لهذا عذر في ضلالة
إذا كان يحسب انه على هدى كما قال
تعالى ويحسبون انهم مهتدون قيل لا عذر لهذا وامثاله من الضلال الذين منشأ
ضلالهم الاعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم ولو ظن
انه مهتد فإنه مفرط باعراضه عن اتباع داعي الهدى فإذا ضل فإنما اتى من تفريطه واعراضه وهذا بخلاف من كان ضلاله لعدم بلوغ الرسالة وعجزه عن الوصول اليها فذاك له حكم آخر والوعيد في القرآن إنما يتناول الاول واما الثاني فإن الله لا يعذب احدا إلا بعد إقامة الحجة عليه كما قال تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقال تعالى رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وقال تعالى في اهل النار وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين وقال تعالى ان تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت
في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين او تقول لو ان الله هداني لكنت من
المتقين او تقول حين ترى العذاب لو ان لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد
جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين وهذا كثير في القرآن
فصل
وقوله تعالى ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني اعمىوقد كنت بصيرا
اختلف فيه هل هو من عمى البصيرة او من عمى البصر والذين قالوا هو من عمى
البصيرة إنما حملهم
على ذلك قوله اسمع بهم وابصر يوم ياتوننا وقوله لقدكنت في غفلة من هذا
فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد وقوله يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ
للمجرمين وقوله لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ونظائر هذا مما يثبت لهم الرؤية

في الآخرة كقوله تعالى وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقوله يوم يدعون إلى نار
جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون افسحر هذا ام انتم لا تبصرون
وقوله رأى المجرمون النار فظنوا انهم مواقعوها والذين رجحوا انه منعمى
البصر قالوا السياق لا يدل الا عليه لقوله قال رب لم حشرتني اعمى وقد كنت
بصيرا وهو لم يكن بصيرا في كفره قط بل قد تبين له حينئذ انه كان في الدنيا
في عمى عن الحق فكيف يقول وقد كنت بصيرا وكيف يجاب بقوله كذلك اتتك آياتنا
فنسيتها وكذلك اليوم تنسى بل هذا الجواب فيه تنبيه على انه من عمى البصر
وانه جوزي من جنس عمله فإنه لما اعرض عن الذكر الذي بعث الله به رسوله وعميت عنه بصيرته أعمى الله بصره يوم القيامة وتركه في العذاب كما ترك
الذكر في الدنيا فجازاه على عمى بصيرته عمى في الآخرة وعلى تركه ذكره تركه
في العذاب وقال تعالى ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم
اولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما وقد قيل في هذه الاية ايضا انهم عمي وبكم وصم عن الهدى كما قيل
في قوله ونحشره يوم القيامة اعمى قالوا لانهم يتكلمون يومئذ ويسمعون
ويبصرون ومن نصرانه العمى والبكم والصمم المضاد للبصر والسمع والنطق قال
بعضهم هو عمى وصمم وبكم مقيد لا مطلق فهم عمى عن رؤية ما يسرهم وسماعه ولهذا قد روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال لا يرون شيئا يسرهم وقال آخرون هذا الحشر حين تتوفاهم الملائكة يخرجون من الدنيا كذلك فإذا قاموا من قبورهم إلى الموقف قاموا كذلك ثم انهم يسمعون ويبصرون فيما بعد وهذامروى عن الحسن وقال آخرون هذا إنما يكون إذا دخلوا النار واستقروا فيها سلبو الاسماع والابصار والنطق حين يقول لهم الرب تبارك وتعالى اخسئوا فيها ولاتكلمون فحينئذ ينقطع الرجاء وتبكم عقولهم فيصيرون بأجمعهم عميا بكما صما لا يبصرون ولا يسمعون ولا ينطقون ولا يسمع منهم الا الزفير والشهيق وهذا منقول عن مقاتل والذين قالوا المراد به العمى عن الحجة إنما مرادهم انهم لا حجة لهم ولم يريدوا ان لهم حجة هم عمى عنها بل هم عمىعن الهدى كما كانوا في الدنيا فان العبد يموت على ما عاش عليه ويبعث على ما مات عليه وبهذا يظهر أن الصواب هو القول الاخر وانه عمى البصر فإن الكافر يعلم الحق يوم القيامة عيانا ويقر بما كان
يجحده في الدنيا فليس هو اعمى عن الحق يومئذ وفصل الخطاب ان الحشر هو الضم
والجمع ويراد به تارة الحشر الىموقف القيامةكقوله النبي صلى الله عليه و
سلم انكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا وكقوله تعالى وإذا الوحوش حشرت وكقوله تعالى وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا ويراد به الضم والجمع إلى دار المستقر فحشر المتقين جمعهم وضمهم إلى الجنة

وحشر الكافرين جمعهم وضمهم إلى النار قال تعالى يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا وقال تعالى احشروا الذين ظلموا أزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم فهذا الحشر هو بعدحشرهم الى الموقف وهو حشرهم وضمهم إلى النار
لانه قد اخبر عنهم انهم قالوا يا ويلنا هذا يوم الدين هذا يوم الفصل الذي
كنتم به تكذبون ثم قال تعالى احشروا الذين ظلموا وازواجهم وهذا الحشر
الثاني وعلى هذا فهم ما بين الحشر الاول من القبور الى الموقف والحشر الثاني من الموقف إلى النار فعند الحشر الاول يسمعون ويبصرون ويجادلون ويتكلمون وعند الحشر الثاني يحشرون على وجوههم عميا وبكما وصما فلكل موقف حال يليق به ويقتضيه عدل الرب تعالى وحكمته فالقرآن يصدق بعضه بعضا ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا
فصل والمقصود ان الله سبحانه وتعالى لما اقتضت حكمته ورحمته إخراجآدم وذريته من الجنة اعاضهم افضل منها وهو ما اعطاهم من عهده الذي جعله سببا موصلا لهم إليه وطريقا واضحا بين الدلالة عليه من تمسك به فاز واهتدى ومن اعرض عنه شقى وغوى ولما كان
هذا العهد الكريم والصراط المستقيم والنبأ العظيم لا يوصل إليه ابدا إلا
من باب العلم والارادة فالارادة باب الوصول إليه والعلم مفتاح ذلك الباب
المتوقف فتحه عليه وكمال كل انسان إنما يتم بهذين النوعين همة ترقيه وعلم يبصره ويهديه فإن مراتب السعادة والفلاح إنما تفوت العبد من هاتين الجهتين او من احداهما اما ان لا يكون له علم بها فلا يتحرك في طلبها او يكون عالما بها ولا تنهض همته اليها فلا يزال في حضيض طبعه محبوسا وقلبه عن كماله
الذي خلق له مصدودا منكوسا قد أسام نفسه مع الانعام راعيا مع الهمل
واستطاب لقيعات الراحة والبطالة واستلان فراش العجز والكسل لا كمن رفع له
علم فشمر إليه وبورك له في تفرده في طريق طلبه فلزمه واستقام عليه قد ابت
غلبات شوقه الا لهجرة إلى الله ورسوله ومقتت نفسه الرفقاء الا ابن سبيل يرافقه في سبيله ولما كان كمال الارادة بحسب كمال
مرادها وشرف العلم تابع لشرف معلومه كانت نهاية سعادة العبد الذي لا سعادة
له بدونها ولا حياة له إلا بها ان تكون إرادته متعلقة بالمراد الذي لا
يبلى ولا يفوت وعزمات همته مسافرة إلى حضرة الحي الذي لا يموت ولا سبيل له إلى هذا
المطلب الاسني والحظ الاوفى الا بالعلم الموروث عن عبده ورسوله وخليله
وحبيبه الذي بعثه لذلك داعيا وأقامه على هذا الطريق هاديا وجعله واسطة بينه
وبين الانام وداعيا لهم بإذنه إلى دار السلام وأبى سبحانه ان يفتح لاحد منهم الاعلى يديه او يقبل من احد منهم سعيا الا ان يكون مبتدأ منه ومنتهيا إليه


فالطرق كلها الا طريقة صلى الله عليه و سلم مسدودة والقلوب باسرها الا
قلوب اتباعه المنقادة إليه عن الله محبوسة مصدودة فحق على من كان في سعادة
نفسه ساعيا وكان قلبه حيا عن الله واعيا ان يجعل على هذين الاصلين مدار
اقواله واعماله وان يصيرهما اخبيته
التي اليها مفزعة في حياته وطاء له فلا جرم كان وضع هذا الكتاب مؤسسا على
هاتين القاعدتين ومقصوده التعريف بشرف هذين الاصلين وسميته مفتاح دار
السعادة ومنشور ولاية اهل العلم والارادة إذ كان هذا من بعض النزل والتحف
التي فتح الله بها على حين انقطاعي إليه عند بيته والقائي نفسي ببابه
مسكينا ذليلا وتعرض لنفحاته في بيته وحوله بكرة واصيلا فما خاب من انزل به حوائجه وعلق به آماله واصبح ببابه مقيما وبحماه نزيلا ولما كان العلم امام الارادة ومقدما عليها
ومفصلا لها ومرشدا لها قدمنا الكلام عليه على الكلام على المحبة ثم نتبعه
ان شاء الله بعد الفراغ منه كتابا في الكلام على المحبة واقسامها واحكامها
وفوائدها وثمراتها واسبابها وموانعها وما يقويها وما يضعفها
والاستدلال بسائر طرق الادلة من النقل والعقل والفطرة والقياس والاعتبار
والذوق والوجد على تعلقها بالاله الحق الذي لا إله غيره بل لا ينبغي ان
تكون إلا له ومن اجله والرد على من انكر ذلك وتبيين فساد قوله عقلا ونقلا
وفطرة وقياسا وذوقا ووجدا فهذا مضمون هذه التحفة وهذه عرائس معانيها الان
تجلى عليك وخود ابكارها البديعة الجمال ترفل في حللها وهي تزف اليك فاما شمس منازلها بسعد الاسعد وأما خود تزف إلى ضرير مقعد فاختر لنفسك احدى الخطتين وانزلها فيما شئت من المنزلتين ولا بد لكل نعمة من حاسد ولكل حق من جاحد ومعاند هذا وإنما اودع
من المعاني والنفائس رهن عند متأمله ومطالعه له غنمه وعلى مؤلفه غرمه وله
ثمرته ومنفعته ولصاحبه كله ومشقته مع تعرضه لطعن الطاعنين والاعتراض
المناقشين وهذه بضاعته المزجاة وعقله المدود يعرض على عقول العالمين
وإلقائه نفسه وعرضه بين مخالب الحاسدين وانياب البغاة المعتدين فلك ايها
القارئ صفوه ولمؤلفه كدره وهو الذي تجشم غراسه وتعبه ولك ثمره وها هو قد
استهدف لسهام الراشقين واستعذر إلى الله من الزلل والخطأ ثم إلى عباده
المؤمنين اللهم فعياذا بك ممن قصر في العلم والدين باعه وطالت في الجهل
وآذى عبادك ذراعه فهو لجهله يرى الاحسان اساءة والسنة بدعة والعرف نكرا
ولظلمه يجزى بالحسنة سيئة كاملة وبالسيئة الواحدة عشرا قد اتخذ بطر الحق
وغمط الناس سلما إلى ما يحبه من الباطل ويرضاه ولا يعرف من المعروف ولا ينكر من المنكر الا ما وافق إرادته او حالف هواه يستطيل على اولياء الرسول وحزبه باصغريه ويجالس اهل الغي والجهالة ويزاحمهم بركبتيه قد ارتوى من ماء آجن ونضلع واستشرف إلى مراتب

ورثة الانبياء وتطلع يركض
في ميدان جهله مع الجاهلين ويبرز عليهم في الجهالة فيظن انه من السابقين
وهو عند الله ورسوله والمؤمنين عن تلك الوراثة النبوية بمعزل وإذا انزل
الورثة منازلهم منها فمنزلته منها اقصى وابعد منزل
نزلوا بمكة في قبائل هاشم ... ونزلت بالبيداء ابعد منزل
وعياذا بك ممن جعل الملامة بضاعته والعذل نصيحته فهو دائما يبدى
في الملامة ويعيد ويكرر على العذل فلا يفيد ولا يستفيد بل عياذا بك من عدو
في صورة ناصح وولى في مسلاخ بعيد كاشح يجعل عداوته واذاه حذرا وإشفاقا
وتنفيره وتخذيله اسعافا وإرفاقا وإذا كانت العين لا تكاد إلا على هؤلاء
تفتح والميزان بهم يخف ولا يرجح فما احرى اللبيب بأن لا يعيرهم من قلبه جزا من الالتفات ويسافر في طريق مقصده بينهم سفره إلى الاحياء بين الاموات وما احسن ما قال القائل :
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله ... واجسامهم قبل القبور قبور
وارواحهم
في وحشة من جسومهم ... وليس لهم حتى النشور نشور اللهم فلك الحمد واليك
المشتكى وانت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة الا بك
وانت حسبنا ونعم الوكيل فلنشرع الان في المقصود بحول الله وقوته فنقول
الاصل الاول في العلم وفضله وشرفه وبيان عموم الحاجة إليه وتوقف كمال العبد ونجاته في معاشه ومعاده عليه
قال الله تعال شهد الله انه لا إله إلا هو والملائكة واولو العلم قائمابالقسط
لا إله إلا هو العزيز الحكيم استشهد سبحانه باولى العلم على اجل مشهود
عليه وهوتوحيده فقال شهد الله انه لا إله إلا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط
وهذا يدل على فضل العلم واهله من وجوه احدها استشهادهم دون غيرهم من البشر
والثاني اقتران شهادتهم بشهادته والثالث اقترانها بشهادة ملائكته والرابع
ان في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم فان الله لا يستشهد من خلقه الا العدول
ومنه الاثر المعروف عن النبي صلى الله عليه و سلم يحمل هذا العلم من كل خلف
عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وقال
محمد بن احمد بن يعقوب بن شيبة رأيت رجلا قدم رجلا إلى اسماعيل بن إسحاق القاضي

رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة الجزء الثانى - صفحة 2 Empty رد: كتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة الجزء الثانى {الأحد 19 يونيو - 15:17}


لها قوله تعالى إخبارا عنه وعن قومه فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عقابة المفسدين فاخبر سبحانه ان تكذيبهم وكفرهم كان عن يقين وهو اقوى العلم ظلما منهم
وعلوا لا جهلا وقال تعالى لرسوله قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا
يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون يعني انهم قد عرفوا صدقك وانك
غير كاذب فيما تقول ولكن عاندوا وجحدوا بالمعرفة قاله ابن عباس رضى الله عنهما والمفسرون قال قتادة يعلمون انك رسول ولكن يجحدون قال تعالى وجحدوا بها واستقينتها انفسهم ظلماوعلوا
وقال تعالى يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وانتم تشهدون يا أهل
الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وانتم تعلمون يعني تكفرون
بالقرآن وبمن جاء به وانتم تشهدون بصحته وبانه الحق فكفركم كفر عناد وجحود
عن علم وشهود لاعن جهل وخفاء وقال تعالى عن السحرة من اليهود ولقد علموا
لمن اشتراه ماله
في الآخرة من خلاق أي علموا من اخذ السحر وقبله لا نصيب له في الآخرة ومع
هذا العلم والمعرفة فهم يشترونه ويقبلونه ويتلعمونه وقال تعالى الذين
آتياناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم ذكر هذه المعرفة عن اهل الكتاب في القبلة كما في سورة البقرة وفي التوحيد كقوله في الانعام ائنكم لتشهدون انالله آلهة اخرى قل لا اشهد قل إنما هو إله واحد وانني بريء مما تشركون الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون
أبنائهم وفي الكتاب انه منزل من عند الله لقوله تعالى والذين آتيناهم
الكتاب يعلمون انه منزل من ربك بالحق وقال تعالى كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا ان الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين قال ابن عباس رضى الله عنهما هم قريظة والنضير ومن دان بدينهم كفروا بالنبي صلى الله عليه و سلم بعد ان كانوا قبل مبعثه مؤمنين به وشهدوا له بالنبوة وإنما كفروا
بغيا وحسدا قال الزجاج اعلم الله عز و جل انه لاجهة لهدايتهم لانهم قد
استحقوا ان يضلوا بكفرهم لانهم كفروا بعد البينات ومعنى كيف يهديهم أي انه
لا يهديهم لان القوم عرفوا الحق وشهدوا به وتيقنوه وكفروا عمدا فمن اين
تأتيهم الهداية فإن الذي ترتجى هدايته من كان ضالا ولا يدرى انه ضال بل يظن
انه على هدى فإذا عرف الهدى اهتدى وأما من عرف الحق وتيقنه وشهد به قلبه ثم اختار الكفر والضلال عليه فكيف يهدي الله مثل هذا وقال تعالى عن اليهود فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ثم قال بئسما اشتروا به انفسهم ان يكفروا بما انزل الله بغيا ان ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده قال ابن عباس رضى الله عنهما لم يكن كفرهم شكا ولا اشتباها ولكن بغيا منهم حيث صارت النبوة في ولد اسماعيل ثم قال بعد ذلك ولما جاءهم رسول

من عند الله مصدق لمامعهم نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كانهم لا يعلمون فلما شبههم في فعلهم هذا بمن لا يعلم دل على انهم بنذوه عن علم كفعل من لا يعلم تقول إذا خاطبت من عصاك عمدا كانك لم تعلم ما فعلت او كانك لم تعلم بنهي إياك ومنه على احد القولين قوله تعالى فإن تولوا فإنما عليك
البلاغ المبين يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون قال السدى
يعنى محمدا صلى الله عليه و سلم واختاره الزجاج فقال يعرفون أن امر محمد
صلى الله عليه و سلم حق ثم ينكرون ذلك وأول الاية يشهد لهذا القول وقال
تعالى واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعهالشيطان فكان
من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد إلى الارض
واتبع هواه فمثله كمثل الكلب قالوا فهل بعد هذه الاية بيان فإن هذا آتاه
الله آياته فانسلخ منها وآثر الضلال والغي وقصته معروفة حتى قيل إنه كان
اوتى الاسم الاعظم ومع هذا فلم ينفعه علمه وكان من الغاوين فلو استلزم
العلم والمعرفة الهداية لاستلزمه في حق هذا وقال تعالى وعادا وثمود وقد
تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين وهذا يدل على ان قولهم يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إما بهت منهم وجحود وإما نفي
لايات الاقتراح والعنت ولا يجب الاتيان بها وقد وصف سبحانه ثمود بانها
كفرت عن علم وبصيرة بالحق ولهذا قال وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها
يعني بينة مضيئة وهذا كقوله تعالى وجعلنا آية النهار مبصرة أي مضيئة وحقيقة
اللفظ انها تجعل من رآها مبصرا فهي توجب له البصر فتبصره أي تجعله ذا بصر
فهي موضحة مبينة يقال بصر به إذا رآه كقوله تعالى فبصرت به عن جنب وقوله
بصرت بما لم يبصروا به واما ابصره فله معنيان احدهما جعله
باصرا بالشيء أي ذا بصر به كاية النهار وآية ثمود والثاني بمعنى رآه كقولك
ابصرت زيدا وفي حديث ابي شريح العدوى احدثك قولا قال به رسول الله صلى
الله عليه و سلم يوم الفتح فسمعته أذناي ووعاه قلبي وابصرته عيناي حين تكلم
به ومنه قوله تعالى فتول عنهم حتى حين وأبصرهم فسوق يبصرون قيل المعنى
ابصرهم وما يقضى عليهم من الاسر والقتل والعذاب في الآخرة فسوف يبصرونك وما يقضى
لك من النصر والتأييد وحسن العاقبة والمراد تقريب المبصر من المخاطب حتى
كانه نصب عينيه ورأىناظريه والمقصود ان الاية اوجبت لهم البصيرة فآثروا
الضلال والكفر عن علم ويقين ولهذا والله اعلم ذكر قصتهم من بين قصص سائر
الامم في سورة والشمس وضحاها لانه ذكر فيها انقسام النفوس إلى الزكية الراشدة المهتدية والى الفاجرة الضالة الغاوية وذكر فيها الاصلين القدر والشرع فقال فالهمها فجورها


وتقواها فهذا قدره وقضاؤه ثم قال قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها فهذا
امره ودينه وثمود هداهم فاستحبوا العمى على الهدى فذكر قصتهم ليبين سوء
عاقبة منمن آثر الفجور على التقوى والتدسية على التزكية والله اعلم بما أراد قالوا ويكفى في هذا اخباره تعالى عن الكفار انهم يقولون بعد ما عاينوا العذاب ووردوا القيامة وراوا ما اخبرت به الرسل يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لمانهوا عنه وإنهم لكاذبون فأبي علم ابين من علم من ورد القيامة ورأى ما فيها وذاق عذاب الآخرة ثم ورد إلى الدنيا لاختار الضلال على الهدى ولم ينفعه ما قد عاينه ورآه وقال تعالى ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ماكانوا
ليؤمنوا الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون فهل بعد نزول الملائكة عيانا
وتكليم الموتى لهم وشهادتهم للرسول بالصدق وحشر كل شيء في الدنيا عليهم من
بيان وإيضاح للحق وهدى ومع هذا فلا يؤمنون ولا ينقادون للحق ولا يصدقون
الرسول ومن نظر في سيرة رسول الله صلى الله عليه و سلم مع قومه ومع اليهود
علم انهم كانوا جازمين بصدقه صلى الله عليه و سلم لا يشكون انه صادق في
قوله انه رسول الله ولكن اختاروا الضلال والكفر علىالايمان
قال المسور بن مخرمة رضى الله عنه لابي جهل وكان خاله أي خال هل كنتم
تتهمون محمدا بالكذب قبل ان يقول مقالته التي قالها قال ابو جهل لعنه الله
تعالى يا ابن اخي والله لقد كان محمد فينا وهو شاب يدعى الامين ما جربنا عليه كذبا قط فلما وخطه
الشيب لم يكن ليكذب على الله قال يا خال فلم لا تتبعونه قال يا ابن اخي
تنازعنا نحن بنو هاشم الشرف فاطعموا وأطعمنا وسقوا وسقينا وأجاروا وأجرنا
فلم تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي فمتى ندرك هذه وهذا
امية بن ابي الصلت كان ينتظره يوما بيوم وعلمه عنده قبل مبعثه وقصته مع ابي سفيان لما سافرا معا معروفة واخباره برسول الله صلى الله عليه و سلم ثم لما تيقنه
وعرف صدقه قال لا اومن بنبي من غير ثقيف ابدا وهذا هرقل تيقن انه رسول
الله صلى الله عليه و سلم ولم يشك فيه وآثر الضلال والكفر استبقاء لملكه ولما سأله اليهود عن التسع آيات البيانات فاخبرهم بها قبلوا يده وقالوا نشهد انك نبي قال فما يمنعكم
ان تتبعوني قالوا إن داود عليه السلام دعا ان لا يزال في ذريته نبي وإنا
نخشى أن اتبعناك ان تقتلنا يهود فهؤلاء قد تحققوا نبوته وشهدوا له بها ومع
هذا فآثروا الكفر والضلال ولم يصيروا مسلمين بهذه الشهادة فقيل لا يصير
الكافر مسلما بمجرد شهادة ان محمدا رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يشهد لله بالوحدانية وقيل يصير بذلك مسلما وقيل إن كان كفره بتكذيب الرسول كاليهود صار مسلما بذلك وإن كان كفره بالشرك مع ذلك لم يصر مسلما إلا بالشهادة بالتوحيد

كالنصارى والمشركين وهذه الاقوال الثلاثة في مذهب الامام احمد وغيره وعلى هذا فانما لم
يحكم لهؤلاء اليهود الذين شهدوا له بالرسالة بحكم الاسلام لان مجرد
الاقرار والاخبار بصحة رسالته لا يوجب الاسلام إلا ان يلزم طاعته ومتابعته
وإلا فلو قال انا اعلم انه نبي ولكن لا اتبعه ولا ادين بدينه كان من اكفر
الكفار كحال هؤلاء المذكورين وغيرهم وهذا متفق عليه بين الصحابة والتابعين
وائمة السنة ان الايمان
لا يكفي في قول اللسان بمجرده ولا معرفة القلب مع ذلك بل لا بد فيه من عمل
القلب وهو حبه لله ورسوله وانقياده لدينه والتزامه طاعته ومتابعة رسوله
وهذا خلاف من زعم ان الايمان هو مجرد معرفة القلب واقراره وفيما تقدم كفاية في إبطال هذه المقالة ومن قال ان الايمان هو مجرد اعتقاد صدق الرسول فيما جاء
به وإن لم يلتزم متابعته وعاداه وابغضه وقاتله لزمه ان يكون هؤلاء كلهم
مؤمنين وهذا إلزام لامحيد عنه ولهذا اضطرب هؤلاء في الجواب عن ذلك لما ورد عليهم وأجابوا بما يستحي
العاقل من قوله كقول بعضهم إن إبليس كان مستهزئا ولم يكن يقر بوجود الله
ولا بأن الله ربه وخالقه ولم يكن يعرف ذلك وكذلك فرعون وقومه لم يكونوا
يعرفون صحة نبوة موسى ولا يعتقدون وجود الصانع وهذه فضائح نعوذ بالله من
الوقوع في أمثالها ونصرة المقالات وتقليد اربابها تحمل على أكثر من هذا
ونعوذ بالله من الخذلان قالوا وقد بين القرآن ان الكفر اقسام احدها كفر
صادر عن جهل وضلال وتقليد الاسلاف وهو كفر أكثر الاتباع والعوام الثاني كفر
جحود وعناد وقصد مخالفة الحق ككفر من تقدم ذكره وغالب ما يقع هذا النوع فيمن له رياسة علمية في قومه من الكفار او رياسة سلطانية او من له ماكل واموال في قومه فيخاف هذا على رياسته وهذا على ماله ومأكله فيؤثر الكفر على الايمان عمدا الثالث كفر إعراض محض لا ينظر فيما جاء به الرسول ولا يحبه ولا يبغضه ولا يواليه ولا يعاديه بل هو معرض عن متابعته ومعاداته وهذان القسمان أكثر المتكلمين ينكرونهما ولا
يثبتون من الكفر إلا الاول ويجعلون الثاني والثالث كفرا لدلالاته على
الاول لا لأنه في ذاته كفر فليس عندهم الكفر إلا مجرد الجهل ومن تأمل
القرآن والسنةوسير الانبياء في أممهم ودعوتهم لهم وما جرى لهم معهم جزم بخطأ اهل الكلام فيما قالوه وعلم ان عامة كفر الامم عن تيقن وعلم ومعرفة بصدق انبيائهم وصحة دعواهم وما جاؤا به وهذا القرآن مملوء من الاخبار عن المشركين عباد الاصنام انهم كانوا يقرون بالله وانه هو وحده ربهم وخالقهم وأن الارض وما فيها
له وحده وأنه رب السموات السبع ورب العرش العظيم وانه بيده ملكوت كل شيء
وهو يجير ولا يجار عليه وأنه هو الذي سخر الشمس والقمر وانزل المطر واخرج
النبات والقرآن منادعليهم بذلك محتج بما أقروا به من ذلك على صحة ما دعتهم إليه رسله

فكيف يقال ان القوم لم يكونوا مقرين قط بان لهم ربا وخالقا وهذا بهتان عظيم فالكفر امر وراء مجرد الجهل بل الكفر الاغلظ هو ما انكره هؤلاء وزعموا انه ليس بكفر قالوا والقلب عليه واجبان لا يصيره مؤمنا الا بهما جميعا واجب المعرفة والعلم وواجب الحب والانقياد والاستسلام فكما لا
يكون مؤمنا إذا لم يأت بواجب العلم والاعتقاد لا يكون مؤمنا إذا لم يأت
بواجب الحب والانقياد والاستسلام بل إذا ترك هذا الواجب مع علمه ومعرفته به
كان اعظم كفرا وابعد عن الايمان من الكافر جهلا فإن الجاهل إذا عرف وعلم فهو قريب إلى الانقياد والاتباع وأما المعاند فلا دواء فيه قال تعالى كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا ان الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين قالوا فحب الله ورسوله بل كون الله ورسوله احب إلى العبد من سواهما لا يكون العبد مسلما الا به ولا ريب ان الحب امر وراء العلم فما كل من عرف الرسول احبه كما تقدم
قالوا وهذا لحاسد يحمله بغض المحسود علىمعاداته والسعي في اذاه بكل ممكن
مع علمه بفضله وعلمه وانه لا شيء فيه يوجب عداوته إلا محاسنه وفضائله ولهذا
قيل الحاسد عدو للنعم والمكارم فالحاسد لم يحمله علىمعاداة المحسود جهله
بفضله وكماله وإنما حمله على ذلك إفساد قصده وإرادته كما هي
حال الرسل وورثتهم مع الرؤساء الذين سلبهم الرسل ووارثوهم رئاستهم الباطلة
فعادوهم وصدوا النفوس عن متابعتهم ظنا ان الرياسة تبقى لهم وينفردون بها
وسنة الله في هؤلاء ان يسلبهم رياسة الدنيا والاخرة ويصغرهم في عيون الخلق
مقابلة لهم بنقيض قصدهم وما ربك بظلام للعبيد فهذا موارد احتجاج الفريقين وموقف اقدام الطائفتين فاجلس ايها المنصف منهما مجلس الحكومة وتوخ بعلمك وعدلك فصل هذه الخصومة فقد ادلى كل منهما بحجج لا تعارض ولاتمانع
وجاء ببينات لا ترد ولا تدافع فهل عندك شيء غير هذا يحصل به فصل الخطاب
وينكشف به لطالب الحق وجه الصواب فيرضى الطائفتين ويزول به الاختلاف من
البين وإلا فخل المطي وحاديها واعط النفوس باريها
دع الهوى لأناس يعرفون به ... قد كابدوا الحب حتى لان اصعبه
ومن عرف قدره وعرف لذي الفضل فضله فقد قرع باب التوفيق والله الفتاح العليم فنقول وبالله التوفيق
كلا الطائفتين ما خرجت عن موجب العلم ولا عدلت عن سنن الحق وإنما الاختلاف والتباين بينهما من
عدم التوارد على محل واحد ومن اطلاق الفاظ مجملة بتفصيل معانيها يزول
الاختلاف ويظهر ان كل طائفة موافقة الاخرى على نفس قولها وبيان هذا ان
المقتضى قسمان


مقتض لا يتخلف عنه موجبه ومقتضاه لقصوره في نفسه بل يستلزمه استلزام العلة
التامة لمعلولها ومقتض غير تام يتخلف عنه مقتضاه لقصوره في نفسه عن التمام او لفوات شرط اقتضائه او قيام مانع
منع تأثيره فان اريد بكون العلم مقتضيا للاهتداء والاقتضاء التام الذي لا
يتخلف عنه اثره بل يلزمه الاهتداء بالفعل فالصواب قول الطائفة الثانية وإنه
لا يلزم من العلم حصول الاهتداء المطلوب وإن اريد بكونه موجبا انه صالح
للاهتداء مقتض له وقد يتخلف عنه مقتضاه لقصوره او فوات شرط او قيام مانع
فالصواب قول الطائفة الاولى وتفصيل هذه الجملة ان العلم بكون الشيء سببا
لمصلحة العبد ولذاته وسروره قد يتخلف عنه عمله بمقتضاه لاسباب عديدة السبب
الاول ضعف معرفته بذلك السبب الثاني عدم الاهلية وقد تكون معرفته به تامة
لكن يكون مشروطا بزكاة المحل وقبوله للتزكية فإذا كان المحل غير زكي ولا
قابل للتزكية كان كالأرض الصلدة التي لا تخالطها الماء
فإنه يمتنع النبات منها لعدم اهليتها وقبولها فإذا كان القلب قاسيا حجريا
لا يقبل تزكية ولا تؤثر فيه النصائح لم ينتفع بكل علم يعلمه كما لا تنبت الارض الصلبة ولو اصابها كل مطر وبذر فيها كل بذر كما قال
تعالى في هذا الصنف من الناس إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو
جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الاليم وقال تعالى ولو اننا نزلنا اليهم
الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ماكانوا ليؤمنوا إلا ان يشاء الله وقال تعالى قل انظروا ماذا في السموات والارض وما تغنى
الايات والنذر عن قوم لا يؤمنون وهذا في القرآن كثير فإذا كان القلب قاسيا
غليظا جافيا لا يعمل فيه العلم شيئاوكذلك إذا كان مريضا مهينا مائيا لا صلابة فيه ولا قوة ولا عزيمة لم يؤثر فيه العلم السبب الثالث قيام مانع وهو إما حسد أو كبر وذلك مانع إبليس من الانقياد للأمر وهو داء الاولين والاخرين الا من عصم الله وبه تخلف الايمان عن اليهود الذين شاهدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وعرفوا صحة نبوته ومن جرى مجراهم وهو الذيمنع عبد الله بن ابي من الايمان وبه تخلف الايمان عن ابي جهل وسائر المشركين فانهم لم يكونوا يرتابون في صدقه وان الحق معه لكن حملهم الكبر والحسد على الكفر وبه تخلف الايمان عن امية واضرابه ممن كان عنده علم بنبوة محمد صلى الله عليه و سلم السبب الرابع مانع
الرياسة والملك وان لم يقم بصاحبه حسد ولا تكبر عن الانقياد للحق لكن لا
يمكنه ان يجتمع له الانقياد وملكه ورياسته فيضن بملكه ورياسته كحال هرقل
واضرابه من ملوك الكفار الذين علموا نبوته وصدقه واقروا بها باطنا واحبوا
الدخول في دينه لكن خافوا على ملكهم وهذا داء ارباب الملك والولاية
والرياسة وقل من نجا منه الا من عصم الله وهو داء فرعون وقومه ولهذا قالوا
انؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون انفوا ان يؤمنوا ويتبعوا

موسى وهرون وينقادوا لهما وبنو إسرائيل عبيد لهم ولهذا قيل ان فرعون لما اراد متابعة موسى وتصديقه شاور هامان وزيره فقال بينا انت اله تعبد تصير عبدا تعبد غيرك فأبى العبودية واختار الرياسة والالهية المحال السبب الخامس مانع الشهوة والمال وهو الذي منع كثيرا من اهل الكتاب من الايمان خوفا من بطلان مأكلهم وأموالهم التي تصير اليهم من قومهم وقد كانت كفار قريش يصدون الرجل عن الايمان
بحسب شهوته فيدخلون عليه منها فكانوا يقولون لمن يحب الزنا ان محمدا يحرم
الزنا ويحرم الخمر وبه صدوا الاعشى الشاعر عن الاسلام وقد فاوضت غير واحد
من اهل الكتاب في الاسلام وصحته فكان آخر ما كلمني به احدهم انا لا أترك الخمر واشربها امنا فإذا اسلمت حلتم بيني وبينها وجلدتموني على شربها وقال آخر منهم بعد ان عرف ما قلت له لي اقارب ارباب اموال وإني ان اسلمت لم يصل الي منها شيء وانا اؤمل ان ارثهم او كما قال ولا ريب ان هذا القدر في نفوس خلق كثير من الكفار فتتفق قوة داعي الشهوة والمال وضعف داعي الايمان فيجيب داعي الشهوة والمال
ويقول لا أرغب بنفسي عن آبائي وسلفي السبب السادس محبة الاهل والاقارب
والعشيرة يرى انه اذا اتبع الحق وخالفهم ابعدوه وطردوه عنهم واخرجوه من بين
اظهرهم وهذا سبب بقاء خلف كثير على الكفر بين قومهم واهاليهم وعشائرهم
السبب السابع محبة الدار والوطن وان لم يكن له بها عشيرة ولا اقارب لكن يرى
ان في متابعة الرسول خروجه عن داره ووطنه إلى دار الغربة والنوى فيضن بوطنه السبب الثامن تخيل ان في الاسلام ومتابعة الرسول إزراء وطعنا منه على آبائه وأجداده وذما لهم وهذا هو الذي منع ابا طالب وامثاله عن الاسلام استعظموا آباءهم واجدادهم ان يشهدوا عليهم بالكفر والضلال وان يختاروا خلاف ما اختار
اولئك لانفسهم ورأوا انهم ان اسلموا سفهوا احلام اولئك وضللوا عقولهم
ورموهم باقبح القبائح وهو الكفر والشرك ولهذا قال اعداء الله لابي طالب عند
الموت ترغب عن ملة عبد المطلب فكان آخر ما كلمهم به هو على ملة عبد المطلب فلم يدعه اعداء الله الا من هذا الباب لعلمهم بتعظيمه اباه عبد المطلب وانه انما حاز
الفخر والشرف به فكيف يأتي امرا يلزم منه غاية تنقيصه وذمه ولهذا قال لولا
ان تكون مسبة على بني عبد المطلب لا قررت بها عينك او كما قال وهذا شعره يصرح فيه بأنه قد علم وتحقق نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وصدقه كقوله :
ولقد علمت بان دين محمد ... من خير اديان البرية دينا لولا الملامة او حذار مسبة ... لوجدتني سمحا بذاك مبينا

وفي قصيدته اللامية
فو الله لولا ان تكون مسبة ... تجر على اشياخنا في المحافل لكنا اتبعناه
على كل حاله ... من الدهر جدا غير قول التهازل لقد علموا ان ابتنالا مكذب
... لدينا ولايعني بقول إلا باطل ...
والمسبة التي زعم انها تجر
على اشياخه شهادته عليهم بالكفر والضلال وتسفيه الاحلام وتضليل العقول
فهذا هو الذي منعه من الاسلام بعدتيقنه السبب التاسع متابعة من يعاديه من
الناس للرسول وسبقه إلى الدخول
في دينه وتخصصه وقربه منه وهذا القدر منع كثيرا من اتباع الهدى يكون للرجل
عدو ويبغض مكانه ولا يحب ارضا يمشي عليها ويقصد مخالفته ومناقضته فيراه قد
اتبع الحق فيحمله قصد مناقضته ومعاداته على معاداة الحق واهله وان كان لا
عداوة بينه وبينهم وهذا كما جرى لليهود مع الانصار فانهم كانوا اعدائهم وكانوا يتواعدونهم بخروج النبي صلى الله عليه و سلم وانهم يتبعونه ويقاتلونهم معه فلما بدرهم إليه الانصار واسلموا حملهم معاداتهم على البقاء على كفرهم ويهوديتهم السبب العاشر مانع
الالف والعادة والمنشأ فإن العادة قد تقوى حتى تغلب حكم الطبيعة ولهذا قيل
هي طبيعة ثانية فيربى الرجل على المقالة وينشأ عليها صغيرا فيتربى قلبه
ونفسه عليها كما يتربى
لحمه وعظمه على الغذاء المعتاد ولا يعقل نفسه الا عليها ثم يأتيه العلم
وهلة واحدة يريد إزالتها وإخراجها من قلبه وان يسكن موضعها فيعسر عليه
الانتقال ويصعب عليه الزوال وهذا السبب وإن كان اضعف الاسباب معنى فهو
اغلبها على الامم وأرباب المقالات والنحل ليس مع اكثرهم بل جميعهم إلا ما عسى
ان يشذ الاعادة ومربي تربى عليه طفلا لا يعرف غيرها ولا يحسن به فدين
العوايد هو الغالب على أكثر الناس فالانتقال عنه كالانتقال عن الطبيعة إلى طبيعة
ثانية فصلوات الله وسلامه على انبيائه ورسله خصوصا على خاتمهم وافضلهم
محمد صلى الله عليه و سلم كيف غيروا عوائد الامم الباطلة ونقلوهم إلى الايمان
حتى استحدثوا به طبيعة ثانية خرجوا بها عن عادتهم وطبيعتهم الفاسدة ولا
يعلم مشقة هذا على النفوس الا من زاول نقل رجل واحد عن دينه ومقالته إلى الحق فجزى الله المرسلين افضل ما جزى
به احدا من العالمين إذا عرف ان المقتضى نوعان فالهدى المقتضى وحده لا
يوجب الاهتداء والهدى التام يوجب الإهتداء فالاول هدى البيان الدلالة
والتعليم ولهذا يقال هدى فما اهتدى
والثاني هدى البيان والدلالة مع إعطاء التوفيق وخلق الارادة فهذا الهدى
الذي يسلتزم الاهتداء ولا يتخلف عنه موجبه فمتى وجد السبب وانتفت الموانع
لزم وجود حكمه وههنا دقيقة بها ينفصل النزاع وهي انه هل ينعطف من قيام المانع وعدم الشرط

على المقتضى امر يضعفه في نفسه ويسلبه اقتصاءه وقوته او الاقتضاء بحاله وإما غلب المانع
فكان التاثير له ومثال ذلك في مسئلتنا انه بوجود هذه الموانع المذكورة او
بعضها هل يضعف العلم حتى لا يصير مؤثرا البتة او العلم بحاله ولكن المانع بقوته غلب فكان الحكم له هذا سر المسألة وفقهها فأما الاول فلا شك فيه ولكن الشان في القسم الثاني وهو بقاء العلم بحاله والتحقيق ان الموانع تحجبه وتعميه وربما قلبت حقيقته من القلب والقرآن قد دل على هذا قال تعالى وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون اني رسول الله اليكم فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين فعاقبهم سبحانه بازاغة قلوبهم عن الحق لما زاغوا عنه ابتداء ونظيره قوله تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم
يؤمنوا به اول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ولهذا قيل من عرض عليه حق
فرده فلم يقبله عوقب بفساد قلبه وعقله ورأيه ومن هنا قيل لا رأي لصاحب هوى
فان هواه يحمله على رد الحق فيفسد الله عليه رأيه وعقله قال تعالى فبما نقضهم
ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الانبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف
اخبر سبحانه ان كفرهم بالحق بعد ان علموه كان سببا لطبع الله على قلوبهم بل
طبع الله عليها بكفرهم حتى صارت غلفا والغلف جمع اغلف وهو القلب الذي قد
غشيه غلاف كالسيف الذي في غلافه وكل شيء في غلافه فهو اغلف وجمعه غلف يقال
سيف اغلف وقوس غلفاء ورجل اغلف واقلف اذا لم يختن والمعنى قلوبنا عليها
غشاوة وغطاء فلا تفقه ما تقول يا محمد صلى الله عليه و سلم ولم تع شيئا من قال ان المعنى انها غلف للعلم والحكمة أي اوعية لها فلا يحتاج إلى قولك ولا تقبله استغناء بما عندهم
لوجوه احدها ان غلف جمع اغلف كقلف واقلف وحمر واحمر وجرد واجرد وغلب واغلب
ونظائره والاغلف من القلوب هو الداخل في الغلاف هذا هو المعروف من اللغة
الثاني انه ليس من الاستعمال
السائغ المشهور ان يقال قلب فلان غلاف لكذا وهذا لا يكاد يوجد في شيء من
نثر كلامهم ولانظمه ولا نظير له في القرآن فيحمل عليه ولا هو من التشبيه
البديع المستحسن فلا يجوز حمل الاية عليه الثالث ان نظير قول هؤلاء قول
الاخرين من الكفار قلوبنا في أكنة مما تدعونا
إليه والاكنة هناه هي الغلف التي قلوب هؤلاء فيها والاكنة كالاوعية
والاغطية التي تغطى المتاع ومنه الكناية لغلاف السهام الرابع ان سياق الاية
لا يحسن مع المعنى الذي ذكروه ولا يحسن مقابلته بقوله بل طبع الله عليها
بكفرهم وإنما يحسن مع هذا المعنى ان يسلب عنهم العلم والحكمة التي ادعوها كما قيل لهم لما ادعوا ذلك وما اوتيتم من العلم إلا قليلا وأما هنا فلما ادعوا ان قلوبهم في اغطية واغشية لاتفقه قوله قوبلوا بان عرفهم ان كفرهم ونقضهم ميثاقهم وقتلهم الانبياء كان سببا

لان طبع على قلوبهم ولا ريب ان القلب اذا طبع عليه اظلمت صورة العلم فيه وانطمست وربما ذهب اثرها حتى يصير السبب الذي يهتدي به المهتدون سببا لضلال هذا كما قال تعالى يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به الا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر
الله به ان يوصل ويفسدون في الارض اولئك هم الخاسرون فاخبر تعالى ان
القرآن سبب لضلال هذا الصنف من الناس وهوهداه الذي هدى به رسوله وعباده
المؤمنين ولهذا اخبر سبحانه إنه إنما يهتدي به من اتبع رضوان الله قال تعالى وإذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ولا شيء اعظم فسادا لمحل العلم من صيرورته بحيث يضل بما يهتدي به فنسبته إلى الهدى والعلم نسبة الفم الذي قد استحكمت فيه المرارة إلى الماء العذب كما قيل :
ومن يك ذا فم مر مريض ... يجد مرا به الماء
الزلالا واذا فسد القلب فسد إدراكه وإذا فسد الفم فسد إدراكه وكذلك اذا
فسدت العين واهل المعرفة من الصيارفة يقولون ان من خاف في نقده نسى النقد
وسلبه فاشتبه عليه الخالص بالزغل ومن كلام بعض السلف يهتف العلم بالعمل فان
اجابه حل والا ارتحل وقال بعض السلف كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به
فترك العمل بالعلم من اقوى الاسباب في ذهابه ونسيانه وأيضا فإن العلم يراد
للعمل فإنه يمنزلة الدليل للسائر فإذا لم يسر خلف الدليل لم ينتفع بدلالته
فنزل منزلة من لم يعلم شيئا لان من علم ولم يعمل بمنزلة الجاهل الذي لا
يعلم كما ان من ملك ذهبا وفضة وجاع وعرى ولم يشتر منها ما يأكل ويلبس فهو بمنزلة الفقير العادم كما قيل :
ومن ترك الانفاق عند احتياجه ... مخافة فقر فالذي فعل الفقر والعرب تسمى الفحش والبذاء جهلا اما لكونه ثمرة الجهل فيسمى باسم سببه وموجبه وأما لان الجهل يقال في جانب العلم والعمل قال الشاعر :
الا لا يجهلن احد علينا ... فنجهل فوق جهل الحاهلينا ... ومن هذا قول موسى
لقومه وقد قالوا اتتخذنا هزوا قال اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين فجعل
الاستهزاء بالمؤمنين جهلا ومنه قوله تعالى حكاية عن يوسف انه قال وإلا تصرف
عني كيدهن اصب اليهن وأكن من الجاهلين ومن هذا قوله تعالى خذ العفو وأمر

بالعرف واعرض عن الجاهلين ليس المراد أعراضه عمن لا علم عنده فلا يعلمه ولا يرشده وإنما المراد
اعراضه عن جهل من جهل عليه فلا يقابله ولا يعاتبه قال مقاتل وعروة والضحاك
وغيرهم صن نفسك عن مقابلتهم على سفههم وهذا كثير في كلامهم ومنه الحديث
إذا كان صوم احدكم فلا يصخب ولا يجهل ومن هذاتسمية المعصية جهلا قال قتادة
اجمع اصحاب محمد ان كل من عصى الله فهو جاهل وليس المراد انه جاهل بالتحريم
إذ لو كان جاهلال لم يكن عاصيا فلا يترتب الحد في الدنيا والعقوبة في
الآخرة على جاهل بالتحريم بل نفس الذنب يسمى جهلا وإن علم مرتكبه بتحريمه إما انه لا يصدر الا عن ضعف العلم ونقصانه وذلك جهل فسمى باسم سببه وإما تنزيلا لفاعله منزلة الجاهل به الثاني انهم لما ردوا الحق ورغبوا عنه عوقبوا بالطبع والرين وسلب العقل والفهم كما قال
تعالى عن المنافقين ذلك بانهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا
يفقهون الثالث ان العلم الذي ينتفع به ويستلزم النجاة والفلاح لم يكن حاصلا
لهم فسلب عنهم حقيقته والشيء قد ينتفى لنفي ثمرته والمراد منه قال تعالى
في ساكن النار فإن له نار جهنم لا يموت فيها ولا يحيا نفى الحياة لانتفاء
فائدتها والمراد منها ويقولون لا مال إلا ما انفق ولا علم إلا ما نفع ولهذا نفى عنه سبحانه عن الكفار الاسماع والابصار والعقول لما لم ينتفعوا بها وقال تعالى وجعلنا لهم سمعا وابصارا وأفئدة فما اغنى
عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا افئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله
وقال تعالى ولقد ذرانا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها
ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ولما لم
يحصل لهم الهدى المطلوب بهذه الحواس كانوا يمنزلة فاقديها قال تعالى صم
بكم عمى فهم لا يعقلون فالقلب يوصف بالبصر والعمى والسمع والصمم والنطق
والبكم بل هذه له اصلا وللعين والاذن واللسان تبعا فإذا عدمها القلب فصاحبه
اعمى مفتوح العين اصم ولا آفة باذنه ابكم وإن كان فصيح اللسان قال تعالى
فإنها لاتعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور فلا تنافي بين قيام
الحجة بالعلم وبين سلبه ونفيه بالطبع والختم والقفل على قلوب من لا يعمل
بموجب الحجة وينقاد لها قال تعالى وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين
لايؤمنون بالاخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه وفي
آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا فأخبر
سبحانه انه منعهم فقه كلامه وهو الادراك الذي ينتفع به من فقهه ولم يكن ذلك مانعا لهم من الادراك الذي تقوم به الحجة عليهم فانهم لو لم يفهموه جملة ما ولوا على أدبارهم نفورا عند ذكر توحيد الله فلما ولوا
عند ذكر التوحيد دل على انهم كانوا يفهمون الخطاب وان الذي غشى قلوبهم
كالذي غشى آذانهم ومعلوم انهم لم يعدموا لاسمع جملة ويصيروا كالاصم ولذلك
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى