لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : تلخيص الخطابة الجزء الاولالمؤلف : ابن رشد الثالث Empty كتاب : تلخيص الخطابة الجزء الاولالمؤلف : ابن رشد الثالث {الثلاثاء 5 يوليو - 15:48}


ومثال الأَقاويل المخترعة قول بعض القدماء لقومه حين أَرادوا أَن
يقيموا من أَنفسهم وأَهل مدينتهم حرساً وجندا لرجل معروف بالتغلب
والاستيلاء والقهر ليقهر لهم عدوهم، فإِنه أَشار عليهم من شر أَعدائهم،
وهو أَن يغلب عليهم ذلك الرجل ويستعبدهم. وضرب لهم مثالا بفرس كان قد
استولى على مرعى وتفرد به، فدخل أُيَّل، فأَفسد المرعى. فلما أَراد الفرس
الانتقام من الأُيَّل، سأَل الإِنسان هل يقدر أَن يعينه على الانتقام منه،
فقال له: نعم إِن أَنت قبلت اللجام وحملتني على ظهرك وفي يدي قضيب. فلما
أَذعن الفرس لذلك وركبه الرجل صار - وكان ما أَمله من الانتقام من من
الأُيَّل - إِلى أَن ملكه الرجل وذلَله وسخره. قال فهكذا فانظروا فإِنكم
إِن قبلتم اللجام، حيث تجعلون ذلكم المتغلب أَميرا مستبدا عليكم وأَقمتم
له الحرس والأَعوان، عرض لكم معه ما عرض للفرس مع الإِنسان. وكتاب دمنة
وكليلة إِنما هو من هذا النوع. وأَرسطو يسمى هذا النوع من الأَخبار
المخترعة كلاما، لأَن المقدمة الواحدة فيه فرقت فجعلت أَشياء كثيرة، ويقول
إِن الكلام إِنما يستعمل لتفهيم الشيء وتلخيصه باستقصاء وذلك يكون بأَخذ
جزئيات الشيء ولوازمه أَكثر مما يكون بأَخذ الشيء جملة ودون تفصيل. ومنفعة
الكلام المخترع أَنه أَسهل من المثال الموجود، لأَن وجود أُمور قد كانت
شبيهة بالأَمر الذي فيه القول يعسر في كثير من المواضع، وأَما الكلام
المخترع فيسهل. وذلك إِنما يكون متى كان المرءُ له قدرة على أَخذ الشبيه
والمشاكل ولوازم الأَشياء والأُمور الكائنة عنها. وهذه القوة هي طريق إِلى
الفلسفة، وذلك لأَن بأَخذ الشبيه يوقف على الكلي. ومنفعة المثال الموجود
أَنه أَقنع عند المشوريات، وذلك أَن المتوقعات أَكثر ذلك، كما يقول
أَرسطو، يشبهن الماضيات. فالأَمثال أَنفع في أَنها أَسهل وفي أَن يكون
الإِنسان يمكنه أَن يجعلها شديدة الشبه بالأُمور التي فيها الكلام.
والأُمور الماضية التي يحتج بها ربما لم تكن شديدة الشبه إِلا أَنها، كما
قلنا، أَشد إِقناعا.
فقد قيل كم أَنواع المثالات وكيف ينبغي أَن تستعمل.
وأَما الرأي فإِنه إِذا عرف ما هو، عرف في أَي الأَشياء ينبغي أَن يستعمل
ومتى يستعمل وفيماذا ينبغي أَن يستعمل وما منفعته.
فنقول: إِن الرأي هو قضية موضوعها أُمور كلية، لا جزئية، وذلك في الأُمور
المؤثرة والمجتنبة، لا في الأُمور النظرية؛ إِذا كانت تلك القضية نتيجة
ضمير، ومبدأ لضمير آخر، من غير أَن يصرح بالقياس المنتج لها، ولا بالمقدمة
الثانية التي تستعمل معها جزء ضمير، ولا بالنتيجة اللازمة عنها. فإِنه
إِذا صرح بمقدمتي القياس المنتج لها، كان القول ضميرا. وكذلك إِذا صرح
بالرأي من حيث هو مبدأ لضمير، وصرح بالنتيجة اللازمة عن ذلك كان القول
أَيضا ضميراً. وذلك أَن القضية الكلية لا تخلو أَن تكون إِما مبدأ ضمير
أَو نتيجة ضمير أَو ما جمع الأمرين جميعا. وذلك هو الرأي إِذا لم يصرح
بالمقدمات المنتجة له ولا بالمقدمة التي تستعمل معه جزء ضمير ولا بالنتيجة
اللازمة عنه من حيث هو مبدأ.
فمثال القضية التي إِذا استعملت نتيجة قياس محذوف كانت رأيا، وإِذا
استعملت مع قياسها كانت ضميرا، قوْل القائل: إِنه ليس الرأي عندي قول من
قال - وإِن كان معلما وذا صيت - إِن كون الغلمان حكماء فضل أَوْ بطالة،
فإِنه إِن أَضاف إِلى هذا القياس المنتج له أَو المبطل لمقابله كان
ضميراً، وذلك مثل أَن يقول القائل: إِن قول من قال إِن كون الغلمان حكماء
فضل أَو بطالة، من أَجل أَنه يكون لحسادهم وحساد آبائهم في بطالتهم موضع
قول، ليس بصحيح. وذلك أَنه يكون للحساد قول من غير البطالة، فليس يلزم من
أَن يكون تعلمهم الحكمة بطالة أَلا يتعلمونها. وإِن لم يات بهذا القول
وإِنما أَتى بالنتيجة وحدها كان رأيا.
ومثال القضية التي إِذا استعملت مبدأ ضمير وحذفت المقدمة الثانية والنتيجة
كانت رأيا، وإِن صرح بالنتيجة كانت ضميراً، قول القائل، إِذا شكى ولده
فقال: إِني لست أَرى في أَولاد هذا الزمان خيرا، فإِن هذا رأَى أَخبر به
أَنه يراه، وإِنما أَراد أَن ولده من أَولد هذا الزمان، وليس في أَولاد
هذا الزمان خير، فولده ليس فيه خير. فإِذا حذفت هذه المقدمة والنتيجة، كان
رأيا.وإِذا صرحت بالنتيجة، كان ضميرا.



وإِذ قد تقرر هذا من أَمر الرأي، فأَنواع الرأي أَربعة: القسم
الأَول: الرأي الذي رفع عنه القياس من حيث هو نتيجة برهان ومبدأ برهان:
وذلك إِنما يكون إِذا كان القياس عليه قريب الظهور بنفسه يلوح للسامع
عندما ينطق ذو الرأي بالرأي ولا يكون شنيعا عند السامع ولا مشكوكا فيه.
وذلك أَنه متى لم يكن بهذه الصورة لم يكن الرأي مقنعا. وهذا القسم ينقسم
قسمين: إِما رأي يلوح قياسه عندما ينطق به للجميع أَو للأَكثر، وإِما رأي
يلوح قياسه للعقلاءِ والأَلباءِ.
والقسم الثاني: من الآراءِ هو الذي يحتاج أَن يردف بالقياس ويشد بالقول،
وذلك إِذا كان الرأي شنيعا أَو مشكوكا فيه خفيا غير ظاهر. وهذا أَيضا
ينقسم قسمين: أَحدهما: أَن يردف بالقياس الذي ينتجه، وذلك إذا كان القياس
بينا بنفسه، وكانت النتيجة غير بينة.
والثاني: أَن يردف بالقياس الذي يكون الرأي جزءَا منه، وذلك بأَن يذكر
الرأي والنتيجة عنه، وذلك إِذا كان الضمير المنتج بينا بنفسه، وكانت
النتيجة غير بينة. فمثال الرأي الذي يرفع عنه القياس ولا يكون جزء قياس
ولا مردفا بقياس مما هو مقبول عند الجميع ظاهر الحجة قول القائل: إِن خير
الأَشياء فيما أَحسب وفيما أَرى أَن يكون المرءُ صحيح البدن. ومثال ما هو
مقبول عند العقلاءِ وظاهر الحجة عندهم قول القائل: إِنه يظهر لي أَنه ليس
محبا مَنْ لم يحب دائما. ومثال الرأي الذي يستعمل جزء ضمير قول القائل:
إِنه لا ينبغي أَن يقبل قول من كان بصفةٍ ما فيما يهم به ويراه. ومثال
الرأي الذي يشد بالضمير المنتج له قول القائل: إِن الرأي عندي للإِنسان
أَلا يجعل غضبه غير ميت إِذ كان هو ميتا.
فقد استبان مما قيل كم أَنواع الرأي وفي أَي موضع يستعمل نوع نوع منها ومع
مَن يستعمل. وذلك أَن الرأي الذي لا يحتاج إِلى ضمير: منه ما يستعمل مع
الجمهور، ومنه ما يستعمل مع الخواص، كما قلنا. والذي يحتاج إِلى ضمير منه
ما يحتاج عند السامع إِذا أُريد أَن يكون مقنعا إِلى ضمير منتج، ومنه ما
يحتاج فيه إِلى التصريح بالنتيجة التي تلزم عنه. والآراءُ إِذا كانت شنيعة
مستغربة فينبغي أَن يقدم قبلها كلام يزيل شُنعتها، مثل قول القائل: أَما
أَنا فإِني - لكي لا أُحسد أَو أُدعى بطالا، أَرى أَنه لا ينبغي أَن
أَتأَدب. وأَما إِذا كانت الآراءُ خفية، فينبغي أَن يقدم قبلها ما يوضحها
ويبينها،والآراءُ يلحقها أَن تكون رموزا وأَشياء مستغربة، وذلك مثل ما
حكاه أَرسطو من المثل الجاري عندهم أَنه لا ينبغي أَن يكونوا شتامين لأَن
لا تكثر الخطاطيف في الأَرض، فإِنه استعمل الخطاطيف مكان الناس الذين
يتكلمون ويقعون في الناس، واستعمل الأَرض مكان الصامتين، فكأَنه قال: إِنه
لا ينبغي لنا أَن نشتم الناس لأَن لا يتبدل الساكتون عنا من الناس فيصيرون
شتامين يطيرون حولنا ويصيحون كما تفعل الخطاطيف.



وصنعة الكلام الرأيى وهو الذي جرت العادة أَن يدل عليه بالأَلفاظ
التي تدل على الوقوف على رأي الرائي مثل قول القائل: الذي عندي، أَو الذي
أَراه، أَو الذي أَحسب، إِنما يليق من الأَسنان بالشيوخ وذلك فيما جربوا
وخبروا من الأُمور. فأَما من لم تكن هذه حاله فليس يحسن ذلك منه. وكذلك
صنعة الأَمثال إِنما تليق بالشيوخ المجربين. فإِن تكلف المرء القول، كما
يقول أَرسطو، فيما لم يجرب جهل وسوءُ أَدب. وينبغي أَن تكون العلامة
المستعملة في الآراءِ كلية، مثل قول القائل: إِن القرويين مختلطة أَوهامهم
لأَنهم يبذلون ما عندهم سريعا، والمختلطة أَوهامهم يبذلون ما عندهم سريعا.
فإِن هذه العلامة في الشكل الثالث، ومقدماتها كلية. فإِن لم يستطع المشير
أَن يأتي بالرأي كليا، فينبغي أَن يأتي به أَكثريا. فإِن لم يمكنه أَتى به
على أَنه لأَكثر من واحد، وأَخذه مهملا، وأَوهم فيه الكلية، وإِن كان ذلك
باستكراه. وهذا قد يستعمل في العلامات التي في الشكل الثالث. فإِن هناك
إِنما تلزم نتيجة جزئية فتوهم أَنها كلية. وينبغي أَن يستعمل عند الإِشارة
بالآراءِ الأَمثال المشهورة، مثل قول القائل: وَلِيَ حارها من تولى قارها،
وقد تبين الصبح لذي عينين. فإِن هذه الأَمثال هي في أَنفسها آراء، وهي مع
هذا شهادات. وينبغي أَن تستعمل الأَشياءُ المنافرة للكل والملائمة على جهة
الرأي، أَعني الأَقاويل التي تلذ النفس أَو التي تؤلمها وتؤذيها، وهي
المعظمة أَو المخسسة كما يقال: اعرف قدرك، مرة على جهة التوبيخ، ومرة على
جهة التعظيم. وكما يقول القائل: ليس يسوءُ منك شيء وقد عرفت خلقك، فإِن
هذا يحتمل المدح والذم.فإِن أَمثال هذه الأَقاويل إِذا استعملت على جهة
الرأي كانت أَوقع، كما لو قال القائل لمن أَغضب بأَن نقل عنه شيء ما: إِن
هذا كذب على قدر علمي. فإِن مثل هذا القول يزيل غضبه. وهو أَنجح إِذا
استعمل على هذه الجهة، أَعني على جهة الرأي.
والكلام الخلقي إِذا استعمل على جهة الرأي كان أَنجع. والذي يلائم من
الخلقيات هو الكلام الذي يليق في الفضائل، كما يقال إِنه ليس ينبغي أَن
يحب بقدر ما يبغض، يعني أَن الحب ينبغي أَن يكون أَكثر، بل بالحري أَن
يبغض بقدر ما يحب. وينبغي أَن يكون ما يخاطب به من الأَقاويل الخلقية بحسب
همة السامع، وبحسب ما يستحسن من الخلق، ويكون كامنا فيه بالقوة. فإِن بهذا
يكون القول أَنجع، لأَنه يصير ما بالقوة في نفسه سريعا إِلى الفعل. مثل
أَن يرى شيخا يفعل فعل صبي فيقول له: هذا غير لائق بالمشايخ، بل اللائق
بهم كذا وكذا. فإِنه إِذا ورد هذا القول على من في نفسه همة ذك الخلق تحرك
إِليه. فإِن لم يمكن أَن يكون من يخاطبه بالكلام الخلقي ممن فيه همة ذلك
الخلق، فينبغي أَن يردف القول الخلقي بالضمير المقنع، مثال ذلك قول
القائل: إِنه ليس ينبغي عندي للإِنسان أَن تكون محبته يسيرة بقدر بغضته،
كما يقول قوم، بل يجب أَن يكون دائم المحبة، فإِن ذلك المذهب إِنما هو
للغدار أَو المكار. فإِن هذا المثال قد جمع تحسين الخلق الذي وصفه وتقبيح
ضده مع ذكر الضمير المقنع في ذلك. أَو مثل أَن يقول هكذا ليس هذا القول
عندي بحسن، أَعني أَن يحب الإِنسان يسيرا بقدر ما يبغض، لأَنه يحق على
المحب أَن تكون محبته دائمة شديدة، لأَنه ينبغي أَن يبغض الشر بغضا شديدا.
فإِنه إِذا استعمل هذا على هذه الجهة جمع ثلاثة أَشياء: أَن يكون رأيا
وضميرا وخلقيا. أَما كونه رأيا فلما استعمل فيه من اللفظ، الدال على
الرأي، أَعني قوله عندي، وأَما كونه خلقيا فلأَنه يحرك إِلى خلق المحبة،
وأَما مقدمة الضمير المستعملة فيه فإِنها مأخوذة من موضع الضد، لأَنه إِن
كان ينبغي أَن يبغض الشرار بغضا شديدا، فقد ينبغي أَن يحب الخيار حبا
شديدا. وأَنجح ما يكون الكلام الخلقي إِذا جمع هذه الثلاثة. واستعمال
الكلام على جهة الرأي فيه منافع: أَحدها أَن الجمهور معارفهم وظنونهم
إِنما هي في الأُمور الجزئية، وذلك أَنه ليس يمكنهم أَن يحددوا في
أَذهانهم الأُمور الكلية، بل إِنما يتخيلونها مع الجزئيات، فإِذا خوطبوا
بالكلي في تلك الجزئيات التي أَدركوها فرحوا بما استفادوا في تلك الأُمور
الجزئية من الكلية. والناس محبون بالطبع للفوائد. فهذا أَحد ما يحر ك به
الكلام الرأيي.



ومنفعة أُخرى أَيضا وذلك أَن كل إِنسان قد تكون له أُمور يؤثرها
ويهواها وأُمور لا يهواها، فمتى خوطب فيما لا يهواه بالكلي، المشترك بينه
وبين ما يهواه، سارع إِلى قبول الكلي وذلك من أَجل أَن فيه حاجته فيتم
الغرض من إِقناعه في ذلك الشيء؛ ولو أَتى به جزئيا لم يقبله ولم يقع له
فيه إِقناع. مثال ذلك أَن من كان له جيران سوء أَو أَولاد فساق فقد يقبل
قول القائل: إِنه ليس في العالم أَشر من الجيران ولا من الأَولاد.
ومن منافعه ما جرت العادة به من حذف القياس المتبت له لظهوره وأَنه مما
يقدر أَن يأتى به كل أَحد من عند نفسه فيجعل السامع أَن يتصور في نفسه
أَنه من ذوي التمييز والمعرفة بقياسه، فيكون ذلك سببا إِلى أَن يصدق به
وينقاد له.
ومن منافعه أَيضا أَن الإِنسان إِذا خوطب في شيء ما ربما تلقى القول في
ذلك بالرد، ويرى أَنه قبيح أَن يذعن لقول غيره، ولما طبعت عليه النفوس من
النفوس واللجاج. فإِذا خوطب في كلي ذلك الشيءِ، بدل الشيءِ، كان أَمكن
أَلا يرد القول فيه وأَن يقبله إِذ يخفى عليه ذلك الشيء الذي كان المقصود
في التخاطب.
والمنفعة الخامسة وهي أَملك من هذه كلها وأَفضل أَن الرأي يجعل الكلام
خلقيا. وإِنما يكون الكلام خلقيا بالرأي، لأَن الرأي إِنما هو قضية كلية
في أُمور تؤثر أَو تجتنب.
والقضية الكلية في الأُمور أَنفسها أَو يتجنبها. فلذلك كان الرأي لذيذا
عند السامع وعند المخاطب. وقد كان يكون الرأي نفسه خلقيا لو انفرد دون
مادته، أَعني دون الأُمور المؤثرة والمجتنبة. فإِن الرأي نفسه يقود المرء
إِلى أَن يتخلق بخلق من يرى ذلك الرأي، فكيف إِذا اقترن بالأُمور التي
تقود الإِنسان إِلى أَن يتخلق بخلق من يؤثر تلك الأُمور، وهي، كما يقول
أَرسطو، الأَشياء التي تركن إِليها المشيئة والضمير، يعني التي تركن
إِليها الإِرادات والنفوس، وهي التي يحب الإِنسان أَن تكون له أَو فيه أَو
يعرف بها ويشهر.
فقد قيل ما هو الرأي وكم أَنواعه وإِنها أَربعة ومِن أَي الأَشياء يعمل
القول الرأيي وما نسبة الرأي إِلى الأُمور وإِنه يستعمل كليا وبالأَكثر
وإِنه يستعمل على جهة الأَشياء الخلقية ويستعمل أَمثالا وقيل أَيضا في
منافعه وفي مَنْ يستعمله.
وينبغي بعد هذا أَن نقول في مواد الضمائر، وبأَي أَحوال يجب أَن تستعمل،
ثم يقال بعد هذا في المواضع. فأَما الضمير قياس ما فقد قيل فيما تقدم
وبُين أَي نحو هو من القياس.
وأَما مقدمات الضمائر فينبغي أَن لا تكون من الأَشياءِ المشهورة جدا بخلاف
ما عليه الأَمر في المقدمات الجدلية، فإِنها كلما كانت أَشهر هنالك كانت
أَفضل، ولا أَيضا من الأٌمور الخفية التي تحتاج إِلى بيان، بل يجب أَن
تكون من المتوسطات بين هذين الصنفين، وهي المقدمات التي ليست تكون بالفعل
عند السامع ويقع له التصديق بها، وذلك أَن تلك لشهرتها فكأَن المتكلم بها
لم يفدْ شيئا لم يكن عند السامع، والغامضة أَيضا تبعد أَذهان الجمهور عن
قبولها. والذين لا أَدب لهم إِنما يتكلمون في المحافل ويسرعون إِلى النطق
بأَمثال هذه المقدمات لأَنهم يظنون في المشهورة أَنها ليست عند السامعين
وذلك لقلة حنكتهم ويظنون بما كان بينا عندهم أَنه بيَّن عند الجميع.
فهذه هي أَصناف المقدمات المذمومة في الضمائر.



والصنف الثالث من المقدمات التي يستعملها غير ذوي الحنكة هي
أَيضا المقدمات التي تحتاج إِلى بيان يسير. فذوو الحنكة يسكتون عن أَمثال
هذه المقدمات ولا يبادرون إِلى التكلم كما يصنع الأَحداث. وبالجملة فليس
ينبغي أَن تكون المقدمات في هذه الصناعة من كل ما يعلمه الجمهور ويرونه،
بل من أُمور معلومة محصلة إِما عند الحكام وإِما عند المقبولين من الناس
عند الجمهور وإِما عند المقبولين عند الحكام وهم الذين ارتضوهم وذلك بأَن
تكون المقدمات بينة لكل هؤلاءِ المقبولين أَو لأَكثرهم وكذلك لكل الحكام
أَو لأَكثرهم. وينبغي أَن تؤخذ مقدمات الضمائر ليس كلها من الأُمور
الاضطرارية، لكن من الممكنة على الأَكثر؛ فإِنه قد يستعمل في الخطابة
مقدمات ضرورية لها معونة في أَشياء ليست ضرورية. وينبغي أَن يعرف المتكلم
الأَمر الذي يريد أَن يتكلم فيه ويقيس عليه، إِما في الأُمور المشورية
وإِما في غيرها من الأَبواب الضرورية للناس، يعني المنافرية أَو
المشاجرية، وذلك بأَن يكون قد أَحاط علما بجنس ذلك الشيء الذي فيه يريد
أَن يتكلم أَو بالشيء الذي يريد أَن يكلم فيه من ذلك الجنس. فإِنه إِن لم
يكن عنده علم من ذلك الشيء، لم يقدر أَن يقنع فيه. وكيف نستطيع أَن نشير
على أُناس بالمحاربة ونحن لا نعرف جندهم ما هم، أَعني أَخيلا هم أَم
رَجَّالة أَم أَصحاب قسي أَم رماح أَم سيوف، ولا كم مبلغ عددهم، ولا مَنْ
إِخوانهم، ولا مَنْ أَعداؤهم، ولا أَية حروب حاربوا ولا مَنْ حاربوا وكيف
حاربوا، فنعلم مقدار جرأَتهم وصدقهم في الحرب. أَو كيف نستطيع أَيضا أَن
نمدح قوماً لا نعلم ما لهم من المكرمات والأَوائل الشريفة، فإِن المدح
إِنما يكون للممدوح بالأُمور الموجودة له مما هي حسنة في نفسها جميلة أَو
يظن بها أَنها حسنة جميلة. وكذلك متى أَخبرنا عن غيرنا بأَنه كان يشير أَو
يمدح أَو يذم أَو يشكو أَو يجيب، فإِنما نخبر عنه بأَنه قد فعل تلك
الأَشياء بأَعيانها التي كنا نحن نفعلها لو تولينا الفعل بأَنفسنا، أَعني
بالأُمور التي هي موجودة للشيءِ الذي يوصف بها بالحسن والقبح في المدح
والذم، أَو يوصف بها بالنفع والضر في الإشارة، أَو بالجور والعدل في
الشكاية. وبهذا الطريق بعينه، أَعني بالأُمور الموجودة للشيءِ، نصف غير
الناس بالجودة والرداءة كما نصف الناس. فإِن هاهنا أَشياء سوى الناس تذم
وتمدح. وبالجملة: إِنما نصف ذوي الخير والشر بالأَفعال التي هي موجودة
عندهم من جهة ما هو ذوو خير أَو شر لا بأَي شيء اتفق، ولكن من التي هي
خاصة بالشيءِ الذي فيه الكلام. وكذلك كل شيء من الأَشياءِ يقنع فيه بقول
قياسي، كان القول القياسي ضعيفا أَو قويا.
والقياس يفضل القياس إِذا كانت مقدماته أَعرف، ولزوم أَجزاء مقدماته بعضها
لبعض أَكثر والحدود الوسطى فيه أَخص بالشيءِ الذي يقصد إِثباته. فهو بين
أَن مقدمات الضمائر ليس ينبغي أَن تؤخذ من أَي شيء اتفق، ولا كيفما اتفق،
بل ينبغي أَن تؤخذ بالشروط التي قيلت والحدود التي وضعت مثل أَن تكون من
الأُمور الموجودة للشيءِ الذي فيه القول وأَن تكون مقبولة عند الخواص من
الناس والمشهورين، وذلك في صنفي المقدمات، أَعني الممكنة والوجودية، وسائر
الشروط التي قيلت. وكل ما كانت المقدمات من أُمور هي موجودة، أَي صادقة،
وكانت أَخص بالشيءِ، كانت أَقنع مما هو أَكثر عموما وأَقل صدقا. والمقدمات
العامة هي الموجودة لأَشياء كثيرة. مثال ذلك أَن يمدح مادح أَرسطو بأَنه
كان حكيما، فإِن هذا شيء يعم أَرسطو وغيره من الحكماءِ. وأَما الذي يخصه
فمثل أَن يقال فيه أَنه الذي كمل الحكمة وتممها.
فهذا هو القول في شروط مقدمات الضمائر.



وقد ينبغي أَن نقول أَيضا في المواضع التي منها نستنبط الضمائر.
والمواضع بالجملة هي اسطقسات الضمائر. فإِنه إِنما يمكننا أَن نصادف
مقدمات الضمائر بطريق صناعي بمعرفة المواضع، وهي أَول شيء ينبغي أَن يكون
عندنا من أَحوال المقدمات. فإِن المواضع بالجملة إِنما هي صفات للمقدمات
وأَحوال لها عامة يُتطَّرق منها إِلى وجود المقدمات. والذي سلف القول فيه
من أَحوال المقدمات هي أَيضا صفات أَخص من المواضع. والمواضع منقسمة
أَولاً بانقسام الضمائر. والضمائر أَولاً صنفان: مثبت وموبخ، كالحال في
القياسات الجدلية. والضمير المثبت هو القياس الذي ينتج أَن الشيءَ موجود
أَو غير موجود من المقدمات المعترف بها. والضمير الموبخ هو الذي ينتج
الشيءَ من المقدمات المجحودة المستنكرات، مثل قول القائل: إِن كذا ليس
بنافع، لأَنه لو كان نافعا لكان أَول من بادر إِليه المشير. وذلك أَنه قد
يترك المشير شيئا تركُهُ مستنكر. فإِذا وفينا المواضع بحسب هذين النوعين
من أَنواع الضمائر، وكانت عندنا عتيدة، كنا قريبين من أَن تحصل عندنا
بالفعل جميع المقدمات الجزئية النافعة في شيء شيء من الأُمور الجزئية التي
قلنا إِن أَحد شروطنا أَن تكون مقبولة عند طائفة طائفة. ومن هذه المواضع
يؤتى بالضمائر في المشوريات التي هي في الضار والنافع، وفي المنافرية التي
هي في المدح والذم، وفي المشاجرية التي هي في العدل والجور، وفي
الانفعالات، وفي الخلقيات. فنقول: إِن المواضع لما كانت ثلاثة أَصناف:
إِما موضع مثبت وإِما موبخ وإِما سوفسطائي، فقد ينبغي لنا أَن نذكر صنفا
صنفا من هذه على حدته، ثم نصير بعد ذلك إِلى القول في المناقضات
والمقاومات ومِنْ أَين ينبغي أَن يؤتى بالضمائر فيها.
فأَحد المواضع المثبتة المأخوذة من الأَضداد وذلك أَنه ينبغي أَن ننظر هل
ضد المحمول موجود لضد الموضوع، فإِن وجد، حكمنا أَن المحمول موجود له.
وإِن أَلفيناه مسلوبا عنه، حكمنا أَن المحمول مسلوب من الموضوع. مثال ذلك
إِن كانت العفة نافعة فالشره ضار؛ وإِن كانت الحرب هي علة الشرور الحاضرة،
فالسلم ينبغي أَن يصلح ذلك ويدفعه.
وموضع من التصاريف والنظائر التي ذكرت في طوبيقى؛ فإِن النظائر والتصاريف
يجب أَن يكون حكمها فيما يوجب أَو يسلب واحدا، وذلك أَنه إِن كانت العفة
خيرا، فالعفيف خيّر.
وموضع ثالث من المضاف: فإِنه إِن كان الفعل حسنا وعدلا، فالانفعال أَيضا
حسن وعدل، مثال ذلك أَنه إِن كان البيع حسنا، فالابتياع حسن. وقد يغلط في
هذا ويظن أَنه إِن كان بعدل وقع الفعل بالمنفعل فبعدل انفعل المنفعل، أَو
بالعكس. والاختلال فيه أَنه إِذا حكم على إِنسانٍ ما بالموت لأَنه قتل
زيدا فجعل لأَوليائه أَن يقتلوه، فيجيءُ آخر فيقتله ممن ليس له بولي، ثم
يعتذر بأَن يقول: إِن كان الموت الذي حل به عدلا، فقتلي له عدل. وهو بحسب
الشريعة ليس بعدل. فلذلك ينبغي أَن ننظر إِلى الشيئين الذين أَخذا من
المضاف هل أَخذا من جهة واحدة أَو من جهتين، ويستعمل النافع في الإِقناع
من ذلك. وذلك أَنه قد يكون مقنعا أَن المضافين يلحقهما شيءٌ واحد، وذلك
إِذا أَخذا من جهة واحدة. وبالعكس يكون أَيضا مقنعا أَن المضافين يلحقهما
شيءٌ مختلف إِذا أَخذا من جهتين. فينبغي للخطيب أَن يتحرى النافع من ذلك
في موضع موضع.
وموضع رابع من الأَقل والأَكثر، كما يقال إِن الذي يضرب أَبويه يضرب
أَقاربه. وذلك أَنه إِذا كان الأَقل وجودا موجودا، فالأَكثر وجودا موجود
ضرورة. وذلك أَن ضرب الأَبوين أَقل وجودا من ضرب القرابة. وأَما في
الإِبطال فعكس هذا، أَعني أَنه إِذا لم يوجد الأَكثر فالأَقل غير موجود.
وذلك أَنه إِذا لم يضرب القرابة، فأَحرى ألا يضرب الآباء. فإِذا استعمل
هذا الموضع في الإِثبات انتقل فيه من الأَقل إِلى الأَكثر، وإِذا استعمل
في الإِبطال انتقل فيه من الأَكثر إِلى الأَقل.



وموضع آخر خاص بالخطابة وهو يشتمل على مواضع وليس يوجد قول
يشملها إِلا أَنه بالجملة يقتضي تبكيت المخاطب بما قد فعله أَو بما هو
فاعل أَو بأَمر ما لم يفعله ولا هو فاعله. فمنها أَن تكلف من سأَلك شيئا
ما يعسر عليك أَن يفعل هو ما يعسر عليه أَو لا يقدر على فعله. ومنها أَن
تسأَل غيرك أَن تفعل ما تعلم أَنه لا يقدر عليه وما ليس له ليظن بك أَنك
ممن له ذلك الشيء. ومنها أَن تعيب على غيرك شيئا تعلمه من نفسك ليظن أَن
الذي تعيب به غيرك ليس هو لك. وذلك أَن ما يعيب الرجل به غيره يظن به أَنه
يتجنبه. إِذ كان ما يتجنبه يعيب به غيره فيظن بهذا العكس. وكذلك إِذا
أَوجبت لغيرك خيرا ليس هو فيك ليظن أَنه فيك. ومن هذا الجنس: المتجني من
غير جناية. ومنها تتبع زيادة الشرائط في القول حتى يصير حجة، أَو نقصان
الشرائط حتى يصير حجة. ومما يوبخ به الشاكي أَن يبين المشكو أَنه أُسوته
في الشر وأَنه ليس هو أَفضل منه. فإِن التساوي في الشر لا يجعل لإِنسان
على إِنسان آخر موضع شكاية. وذلك أَنه كما أَن التأَسي في الخير يوجب مدح
بعض بعضا، كذلك التأَسي في الشر يزيل ذم بعض بعضا. ومن هذا الموضع أَمر
ازدشير بن بابك الملك حيث قال في كتابه إِن الطاعنين على الملوك بالدين
ينبغي أَن يؤتوا من الدنيا ويوسع عليهم حتى يكون الدين هو الذي يقتلهم
ويريح الملوك منهم.
وموضع آخر مأخوذ من التحديد وهو مشترك بين الصنائع كلها ومعنى الحد هاهنا
كل ما هو مقبول أَنه حد، أَو مظنون أَنه حد، كان ذلك حدا في الحقيقة أَو
رسما أَو إِبدال اسم مكان اسم أَو تعريف الشيء بجنسه. فإِن هذه كلها داخلة
في هذا الباب. وأَخذ مثالات ذلك مما اشتهر لدينا أَمر قريب. وأَرسطو ذكر
في ذلك أَمثلة كانت لقوم مشهورين في زمانه.
وموضع آخر من القسمة وذلك أَن نقسم المحمول أَو الموضوع. فإِن الشيءَ إِذا
أُخذ مجملا قد يرى أَنه مستقيم، وبالجملة أَنه بحال ما. فإِذا قسم ظهر
أَنه بخلاف تلك الحال. كقول القائل: إِن مَنْ ظلم، فإِنما يظلم لإِحدى
ثلاث: إِما لسبب كذا أَو كذا أَو كذا. فأَما الإِثنان فلا يمكن أَن يكونا،
وأَما الثالث فليس تزعمه أَنت.
وموقع آخر مأخوذ من الاستقراءِ الذي سلف. مثال ذلك أَن يقول قائل: إِن
الذي يهمه أَمر إِنسان آخر يتقدم فيشكره في الخير والشر مثل الوالد مع
ولده والصديق مع صديقه، وذلك كما فعل فلان مع فلان، وفلان مع فلان. ومثل
من يريد أَن يهون على آخر أَمر السنة أَو يحث عليها فيقول: إِن فلانا
وفلانا فعل كذا وكذا مما يخالف السنة فلم يضره ذلك بل نمت حاله وزاد
سلطانه، أَو يقول إِن فلانا وفلانا تمسك بالسنة فكان ذلك سببا لدوام
سلطانه واتصال ملكه. وموضع آخر من مواضع التقابل: وهو أَن يحكم على شيء ما
بحكم ما من أَجل أَنه قد حكم به مَنْ سلف إِما في ذلك الشيء بعينه، وإِما
في شبيهه، وإِما في ضده، أَعني أَن الحكم على شيء ما يوجب ضد الحكم على
ضده، ولا سيما إِن كان الذين حكموا هم الكل والجمهور والعلماء معهم أَو
أَكثرهم وكان ذلك الحكم دائما، أَو ما يحكم به الأَكثر أَو الحكماء إِما
جلهم وإِما بعضهم، وكذلك أَيضا إِذا حكم به الذين يظن أَنهم لا يحكمون
بالمتضادات، أَعني بضد الحق أَو بضد الخير أَو بضد النافع أَنهم لا يحكمون
بالمتضادات، أَعني بضد الحق أَو بضد الخير أَو بضد النافع أَو بضد العدل
كالإِله والأَبوين والمعلم. والحكم من هؤلاءِ قد يكون بالقول، وقد يكون
بالفعل، وقد يكون بالطبع، أَعني إِذا لم يكن في طباعهم ذلك الشيء، مثل قول
القائل: إِن الموت شر، هكذا حكم الله، فإِنه ليس بمائت. وأَما مثال ذلك في
الأَبوين والمعلم فظاهر، وذلك إِذا احتج على الإِنسان بأَفعالهما
وأَقوالهما.



وموضع من تقسيم المحمول وهو مشترك للصنائع الثلاث. ومثال ذلك
هاهنا أَن يقول قائل في الإِبطال: كيف يكون فلان مجرحا وأَي خمر شربها،
أَو أَي زنى أَتاه، أَو أَي نفس قتلها، وأَي مال أَكله، وأَي صلاة تركها،
وما أَشبه ذلك. ويقول في الإِثبات: كيف لا يكون فلان عدلا وأَي صلاة
فوتها، أَو أَي زكاة لم يؤدها، أَو أَي منكر عرف أَنه أَتاه. وموضع آخر
أَشبه أَن يكون إِما موضع اللازم الذي ذكره في طوبيقى وإِما جزءاً من موضع
اللازم: وذلك أَن ننظر فيما يعرض للشيء من خير وشر ويلزمه، وبالجملة من
اللوازم المتضادة، وذلك في الأَصناف الثلاثة، أَعني المشورية والمشاجرية
والمنافرية. مثال ذلك أَن يقول قائل: إِن الذي يلزم متعلم الأَدب من الشر
أَن يكون محسوداً، والذي يلزمه من الخير أَن يكون حكيما، فينبغي للمرءِ
أَلا يتأَدب لكي لا يحسد، أَو يتأَدب لكي يكون حكيما. وذلك إِما بأَن
يستعمل في الحث على أَحد المتضادين أَو في التخيير.وهذا الموضع يستعمل في
الممكنات وفي سائر الأَشياءِ، وهو لذيذ بحسب ما فيه من ترتيب المتضادين
أَحدهما عند الآخر.
وموضع آخر: وهو أَنه قد يلحق كل واحد من الضدين أَو المتقابلين بالجملة
متقابلان اثنان، إِما معا، وإِما أَن يلحق كل واحد منهما أَحد الضدين فقط.
فالأَول هو الموضع الذي تقدم، وذلك أَن التأَدب وعدمه يلحق كلَّ واحدٍ
منهما خيرٌ وشرٌ معا. وأَما الذي يلحق كلَّ واحد منهما أَحدُ الشيئين،
فمثال قول القائل: إِن نطقتُ، نطقتُ إِما بالحق وإِما بالكذب. فإِن نطقت
بالكذب أَبغضني الله، وإِن نطقت بالحق أَبغضني الناس. فالواجب السكوت. أَو
يقول: بل الواجب التكلم، لأَنه إِن تكلمتَ بحق أَحبك الله، وإِن تكلمت
بباطل أَحبك الناس. ومن الفرق بين هذا وبين الموضع الأَول: أَن اللازمين
هناك لأَحد الضدين قد لا يكونان متضادين - فإِن الحسد والحكمة غير متضادين
- وقد يمكن أَن يجتمعا في موضع واحد. وأَما اللازمان هنا فليس يمكن
اجتماعهما، وذلك أَن محبة الله هي العدل، ومحبة الناس هي الجور.
وموضع آخر: وهو أَن نعتمد المقدمات المتضادة، أَعني التي يلحق أَحد الضدين
منهما أَن يكون جميلا ومعترفا به في الظاهر و باللسان، وقد يكون الضد
الآخر نافعا ومعترفا به في الباطن والضمير. فإِن الخطيب إِذا تحرى بهذا
الموضع أَمثال هذه المقدمات، أَمكنه أَن يقنع به في الشيءِ وضده، وهو من
العجائب وجودة الحيلة. مثال ذلك أَن يقول قائل يريد أَن يحث على أَجتناب
الخمر: إِنها رجس وإِنها محرمة ومفتاح الآثام. فإِن هذا في الظاهر والجميل
مقر به. ويقول آخر: أَنها تنفع المرءَ في صحته وتجيد خلقه وذهنه، فإِن هذا
معترف به في الضمير.
وموضع آخر مركب من موضعين من مواضع التقابل، أَحدهما تركيب الأَضداد،
والآخر عكس مقدمات الأَضداد، وذلك مثل قول القائل، وقد عذل في استخدام
ابنه وكان طويلا، فقال لهم: إِن كنتم تعدّون الطوال من الغلمان رجالا، فقد
أَوجبتم أَن القصار من الرجال غلمان. فإِن قولنا: " " الغلام الطويل رجلٌ
" " عكس قولنا: " " الرجل القصير غلامٌ " " . والرجل والغلام متقابلان،
والقصير والطويل كذلك.
ومثال آخر من هذا: إِن كنتم لا تجعلون زواركم مقصين ولا مبعدين إِذا فعلوا
الفواحش، فلا تقربوا الأَعفاء ولا تزوروهم.
وموضع آخر: أَن يكون الضدان أَو المتقابلان يلزمهما شيءٌ واحد بعينه، كقول
القائل: إِنه سواءٌ في الإِثم والفرية أَن الإِله مخلوق وأَنه لا يموت،
أَو قوله إِنه ليس بمخلوق وإِنه يموت. فإِن الذي يلزم عن هذين المتقابلين
هو أَمر واحد بعينه وهو أَن يكون الإِله ليس بإِله. ولزوم الشيءِ الواحد
للمتقابلين معا ليس هو بالحقيقة، وإِنما ذلك بالعرض. كما قيل في المسئلة
المشهورة: هل ينبغي أَن يتفلسف أَو لا يتفلسف. فإِنه بأَي الوجهين أَجاب،
لزمه أَن يتفلسف. ومن هذا تبكيت أَفلاطون لأَفروطاغورش. ومن هذا قول
القائل: سواءٌ عصيت الله أَو عصيت الرسول.

وموضع آخر نافع في أَخذ المقدمات المتضادة: وهو أَن هنا أَحوالا
لأَشياء تلحق تلك الأَحوال أَشياء متضادة. فإِذا أَخذت تلك الأَحوال حدودا
وسطى أَمكن أَن يقنع بها في الشيءِ وضده. وهذا الموضع يخالف سائر
المتضادات بأَن هذه الأَحوال ليست متضادة. مثال ذلك أَن يقول القائل: أَما
أَنا عند الخوف فإِني لا أُقاتل بل أَهرب، وذلك أَن بالهرب أَتخلص، وإِذا
أَمنت قاتلت، أَو يقول: بل إِذا خفت قاتلت، فأَنا بالقتال أَتخلص. وإِذا
أَمنت لم أَحتج إِلى القتال.
وموضع تستعمل فيه الأَشياءُ التي تلزم عنها غايات شتى، وهو أَن ننظر في
الأَشياءِ التي إِذا كانت، احتملت غايتين مختلفتين أَو غايات كثيرة، فإِنا
إِذا أَخذنا تلك الأَشياء حدودا وسطى، أَمكننا أَن نقنع بها في الشيءِ
وخلافه. وذلك مثل أَن يقال: إِن فلانا لم يؤدب فلانا لأَن الشرع أَقتضى
تأَديبه، بل لأَنه كان حاقدا عليه. ومثل أَن يقول القائل في شيء دفعه
لغيره: إِنما دفعت لك عارية، ويقول الآخر: إِنما دفعته هبة. وهو موضع
يستعمل في الأَصناف الثلاثة الخطبية.
وموضع آخر عام للذين يختصمون وللذين يشيرون وهو أَن ينظر في الأَشياءِ
التي يرغب فيها وفي الأَشياءِ التي لا يرغب فيها وفي الأُمور التي من
أَجلها يفعل الشيء إِذا وجدت، أَو لا يفعل إِذا عدمت. فمن ذلك إِن كان
الأَمر ممكنا وكان سهلا وكان نافعا له وللأَصدقاء وضارا للأَعداءِ أَو غير
ضار أَو كان الضر فيه أَقل من المنفعة، فالمرغب أَو المحرض ينبغي أَن
يستعمل هذه ونحوها؛ فأَما الذي يصد أَو يكف فأَضداد هذه. ومن هذا يشكو
الشاكون ويجيب المجيبون. أَما الشكاية فمن الذي يرغب، وأَما الاعتذار فمن
الذي يصد. ومن هذا الموضع، فيما قال أرسطو، تؤخذ خطابة رجلين من القدماءِ
مشهورين بالخطابة عندهم.
وينبغي أَن تكون المقدمات التي تستعمل هاهنا من الأَشياءِ المظنونة
المقبولة في بادئ الرأي، لا من الأَشياءِ التي لا يصدق بها إِلا أَن تكون
مما يمكن أَن تقبل ويقع بها الإِقناع من قرب وبسهولة. وذلك أَن الأَشياءَ
التي يقع بها التصديق هاهنا صنفان: أَحدهما ما إِذا سمعه الإِنسان، صدق به
وقبله من ذاته، والآخر ما إِذا سمعه، قبله لشهرته ولأَنه محمود عند الجميع.
والصنف الأَول إِنما يقع له بالتصديق لأَنه يظنه من الثاني، أَعني من
المشهور. فتكون المقدمات المظنونة صنفين: صنف يصدق به لأَنه مشهور، وصنف
يصدق به لأَنه يظن من المشهورات. وذلك أَن التصديقات ثلاثة أَصناف: إِما
يقيني، وإِما مشهور حقيقي، وإِما في بادئ الرأي. فمتى عرى القول الخطبي من
هذين الصنفين ولم يكن مما يقع التصديق به عن قرب لم يَنْبَغ أَن يستعمل في
هذه الصناعة. ومثال ما يقع الإِقناع به عن قرب ما قال بعض القدماءِ: إِن
السُّنة تحتاج إِلى سُنة تقومها، كما يحتاج السمك الذي في البحر إِلى
الملح، والبحر مالح، وكما يحتاج الزيتون إِلى الزيت، وفيه الزيت. فإِن
هذا، وإِن كان غير مقنع، فقد يقع به الإِقناع عن قرب، إِذا زيد فيه أَن
السمك يحتاج إِلى الملح إِذا أُريد بقاؤه بحفظه وأَن يجعل له طعما آخر.
وكذلك يزاد في الزيتون إِذا أُريد بقاؤه وتغيير طعمه، أَعني أَن يجعل
الزيت فيه، وإِلا فما هو المقنع أَن يقال إِن الذي في الملح يحتاج إِلى
والذي في الزيت يحتاج إِلى الزيت عن قرب
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى