صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
وَبِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَسَدِ وَنَحْوِهِ مِنْ
النِّفَاقِ
وَالرِّيَاءِ .
وَمَنْ لَا يَرَى الْمُؤَاخَذَةَ قَدْ يُجِيبُ عَنْ
الْأَوَّلِ
بِأَنَّا نَقُولُ بِهِ وَهُوَ الظَّنُّ الَّذِي اقْتَرَنَ بِهِ قَوْلٌ أَوْ
فِعْلٌ
، ثُمَّ لَوْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ
بَيْنَهُ
وَبَيْنَ أَدِلَّتِنَا ، وَعَنْ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ الْقَوْلَ مُرَادٌ
فِيهَا
بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } فِي الدُّنْيَا وَهُوَ
الْحَدُّ
وَلَا يَجِبُ إلَّا بِالْقَوْلِ وَأَمَّا الْحَدُّ فَهُوَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ
تَعُمُّ
الْبَلْوَى بِوُقُوعِهِ فَاحْتِيجَ إلَى زِيَادَةِ رَدْعٍ وَهُوَ
الْمُؤَاخَذَةُ
بِمُجَرَّدِهِ .
وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ
النَّهْيَ
عَنْ الْحَسَدِ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ إلَى مَنْ عَمِلَ بِمُقْتَضَى
التَّسَخُّطِ
عَلَى الْقَدَرِ أَوْ يَنْتَصِبُ لِذَمِّ الْمَحْسُودِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ
يَكْرَهَ
ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ .
وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ
الدِّينِ ، وَذَكَرَ قَوْلَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : غَمِّهِ فِي صَدْرِكَ
فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ مَا لَمْ تَعْتَدَّ بِهِ يَدًا وَلِسَانًا ،
وَعَلَيْهِ
أَنْ يَكْرَهَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ قَالَ : وَفِي الْحَدِيثِ { ثَلَاثٌ
لَا
يَنْجُو مِنْهُنَّ أَحَدٌ الْحَسَدُ وَالظَّنُّ وَالطِّيَرَةُ ،
وَسَأُحَدِّثُكُمْ
بِالْمَخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ إذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ ، وَإِذَا ظَنَنْتَ
فَلَا
تُحَقِّقْ ، وَإِذَا تَطَيَّرَتْ فَامْضِ } انْتَهَى ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ
عَبْدِ
الْبَرِّ هَذَا الْخَبَرَ الْأَخِيرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَالْقَوْلِ بِهِ وَذَلِكَ فِي
النُّسْخَةِ الْوُسْطَى مِنْ الْآدَابِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا .
قَالَ
الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجِعَابِيِّ
قَالَ :
لَا تَشْتَغِلْ بِالْحَسَدِ وَاصْبِرْ عَلَيْهِمْ فَقَدْ حَدَّثُونَا عَنْ
ابْنِ
أَخِي الْأَصْمَعِيِّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ : الْحَسَدُ دَاءٌ مُنَصِّفٌ
يَعْمَلُ فِي
الْحَاسِدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْمَلُ فِي الْمَحْسُودِ ،
كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ
الْمَحْسُودَ مَعَ
مَا لَهُ مِنْ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي
الْفُنُونِ
افْتَقَدْتُ الْأَخْلَاقَ فَإِذَا أَشَدُّهَا وَبَالًا عَلَى صَاحِبِهَا
الْحَسَدُ
فَإِنَّهُ التَّأَذِّي بِمَا يَتَجَدَّدُ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ فَكُلَّمَا
تَلَذَّذَ الْمَحْسُودُ بِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى تَأَذَّى الْحَاسِدُ
وَتَنَغَّصَ
فَهُوَ ضِدٌّ لِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى سَاخِطٌ بِمَا قَسَمَهُ مُتَمَنٍّ
زَوَالَ
مَا مَنَحَهُ خَلْقَهُ ، فَمَتَى يَطِيبُ بِهَذَا عَيْشٌ وَنِعَمٌ
تَنْثَالُ
انْثِيَالًا ؟ وَهَذَا الْمُدَبِّرُ لَا يَزَالُ بِأَفْعَالِ اللَّهِ
مُتَسَخِّطًا
وَمَا زَالَ أَرْحَمَ النَّاسِ لِلنَّظَرِ فِي عَوَاقِبِهِمْ وَلَوْ لَمْ
يَكُنْ
إلَّا النَّزْعُ وَحَشْرَجَةُ الرُّوحِ فَكَيْفَ بِمُقَدِّمَاتِ الْمَوْتِ
مِنْ
الْبِلَى وَالضَّنَى فَمَنْ شَهِدَ هَذَا فِيهِمْ لَمْ يَحْسُدْهُمْ
وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا النِّفَاقُ فِي الْقَوْلِ أَوْ
الْعَمَلِ
فَلِتَأْثِيرِهِ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ شَرْعًا وَلِهَذَا الشَّكِّ مَانِعٌ
فِي
حُصُولِهِ وَوُجُودِهِ وَأَمَّا الرِّيَاءُ فَإِنَّمَا يَكُونُ فِي
الْقَوْلِ أَوْ
الْعَمَلِ فَأَثَّرَ لِاقْتِرَانِهِ بِأَحَدِهِمَا .
وَصِيَّةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَلَدَهُ بِنِيَّةِ الْخَيْرِ .
قَالَ
عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِأَبِيهِ يَوْمًا أَوْصِنِي يَا أَبَتِ ،
فَقَالَ " يَا بُنَيَّ انْوِ الْخَيْرَ فَإِنَّكَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا
نَوَيْتَ الْخَيْرَ " .
وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ عَظِيمَةٌ سَهْلَةٌ عَلَى
الْمَسْئُولِ سَهْلَةُ الْفَهْمِ وَالِامْتِثَالِ عَلَى السَّائِلِ ،
وَفَاعِلُهَا
ثَوَابُهُ دَائِمٌ مُسْتَمِرٌّ لِدَوَامِهَا وَاسْتِمْرَارَهَا ، وَهِيَ
صَادِقَةٌ
عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الْمَطْلُوبَةِ شَرْعًا سَوَاءٌ
تَعَلَّقَتْ
بِالْخَالِقِ أَوْ بِالْمَخْلُوقِ ، وَأَنَّهَا يُثَابُ عَلَيْهَا وَلَمْ
أَجِدْ
فِي الثَّوَابِ عَلَيْهَا خِلَافًا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي
كِتَابِ
الْإِيمَانِ : مَا هَمَّ بِهِ مِنْ الْقَوْلِ الْحَسَنِ وَالْعَمَلِ
الْحَسَنِ
فَإِنَّمَا يُكْتَبُ لَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِذَا صَارَ قَوْلًا
وَعَمَلًا
كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ إلَى سَبْعِمِائَةٍ ، وَذَلِكَ لِلْحَدِيثِ
الْمَشْهُورِ فِي الْهَمِّ .
وَيَلْزَمُ مِنْ الْعَمَلِ بِهَذِهِ
الْوَصِيَّةِ
تَرْكُ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الْمَذْمُومَةِ شَرْعًا ، وَأَنَّ مَنْ
عَمِلَهَا لَمْ
يَبْقَ فِي حِرْزٍ مِنْ اللَّهِ وَعِصْمَتِهِ ، وَقَدْ وَقَعَ فِيمَا
يُخَافُ
عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ الشَّرِّ وَالْعَذَابِ ، وَدَلَّ هَذَا النَّصُّ عَلَى
الْمُعَاقَبَةِ عَلَى أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الْمَذْمُومَةِ ، وَهَكَذَا
قَوْلُ
الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْآتِي قَبْلَ فُصُولِ تَعَلُّمِ
الْقُرْآنِ
وَالْحَدِيثِ : إنْ أَحْبَبْتَ أَنْ يَدُومَ اللَّهُ لَكَ عَلَى مَا
تُحِبُّ فَدُمْ
لَهُ عَلَى مَا يُحِبُّ .
وَأَمَّا إنْ لَمْ يَنْوِ خَيْرًا وَلَا
شَرًّا
فَهَذَا يَبْعُدُ خُلُوُّ عَاقِلٍ عَنْهُ .
ثُمَّ نِيَّةُ الْخَيْرِ
مِنْهَا مَا
يَجِبُ بِلَا شَكٍّ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا ، فَيَالَهَا مِنْ وَصِيَّةٍ
مَا
أَشَدَّ وَقْعَهَا وَمَا أَعْظَمَ نَفْعَهَا ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى
لَنَا
وَلِإِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ الْعَمَلَ بِهَا .
وَالتَّوْفِيقَ
لَهَا ،
وَلِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ آمِينَ .
فَمِثْلُ هَذَا تَكُونُ
وَصَايَا
أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ
وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ قِيلَ نِيَّةُ الْمَرْءِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ وَأَشْرَفُ
مِنْ عَمَلِهِ
لِاعْتِبَارِهَا فِيهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ .
وَقِيلَ أَيْضًا
النِّيَّةُ
سَبَقَتْ الْعَمَلَ .
وَهَذَا وَاضِحٌ صَحِيحٌ ، وَسَيَأْتِي فِي
الدُّعَاءِ
قُبَيْلَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْكَلَامِ فِي
أَعْمَالِ
الْقُلُوبِ وَهَلْ يَكُونُ أَجْرُ مَنْ نَوَى الْخَيْرَ أَوْ وِزْرُ مَنْ
نَوَى
الشَّرَّ عَمِلَ شَيْئًا مَعَهَا أَوْ لَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ
بِالْعَمَلِ
كَامِلًا ؟ ذُكِرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْفِقْهِ فِي بَابِ صَلَاةِ
الْمَرِيضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَفِي حَوَاشِي الْمُنْتَقَى فِي صَلَاةِ
الْجَمَاعَةِ
.
فَصْلٌ ( هَلْ الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ مُطْلَقًا أَمْ بِشَرْطِ
التَّوْبَةِ ؟ )
وَمَنْ لَمْ يَنْدَمْ عَلَى مَا حُدَّ بِهِ لَمْ يَكُنْ حَدُّهُ تَوْبَةً
.
ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
ابْنُ
عَقِيلٍ قَالُوا هُوَ مُصِرٌّ وَالْحَدُّ عُقُوبَةٌ لَا كَفَّارَةٌ {
وَلَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وَاسْتَدَلُّوا بِآيَةِ الْمُحَارَبَةِ
.
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ يَكُونُ الْحَدُّ مُسْقِطًا لِإِثْمِ
ذَلِكَ
الذَّنْبِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَتُهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ
عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَمَنْ لَقِيَهُ مُصِرًّا
غَيْرَ
تَائِبٍ مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي قَدْ اسْتَوْجَبَ بِهَا الْعُقُوبَةَ
فَأَمْرُهُ
إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ، وَمَنْ
لَقِيَهُ
كَافِرًا عَذَّبَهُ وَلَمْ يَغْفِرْ لَهُ } وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ
الْحِمْصِيُّ عَنْ أَحْمَدَ نَحْوَ هَذَا إلَّا أَنَّهُ قَالَ { فَأَمْرُهُ
إلَى
اللَّهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ إذَا تُوُفِّيَ
عَلَى
الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ } وَلَمْ يَذْكُرُوا مَنْ لَقِيَهُ كَافِرًا
إلَى
آخِرِهِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ
أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ { تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا
تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا
تَقْتُلُوا
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ ، فَمَنْ وَفَّى
مِنْكُمْ
فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ
فَعُوقِبَ
بِهِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ
اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ
وَإِنْ شَاءَ
غَفَرَ لَهُ } قَالَ فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ وَسَبَقَ قَرِيبًا
حَدِيثُ ابْنِ
عُمَرَ فِي النَّجْوَى وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { سَتَرْتُهَا
عَلَيْكَ فِي
الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ } فَهَذَا لِمَنْ شَاءَ
اللَّهُ
أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ .
وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فِي الدُّنْيَا
فَعُوقِبَ بِهِ
فَاَللَّهُ
تَعَالَى أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عُقُوبَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ ،
وَمَنْ
أَذْنَبَ ذَنْبًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَفَا اللَّهُ عَنْهُ
فَاَللَّهُ
تَعَالَى أَكْرَمُ أَنْ يَعُودَ فِي شَيْءٍ عَفَا عَنْهُ } وَرَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ
وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : غَرِيبٌ وَلَمْ أَجِدْ
عَنْهُمْ "
وَعَفَا اللَّهُ عَنْهُ " .
وَأَمَّا آيَةُ الْمُحَارَبَةِ فَإِنَّمَا
فِيهَا
لَهُ عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ لَكِنْ عَلَى مَاذَا ؟ فَلَيْسَ فِيهَا ،
وَنَحْنُ
نَقُول بِهَا لَكِنْ عَلَى إصْرَارِهِ وَعَدَمِ تَوْبَتِهِ لَا عَلَى
ذَنْبٍ حُدَّ
عَلَيْهِ لِمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي
عِيَاضٌ :
قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ اسْتِدْلَالًا بِهَذَا
الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ عُبَادَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ وَقَّفَ لِحَدِيثِ
أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : لَا أَدْرِي الْحُدُودَ كَفَّارَةً .
} .
كَذَا
قَالَ
وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنْ صَحَّ فَمَا سَبَقَ أَصَحُّ مِنْهُ وَفِي
هَذَا
زِيَادَةُ عِلْمٍ فَيَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهَا .
فَصْلٌ ( فِي صِحَّةِ تَوْبَةِ الْعَاجِزِ عَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ
مِنْ قَوْلٍ
وَفِعْلٍ ) وَتَصِحُّ تَوْبَةُ مَنْ عَجَزَ عَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ مِنْ
قَوْلٍ
وَفِعْلٍ كَتَوْبَةِ الْأَقْطَعِ عَنْ السَّرِقَةِ وَالزَّمِنِ عَنْ
السَّعْيِ إلَى
حَرَامٍ وَالْمَجْبُوبِ عَنْ الزِّنَا وَمَقْطُوعِ اللِّسَانِ عَنْ
الْقَذْفِ ،
وَالْمُرَادُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَا تَابَ مِنْهُ كَانَ قَدْ وَقَعَ
مِنْهُ
وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ التَّوْبَةُ مِنْ عَزْمِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لَوْ
قَدَرَ
عَلَيْهَا .
وَلَا تَصِحُّ تَوْبَةُ غَيْرِ عَاصٍ ، كَذَا وَجَدْتُهُ
فِي
كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ
تَعَالَى
.
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغَنِيَّةِ : التَّوْبَةُ
فَرْضُ
عَيْنٍ فِي حَقِّ كُلِّ شَخْصٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَسْتَغْنِيَ
عَنْهَا أَحَدٌ
مِنْ الْبَشَرِ لِأَنَّهُ إنْ خَلَا عَنْ مَعْصِيَةِ الْجَوَارِحِ فَلَا
يَخْلُو
عَنْ الْهَمِّ بِالذَّنْبِ بِالْقَلْبِ ، وَإِنْ خَلَا فَلَا يَخْلُو عَنْ
وَسْوَاسِ الشَّيْطَانِ بِإِيرَادِ الْخَوَاطِرِ الْمُفْتَرِقَةِ
الْمُذْهِلَةِ
عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنْ خَلَا فَلَا يَخْلُو عَنْ
غَفْلَةٍ
وَقُصُورٍ فِي الْعِلْمِ بِاَللَّهِ وَبِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ ،
فَلِكُلِّ حَالٍ
طَاعَاتٌ وَذُنُوبٌ وَحُدُودٌ وَشُرُوطٌ ، فَحِفْظُهَا طَاعَةٌ ،
وَتَرْكُهَا
مَعْصِيَةٌ ، وَالْغَفْلَةُ عَنْهَا ذَنْبٌ .
فَيَحْتَاجُ إلَى تَوْبَةٍ
وَهُوَ
الرُّجُوعُ عَنْ التَّعْوِيجِ الَّذِي وَجَدَ إلَى سَنَنِ الطَّرِيقِ
الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي شُرِعَ لَهُ فَالْكُلُّ مُفْتَقِرٌ إلَى تَوْبَةٍ
وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْمَقَادِيرِ ، فَتَوْبَةُ الْعَوَامّ مِنْ
الذُّنُوبِ ، وَتَوْبَةُ الْخَوَاصِّ مِنْ الْغَفْلَةِ ، وَتَوْبَةُ خَاصِّ
الْخَاصِّ مِنْ رُكُونِ الْقَلْبِ إلَى سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ،
كَمَا قَالَ
ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ تَوْبَةُ الْعَوَامّ مِنْ الذُّنُوبِ وَتَوْبَةُ
الْخَوَاصِّ مِنْ الْغَفْلَةِ ، وَكَمَا قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ
النُّورِيُّ
التَّوْبَةُ أَنْ يَتُوبَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ،
وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا .
وَسَبَقَ قَرِيبًا فِي الْعَزْمِ عَلَى
الْمَعْصِيَةِ أَنَّ تَعْلِيقَ
الْقَلْبِ بِغَيْرِ اللَّهِ مُحَرَّمٌ ، وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ
الزُّهْدِ خَبَرٌ
يَتَعَلَّقُ بِهَذَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ
صِحَّةُ
التَّوْبَةِ مِنْ كُلِّ مَا حَصَلَتْ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ أَوْ أَدْنَى
غَفْلَةٍ
وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ وَلَعَلَّ هَذَا الْقَوْلَ أَقْوَى وَهُوَ مَعْنَى
مَا
اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ وَلَعَلَّهُ مَعْنَى
كَلَامِ
مُجَاهِدٍ مَنْ لَمْ يَتُبْ إذَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى فَهُوَ مِنْ
الظَّالِمِينَ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعَلَى هَذَا لَا يُسَمَّى مَعْصِيَةً وَلَا ذَنْبًا
بِنَاءً
عَلَى أَنَّهُ نَصٌّ فِيمَا يَأْثَمُ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ
وَغَيْرُهُ
أَنَّهُ لَيْسَ بِنَصٍّ وَأَنَّهُ يَرِدُ لِلتَّأْكِيدِ وَأَنَّ مِنْهُ
قَوْلَ
أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ :
أَمَّا
هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
لَيْسَ
مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا } وَذَكَرَ
غَيْرُهُ
قَوْلَ عَمَّارِ مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى
أَبَا
الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَهَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الشَّيْخِ
عَبْدِ
الْقَادِرِ طَعَامُ الشَّيْخِ مُبَاحٌ لِلْمُرِيدِ وَطَعَامُ الْمُرِيدِ
حَرَامٌ
فِي حَقِّ الشَّيْخِ لِصَفَاءِ حَالِهِ وَعُلُوِّ رُتْبَتِهِ .
وَقَدْ
ذَكَرَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ السَّلَفَ لَمْ يُطْلِقُوا الْحَرَامَ
إلَّا
عَلَى مَا عُلِمَ تَحْرِيمُهُ قَطْعًا .
قَالَ وَذَكَرَ الْقَاضِي
أَنَّهُ هَلْ
يُطْلَقُ الْحَرَامُ عَلَى مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ رِوَايَتَيْنِ
وَسَبَقَ
فِي أَوَائِلِ فُصُولِ التَّوْبَةِ الْأَخْبَارُ فِي التَّوْبَةِ عُمُومًا
وَمَنْ
تَرَكَ التَّوْبَةَ الْوَاجِبَةَ مُدَّةً مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا
وَالْعِلْمِ
بِوُجُوبِهَا لَزِمَتْهُ التَّوْبَةُ مِنْ تَرْكِ التَّوْبَةِ تِلْكَ
الْمُدَّةَ .
فَصْلٌ ( فِي التَّوْبَةِ مِنْ الْبِدْعَةِ الْمُفَسِّقَةِ
وَالْمُكَفِّرَةِ
وَمَا اُشْتُرِطَ فِيهَا ) وَمَنْ تَابَ مِنْ بِدْعَةٍ مُفَسِّقَةٍ أَوْ
مُكَفِّرَةٍ صَحَّ إنْ اعْتَرَفَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا .
قَالَ فِي
الشَّرْحِ :
فَأَمَّا الْبِدْعَةُ فَالتَّوْبَةُ مِنْهَا بِالِاعْتِرَافِ بِهَا
وَالرُّجُوعِ
عَنْهَا وَاعْتِقَادِ ضِدَّ مَا كَانَ يَعْتَقِدُ مِنْهَا قَالَ فِي
الرِّعَايَةِ
فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ عَلَى
الْأَصَحِّ ،
وَقِيلَ إنْ اعْتَرَفَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا ، وَقِيلَ إنْ كَانَ دَاعِيَةً
لَمْ
تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِي آخِرِ
مَسْأَلَةٍ
هَلْ تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ .
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ
الْمَرُّوذِيِّ فِي الرَّجُلِ يُشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْبِدْعَةِ فَيَجْحَدُ
لَيْسَتْ
لَهُ تَوْبَةٌ إنَّمَا التَّوْبَةُ لِمَنْ اعْتَرَفَ .
فَأَمَّا مَنْ
جَحَدَ
فَلَا تَوْبَةَ لَهُ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَإِذَا تَابَ
الْمُبْتَدِعُ يُؤَجَّلُ سَنَةً حَتَّى تَصِحَّ تَوْبَتُهُ وَاحْتَجَّ
بِحَدِيثِ
إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّ الْقَوْمَ نَازَلُوهُ فِي صَبِيغٍ بَعْدَ
سَنَةٍ
فَقَالَ جَالِسُوهُ وَكُونُوا مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ .
وَقَالَ الْقَاضِي
أَبُو
الْحُسَيْنِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَغَيْرَهَا فَظَاهِرُ
هَذِهِ
الْأَلْفَاظِ قَبُولُ تَوْبَتِهِ مِنْهَا بَعْد الِاعْتِرَافِ
وَالْمُجَانَبَةِ
لِمَنْ كَانَ يُقَارِنُهُ وَمُضِيِّ سَنَةٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةً
ثَانِيَةً
أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ شَاقِلَا وَاحْتَجَّ
لِاخْتِيَارِهِ
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ
عَلَيْهِ
وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } وَرَوَى
أَبُو
حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { أَنَّ
اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ احْتَجَبَ التَّوْبَةَ عَنْ كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ } .
وَقَالَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهَذَا الْقَوْلُ الْجَامِعُ لِلْمَغْفِرَةِ
لِكُلِّ
ذَنْبٍ لِلتَّائِبِ مِنْهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ
هُوَ
الصَّوَابُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنْ كَانَ مِنْ النَّاسِ
مَنْ
اسْتَثْنَى
بَعْضَ الذُّنُوبِ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ تَوْبَةَ الدَّاعِيَةِ
إلَى
الْبِدَعِ لَا تُقْبَلُ بَاطِنًا لِلْحَدِيثِ الْإِسْرَائِيلِيِّ الَّذِي
فِيهِ "
وَكَيْفَ مَنْ أَضْلَلْتَ ؟ " وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
قَدْ
بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
أَنَّهُ يَتُوبُ عَلَى أَئِمَّةِ الْكُفْرِ الَّذِينَ هُمْ أَعْظَمُ مِنْ
أَئِمَّةِ
الْبِدَعِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْإِرْشَادِ
الرَّجُلُ
إذَا دَعَا إلَى بِدْعَةٍ ثُمَّ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ وَقَدْ ضَلَّ بِهِ
خَلْقٌ
كَثِيرٌ وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ وَمَاتُوا فَإِنَّ تَوْبَتَهُ
صَحِيحَةٌ إذَا
وُجِدَتْ الشَّرَائِطُ وَيَجُوزُ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ وَيَقْبَلَ
تَوْبَتَهُ
وَيُسْقِطَ ذَنْبَ مَنْ ضَلَّ بِهِ بِأَنْ يَرْحَمَهُ وَيَرْحَمَهُمْ
وَبِهِ قَالَ
أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَهُوَ أَبُو
إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا وَهُوَ مَذْهَبُ الرَّبِيعِ بْنِ نَافِعٍ
وَأَنَّهَا لَا
تُقْبَلُ ثُمَّ احْتَجَّ بِحَدِيثِ الْإِسْرَائِيلِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ
لَا
نَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِمَظَالِمِ الْآدَمِيِّينَ وَلَكِنَّ
هَذَا لَا
يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّوْبَةِ ، كَالتَّوْبَةِ مِنْ السَّرِقَةِ وَقَتْلِ
النَّفْسِ
وَغَصْبِ الْأَمْوَالِ صَحِيحَةٌ مَقْبُولَةٌ ، وَالْأَمْوَالُ
وَالْحُقُوقُ
لِلْآدَمِيِّ لَا تَسْقُطُ ، وَيَكُونُ هَذَا الْوَعِيدُ رَاجِعًا إلَى
ذَلِكَ ،
وَيَكُونُ نَفْيُ الْقَبُولُ رَاجِعًا إلَى الْقَبُولِ الْكَامِلِ وَقَالَ
هُوَ
مَأْزُورٌ بِضَلَالِهِمْ وَهُمْ مَأْزُورُونَ بِأَفْعَالِهِمْ وَقَدْ
تَقَدَّمَتْ
الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ فُصُولِ التَّوْبَةِ .
فَصْلٌ ( فِي قَبُولِ التَّوْبَةِ مَا لَمْ يَرَ التَّائِبُ مَلَكَ
الْمَوْتِ
أَوْ يُغَرْغِرْ ) وَتُقْبَلُ مَا لَمْ يُعَايِنْ التَّائِبُ الْمَلَكَ
وَرَوَى
ابْن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ نَصْرِ بْنِ حَمَّادٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ
بِالْإِجْمَاعِ ، عَنْ مُوسَى بْنِ كَرَدْمِ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ
قِيسٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ { سَأَلْتُ رَسُولَ
اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى تَنْقَطِعُ مَعْرِفَةُ الْعَبْدِ
مِنْ
النَّاسِ قَالَ : إذَا عَايَنَ } وَقِيلَ مَا دَامَ مُكَلَّفًا كَذَا قَالَ
فِي
الرِّعَايَةِ وَقِيلَ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ؛ لِأَنَّ الرُّوحَ تُفَارِقُ
الْقَلْبَ
قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ فَلَا تَبْقَى لَهُ نِيَّةٌ وَلَا قَصْدٌ صَحِيحٌ .
فَإِنْ
جُرِحَ جُرْحًا مُوحِيًا صَحَّتْ تَوْبَتُهُ ، وَالْمُرَادُ مَعَ ثَبَاتِ
عَقْلِهِ
لِصِحَّةِ وَصِيَّةِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
وَاعْتِبَارِ
كَلَامِهِمَا .
وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا : لَا تَصِحُّ
وَصِيَّتُهُ
مُطْلَقًا ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِكَلَامِهِ
وَلَعَلَّهُ
أَرَادَ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ مَنْ قُطِعَ بِمَوْتِهِ كَقَطْعِ
حَشْوَتِهِ
وَغَرِيقٌ وَمُعَايِنٌ كَمَيِّتٍ .
وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ أَنَّ حُكْمَ مَنْ ذُبِحَ أَوْ
أُبِينَتْ
حَشْوَتُهُ وَهِيَ أَمْعَاؤُهُ لَا خَرْقُهَا وَقَطْعُهَا فَقَطْ كَمَيِّتٍ
.
وَقَالَ فِي الْكَافِي تَصِحُّ وَصِيَّةُ مَنْ لَمْ يُعَايِنْ
الْمَوْتَ
وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ قَالَ لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ ، وَالْوَصِيَّةُ
قَوْلٌ
وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَلَكَ الْمَوْتِ فَيَكُونُ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ ،
وَذَكَرَ
الشَّيْخُ فِي فَتَاوِيهِ إنْ خَرَجَتْ حَشْوَتُهُ وَلَمْ تَبِنْ ثُمَّ
مَاتَ
وَلَدُهُ وَرِثَهُ وَإِنْ أُبِينَتْ فَالظَّاهِرُ يَرِثُهُ لِأَنَّ
الْمَوْتَ
زُهُوقُ النَّفْسِ وَخُرُوجُ الرُّوحِ وَلَمْ يُوجَدْ .
وَلِأَنَّ
الطِّفْلَ
يَرِثُ وَيُورَثُ بِمُجَرَّدِ اسْتِهْلَالِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدُلُّ
عَلَى
حَيَاةٍ أَثْبَتَ مِنْ حَيَاةِ هَذَا ، انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَلَا
يَلْزَمُ
مِنْ هَذَا اعْتِبَارُ كَلَامِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ اعْتَبَرَهُ
بِالطِّفْلِ
الَّذِي اسْتَهَلَّ لَكِنْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمِ
الْمَيِّتِ
مَعَ بَقَاءِ رُوحِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ خِلَافُ كَلَامِهِمْ فِي
الْجِنَايَاتِ
لَكِنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي الْإِرْثِ فِي الْغَرْقَى وَالْهَدْمَى
.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي مِيرَاثِ الْحَمْلِ أَنَّ الْحَيَوَانَ
يَتَحَرَّكُ بَعْدَ ذَبْحِهِ شَدِيدًا وَهُوَ كَمَيِّتٍ وَالْمَسْأَلَةُ
مَذْكُورَةٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ
أَعْلَمُ
.
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وَابْنُ
مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ
تَوْبَةَ
الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ } قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ
مَا لَمْ
تَبْلُغْ رُوحُهُ حُلْقُومَهُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّيْءِ الَّذِي
يَتَغَرْغَرُ بِهِ الْمَرِيضُ ، وَالْغَرْغَرَةُ أَنْ يُجْعَلَ
الْمَشْرُوبُ فِي
الْفَمِ وَيُرَدَّدَ إلَى أَصْلِ الْحَلْقِ وَلَا يُبْلَعُ ، وَمِنْهُ لَا
تُحَدِّثْهُمْ بِمَا يُغَرْغِرُهُمْ أَيْ لَا تُحَدِّثْهُمْ بِمَا لَا
يَقْدِرُونَ
عَلَى فَهْمِهِ فَيَبْقَى فِي أَنْفُسِهِمْ لَا يَدْخُلُهَا ، كَمَا
يَبْقَى
الْمَاءُ فِي الْحَلْقِ عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ ، انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ
ابْنُ حُزَمٍ : اتَّفَقُوا أَنَّ مَنْ قَرُبَتْ
نَفْسُهُ مِنْ الزُّهُوقِ فَمَاتَ لَهُ مَيِّتٌ أَنَّهُ يَرِثُهُ ،
وَإِنْ
قَدَرَ عَلَى النُّطْقِ فَأَسْلَمَ فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ يَرِثُهُ
الْمُسْلِمُونَ
مِنْ أَهْلِهِ وَأَنَّهُ إنْ شَخَصَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْمَوْتِ
إلَّا نَفَسٌ وَاحِدٌ فَمَاتَ مَنْ أَوْصَى لَهُ بِوَصِيَّةٍ فَإِنَّهُ
قَدْ
اسْتَحَقَّهَا فَمَنْ قَتَلَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ قِيدَ بِهِ ، وَلَعَلَّ
مُرَادَهُ أَسْلَمَ وَلَمْ تَبْلُغْ الرُّوحُ الْحُلْقُومَ مَعَ أَنَّ
قَوْلَهُ
ظَاهِرُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الصَّدَقَةِ { وَلَا تُمْهِلْ
حَتَّى
إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ } الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ وَقَالَ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ
فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ حِكَايَةً عَنْ الْخَطَّابِيِّ :
الْمُرَادُ قَارَبَتْ بُلُوغَ الْحُلْقُومَ إذْ لَوْ بَلَغَتْهُ حَقِيقَةً
لَمْ
تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ وَلَا شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ
بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَالْخَبَرُ
الَّذِي
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ
الْوَفَاةُ الْمُرَادُ قَرِيبَ وَفَاتِهِ حَضَرَتْ دَلَائِلُهَا وَذَلِكَ
قَبْلَ
الْمُعَايَنَةِ وَالنَّزْعِ وَلَوْ كَانَ فِي حَالِ الْمُعَايَنَةِ
وَالنَّزْعِ
لَمَا نَفَعَهُ الْإِيمَانُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَيْسَتْ
التَّوْبَةُ
لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ
الْمَوْتُ
قَالَ إنِّي تُبْتُ الْآنَ } .
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ
الْمُعَايَنَةِ
مُحَاوَرَتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ
كُفَّارِ
قُرَيْشٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ
الْمُتَكَلِّمِينَ
عَلَى الْحَدِيثِ جَعَلَ الْحُضُورَ هُنَا عَلَى حَقِيقَةِ الِاحْتِضَارِ
وَأَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَا بِقَوْلِهِ ذَلِكَ
حِينَئِذٍ
أَنْ تَنَالَهُ الرَّحْمَةُ بِبَرَكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي وَلَيْسَ هَذَا صَحِيحًا .
وَعَنْ أَبِي
ذَرٍّ
مَرْفُوعًا { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ عَبْدِهِ أَوْ قَالَ
يَغْفِرُ لِعَبْدِهِ مَا لَمْ يَقَعْ الْحِجَابُ قِيلَ وَمَا وُقُوعُ
الْحِجَابِ ؟
قَالَ تَخْرُجُ النَّفْسُ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ }
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ مِنْ رِوَايَةِ
عُمَرَ بْنِ
نُعَيْمٍ تَفَرَّدَ عَنْهُ مَكْحُولٌ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا نَدْرِي مَنْ
هُوَ ؟
قَالَ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى عَنْهُ مَكْحُولٌ فِي الشَّامِيِّينَ
.
وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { إنَّ الشَّيْطَانَ
قَالَ
وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ
أَرْوَاحُهُمْ
فِي أَجْسَادِهِمْ ، فَقَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : لَا أَزَالُ
أَغْفِرُ مَا
اسْتَغْفَرُونِي } .
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ : { ثُمَّ
يَتُوبُونَ
مِنْ قَرِيبٍ } إنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّوْبَةُ فِي الصِّحَّةِ وَلَا
يَصِحُّ
هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ
وَاسْمُهُ
بَاذَامُ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ مُعَايَنَةُ مَلَكِ
الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ
الْمُفَسِّرِينَ
وَهِيَ رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْوَالِي عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ الْمُرَادُ بِهِ التَّوْبَةُ
قَبْلَ
الْمَوْتِ .
وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْله تَعَالَى : {
حَتَّى إذَا
حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ } أَنَّهُ السَّوْقُ ، وَقِيلَ مُعَايَنَةُ
الْمَلَائِكَةِ لِقَبْضِ الرُّوحِ .
وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ
مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَاعَةٍ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَمْ
يَرِدْ أَنَّ
السَّاعَةَ ضَابِطٌ إنَّمَا أَرَادَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ نَفْيَ مَا
يُتَوَهَّمُ
مِنْ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ { مِنْ قَرِيبٍ } وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى
عَنْ
فِرْعَوْنَ لَعَنَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ { قَالَ
آمَنْتُ
أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ وَأَنَا
مِنْ
الْمُسْلِمِينَ } .
قَالَ تَعَالَى : { آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ
وَكُنْتَ
مِنْ الْمُفْسِدِينَ } وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ أَنَّ
فِرْعَوْنَ
جَنَحَ إلَى التَّوْبَةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ
وَمُعَايَنَةِ الْمَلَائِكَةِ وَأَضَاعَهَا فِي وَقْتِهَا .
وَقَدْ
قَالَ
تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا
يُؤْمِنُونَ
وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ }
يَعْنِي
حِينَ لَا يَنْفَعُهُمْ .
{ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ } .
رُوِيَ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَيْ لَمْ تَكُنْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ .
وَذَكَرَ
أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ لَوْلَا بِمَعْنَى هَلَّا وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ
مُنْقَطِعٌ .
وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ الْمَعْنَى وَقَوْمُ
يُونُسَ
وَأَنْكَرَهُ الْفَرَّاءُ ، وَقِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ يَتَعَلَّقُ
بِقَوْلِهِ : {
حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ
الْأَلِيمَ } .
فَيَكُونُ مُتَّصِلًا ، وَذَكَرَ أَبُو
الْبَقَاءِ أَنَّهُ
مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْقَرْيَةِ وَالْقَوْمُ لَيْسَ
مِنْ جِنْسِ
الْقَرْيَةِ ، وَقِيلَ مُتَّصِلٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَهْلُ الْقَرْيَةِ ،
وَقِيلَ
هَذَا مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَصَّ بِهِ قَوْمَ يُونُسَ ، وَقِيلَ
لِأَنَّ
الْعَذَابَ لَمْ يُبَاشِرْهُمْ بَلْ دَنَا مِنْهُمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ ،
وَقِيلَ
لِصِدْقِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْ الْأُمَمِ
الْمُكَذِّبَةِ : { فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا
بَأْسَنَا
} أَيْ عَايَنُوا الْعَذَابَ .
{ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ
فِي
عِبَادِهِ } .
فَصْلٌ قَبُولُ التَّوْبَةِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ
مَغْرِبِهَا )
.
رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى {
إنَّ
اللَّهَ تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ
النَّهَارِ
.
وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى
تَطْلُعَ
الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا } .
وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ
مَرْفُوعًا {
بَابٌ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ مَسِيرَةُ عَرْضِهِ أَرْبَعُونَ أَوْ
سَبْعُونَ
سَنَةً خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضَ
مَفْتُوحًا لِلتَّوْبَةِ لَا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ }
رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ
.
وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {
مَنْ
تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ
عَلَيْهِ }
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
تَطْلُعَ
الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا
أَجْمَعُونَ ، فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ
آمَنَتْ
مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ
رَبِّكَ
لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ } قَالَ :
طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ
حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَرْفَعْهُ قَالَ فِي
شَرْحِ
مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا حَدٌّ لِقَبُولِ التَّوْبَةِ .
وَقَدْ
رَوَى
مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { ثَلَاثَةٌ
إذَا
خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ
:
طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَالدَّجَّالُ ، وَدَابَّةُ
الْأَرْضِ }
فَهَذَا الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ آخِرَ الثَّلَاثَةِ
خُرُوجًا
فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سَبَقَ .
وَقَالَ ابْن
هُبَيْرَةَ فِيهِ
أَنَّ حُكْمَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي أَنَّ نَفْسًا لَا يَنْفَعُهَا
إيمَانُهَا
الْحُكْمُ فِي طُلُوعِ
الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا كَذَا قَالَ .
وَأَمَّا مَا رَوَى
أَبُو
هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{
تَخْرُجُ الدَّابَّةُ وَمَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ وَعَصَا مُوسَى
فَتَجْلُو
وَجْهَ الْمُؤْمِنِ وَتَخْطِمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتَمِ حَتَّى إنَّ
أَهْلَ
الْخِوَانِ لَيَجْتَمِعُونَ فَيَقُولُ هَذَا يَا مُؤْمِنُ وَهَذَا يَا
كَافِرُ
وَيَقُولُ هَذَا يَا كَافِرُ وَيَقُولُ هَذَا يَا مُؤْمِنُ } رَوَاهُ
أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَعِنْدَهُ { تَجْلُو وَجْهَ
الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا } فَهَذَا إنْ صَحَّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَلَا
تَعَارُضَ
لِأَنَّهُ إنْ كَانَ خُرُوجُهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَيْسَ فِي
الْخَبَرِ
تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَنْفَعُ بِخُرُوجِهَا وَقَدْ لَا
يَتَّفِقُ
إيمَانُ أَحَدٍ بَعْدَ خُرُوجِ الدَّابَّةِ وَإِنْ كَانَ نَافِعًا
وَالزَّمَانُ
بَيْنَهَا وَبَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَرِيبٌ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ
طُلُوعِ
الشَّمْسِ فَالْمُرَادُ أَنَّ النَّاسَ لَمَّا آمَنُوا عِنْدَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ
مِنْ مَغْرِبِهَا فَقَدْ يَشْتَبِهُ مَنْ تَقَدَّمَ إسْلَامُهُ بِمَنْ
تَأَخَّرَ
فَخَرَجَتْ الدَّابَّةُ فَمَيَّزَتْ وَبَيَّنَتْ هَذَا مِنْ هَذَا بِأَمْرٍ
جَلِيٍّ
وَاضِحٍ .
وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَيْضًا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ
الْإِيمَانَ
يَنْفَعُ إلَى خُرُوجِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَقَوْلُهُ "
وَتَخْطِمُ
أَنْفَ الْكَافِرِ " أَيْ تَسِمُهُ بِسِمَةٍ يُعْرَفُ بِهَا ، وَالْخِطَامُ
سِمَةٌ
فِي عُرْضِ الْوَجْهِ إلَى الْخَدِّ ، وَالْخُوَانُ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي
يُؤْكَلُ عَلَيْهِ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّعْدِيِّ
مَرْفُوعًا { لَا
تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْعَدُوُّ } رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ
الْحَكَمِ
بْنِ نَافِعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ضَمْضَمَ بْنِ زُرْعَةَ
عَنْ
شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ عَنْ أَبِي
السَّعْدِيِّ ،
وَفِي آخِرِهِ مَقَالُ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
وَعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ
النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ الْهِجْرَةَ خَصْلَتَانِ
إحْدَاهُمَا تَهْجُرُ
السَّيِّئَاتِ وَالْأُخْرَى تُهَاجِرُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
وَإِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَنْقَطِعُ
الْهِجْرَةُ
مَا تُقُبِّلَتْ التَّوْبَةُ ، وَلَا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً
حَتَّى
تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَإِذَا طَلَعَتْ طَبَعَ اللَّهُ
عَزَّ
وَجَلَّ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ }
إسْمَاعِيلُ
بْنُ عَيَّاشٍ حِمْصِيٌّ حَدِيثُهُ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ جَيِّدٌ عِنْدَ
أَكْثَرِ
الْمُحَدِّثِينَ ، وَضَمْضَمُ حِمْصِيٌّ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا
الْخَبَرِ
تَرْكَ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ مِنْ الْفَرَائِضِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
مِنْ
الْمَغْرِبِ ، فَيَجِبُ الْإِتْيَانُ بِمَا كَانَ يَعْمَلُهُ مِنْ
الْفَرَائِضِ
قَبْلَ ذَلِكَ وَيَنْفَعُهُ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ الْإِيمَان الَّذِي
كَانَ
يَأْتِي بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ " وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ "
أَيْ
عَمَلًا لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ .
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ
أَنَّ
الْمَذْهَبَ : لَا يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ
وَالْمَشْهُورُ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
يَوْمَ
يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } .
طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ الْمَغْرِبِ
وَهُوَ
الصَّوَابُ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرَ
أَقْوَالًا
ضَعِيفَةً قَالَ الْمُفَسِّرُونَ مِنْهُمْ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَإِنَّمَا
لَمْ
يَنْفَعْ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ حِينَئِذٍ لِظُهُورِ الْآيَةِ
الَّتِي
تَضْطَرُّهُمْ إلَى الْإِيمَانِ ، ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ
الضَّحَّاكِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ بَعْضُ الْآيَاتِ وَهُوَ عَلَى عَمَلٍ
صَالِحٍ
مَعَ إيمَانِهِ قُبِلَ مِنْهُ كَمَا يُقْبَلُ مِنْهُ قَبْلَ الْآيَةِ .
انْتَهَى
كَلَامُهُ فَظَاهِرُهُ مُخَالَفَةُ كَلَامِ الضَّحَّاكِ لِمَا سَبَقَ
وَلَيْسَ
بِمُرَادٍ فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي سَبَبُهُ ظُهُورُ الْآيَةِ لَا
يَنْفَعُ
لِأَنَّ الْآيَةَ اضْطَرَّتْهُ إلَيْهِ ، وَأَمَّا مَا كَانَ يَعْمَلُهُ
فَظُهُورُ
الْآيَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِيهِ فَيَبْقَى الْحُكْمُ كَمَا كَانَ
قَبْلَ
الْآيَةِ .
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : النَّفْسُ الْمُؤْمِنَةُ إنْ لَمْ
تَكْسِبْ
فِي
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
إيمَانِهَا خَيْرًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا لَمْ
يَنْفَعْهَا مَا تَكْسِبُهُ .
وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا
عَلَى
ظَاهِرِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا كَمَا تَأَوَّلَهُ مَنْ تَأَوَّلَهُ
مِنْ
الْبَاطِنِيَّةِ ، وَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ لَا
يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ الْحُكَمَاءِ وَالْمُنَجِّمِينَ .
وَفِيهِ بَيَانُ
عَجْزِ
نُمْرُودَ فِي مُنَاظَرَتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ فِي أَنَّ ( قَبُولَ التَّوْبَةِ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ )
وَقَبُولُ
التَّوْبَةِ بِفَضْلٍ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ
وَيَجُوزُ
رَدُّهَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ : وَأَنَّهُ
يَحْسُنُ
مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأَنَّ الْعَقْلَ لَا يَحْكُمُ عَلَى أَفْعَالِهِ
وَلَا
يُقَبِّحُهَا .
قَالَ وَالدَّلَالَةُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ قَبُولِهَا
فِي
الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ
يَقْبَلُ
التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ، فَمَتَى قَالَ قَائِلٌ إنَّهُ يَجِبُ ذَلِكَ
بِالْوَعْدِ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْعَفْوَ لِأَنَّهُ قَالَ : { وَيَعْفُو
عَنْ
السَّيِّئَاتِ } .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَفْوَ تَفَضُّلٌ كَذَلِكَ
التَّوْبَةُ
قَبُولُهَا تَفَضُّلٌ .
وَلِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ
يَجِبُ
شُكْرُهُ وَيَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ بِكُفْرِهِ ، فَلَوْ كَانَ قَبُولُ
التَّوْبَةِ
وَاجِبًا عَلَيْهِ لَمَا وَجَبَ شُكْرُهُ عَلَى فِعْلِ مَا وَجَبَ كَمَا
لَا يَجِبُ
شُكْرُ قَاضِي الدَّيْنِ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَمَسْأَلَةُ
التَّحْسِينِ
وَالتَّقْبِيحِ وَأَنَّ الْعَقْلَ يُحَسِّنُ وَيُقَبِّحُ قَالَ بِذَلِكَ
مِنْ
أَصْحَابِنَا أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَقَالَ
هُوَ
قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ
وَعَامَّةِ الْفَلَاسِفَةِ وَقَالَ بِهِ أَيْضًا غَيْرُهُمَا مِنْ
الْأَصْحَابِ ،
وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ
الْأَشْعَرِيَّةِ
.
وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي الْأُصُولِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ
:
الْعَقْلُ يُحَسِّنُ وَيُقَبِّحُ فَأَوْجَبُوهُ عَقْلًا ، وَذَكَرَ فِي
شَرْحِ
مُسْلِمٍ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ قَالُوا : لَا يَجِبُ عَقْلًا لَكِنْ
كَرَمًا
مِنْهُ وَفَضْلًا ، وَعَرَفْنَا قَبُولَهَا بِالشَّرْعِ وَالْإِجْمَاعِ
وَهَذَا
مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَنْ
قَالَ
مِنْهُمْ : يَجِبُ بِوَعْدِهِ إخْرَاجُ غَيْرِ الْكُفَّارِ مِنْهَا .
وَقَدْ
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا
نَصْرُ
الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ وَاجِبًا أَوْجَبَهُ هُوَ عَلَى نَفْسِهِ .
وَأَمَّا
مَا
احْتَجَّ بِهِ ابْنُ
عَقِيلٍ فَلَا يَخْفَى وَجْهُ ضَعْفِهِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو
يَعْلَى
الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ شُكْرِهِ وَحَمْدِهِ وَمَدْحِهِ فِي جَمِيعِ
مَا
يَفْعَلُ مِنْ الْمَلَاذِّ وَالْمَنَافِعِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ
الدِّينِ
: كَوْنُ الْمُطِيعِ يَسْتَحِقُّ الْجَزَاءَ هُوَ اسْتِحْقَاقُ إنْعَامٍ
وَفَضْلٍ ،
لَيْسَ هُوَ اسْتِحْقَاقُ مُقَابَلَةٍ كَمَا يَسْتَحِقُّ الْمَخْلُوقُ
عَلَى
الْمَخْلُوقِ ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَا مَعْنَى لِلِاسْتِحْقَاقِ
إلَّا
أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ .
وَوَعْدُهُ صِدْقٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ
يُثْبِتُونَ اسْتِحْقَاقًا زَائِدًا عَلَى هَذَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ
الْكِتَابُ
وَالسُّنَّةُ .
قَالَ تَعَالَى { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ
الْمُؤْمِنِينَ } ، { وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
لِمُعَاذٍ أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
إذَا
فَعَلُوا ذَلِكَ ؟ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ } لَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ
يَقُولُونَ
هُوَ الَّذِي كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ وَأَوْجَبَ هَذَا الْحَقَّ
عَلَى
نَفْسِهِ لَمْ يُوجِبْهُ مَخْلُوقٌ .
وَالْمُعْتَزِلَةُ يَدَّعُونَ
أَنَّهُ
وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْخَلْقِ وَأَنَّ الْعِبَادَ هُمْ
الَّذِينَ
أَطَاعُوا بِدُونِ أَنْ يَجْعَلَهُمْ مُطِيعِينَ ، وَأَنَّهُمْ
يَسْتَحِقُّونَ
الْجَزَاءَ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُوجِبَ ، وَغَلِطُوا فِي ذَلِكَ ،
وَهَذَا الْبَابُ غَلَّطَتْ فِيهِ الْقَدَرِيَّةُ الْجَبْرِيَّةَ أَتْبَاعَ
جَهْمٍ
وَالْقَدَرِيَّةُ النَّافِيَةُ .
وَحَدِيثُ مُعَاذٍ الْمَذْكُورُ فِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ : { كُنْتُ رِدْفَ
النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إلَّا
مُؤَخِّرَةُ
الرَّحْلِ فَقَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَسَعْدَيْكَ
قَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ؟ قُلْتُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ
شَيْئًا ثُمَّ
سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا
رَسُولَ
اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ إذَا
فَعَلُوا
ذَلِكَ ؟ قُلْتُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ .
} .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ { كُنْتُ
رِدْفَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ
عُفَيْرٌ
فَقَالَ يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا
حَقُّ
الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ
.
قَالَ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا
يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَإِنَّ حَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ
أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ
أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ ؟ قَالَ لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا }
وَإِنَّمَا أَخْبَرَ مُعَاذٌ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ خَوْفًا مِنْ
إثْمِ
كِتْمَانِ الْعِلْمِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ { أَنَّهُ كَانَ رَدِيفَ
النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّحْلِ فَنَادَاهُ ثَلَاثًا
كُلَّ
مَرَّةٍ يُجِيبُهُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ مَا
مِنْ
عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ إلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ .
قَالَ يَا
رَسُولَ
اللَّهِ أَفَلَا أُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُونَ ؟ قَالَ إذًا
يَتَّكِلُوا وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا } .
قَالَ
ابْنُ هُبَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ يَكْتُمُهَا إلَّا عَنْ جَاهِلٍ يَحْمِلُهُ
جَهْلُهُ
عَلَى سُوءِ الْأَدَبِ بِتَرْكِ الْخِدْمَةِ فِي الطَّاعَةِ ، فَأَمَّا
الْأَكْيَاسُ الَّذِينَ سَمِعُوا بِمِثْلِ هَذَا ازْدَادُوا فِي الطَّاعَةِ
وَرَأَوْا أَنَّ زِيَادَةَ النِّعَمِ تَسْتَدْعِي زِيَادَةَ الطَّاعَةِ
فَلَا
وَجْهَ لِكِتْمَانِهَا عَنْهُمْ .
وَفِيهِ زُهْدُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَاضُعُهُ وَالْإِرْدَافُ ، وَقُرْبُ
الرَّدِيفِ ،
وَأَرَادَ بِنِدَائِهِ ثَلَاثًا اسْتِنْصَاتَهُ وَحُضُورَ قَلْبِهِ ،
وَفِيهِ
جَوَازُ إخْفَاءِ بَعْضِ الْعِلْمِ لِلْمَصْلَحَةِ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ
اتِّكَالًا
عَلَى الرُّخْصَةِ .
قَالَ : وَقَوْلُهُ " مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى
اللَّهِ ؟
" أَيْ مَا جَزَاؤُهُمْ ؟ فَعَبَّرَ عَنْ
الْجَزَاءِ بِالْحَقِّ .
وَذَكَرَ قَوْلَ بِنْتِ شُعَيْبٍ : {
لِيَجْزِيَكَ
أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } كَذَا قَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَتَوْبَةُ
الْكَافِرِ مِنْ كُفْرِهِ ، قَبُولُهَا مَقْطُوعٌ بِهِ جَزَمَ بِهِ فِي
شَرْحِ
مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَسَبَقَ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ
وَيَجُوزُ
رَدُّهَا وَتَوْبَةُ غَيْرِهِ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَلَمْ أَجِدْ
الْمَسْأَلَةَ
فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا .
وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ فِيهَا
خِلَافًا
لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْقَطْعِ وَالظَّنِّ ، وَاخْتِيَارُ أَبِي
الْمَعَالِي
الظَّنُّ وَأَنَّهُ أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ ( فِي تَبْدِيلِ السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ بِالتَّوْبَةِ )
تَبْدِيلُ
السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ بِالتَّوْبَةِ هَلْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا فَقَطْ
بِالطَّاعَاتِ أَمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ؟ لِلْمُفَسِّرِينَ
قَوْلَانِ ،
وَالثَّانِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِظَاهِرِ آيَةِ
الْفُرْقَانِ
وَلِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي الرَّجُلِ الَّذِي تُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ
ذُنُوبِهِ وَتُبَدَّلُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَهَذَا
الرَّجُلُ الْمُرَادُ بِخُرُوجِهِ مِنْ النَّارِ الْوُرُودُ الْعَامُّ .
قَالَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : التَّائِبُ عَمَلُهُ أَعْظَمُ مِنْ عَمَلِ
غَيْرِهِ
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلُ تِلْكَ السَّيِّئَاتِ فَإِنْ كَانَ قَدْ
عَمِلَ
مَكَانَ سَيِّئَاتِ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ فَهَذَا دَرَجَتُهُ بِحَسَبِ
حَسَنَاتِهِ
فَقَدْ يَكُونُ أَرْفَعَ مِنْ التَّائِبِ إنْ كَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَرْفَعَ
،
وَإِنْ كَانَ قَدْ عَمِلَ سَيِّئَاتٍ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا فَهَذَا
نَاقِصٌ ،
وَإِنْ كَانَ مَشْغُولًا بِمَا لَا ثَوَابَ فِيهِ وَلَا عِقَابَ فَهَذَا
التَّائِبُ
الَّذِي اجْتَهَدَ فِي التَّوْبَةِ ، وَالتَّبْدِيلُ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ
وَالْمُجَاهَدَةِ مَا لَيْسَ لِذَلِكَ الْبَطَّالِ .
وَبِهَذَا
يَتَبَيَّنُ
أَنَّ تَقْدِيمَ السَّيِّئَاتِ وَلَوْ كَانَتْ كُفْرًا إذَا تَعْقُبُهَا
التَّوْبَةُ الَّتِي يُبَدِّلُ اللَّهُ فِيهَا السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ
لَمْ تَكُنْ
تِلْكَ السَّيِّئَاتُ نَقْصًا بَلْ كَمَالًا ، وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا .
فَصْلٌ ( تَخْلِيدُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ بِوَعِيدِ اللَّهِ
تَعَالَى )
يَجِبُ بِوَعِيدِهِ تَخْلِيدُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ قَالَ ابْنُ
عَقِيلٍ
وَغَيْرُهُ وَيَجِبُ بِوَعْدِهِ إخْرَاجُ غَيْرِهِمْ مِنْهَا ، وَقِيلَ
قَدْ لَا
يَدْخُلُ النَّارَ بَعْضُ الْعُصَاةِ تَكَرُّمًا مِنْ اللَّهِ
بِالشَّفَاعَةِ ،
وَقِيلَ مَنْ مَاتَ فَاسِقًا مُصِرًّا غَيْرَ تَائِبٍ لَمْ نَقْطَعْ لَهُ
بِالنَّارِ وَلَكِنْ نَرْجُو لَهُ وَنَخَافُ عَلَيْهِ ذَنْبَهُ نَصَّ
عَلَيْهِ {
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ قَالَ
فِي
تَارِكِ الصَّلَاةِ فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ }
.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي قَوْله تَعَالَى : {
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ
وَجْهَيْنِ
: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَيِّتٍ عَلَى ذَنْبٍ دُونَ
الشِّرْكِ
لَا نَقْطَعُ لَهُ بِالْعَذَابِ وَإِنْ كَانَ مُصِرًّا .
(
وَالثَّانِيَةُ )
أَنَّ تَعْلِيقَهُ بِالْمَشِيئَةِ فِيهِ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ
أَنْ
يَكُونُوا عَلَى خَوْفٍ وَطَمَعٍ .
فَصْلٌ ( فِي حُبُوطِ الْمَعَاصِي بِالتَّوْبَةِ وَالْكُفْرِ
بِالْإِسْلَامِ )
وَتُحْبَطُ الْمَعَاصِي بِالتَّوْبَةِ ، وَالْكُفْرُ بِالْإِسْلَامِ ،
وَالطَّاعَةُ
بِالرِّدَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَوْتِ ، لَا تُحْبَطُ طَاعَةٌ
بِمَعْصِيَةٍ
غَيْرِ الرِّدَّةِ الْمَذْكُورَةِ .
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ
وَغَيْرُهُ
أَنَّ الْمَنَّ وَالْأَذَى يُبْطِلُ الصَّدَقَةَ .
وَقَالَ ابْنُ
عَقِيلٍ لَا
تُحْبَطُ طَاعَةٌ بِمَعْصِيَةٍ إلَّا مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَةِ
فَيُوقَفُ الْإِحْبَاطُ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ ، وَلَا
نَقِيسُ
عَلَيْهِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : الْكَبِيرَةُ
الْوَاحِدَةُ لَا
تُحْبِطُ جَمِيعَ الْحَسَنَاتِ وَلَكِنْ قَدْ تُحْبِطُ مَا يُقَابِلُهَا
عِنْدَ
أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا فِي مَكَان آخَرَ .
قَالَ
كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ ، وَاحْتَجَّ بِإِبْطَالِ الصَّدَقَةِ
بِالْمَنِّ وَالْأَذَى قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ : وَقَالَتْ
عَائِشَةُ
لِأُمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ
أَنَّهُ قَدْ
أُبْطِلَ جِهَادُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إلَّا
أَنْ يَتُوبَ .
ثُمَّ ذَكَرَ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَرْفَعُوا
أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } .
الْآيَةَ .
وَلَمْ
يَتَكَلَّمْ
عَلَيْهَا ثُمَّ ذَكَرَ : { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } الْآيَةَ
وَذَكَرَ
أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ فِيهَا مِنْهُمْ الْحَسَنُ قَالَ :
بِالْمَعَاصِي
وَالْكَبَائِرِ قَالَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى حُبُوطِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ
بِهَا
.
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : { لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ }
الْآيَةَ
وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى مَا يُحْبَطُ بَلْ قَالَ : وَقَدْ قِيلَ إنَّ
الْإِحْبَاطَ بِمَعْنَى نَقْصِ الْمَنْزِلَةِ لَا حُبُوطِ الْعَمَلِ مِنْ
أَصْلِهِ
كَمَا يُحْبَطُ بِالْكُفْرِ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ حُبُوطُ حَسَنَاتِكُمْ
وَلَيْسَ
مُرَادُهُ ظَاهِرَهُ .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَيْسَ قَوْلُهُ : { أَنْ
تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } بِمُوجِبٍ أَنْ
يَكْفُرَ
الْإِنْسَانُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَكَمَا لَا يَكُونُ الْكَافِرُ
مُؤْمِنًا إلَّا
بِاخْتِيَارِهِ
الْإِيمَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَافِرًا مِنْ حَيْثُ
لَا
يَقْصِدُ إلَى الْكُفْرِ وَلَا يَخْتَارُهُ بِإِجْمَاعٍ ، وَقِيلَ لَا
تُحْبَطُ
مَعْصِيَةٌ بِطَاعَةٍ لَا مَعَ التَّسَاوِي وَلَا مَعَ التَّفَاضُلِ .
قَالَ
:
وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : { وَلَا يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ }
.
وَفِي سُورَةِ النِّسَاءِ : { وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } .
وَلِأَنَّهُ
فِي الْبَقَرَةِ أَخْبَرَ بِحُبُوطِ عَمَلِهِ بَعْدَ الْإِيمَانِ
وَالْإِيمَانُ
الْمَشْرُوطُ فِي قَبُولِ الْعَمَلِ هُوَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ
وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ لَا بِأَحَدِهِمَا فَلَوْ قِيلَ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ
لَكَانَ
يُتَوَهَّمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَافٍ فِي قَبُولِ الْعَمَلِ كَمَا لَوْ
قِيلَ هَذَا
يُصَلِّي بِلَا وُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ وَيْحَكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِلَا
كِتَابٍ
وَلَا سُنَّةٍ : { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ
عِلْمٍ
وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ } وَأَمَّا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ
فَإِنَّهُ
ذَمَّهُمْ عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ وَهُمْ مَذْمُومُونَ عَلَى تَرْكِ
كُلٍّ
مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ وَيَرُدُّهُ قَوْله تَعَالَى : { إنَّ
الْحَسَنَاتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
{ أَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَحَسَّنَهُ .
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ {
فِتْنَةُ
الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ
يُكَفِّرُهَا
الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيُ
عَنْ الْمُنْكَرِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ لِأَنَّ هَذِهِ حَسَنَاتٌ
أَخْبَرَ
اللَّهُ أَنَّهُنَّ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ .
قَالَ : وَإِنَّمَا
يَعْنِي
الصِّيَامَ الْمَفْرُوضَ وَالصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ فَلَا يَحْتَاجُ
الْإِنْسَانُ
أَنْ يُعَيِّنَ لِذَلِكَ مُكَفِّرًا غَيْرَ ذَلِكَ وَلَوْ أَرَادَ غَيْرَ
الْمَفْرُوضِ الْمَعْهُودِ لَقَالَ صِيَامٌ وَصَلَاةٌ .
قَالَ الشَّيْخُ
تَقِيُّ
الدِّينِ كَفَّارَةُ الشِّرْكِ التَّوْحِيدُ وَالْحَسَنَاتُ يُذْهِبْنَ
السَّيِّئَاتِ .
قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ ، وَقِيلَ تُحْبَطُ
الصَّغَائِرُ بِثَوَابِ
الْمَرْءِ إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ .
كَذَا قَالَ وَلَمْ
يَذْكُرْ مَا
يُخَالِفُهُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الِانْتِصَارِ ،
وَقِيلَ
لَهُ فِي الْفُنُونِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، { إنَّهُمَا
لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ : أَمَّا أَحَدُهُمَا
فَكَانَ لَا
يَتَنَزَّهُ مِنْ الْبَوْلِ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي
بِالنَّمِيمَةِ }
كَيْفَ يُعَذَّبَانِ بِمَا لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ ؟ وَالصَّغَائِرُ بِتَرْكِ
الْكَبَائِرِ تَنْحَبِطُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنْ
تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } فَقَالَ فِي الْخَبَرِ "
كَانَ "
وَكَانَ لِدَوَامِ الْفِعْلِ فَلِهَذَا بِالدَّوَامِ حُكْمُ الْكَبِيرَةِ
عَلَى
أَنَّ فِي الْخَبَرِ تَعْذِيبَهُمَا بِالصَّغَائِرِ وَفِي الْآيَةِ
إخْبَارٌ
بِتَكْفِيرِهَا وَتَكْفِيرُهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْآلَامِ
وَالْبَلَايَا
وَلَعَلَّ الْمُعَذَّبَيْنِ لَمْ تُكَفَّرْ صَغَائِرُهُمَا بِمَصَائِبَ
وَلَا
آلَامٍ .
كَذَا قَالَ .
وَتَقَدَّمَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ فِيهِ ،
وَفِي
الْغُنْيَةِ إذَا تَابَ الْمُؤْمِنُ عَنْ الْكَبَائِرِ انْدَرَجَتْ
الصَّغَائِرُ
فِي ضِمْنِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا
تُنْهَوْنَ
عَنْهُ } لَكِنْ لَا يُطْمِعُ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ بَلْ يَجْتَهِدُ فِي
التَّوْبَةِ
عَنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا ، فَعَلَى كَلَامِ
هَؤُلَاءِ مِنْ
أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ الصَّغَائِرَ تُكَفَّرُ
بِاجْتِنَابِ
الْكَبَائِرِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ
مِنْهُمْ
الْجَوْزِيُّ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى : { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ
مَا
تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } وَاخْتَلَفَ
الصَّحَابَةُ
وَالتَّابِعُونَ فِي الْكَبَائِرِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا بِضْعَةَ عَشَرَ
قَوْلًا
لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ الشِّرْكُ فَقَطْ .
وَحَكَاهُ بَعْضُ
الْمُفَسِّرِينَ قَوْلًا وَلَمْ يَذْكُرْ قَائِلَهُ فَالْقَوْلُ بِهِ
خِلَافُ
إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي الْآيَةِ مَعَ أَنَّهُ خِلَافٌ
ظَاهِرٌ
عَلَى مَا لَا يَخْفَى فَظَاهِرُهَا أَنَّ اجْتِنَابَهَا مُكَفِّرٌ
نَصَبَهُ
الشَّارِعُ سَبَبًا
لِذَلِكَ فَلَيْسَ الْمُكَفِّرُ حَسَنَاتٍ وَلَا مَصَائِبَ بَلْ
ذَلِكَ
مُكَفِّرٌ أَيْضًا .
فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ مُرَادُ الْآيَةِ
وَمُقْتَضَاهَا
أَوْ تَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَدْ خَالَفَ ظَاهِرَ الْآيَةِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ
كَمَا
خَالَفَ ظَاهِرَ الْإِجْمَاعِ السَّابِقِ ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا
قَالَهُ
أَوْ كَمَا قَالَهُ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ الشِّرْكُ لَبَيَّنَهُ
الصَّحَابَةُ
وَالتَّابِعُونَ وَلَمَا أَغْفَلَهُ مِثْلُهُمْ وَإِنَّمَا أَجْرَوْا
الْآيَةَ
عَلَى ظَاهِرِهَا ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَتَّجِهُ تَضْعِيفُ
الْقَوْلِ
الْأَوَّلِ وَتَصْحِيحُ الثَّانِي ، وَأَنَّ طَرِيقَ التَّضْعِيفِ وَاحِدٌ
.
وَمِمَّا يُوَافِقُ ظَاهِرَ الْآيَةِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { الْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ وَالصَّلَوَاتُ
الْخَمْسُ ،
وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إذَا
اُجْتُنِبَتْ
الْكَبَائِرُ } .
وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
عَفَّانَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَا مِنْ امْرِئٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ
فَيُحْسِنُ
وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا
قَبْلَهَا
مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يَأْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ }
وَعَنْ
أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ جَاءَ يَعْبُدُ اللَّهَ
عَزَّ
وَجَلَّ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ ، وَيُؤْتِي
الزَّكَاةَ
، وَيَصُومُ رَمَضَانَ ، وَيَتَّقِي الْكَبَائِرَ ، فَإِنَّ لَهُ
الْجَنَّةَ }
إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَفِيهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ وَحَدِيثُهُ جَيِّدٌ
رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ يَصُومُ رَمَضَانَ .
وَقَدْ
ظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الصَّغَائِرَ لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ
لِوُقُوعِهَا مُكَفَّرَةً شَيْئًا فَشَيْئًا .
وَقَدْ اعْتَرَفَ ابْنُ
عَقِيلٍ
بِصِحَّةِ هَذَا وَأَنَّهُ لَوْلَا الْإِجْمَاعُ لَقُلْنَا بِهِ .
كَذَا
قَالَ
.
وَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ
الْمُخَالِفُ لِهَذَا ؟ بَلْ مُقْتَضَى مَا سَبَقَ عَنْ
أَصْحَابِنَا
وَمُقْتَضَى الْإِجْمَاعِ السَّابِقِ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
وَهُوَ
مُتَوَجِّهٌ كَمَا تَرَى .
وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ فِي
النَّهْيِ عَنْ أَحَدِ شَيْئَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ
بَعْضِ
أَصْحَابِنَا إنَّهُ يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ إدْمَانُ الصَّغِيرَةِ
لَكِنَّ
ظَاهِرَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَلَوْ أَدْمَنَ وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ
فِي
تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى : { إنْ تَجْتَنِبُوا } حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى
حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ ثنا شِبْلٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ كَمْ الْكَبَائِرُ ؟ سَبْعٌ
؟ قَالَ
: هِيَ إلَى سَبْعِمِائَةٍ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى سَبْعٍ غَيْرَ أَنَّهُ
لَا
كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ .
وَكَذَا
رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ شِبْلٍ وَهُوَ إسْنَادٌ صَحِيحٌ .
فَإِنْ
قُلْنَا
قَوْلُ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ صَارَتْ الصَّغِيرَةُ بِإِدْمَانِهَا
كَالْكَبِيرَةِ ،
وَإِنْ لَمْ نَقُلْ كَذَلِكَ فَالْعَمَلُ : لَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ ،
وَلَا
كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ ، صَارَتْ الصَّغِيرَةُ بِإِدْمَانِهَا
كَالْكَبِيرَةِ
، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَالْعَمَلُ بِظَاهِرِ الْقَوْلِ السَّابِقِ ،
وَظَاهِرِ
الْأَدِلَّةِ أَوْلَى .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ
: وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : { ارْحَمُوا تُرْحَمُوا ، وَاغْفِرُوا
يُغْفَرْ
لَكُمْ ، وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ ، وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ
يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ
حَدَّثَنَا
يَزِيدُ حَدَّثَنَا حِبَّانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَهُ .
قَوْلُ
الْبُخَارِيِّ فِي تَارِيخِهِ حِبَّانُ بْنُ زَيْدٍ الشَّرْعَبِيُّ أَبُو
خِدَاشٍ
الشَّامِيُّ ، وَرَوَى عَنْهُ حَرِيزٌ يَرْوِي عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرِو
قَالَهُ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ وَحَدَّثَنِي عِصَامُ حَدَّثَنَا حَرِيزٌ
عَنْ
حِبَّانَ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ
هَارُونَ عَنْ حِبَّانَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَمْ أَجِدْ فِي
حِبَّانَ
كَلَامًا وَلَا رَوَى عَنْهُ إلَّا حَرِيزٌ لَكِنَّ ظَاهِرَ مَا ذَكَرَهُ
الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ مَشْهُورٌ .
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ أَصْلُ
الشَّرْعَبَةِ
الطُّولُ ، يُقَالُ رَجُلٌ شَرْعَابٌ وَامْرَأَةٌ شَرْعَابَةٌ وَهَذَا
مَنْسُوبٌ
إلَى شَرْعَبَ بْنِ قَيْسٍ مِنْ حِمْيَرَ ، وَالْأَقْمَاعُ جَمْعُ قِمْعٍ
بِكَسْرِ
الْقَافِ وَبِسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا كَنِطْعٍ وَنِطَعٍ ، وَقِيلَ
بِفَتْحِ
الْقَافِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَهُوَ الْإِنَاءُ الَّذِي يَنْزِلُ فِي
رُءُوسِ
الظُّرُوفِ لِتُمْلَأَ بِالْمَائِعَاتِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَالْأَدْهَانِ
.
شَبَّهَ أَسْمَاعَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْقَوْلَ وَلَا يَعُونَهُ
وَيَحْفَظُونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِهِ بِالْأَقْمَاعِ الَّتِي لَا تَعِي
شَيْئًا
مِمَّا يُفَرَّغُ فِيهَا فَكَأَنَّهُ يَمُرُّ عَلَيْهَا مُجْتَازًا كَمَا
يَمُرُّ
الشَّرَابُ فِي الْأَقْمَاعِ .
.
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي
النِّهَايَةِ :
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ { أَوَّلُ مَنْ يُسَاقُ إلَى النَّارِ الْأَقْمَاعُ
الَّذِينَ
إذَا أَكَلُوا لَمْ يَشْبَعُوا ، وَإِذَا جَمَعُوا لَمْ يَسْتَغْنُوا }
أَيْ كَانَ
مَا يَأْكُلُونَهُ وَيَجْمَعُونَهُ يَمُرُّ بِهِمْ مُجْتَازًا غَيْرَ
ثَابِتٍ
فِيهِمْ وَلَا بَاقٍ عِنْدَهُمْ ، وَقِيلَ أَرَادَ بِهِمْ أَهْلَ
الْبَطَالَاتِ
الَّذِينَ لَا هَمَّ لَهُمْ إلَّا فِي تَرْجِئَةِ الْأَيَّامِ بِالْبَاطِلِ
، فَلَا
هُمْ فِي عَمَلِ الدُّنْيَا وَلَا عَمَلِ الْآخِرَةِ .
وَيَأْتِي هَذَا
الْمَعْنَى فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي نَظْمِ صَاحِبِ النَّظْمِ .
وَجَعْلُ
الصَّغِيرَةِ فِي الْكَبِيرَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ
الْأَصْلَ
عَدَمُ ذَلِكَ وَقَدْ عُمِلَ بِهِ فِي الْكَبَائِرِ وَلَيْسَ بِخَاصٍّ فِي
الصَّغَائِرِ لِيُخَصَّ بِهِ ظَاهِرُ مَا سَبَقَ .
وَالْأَشْهَرُ فِي
كُتُبِ
الْفِقْهِ أَنَّ الصَّغَائِرَ تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ فَلَا تُكَفَّرُ
بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ ، فَعَلَى هَذَا إذَا مَاتَ غَيْرَ تَائِبٍ
مِنْهُمَا
فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ
عِنْدَ
أَهْلِ السُّنَّةِ كَالْكَبَائِرِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَعَلَى
الْأَوَّلِ
إذَا كُفِّرَتْ بِاجْتِنَابِ
الْكَبَائِرِ ظَاهِرُهُ لَا تَنْقُصُ دَرَجَتُهُ عَنْ دَرَجَةِ مَنْ
لَمْ يَأْتِ
صَغِيرَةً كَالتَّوْبَةِ مِنْهَا .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ
وَغَيْرِهِمْ
أَنَّهُ يَجِبُ الْإِحْبَاطُ وَإِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ أَنْ لَا
يُعَاقَبَ
عَلَى صَغِيرَةٍ بَلْ تَنْقُصُ دَرَجَتُهُ عَنْ دَرَجَةِ مَنْ لَا ذَنْبَ
لَهُ مَعَ
مُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي الْحَسَنَاتِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ
يُعَاقَبَ عَلَى
ذَلِكَ وَأَنَّ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ : لَا يَجُوزُ الْإِحْبَاطُ
وَيُعَاقَبَ
عَلَى السَّيِّئَةِ وَيُجَازَى بِالْحَسَنَةِ وَأَنَّ الصَّغِيرَةَ يَجُوزُ
أَنْ
تُغْفَرَ فَلَا تَنْقُصُ دَرَجَتُهُ .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ
وَأَمْثَالُهُ : حَمَلُوا قَوْله تَعَالَى : { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ
مَا
تُنْهَوْنَ عَنْهُ } عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكُفْرُ فَقَطْ .
وَقَالُوا
: { نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } أَيْ إنْ شِئْنَا وَجَعَلُوا
هَذِهِ
الْآيَةَ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ
يُشْرَكَ بِهِ
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } وَهَذَا غَلَطٌ فِي مَعْنَى
الْآيَةِ
خَالَفُوا بِهِ تَفْسِيرَ إجْمَاعِ السَّلَفِ وَالْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ
وَمَدْلُولَهَا وَالْمُعْتَزِلَةُ أَيْضًا غَلِطُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ
فَاعْتَقَدُوا أَنَّ قَوْلَهُ : { نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ }
.
الْمُرَادُ بِهِ الْمَغْفِرَةُ وَلَا بُدَّ ، وَهَذَا قَدْ يَظُنُّهُ
كَثِيرٌ
مِنْ النَّاسِ بِخِلَافِ تَفْسِيرِ الْكَبَائِرِ بِالشِّرْكِ لَمْ يُنْقَلْ
عَنْ
أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَجَعَلَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الْمَغْفِرَةَ فِي : {
إنَّ
اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ } وَالْآيَةُ مَشْرُوطَةٌ
بِالتَّوْبَةِ
كَقَوْلِهِ : { إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } وَلَيْسَ
كَذَلِكَ إذْ
لَوْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً بِالتَّوْبَةِ لَمْ تُخَصَّ بِمَا دُونَ
الشِّرْكِ وَلَمْ
تُعَلَّقْ بِالْمَشِيئَةِ بَلْ قَوْلُهُ { لِمَنْ يَشَاءُ } لَا يَمْنَعُ
أَنْ
تَكُونَ الْمَغْفِرَةُ بِأَسْبَابٍ مِنْهَا الْحَسَنَاتُ وَمِنْهَا
الْمَصَائِبُ
الْمُكَفِّرَةُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : إنْ تَجْتَنِبُوا الْآيَةَ ،
فَفِيهِ
الْوَعْدُ
بِالتَّكْفِيرِ ، وَالتَّكْفِيرُ يَكُونُ بِالْأَعْمَالِ
الصَّالِحَةِ تَارَةً
وَبِالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ تَارَةً ، فَمَنْ كُفِّرَتْ سَيِّئَاتُهُ
بِنَفْسِ
الْعَمَلِ كَانَ مِنْ بَابِ الْمُوَازَنَةِ وَهَذَا تَنْقُصُ دَرَجَتُهُ
عَمَّنْ
سَلِمَ مِنْ تِلْكَ الذُّنُوبِ كَمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِنْ
الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَمَنْ كُفِّرَتْ بِالْمَصَائِبِ
وَالْحُدُودِ
وَعُقُوبَاتِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ تَسْلَمُ لَهُ حَسَنَاتُهُ فَلَا
تُنْتَقَصُ
دَرَجَتُهُ بَلْ تَرْتَفِعُ دَرَجَاتُهُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى الْمَصَائِبِ
فَيَكُونُونَ أَرْفَعَ مِمَّا لَوْ عُوقِبُوا وَأَصْحَابُ الْعَافِيَةِ
يَكُونُونَ
أَدْنَى .
وَقَوْلُهُ { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } عَامٌّ
وَسُقُوطُ
الْحَسَنَاتِ الَّتِي تُقَابِلُهَا مِنْ الْجَزَاءِ أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ {
مَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } الْآيَةَ ثُمَّ إمَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا
مَشْرُوطٌ
بِعَدَمِ التَّوْبَةِ أَوْ يُقَالَ التَّوْبَةُ فِيهَا شِدَّةٌ عَلَى
النَّفْسِ
وَمُخَالَفَةُ هَوَى فَفِيهَا أَلَمٌ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْجَزَاءِ
فَيَكُونُ { مَنْ
يَعْمَلْ سُوءًا } .
عَامٌّ مَخْصُوصًا ، أَوْ يُقَالُ التَّوْبَةُ مِنْ
جِنْسِ
الْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ فَلَمْ تَبْقَ السَّيِّئَةُ سَيِّئَةً كَمَا
أَنَّ
الْإِيمَانَ الَّذِي تَتَعَقَّبُهُ الرِّدَّةُ لَيْسَ بِإِيمَانٍ
فَالتَّائِبُ مِنْ
الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ .
وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ
وَغَيْرِهِمْ
وُجُودُ التَّوْبَةِ كَعَدَمِهَا يُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُعَذِّبَهُ
لَكِنْ
يَظُنُّ أَنَّهُ يُغْفَرُ لَهُ وَإِلَّا فَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يُدْرَى
عِنْدَهُمْ
لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِحْبَاطِ وَهُمْ يَقُولُونَ إنَّهُ مُمْتَنِعٌ
.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ
الْحَسَنَةَ
تَعْظُمُ وَيَكْثُرُ ثَوَابُهَا بِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ
حَتَّى
تُقَابِلَ جَمِيعَ الذُّنُوبِ وَذَكَرَ حَدِيثَ { فَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ
وَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ } وَحَدِيثَ الْبَغِيِّ الَّتِي سَقَتْ الْكَلْبَ
فَشَكَرَ
اللَّهُ لَهَا ذَلِكَ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهَا .
وَحَدِيثَ الَّذِي
نَحَّى غُصْنَ
شَوْكٍ عَنْ الطَّرِيقِ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ فَغَفَرَ لَهُ
رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
فَصْلٌ ( فِي سُرُورِ الْإِنْسَانِ بِمَعْرِفَةِ طَاعَتِهِ
وَالْعُجْبِ
وَالرِّيَاءِ وَالْغُرُورِ بِهَا ) .
إذَا سُرَّ الْإِنْسَانُ
بِمَعْرِفَةِ
طَاعَتِهِ هَلْ هُوَ مَذْمُومٌ ؟ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ إنْ كَانَ
قَصْدُهُ
إخْفَاءَ الطَّاعَةِ وَالْإِخْلَاصَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنَّهُ
لَمَّا
أَطْلَعَ عَلَيْهِ الْخَلْقَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ أَطْلَعَهُمْ وَأَظْهَرَ
الْجَمِيلَ مِنْ أَحْوَالِهِ فَسُرَّ بِحُسْنِ صَنِيعِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ
وَنَظَرِهِ لَهُ وَلُطْفِهِ بِهِ حَيْثُ كَانَ يَسْتُرُ الطَّاعَةَ
وَالْمَعْصِيَةَ
فَأَظْهَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الطَّاعَةَ وَسَتَرَ الْمَعْصِيَةَ فَيَكُونُ
فَرَحُهُ
بِذَلِكَ لَا بِحَمْدِ النَّاسِ ، وَقِيَامِ الْمَنْزِلَةِ فِي قُلُوبِهِمْ
أَوْ
يَسْتَدِلُّ بِإِظْهَارِ اللَّهِ الْجَمِيلَ وَسَتْرِ الْقَبِيحَ عَلَيْهِ
فِي
الدُّنْيَا أَنَّهُ كَذَلِكَ يَفْعَلُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ قَدْ جَاءَ
مَعْنَى
ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ .
فَأَمَّا إنْ كَانَ فَرَحُهُ بِإِطْلَاعِ
النَّاسِ
عَلَيْهِ لِقِيَامِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُمْ حَتَّى يَمْدَحُوهُ
وَيُعَظِّمُوهُ
وَيَقْضُوا حَوَائِجَهُ فَهَذَا مَكْرُوهٌ مَذْمُومٌ .
فَإِنْ قِيلَ
فَمَا
وَجْهُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ : { يَا رَسُولَ
اللَّهِ
الرَّجُلُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ فَيَسُرُّهُ فَإِذَا اُطُّلِعَ عَلَيْهِ
أَعْجَبَهُ ؟
فَقَالَ لَهُ أَجْرَانِ أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ }
فَالْجَوَابُ
أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ بِأَنْ يُعْجِبَهُ ثَنَاءُ النَّاسِ
عَلَيْهِ
بِالْخَيْرِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { أَنْتُمْ شُهَدَاءُ
اللَّهِ فِي
الْأَرْضِ } .
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قِيلَ { يَا
رَسُولَ
اللَّهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ الْخَيْرِ
فَيَحْمَدُهُ
النَّاسُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ } فَأَمَّا
إذَا
أَعْجَبَهُ لِيَعْلَمَ النَّاسُ مِنْهُ الْخَيْرَ وَيُكْرِمُونَهُ عَلَيْهِ
فَهَذَا
رِيَاءٌ .
وَوُجُودُ الرِّيَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغَ مِنْ الْعِبَادَةِ
لَا
يُحْبِطُهَا لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ عَلَى نَعْتِ الْإِخْلَاصِ فَلَا
يَنْعَطِفُ مَا
طَرَأَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ
لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَتَكَلَّفْ هُوَ إظْهَارَهُ وَالتَّحَدُّثَ
بِهِ ،
فَأَمَّا إنْ تَحَدَّثَ بِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَأَظْهَرَهُ فَهَذَا
مَخُوفٌ ،
وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَقْتَ مُبَاشَرَةِ
الْعَمَلِ
نَوْعُ رِيَاءٍ فَإِنْ سَلِمَ مِنْ الرِّيَاءِ نَقَصَ أَجْرُهُ ، فَإِنَّ
بَيْنَ
عَمَلِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ سَبْعِينَ دَرَجَةً .
وَوُرُودُ
الرِّيَاءِ
قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ إنْ كَانَ مُجَرَّدَ سُرُورٍ لَمْ
يُؤَثِّرْ
فِي الْعَمَلِ ، وَإِنْ كَانَ بَاعِثًا عَلَى الْعَمَلِ مِثْلَ أَنْ
يُطِيلَ
الصَّلَاةَ لِيُرَى مَكَانُهُ فَهَذَا يُحْبِطُ الْأَجْرَ ، انْتَهَى
كَلَامُهُ
.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : الْإِعْجَابُ لَيْسَ بِالْفَرَحِ وَالْفَرَحُ
لَا
يَقْدَحُ فِي الطَّاعَاتِ لِأَنَّهَا مَسَرَّةُ النَّفْسِ بِطَاعَةِ
الرَّبِّ عَزَّ
وَجَلَّ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مِمَّا سَرَّ الْعُقَلَاءَ وَأَبْهَجَ
الْفُضَلَاءَ ،
وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ { أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ :
إنِّي كُنْتُ أُصَلِّي فَدَخَلَ عَلَيَّ صَدِيقٌ لِي فَسَرَّنِي ذَلِكَ
.
فَقَالَ : لَكَ أَجْرَانِ أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ }
وَإِنَّمَا الْإِعْجَابُ اسْتِكْثَارُ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ طَاعَةِ
اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ وَرُؤْيَةُ النَّفْسِ بِعَيْنِ الِافْتِخَارِ ، وَعَلَامَةُ ذَلِكَ
اقْتِضَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا أَتَى الْأَوْلِيَاءُ وَانْتِظَارُ
الْكَرَامَةِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ ، وَيَنْكَشِفُ ذَلِكَ بِمَا يُرَى
مِنْ
هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ مِنْ إمْرَارِ أَيْدِيهِمْ عَلَى أَرْبَابِ
الْعَاهَاتِ
وَالْأَمْرَاضِ ثِقَةً بِالْبَرَكَاتِ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ مِنْ الْخُدَعِ
حَتَّى
أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ لَوْ كُسِرَ لَهُ عَرَضٌ قَالَ عَلَى سَبِيلِ
الِاقْتِضَاءِ لِلَّهِ ؟ أَلَيْسَ قَدْ ضَمِنْتَ نَصْرَ الْمُؤْمِنِينَ ،
وَلَا
يَدْرِي الْجَاهِلُ مَنْ الْمُؤْمِنُ الْمَنْصُورُ ؟ وَمَا النَّصْرُ ؟
وَمَاذَا
شَرْطُ النُّصْرَةِ ؟ وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا إلَى أَنْ قَالَ : إنَّ
الْعُجْبَ
يَدْخُلُ مِنْ إثْبَاتِ نَفْسِكَ فِي الْعَمَلِ وَنِسْيَانِ أَلْطَافِ
الْحَقِّ
وَمِنْ إغْفَالِ نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى ، وَإِلَّا فَلَوْ لَحَظَ
الْعَبْدُ
اتِّصَالَ
النِّعَمِ لَاسْتَقَلَّ عَمَلَهُ وَإِنْ كَثُرَ أَنْ يُقَابِلَ
النِّعَمَ
شُكْرًا وَيَدْخُلُ مِنْ الْجَهْلِ بِالْمُطَاعِ ، فَلَوْ عَرَفَ الْعَبْدُ
مَنْ
يُطِيعُ وَلِمَنْ يَخْدُمُ لَاسْتَكْثَرَ لِنَفْسِهِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ
ذَلِكَ ،
وَاسْتَقَلَّهَا أَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً مَعَ أَمْلَاكِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ .
وَيَدْخُلُ
أَيْضًا عَنْ
طُرُقِ الْجَهَالَةِ بِكَثْرَةِ الْخَلَلِ وَالْعِلَلِ ، الَّتِي يَنْبَغِي
أَنْ
يَكُونَ مَعَهَا عَلَى غَايَةِ الْخَجَلِ ، وَالْخَوْفِ مِنْ أَنْ يَقَعَ
الطَّرْدُ
وَالرَّدُّ ، فَإِنَّ الْفَيْءَ مُسْتَوْحَشٌ ، وَيَدْخُلُ أَيْضًا مِنْ
النَّظَرِ
إلَى الْخَلْقِ بِعَيْنِ الِاسْتِقْلَالِ ، وَإِدْمَانِ النَّظَرِ إلَى
الْعُصَاةِ
الْمُتَشَرِّدِينَ ، وَلَوْ أَنَّهُ نَظَرَ إلَى الْعُمَّالِ لِلَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ
لَاسْتَقَلَّ نَفْسَهُ .
فَهَذِهِ مُعَالَجَةُ الْأَدْوَاءِ ، وَحَسْمُ
مَوَادِّ
الْفَسَادِ فِي الْأَعْمَالِ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ
هَذَا
الْمَعْنَى : وَفَهْمُ هَذَا يُنَكِّسُ رَأْسَ الْكَبِيرِ وَيُوجِبُ
مُسَاكَنَةَ
الذُّلِّ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ أَصْلٌ عَظِيمٌ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ
أَيْضًا :
اُنْظُرْ إلَى لُطْفِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِخَلْقِهِ كَيْفَ وَضَعَ
فِيهِمْ
لِمَصَالِحِهِمْ مَدَارِكَ تَزِيدُ عَلَى الْعِلْمِ ، وَدَوَاعِيَ
تَحُثُّهُمْ
عَلَى فِعْلِ مَا فِيهِ الصَّلَاحُ وَالْكَفُّ عَنْ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ
مِنْ
ذَلِكَ وَضْعُهُ لِلشَّهْوَةِ وَهَيَجَانِ الطَّبْعِ لِطَلَبِ الْجِمَاعِ
وَذَلِكَ
طَرِيقُ النُّشُوءِ وَحِفْظُ النَّسْلِ وَآلَامٌ تَحْصُلُ مِنْ الرِّقَّةِ
عَلَى
الْحَيَوَانِ لِيَحْصُلَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى
الْإِيلَامِ ،
وَيَحْصُلُ مَنْعُ الْمُؤْلِمِ وَكَفُّ الْمُتَعَدِّي وَجَعْلُ
الْمَسَرَّةِ
الْوَاقِعَةِ بِالْمِدْحَةِ دَاعِيَةً إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ إذْ لَا
يُمْدَحُ
إلَّا عَلَى الْخَيْرَ وَعَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَدْفَعُ الضَّرَرَ
وَيَجْلِبُ
الْخَيْرَ لَمْ يُخَلِّهِ مِنْ دَوَاعٍ بَاعِثَةٍ عَلَى فِعْلِهِ ،
وَلَوَاذِعَ
زَاجِرَةٍ عَنْ فِعْلِ الْقَبِيحِ .
فَسُبْحَانَ مَنْ يَفِيضُ جُودُهُ
بِالْخَيْرِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ حَسَنٌ نَافِعٌ ، وَيَصْرِفُ السُّوءَ
لِعِلْمِهِ بِقُبْحِهِ وَغَنَائِهِ ، وَيُصَرِّفُ خَلْقَهُ
بِأَنْوَاعِ
الصَّوَارِفِ الْعَاجِلَةِ ، وَالصَّوَارِفِ بِالْوَعِيدِ وَبِالْعِقَابِ
الْآجِلِ
.
وَذَكَرَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ
أَنَّهُ
يَسُرُّهُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَفَّقَهُ لِذَلِكَ الْعَمَلِ
فَعَسَى
يُسْتَنُّ بِهِ فِيهِ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ
أَجْرَيْنِ ،
وَإِذَا سَرَّهُ ذَلِكَ لِتَعْظِيمِ النَّاسِ إيَّاهُ أَوْ مَيْلِهِمْ
إلَيْهِ بِهِ
كَانَ ذَلِكَ ضَرْبًا مِنْ الرِّيَاءِ لَا يَكُونُ لَهُ أَجْرَانِ وَلَا
أَجْرٌ
وَاحِدٌ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ
رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا أَبُو دَاوُد ثنا أَبُو
سِنَانٍ
الشَّيْبَانِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ
أَبِي
هُرَيْرَةَ إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ قَالَ
التِّرْمِذِيُّ
غَرِيبٌ قَالَ وَرَوَاهُ الْعَمَشُ وَغَيْرُهُ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي
صَالِحٍ
مُرْسَلًا ثُمَّ ذَكَرَ التَّفْسِيرَ السَّابِقَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ
.
قَالَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : إذَا اُطُّلِعَ عَلَيْهِ
فَأَعْجَبَهُ رَجَا أَنْ يُعْمَلَ بِعَمَلِهِ فَيَكُونَ لَهُ مِثْلُ
أُجُورِهِمْ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فَهَذَا لَهُ مَذْهَبٌ أَيْضًا ، وَحَمَلَ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ عَلَى ظَاهِرِهِ .
وَقَالَ : هَذَا
كُلُّهُ إذَا
حَمَدَهُ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ مِنْهُ إلَى حَمْدِهِمْ وَإِلَّا
فَالتَّعْرِيضُ مَذْمُومٌ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَلِأَحْمَدَ
وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ حَدِيثِ جُنْدُبٍ { مَنْ
يُرَائِي
يُرَائِي اللَّهُ بِهِ وَمَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّعْ اللَّهُ بِهِ } .
قَالَ
ابْنُ
عَقِيلٍ إنَّك لَوْ عَلِمْتَ أَنَّ إكْرَامَ الْخَلْقِ لَك رِيَاءٌ
سَقَطْتَ مِنْ
عَيْنِكَ ، أَفَأَقْنَعُ أَنَا مِنْكَ أَنْ تَجْعَلَنِي فِي الْعَادَةِ
جُزْءًا
مِنْ كُلٍّ بَعْضًا مِنْ جَمَاعَةٍ ؟ وَقَالَ : مَا يَحْلُو لَكَ الْعَمَلُ
حَتَّى
تَحْلُو لَكَ تَسْمِيَتُهُمْ بِعَابِدٍ وَزَاهِدٍ ، فَارْثِ لِنَفْسِكَ
مِنْ ذَلِكَ
فَإِنَّهُ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ وَلَيْسَ لَك مِنْهُ إلَّا مَا حَظِيتَ بِهِ
مِنْ
الصِّيتِ ، تَدْرِي كَمْ فِي
الْجَرِيدَةِ أَقْوَامٌ لَا يَؤُبْهُ لَهُمْ إلَّا عِنْدَ
الْقِيَامِ مِنْ
الْقُبُورِ ، وَكَمْ يُفْتَضَحُ غَدًا مِنْ أَرْبَابِ الْأَسْمَاءِ مِنْ
الْخَلْقِ
بِعَالِمٍ وَصَالِحٍ وَزَاهِدٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ طُفَيْلِيٍّ
تَصَدَّرَ
بِالْوَقَاحَةِ .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { لَوْ أَنَّ
أَحَدَكُمْ
يَعْمَلُ فِي صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَيْسَ لَهَا بَابٌ وَلَا كَوَّةٌ لَخَرَجَ
عَمَلُهُ لِلنَّاسِ كَائِنًا مَا كَانَ } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ
رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إنَّ
الْعَبْدَ إذَا صَلَّى فِي الْعَلَانِيَةِ فَأَحْسَنَ وَصَلَّى فِي
السِّرِّ
فَأَحْسَنَ .
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا عَبْدِي حَقًّا }
رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ .
وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ : مُذْ
عَرَفْتُ
النَّاسَ لَمْ أَفْرَحْ بِمَدْحِهِمْ وَلَمْ أَكْرَهْ مَذَمَّتَهُمْ قِيلَ
وَلِمَ
ذَاكَ ؟ قَالَ لِأَنَّ حَامِدَهُمْ مُفَرِّطٌ ، وَذَامَّهُمْ مُفَرِّطٌ
.
وَرَ
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فَصْلٌ ( فِي إصْلَاحِ السَّرِيرَةِ وَالْإِخْلَاصِ ، وَعَلَامَاتِ
فَسَادِ
الْقَلْبِ ) فِي الْأَثَرِ مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ
عَلَانِيَتَهُ ، وَمَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ
أَصْلَحَ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ .
قَالَ سُفْيَانُ
بْنُ
عُيَيْنَةَ " كَانَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا مَضَى يَكْتُبُ بَعْضُهُمْ إلَى
بَعْضٍ
بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ " فَذَكَرَ ذَلِكَ وَفِي آخِرِهِ وَمَنْ عَمِلَ
لِآخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرَ دُنْيَاهُ رَوَاهُ أَبُو
بَكْرِ
بْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْإِخْلَاصِ وَقَالَ { أَلَا إنَّ فِي
الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ ،
وَإِذَا
فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ } .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ
الدِّينِ
رَحِمَهُ اللَّهُ : فَأَخْبَرَ أَنَّ صَلَاحَ الْقَلْبِ مُسْتَلْزِمٌ
لِصَلَاحِ
سَائِرِ الْجَسَدِ ، وَفَسَادَهُ مُسْتَلْزِمٌ لِفَسَادِهِ ، فَإِذَا رَأَى
ظَاهِرَ
الْجَسَدِ فَاسِدًا غَيْرَ صَالِحٍ عَلِمَ أَنَّ الْقَلْبَ لَيْسَ
بِصَالِحٍ بَلْ
فَاسِدٌ ، وَيَمْتَنِعُ فَسَادُ الظَّاهِرِ مَعَ صَلَاحِ الْبَاطِنِ كَمَا
يَمْتَنِعُ صَلَاحُ الظَّاهِرِ مَعَ فَسَادِ الْبَاطِنِ إذْ كَانَ صَلَاحُ
الظَّاهِرِ وَفَسَادُهُ مُلَازِمًا لِصَلَاحِ الْبَاطِنِ وَفَسَادِهِ .
قَالَ
عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إلَّا
أَظْهَرَهَا
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ
وَقَالَ
ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : لِلْإِيمَانِ رَوَائِحُ وَلَوَائِحُ لَا
تَخْفَى
عَلَى اطِّلَاعِ مُكَلَّفٍ بِالتَّلَمُّحِ لِلْمُتَفَرِّسِ ، وَقَلَّ أَنْ
يُضْمِرَ
مُضْمِرٌ شَيْئًا إلَّا وَظَهَرَ مَعَ الزَّمَانِ عَلَى فَلَتَاتِ
لِسَانِهِ
وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ .
وَقَدْ أَخَذَ الْفُقَهَاءُ بِالتَّكَشُّفِ
عَلَى
مُدَّعِي الطَّرَشِ وَالْعَمَى عِنْدَ لَطْمِهِ ، أَوْ زَوَالِ عَقْلِهِ
عِنْدَ
ضَرْبِهِ ، أَوْ الْخَرَسِ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ مِمَّا لَا تُعْلَمُ
صِحَّتُهُ
إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَلَا تُمْكِنُ الشَّهَادَةُ بِهِ .
ثُمَّ ذَكَرَ
فِي
التَّكَشُّفِ عَنْ هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَأَنَّ
مَنْ
أَرَادَ التَّكَشُّفَ عَنْ رَجُلٍ خَطَبَ
مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَزَلْ يَذْكُرُ الْمَذَاهِبَ وَيُعَرِّضُ
بِهَا
وَيَذْكُرُ الْأَفْعَالَ الْمُزْرِيَةَ فِي الشَّرْعِ الَّتِي يَمِيلُ
إلَيْهَا
الطَّبْعُ وَيَنْظُرُ هَشَاشَتَهُ إلَيْهَا وَتَعَبُّسَهُ عِنْدَ ذِكْرِهَا
وَمَا
شَاكَلَ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ الْبَحْثُ بِصَاحِبِهِ حَتَّى
يُوقِفَهُ
عَلَى الْمَطْلُوبِ بِمَا يَظْهَرُ مِنْ الدَّلَائِلِ ، فَافْهَمْ ذَلِكَ
بِطَرِيقٍ
مُرِيحٍ مِنْ كُلِّ إقْدَامٍ عَلَى مَا لَا تَسْلَمُ مِنْ عَاقِبَتِهِ ،
وَيَعْصِمُ
مِنْ كُلِّ وَرْطَةٍ وَسَقْطَةٍ يَبْعُدُ تَلَافِيهَا ، وَذَلِكَ دَأْبُ
الْعُقَلَاءِ ، فَأَيْنَ رَائِحَةُ الْإِيمَانِ مِنْكَ وَأَنْتَ لَا
يَتَغَيَّرُ
وَجْهُكَ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَتَكَلَّمَ ، وَمُخَالَفَةُ اللَّهِ
سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى وَاقِعَةٌ مِنْ كُلِّ مُعَاشِرٍ وَمُجَاوِرٍ فَلَا تَزَالُ
مَعَاصِي
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْكُفْرُ يَزِيدُ ، وَحَرِيمُ الشَّرْعِ
يُنْتَهَكُ ،
فَلَا إنْكَارَ وَلَا مُنْكِرَ ، وَلَا مُفَارَقَةَ لِمُرْتَكِبِ ذَلِكَ
وَلَا
هِجْرَانَ لَهُ .
وَهَذَا غَايَةُ بَرَدِ الْقَلْبِ وَسُكُونِ النَّفْسِ
وَمَا
كَانَ ذَلِكَ فِي قَلْبٍ قَطُّ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ إيمَانٍ ؛ لِأَنَّ
الْغِيرَةَ
أَقَلُّ شَوَاهِدِ الْمَحَبَّةِ وَالِاعْتِقَادِ .
قَالَ حَتَّى لَوْ
تَحَجَّفَ
الْإِنْسَانُ بِكُلِّ مَعْنًى وَأَمْسَكَ عَنْ كُلِّ قَوْلٍ لَمَا
تَرَكُوهُ
وَيُفْصِحُ لِأَنَّهُمْ كَثْرَةٌ وَهُوَ وَاحِدٌ وَالْكَلَامُ شُجُونٌ ،
وَالْمَذَاهِبُ فُنُونٌ ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَنْطِقُ بِمَذْهَبٍ
وَيُعَظِّمُ
شَخْصًا ، وَآخَرُ يَذُمُّ ذَلِكَ الشَّخْصَ وَالْمَذْهَبَ وَيَمْدَحُ
غَيْرَهُ ،
وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَهِشَّ لِمَدْحِ مَنْ يَهْوَى ، وَيَعْبَسَ
لِذَمِّهِ ، وَيَنْفِرَ مِنْ ذَمِّ مَذْهَبٍ يَعْتَقِدُهُ فَيَكْشِفَ
ذَلِكَ
.
فَالْعَاقِلُ مَنْ اجْتَهَدَ فِي تَفْوِيضِ أَمْرِهِ إلَى اللَّهِ
عَزَّ
وَجَلَّ فِي سَتْرِ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ وَكَشْفِ مَا يَجِبُ كَشْفُهُ ،
وَلَا
يَعْتَمِدُ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَتْعَبُ وَلَا يَبْلُغُ مِنْ ذَلِكَ
الْغَرَضَ .
قَالَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَهِشَّ بِخِلَافَةِ أَبِي
بَكْرٍ وَلَا
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنْ كَانَتْ الْمُنَاظَرَةُ فِيهِمَا ،
وَلَا
إلَى الْقَدَرِ وَلَا إلَى
نَفْيِهِ وَلَا حُدُوثِ الْعَالَمِ وَلَا قِدَمِهِ ، وَلَا
النَّسْخِ وَلَا
الْمَنْعِ مِنْ النَّسْخِ ، وَالسُّكُونُ إلَى هَذَا وَبَرْدُ قَلْبِهِ
يَدُلُّ
عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ لَا يَعْتَقِدُ إذْ لَوْ كَانَ لِهَذَا اعْتِقَادٌ
بِحَرَكَةٍ لَهَشَّ إلَى نَاصِرِ مُعْتَقَدِهِ ، وَلَأَنْكَرَ عَلَى
مُفْسِدِ
مُعْتَقَدِهِ .
فَالْوَيْلُ لِلْكَاتِمِ مِنْ الْمُتَكَشِّفِينَ ،
وَإِرْضَاءُ
الْخَلْقِ بِالْمُعْتَقَدَاتِ وَبَالٌ فِي الْآخِرَةِ ، وَمُبَاغَتَتُهُمْ
فِيهَا
وَمُكَاشَفَتُهُمْ بِهَا وَبَالٌ فِي الدُّنْيَا وَتَغْرِيرٌ بِالنَّفْسِ ،
وَلَا
يَنْجُو مِنْهُمْ الْمُشَارِكُ لَهُمْ فِي الْحِيَلِ .
وَالْأَحْرَى
بِالْإِنْسَانِ أَنْ يَتَمَاسَكَ عَمَّا فِيهِ وَيَتْرُكَ فُضُولَ
الْكَلَامِ ،
وَإِذَا تَوَسَّطَ اعْتَمَدَ عَلَى اللَّهِ فِي إصْلَاحِ دُنْيَاهُ ،
وَإِذَا
قَصَدَ إظْهَارَ الْحَقَّ لِأَجْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَاَللَّهُ
تَعَالَى
يَعْصِمُهُ وَيُسَلِّمُهُ وَمَا رَأَيْنَا مِنْ رَدِّ الْبِدَعِ إلَّا
السَّلَامَةَ
.
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي
قَوْله
تَعَالَى : { إنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } أَيْ
الْمُتَفَرِّسِينَ .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِهَا الْخَبَرَ
الْمَشْهُورَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
اتَّقُوا
فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ }
وَقَدْ
رَوَى الْجُنَيْدُ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْخَبَرَ وَهُوَ فِي
تَرْجَمَتِهِ
.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { مَنْ كَانَتْ
الدُّنْيَا
هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ
شَمْلَهُ
وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ ، وَلَا يُمْسِي
إلَّا
فَقِيرًا وَلَا يُصْبِحُ إلَّا فَقِيرًا ، وَمَا أَقْبَلَ عَبْدٌ إلَى
اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ بِقَلْبِهِ ، إلَّا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قُلُوبَ
الْمُؤْمِنِينَ
تَنْقَادُ إلَيْهِ بِالْوُدِّ وَالرَّحْمَةِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ
خَيْرٍ
أَسْرَعَ } .
وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيِّ
وَحَسَّنَهُ عَنْ
شَدَّادٍ مَرْفُوعًا { الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا
بَعْدَ
الْمَوْتِ ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ
هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ } دَانَ نَفْسَهُ
حَاسَبَهَا
فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَقَالَ
ابْنُ
عَبْدُ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ : قَالَ الْأَحْنَفُ
بْنُ
قَيْسٍ كَثْرَةُ الْأَمَانِيِّ مِنْ غَرُورِ الشَّيْطَانِ .
وَقَالَ
يَزِيدُ
عَلَى الْمِنْبَرِ : ثَلَاثٌ يَحْلِقْنَ الْعَقْلَ وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى
الضَّعْفِ : سُرْعَةُ الْجَوَابِ وَطُولُ التَّمَنِّي وَالِاسْتِغْرَاقُ
فِي
الضَّحِكِ وَقَالَ أَعْرَابِيٌّ : وَمَا الْعَيْشُ إلَّا فِي الْخُمُولِ
مَعَ
الْغِنَى وَعَافِيَةٍ تَغْدُو بِهَا وَتَرُوحُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ :
لَوْلَا
مُنَى الْعَاشِقِينَ مَاتُوا أَسًى وَبَعْضُ الْمُنَى غَرُورُ مَنْ رَاقَبَ
النَّاسَ مَاتَ غَمَّا وَفَازَ بِاللَّذَّةِ الْجَسُورُ وَقَالَ آخَرُ :
مَنْ
رَاقَبَ الْمَوْتَ لَمْ تَكْثُرْ أَمَانِيهِ وَلَمْ يَكُنْ طَالِبًا مَا
لَيْسَ
يَعْنِيهِ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَمَوْقُوفًا
بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ
عَنْهُمَا : اُكْتُبِي لِي كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلَا تُكْثِرِي
عَلَيَّ
فَكَتَبَتْ إلَيْهِ " سَلَامٌ عَلَيْكَ مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ
بِسَخَطِ
النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا
النَّاسِ
بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَى النَّاسِ ،
وَالسَّلَامُ
عَلَيْكَ " .
هَلْ يَفْضَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَاصِيًا بِأَوَّلِ مَرَّةٍ
أَمْ بَعْدَ
التَّكْرَارِ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَالثَّانِي مَرْوِيٌّ عَنْ
عُمَرَ
وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ
الْأَوَّلَ ، وَاعْتَرَضَ عَلَى مَنْ قَالَ بِالثَّانِي : تُرَى آدَم هَلْ
كَانَ
عَصَى قَبْلَ أَكْلِ الشَّجَرَةِ بِمَاذَا ؟ فَسَكَتَ .
فَصْلٌ ( أَسْبَابُ مَوَانِعِ الْعِقَابِ وَثَمَرَاتُ التَّوْحِيدِ
وَالدُّعَاءِ
) ( وَالْمَأْثُورُ الْمَرْفُوعُ مِنْهُ ) .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ
الدِّينِ
رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ لَهُ : الذُّنُوبُ تَزُولُ
عُقُوبَاتُهَا
بِأَسْبَابٍ بِالتَّوْبَةِ وَبِالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ وَبِالْمَصَائِبِ
الْمُكَفِّرَةِ ، لَكِنَّهَا مِنْ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا ، وَكَذَلِكَ مَا
يَحْصُلُ
فِي الْبَرْزَخِ مِنْ الشِّدَّةِ وَكَذَلِكَ مَا يَحْصُلُ فِي عَرَصَاتِ
الْقِيَامَةِ ، وَتَزُولُ أَيْضًا بِدُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ كَالصَّلَاةِ
عَلَيْهِ
، وَشَفَاعَةِ الشَّفِيعِ الْمُطَاعِ لِمَنْ شَفَعَ فِيهِ .
وَسُئِلَ
مَا
السَّبَبُ فِي أَنَّ الْفَرَجَ يَأْتِي عِنْدَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ
بِالْخَلْقِ ؟
وَمَا الْحِيلَةُ فِي صَرْفِ الْقَلْبِ عَنْ التَّعَلُّقِ بِهِمْ
وَتَعَلُّقِهِ
بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَقَالَ سَبَبُ هَذَا تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ :
تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ ، وَتَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ ، فَتَوْحِيدُ
الرُّبُوبِيَّةِ أَنَّهُ لَا خَالِقَ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا
يَسْتَقِلُّ شَيْءٌ سِوَاهُ بِإِحْدَاثِ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ ، بَلْ مَا
شَاءَ
اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ إذَا
قَدَّرَ
شَيْئًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ شَرِيكٍ مُعَاوِنٍ وَضِدٍّ مَعْرُوفٍ ،
فَإِذَا
طُلِبَ مِمَّا سِوَاهُ إحْدَاثُ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ طُلِبَ مِنْهُمَا
لَا
يَسْتَقِلُّ بِهِ وَلَا يَقْدِرُ وَحْدَهُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ قَالَ :
فَالرَّاجِي
مَخْلُوقًا طَالِبٌ بِقَلْبِهِ مَا يُرِيدُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ
وَذَلِكَ
الْمَخْلُوقُ عَاجِزٌ عَنْهُ .
ثُمَّ هَذَا مِنْ الشِّرْكِ الَّذِي لَا
يَغْفِرُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَمِنْ كَمَالِ نِعْمَتِهِ
وَإِحْسَانِهِ إلَى
عِبَادِهِ أَنْ يَمْنَعَ تَحْصِيلَ مَطَالِبِهِمْ بِالشِّرْكِ حَتَّى
يَصْرِفَ
قُلُوبَهُمْ إلَى التَّوْحِيدِ ، ثُمَّ إنْ وَحَّدَهُ الْعَبْدُ تَوْحِيدَ
الْإِلَهِيَّةِ حَصَلَتْ لَهُ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَى أَنْ
قَالَ
فَمِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ
يُنْزِلَ
بِهِمْ مِنْ الشِّدَّةِ وَالضَّرَرِ مَا يُلْجِئُهُمْ إلَى تَوْحِيدِهِ
فَيَدْعُونَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ ، وَيَرْجُونَهُ وَلَا يَرْجُونَ أَحَدًا سِوَاهُ ،
وَتَتَعَلَّقُ
قُلُوبُهُمْ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ فَيَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ التَّوَكُّلِ
عَلَيْهِ
وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ ، وَحَلَاوَةِ الْإِيمَانِ ، وَذَوْقِ طَعْمِهِ ،
وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الشِّرْكِ ، مَا هُوَ أَعْظَمُ نِعْمَةً عَلَيْهِمْ
مِنْ
زَوَالِ الْمَرَضِ وَالْخَوْفِ وَالْجَدْبِ ، أَوْ حُصُولِ الْيُسْرِ ،
أَوْ
زَوَالِ الْعُسْرِ فِي الْمَعِيشَةِ .
فَإِنَّ ذَلِكَ لَذَّةٌ
بَدَنِيَّةٌ
وَنِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ قَدْ يَحْصُلُ مِنْهَا لِلْكَافِرِ أَعْظَمُ
مِمَّا
يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ .
وَأَمَّا مَا يَحْصُلُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ
الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ وَالدِّينِ فَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُعَبَّرُ عَنْهُ
بِمَقَالٍ ، أَوْ يَسْتَحْضِرَ تَفْصِيلَهُ بَالٌ ، وَلِكُلِّ مُؤْمِنٍ
مِنْ ذَلِكَ
نَصِيبٌ بِقَدْرِ إيمَانِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : يَا
ابْنَ آدَمَ
لَقَدْ بُورِكَ لَكَ فِي حَاجَةٍ أَكْثَرْتَ فِيهَا مِنْ قَرْعِ بَابِ
سَيِّدِكَ
.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ : إنَّهُ لَيَكُونُ لِي إلَى اللَّهِ
حَاجَةٌ
وَأَدْعُو فَيَفْتَحُ لِي مِنْ لَذِيذِ مَعْرِفَتِهِ وَحَلَاوَةِ
مُنَاجَاتِهِ مَا
لَا أُحِبُّ مَعَهُ أَنْ يُعَجِّلَ قَضَاءَ حَاجَتِي خَشْيَةَ أَنْ
تَنْصَرِفَ
نَفْسِي عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تُرِيدُ إلَّا حَظَّهَا فَإِذَا
قُضِيَ
انْصَرَفَتْ .
وَفِي بَعْضِ الْإِسْرَائِيلِيَّات : يَا ابْنَ آدَمَ
الْبَلَاءُ
يَجْمَعُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ .
وَالْعَافِيَةُ تَجْمَعُ بَيْنَكَ
وَبَيْنَ
نَفْسِكَ .
وَهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ وَهُوَ مَوْجُودٌ مَحْسُوسٌ
بِالْحِسِّ
الْبَاطِنِ لِلْمُؤْمِنِ وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلَّا وَقَدْ وَجَدَ مِنْ
ذَلِكَ مَا
يَعْرِفُ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ ، فَإِنَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ الذَّوْقِ
وَالْوَجْدِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ كَانَ لَهُ ذَوْقٌ وَحِسٌّ ،
وَلَفْظُ
الذَّوْقِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُظَنَّ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مُخْتَصٌّ
بِذَوْقِ
اللِّسَانِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَدُلُّ عَلَى
أَنَّهُ
أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِحْسَاسِ بِالْمُلَائِمِ
وَالْمُنَافِي ،
كَمَا أَنَّ لَفْظَ الْإِحْسَاسِ عَامٌّ فِيمَا يُحَسُّ بِالْحَوَاسِّ
الْخَمْسِ ،
بَلْ وَبِالْبَاطِنِ .
وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَأَصْلُهُ الرُّؤْيَةُ كَمَا قَالَ
تَعَالَى : { هَلْ
تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ } .
وَهَذَا الْكَلَامُ بِتَمَامِهِ فِي
آخِرِ
الْكَلَامِ عَلَى دَعْوَةِ ذِي النُّونِ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا
وَعَلَى
سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا
إلَهَ
إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ } وَقَالَ
النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ سَعْدُ بْنُ
أَبِي
وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
فِي
الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ {
فَإِنَّهَا
لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إلَّا اسْتَجَابَ
اللَّهُ لَهُ
} .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ لَا إلَهَ
إلَّا
اللَّهُ الْحَلِيمُ الْعَظِيمُ ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ
الْعَظِيمُ ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ
وَالْأَرْضِ
رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ } وَعَنْ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ .
قَالَ يَا حَيُّ يَا
قَيُّومُ
بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ } .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ
النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَهَمَّهُ الْأَمْرُ رَفَعَ
طَرْفَهُ
إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَإِذَا اجْتَهَدَ
فِي
الدُّعَاءِ قَالَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ } رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ
وَإِسْنَادُ
الثَّانِي ضَعِيفٌ .
وَرَوَى النَّسَائِيُّ الْأَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ
رَبِيعَةَ
بْنِ عَامِرٍ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَعَنْ
عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَاتَلْتُ
شَيْئًا
مِنْ قِتَالٍ ثُمَّ جِئْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
أَنْظُرُ مَا صَنَعَ فَجِئْتُ فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ : يَا حَيُّ
يَا
قَيُّومُ : يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ثُمَّ رَجَعْتُ إلَى الْقِتَالِ ثُمَّ
جِئْتُ
فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ لَا يَزِيدُ عَلَى
ذَلِكَ
ثُمَّ
ذَهَبْتُ إلَى الْقِتَالِ ثُمَّ جِئْتُ فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ
يَقُولُ ذَلِكَ
فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ } .
وَعَنْهُ قَالَ { عَلَّمَنِي رَسُولُ
اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا نَزَلَ بِي كَرْبٌ أَنْ أَقُولَ
لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَبَارَكَ
اللَّهُ
رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
رَوَاهُمَا النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ الثَّانِيَ
.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَا كَرَبَنِي أَمْرٌ إلَّا
تَمَثَّلَ
لِي جِبْرِيلُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ قُلْ تَوَكَّلْتُ عَلَى الْحَيِّ
الَّذِي
لَا يَمُوتُ { وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا
وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ
الذُّلِّ
وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } } رَوَاهُ الْحَاكِمُ .
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ { دَعْوَةُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو
فَلَا
تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ ،
لَا
إلَهَ إلَّا أَنْتَ } وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ قَالَ لِي
رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ
تَقُولِيهِنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ : اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ
شَيْئًا }
وَفِي رِوَايَةٍ { أَنَّهَا تُقَالُ سَبْعَ مَرَّاتٍ } .
وَعَنْ أَبِي
سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ { دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ
لَهُ
أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاك فِي
الْمَسْجِدِ فِي
غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ ؟ فَقَالَ : هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا
رَسُولَ
اللَّهِ قَالَ : أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ
اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى دَيْنَكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ بَلَى يَا
رَسُولَ
اللَّهِ قَالَ قُلْ إذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ : اللَّهُمَّ إنِّي
أَعُوذُ
بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ
وَالْكَسَلِ ،
وَأَعُوذُ
بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ
الدَّيْنِ
وَقَهْرِ الرِّجَالِ .
قَالَ : فَقُلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ
عَزَّ
وَجَلَّ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي } .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ { مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ
كُلِّ
هَمٍّ فَرَجًا ، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ
لَا
يَحْتَسِبُ } رَوَاهُنَّ أَبُو دَاوُد .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ حَدِيثَ
أَسْمَاءَ .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ
.
وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مُرْسَلًا
وَإِسْنَادُ
الْمُتَّصِلِ جَيِّدٌ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ
أَحْمَدَ
بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغُدَانِيِّ عَنْ غَسَّانَ بْنِ عَوْفٍ عَنْ
الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ غَسَّانُ ضَعَّفَهُ
الْأَزْدِيُّ وَاخْتَلَطَ الْجُرَيْرِيُّ بِآخِرِهِ .
وَعَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَا أَصَابَ
عَبْدًا
هَمٌّ وَلَا حُزْنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ
ابْنُ
أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِي حُكْمُكَ عَدْلٌ فِي قَضَاؤُكَ ،
أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ
أَنْزَلْتَهُ فِي
كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ
بِهِ فِي
عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ رَبِيعَ
قَلْبِي
وَنُورَ صَدْرِي وَجَلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إلَّا أَذْهَبَ
اللَّهُ
حُزْنَهُ وَهَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا } رَوَاهُ ابْنُ
حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ وَأَحْمَدُ وَفِيهِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا
نَتَعَلَّمُهَا ؟
قَالَ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا .
وَرَوَى
أَحْمَدُ
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي
زَائِدَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ
الدُّؤَلِيِّ قَالَ : قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ أَخُو حُذَيْفَةَ قَالَ
حُذَيْفَةُ
يَعْنِي ابْنَ الْيَمَانِ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ يُصَلِّي }
.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يَحْيَى
بْنِ
زَكَرِيَّا وَقَالَ ابْنُ أَخِي حُذَيْفَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ : كَذَا
رَوَاهُ
شُرَيْحٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ يَحْيَى وَخَالَفَهُمَا إسْمَاعِيلُ بْنُ
عُمَرَ
وَخَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ فَرَوَيَاهُ عَنْ يَحْيَى وَقَالَا فِيهِ : قَالَ
عَبْدُ
الْعَزِيزِ أَخُو حُذَيْفَةَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ لِحُذَيْفَةَ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ
الْهَمَذَانِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي قُدَامَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ ابْنِ أَخِي
حُذَيْفَةَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ حُذَيْفَةَ
.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جَرِيرٍ
وَقَالَ
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْيَمَانِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي عَبْدِ
الْعَزِيزِ لَا يُعْرَفُ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَمُحَمَّدٌ تَفَرَّدَ
عَنْهُ
عِكْرِمَةُ .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي ثَنَا
عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَوَانِيُّ ثَنَا سَيَّارٌ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ سَمِعْت ثَابِتًا يَقُولُ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَصَابَتْ أَهْلَهُ خَصَاصَةٌ نَادَى أَهْلَهُ يَا
أَهْلَاهُ صَلُّوا صَلُّوا } قَالَ ثَابِتٌ : وَكَانَتْ الْأَنْبِيَاءُ
صَلَوَاتُ
اللَّهِ عَلَيْهِمْ إذَا نَزَلَ بِهِمْ أَمْرٌ فَزِعُوا إلَى الصَّلَاةِ
.
الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ وَلِهَذَا
الْمَعْنَى
شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي الْكُسُوفِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ } .
وَرَوَى الْحَاكِمُ
وَقَالَ
صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ قَالَ لَا
حَوْلَ وَلَا
قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ كَانَ دَوَاءً مِنْ
تِسْعَةٍ
وَتِسْعِينَ دَاءً أَيْسَرُهَا الْهَمُّ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهَا
كَنْزٌ
مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ } وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ
أَنَّهَا بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ
الْقُلُوبَ
تَضْعُفُ وَتَمْرَضُ وَرُبَّمَا مَاتَتْ بِالْغَفْلَةِ وَالذُّنُوبِ
وِتْرِك
إعْمَالِهِ فِيمَا خُلِقَ لَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الْمَطْلُوبَةِ
شَرْعًا
وَأَعْظَمُ ذَلِكَ الشِّرْكُ ، وَتَحْيَا وَتَقْوَى وَتَصِحُّ
بِالتَّوْحِيدِ ،
وَالْيَقَظَةِ وَإِعْمَالِهِ فِيمَا خُلِقَ لَهُ وَالضِّدُّ يَزُولُ
بِضِدِّهِ
وَيَنْفَعِلُ عَنْهُ عَكْسَ مَا كَانَ مُنْفَعِلًا عَنْهُ وَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ
بْنُ الْمُبَارَكِ رَحِمَهُ اللَّهُ : رَأَيْت الذُّنُوبَ تُمِيتُ
الْقُلُوبَ
وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إدْمَانُهَا وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ
الْقُلُوبِ
وَخَيْرٌ لِنَفْسِك عِصْيَانُهَا قَالَ تَعَالَى : { أَوَمَنْ كَانَ
مَيْتًا
فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ
مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ أَوْ
فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ { إنَّ الْعَبْدَ إذَا
أَذْنَبَ
نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ثُمَّ إذَا أَذْنَبَ نُكِتَ فِي
قَلْبِهِ
نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ حَتَّى يَبْقَى أَسْوَدَ مُرْبَدًّا لَا يَعْرِفُ
مَعْرُوفًا
وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ } فَالْهَوَى
أَعْظَمُ
الْأَدْوَاءِ وَمُخَالَفَتُهُ أَعْظَمُ الدَّوَاءِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ
فُصُولِ
التَّدَاوِي .
فِي دَوَاءِ الْعِشْقِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا ،
وَخُلِقَتْ
النَّفْسُ فِي الْأَصْلِ جَاهِلَةً ظَالِمَةً كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
وَحَمَلَهَا
الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } .
فَلِجَهْلِهَا تَظُنُّ
شِفَاءً
فِي اتِّبَاعِ هَوَاهَا ، وَإِنَّمَا هُوَ أَعْظَمُ دَاءٍ فِيهِ تَلَفُهَا ،
وَتَضَعُ الدَّاءَ مَوْضِعَ الدَّوَاءِ وَالدَّوَاءَ مَوْضِعَ الدَّاءِ ،
فَيَتَوَلَّدُ مِنْ ذَلِكَ عِلَلٌ وَأَمْرَاضٌ ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ
تُبَرِّئُ
نَفْسَهَا وَتَلُومُ رَبَّهَا عَزَّ وَجَلَّ بِلِسَانِ الْحَالِ ، وَقَدْ
تُصَرِّحُ
بِاللِّسَانِ وَلَا تَقْبَلُ النُّصْحَ لِظُلْمِهَا وَجَهْلِهَا وَلِهَذَا
كَانَ
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي دُعَاءِ الْكَرْبِ مُشْتَمِلًا عَلَى كَمَالِ
الرُّبُوبِيَّةِ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَيَسْتَلْزِمُ تَوْحِيدَهُ ،
وَأَنَّهُ الَّذِي لَا
تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ وَالْخَوْفُ وَالرَّجَا إلَّا لَهُ
سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى ، وَفِيهِ الْعَظَمَةُ الْمُطْلَقَةُ وَهِيَ مُسْتَلْزِمَةٌ
إثْبَاتَ
كُلِّ كَمَالٍ ، وَفِيهِ الْحِلْمُ مُسْتَلْزِمٌ كَمَالَ رَحْمَتَهُ
وَإِحْسَانِهِ
فَمَعْرِفَةُ الْقَلْبِ بِذَلِكَ تُوجِبُ إعْمَالَهُ فِي أَعْمَالِ
الْقُلُوبِ
الْمَطْلُوبَةِ شَرْعًا ، فَيَجِدُ لَذَّةً وَسُرُورًا يَدْفَعُ مَا حَصَلَ
وَرُبَّمَا حَصَلَ الْبَعْضُ بِحَسَبِ قُوَّةِ ذَلِكَ وَضَعْفِهِ كَمَرِيضٍ
وَرَدَ
عَلَيْهِ مَا يُقَوِّي طَبِيعَتَهُ .
وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ فِي غَايَةِ
الْمُنَاسَبَةِ لِتَفْرِيجِ مَا حَصَلَ لِلْقَلْبِ ، وَكُلَّ مَا كَانَ
الْإِنْسَانُ أَشَدَّ اعْتِنَاءً بِذَلِكَ وَأَكْثَرَ ذَوْقًا
وَمُبَاشَرَةً ظَهَرَ
لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَظْهَرْ لِغَيْرِهِ .
وَالْحَيَاةُ
الْمُطْلَقَةُ
التَّامَّةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِكُلِّ صِفَةِ كَمَالٍ ، وَالْقَيُّومِيَّةُ
مُسْتَلْزِمَةٌ لِكُلِّ صِفَةِ فِعْلٍ ، وَكَمَالُهَا بِكِمَالِ الْحَيَاةِ
،
فَالتَّوَسُّلُ بِهَاتَيْنِ الصِّفَّتَيْنِ يُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ مَا
يُضَادُّ
الْحَيَاةَ وَيَضُرُّ بِالْأَفْعَالِ .
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ
عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { اسْمُ اللَّهِ
الْأَعْظَمُ
فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ : { وَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ لَا إلَهَ
إلَّا هُوَ
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } وَفَاتِحَةِ آلِ عِمْرَانَ { الم اللَّهُ لَا
إلَهَ إلَّا
هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } } .
صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ
.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَلِأَحْمَدَ :
سَمِعْته
يَقُولُ { فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ : { اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ
الْحَيُّ
الْقَيُّومُ } { الم اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }
.
اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ } .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ
وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ { أَنَّ
رَجُلًا
دَعَا فَقَالَ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِأَنَّ لَك الْحَمْدَ لَا
إلَهَ إلَّا
أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَقَدْ دَعَا اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ
أَجَابَ وَإِذَا
سُئِلَ بِهِ أَعْطَى } .
وَفِي بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ مِنْ تَحْقِيقِ
التَّوْحِيدِ وَالِاعْتِمَادِ وَالتَّوَكُّلِ وَالرَّجَاءِ وَأَسْرَارِ
الْعُبُودِيَّةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَالِاسْتِغْفَارِ
مِنْ كُلِّ
ذَنْبٍ وَالتَّوَسُّلِ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ
وَالصَّلَاةُ أَمْرُهَا عَظِيمٌ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ
مِنْ
حَدِيثِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَفِيهِ كَلَامٌ عَنْ مُجَاهِدٍ { عَنْ
أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ
وَقَدْ
شَكَا وَجَعَ بَطْنِهِ قُمْ فَصَلِّ فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ شِفَاءً }
وَرُوِيَ
مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَهُ لِمُجَاهِدٍ قَالَ
الْبُخَارِيُّ قَالَ ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ أَبُو
هُرَيْرَةَ
لَمْ يَكُنْ فَارِسِيًّا إنَّمَا مُجَاهِدٌ فَارِسِيٌّ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ
حَدِيثِ
أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا وَلَا يَصِحُّ .
قَالَهُ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ فِي
جَامِعِ الْمَسَانِيدِ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّلَاةَ حَرَكَاتٌ
مُخْتَلِفَةٌ
تَتَحَرَّكُ مَعَهَا الْأَعْضَاءُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ ، وَقَدْ
ذَكَرَ
الْأَطِبَّاءُ أَنَّ فِي الْمَشْيِ رِيَاضَةً قُوَّةً وَتَحْلِيلًا وَأَنَّ
مِمَّا
يَحْفَظُ الصِّحَّةَ إتْعَابُ الْبَدَنِ قَلِيلًا ، وَيَحْصُلُ لِلنَّفْسِ
بِالصَّلَاةِ قُوَّةٌ وَانْشِرَاحٌ مَعَ ذَلِكَ فَتَقْوَى الطَّبِيعَةُ
فَيَنْدَفِعُ الْأَلَمُ ، وَالْجِهَادُ أَقْوَى فِي هَذَا الْمَعْنَى
وَأَوْلَى
.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ
بِأَيْدِيكُمْ
وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ
مُؤْمِنِينَ
وَيُذْهِبُ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } .
وَعَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا {
جَاهِدُوا فِي
اللَّهِ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ عَظِيمٌ
يُنَجِّي
اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهَمِّ وَالْغَمِّ } رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ
إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي
مَرْيَمَ الشَّامِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ .
وَعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { سَافِرُوا
تَصِحُّوا ، وَاغْزُوا تَسْتَغْنُوا } رَوَاهُ أَحْمَدُ L2378 مِنْ
رِوَايَةِ
ابْنِ لَهِيعَةَ .
وَفِي مَعْنَاهُ الْحَجُّ لَأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِ
اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ .
كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَوْله تَعَالَى : { حَسْبُنَا اللَّهُ
وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ } نَافِعَةٌ فِي ذَلِكَ .
قَالَ تَعَالَى { الَّذِينَ قَالَ
لَهُمْ
النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ
إيمَانًا
وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ
مِنْ
اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ
وَاَللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا : قَالَهَا إبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ .
وَقَالَهَا
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا : { إنَّ
النَّاسَ قَدْ
جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا
اللَّهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي السُّنَنِ عَنْ
عَطِيَّةَ
الْعَوْفِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدْ
الْتَقَمَ
الْقَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْمَرَ فَيَنْفُخُ قَالُوا
يَا
رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ
وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ
بْنِ
يَعْقُوبَ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ عَنْ
أَبِيهِ
عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا
وَهُوَ
إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
وَمِنْ ذَلِكَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَنَا
وَكِيعٌ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ
الطُّفَيْلِيِّ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا
الرَّادِفَةُ ، جَاءَ الْمَوْتُ
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بِمَا فِيهِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ جَعَلْت
صَلَاتِي
كُلَّهَا عَلَيْك قَالَ إذًا يَكْفِيك اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا
أَهَمَّكَ
مِنْ دُنْيَاك وَآخِرَتِك } حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ .
وَمِنْ
ذَلِكَ أَنْ يَلْحَظَ أَنَّ انْتِظَارَ الْفَرَجِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى
عِبَادَةٌ
فَيَنْتَعِشُ بِذَلِكَ وَيُسَرُّ بِهِ فَفِي التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
يُحِبُّ
أَنْ يُسْأَلَ } ، { وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ } ،
وَاعْلَمْ
أَنَّ الدَّوَاءَ إنَّمَا يَنْفَعُ غَالِبًا مَنْ تَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ
وَعَمِلَهُ بِاعْتِقَادٍ حَسَنٍ وَكُلَّمَا قَوِيَ الِاعْتِقَادُ وَحَسُنَ
الظَّنُّ
كَانَ أَنْفَعَ .
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : غَرِيبٌ عَنْ
أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{
اُدْعُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ ،
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ
غَافِلٍ
لَاهٍ } .
وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ
اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا سَأَلْتُمْ
اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ أَيُّهَا النَّاسُ فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ
بِالْإِجَابَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ
عَنْ
ظَهْرِ قَلْب غَافِل } وَسَيَأْتِي فِي الدُّعَاءِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ {
أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، إنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ
شَرًّا
فَلَهُ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ { يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يُعَجِّلْ قَالُوا
وَكَيْفَ
يُعَجِّلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ
دَعَوْتُ
فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ }
.
فَالْعَارِفُ
يَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ أَسْبَابِ الْإِجَابَةِ مِنْ الزَّمَانِ
وَالْمَكَانِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَمَلُّ وَلَا يَسْأَمُ وَيَجْتَهِدُ فِي
مُعَامَلَتِهِ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ وَقْتِ الشِّدَّةِ
فَإِنَّهُ
أَنْجَحَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ
عَنْهُمَا { تَعَرَّفْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الرَّخَاءِ
يَعْرِفْكَ فِي
الشِّدَّةِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .
وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ
غَرِيبٌ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ
لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ فَلْيُكْثِرْ الدُّعَاءَ فِي
الرَّخَاءِ }
.
فَهَذِهِ الْأُمُورُ يَنْظُرُ فِيهَا الْعَارِفُ وَيَعْلَمُ أَنَّ
عَدَمَ
إجَابَتِهِ إمَّا لِعَدَمِ بَعْضِ الْمُقْتَضَى أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ
فَيَتَّهِمُ
نَفْسَهُ لَا غَيْرَهَا وَيَنْظُرُ فِي حَالِ سَيِّدِ الْخَلَائِقِ
وَأَكْرَمِهِمْ
عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَيْفَ كَانَ اجْتِهَادُهُ فِي وَقْعَةِ
بَدْرٍ
وَغَيْرِهَا ، وَيَثِقُ بِوَعْدِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِ : {
اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } وَقَوْلِهِ : { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ
إذَا
دَعَانِ } وَلِيَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى ،
وَأَنَّ
مَنْ تَعَاطَى ذَلِكَ عَلَى خَيْرٍ وَلَا بُدَّ ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يُجِبْ
إلَى
دَعَوْتِهِ حَصَلَ لَهُ مِثْلُهَا وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
التِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
{ مَا
عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إلَّا آتَاهُ اللَّهُ
عَزَّ
وَجَلَّ إيَّاهَا وَصَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ
بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةٍ .
قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ إذًا نُكْثِرُ
قَالَ
اللَّهُ أَكْثَرُ } وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ
وَفِيهِ {
إمَّا أَنْ يُعَجِّلَهَا أَوْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، أَوْ
يَصْرِفَ
عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا } وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّعَاءِ فِي الْجُمْلَةِ قَبْلَ
آدَابِ
الْقِرَاءَةِ وَلَهُ مُنَاسَبَةٌ بِهَذَا .
وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي
تَارِيخِهِ
عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ شَكَا إلَيْهِ
الْعُسْرَةَ فِي
أُمُورِهِ : أَلَا أَيُّهَا الْمَرْءُ الَّذِي فِي عُسْرِهِ أَصْبَحْ إذَا
اشْتَدَّ
بِكَ الْأَمْرُ فَلَا تَنْسَ أَلَمْ نَشْرَحْ وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ
مُكَاتَبًا
جَاءَهُ فَقَالَ إنِّي عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي قَالَ أَلَا
أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ أَدَّاهُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ
عَنْكَ قَالَ بَلَى قَالَ قُلْ { اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ
حَرَامِكَ ،
وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ : يَا مُتَشَرِّدًا
عَلَى
مَوْلَاهُ لَا تَنْعَلْ لَا تَغْضَبَنَّ عَلَى قَوْمٍ تُحِبُّهُمْ فَلَيْسَ
يُنْجِيكَ مِنْ أَحْبَابِكَ الْغَضَبُ وَلَا تُخَاصِمْهُمْ يَوْمًا وَإِنْ
عَتَبُوا
إنَّ الْقُضَاةَ إذَا مَا خُوصِمُوا غَلَبُوا وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي
الْفُنُونِ
: وَاَللَّهِ مَا أَعْتَمِدُ عَلَى أَنِّي مُؤْمِنٌ بِصَلَاتِي وَصَوْمِي
بَلْ
أَعْتَمِدُ إذَا رَأَيْتُ قَلْبِي فِي الشَّدَائِدِ يَفْزَعُ إلَيْهِ ،
وَشُكْرِي
لِمَا أَنْعَمَ عَلَيَّ ، وَقَالَ قَدْ صُنْتُكَ بِكُلِّ مَعْنًى عَنْ أَنْ
تَكُونَ
عَبْدًا لِعَبْدٍ وَأَعْلَمْتُكَ أَنِّي أَنَا الْخَالِقُ الرَّازِقُ
فَتَرَكْتَنِي
وَقَبِلْتَ عَلَى الْعَبِيدِ ، كُلُّكُمْ تَسْأَلُونِي وَقْتَ جَدْبِ
الْمَطَرِ ،
وَبَعْدَ الْإِجَابَةِ يَعْبُدُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا .
{ أَأَرْبَابٌ
مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } وَقَالَ
أَيْضًا :
أَمَا تَسْتَحْيِي وَأَنْتَ تُعَلِّمُ كَلْبَ الصَّيْدِ يَأْخُذُ إبْقَاءً
عَلَيْكَ
فَيَقْبَلُ تَعَلُّمَكَ وَتَكْسِرُ عَادِيَةَ طَبْعِهِ وَتُكَلِّبُ
نَفْسَهُ عَنْ
الْفَرِيسَةِ وَهُوَ جَائِعٌ مُضْطَرٌّ إلَيْهَا ، حَتَّى إذَا أَخَذْتَ
الصَّيْدَ
إنْ شِئْتَ أَطْعَمْتَهُ وَإِنْ شِئْت حَرَمْتَهُ ، يَنْتَهِي حَالُك مَعِي
وَأَنَا
الْمُنْعِمُ الَّذِي أَنْشَأْتُك وَغَذَّيْتُك وَرَبَّيْتُك
إنَّنِي كَلَّفْتُك أَنْ تُمْسِكَ نَفْسَكَ عَنْ الْبَحْثِ فِيمَا
يُسْخِطُنِي ،
لَمْ تَضْبِطْ نَفْسَكَ بَلْ غَلَبَتْك عَلَى ارْتِكَابِ مَا نُهِيت
وَعِصْيَانِ
مَا أُمِرْت ، بَلَغَتْ الصِّنَاعَةُ مِنْ هَذَا الْحَيَوَانِ الْخَسِيسِ
أَنْ
يَأْتَمِرَ إذَا أُمِرَ ، وَيَنْزَجِرَ إذَا زُجِرَ ، عُلِّقَتْ الْآدَابُ
بِالْبَهِيمِ وَمَا تَعَلَّقَ بِقَلْبِك طُولُ الْعُمْرِ وَكَمَالُ
الْعَقْلِ ،
تَنْشَطُ لِزَرْعِ نَوَاةٍ وَغَرْسِ فَسِيلَةٍ وَتَقْعُدُ مُنْتَظِرًا
حَمْلَهَا ،
وَيَنْعَ ثَمَرِهَا ، وَرُبَّمَا دُفِنْت قَبْلَ ذَلِكَ وَلَوْ عِشْت كَانَ
مَاذَا
وَمَا قَدْرُ مَا يَحْصُلُ مِنْهَا ؟ وَأَنْتَ تَسْمَعُ قَوْلِي { ضَرَبَ
اللَّهُ
مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ } وَقَوْلِي : { مَثَلُ
الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ
أَنْبَتَتْ سَبْعَ
سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ } هَذَا وَأَمْثَالُهُ
مِنْ آيِ
الْقُرْآنِ لَا تَنْشَطُ أَنْ تَزْرَعَ عِنْدِي مَا تَجْنِي ثِمَارَهُ
النَّافِعَةَ
عَلَى التَّأْبِيدِ ، هَذَا لِأَنَّك مُسْتَبْعِدٌ مَا ضَمِنْت فِي
الْأُخْرَى ،
قَوِيُّ الْأَمَلِ فِي الدُّنْيَا ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْله تَعَالَى {
مَنْ كَانَ
يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } وَتَسْمَعْ : { قُلْ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } .
وَأَنْتَ تُحَدِّقُ
إلَى
الْمَحْظُورَاتِ تَحْدِيقَ مُتَوَسِّلٍ أَوْ مُتَأَسِّفٍ كَيْفَ لَا
سَبِيلَ لَك
إلَيْهَا ، وَتَسْمَعْ قَوْله تَعَالَى { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ }
.
تَهِشُّ لَهَا كَأَنَّهَا فِيكَ نَزَلَتْ ، وَتَسْمَعُ بَعْدَهَا {
وُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } فَتَطْمَئِنُّ أَنَّهَا لِغَيْرِك .
وَمِنْ
أَيْنَ
ثَبَتَ هَذَا الْأَمْرُ ، وَمِنْ أَيْنَ جَاءَ الطَّمَعُ ، اللَّهَ اللَّهَ
هَذِهِ
خُدْعَةٌ تَحُولُ بَيْنَك وَبَيْنَ التَّقْوَى .
وَقَالَ أَيْضًا
الطِّبَاعُ
الرَّدِيَّةُ أَبَالِسَةُ الْإِنْسَانِ ، وَالْعُقُولُ وَالْأَدْيَانُ
مَلَائِكَةُ
هَذَا الشَّأْنِ .
وَفِي خِلَالٍ تَعْتَلِجُ وَلَهَا أَخْلَاقٌ
تَتَغَالَبُ
وَالشَّرَائِعُ مِنْ خَارِجِ هَذَا الْجِسْمِ لِمَصَالِحِ الْعَالَمِ وَمَا
دَامَ
الْعَبْدُ فِي الْعِلَاجِ فَهُوَ طَالِبٌ ، فَإِذَا غَلَّبَ الْعَقْلَ
وَاسْتَعْمَلَ الشَّرْعَ فَهُوَ وَاصِلٌ .
وَقَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ
أَيْضًا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مُفْلِسٌ مِنْ
الْوُجُودِ
فَكُلُّ أَحَدٍ يُرِيدُهُ لِنَفْسِهِ لَا لَهُ مِنْ أَهْلٍ وَوَلَدٍ
وَصَدِيقٍ
وَخَادِمٍ ، وَلَيْسَ مَعَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ إلَّا الْحَقُّ
سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى ، فَإِنْ خَذَلَهُ وَأَخَذَهُ بِذَنْبِهِ لَمْ يَبْقَ لَهُ
مُتَعَلِّقٌ
وَكَانَ الْهَلَاكُ الْكُلِّيُّ ، وَإِنْ لَطَفَ بِهِ وَقَرَّبَهُ إلَيْهِ
لَمْ
يَضُرَّهُ انْقِطَاعُ كُلِّ مُنْقَطِعٍ عَنْهُ ، فَيَجْعَلُ الْعَاقِلُ
شُغْلَهُ
خِدْمَةَ رَبِّهِ فَمَا لَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ غَيْرُهُ ، وَلْيَكُنْ
أَنِيسَهُ
وَمَوْضِعَ شَكْوَاهُ فَلَا تَلْتَفِتْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ إلَّا إلَيْهِ
، وَلَا
تُعَوِّلْ إلَّا عَلَيْهِ ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَعْقِدَ خِنْصَرَكَ إلَّا
عَلَى
الَّذِي نَظَّمَهَا .
وَقَالَ تَأَمَّلْتُ إقْدَامَ أَكْثَرِ الْخَلْقِ
عَلَى
الْمَعَاصِي فَإِذَا سَبَبُهُ حُبُّ الْعَاجِلِ وَالطَّمَعِ فِي الْعَفْوِ ،
وَإِنِّي لَأَعْجَبُ مِنْ الصُّوفِيَّةِ إذَا مَاتَ لَهُمْ مَيِّتٌ كَيْفَ
يَعْمَلُونَ دَعْوَةً وَيَرْقُصُونَ وَيَقُولُونَ وَصَلَ إلَى اللَّهِ
عَزَّ
وَجَلَّ ، أَفَأَمِنُوا أَنْ يَكُونَ وَقَعَ فِي عَذَابٍ ، فَهَؤُلَاءِ
سَدُّوا
بَابَ الْخَوْفِ وَعَمِلُوا عَلَى زَعْمِهِمْ عَلَى الْمَحَبَّةِ
وَالشَّوْقِ وَمَا
كَانَ الْعُلَمَاءُ هَكَذَا .
فَصْلٌ ( وُجُوبُ حُبِّ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ مِمَّا يَتَحَبَّبُ
إلَيْهِ مِنْ
نِعَمِهِ ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ
قَالَ
يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { ابْنَ آدَمَ مَا أَنْصَفْتَنِي ،
أَتَحَبَّبُ
إلَيْك بِالنِّعَمِ وَتَتَبَغَّضُ إلَيَّ بِالْمَعَاصِي ، خَيْرِي إلَيْك
نَازِلٌ
وَشَرُّك إلَيَّ صَاعِدٌ } .
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ مَنْ
نَقَلَهُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذُلِّ الْمَعَاصِي إلَى عِزِّ الطَّاعَةِ
أَغْنَاهُ
بِلَا مَالٍ ، وَآنَسَهُ بِلَا أُنْسٍ ، وَأَعَزَّهُ بِلَا عَشِيرَةٍ .
أَخَذَهُ
مَحْمُودُ الْوَرَّاقُ فَقَالَ : هَذَا الدَّلِيلُ لِمَنْ أَرَادَ غِنًى
يَدُومُ
بِغَيْرِ مَالِ وَأَرَادَ عِزًّا لَمْ تُوَطِّدْهُ الْعَشَائِرُ
بِالْقِتَالِ
وَمَهَابَةً مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ وَجَاهًا فِي الرِّجَالِ فَلْيَعْتَصِمْ
بِدُخُولِهِ فِي عِزِّ طَاعَةِ ذِي الْجَلَالِ وَخُرُوجِهِ مِنْ ذِلَّةِ
الْعَاصِي
لَهُ فِي كُلِّ حَالِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِنْ هَمْلَجَتْ بِهِمْ
خُيُولُهُمْ
وَرَفْرَفَتْ بِهِمْ رَكَائِبُهُمْ ، إنَّ ذُلَّ الْمَعْصِيَةِ فِي
قُلُوبِهِمْ
أَبَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا أَنْ يُذِلَّ مَنْ عَصَاهُ .
وَقَالَتْ
هِنْدُ : الطَّاعَةُ مَقْرُونَةٌ بِالْمَحَبَّةِ .
فَالْمُطِيعُ
مَحْبُوبٌ
وَإِنْ نَأَتْ دَارُهُ ، وَقَلَّتْ آثَارُهُ ، وَالْمَعْصِيَةُ مَقْرُونَةٌ
بِالْبِغْضَةِ ، وَالْعَاصِي مَمْقُوتٌ وَإِنْ مَسَّتْك رَحْمَتُهُ وَأَنَا
لَكَ
مَعْرُوفَهُ .
كَتَبَ ابْنُ السَّمَّاكِ إلَى أَخٍ لَهُ : أَفْضَلُ
الْعِبَادَةِ
الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ ، وَالْوُقُوفُ عِنْدَ الشَّهْوَةِ ،
وَأَقْبَحُ
الرَّغْبَةِ أَنْ تَطْلُبَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ ، وَحُكِيَ عَنْ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ مِثْلَهُ وَقَالَ مَحْمُودُ الْوَرَّاقُ
وَيُنْسَبُ إلَى
الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا شِعْرًا : تَعْصِي الْإِلَهَ
وَأَنْتَ
تُظْهِرُ حُبَّهُ هَذَا مُحَالٌ فِي الْقِيَاسِ بَدِيعُ لَوْ كَانَ حُبُّكَ
صَادِقًا لَأَطَعْتَهُ إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ يُطِيعُ فِي كُلِّ
يَوْمٍ
يَبْتَدِيك بِنِعْمَةٍ مِنْهُ وَأَنْتَ لِشُكْرِ ذَاكَ مُضِيعُ وَقَالَ
أَبُو
الْعَتَاهِيَةِ : أَرَاك امْرَأً تَرْجُو مِنْ اللَّهِ عَفْوَهُ وَأَنْتَ
عَلَى مَا
لَا
يُحِبُّ مُقِيمُ فَحَتَّى مَتَى تَعْصِي وَيَعْفُو إلَى مَتَى
تَبَارَكَ رَبِّي
إنَّهُ لَرَحِيمُ .
فَصْلٌ ( فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ
الْمُنْكَرِ )
.
الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ كُلُّ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا ،
وَالنَّهْيُ
عَنْ الْمُنْكَرِ وَهُوَ كُلُّ مَا يُنْهَى عَنْهُ شَرْعًا فَرْضُ عَيْنٍ
وَهَلْ
هُوَ بِالشَّرْعِ أَوْ بِالْعَقْلِ ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّحْسِينِ
وَالتَّقْبِيحِ
ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ جُرْمًا وَشَاهَدَهُ
وَعَرَفَ
مَا يُنْكَرُ وَلَمْ يَخَفْ سَوْطًا وَلَا عَصًا وَلَا أَذًى .
زَادَ
فِي
الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يَزِيدُ عَلَى الْمُنْكَرِ أَوْ يُسَاوِيهِ وَلَا
فِتْنَةَ
فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ أَهْلِهِ ، وَأَطْلَقَ
الْقَاضِي
وَغَيْرُهُ سُقُوطَهُ بِخَوْفِ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَأَخْذِ الْمَالِ ،
وَإِنَّهُ ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ هَانِئٍ فِي إسْقَاطِهِ بِالْعَصَا
خِلَافًا
لِلْمُعْتَزِلَةِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ ، وَأَسْقَطَهُ
الْقَاضِي
أَيْضًا بِأَخْذِ الْمَالِ الْيَسِيرِ قَالَ أَيْضًا وَقِيلَ لَهُ قَدْ
أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهِ شِرَاءَ الْمَاءِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ
قَالَ
إنَّمَا أَوْجَبْنَا ذَلِكَ إذَا لَمْ تُجْحَفْ الزِّيَادَةُ بِمَالِهِ ،
وَلَا
يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ مِثْلُهُ هُنَا .
وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُهُ
بِالتَّوَهُّمِ ، فَلَوْ قِيلَ لَهُ لَا تَأْمُرْ عَلَى فُلَانٍ
بِالْمَعْرُوفِ
فَإِنَّهُ يَقْتُلُك لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ كَذَلِكَ قَالَ ، وَإِذَا لَمْ
يَجِبْ
الْإِنْكَارُ لِظَنِّنَا زِيَادَةَ الْمُنْكَرِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ
حَسَنًا
لِأَنَّ مَا أَزَالَ وُجُوبَهُ أَزَالَ حُسْنَهُ .
وَيُفَارِقُ هَذَا
إذَا
ظَنَنَّا أَنَّ الْمُنْكَرَ لَا يَزُولُ وَأَنَّهُ يَحْسُنُ الْإِنْكَارُ
وَإِنْ
لَمْ يَجِبْ كَمَا يُقَاتِلُ الْكُفَّارَ وَالْبُغَاةَ وَالْخَوَارِجَ
وَإِنْ ظُنَّ
إقَامَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ .
انْتَهَى كَلَامُهُ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ
فَرْضَهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوَهُّمِ .
وَقَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ
الْإِنْكَارُ لِظَنِّنَا زِيَادَةَ الْمُنْكَرِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا
يَسْقُطُ
إلَّا بِالظَّنِّ .
وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ
رَحِمَهُمُ
اللَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرُوا الْخَوْفَ وَهُوَ ضِدُّ الْأَمْنِ ، وَقَدْ
قَالُوا
يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ إذَا لَمْ
يُؤْمَنْ هُجُومُ الْعَدُوِّ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي آخِرِ
الْإِرْشَادِ
مِنْ شُرُوطِ الْإِنْكَارِ أَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ
أَنَّهُ لَا
يُفْضِي إلَى مَفْسَدَةٍ .
قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
رِوَايَةِ
الْجَمَاعَةِ إذَا أَمَرْتَ أَوْ نَهَيْتَ فَلَمْ يَنْتَهِ فَلَا
تَرْفَعْهُ إلَى
السُّلْطَانِ لِتُعَدِّيَ عَلَيْهِ فَقَدْ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ إذَا آلَ
إلَى
مَفْسَدَةٍ وَقَالَ أَيْضًا مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ
وَمَالِهِ
خَوْفَ التَّلَفِ ، وَكَذَا قَالَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ .
وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضٍ وُجُوبَ الْإِنْكَارِ
مُطْلَقًا فِي هَذِهِ الْحَالِ وَغَيْرِهَا وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ
مَرْفُوعًا { لَا
يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ أَنْ يَرَى أَمْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ ثُمَّ لَا يَقُولَ فِيهِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ
مَا مَنَعَك أَنْ تَقُولَ فِيهِ ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ خَشِيتُ النَّاسَ ،
فَيَقُولُ فَأَنَا أَحَقُّ أَنْ يُخْشَى وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَمْنَعَنَّ
أَحَدَكُمْ هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ فِي حَقِّ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ إذَا
رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ أَوْ سَمِعَهُ } رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ
وَزَادَ
فَبَكَى أَبُو سَعِيدٍ وَقَالَ وَاَللَّهِ قَدْ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ
فَهِبْنَا
.
وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِهِ { إنَّ أَحَدَكُمْ لَيُسْأَلُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ
حَتَّى يَكُونَ فِيمَا يُسْأَلُ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ مَا مَنَعَك أَنْ
تُنْكِرَ
الْمُنْكَرَ إذَا رَأَيْتَهُ ؟ فَمَنْ لَقَّنَهُ اللَّهُ حُجَّتَهُ قَالَ
يَا رَبِّ
رَجَوْتُك وَخِفْتُ النَّاسَ } .
وَعَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا { لَا
يَنْبَغِي
لِمُسْلِمٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ قِيلَ كَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ قَالَ
يَتَعَرَّضُ
مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يُطِيقُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَقِيلَ إنْ زَادَ وَجَبَ
الْكَفُّ ،
وَإِنْ تَسَاوَيَا سَقَطَ الْإِنْكَارُ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ
فَأَمَّا
السَّبُّ وَالشَّتْمُ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ فِي السُّكُوتِ لِأَنَّ الْآمِرَ
بِالْمَعْرُوفِ يَلْقَى ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ
غَيْرِهِ
أَنَّهُ عُذْرٌ لِأَنَّهُ
أَذًى ، وَلِهَذَا يَكُونُ تَأْدِيبًا وَتَعْزِيرًا ، وَقَدْ قَالَ
لَهُ أَبُو
دَاوُد وَيُشْتَمُ قَالَ يَحْتَمِلُ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى
لَا
يُرِيدُ أَنْ يَنْتَصِرَ بَعْدَ ذَلِكَ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ
الدِّينِ
الصَّبْرُ عَلَى أَذَى الْخَلْقِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيِ عَنْ
الْمُنْكَرِ إنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ لَزِمَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا
تَعْطِيلُ
الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ .
وَإِمَّا حُصُولُ فِتْنَةٍ وَمَفْسَدَةٍ
أَعْظَمَ مِنْ
مَفْسَدَةِ تَرْكِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَوْ مِثْلِهَا أَوْ قَرِيبٍ
مِنْهَا
وَكِلَاهُمَا مَعْصِيَةٌ وَفَسَادٌ قَالَ تَعَالَى : { وَأْمُرْ
بِالْمَعْرُوفِ
وَانْهَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك إنَّ ذَلِكَ مِنْ
عَزْمِ
الْأُمُورِ } .
فَمَنْ أَمَرَ وَلَمْ يَصْبِرْ أَوْ صَبَرَ وَلَمْ
يَأْمُرْ أَوْ
لَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَصْبِرْ حَصَلَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ
الثَّلَاثَةِ
مَفْسَدَةٌ وَإِنَّمَا الصَّلَاحُ فِي أَنْ يَأْمُرَ وَيَصْبِرَ ، وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُبَادَةَ قَالَ { بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي يُسْرِنَا
وَعُسْرِنَا
وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لَا
نُنَازِعَ
الْأَمْرَ أَهْلَهُ ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا
كُنَّا
لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ } .
{ وَنَهَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِتَالِ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ وَأَمَرَ
بِالصَّبْرِ
عَلَى جَوْرِهِمْ وَنَهَى عَنْ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ } فَأَهْلُ
الْبِدَعِ
مِنْ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ يَرَوْنَ
قِتَالَهُمْ وَالْخُرُوجَ عَلَيْهِمْ إذَا فَعَلُوا مَا هُوَ ظُلْمٌ أَوْ
مَا
ظَنُّوهُ هُمْ ظُلْمًا ، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ
بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَآخَرُونَ مِنْ الْمُرْجِئَةِ وَأَهْلِ
الْفُجُورِ
قَدْ يَرَوْنَ تَرْكَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ
الْمُنْكَرِ ظَنًّا
أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْفِتْنَةِ وَهَؤُلَاءِ يُقَابِلُونَك
لِأُولَئِكَ
.
وَلِهَذَا ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ
الْمُصَنِّفُ فِي الْكَلَامِ وَأُصُولِ الدِّينِ مِنْ
الْحَنَفِيَّةِ الَّذِينَ
وَرَاءَ النَّهْرِ مَا قَابَلَ بِهِ الْمُعْتَزِلَةَ فِي الْأَمْرِ
بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَذَكَرَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيَ
عَنْ الْمُنْكَرِ سَقَطَ فِي هَذَا الزَّمَانِ ، وَقَدْ صَنَّفَ الْقَاضِي
أَبُو
يَعْلَى كِتَابًا مُفْرَدًا فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ
الْمُنْكَرِ كَمَا صَنَّفَ الْخَلَّالُ وَالدَّارَقُطْنِيّ ( فِي ) ذَلِكَ
انْتَهَى
كَلَامُهُ قَالَ الْأَصْحَابُ : وَرَجَا حُصُولَ الْمَقْصُودِ وَلَمْ
يَقُمْ بِهِ
غَيْرُهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي كِتَابِ الْمُعْتَمَدِ
وَيَجِبُ
إنْكَارُ الْمُنْكَرِ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ فِي ظَنِّهِ زَوَالُهُ فِي
إحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ نَقَلَهَا أَبُو الْحَارِثِ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ
الرَّجُلِ يَرَى
مُنْكَرًا وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَيَسْكُتُ ؟ فَقَالَ
إذَا رَأَى
الْمُنْكَرَ فَلْيُغَيِّرْهُ مَا أَمْكَنَهُ .
هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ
أَبُو
زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ قَالَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
مَا
عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ } .
وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى لَا
يَجِبُ
حَتَّى يَعْلَمَ زَوَالَهُ نَقَلَهَا حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ يَرَى
رَجُلًا
يُصَلِّي لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَلَا يُقِيمُ أَمْرَ
صَلَاتِهِ
فَإِنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ يَقْبَلُ مِنْهُ أَمَرَهُ وَوَعَظَهُ حَتَّى
يُحْسِنَ
صَلَاتَهُ .
وَنَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ هَانِئٍ : إذَا صَلَّى خَلْفَ مَنْ
يَقْرَأُ بِقِرَاءَةِ حَمْزَةَ فَإِنْ كَانَ يَقْبَلُ مِنْك فَانْهَهُ
.
وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَابْنُهُ أَبُو
الْحُسَيْنِ
هَلْ مِنْ شَرْطِ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي إزَالَةِ
الْمُنْكَرِ
عَلَى رِوَايَتَيْنِ ( إحْدَاهُمَا ) .
لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ لِظَاهِرِ
الْأَدِلَّةِ ( وَالثَّانِيَةُ ) مِنْ شَرْطِهِ وَهِيَ قَوْلُ
الْمُتَكَلِّمِينَ
لِبُطْلَانِ الْغَرَضِ ، وَكَذَا ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِيمَا إذَا غَلَبَ
عَلَى
الظَّنِّ أَنَّ صَاحِبَ الْمُنْكَرِ يَزِيدُ فِي الْمُنْكَرِ .
وَقَالَ
ابْنُ
عَقِيلٍ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَزُولُ فَرِوَايَتَانِ (
إحْدَاهُمَا ) يَجِبُ ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ حَنْبَلٍ السَّابِقَةَ
وَقَالَ فِي
رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الرَّجُلِ يَرَى مُنْكَرًا وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا
يُقْبَلُ
مِنْهُ هَلْ يَسْكُت ؟ فَقَالَ يُغَيِّرُ مَا أَمْكَنَهُ .
وَظَاهِرُهُ
أَنَّهُ
لَمْ يَسْقُطْ وَقَالَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ انْتَهَى كَلَامُهُ وَقَالَ فِي
نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْإِنْكَارُ إذَا
عَلِمَ
حُصُولَ الْمَقْصُودِ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ غَيْرُهُ ، وَعَنْهُ إذَا رَجَا
حُصُولَهُ
وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقِيلَ يُنْكِرُهُ وَإِنْ
أَيِسَ مِنْ
زَوَالِهِ أَوْ خَافَ أَذًى أَوْ فِتْنَةً وَقَالَ فِي نِهَايَةِ
الْمُبْتَدِئِينَ
يَجُوزُ الْإِنْكَارَ فِيمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ ، وَإِنْ خَافَ أَذًى
قِيلَ لَا
، وَقِيلَ يَجِبُ ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُعْتَمَدِ
أَنَّهُ لَا
يَجِبُ وَيُخَيَّرُ فِي رَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ
يَجِبُ
رَفْعُهُ إلَى الْإِمَامِ ، ثُمَّ احْتَجَّ الْقَاضِي بِحَدِيثِ عُقْبَةَ
وَسَيَأْتِي .
وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْإِنْكَارُ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ
تَرْكِهِ
جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ الْقَاضِي خِلَافًا لِأَكْثَرِهِمْ فِي
قَوْلِهِمْ
ذَلِكَ قَبِيحٌ وَمَكْرُوهٌ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا )
كَلِمَةُ
حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ .
( وَالثَّانِي ) إظْهَارُ الْإِيمَانِ
عِنْدَ
ظُهُورِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ
أَحْمَدَ
أَوْ صَرِيحُهُ عَدَمُ رُؤْيَةِ الْإِنْكَارِ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ
وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ فُصُولِ اللِّبَاسِ .
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ هَلْ يَحْسُنُ الْإِنْكَارُ وَيَكُونُ أَفْضَلَ
مِنْ
تَرْكِهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّهُ
يَقْبُحُ بِهِ
قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَجْهُ الْأُولَى اخْتَارَهَا
ابْن
بَطَّةَ وَالْوَجْهُ قَوْله تَعَالَى : { وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك }
.
وَوَجْهُ الثَّانِيَةِ قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تُلْقُوا
بِأَيْدِيكُمْ إلَى
التَّهْلُكَةِ } انْتَهَى كَلَامُهُ وَذَكَرَ وَالِدُهُ الرِّوَايَتَيْنِ
قَالَ
أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْمِحْنَةِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : إنْ عُرِضْت
عَلَى
السَّيْفِ لَا أُجِيبُ ، وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا إذَا أَجَابَ
الْعَالِمُ
تَقِيَّةً وَالْجَاهِلُ بِجَهْلٍ فَمَتَى يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ .
وَقَالَ
الْقَاضِي وَظَاهِرُ نَقْلِ ( ابْنِ هَانِئٍ وَلَا يَتَعَرَّضُ
لِلسُّلْطَانِ
فَإِنَّ سَيْفَهُ مَسْلُولٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ قَالَ وَاحْتَجَّ
الْمُخَالِفُ
بِأَنَّ الْمُضْطَرَّ لَوْ تَرَكَ أَكْلَ الْمَيْتَةِ حَتَّى مَاتَ أَوْ
تَحَمَّلَ
الْمَرِيضُ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ حَتَّى ازْدَادَ مَرَضُهُ أَثِمَ
وَعَصَى
وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ وُجُوبُ عَزِيمَةٍ كَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا
وَالْجَوَابُ
أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَسْقُطُ بِالضَّرَرِ الْمُتَوَهَّمِ لِأَنَّ
خَوْفَ
الزِّيَادَةِ فِي الْمَرَضِ وَخَوْفِ التَّلَفِ بِتَرْكِ الْأَكْلِ
مُتَوَهَّمٌ
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ
فَرْضُهُ
بِالتَّوَهُّمِ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ لَا تَأْمُرْ عَلَى فُلَانٍ
بِالْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يَقْتُلُكَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ لِذَلِكَ ،
وَلِأَنَّ
مَنْفَعَةَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ تَخْتَصُّهُ وَمَنْفَعَةَ الْأَمْرِ
بِالْمَعْرُوفِ
تَعُمُّ ، وَلِأَنَّ سَبَبَ الْإِتْلَافِ هُنَاكَ بِمَعْنَى مِنْ جِهَتِهِ
وَهُنَا
مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ ) .
قَالَ أَبُو دَاوُد سَمِعْت أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ
يَقُولُ نَحْنُ نَرْجُو إنْ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ ، وَإِنْ
أَنْكَرَ
بِيَدِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ .
قَالَ عَبَّاسُ الْعَنْبَرِيُّ كُنْت
مَارًّا مَعَ
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِالْبَصْرَةِ قَالَ فَسَمِعْت رَجُلًا يَقُولُ
لِرَجُلٍ يَا
ابْنَ الزَّانِي قَالَ : فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ يَا ابْنَ الزَّانِي قَالَ :
فَوَقَفْت وَمَضَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَالْتَفَتَ إلَيَّ فَقَالَ يَا
أَبَا
الْفَضْلِ أَيُّ شَيْءٍ قَالَ ؟ قُلْت : قَدْ سَمِعْنَا قَدْ وَجَبَ
عَلَيْنَا
قَالَ : امْضِ لَيْسَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ .
تَرْجَمَ عَلَيْهِ
الْخَلَّالُ : مَا
يُوَسَّعُ عَلَى الرَّجُلِ فِي تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيِ عَنْ
الْمُنْكَرِ إذَا رَأَى قَوْمًا سُفَهَاءَ .
وَقَالَ الْقَاضِي عَنْ
رِوَايَةِ
أَبِي دَاوُد وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ قَالَ وَكَذَلِكَ
نَقَلَ
أَبُو عَلِيٍّ الدِّينَوَرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَلَى الرَّجُلِ يَرَى
مُنْكَرًا
أَيَجِبُ عَلَيْهِ
تَغْيِيرُهُ ؟ فَقَالَ إنْ غَيَّرَ بِقَلْبِهِ أَرْجُو ، وَذَكَرَ
أَبُو حَفْصٍ
الْعُكْبَرِيُّ ' عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ مَا يَدُلُّ
عَلَى هَذَا
قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ مَحْمُولٌ مِنْ كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مَنْ
يَقُومُ
بِهِ أَوْ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْإِنْكَارِ بِيَدِهِ .
قَالَ أَبُو دَاوُد سَمِعْتُ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ
جَارٌ يَعْمَلُ
بِالْمُنْكَرِ لَا يَقْوَى يُنْكِرَ عَلَيْهِ ، وَضَعِيفٌ يَعْمَلُ
بِالْمُنْكَرِ
أَيْضًا يَقْوَى يُنْكِرَ عَلَيْهِ قَالَ نَعَم يُنْكِرُ عَلَيْهِ .
فَصْلٌ ( مَرَاتِبُ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ ) .
وَهُوَ فَرْضُ
كِفَايَةٍ عَلَى
مَنْ لَمْ يُعَيَّنْ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ
وَالْحَاكِمُ
وَالْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ وَالْعَدْلُ وَالْفَاسِقُ وَقَالَ قَوْمٌ لَا
يَجُوزُ
لِفَاسِقٍ الْإِنْكَارُ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ الْإِنْكَارُ إلَّا
لِمَنْ
أَذِنَ لَهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ وَلِلْمُمَيِّزِ الْإِنْكَارُ وَيُثَابُ
عَلَيْهِ
لَكِنْ لَا يَجِبُ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْكَافِرُ مَمْنُوعٌ
مِنْ
إنْكَارِ الْمُنْكَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ السُّلْطَةِ وَالْعِزِّ وَأَعْلَاهُ
بِالْيَدِ ثُمَّ بِاللِّسَانِ ، ثُمَّ بِالْقَلْبِ .
وَفِي الْحَدِيثِ
الصَّحِيحِ { لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ مِثْقَالُ حَبَّةِ
خَرْدَلٍ }
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ : مُرَادُهُ أَنَّهُ
لَمْ
يَبْقَ بَعْدَ هَذَا الْإِنْكَارِ مَا يَدْخُلُ فِي الْإِيمَانِ حَتَّى
يَفْعَلَهُ
الْمُؤْمِنُ بَلْ الْإِنْكَارُ بِالْقَلْبِ آخِرُ حُدُودِ الْإِيمَانِ ،
لَيْسَ
مُرَادُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُنْكِرْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ
حَبَّةُ
خَرْدَلٍ وَلِهَذَا قَالَ : " لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ " فَجَعَلَ
الْمُؤْمِنِينَ
ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ فَكُلٌّ مِنْهُمْ فَعَلَ الْإِيمَانَ الَّذِي يَجِبُ
عَلَيْهِ
قَالَ وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ يَتَفَاضَلُونَ فِي الْإِيمَانِ
الْوَاجِبِ
عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِهِمْ مَعَ بُلُوغِ الْخِطَابِ إلَيْهِمْ
كُلِّهِمْ
.
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَكَذَا قَالَ فِي الْغُنْيَةِ بَعْدَ
الْخَبَرِ
الْمَذْكُورِ وَيَعْنِي أَضْعَفَ فِعْلِ أَهْلِ الْإِيمَانِ قَالَ
الْمَرُّوذِيُّ
قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ كَيْفَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ
عَنْ
الْمُنْكَرِ قَالَ : بِالْيَدِ وَبِاللِّسَانِ وَبِالْقَلْبِ هُوَ أَضْعَفُ
قُلْت :
كَيْفَ بِالْيَدِ ؟ قَالَ : يُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ .
وَرَأَيْت أَبَا
عَبْدِ
اللَّهِ مَرَّ عَلَى صِبْيَانِ الْكِتَابِ يَقْتَتِلُونَ فَفَرَّقَ
بَيْنَهُمْ
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ التَّغْيِيرُ بِالْيَدِ لَيْسَ بِالسَّيْفِ
وَالسِّلَاحِ .
قَالَ الْقَاضِي : وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ
الْإِنْكَارِ بِالْيَدِ إذَا لَمْ يُفْضِ إلَى الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ
قَالَ
الْقَاضِي : وَيَجِبُ
فِعْلُ الْكَرَاهَةِ لِلْمُنْكَرِ كَمَا يَجِبُ إنْكَارُهُ .
وَعِنْدَ
الْمُعْتَزِلَةِ إنَّمَا يَجِبُ أَنْ لَا يَفْعَلَ الْإِرَادَةَ لِأَنَّهُ
قَدْ
يَخْلُو الْمُكَلَّفُ مِنْ فِعْلِ الْإِرَادَةِ لَهُ وَالْكَرَاهَةِ ،
وَهَذَا
غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَخْلُوَ مِنْ فِعْلِ الضِّدَّيْنِ ،
وَلِأَنَّ
الشَّارِعَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِعْلَ الْكَرَاهَةِ بِقَلْبِهِ .
وَعَلَى
النَّاسِ إعَانَةَ الْمُنْكِرِ وَنَصْرَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ وَمَا
اخْتَصَّ
عِلْمُهُ بِالْعُلَمَاءِ اخْتَصَّ إنْكَارُهُ بِهِمْ أَوْ بِمَنْ
يَأْمُرُونَهُ
بِهِ مِنْ الْوُلَاةِ وَالْعَوَامِّ وَمَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ
الْحِسْبَةَ
تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ وَلَهُ فِي ذَلِكَ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ
كَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ
السُّلْطَانِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ .
وَإِنْ
دَعَا
الْإِمَامُ الْعَامَّةَ إلَى شَيْءٍ وَأُشْكِلَ عَلَيْهِمْ لَزِمَهُمْ
سُؤَالُ
الْعُلَمَاءِ فَإِنْ أَفْتَوْا بِوُجُوبِهِ قَامُوا بِهِ ، وَإِنْ
أَخْبَرُوا
بِتَحْرِيمِهِ امْتَنَعُوا مِنْهُ ، وَإِنْ قَالُوا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ
.
وَقَالَ الْإِمَامُ : يَجِبُ ، لَزِمَهُمْ طَاعَتُهُ كَمَا تَجِبُ
طَاعَتُهُ
فِي الْحُكْمِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي .
وَهَلْ يَسْقُطُ الْإِثْمُ
عَمَّنْ لَمْ
يَرْضَ بِالْمُنْكَرِ وَسَخِطَ الْإِنْكَارَ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ
رَأْيٌ
لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ ، ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالًا
أَنَّهُ
يَسْقُطُ أَنَّهُ ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ .
فَصْلٌ ( فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ
بِغَيْرِ دَلِيلٍ )
.
وَمَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا أُنْكِرَ عَلَيْهِ مُخَالَفَتَهُ بِلَا
دَلِيلٍ
وَلَا تَقْلِيدٍ سَائِغٍ وَلَا عُذْرٍ كَذَا ذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ
هَذِهِ
الْمَسْأَلَةَ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : يَلْزَمُ كُلُّ مُقَلِّدٍ
أَنْ
يَلْتَزِمَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فِي الْأَشْهَرِ وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَ
أَهْلِهِ
، وَقِيلَ بِلَا ضَرُورَةٍ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ
اللَّهُ
بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَمْدَانَ
رَحِمَهُ
اللَّهُ هَذَا يُرَادُ بِهِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ
مَذْهَبًا
مُعَيَّنًا ثُمَّ فَعَلَ خِلَافَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ لِعَالِمٍ آخَرَ
أَفْتَاهُ وَلَا اسْتِدْلَالَ بِدَلِيلٍ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ وَمِنْ
غَيْرِ
عُذْرٍ شَرْعِيٍّ يُبِيحُ لَهُ مَا فَعَلَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَّبِعًا
لِهَوَاهُ عَامِلًا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا تَقْلِيدٍ فَاعِلًا
لَلْمُحَرَّمِ
بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ وَهَذَا مُنْكَرٌ .
وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ
الَّذِي
أَرَادَ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ ، وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ
الشَّيْءَ وَاجِبًا أَوْ حَرَامًا ثُمَّ يَعْتَقِدَهُ غَيْرَ وَاجِبٍ وَلَا
حَرَامٍ
بِمُجَرَّدِ هَوَاهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ طَالِبًا لِشُفْعَةِ الْجِوَارِ
فَيَعْتَقِدَ أَنَّهَا حَقٌّ لَهُ ثُمَّ إذَا طُلِبَتْ مِنْهُ شُفْعَةُ
الْجِوَارِ
اعْتَقَدَ أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً .
أَوْ مِثْلُ مَنْ يَعْتَقِدُ
إذَا
كَانَ أَخًا مَعَ جَدٍّ أَنَّ الْإِخْوَةَ تُقَاسِمُ الْجَدَّ ، فَإِذَا
صَارَ
جَدًّا مَعَ أَخٍ اعْتَقَدَ أَنَّ الْجَدَّ لَا يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ .
وَإِذَا
كَانَ لَهُ عَدُوٌّ يَفْعَلُ بَعْضَ الْأُمُورِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا
كَشُرْبِ
النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَلَعِبِ الشِّطْرَنْجِ وَحُضُورِ
السَّمَاعِ أَنَّ
هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْجَرَ وَيُنْكَرَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا فَعَلَ
ذَلِكَ
صَدِيقِهِ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي
لَا
تُنْكَرُ ، فَمِثْلُ هَذَا مِمَّنْ يَكُونُ فِي اعْتِقَادِهِ حِلُّ
الشَّيْءِ
وَحُرْمَتُهُ
وَوُجُوبُهُ وَسُقُوطُهُ بِحَسَبِ هَوَاهُ وَهُوَ مَذْمُومٌ
مَجْرُوحٌ خَارِجٌ
عَنْ الْعَدَالَةِ .
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَغَيْرُهُ
عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ أَمَّا إذَا تَبَيَّنَ لَهُ رُجْحَانُ
قَوْلٍ عَلَى
قَوْلٍ إمَّا بِالْأَدِلَّةِ الْمُفَصَّلَةِ إنْ كَانَ يَعْرِفُهَا أَوْ
يَفْهَمُهَا ، وَإِمَّا بِأَنْ يَرَى أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ أَعْلَمَ
بِتِلْكَ
الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْآخَرِ وَهُوَ أَتْقَى لِلَّهِ فِيمَا يَقُولُهُ
فَيَرْجِعُ
عَنْ قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ لِمِثْلِ هَذَا ، فَهَذَا يَجُوزُ بَلْ يَجِبُ
وَقَدْ
نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ
الدِّينِ
فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ الْعَامِّيُّ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ
يَلْتَزِمَ
مَذْهَبًا مُعَيَّنًا يَأْخُذُ بِعَزَائِمِهِ وَرُخَصِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ
لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ وَهُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ،
وَالْجُمْهُورِ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ لَا يُوجِبُونَ لَهُ ذَلِكَ ،
وَاَلَّذِينَ يُوجِبُونَهُ يَقُولُونَ إذَا الْتَزَمَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ
أَنْ
يَخْرُجَ عَنْهُ مَادَامَ مُلْتَزِمًا لَهُ أَوْ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ
أَنَّ
غَيْرَهُ أَوْلَى بِالِالْتِزَامِ عَنْهُ .
وَلَا رَيْبَ أَنَّ
الْتِزَامَ
الْمَذَاهِبِ وَالْخُرُوجَ عَنْهَا إنْ كَانَ لِغَيْرِ أَمْرٍ دِينِيٍّ
مِثْلُ أَنْ
يَلْتَمِسَ مَذْهَبًا لِحُصُولِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ
وَنَحْوِ
ذَلِكَ فَهَذَا مِمَّا لَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ بَلْ يُذَمُّ عَلَيْهِ فِي
نَفْسِ
الْأَمْرِ وَلَوْ كَانَ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا انْتَقَلَ
عَنْهُ ،
وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُسْلِمُ لَا يُسْلِمُ إلَّا لِغَرَضٍ
دُنْيَوِيٍّ ، أَوْ
يُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ إلَى امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا
أَوْ
دُنْيَا يُصِيبُهَا .
قَالَ وَأَمَّا إنْ كَانَ انْتِقَالُهُ مِنْ
مَذْهَبٍ إلَى
مَذْهَبٍ لِأَمْرٍ دِينِيٍّ فَهُوَ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ بَلْ وَاجِبٌ
عَلَى كُلِّ
أَحَدٍ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي أَمْرٍ أَنْ
لَا
يَعْدِلَ عَنْهُ وَلَا يَتْبَعَ أَحَدًا فِي مُخَالَفَةِ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ
فَإِنَّ اللَّهَ فَرَضَ طَاعَةَ رَسُولِهِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ
حَالٍ
قَالَ الْقَاضِي
فِيمَنْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَإِنْ جَازَ أَنْ
يَخْتَلِفَ
اجْتِهَادُهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا
أَظْهَرَهُ لِيَنْفِيَ عَنْهُ الظَّنَّ وَالشُّبْهَةَ كَمَا يُنْكِرُ عَلَى
مَنْ
أَكَلَ فِي رَمَضَانَ أَوْ طَعَامَ غَيْرِهِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ
هُنَاكَ
عُذْرٌ قَالَ وَإِنْ عَلِمْنَا مَنْ حَالِ الْعَامِّيِّ أَنَّهُ قَلَّدَ
مَنْ
يَسُوغُ اجْتِهَادُهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ وَإِلَّا أَنْكَرْنَا
لِأَنَّهُ لَا
يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِمَا عِنْدَهُ كَذَا قَالَ ، وَالْأَوْلَى أَنَّا
لَا
نُنْكِرُ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يُقَلِّدُ مَعَ الظَّنِّ فِيهِ
نَظَرٌ
.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُعْتَقَدِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ
أَنَّ
الْفِعْلَ الْوَاقِعَ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ جَائِزٌ فِي الشَّرْعِ أَمْ
غَيْرُ
جَائِزٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ وَلَا يَنْهَى وَكَذَا ذَكَرَ
الْقَاضِي
.
وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ عَقِبَ حَدِيثِ
عَائِشَةَ إنَّ
نَاسًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَسَمَّوْا عَلَيْهِ أَمْ لَا
قَالَ :
{ سَمُّوا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَكُلُوا } .
قَالُوا : وَهُوَ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ
التَّصَرُّفَاتِ وَالْأَفْعَالَ تُحْمَلُ عَلَى الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ
إلَى
أَنْ يَقُومَ دَلِيلُ الْفَسَادِ .
فَصْلٌ ( عَلَى مَنْ وَمَتَى يَجُوزُ الْإِنْكَارُ ؟ ) .
وَلَا
إنْكَارَ
فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ خِلَافٌ مِنْ الْفُرُوعِ عَلَى مَنْ اجْتَهَدَ فِيهِ
أَوْ
قَلَّدَ مُجْتَهِدًا فِيهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ
وَصَرَّحُوا
بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَمَثَّلُوهُ بِشُرْبِ يَسِيرِ النَّبِيذِ
وَالتَّزَوُّجِ
بِغَيْرِ وَلِيٍّ ، وَمَثَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَكْلِ مَتْرُوكِ
التَّسْمِيَةِ
.
وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْهُمْ مَعَ قَوْلِهِمْ يُحَدُّ شَارِبُ
النَّبِيذِ
مُتَأَوِّلًا وَمُقَلِّدًا أَعْجَبُ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ يَكُونُ وَعْظًا
وَأَمْرًا وَنَهْيًا وَتَعْزِيرًا وَتَأْدِيبًا وَغَايَتُهُ الْحَدُّ ،
فَكَيْفَ
يُحَدُّ وَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ أَمْ كَيْفَ يَفْسُقُ عَلَى رِوَايَةٍ
وَلَا
يُنْكَرُ عَلَى فَاسِقٍ ؟ وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ
مَنْعَ
امْرَأَتِهِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ يَسِيرِ الْخَمْرِ عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ
لِاعْتِقَادِهَا إبَاحَتَهُ ثُمَّ ذَكَرَ تَخْرِيجًا مِنْ أَحَدِ
الْوَجْهَيْنِ فِي
أَكْلِ الثُّومِ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَنْعَهَا لِكَرَاهَةِ رَائِحَتِهِ قَالَ
وَعَلَى
هَذَا الْحُكْمِ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً تَعْتَقِدُ إبَاحَةَ يَسِيرِ
النَّبِيذِ
هَلْ لَهُ مَنْعُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ .
وَذَكَرَ أَيْضًا فِي
مَسْأَلَةٍ
مُفْرَدَةٍ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى غَيْرِهِ
الْعَمَلَ
بِمَذْهَبِهِ فَإِنَّهُ لَا إنْكَارَ عَلَى الْمُجْتَهَدَاتِ .
انْتَهَى
كَلَامُهُ .
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ لَا
يَنْبَغِي
لِلْفَقِيهِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبِهِ .
وَلَا يُشَدِّدُ
عَلَيْهِمْ وَقَالَ مُهَنَّا سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ مَنْ أَرَادَ أَنْ
يَشْرَبَ
هَذَا النَّبِيذَ يَتْبَعْ فِيهِ شُرْبَ مَنْ شَرِبَهُ فَلْيَشْرَبْهُ
وَحْدَهُ
.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى بِخِلَافِ ذَلِكَ قَالَ فِي
رِوَايَةِ
الْمَيْمُونِيِّ فِي الرَّجُلِ يَمُرّ بِالْقَوْمِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ
بِالشِّطْرَنْجِ يَنْهَاهُمْ وَيَعِظهُمْ .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد
سَمِعْتُ
أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ رَجُل مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ
فَنَه
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الْمَسْأَلَة سُنَّة وَلَا إجْمَاع وَلِلِاجْتِهَادِ فِيهَا مَسَاغ
فَلَا
يُنْكَرُ عَلَى مَنْ عَمِلَ بِهَا مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا .
وَإِنَّمَا
دَخَلَ هَذَا اللَّبْس مِنْ جِهَة أَنَّ الْقَائِل يَعْتَقِد أَنَّ
مَسَائِل
الْخِلَاف هِيَ مَسَائِل الِاجْتِهَاد كَمَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ طَوَائِف
مِنْ
النَّاسِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّة أَنَّ مَسَائِل الِاجْتِهَاد مَا
لَمْ
يَكُنْ فِيهَا دَلِيلٌ يَجِب الْعَمَل بِهَا وُجُوبًا ظَاهِرًا مِثْل
حَدِيثٍ
صَحِيحٍ لَا مُعَارِض لَهُ مِنْ جِنْسه فَيَسُوغ إذَا عُدِمَ ذَلِكَ
الِاجْتِهَاد
لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّة الْمُقَارِبَة أَوْ لِخَفَاءِ الْأَدِلَّة فِيهَا
وَلَيْسَ
فِي ذِكْر كَوْنِ الْمَسْأَلَة قَطْعِيَّة طَعْنٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهَا
مِنْ
الْمُجْتَهِدِينَ كَسَائِرِ الْمَسَائِل الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا السَّلَف
وَقَدْ
تَيَقَّنَا صِحَّة أَحَد الْقَوْلَيْنِ فِيهَا مِثْل كَوْنِ الْحَامِل
الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَعْتَدُّ بِوَضْعِ الْحَمْل ، وَأَنَّ
الْجِمَاع
الْمُجَرَّد عَنْ إنْزَال يُوجِب الْغُسْل ، وَأَنَّ رِبَا الْفَضْل
وَالْمُتْعَة
حَرَام وَذَكَرَ مَسَائِل كَثِيرَة .
وَقَالَ أَيْضًا فِي مَكَان آخَر :
إنَّ
مَنْ أَصَرَّ عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُقَاتَلُ
أَيْضًا فِي
أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ مَنْ اسْتَحَبَّهَا ، وَأَمَّا مَنْ
أَوْجَبَهَا
فَإِنَّهُ عِنْده يُقَاتَل وَيُفَسَّق إذَا قَامَ الدَّلِيل عِنْدَهُ
الْمُبِيح
لِلْمُقَاتَلَةِ وَالتَّفْسِيق كَالْبُغَاةِ بَعْد زَوَال الشُّبْهَة .
وَقَالَ
أَيْضًا : يُعِيد مَنْ تَرَكَ الطُّمَأْنِينَة وَمَنْ لَمْ يُوَقِّت
الْمَسْح نَصَّ
عَلَيْهِ بِخِلَافِ مُتَأَوِّل لَمْ يَتَوَضَّأ مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ
فَإِنَّهُ
عَلَى رِوَايَتَيْنِ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّة وَالْآثَار فِيهِ .
وَذَكَر
الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْمُخْتَلَف فِيهِ لَا
إنْكَار
فِيهِ قَالَ لَكِنْ إنْ نَدَبَهُ عَلَى جِهَة النَّصِيحَة إلَى الْخُرُوج
مِنْ
الْخِلَاف فَهُوَ حَسَنٌ مَحْبُوب مَنْدُوب إلَى فِعْلِهِ بِرِفْقِ وَذَكَر
غَيْره
مِنْ الشَّافِعِيَّة فِي الْمَسْأَلَة وَجْهَيْنِ وَذَكَرَ مَسْأَلَة
الْإِنْكَار
عَلَى مَنْ كَشَفَ فَخْذَهُ وَأَنَّ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ .
فَصْل ( النُّصُوص فِي وُجُوب الْأَمْر بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْي
عَنْ الْمُنْكَر ) .
قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ
الْعَزِيز
بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر فِي مَوَاضِع
وَعَنْ
حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {
وَاَلَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ
الْمُنْكَرِ
أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ
عَذَابًا مِنْ
عِنْدِهِ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ } رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ
وَحَسَّنَهُ .
وَمَعْنَى أَوْشَكَ أَسْرَعَ .
وَعَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ
اللَّهُ
عَنْهُ مَرْفُوعًا { مَا مِنْ قَوْمٍ يَكُونُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مَنْ
يَعْمَلُ
بِالْمَعَاصِي هُمْ أَعَزُّ مِنْهُ وَأَمْنَعُ لَمْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ
إلَّا
أَصَابَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَذَابٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَغَيْرُهُ
.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ { يَا أَيُّهَا النَّاسُ
تَقْرَءُونَ
هَذِهِ الْآيَةَ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ
لَا
يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ } .
وَإِنِّي سَمِعْتُ
رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إنَّ النَّاسَ إذَا
رَأَوْا
الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ
اللَّهُ
تَعَالَى بِعَذَابٍ مِنْهُ } إسْنَادٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ
أَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ .
وَعَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي
حَكِيمٍ
عَنْ عَمْرو بْنِ حَارِثَةَ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ عَنْ
أَبِي
ثَعْلَبَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ : { بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنْ
الْمُنْكَرِ حَتَّى إذَا رَأَيْت شُحًّا مُطَاعًا ، وَهَوًى مُتَّبَعًا ،
وَدُنْيَا
مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ، فَعَلَيْك بِنَفْسِك
وَدَعْ
عَنْك الْعَوَامَّ ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ
فِيهِنَّ مِثْلُ
الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ
رَجُلًا
يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ :
لَا بَلْ
أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ } عُتْبَةُ مُخْتَلَف فِيهِ وَبَاقِيه جَيِّد
رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَن غَرِيب وَابْنُ مَاجَهْ
وَزَادَ بَعْد
قَوْله بِرَأْيِهِ { وَرَأَيْت أَمْرًا لَا يُدَانُ لَك بِهِ فَعَلَيْك
بِخُوَيْصَةِ نَفْسِك } وَذَكَرَهُ .
وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ
وَمُسْلِمٍ
وَغَيْرهمْ مِنْ حَدِيث حُذَيْفَةَ { فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ
وَمَالِهِ
وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ ، وَالصِّيَامُ ،
وَالصَّدَقَةُ ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيُ عَنْ
الْمُنْكَرِ }
.
وَعَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَة حَدَّثَنِي رَجُل مِنْ أَصْحَاب
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَنْ يَهْلِكَ النَّاسُ أَوْ
يُعْذَرُوا مِنْ
أَنْفُسِهِمْ } إسْنَادٌ جَيِّد رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
يُقَال
أَعْذَرَ فُلَان مِنْ نَفْسِهِ إذَا أَمْكَنَ مِنْهَا يَعْنِي أَنَّهُمْ
لَا
يَهْلِكُونَ حَتَّى تَكْثُر ذُنُوبُهُمْ وَعُيُوبهمْ فَيَسْتَوْجِبُونَ
الْعُقُوبَة
وَيَكُون لِمَنْ يُعَذِّبهُمْ عُذْرًا كَأَنَّهُمْ قَامُوا بِعُذْرِهِ فِي
ذَلِكَ
وَيُرْوَى بِفَتْحِ الْيَاء مَنْ عَذَرْته وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَحَقِيقَة
عَذَرْتُهُ مَحَوْتُ الْإِسَاءَة وَطَمَسْتُهَا وَيَتَعَلَّق بِالصِّدْقِ
وَالْكَذِب مَا يَتَعَلَّق بِالْحَقِّ وَالْبَاطِل وَلَهُ تَعَلُّق بِهَذَا
.
وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { لَمَّا
وَقَعَتْ
بَنُو إسْرَائِيلَ فِي الْمَعَاصِي نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ
يَنْتَهُوا
فَجَالَسُوهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ وَوَاكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ فَضَرَبَ
اللَّهُ
قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُد وَعِيسَى
ابْنِ
مَرْيَمَ { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } .
وَكَانَ
رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ :
لَا
وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطُرُوهُمْ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا }
رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَلِأَبِي
دَاوُد { ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنْ الْغَدِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ فَلَا
يَمْنَعُهُ
ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمَّا فَعَلُوا
ذَلِكَ
ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ثُمَّ قَالَ : { لُعِنَ
الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُد } إلَى قَوْلِهِ {
فَاسِقُونَ } ثُمَّ قَالَ : كَلًّا وَاَللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ
وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ
وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى
الْحَقِّ
قَصْرًا } زَادَ فِي رِوَايَةٍ { أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ
بَعْضِكُمْ
عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ } وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ هَذَا الْمَعْنَى .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ
غَرِيب
.
وَرَوَيَاهُ أَيْضًا مُرْسَلًا وَإِسْنَاد هَذَا الْخَبَر ثِقَات
وَأَبُو
عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَع مِنْ أَبِيهِ عِنْدهمْ .
وَعَنْ الْعُرْسِ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا عُمِلَتْ
الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا وَكَرِهَهَا فِي
رِوَايَةٍ
فَأَنْكَرَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا ، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا
كَانَ
كَمَنْ شَهِدَهَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ مُغِيرَةَ بْنِ
زِيَادٍ
الْمُوصِلِيِّ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ .
وَرَوَى هُوَ وَابْنُ مَاجَهْ
مِنْ
حَدِيث أَبِي سَعِيدٍ { أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ
سُلْطَانٍ
جَائِرٍ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظه مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَاد
وَقَالَ حَسَنٌ
غَرِيب .
وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ {
أَنَّ
رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ
الْجِهَادِ
أَفْضَلُ قَالَ : كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ } وَهُوَ
لِأَحْمَدَ
وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ وَفِي السُّنَّة أَحَادِيث
قَالَ
الْمَرُّوذِيُّ قَالَ لِي عَبْدُ الْوَهَّابِ : أَنْتَ كَيْف اسْتَخَرْت
أَنْ
تُقِيمَ بِسَامِرَةَ ؟ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِأَبِي
عَبْدِ
اللَّهِ .
فَقَالَ : فَلِمَ لَمْ تَقُلْ لَهُ فَكَانَ يَد لِلْأَسِيرِ
مِمَّنْ
يَخْدِمُهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : لَا
نَزَالُ بِخَيْرٍ مَا كَانَ فِي النَّاسِ مَنْ يُنْكِر عَلَيْنَا .
فَصْل ( الْإِنْكَار الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب وَالْمُشْتَرَط فِيهِ
إذْن
الْحَاكِم ) .
وَالْإِنْكَار فِي تَرْك الْوَاجِب وَفِعْلِ الْحَرَام
وَاجِب
وَفِي تَرْك الْمَنْدُوب وَفِعْلِ الْمَكْرُوه مَنْدُوب ذَكَره الْأَصْحَاب
وَغَيْرهمْ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي آخِر كِتَابِ الْإِرْشَادِ
وَقَالَ
أَيْضًا غَيْره : فَمِنْ الْقَبِيح مَا يَقْبُح مِنْ كُلّ مُكَلَّف عَلَى
وَجْهٍ
دُونَ وَجْهٍ كَالرَّمْيِ بِالسِّهَامِ وَاِتِّخَاذِ الْحَمَامِ
وَالْعِلَاجِ
بِالسِّلَاحِ لِأَنَّ تَعَاطِيَ ذَلِكَ لِمَعْرِفَةِ الْحِرَابِ
وَالتَّقَوِّي
عَلَى الْعَدُوِّ ، وَلِيُرْسِلَ عَلَى الْحَمَامِ الْكُتُبَ
وَالْمُهِمَّاتِ
لِحَوَائِجِ السُّلْطَانِ وَالْمُسْلِمِينَ حَسَنٌ لَا يَجُوزُ إنْكَارُهُ
وَإِنْ
قَصَدَ بِذَلِكَ الِاجْتِمَاعَ عَلَى الْفِسْقِ وَاللَّهْوَ وَمُعَامَلَةَ
ذَوِي
الرِّيَبِ وَالْمَعَاصِي فَذَلِكَ قَبِيحٌ يَجِبُ إنْكَارُهُ .
وَمَنْ
تَرَكَ
مَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ بِلَا عُذْرٍ زَادَ فِي نِهَايَةِ
الْمُبْتَدِئِينَ "
ظَاهِرٍ " وَجَبَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ ، وَلِلنِّسَاءِ الْخُرُوجُ
لِلْعِلْمِ
وَيُنْكَرُ عَلَى مَنْ تَرَكَ الْإِنْكَارَ الْمَطْلُوبَ مَعَ قُدْرَتِهِ
عَلَيْهِ
.
وَلَا يُنْكِرُ أَحَدٌ بِسَيْفٍ إلَّا مَعَ سُلْطَانٍ وَقَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ : الضَّرْبُ بِالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا
لَيْسَ
فِيهِ إشْهَارُ سِلَاحٍ أَوْ سَيْفٍ يَجُوزُ لِلْآحَادِ بِشَرْطِ
الضَّرُورَةِ
وَالِاقْتِصَارِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى أَعْوَانٍ
يُشْهِرُونَ السِّلَاحَ لِكَوْنِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِنْكَارِ
بِنَفْسِهِ
فَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ
يُؤَدِّي
إلَى الْفِتَنِ وَهَيَجَانِ الْفَسَادِ ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ فِي
ذَلِكَ إذْنُ
الْإِمَامِ .
فَصْل ( فِي الْإِنْكَار عَلَى السُّلْطَان وَالْفَرْق بَيْنَ
الْبُغَاة
وَالْإِمَام الْجَائِرِ ) .
وَلَا يُنْكِر أَحَد عَلَى سُلْطَان إلَّا
وَعْظًا
لَهُ وَتَخْوِيفًا أَوْ تَحْذِيرًا مِنْ الْعَاقِبَة فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَة
فَإِنَّهُ يَجِب وَيَحْرُم بِغَيْرِ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْره
وَالْمُرَاد وَلَمْ يَخَفْ مِنْهُ بِالتَّخْوِيفِ وَالتَّحْذِير وَإِلَّا
سَقَطَ
وَكَانَ حُكْم ذَلِكَ كَغَيْرِهِ .
قَالَ حَنْبَلٌ : اجْتَمَعَ
فُقَهَاءُ
بَغْدَادَ فِي وِلَايَةِ الْوَاثِقِ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَقَالُوا
لَهُ :
إنَّ الْأَمْرَ قَدْ تَفَاقَمَ وَفَشَا يَعْنُونَ إظْهَار الْقَوْلِ
بِخَلْقِ
الْقُرْآنِ وَغَيْر ذَلِكَ وَلَا نَرْضَى بِإِمْرَتِهِ وَلَا سُلْطَانه ،
فَنَاظَرَهُمْ فِي ذَلِكَ وَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْإِنْكَارِ بِقُلُوبِكُمْ
وَلَا
تَخْلَعُوا يَدًا مِنْ طَاعَة وَلَا تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ ،
وَلَا
تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ وَدِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَعَكُمْ ، وَانْظُرُوا
فِي
عَاقِبَةِ أَمْرِكُمْ ، وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيح بَرٌّ أَوْ
يُسْتَرَاح مِنْ
فَاجِر وَقَالَ لَيْسَ هَذَا صَوَاب ، هَذَا خِلَاف الْآثَار .
وَقَالَ
الْمَرُّوذِيُّ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَأْمُر بِكَفِّ الدِّمَاء
وَيُنْكِر
الْخُرُوج إنْكَارًا شَدِيدًا وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ
سَعِيدٍ
الْكَفُّ ؛ لِأَنَّا نَجِدُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ {
مَا صَلَّوْا فَلَا } خِلَافًا لِلْمُتَكَلِّمِينَ فِي جَوَاز قِتَالِهِمْ
كَالْبُغَاةِ قَالَ الْقَاضِي : وَالْفَرْق بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَة
الظَّاهِر
وَالْمَعْنَى ، أَمَّا الظَّاهِر فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ بِقِتَالِ
الْبُغَاة بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ } .
وَفِي
مَسْأَلَتِنَا
أَمْرٌ بِالْكَفِّ عَنْ الْأَئِمَّة بِالْأَخْبَارِ الْمَذْكُورَة ،
وَأَمَّا
الْمَعْنَى فَإِنَّ الْخَوَارِج يُقَاتَلُونَ بِالْإِمَامِ وَفِي
مَسْأَلَتِنَا
يَحْصُل قِتَالهمْ بِغَيْرِ إمَام فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَمْ يَجُزْ
الْجِهَاد
بِغَيْرِ إمَام انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ إنَّ الْجَمَاعَةَ حَبْلُ
اللَّهِ
فَاعْتَصِمُوا مِنْهُ بِعُرْوَتِهِ الْوُثْقَى لِمَنْ دَانَا كَمْ يَدْفَعُ
اللَّهُ
بِالسُّلْطَانِ مُعْضِلَةً فِي دِينِنَا رَحْمَةً مِنْهُ وَدُنْيَانَا
لَوْلَا
الْخِلَافَةُ لَمْ تُؤْمَنْ لَنَا سُبُلٌ وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْبًا
لِأَقْوَانَا
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِابْنِهِ يَا بُنَيّ احْفَظْ عَنِّي مَا
أُوصِيكَ
بِهِ : إمَامٌ عَدْلٌ خَيْرٌ مِنْ مَطَرٍ وَبْلٍ وَأَسَدٌ حَطُومٌ خَيْرٌ
مِنْ
إمَامٍ ظَلُومٍ ، وَإِمَامٌ ظَلُومٌ غَشُومٌ خَيْرٌ مِنْ فِتْنَةٍ تَدُومُ
.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي
عَنْ
الْمُنْكَر مَعَ السَّلَاطِينِ التَّعْرِيف وَالْوَعْظ ، فَأَمَّا
تَخْشِينُ
الْقَوْلِ نَحْو يَا ظَالِم يَا مَنْ لَا يَخَاف اللَّهَ ، فَإِنْ كَانَ
ذَلِكَ
يُحَرِّك فِتْنَة يَتَعَدَّى شَرُّهَا إلَى الْغَيْر لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ
لَمْ
يَخَفْ إلَّا عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِز عِنْد جُمْهُور الْعُلَمَاء
قَالَ :
وَاَلَّذِي أَرَادَ الْمَنْع مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُود إزَالَة
الْمُنْكَر
وَحَمْلُ السُّلْطَان بِالِانْبِسَاطِ عَلَيْهِ عَلَى فِعْلِ الْمُنْكَر
أَكْثَر
مِنْ فِعْلِ الْمُنْكَر الَّذِي قُصِدَ إزَالَته قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ : لَا يُتَعَرَّض لِلسُّلْطَانِ فَإِنَّ سَيْفَهُ مَسْلُول
وَعَصَاهُ .
فَأَمَّا مَا جَرَى لِلسَّلَفِ مِنْ التَّعَرُّض
لِأُمَرَائِهِمْ
فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَهَابُونَ الْعُلَمَاء فَإِذَا انْبَسَطُوا
عَلَيْهِمْ
احْتَمَلُوهُمْ فِي الْأَغْلَب ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيث عَطِيَّةَ
السَّعْدِيِّ
: { إذَا اسْتَشَاطَ السُّلْطَانُ ، تَسَلَّطَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ }
.
وَوَعَظَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ
وَخَمْسمِائَةٍ
حَضَرَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَضِيءُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَقَالَ لَوْ أَنِّي
مَثُلْت
بَيْنَ يَدَيْ السُّدَّةِ الشَّرِيفَةِ لَقُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
كُنْ
لِلَّهِ سُبْحَانَهُ مَعَ حَاجَتك إلَيْهِ ، كَمَا كَانَ لَك مَعَ غِنَاهُ
عَنْك ،
إنَّهُ لَمْ يَجْعَل أَحَدًا فَوْقَكَ ، فَلَا تَرْضَ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ
أَشْكَرَ
لَهُ مِنْك ، فَتَصَدَّقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِصَدَقَاتِ وَأَطْلَقَ
مَحْبُوسِينَ .
وَوَعَظَ أَيْضًا فِي هَذِهِ السَّنَة
وَالْخَلِيفَة حَاضِر
قَالَ : وَبَالَغْتُ فِي وَعْظِ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا حَكَيْتُهُ
لَهُ
أَنَّ الرَّشِيدَ قَالَ لِشَيْبَانَ : عِظْنِي .
فَقَالَ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ لَأَنْ تَصْحَبَ مَنْ يُخَوِّفك حَتَّى تُدْرِك الْأَمْن
خَيْرٌ لَك
مِنْ أَنْ تَصْحَبَ مَنْ يُؤَمِّنَكَ حَتَّى تُدْرِك الْخَوْف قَالَ
فَسِّرْ لِي
هَذَا قَالَ مَنْ يَقُولُ لَكَ أَنْتَ مَسْئُول عَنْ الرَّعِيَّة فَاتَّقِ
اللَّه ،
أَنْصَحُ لَكَ مِمَّنْ يَقُولُ أَنْتُمْ أَهْلُ بَيْتٍ مَغْفُورٌ لَكُمْ
وَأَنْتُمْ
قَرَابَة نَبِيِّكُمْ ، فَبَكَى الرَّشِيدُ حَتَّى رَحِمَهُ مَنْ حَوْله ،
فَقُلْت
لَهُ فِي كَلَامِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنْ تَكَلَّمْت خِفْتُ
مِنْكَ ،
وَإِنْ سَكَتّ خِفْتُ عَلَيْكَ ، وَأَنَا أُقَدِّم خَوْفِي عَلَيْك عَلَى
خَوْفِي
مِنْكَ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَوَعَظَ شَبِيبُ بْنُ شَيْبَةَ
الْمَنْصُورَ
فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَجْعَل فَوْقَكَ أَحَدًا ،
فَلَا
تَجْعَل فَوْقَ شُكْرِكَ شُكْرًا .
وَدَخَلَ ابْنُ السَّمَّاكِ عَلَى
الرَّشِيدِ
فَقَالَ لَهُ تَكَلَّمَ وَأَوْجِزْ ، فَقَالَ : إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ
عَلَى
نَفْسِي الدُّخُول إلَيْك فَغَضِبَ الرَّشِيدُ وَقَالَ : لَتَخْرُجَنَّ
مِمَّا
قُلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِك وَأَصْنَعَن قَالَ : أَنْتَ وَلِيُّ اللَّهِ
فِي
عِبَادِهِ فَإِنْ أَنَا لَمْ أَنْصَحْ لَكَ فِيهِمْ وَأَصْدُقْك عَنْهُمْ
خِفْتُ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ اتَّقِ اللَّهَ فِي رَعِيَّتِكَ ، وَخَفْ
الْمَرْجِعَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لَمْ أَرَ أَحْسَن مِنْ وَجْهِكَ
فَلَا
تُجَمِّلْهُ لِجَهَنَّمَ حَطَبًا .
وَقَالَ بَعْضهمْ : رُبّ هَالِكٍ
بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَمَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ ، وَمُسْتَدْرَج
بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ وَقَالَ الْفُضَيْلُ إذَا قِيلَ لَك أَتَخَافُ
اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ فَاسْكُتْ ، فَإِنَّك إنْ جِئْت بِلَا جِئْت بِأَمْرٍ
عَظِيمٍ
وَهَوْلٍ ، وَإِنْ قُلْت نَعَم فَالْخَائِف لَا يَكُون عَلَى مَا أَنْتَ
عَلَيْهِ
.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : كُلُّ مَا يُكْرَه الْمَوْتُ مِنْ أَجْلِهِ
فَاتْرُكْهُ لَا يَضُرَّك مَتَى مِتَّ وَقَالَ سُفْيَانُ : يَنْبَغِي
لِمَنْ وَعَظَ
أَنْ لَا يُعَنِّف ،
وَلِمَنْ وُعِظَ أَنْ لَا يَأْنَف ، وَيُذَكِّر مَنْ يَعِظهُ
وَيُخَوِّفهُ مَا
يُنَاسِب الْحَال وَمَا يَحْصُل بِهِ الْمَقْصُود ، وَلَا يُطِيل ،
وَلِكُلِّ
مَقَامٍ مَقَالٌ ، وَلِكُلِّ فَنٍّ رِجَالٌ .
وَالْآيَات وَالْأَخْبَار
الْمُتَعَلِّقَة بِالظُّلْمِ وَالْأَمْر بِالْعَدْلِ وَالتَّقْوَى
وَالْكَفِّ عَنْ
الْمُحَرَّمَات مَعَ اخْتِلَافِهَا كَثِيرَة مَشْهُورَة .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ
أَوْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ : { كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ
،
فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مَسْئُولٌ
عَنْهُمْ ،
وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْهُ ،
وَالْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْهُ } .
قَالَ
الْإِمَامُ
أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : حَدَّثَنِي أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنِي
إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ لُقْمَانَ
بْنِ
عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَا مِنْ رَجُلٍ يَلِي أَمْرَ
عَشَرَةٍ فَمَا
فَوْقَ ذَلِكَ إلَّا أَتَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
يَدُهُ
مَغْلُولَةٌ إلَى عُنُقِهِ فَكَّهُ بِرُّهُ ، أَوْ أَوْثَقَهُ إثْمُهُ ،
أَوَّلُهَا
مَلَامَةٌ ، وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ ، وَآخِرُهَا خِزْيٌ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ }
إسْنَاد حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَعَنْ عُبَادَةَ
مَرْفُوعًا { مَا
مِنْ أَمِيرِ عَشَرَةٍ إلَّا جِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَدُهُ
مَغْلُولَةٌ
إلَى عُنُقِهِ حَتَّى يُطْلِقَهُ الْحَقُّ أَوْ يُوبِقَهُ } وَعَنْ سَعْدِ
بْنِ
عُبَادَةَ مَرْفُوعًا مَعْنَاهُ رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَإِسْنَادهمَا ضَعِيف
لَكِنْ
لِهَذَا الْمَعْنَى طُرُق يَعْضُد بَعْضهَا بَعْضًا .
وَفِي
الْبُخَارِيِّ مِنْ
حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ الْإِمَارَةِ { نِعْمَتْ الْمُرْضِعَةُ
وَبِئْسَتْ
الْفَاطِمَةُ } .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَظُنّهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ
عَزَّ
وَجَلَّ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ فَذَكَرَ مِنْهُمْ
الْإِمَامَ الْعَادِلَ } .
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرو
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
الْمُقْسِطُونَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ
نُورٍ عَنْ
يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ
يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا } .
وَقَدْ
ذَكَرْتُ
مَا فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ {
ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ فَذَكَرَ مِنْهُمْ الْإِمَامَ
الْعَادِلَ }
.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ
مِثْلُ
أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ،
وَمَنْ
دَعَا إلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ
تَبِعَهُ
لَا يَنْقُصُ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا } ، وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ
سَنَّ
سُنَّةَ خَيْرٍ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا فَلَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ
مَنْ
اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ سَنَّ
سُنَّةَ
شَرٍّ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أَوْزَارِ
مَنْ
اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا } رَوَاهُمَا
مُسْلِمٌ
وَغَيْرُهُ وَيَأْتِي بَعْد نَحْو كُرَّاسَيْنِ مَا لِلْمُسْلِمِ عَلَى
الْمُسْلِم
مِنْ النُّصْحِ وَغَيْرِهِ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي
كِتَابِ
بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لَا يُصْلِحُ هَذَا
الْأَمْرَ إلَّا شِدَّةٌ فِي غَيْرِ عُنْفٍ ، وَلِينٌ فِي غَيْرِ ضَعْفٍ
.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمْ يُقِمْ أَمْرَ النَّاسِ إلَّا
امْرُؤٌ
حَصِيفُ الْعُقْدَةِ ، بَعِيد الْغَوْرِ ، لَا يَطَّلِعُ النَّاسُ مِنْهُ
عَلَى
عَوْرَةٍ .
وَلَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ .
وَعَنْهُ
أَيْضًا
لَا يُقِيمُ أَمْرَ اللَّهِ فِي النَّاسِ إلَّا رَجُلٌ يَتَكَلَّمُ
بِلِسَانِهِ
كَلِمَةً يَخَافُ اللَّهَ فِي النَّاسِ وَلَا يَخَافُ النَّاسَ فِي اللَّهِ
.
وَلِعَلَيَّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي
أَوَّل كِتَابٍ كَتَبَهُ : أَمَّا بَعْد فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ
كَانَ
قَبْلكُمْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا الْحَقَّ حَتَّى اُشْتُرِيَ ، وَبَسَطُوا
الْجَوْرَ
حَتَّى اُفْتُدِيَ .
وَقَالَ مَجَاعَةُ بْنُ مَرَارَةَ الْحَنَفِيُّ
لِأَبِي
بَكْرٍ الصِّدِّيقِ : إذَا كَانَ الرَّأْيُ عِنْد مَنْ لَا يُقْبَل مِنْهُ
وَالسِّلَاح عِنْد مَنْ لَا يَسْتَعْمِلُهُ وَالْمَال عِنْد مَنْ لَا
يُنْفِقهُ
ضَاعَتْ الْأُمُور .
وَقَالَ عَلِيٌّ الْمُلْك وَالدِّين أَخَوَانِ لَا
غِنًى
لِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَر فَالدِّينُ أُسٌّ وَالْمُلْك حَارِسٌ فَمَا
لَمْ يَكُنْ
لَهُ أُسٌّ فَمَهْدُوم وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَارِسٌ فَضَائِعٌ .
وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مِنْ الْمُلُوك مَنْ إذَا مُلِّكَ زَهَّدَهُ
اللَّه عَزَّ
وَجَلَّ فِيمَا فِي يَدَيْهِ ، وَرَغَّبَهُ فِيمَا فِي يَد غَيْره ،
وَأَشْرَبَ
قَلْبَهُ الْإِشْفَاقَ عَلَى مَنْ عِنْده ، فَهُوَ يُحْسَد عَلَى الْقَلِيل
وَيَتَسَخَّط الْكَثِير وَمِنْ كَلَام الْفُرْسِ : لَا مُلْكَ إلَّا
بِرِجَالٍ ،
وَلَا رِجَالَ إلَّا بِمَالٍ ، وَلَا مَالَ إلَّا بِعِمَارَةِ ، وَلَا
عِمَارَةَ
إلَّا بِعَدْلٍ .
وَمِنْ كَلَامِهِمْ أَيْضًا الْمَلِك الَّذِي يَأْخُذ
أَمْوَالَ رَعِيَّتِهِ وَيُجْحِفَ بِهِمْ مِثْل مَنْ يَأْخُذُ الطِّينَ
مِنْ
أُصُولِ حِيطَانِهِ فَيُطَيِّن بِهِ سُطُوحه فَيُوشِكُ أَنْ تَقَع عَلَيْهِ
السُّطُوح .
وَمِنْ كَلَام أَرِسْطُوطَالِيس الْعَالَم بُسْتَانٌ
سِيَاجُهُ
الدَّوْلَة ، الدَّوْلَة سُلْطَان تَحْيَا بِهِ السُّنَّة ، السُّنَّة
سِيَاسَةٌ ،
السِّيَاسَة يَسُوسُهَا الْمَلِكُ ، وَالْمَلِك رَاعٍ يَعْضُدْهُ الْجَيْشُ
،
الْجَيْشُ أَعْوَانٌ يُكَلِّفهُمْ الْمَال ، الْمَالُ رِزْقٌ تَجْمَعهُ
الرَّعِيَّة
، الرَّعِيَّةُ عَبِيدٌ يَتَعَبَّدهُمْ الْعَدْل ، الْعَدْلُ مَأْلُوفٌ
وَهُوَ
صَلَاح الْعَالَم .
كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ إلَى
الْحَجَّاجِ
أَنْ صِفْ لِي الْفِتْنَة حَتَّى كَأَنِّي أَرَاهَا رَأْيَ الْعَيْن
فَكَتَبَ لَهُ
لَوْ كُنْتُ شَاعِرًا لَوَصَفْتُهَا لَكَ فِي شِعْرِي وَلَكِنِّي أَصِفُهَا
لَكَ
بِمَبْلَغِ عِلْمِي وَرَأْيِي : الْفِتْنَةُ تُلَقَّحُ بِالنَّجْوَى ،
وَتُنْتَجُ
بِالشَّكْوَى ، فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهُ قَالَ إنَّ ذَلِكَ لَكَمَا
وَصَفْت
فَخُذْ مَنْ قِبَلَكَ
مِنْ الْجَمَاعَة وَأَعْطِهِمْ عَطَايَا الْفُرْقَة ، وَاسْتَعِنْ
عَلَيْهِمْ
بِالْفَاقَةِ .
فَإِنَّهَا نِعْمَ الْعَوْنُ عَلَى الطَّاعَةِ ،
فَأُخْبِرَ
بِذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ فَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ حَتَّى مَضَى
لِسَبِيلِهِ .
لَمَّا أَرَادَ عَمْرٌو الْمَسِير إلَى مِصْرَ قَالَ
لِمُعَاوِيَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوصِيكَ
قَالَ أَجَل
فَأَوْصِنِي قَالَ اُنْظُرْ فَاقَةَ الْأَحْرَار فَاعْمَلْ فِي سَدِّهَا ،
وَطُغْيَان السَّفَلَة فَاعْمَلْ فِي قَمْعِهَا ، وَاسْتَوْحِشْ مِنْ
الْكَرِيم
الْجَائِع وَاللَّئِيم الشَّبْعَانِ ، فَإِنَّمَا يَصُول الْكَرِيم إذَا
جَاعَ ،
وَاللَّئِيمُ إذَا شَبِعَ .
قَالَ بَعْض الْحُكَمَاء : الرَّعِيَّة
لِلْمَلِكِ
كَالرُّوحِ لِلْجَسَدِ ، فَإِذَا ذَهَبَ الرُّوحُ فَنِيَ الْجَسَد قَالَ
الْإِسْكَنْدَرُ لِأَرِسْطُوطَالِيسَ أَوْصِنِي قَالَ اُنْظُرْ مَنْ كَانَ
لَهُ
عَبِيدٌ فَأَحْسَنَ سِيَاسَتَهُمْ فَوَلِّهِ الْجُنْدَ ، وَمَنْ كَانَتْ
لَهُ
ضَيْعَةٌ فَأَحْسَنَ تَدْبِيرَهَا فَوَلِّهِ الْخَرَاج وَقَالَ بَعْض
الْحُكَمَاء :
لَا تُصَغِّرْ أَمْرَ مَنْ جَاءَك يُحَارِبك ، فَإِنَّك إنْ ظَفِرْتَ لَمْ
تُحْمَد
، وَإِنْ عَجَزْتَ لَمْ تُعْذَر .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي إذَا صَلُحَا صَلُحَ النَّاسُ :
الْأُمَرَاءُ
وَالْعُلَمَاءُ } وَفِي خَبَر آخَر عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ
عَلَامَةُ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى عَنْ عِبَادِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ
عَلَيْهِمْ
خِيَارَهُمْ ، وَأَنْ يُنْزِلَ عَلَيْهِمْ الْغَيْثَ فِي أَوَانِهِ ،
وَعَلَامَةُ
سَخَطِهِ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ شِرَارَهُمْ وَيُنْزِلَ عَلَيْهِمْ
الْغَيْثَ
فِي غَيْرِ أَوَانِهِ .
كَتَبَ عَامِل إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ :
إنَّ مَدِينَتَنَا قَدْ احْتَاجَتْ إلَى مَرَمَّةٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ
:
حَصِّنْ مَدِينَتَكَ بِالْعَدْلِ وَنَقِّ طُرُقَهَا مِنْ الْمَظَالِمِ .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ صِفْ
لِي الْعَدْلَ يَا ابْنَ كَعْبٍ قُلْت بَخٍ بَخٍ سَأَلْتَ عَنْ أَمْرٍ
عَظِيمٍ كُنْ
لِصَغِيرِ النَّاسِ أَبًا ، وَلِكَبِيرِهِمْ ابْنًا ، وَلِلْمِثْلِ
مِنْهُمْ أَخًا
، وَلِلنِّسَاءِ
كَذَلِكَ ، وَعَاقِبْ النَّاسَ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ عَلَى قَدْرِ
احْتِمَالِهِمْ وَلَا تَضْرِبَنَّ لِغَضَبِك سَوْطًا وَاحِدًا فَتَكُونَ
مِنْ
الْعَادِينَ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ { يَوْمٌ مِنْ إمَامٍ عَادِلٍ أَفْضَلُ مِنْ مَطَرِ
أَرْبَعِينَ
صَبَاحًا أَحْوَجَ مَا تَكُونُ الْأَرْضُ إلَيْهِ } وَمِنْ الْأَمْثَال فِي
السُّلْطَان إذَا رَغِبَ الْمَلِكُ عَنْ الْعَدْلِ رَغِبَتْ الرَّعِيَّة
عَنْ
الطَّاعَة : لَا صَلَاحَ لِلْخَاصَّةِ مَعَ فَسَادِ الْعَامَّة .
لَا
نِظَامَ
لِلدَّهْمَاءِ ، مَعَ دَوْلَة الْغَوْغَاء الْمُلْك عَقِيمٌ الْمُلْك
يُبْقِي عَلَى
الْكُفْر وَلَا يُبْقِي عَلَى الظُّلْم سُكْر السُّلْطَان أَشَدُّ مِنْ
سُكْرِ
الشَّرَاب قَالَ الشَّاعِرُ : تَخَافُ عَلَى حَاكِمٍ عَادِلٍ وَنَرْجُو
فَكَيْفَ
بِمَنْ يَظْلِمُ إذَا جَارَ حُكْمُ امْرِئٍ مُلْحِدٍ عَلَى مُسْلِمٍ
هَكَذَا
الْمُسْلِمُ وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الْمُعَلِّم إذَا لَمْ يَعْدِل بَيْنَ
الصِّبْيَانِ كُتِبَ مِنْ الظَّلَمَة .
وَقَالَ مَحْمُودٌ الْوَرَّاقُ :
إنِّي
وَهَبْتُ لِظَالِمِي ظُلْمِي وَعَفَوْتُ ذَاكَ لَهُ عَلَى عِلْمِي
وَرَأَيْتُهُ
أَسْدَى إلَيَّ يَدًا فَأَبَانَ مِنْهُ بِجَهْلِهِ حِلْمِي قَالَ أَيْضًا :
اصْبِرْ
عَلَى الظُّلْمِ وَلَا تَنْتَصِرْ فَالظُّلْمُ مَرْدُودٌ عَلَى الظَّالِمِ
وَكِلْ
إلَى اللَّهِ ظَلُومًا فَمَا رَبِّي عَنْ الظَّالِمِ بِالنَّائِمِ وَقَالَ
آخَرُ :
وَمَا مِنْ يَدٍ إلَّا يَدُ اللَّهِ فَوْقَهَا وَمَا مِنْ ظَالِمٍ إلَّا
سَيُبْلَى
بِظَالِمِ وَقَالَ كَعْبٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَيْلٌ
لِسُلْطَانِ الْأَرْضِ مِنْ سُلْطَانِ السَّمَاءِ ، فَقَالَ عُمَرُ إلَّا
مَنْ
حَاسَبَ نَفْسَهُ ، فَقَالَ كَعْبٌ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهَا
لَكَذَلِكَ
إلَّا مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ ، مَا بَيْنَهُمَا حَرْفٌ يَعْنِي فِي
التَّوْرَاةِ
.
وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ : أَمَا وَاَللَّهِ إنَّ الظُّلْمَ
لُؤْمٌ وَمَا
زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ إلَى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي
وَعِنْدَ
اللَّهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ سَتَعْلَمُ فِي الْحِسَابِ إذَا
الْتَقَيْنَا غَدًا
عِنْدَ الْإِلَهِ مَنْ الْمَلُومُ وَكَتَبَ بِهَا مَعَ يَحْيَى بْنِ
خَالِدِ
بْنِ بَرْمَكَ وَقَالَ الشَّاعِرُ : إذَا جَارَ الْأَمِيرُ
وَكَاتِبَاهُ
وَقَاضِي الْأَرْضِ دَاهَنَ فِي الْقَضَاءِ فَوَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ ثُمَّ
وَيْلٌ
لِقَاضِي الْأَرْضِ مِنْ قَاضِي السَّمَاءِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ
حَدِيث
أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ
مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ } وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو صَلَّى
اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي
الْأَرْضِ
يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ
حَسَن صَحِيح .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَا نَقَصَتْ
صَدَقَةٌ
مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا وَمَا
تَوَاضَعَ
أَحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ } رَوَاهُ مُسْلِم وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ لَأَنْ يُخْطِئَ الْإِمَامُ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ
أَنْ
يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَأَنْ
أَنْدَمَ عَلَى
الْعَفْوِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَنْدَمَ عَلَى الْعُقُوبَةِ ، كَانَ
يُقَال
لِي أَوْلَى النَّاس بِالْعَفْوِ أَقْدَرُهُمْ عَلَى الْعُقُوبَة ،
وَأَنْقَصُ
النَّاسِ عَقْلًا مَنْ ظَلَمَ مَنْ هُوَ دُونَهُ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ
عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَيْسَ
الشَّدِيدُ
بِالصُّرَعَةِ إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ
الْغَضَبِ }
وَذَكَرْتُ فِي مَكَان آخَر مَا تَكَرَّرَ مِنْ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَامُ
{ لَا
تَغْضَبْ } وَقَوْله { إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا
فَلْيَجْلِسْ
، وَإِنْ كَانَ جَالِسًا فَلْيَضْطَجِعْ } وَقَدْ قِيلَ : { أَوْحَى
اللَّهُ
تَعَالَى إلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ اُذْكُرْنِي عِنْدَ غَضَبِكَ
أَذْكُرْك
عِنْدَ غَضَبِي فَلَا أَمْحَقُكَ فِيمَنْ أَمْحَقُ ، وَإِذَا ظُلِمْتَ
فَارْضَ
بِنُصْرَتِي لَك فَإِنَّهَا خَيْرٌ مِنْ نُصْرَتِكَ لِنَفْسِك } .
{
وَقَالَ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : يُبَاعِدُك مِنْ غَضَبِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ أَنْ
لَا
تَغْضَبَ } .
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى