لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب الاحكام فى اصول القراءن الجزء الرابع عشر Empty كتاب الاحكام فى اصول القراءن الجزء الرابع عشر {السبت 9 يوليو - 18:33}


الثاني والعشرون: أن يكونا دالين بجهة التنبيه والإيماء إلى أن أحدهما
لو لم يقدر كون المذكور فيه علة للحكم المذكور معه كان ذكره عبثاً وحشواً
والآخر من قبيل ما رتب فيه الحكم على الوصف بفاء التعقيب فالذي لو لم يقدر
فيه التعليل كان ذكره عبثاً أولى من الآخر نظراً إلى محذور العبث في كلام
الشارع وإلغاؤه أتم من محذور المخالفة الدلالة حرف الفاء على التعليل
وإمكان تأويلها بغير السببية بل وهو أولى من سائر أنواع التنبيه والإيماء
لما ذكرناه من زيادة المحذور وما دل على العلية بفاء التعقيب لظهورها مقدم
على ما عداه من باقي أقسام التنبيه والإيماء.
الثالث والعشرون: أن يكونا
دالين بجهة المفهوم إلا أن أحدهما من قبيل مفهوم المخالفة والآخر من قبيل
مفهوم الموافقة فقد يمكن ترجيح مفهوم الموافقة على مفهوم المخالفة من جهة
أنه متفق عليه ومختلف في مقابله وقد يمكن ترجيح مفهوم المخالفة عليه من
وجهين الأول أن فائدة مفهوم المخالفة التأسيس وفائدة مفهوم الموافقة
التأكيد والتأسيس أصل والتأكيد فرع فكان مفهوم المخالفة أولى الثاني أن
مفهوم الموافقة لا يتم إلا بتقدير فهم المقصود من الحكم في محل النطق وبيان
وجوده في محل السكوت وأن اقتضاءه للحكم في محل السكوت أشد.
وأما مفهوم
المخالفة فإنه يتم بتقدير عدم فهم المقصود من الحكم في محل النطق وبتقدير
كونه غير متحقق في محل السكوت وبتقدير أن يكون له معارض في محل السكوت ولا
يخفى أن ما يتم على تقديرات أربعة أولى مما لا يتم إلا على تقدير واحد.
الرابع
والعشرون: أن تكون دلالة أحدهما من قبيل دلالة الاقتضاء ودلالة الآخر من
قبيل دلالة الإشارة فدلالة الاقتضاء أولى لترجحها بقصد المتكلم لها بخلاف
دلالة الإشارة.
الخامس والعشرون: أن تكون دلالة أحدهما من قبيل دلالة
الاقتضاء والآخر من قبيل دلالة التنبيه والإيماء فدلالة الاقتضاء أولى
لتوقف صدق المتكلم أو مدلول منطوقه عليه بخلاف دلالة التنبيه والإيماء.
السادس
والعشرون: أن تكون دلالة أحدهما من قبيل دلالة الاقتضاء والآخر من قبيل
دلالة المفهوم فدلالة الاقتضاء أولى لوقوع الاتفاق عليها ووقوع الخلاف في
مقابلها ولأن ما يعترض دلالة الاقتضاء من المبطلات أقل مما يعترض المفهوم
وبهذا كان ما كان من قبيل دلالة التنبيه والإيماء مقدماً على دلالة
المفهوم.
السابع والعشرون: أن تكون دلالة أحدهما من قبيل المنطوق والآخر
من قبيل دلالة غير المنطوق فالمنطوق أولى لظهور دلالته وبعده عن الالتباس
بخلاف مقابله.
الثامن والعشرون: أن يكون أحدهما عاماً والآخر خاصاً
فالخاص مقدم على العام لثلاثة أوجه الأول أنه أقوى في الدلالة وأخص
بالمطلوب الثاني أن العمل بالعام يلزم منه إبطال دلالة الخاص وتعطيله ولا
يلزم من العمل بالخاص تعطيل العام بل تأويله وتخصيصه ولا يخفى أن محذور
التعطيل فوق محذور التأويل.
الثالث أن ضعف العموم بسبب تطرق التخصيص
إليه وضعف الخصوص بسبب تأويله وصرفه عن ظاهره إلى مجازه ولا يخفى أن تطرق
التخصيص إلى العمومات أكثر من تطرق التأويل إلى الخاص ولهذا كانت أكثر
العمومات مخصصةً وأكثر الظواهر الخاصة مقررة وبهذا يكون المطلق الدال على
واحد لا بعينه مرجحاً على العام.
التاسع والعشرون: أن يكون أحدهما عاماً
مخصصاً والآخر غير مخصص فالذي لم يدخله التخصيص أولى لعدم تطرق الضعف إليه
وعلى هذا فما كان عاماً من وجه وخاصا من وجه يكون مرجحاً على ما هو عام من
كل وجه وكذلك المطلق من وجه والمقيد من وجه مرجح على ما هو مطلق من كل وجه
وما هو منطوق من كل وجه مقدم على ما هو حقيقي من وجه دون وجه.
الثلاثون:
أن يكونا عامين إلا أن أحدهما من قبيل الشرط والجزاء والآخر من قبيل
النكرة المنفية فقد يمكن ترجح دلالة الشرط والجزاء لكون الحكم فيه معللاً
بخلاف النكرة المنفية والمعلل أولى من غير المعلل وقد يمكن ترجح دلالة نفي
النكرة بأن دلالته أقوى.
ولهذا كان خروج الواحد منه يعد خلفاً في الكلام
عند ما إذا قال لا رجل في الدار وكان فيها رجل بخلاف مقابله وبهذا تكون
دلالة النكرة المنفية أولى من جميع أقسام العموم.

الحادي والثلاثون:
أن تكون دلالة أحدهما من قبيل دلالة الشرط والجزاء والآخر من قبيل أسماء
الجموع فالأول أولى لأن أكثر من خالف في صيغ العموم وافق على صيغة الشرط
والجزاء ولأن الدلالة فيه مشيرة إلى الحكم والعلة بخلاف مقابله وبهذا يكون
أولى من باقي أقسام العموم.
الثاني والثلاثون: أن تكون دلالة أحدهما من
قبيل الجمع المعرف والآخر جمع منكر فالمعرف أولى لوجهين الأول أن بعض من
وافق على عموم الجمع المعرف خالف في المنكر فكان أقوى لقربه إلى الوفاق.
الثاني
أنه لا يدخله الإبهام بخلاف المنكر فكان أولى وربما رجح المنكر بكونه دالا
على عدد أقل من الجمع المعرف فكان أقرب إلى الخصوص فكان أولى.
الثالث
والثلاثون: أن يكون أحدهما اسم جمع معرف والآخر اسم جنس دخله الألف واللام
فاسم الجمع أولى لإمكان حمل اسم الجنس على الواحد المعهود بخلاف الجمع
المعرف فكان أقوى عموما وبهذا يكون مقدما على من و ما فمن وما أولى لعدم
احتمالهما للعهد واحتمال ما قابلهما له.
الرابع والثلاثون: أن يكون أحد الظاهرين مضطرباً في لفظه بخلاف الآخر فغير المضطرب أولى لأنه أدل على الحفظ والضبط.
الخامس
والثلاثون: أن يكون أحدهما قد دل على الحكم وعلته والآخر دل على الحكم دون
علته فالدال على العلة أولى لأنه أقرب إلى الإيضاح والبيان.
السادس
والثلاثون: أن يكون أحدهما قولاً والآخر فعلاً فالقول أولى لأنه أبلغ في
البيان من الفعل وإن كان أحدهما قولاً وفعلاً والآخر قول فقط فالقول والفعل
أولى لأنه أقوى في البيان.
السابع والثلاثون: أن يكون أحدهما مشتملاً
على زيادة لم يتعرض الآخر لها كرواية من روى أنه عليه السلام كبر في صلاة
العيد سبعا فإنها مقدمة على رواية من روى أربعاً لاشتمالها على زيادة علم
خفي على الآخر.
الثامن والثلاثون: أن يكون أحد المنقولين الظاهرين
إجماعاً والآخر نصاً وسواء كان من الكتاب أو السنة فالإجماع مرجح لأن النسخ
مأمون فيه بخلاف النص.
التاسع والثلاثون: أن يكونا إجماعين ظاهرين إلا
أن أحدهما قد دخل فيه جميع أهل العصر والآخر لم يدخل فيه سوى أهل الحل
والعقد فالذي دخل فيه الجميع أولى لأنه أغلب على الظن وأبعد عن الخلاف فيه.
الأربعون:
أن يكون أحدهما قد دخل فيه مع أهل الحل والعقد الفقهاء الذين ليسوا
أصوليين والأصوليون الذين ليسوا فقهاء وخرج عنه العوام والآخر بالعكس
فالأول أولى لقربهم من المعرفة والإحاطة بأحكام الشرع واستنباطها من
مداركها وبهذا المعنى يكون أيضاً ما دخل فيه الأصولي الذي ليس بفقيه ولم
يدخل فيه الفقيه أولى مما هو بالعكس لأن الأصولي أعرف بمدارك الأحكام
وكيفية تلقي الأحكام من المنطوق والمفهوم والأمر والنهي وغيره الحادي
والأربعون: أن يكون أحدهما قد دخل فيه المجتهد المبتدع الذي ليس بكافر
بخلاف الآخر فما دخل فيه المجتهد المبتدع أولى لأن الظاهر من حاله الصدق
ولأنه أبعد عن الخلاف.
الثاني والأربعون: أن يكون أحدهما قد دخل فيه
المجتهد المبتدع دون العوام والفروعيين الذين ليسوا أصوليين والأصوليون
الذين ليسوا فروعيين والآخر بعكسه فما دخل فيه المجتهد المبتدع أولى إذ
الخلل في قوله إنما هو من جهة كذبه فيما يقول والخلل في قول من عداه من
المذكورين إنما هو من جهله وعدم إحاطته وعدم كماله.
ولا يخفى أن احتمال وقوع الخلل بجهة الكذب من الفاسق لحرمته وتعلق الإثم به أنذر من الخلل الناشىء بسبب الجهل وعدم الإحاطة.
الثالث
والأربعون: أن يكون أحد الإجماعين من الصحابة والآخر من التابعين فإجماع
الصحابة أولى للثقة بعدالتهم وبعد تقاعدهم عن تحقيق الحق وإبطال الباطل
وغلبة جدهم وكثرة اجتهادهم في تمهيد أحكام الشريعة ولأنه أبعد عن خلاف من
خالف في إجماع غير الصحابة.
وعلى هذا فإجماع التابعين يكون مقدماً على
إجماع من بعدهم لقربهم من العصر الأول ولقوله عليه السلام: " خير القرون
القرن الذي أنا فيه ثم الذي يليه " فإجماعهم يكون أغلب على الظن.
الرابع والأربعون: أن يكون أحد الإجماعين قد انقرض عصره بخلاف الآخر فما انقرض عصره يكون أولى لاستقراره وبعده عن الخلاف.

الخامس
والأربعون: أن يكون أحدهما مأخوذاً عن انقسام الأمة في مسألة من المسائل
على قولين في أنه إجماع على نفي قول ثالث والإجماع الآخر على إثبات القول
الثالث فالإجماع على إثباته أولى لأنه أبعد عن اللبس وعما يقوله المنازع في
الأول من وجوه القدح ويبديه من الاحتمالات.
السادس والأربعون: أن يكون أحدهما مسبوقاً بالمخالفة بخلاف الآخر فالذي لم يسبق بالمخالفة أولى لأنه أغلب على الظن وأبعد عن الخلاف.
السابع
والأربعون: أن يكون أحدهما قد رجع بعض المجتهدين فيه عما حكم به موافقا
للباقين لدليل ظهر له بخلاف الآخر فما لم يرجع فيه بعض المجتهدين أولى
لبعده عن المناقضة والخلاف فيه.
الثامن والأربعون: أن يكون أحدهما إجماع
الصحابة إلا أنه لم يدخل فيه غير المجتهدين والآخر من إجماع التابعين إلا
أنه قد دخل فيه جميع أهل عصرهم فإجماع الصحابة أولى للوثوق بعدالتهم وزيادة
جدهم كما سبق تقريره وفي معنى هذا يكون قد رجع واحد من الصحابة عن الواقعة
بخلاف التابعين.
التاسع والأربعون: أن يكون أحدهما قد دخل فيه جميع أهل
العصر إلا أنه لم ينقرض عصرهم والآخر بالعكس فما دخل فيه جميع أهل العصر
أولى لأن غلبة الظن فيه متيقنة واحتمال الرجوع بسبب عدم انقراض العصر موهوم
وفي معناه أن يكون ما لم ينقرض عصره قد دخل فيه المجتهد المبتدع أو
الأصولي الذي ليس فروعياً أو الفروعي الذي ليس بأصولي والآخر بخلافه.
الخمسون:
أن يكون أحدهما غير مأخوذ من انقسام الأمة على قولين كما سبق إلا أنه
ينقرض عصره والآخر بعكسه فالأول أولى نظراً إلى أن جهة الإجماع فيه أقوى
بيقين أو رجوع الواحد عنه قبل انقراض العصر موهوم وفي معناه ما إذا كان أحد
الإجماعين قد انقرض عصره إلا أنه مسبوق بالمخالفة والآخر بعكسه.
الحادي
والخمسون: أن يكون أحد الإجماعين مأخوذاً من انقسام الأمة على قولين إلا
أنه غير مسبوق بمخالفة بعض المتقدمين والآخر بعكسه فالذي لم يكن مأخوذاً من
انقسام الأمة على قولين أولى لقوة الإجماع فيه.
وأما الترجيحات العائدة إلى المدلول.
الأول:
منها أن يكون حكم أحدهما الحظر والآخر الإباحة وهذا مما اختلف فيه فذهب
الأكثر كأصحابنا وأحمد بن حنبل والكرخي والرازي من أصحاب أبي حنيفة إلى أن
الحاظر أولى وذهب أبو هاشم وعيسى بن أبان إلى التساوي والتساقط.
والوجه في ترجيح ما مقتضاه الحظر أن ملابسة الحرام موجبة للمأثم بخلاف المباح فكان أولى بالاحتياط.
ولهذا
فإنه لو اجتمع في العين الواحدة حظر وإباحة كالمتولد بين ما يؤكل وما لا
يؤكل قدم التحريم على الإباحة وكذلك إذا طلق بعض نسائه بعينها ثم أنسيها
حرم وطء الجميع تقديما للحرمة على الإباحة وإليه الإشاره بقوله عليه
السلام: " ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال " وقال عليه
السلام: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " غير أنه قد يمكن ترجيح ما مقتضاه
الإباحة من جهة أخرى وهي أنا لو عملنا بما مقتضاه التحريم لزم منه فوات
مقصود الإباحة من الترك مطلقاً ولو عملنا بما مقتضاه الإباحة فقد لا يلزم
منه فوات مقصود الحظر لأن الغالب أنه إذا كان حراما فلا بد وأن تكون
المفسدة ظاهرة وعند ذلك فالغالب أن الملكف يكون عالماً بها وقادراً على
دفعها لعلمه بعدم لزوم المحذور من ترك المباح ولأن المباح مستفاد من
التخيير قطعاً بخلاف استفادة الحرمة من النهي لتردده بين الحرمة والكراهة
فكان أولى وعلى هذا فلا يخفى وجه الترجيح بين ما مقتضاه الحرمة وما مقتضاه
الندب.
الثاني: أن يكون مدلول أحدهما الحظر والآخر الوجوب فما مقتضاه
التحريم أولى لوجهين: الأول هو أن الغالب من الحرمة إنما هو دفع مفسدة
ملازمة للفعل أو تقليلها وفي الوجوب تحصيل مصلحة ملازمة للفعل أو تكميلها
واهتمام الشارع والعقلاء بدفع المفاسد أتم من اهتمامهم بتحصيل المصالح.
ولهذا
فإن من أراد فعلاً لتحصيل مصلحة ينفر عنه إذا عارضه في نظرة لزوم مفسدة
مساوية للمصلحة كمن رام تحصيل درهم على وجه يلزم منه فوات مثله وإذا كان ما
هو المقصود من التحريم أشد وآكد منه في الواجب كانت المحافظة عليه أولى.
ولهذا كان ما شرعت العقوبات فيه من فعل المحرمات أكثر من ترك الواجبات وأشد كالرجم المشروع في زنا المحصن.

الوجه الثاني أن إفضاء الحرمة إلى مقصودها أتم من إفضاء الوجوب إلى مقصوده فكانت المحافظة عليه أولى.
وذلك لأن مقصود الحرمة يتأتى بالترك وذلك كاف مع القصد له أو مع الغفلة عنه ولا كذلك فعل الواجب.
وأيضاً
فإن ترك الواجب وفعل المحرم إذا تساويا في داعية الطبع إليهما فالترك يكون
أيسر وأسهل من الفعل لتضمن الفعل مشقة الحركة وعدم المشقة في الترك.وما
يكون حصول مقصوده أوقع يكون أولى بالمحافظة عليه.
الثالث: أن يكون حكم
أحدهما الحرمة والآخر الكراهة فالحظر أولى لمساواته الكراهة في طلب الترك
وزيادته عليه بما يدل على اللوم عند الفعل ولأن المقصود منهما إنما هو
الترك لما يلزمه من دفع المفسدة الملازمة للفعل والحرمة أوفى لتحصيل ذلك
المقصود فكانت أولى بالمحافظة.
وأيضاً فإن العمل بالمحرم لا يلزم منه
إبطال دلالة المقتضي للكراهة وهو طلب الترك والعمل بالمقتضي للكراهة مما
يجوز معه الفعل وفيه إبطال دلالة المحرم ولا يخفى أن العمل بما لا يفضي إلى
الإبطال يكون أولى وبما حققناه في ترجيح المحرم على المقتضي للكراهة يكون
ترجيح الموجب على المقتضي للندب.
الرابع: أن يكون حكم أحدهما إثباتاً
والآخر نفياً وذلك كخبر بلال بأن النبي عليه السلام دخل البيت وصلى وخبر
أسامة أنه دخل ولم يصل فالنافي مرجح على المثبت خلافاً للقاضي عبد الجبار
في قوله إنهما سواء.
والمثبت وإن كان مترجحاً على النافي لاشتماله على
زيادة علم غير أن النافي لو قدرنا تقدمه على المثبت كانت فائدته التأكيد
ولو قدرنا تأخره كانت فائدته التأسيس وفائدة التأسيس أولى لما سبق تقريره
فكان القضاء بتأخيره أولى.
فإن قيل: إلا أنه يلزم من تأخره مخالفة الدليل المثبت ورفع حكمه دون تقدمه.
قلنا: هو معارض بمثله فإنا لو قدرنا تقدم النافي فالمثبت بعده يكون نافياً لحكمه ورافعاً له.
فإن
قيل: المثبت وإن كان رافعاً لحكم النافي على تقدير تأخره عنه فرافع لما
فائدته التأكيد ولو قدرنا تأخر النافي كان مبطلاً لما فائدته التأسيس فكان
فرض تأخر المثبت أولى.
قلنا: إلا أنه وإن كانت فائدة النافي التأكيد على
تقدير تقدمه فالمثبت يكون رافعاً لحكم تأسيسي وهو الباقي على الحال الأصلي
وزيادة ما حصل من النافي من التأكيد ولا كذلك ما لو كان النافي متأخراً
فإنه لا يرفع غير التأسيس وما لا يفضي إلى رفع التأسيس مع التأكيد يكون
أولى مما يفضي إلى رفع الأمرين معاً وما يقال من أن المثبت مفيد لما هو حكم
شرعي بالاتفاق والنافي غير مجمع على إفادته لحكم شرعي.
والغالب من
الشارع أنه لا يتولى بيان غير الشرعي فمع أنه غير سديد من جهة أن الحكم
الشرعي غير مقصود لذاته وإنما هو مقصود لحكمته لكونه وسيلة إليها وحكمة
الإثبات وإن كانت مقصودة فكذلك حكمة النفي فهو معارض من جهة أن الغالب من
الشارع على ما هو المألوف منه إنما هو التقرير لا التغيير وعلى هذا فالحكم
للنفي الأصلي يكون أولى من المغير.
الخامس: أن يكون حكم أحدهما معقولاً
والآخر غير معقول فما حكمه غير معقول وإن كان الثواب بتلقيه أكثر لزيادة
مشقته كما نطق به الحديث إلا أن مقصود الشارع بشرع ما هو معقول أتم مما ليس
بمعقول نظراً إلى سهولة الانقياد وسرعة القبول وما شرعه أفضى إلى تحصيل
مقصود الشرع يكون أولى.
ولهذا كان شرع المعقول أغلب من شرع غير المعقول
حتى إنه قد قيل إنه لا حكم إلا وهو معقول حتى في ضرب الدية على العاقلة
ونحوه مما ظن أنه غير معقول ولأن ما يتعلق بالمعقول من الفائدة بالنظر إلى
محل النص بالتعدية والإلحاق أكثر منه في غير المعقول فكان أولى وما كانت
جهة تعقله أقوى كما يأتي وجه التفصيل فيه في العلل فهو أولى.

السادس:
أن يكون أحدهما مشتملاً على زيادة لا وجود لها في الآخر كموجب الجلد مع
الموجب للجلد والتغريب فالموجب للزيادة يكون أولى لأن العمل بالزيادة غير
موجب لإبطال منطوق الآخر فيما دل عليه من وجوب الجلد وإجزائه عن نفسه
والعمل بالموجب للجلد فقط موجب لإبطال المنطوق في الدلالة على وجوب الزيادة
وما لا يفضي إلى إبطال حكم الدليل أولى مما يفضي إلى الإبطال ولأن دلالة
الموجب للجلد على نفي الزيادة غير مأخوذة من منطوق اللفظ ووجوب الزيادة
مأخوذ من منطوق اللفظ ومخالفة ما ليس بمنطوق بالمنطوق أولى من العكس لما
تقدم.
السابع: أن يكون موجب أحدهما الجلد والآخر الدرء فالدارىء يكون
أولى نظراً إلى ما حققناه في ترجيح ما حكمه النفي على ما حكمه الإثبات ولأن
الخطأ في نفي العقوبة أولى من الخطإ في تحقيقها على ما قال عليه السلام : "
لأن يخطىء في العفو خير من أن يخطىء في العقوبة " ولأن ما يعترض الحد من
المبطلات أكثر مما يعترض الدرء فكان أولى لبعده عن الخلل وقربه إلى المقصود
ولأنه على خلاف الدليل النافي للحد والعقوبة.
الثامن: أن يكون حكم
أحدهما وقوع الطلاق أو العتق وحكم الآخر نفيه قال الكرخي ما حكمه الوقوع
أولى لأنه على وفق الدليل النافي لملك البضع وملك اليمين والنافي لهما على
خلافه ويمكن أن يقال بل النافي لهما أولى لأنه على وفق الدليل المقتضي لصحة
النكاح وإثبات ملك اليمين المترجح على النفي له.
التاسع: أن يكون حكم
أحدهما تكليفياً وحكم الآخر وضعيا فالتكليفي وإن اشتمل على زيادة الثواب
المرتبط بالتكليف وكان لأجله راجحا فالوضعي من جهة أنه لا يتوقف على ما
يتوقف عليه الحكم التكليفي من أهلية المخاطب وفهمه وتمكنه من الفعل يكون
مترجحاً.
العاشر: أن يكون حكم أحدهما أخف من الآخر فقد قيل إن الأخف
أولى لأن الشريعة مبناها على التخفيف على ما قال الله تعالى: " يريد الله
بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " البقرة 185 وقال تعالى: " ما جعل عليكم في
الدين من حرج " الحج 78 وقال عليه السلام: " لا ضرر ولا ضرار في الإسلام "
وقيل إن الأثقل أولى نظراً إلى الشرعية إنما يقصد بها مصالح المكلفين
والمصلحة في الفعل الأشق أعظم منها في الفعل الأخف على ما قال عليه السلام:
" ثوابك على قدر نصبك " ولأن الغالب على الظن إنما هو تأخره عن الأخف
نظراً إلى المألوف من أحوال العقلاء فإن من قصد تحصيل مقصود بفعل من
الأفعال ولم يحصل به لا يقصد تحصيله بما هو أخف منه بل بما هو أعلى منه
فبتقدير تقدم الأخف على الأثقل يكون موافقا لنظر أهل العرف فكان أولى ولأن
زيادة ثقله تدل على تأكد المقصود منه على مقصود الأخف فالمحافظة عليه تكون
أولى.
الحادي عشر: أن يكون كل واحد من الخبرين خبراً واحداً إلا أن حكم
أحدهما مما تعم به البلوى بخلاف حكم الآخر فما لا تعم به البلوى أولى لكونه
أبعد عن الكذب من جهة أن تفرد الواحد بنقل ما تعم به البلوى مع توفر
الدواعي على نقله أقرب إلى الكذب كما تقرر قبل ولهذا كان مختلفاً فيه
ومتفقاً على مقابله.
وأما الترجيحات العائدة إلى أمر خارج.
الأول:
منها أن يكون أحد الدليلين موافقاً لدليل آخر من كتاب أو سنة أو إجماع أو
قياس أو عقل أو حسً والآخر على خلافه فما هو على وفق الدليل الخارج أولى
لتأكد غلبة الظن بقصد مدلوله ولأن العمل به وإن أفضى إلى مخالفة مقابله وهو
دليل واحد فالعمل بمقابله يلزم منه مخالفة دليلين والعمل بما يلزم معه
مخالفة دليل واحد أولى مما يلزم منه مخالفة دليلين.
الثاني: أن يكون
أحدهما قد عمل بمقتضاه علماء المدينة أو الأئمة الأربعة أو بعض الأمة بخلاف
الآخر فما عمل به يكون أولى أما ما عمل به أهل المدينة فلأنهم أعرف
بالتنزيل وأخبر بمواقع الوحي والتأويل وكذلك الأئمة والخلفاء الراشدون لحث
النبي عليه السلام على متابعتهم والاقتداء بهم على ما سبق تعريفه وذلك يغلب
على الظن قوته في الدلالة وسلامته عن المعارض وعلى هذا أيضا ما عمل
بمقتضاه بعض الأمة يكون أغلب على الظن فكان أولى وفي معنى هذا أن يعتضد كل
واحد منهما بدليل غير أن ما عضد أحدهما راجح على ما عضد الآخر أو أن يعمل
بكل واحد منهما بعض الأمة غير أن من عمل بأحدهما أعرف بمواقع الوحي
والتنزيل فيكون أولى.

الثالث: أن يكون كل واحد منهما مؤولاً إلا أن دليل التأويل في أحدهما أرجح من دليل التأويل في الآخر فهو أولى لكونه أغلب على الظن.
الرابع:
أن يكون أحدهما دالا على الحكم والعلة والآخر على الحكم دون العلة فما يدل
على العلة يكون أولى لقربه إلى المقصود بسبب سرعة الانقياد وسهولة القبول
ولدلالته على الحكم من جهة لفظه ومن جهة دلالته عليه بواسطة دلالته على
العلة وما دل على الحكم بجهتين يكون أولى ولأن العمل به يلزمه مخالفة ما
قابله من جهة واحدة والعمل بالمقابل يلزم منه مخالفة الدليل الآخر على
الحكم من جهتين فكان أولى وربما رجح ما لم يدل على العلة من جهة أن المشقة
في قبوله أشد والثواب عليه أعظم إلا أنه مرجوح بالنظر إلى مقصود التعقل
ولذلك كان هو الأغلب.
الخامس: أن يدل كل واحد منهما على الحكم والعلة
إلا أن دلالة أحدهما على العلية أقوى من دلالة الآخر عليها كما بيناه فيما
تقدم فالأقوى يكون أولى لكونه أغلب على الظن.
السادس: أن يكونا عامين
إلا أن أحدهما ورد على سبب خاص بخلاف الآخر وعند ذلك فتعارضهما إما أن يكون
بالنسبة إلى ذلك السبب الخاص أو بالنسبة الى غيره فإن كان الأول فالوارد
على ذلك السبب يكون أولى لكونه أمر به ولأن محذور المخالفة فيه نظراً إلى
أن تأخير البيان عما دعت الحاجة إليه يكون أتم من المحذور اللازم من
المخالفة في الآخر لكونه غير وارد فيها.
وإن كان الثاني فالعام المطلق
يكون أولى لأن عمومه أقوى من عموم مقابله لاستوائهما في صيغة العموم وغلبة
الظن بتخصيص ما ورد على الواقعة بها نظراً إلى بيان ما دعت الحاجة إليه
وإلى أن الأصل إنما هو مطابقة ما ورد في معرض البيان لما مست إليه الحاجة
ولأن ما ورد على السبب الخاص مختلف في تعميمه عند القائلين بالعموم بخلاف
مقابله وعلى هذا فمحذور المخالفة في العام المطلق يكون أشد.
السابع: أن
يكون أحدهما قد وردت به المخاطبة على سبيل الإخبار بالوجوب أو التحريم أو
غيره كما في قوله تعالى " : والذين يظاهرون منكم من نسائهم " المجادلة 2 أو
في معرض الشرط والجزاء كما في قوله تعالى: " ومن دخله كان آمناً " آل
عمران 98 والآخر وردت المخاطبة به شفاها كما في قوله تعالى: " يا أيها
الذين آمنوا كتب عليكم الصيام " البقرة 183.
فإن تقابلا في حق من وردت
المخاطبة إليه شفاها فخطاب المشافهة أولى وإن كان ذلك بالنظر إلى غير من
وردت المخاطبة إليه شفاها كان الآخر أولى لما حققناه في معارضة العام
المطلق والوارد على السبب المعين ولأن الخطاب شفاهاً إنما يكون للحاضر من
الموجودين وتعميمه بالنسبة إلى غيرهم إنما يكون بالنظر إلى دليل آخر إما من
إجماع الأمة على أنه لا تفرقة أو من قوله عليه السلام: " حكمي على الواحد
حكمي على الجماعة " .
الثامن: أن يكون أحدهما مما يجوز تطرق النسخ إليه
أو قد اختلف في تطرق النسخ إليه بخلاف الآخر فالذي لا يقبل النسخ يكون أولى
لقلة تطرق الأسباب الموهية إليه.
التاسع: أن يكونا عامين إلا أن أحدهما
قد اتفق على العمل به في صورة بخلاف الآخر فما اتفق على العمل به وإن كان
قد يغلب على الظن زيادة اعتباره إلا أن العمل بما لم يعمل به في صورة متفق
عليها أولى إذ العمل به مما لا يفضي إلى تعطيل الآخر لكونه قد عمل به في
الجملة والعمل بما عمل به يفضي إلى تعطيل ما لم يعمل به وما يفضي إلى
التأويل أولى مما يفضي إلى التعطيل.
وما عمل به في الصورة المتفق عليها
وإن لزم أن يكون فيها راجحاً على العام المقابل إلا أنه يحتمل أن يكون
الترجيح له لأمر خارج لا وجود له في محل النزاع وهو وإن كان المرجح الخارج
بعيد الوجود لكن يجب اعتقاد وجوده نفيا لإهمال العام الآخر.
فإن قيل: لو
كان له مرجح من خارج لوقفنا عليه بعد البحث التام وقد بحثنا فلم نجد شيئاً
من ذلك واحتمال مخالفة السبر أيضاً بعيد فهو معارض بمثله فإنه لو كان
رجحانه لمعنى يعود إلى نفسه لوقفنا عليه بعد البحث وقد بحثنا فلم نجده.
وعند ذلك فيتقاوم الكلامان وقد يسلم لنا ما ذكرناه أولاً.

العاشر:
أن يكون أحدهما قد قصد به بيان الحكم المختلف فيه بخلاف الآخر فالذي قصد
به البيان للحكم يكون أولى لأنه يكون أمس بالمقصود وذلك كما في قوله تعالى:
" وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف " النساء 23 فإنه قصد به بيان
تحريم الجمع بين الأختين في الوطء بملك اليمين فإنه مقدم على قوله تعالى: "
أو ما ملكت أيمانكم " حيث لم يقصد به بيان الجمع.
الحادي عشر: أن يكون
أحدهما أقرب إلى الاحتياط وبراءة الذمة بخلاف الآخر فالأقرب إلى الاحتياط
يكون مقدما لكونه أقرب إلى تحصيل المصلحة ودفع المضرة.
الثاني عشر: أن
يكون أحدهما يستلزم نقص الصحابي كحديث القهقهة في الصلاة بخلاف الآخر فالذي
لا يستلزم ذلك أولى لكونه أقرب إلى الظاهر الموافق لحال الصحابي ووصف الله
له بالعدالة على ما قال تعالى: " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً " البقرة 143 أي
عدولاً الثالث عشر: أن يقترن بأحد الخبرين تفسير الراوي بفعله أو قوله
فإنه يكون مرجحاً على ما ليس كذلك لأن الراوي للخبر يكون أعرف وأعلم بما
رواه.
الرابع عشر: أن يذكر أحد الراويين سبب ورود ذلك النص بخلاف الآخر فالذاكر للسبب أولى لأن ذلك يدل على زيادة اهتمامه بما رواه.
الخامس
عشر: أن يكون قد اقترن بأحد الخبرين ما يدل على تأخيره عن الآخر كالخبر
الذي ظهر بعد استظهار النبي عليه السلام وقوة شوكته بخلاف الآخر فالظاهر
بعد قوة شوكة النبي عليه السلام أولى لأن احتمال ظهور مقابله قبل قوة
الشوكة أكثر من احتمال وقوع ما ظهر بعد قوة الشوكة فكان تأخيره أغلب على
الظن فكان أولى.
وفي معناه أن يكون أحد الراويين متأخر الإسلام عن الآخر
فالغالب أن ما رواه عن النبي عليه السلام بعد إسلامه فروايته أولى لأن
رواية الآخر يحتمل أن تكون قبل إسلام المتأخر ويحتمل أن تكون بعد إسلامه
فكان تأخير ما رواه متأخر الإسلام أغلب على الظن وفي معناه أن يعلم أن موت
متقدم الإسلام كان متقدماً على إسلام المتأخر وكذلك إذا علمنا أن غالب
رواية أحد الراويين قبل الغالب من رواية الآخر فروايته تكون مرجوحة لأن
الغالب تقدم ما رواه وكذلك إذا كانت رواية أحدهما مؤرخة بتاريخ مضيق دون
الآخر فاحتمال تقدم غير المؤرخة يكون أغلب وكذلك إذا كان أحد الخبرين يدل
على التخفيف والآخر على التشديد فاحتمال تأخر التشديد أظهر لأن الغالب منه
عليه السلام أنه ما كان يشدد إلا بحسب علو شأنه واستيلائه وقهره ولهذا أوجب
العبادات شيئا فشيئا وحرم المحرمات شيئاً فشيئاً.
القسم الثاني

في التعارض الواقع بين معقولين والمعقولان

إما
قياسان أو استدلالان أو قياس واستدلال فإن كان التعارض بين قياسين
فالترجيح بينهما قد يكون بما يعود إلى أصل القياس وقد يكون بما يعود إلى
فرعه وقد يكون بما يعود إلى مدلوله وقد يكون بما يعود إلى أمر خارج.
فأما ما يعود إلى الأصل فمنه ما يعود إلى حكمه ومنه ما يعود إلى علته فأما ما يعود إلى حكم الأصل فترجيحات.
الأول:
أن يكون الحكم في أصل أحدهما قطعياً وفي الآخر ظنياً فما حكم أصله قطعي
أولى لأن ما يتطرق إليه من الخلل بسبب حكم الأصل منفي ولا كذلك الآخر فكان
أغلب على الظن وفي معنى هذا ما يكون الحكم في أصل أحدهما ممنوعا وفي الآخر
غير ممنوع فغير الممنوع يكون أولى.
الثاني: أن يكون حكم الأصل فيهما ظنياً غير أن الدليل المثبت لأحدهما أرجح من المثبت للآخر فيكون أولى.
الثالث: أن يكون حكم الأصل في أحدهما مما اختلف في نسخه بخلاف الآخر فالذي لم يختلف في نسخه أولى لبعده عن الخلل.
الرابع:
أن يكون الحكم في أصل أحدهما غير معدول به عن سنن القياس كما ذكرناه فيما
تقدم بخلاف الآخر فما لم يعدل به عن سنن القياس أولى لكونه أبعد عن التعبد
وأقرب إلى المعقول وموافقة الدليل.
الخامس: أن يكون حكم الأصل في أحدهما
قد قام دليل خاص على وجوب تعليله وجواز القياس عليه ولا كذلك الآخر فما
قام الدليل فيه على وجوب تعليله وجواز القياس عليه أولى وإن لم يكون ذلك
شرطاً في صحته كما سبق لما فيه من الأمن من غائلة التعبد والقصور على الأصل
ولبعده عن الخلاف.
السادس: أن يكون حكم أحد الأصلين مما اتفق القياسون
على تعليله والآخر مختلف فيه فما اتفق على تعليله أولى إذ هو أبعد عن
الالتباس وأغلب على الظن.

السابع: أن يكون حكم أحد الأصلين قطعياً لكنه
معدول به عن سنن القياس والآخر ظني لكنه غير معدول به عن سنن القياس فالظني
الموافق لسنن القياس أولى لكونه موافقاً للدليل وأبعد عن التعبد.
الثامن:
أن يكون حكم أحدهما في الأصل قطعياً إلا أنه لم يقم دليل خاص على وجوب
تعليله وعلى جواز القياس عليه وحكم الآخر ظني إلا أنه قد قام الدليل على
وجوب تعليله وعلى جواز القياس عليه فما حكمه قطعي أولى لأن ما يتطرق إليه
من الخلل إنما هو بسبب قربه من احتمال التعبد والقصور على الأصل المعين وما
يتطرق إلى الظني من الخلل فمن جهة أن يكون الأمر في نفسه خلاف ما ظهر
واحتمال التعبد والقصور على ما ورد الشرع فيه بالحكم أبعد من احتمال ظن
الظهور لما ليس بظاهر والترك للعمل بما هو ظاهر.
التاسع: أن يكون حكم
أصل أحدهما قطعياً إلا أنه لم يتفق على تعليله وحكم الآخر ظني إلا أنه متفق
على تعليله فالظني المتفق على تعليله أولى لأن تعدية الحكم من الأصل إلى
الفرع إنما هو فرع تعقل العلة في الأصل وتحقق وجودها في الفرع واحتمال
معرفة ذلك فيما هو متفق عليه أغلب واحتمال الخلل بالنظر إلى الحكم الظني
وإن كان قائماً ومأموناً في جانب الحكم القطعي إلا أن احتمال قطع القياس
فيما لم يتفق على تعليله لعدم الاطلاع على ما هو المقصود من حكم الأصل أغلب
من احتمال انقطاع القياس لخلل ملتحق بالظاهر الدال على حكم الأصل مع ظهور
دليله وعدم الاطلاع عليه بعد البحث التام فيه.
العاشر: أن يكون دليل
ثبوت الحكم في أصل أحدهما أرحج من الآخر إلا أنه مختلف في نسخه بخلاف الآخر
فما دليله راجح أولى لأن الأصل عدم النسخ وقول النسخ معارض بقول عدم النسخ
فكان احتمال عدم النسخ أرجح.
الحادي عشر: أن يكون دليل ثبوت الحكم في
أحدهما راجحا على دليل حكم أصل الآخر إلا أنه معدول به عن سنن القياس
والقاعدة العامة بخلاف الآخر فما لم يعدل به عن القاعدة أولى لأنه يلزم من
العمل به الجري على وفق القاعدة العامة التي ورد الحكم في القياس الآخر على
خلافها غير أنه يلزم منه إهمال جانب الترجيح في الآخر وما يلزم من العمل
بالآخر فإنما هو اعتبار ظهور الترجيح لكن مع مخالفة القاعدة المتفق عليها
واحتمال مخالفة القواعد العامة المتفق عليها أبعد من احتمال مخالفة الشذوذ
من ظواهر الأدلة كيف وإن العمل بما دليل ثبوت حكم أصله ظني محافظة على أصل
الدليل الظني والقاعدة العامة والعمل بما ظهر الترجيح في دليل ثبوت حكمه
فيه الموافقة لما ظهر من الترجيح ومخالفة القاعدة وأصل الدليل الآخر ولا
يخفى أن العمل بما يلزم منه موافقة ظاهرين ومخالفة ظاهر واحد أولى من
العكس.
الثاني عشر: أن يكون دليل ثبوت حكم أصل أحدهما راجحاً على دليل
الآخر إلا أنه لم يقم دليل خاص على وجوب تعليله وعلى جواز القياس عليه
بخلاف الآخر فما ظهر الترجيح في دليله أولى لما ذكرناه فيما إذا كان الحكم
قطعياً.
الثالث عشر: أن يكون دليل ثبوت حكم أصل أحدهما أرجح من دليل
الآخر إلا أنه غير متفق على تعليله بخلاف الآخر فما اتفق على تعليله أولى
لما ذكرناه فيما إذا كان حكم الأصل في أحدهما قطعياً والآخر ظنياً.
الرابع
عشر: أن يكون حكم أصل أحدهما مما اتفق على عدم نسخه إلا أنه معدول به عن
القاعدة العامة بخلاف الآخر فما لم يعدل به عن القاعدة أولى لما سبق
تحقيقه.
الخامس عشر: أن يكون حكم أصل أحدهما غير معدول به عن القاعدة
العامة إلا أنه لم يقم دليل خاص على وجوب تعليله وجواز القياس عليه بخلاف
الآخر فما هو على وفق القاعدة العامة أولى لأن العمل به عمل بأغلب ما يرد
به الشرع والعمل بمقابله بالعكس ولأن أكثر من قال باشتراط كون الحكم في
الأصل غير معدول به عن القاعدة العامة خالف في اشتراط قيام الدليل على وجوب
تعليل الحكم وجواز القياس عليه ولم يشترط غير الشذوذ فكونه غير معدول به
عن القاعدة العامة أمس بالقياس.

السادس عشر: أن يكون حكم أصل أحدهما
غير معدول به عن القاعدة العامة إلا أنه لم يتفق على تعليله والآخر بعكسه
فما اتفق على تعليه أولى لأن كل واحد من القياسين وإن كان مختلفاً فيه إلا
أن احتمال وقوع التعبد في القياس يبطله قطعا ومخالفة القاعدة العامة غير
مبطلة للقياس قطعا وما يبطل القياس قطعاً بتقدير وقوعه يكون مرجوحاً
بالنسبة إلى ما لا يبطله قطعاً.
وأما الترجيحات العائدة إلى علة حكم الأصل فمنها ما يرجع إلى طريق إثباتها ومنها ما يرجع إلى صفتها.
أما الترجيحات العائدة إلى طرق إثباتها.
فالأول:
منها أن يكون وجود علة أحد القياسين مقطوعاً به في أصله بخلاف علة الآخر
فما وجود علته في أصله قطعي أولى وسواء كان وجودها معقولاً أو محساً
مدلولاً عليه أو غير مدلول لكونه أغلب على الظن.
وفي معنى هذا أن يكون وجود العلتين مظنوناً غير أن ظن وجود إحداهما أرجح من الاخرى فقياسها أولى لأنها أغلب على الظن.
الثاني: أن يكون دليل علية الوصف في أحد القياسين قطعياً وفي الآخر ظنياً فيكون أولى لأنه أغلب على الظن.
الثالث: أن يكون دليل العلتين ظنياً غير أن دليل إحدى العلتين أرجح من دليل الأخرى فما دليلها أرجح فقياسها أولى لأنه أغلب على الظن.
الرابع:
أن يكون طريق علية الوصف فيهما الاستنباط إلا أن دليل إحدى العلتين السبر
والتقسيم والأخرى المناسبة فما طريق ثبوت العلية فيه السبر والتقسيم يكون
أولى لأن الحكم في الفرع كما يتوفف على تحقق مقتضيه في الأصل يتوقف على
انتفاء معارضه في الأصل والسبر والتقسيم فيه التعرض لبيان المقتضي وإبطال
المعارض بخلاف إثبات العلة بالإحالة فكان السبر والتقسيم أولى.
فإن قيل:
وصف العلة لا بد وأن يكون مناسباً في نفس الأمر أو شبهياً لامتناع التعليل
بالوصف الطروي ولا يخفى أن احتمال عدم المناسبة بعد إظهارها بالطريق
التفصيلي أبعد من احتمال عدمها في السبر والتقسيم حيث لم يتعرض فيه لبيانها
تفصيلا فكان طريق المناسبة أولى.
قلنا: إلا أن التعرض لمناسبة الوصف لا
دلالة له بوجه على نفي المعارض في الأصل فإنه لامتناع من اجتماع مناسبين
في محل واحد على حكم واحد ودلالة البحث والسبر على مناسب في الأصل غير
الوصف المشترك مع أن الأصل أن يكون الحكم معقول المعنى وأن يدل على أن
الوصف المشترك مناسب ولا يخفى أن ما يدل على مناسبة العلة وعلى انتفاء
معارضها أولى مما يدل على مناسبتها ولا يدل على انتفاء معارضها.
فإن
قيل: إلا أن طريق إثبات العلة بالمناسبة أو الشبه أدل على مناسبة الوصف بعد
إظهارها من دلالة السبر والتقسيم على انتفاء وصف آخر لاحتمال أن يصدق
الناظر في قوله وأن يكذب وبتقدير صدقه فظهور ذلك مختص به دون غيره بخلاف
طريق المناسبة فإنه ظاهر بالنظر إلى الخصمين.
قلنا: بل العكس أولى وذلك
لأن الخلل العائد إلى دليل نفي المعارض إنما هو بالكذب أو الغلط لعدم الظفر
بالوصف ولا يخفى أن وقوع الغلط مع كون الوصف المبحوث عنه ظاهراً جلياً
ووقوع الكذب مع كون الباحث عدلاً أبعد من احتمال وقوع الغلط فيما أبدى من
المناسبة مع كونها خفية مضطربةً.
الخامس: أن يكون نفي الفارق في أصل أحد
القياسين مقطوعاً به وفي الآخر مظنونا فما قطع فيه بنفي الفارق يكون أولى
لكونه أغلب على الظن.
السادس: أن يكون طريق ثبوت إحدى العلتين السبر
والتقسيم والأخرى الطرد والعكس فما طريق ثبوته السبر والتقسيم أولى إذ هو
دليل ظاهر على كون الوصف علة وما دار الحكم معه وجوداً وعدماً غير ظاهر
العلية لأن الحكم قد يدور مع الأوصاف الطردية كما في الرائحة الفائحة
الملازمة للشدة المطربة الدائرة مع تحريم الشرب وجوداً وعدماً مع أنها ليست
علة لأن العلة لا بد وأن تكون في الأصل بمعنى الباعث لا بمعنى الأمارة كما
سبق تقريره.
والرائحة الفائحة ليست باعثة إذ لا يشم منها رائحة
المناسبة وكما أنه غير ظاهر في الدلالة على علية الوصف فلا دلالة له على
ملازمة العلة لما قدمناه في إبطال الطرد والعكس.
وبهذا يكون القياس الذي طريق إثبات العلية فيه المناسبة أولى مما طريق إثباتها فيه الطرد والعكس.
وأما الترجيحات العائدة إلى صفة العلة.
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب الاحكام فى اصول القراءن الجزء الرابع عشر Empty رد: كتاب الاحكام فى اصول القراءن الجزء الرابع عشر {السبت 9 يوليو - 18:34}


فالأول: منها أنه إذا كانت علة الأصل في أحد القياسين حكماً شرعياً وفي
الآخر وصفاً حقيقياً فما علته وصف حقيقي أولى لوقوع الاتفاق عليه ووقوع
الخلاف في مقابله فكانت أغلب على الظن.
الثاني: أن تكون علة الحكم
الثبوتي في أحدهما وصفاً وجودياً وفي الآخر وصفاً عدمياً فما علته ثبوتية
أولى للاتفاق عليه ووقوع الخلاف في مقابله.
الثالث: أن تكون علة أحدهما بمعنى الباعث وفي الآخر بمعنى الأمارة فما علته باعثة أولى للاتفاق عليه.
الرابع:
أن تكون علة أحدهما وصفاً ظاهراً منضبطاً وفي الآخر بخلافه فما علته
مضبوطة أولى لأنه أغلب على الظن لظهوره ولبعده عن الخلاف.
الخامس: أن تكون علة أحدهما وصفاً متحداً وفي الآخر ذات أوصاف فما علته ذات وصف واحد أولى لأنه أقرب إلى الضبط وأبعد عن الخلاف.
السادس: أن تكون علة أحدهما أكثر تعديةً من علة الآخر فهو أولى لكثرة فائدته.
السابع: أن تكون علة أحدهما مطردةً بخلاف الآخر فما علته مطردة أولى لسلامتها عن المفسد وبعدها عن الخلاف.
وفي معنى هذا أن تكون علة أحدهما غير منكسرة بخلاف علة الآخر فما علته غير منكسرة أولى لبعدها عن الخلاف.
الثامن: أن تكون علة أحدهما منعكسة بخلاف علة الآخر فما علته منعكسة أولى لأنها أغلب على الظن وأبعد عن الخلاف.
التاسع: أن تكون علة أحدهما غير متأخرة عن الحكم بخلاف الآخر فما علته غير متأخرة أولى لبعده عن الخلاف.
العاشر:
أن تكون علة أحدهما مطردة غير منعكسة وعلة الآخر منعكسة غير مطردة
فالمطردة أولى لما بيناه من اشتراط الاطراد وعدم اشتراط الانعكاس ولهذا فإن
من سلم اشتراط الاطراد خالف في اشتراط الانعكاس.
الحادي عشر: أن يكون
ضابط الحكمة في علة أحد القياسين جامعاً للحكمة مانعاً لها بخلاف ضابط حكمة
العلة في القياس الآخر كما بيناه فالجامع المانع أولى لزيادة ضبطه وبعده
عن الخلاف.
الثاني عشر: أن تكون العلة في أحدهما غير راجعة على الحكم
الذي استنبطت منه برفعه أو رفع بعضه بخلاف الآخر فهو أولى لسلامة علته عما
يوهيها وبعدها عن الخلاف.
الثالث عشر: أن تكون علة أحد القياسين مناسبة
وعلة الآخر شبهية فما علته مناسبة أولى لزيادة غلبة الظن بها وزيادة
مصلحتها وبعدها عن الخلاف.
الرابع عشر أن يكون المقصود من إحدى العلتين
من المقاصد الضرورية كما بيناه من قبل والمقصود من العلة الأخرى غير ضروري
فما مقصوده من الحاجات الضرورية أولى لزيادة مصلحته وغلبة الظن به ولهذا
فإنه لم تخل شريعة عن مراعاته وبولغ في حفظه بشرع أبلغ العقوبات.
الخامس
عشر: أن يكون مقصود إحدى العلتين من الحاجات الزائدة ومقصود الأخرى من باب
التحسينات والتزيينات فما مقصوده من باب الحاجات الزائدة أولى لتعلق
الحاجة به دون مقابله.
السادس عشر: أن يكون مقصود إحدى العلتين من
مكملات المصالح الضرورية ومقصود الأخرى من أصول الحاجات الزائدة فما مقصوده
من مكملات الضروريات وإن كان تابعا لها ومقابله أصل في نفسه يكون أولى
ولهذا أعطى حكم أصله حتى شرع في شرب قليل الخمر ما شرع في كثيره.
السابع
عشر: أن يكون مقصود إحدى العلتين حفظ أصل الدين ومقصود الأخرى ما سواه من
المقاصد الضرورية فما مقصوده حفظ أصل الدين يكون أولى نظراً إلى مقصوده
وثمرته من نيل السعادة الأبدية في جوار رب العالمين وما سواه من حفظ الأنفس
والعقل والمال وغيره فإنما كان مقصوداً من أجله على ما قال تعالى: " وما
خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " .
فإن قيل: بل ما يفضي إلى حفظ مقصود
النفس أولى وأرجح وذلك لأن مقصود الدين حق الله تعالى ومقصود غيره حق
للآدمي وحق الآدمي مرجح على حقوق الله تعالى مبني على الشح والمضايقة وحقوق
الله تعالى مبنية على المسامحة والمساهلة من جهة أن الله تعالى لا يتضرر
بفوات حقه فالمحافظة عليه أولى من المحافظة على حق لا يتضرر مستحقه بفواته
ولهذا رجحنا حقوق الآدمي على حق الله تعالى بدليل أنه لو ازدحم حق الله
تعالى وحق الآدمي في محل واحد وضاق عن استيفائهما بأن يكون قد كفر وقتل
عمداً عدواناً فإنا نقتله قصاصاً لا بكفره.

وأيضا فإنا قد رجحنا
مصلحة النفس على مصلحة الدين حيث خففنا عن المسافر بإسقاط الركعتين وأداء
الصوم وعن المريض بترك الصلاة قائما وترك أداء الصوم وقدمنا مصلحة النفس
على مصلحة الصلاة في صورة إنجاء الغريق.
وأبلغ من ذلك أنا رجحنا مصلحة
المال على مصلحة الدين حيث جوزنا ترك الجمعة والجماعة ضرورة حفظ أدنى شيء
من المال ورجحنا مصالح المسلمين المتعلقة ببقاء الذمي بين أظهرهم على مصلحة
الدين حتى عصمنا دمه وماله مع وجود الكفر المبيح.
قلنا: أما النفس فكما
هي متعلق حق الآدمي بالنظر إلى بعض الأحكام فهي متعلق حق الله تعالى
بالنظر إلى أحكام أخر ولهذا يحرم عليه قتل نفسه والتصرف بما يفضي إلى
تفويتها فالتقديم إنما هو لمتعلق الحقين ولا يمتنع تقديم حق الله وحق
الآدمي على ما تمحض حقا لله كيف وإن مقصود الدين متحقق بأصل شرعية القتل
وقد تحقق والقتل بالفعل إنما هو لتحقيق الوعيد به والمقصود بالقصاص إنما هو
التشفي والانتقام ولا يحصل ذلك للوارث بشرع القتل دون القتل بالفعل على ما
يشهد به العرف فكان الجمع بين الحقين أولى من تضييع أحدهما كيف وإن تقديم
حق الآدمي ها هنا لا يفضي إلى تفويت حق الله فيما يتعلق بالعقوبة البدنية
مطلقاً لبقاء العقوبة الأخروية وتقديم حق الله مما يفضي إلى فوات حق الآدمي
من العقوبة البدنية مطلقاً فكان لذلك أولى.
وأما التخفيف عن المسافر
والمريض فليس تقديماً لمقصود النفس على مقصود أصل الدين بل على فروعه وفروع
الشيء غير أصل الشيء ثم وإن كان فمشقة الركعتين في السفر تقوم مقام مشقة
الأربع في الحضر وكذلك صلاة المريض قاعداً بالنسبة إلى صلاته قائماً وهو
صحيح فالمقصود لا يختلف.
وأما أداء الصوم فلأنه لا يفوت مطلقاً بل يفوت
إلى خلف وهو القضاء وبه يندفع ما ذكروه من صورة إنقاذ الغريق وترك الجمعة
والجماعة لحفظ المال أيضاً وبقاء الذمي بين أظهر المسلمين معصوم الدم
والمال ليس لمصلحة المسلمين بل لأجل اطلاعه على محاسن الشريعة وقواعد الدين
ليسهل انقياده ويتيسر استرشاده وذلك من مصلحة الدين لا من مصلحة غيره وكما
أن مقصود الدين مقدم على غيره من مقاصد الضروريات فكذلك ما يتعلق به من
مقصود النفس يكون مقدماً على غيره من المقاصد الضرورية أما بالنظر إلى حفظ
النسب فلأن حفظ النسب إنما كان مقصوداً لأجل حفظ الولد حتى لا يبقى ضائعاً
لا مربي له فلم يكن مطلوبا لعينه وذاته بل لأجل بقاء النفس مرفهة منعمة حتى
تأتي بوظائف التكاليف وأعباء العبادات.
وأما بالنظر إلى حفظ العقل فمن
جهة أن النفس أصل والعقل تبع فالمحافظة على الأصل أولى ولأن ما يفضي إلى
فوات النفس على تقدير أفضليته يفوتها مطلقا وما يفضي إلى تفويت العقل كشرب
المسكر لا يفضي إلى فواته مطلقاً فالمحافظة بالمنع مما يفضي إلى الفوات
مطلقاً أولى وعلى هذا أيضاً يكون المقصود في حفظ النسب أولى من المقصود في
حفظ العقل ومقدم على ما يفضي إلى حفظ المال لكونه مركب الأمانة وملاك
التكليف ومطلوباً للعبادة بنفسه من غير واسطة ولا كذلك المال ولهذا كانت
هذه الرتب مختلفة في العقوبات المرتبة عليها على نحو اختلافها في
أنفسها.وبمثل تفاوت هذه الرتب يكون التفاوت بين مكملاتها.
الثامن عشر:
أن يكون الوصف الجامع في أحد القياسين نفس علة حكم الأصل والآخر دليل علة
الأصل وملازمها فالذي فيه الجامع نفس العلة أولى لظهورها وركون النفس
إليها.
التاسع عشر: أن تكون علة الأصل في أحد القياسين ملائمةً وعلة الآخر غريبة فما علته ملائمة أولى لأنها أغلب على الظن وأبعد عن الخلاف.
العشرون:
أن تكون علة الأصلين منقوضةً إلا أنه قد ظهر في صورة النقض في أحدهما ما
يمكن إحالة النقض عليه من وجود مانع أو فوات شرط بخلاف الأخرى فهي أولى
لأنها أغلب على الظن.
الحادي والعشرون: أن تكون علة أحد القياسين قد
يتخلف عنها مدلولها في صورة بطريق الاستثناء على خلاف القاعدة العامة
والأخرى يتخلف عنها حكمها لا على جهة الاستثناء فالتي يتخلف عنها حكمها
بجهة الاستثناء تكون أولى لقربها إلى الصحة وبعدها عن الخلاف.
الثاني
والعشرون: أن تكون علة أحد القياسين قد خلفها في صورة النقض ما هو أليق بها
لكون مناسبتها فيها أشد كما ذكرناه فيما تقدم بخلاف الأخرى فهي أولى لتبين
عدم إلغائها بخلاف الأخرى.

الثالث والعشرون: أن تكون علة أحد
القياسين لا مزاحم لها في أصلها بخلاف الأخرى فالتي لا مزاحم لها أولى
لأنها أغلب على الظن وأقرب إلى التعدية وعلى هذا يكون ما رجحانها على
مزاحمها أكثر مقدمة أيضاً.
الرابع والعشرون: أن تكون علة أحد القياسين
مقتضية للإثبات والأخرى مقتضيةً للنفي فالنافية تكون أولى لأن مقتضاها يتم
على تقدير رجحانها وعلى تقدير مساواتها ومقتضى المثبتة لا يتم إلا على
تقدير رجحانها وما يتم مطلوبه على تقدير من تقديرين يكون أغلب على الظن مما
لا يتم مطلوبه إلا على تقدير واحد معين.
فإن قيل: إلا أن العلة المثبتة
مقتضاها حكم شرعي بالاتفاق بخلاف النافية وما فائدتها شرعية بالاتفاق تكون
أولى وأيضاً فإنه يجب اعتقاد اختصاص أصل النافية بمعنى لا وجود له في
الفرع تقليلا لمخالفة الدليل كيف وإن ما ذكرتموه من الترجيح للنافية غير
مستقيم على رأي من يعتقد التخيير عند تساوي الدليلين المتعارضين وعلى هذا
فيتساوى القدمان.
قلنا: أما كون حكم إحدى العلتين شرعي فلا يرجح به لأن
الحكم إنما كان مطلوباً لا لنفسه بل لما يفضي إليه من الحكم به والشارع كما
يود تحصيل الحكمة بواسطة ثبوت الحكم يود تحصيلها بواسطة نفيه كيف وإن
العلة النافية متأيدة بالنفي الأصلي والمثبتة على خلافه فكانت أولى.
وما
قيل من وجوب اعتقاد اختصاص النافية بمعنى في الأصل لا وجود له في الفرع
فهو معارض بمثله في المثبتة وأنه يجب اعتقاد اختصاص أصلها بمعنى لا وجود له
في الفرع تقليلاً لمخالفة الدليل النافي وليس أحدهما أولى من الآخر
والتخيير وإن كان مقولاً به عند تعارض الدليلين مع التساوي من كل وجه فليس
إلا على بعض الآراء الشاذة بالنسبة إلى ما قابله كيف وإن الحكم إنما يثبت
لما يصلح أو يكون مقصوداً وإثبات الحكم عند التعارض من كل وجه لتحصيل مصلحة
على وجه يلزم منه مفسدة مساويه لا يصلح أن يكون مقصودا فالحكم يكون منتفيا
لانتفاء مقصوده.
الخامس والعشرون أن تكون حكمة إحدى العلتين قد اختلت
احتمالاً لمانع أخل بها دون الأخرى فالتي لا يختل حكمها احتمالاً أولى
لقربها إلى الظن وبعدها عن الخلل والخلاف.
السادس والعشرون: أن تكون علة أحد القياسين أفضى إلى تحصيل مقصودها من الأخرى فتكون أولى لزيادة مناسبتها بسبب ذلك.
السابع
والعشرون: أن تكون علة أحد القياسين مشيرة إلى نقيض المطلوب ومناسبة له من
وجه بخلاف الأخرى فما لا تكون مناسبةً لنقيض المطلوب تكون أولى لكونها
أظهر في إفضائها إلى حكمها وأغلب على الظن وأبعد عن الاضطراب.
الثامن
والعشرون: أن تكون علة أحد القياسين متضمنة لمقصود يعم جميع المكلفين
والأخرى متضمنة لمقصود يرجع إلى آحادهم فالأولى أولى لعموم فائدتها.
التاسع والعشرون أن تكون علة أحد القياسين أكثر شمولاً لمواقع الخلاف من الأخرى فتكون أولى لعموم فائدتها.
وأما
الترجيحات العائدة إلى الفرع فأربعة : الأول أن يكون فرع أحد القياسين
مشاركاً لأصله في عين الحكم وعين العلة وفرع الآخر مشاركاً لأصله في جنس
الحكم وجنس العلة أو جنس الحكم وعين العلة أو بالعكس فما المشاركة فيه في
عين العلة وعين الحكم أولى لأن التعدية باعتبار الاشتراك في المعنى الأخص
والأعم أغلب على الظن من الاشتراك في المعنى الأعم.
وعلى هذا فما
المشاركة فيه بين الأصل والفرع عين أحد الأمرين: إما الحكم أو العلة تكون
أولى مما المشاركة فيه بين أصله وفرعه في جنس الأمرين وإن كان فرع أحدهما
مشاركاً لأصله في عين العلة وجنس الحكم والآخر بعكسه فما المشاركة فيه في
عين العلة وجنس الحكم أولى لأن تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع إنما هي فرع
تعدية العلة فهي الأصل في التعدية وعليها المدار.
الثاني أن يكون الفرع
في أحد القياسين متأخراً عن أصله وفي الآخر متقدماً فما الفرع فيه متأخر
أولى لسلامته عن الاضطراب وبعده عن الخلاف وعلمنا بثبوت الحكم فيه بما
استنبط من الأصل.
الثالث أن يكون وجود العلة في أحد الفرعين قطعياً وفي
الآخر ظنياً فما وجود العلة فيه قطعي أولى لأن أغلب على الظن وأبعد عن
احتمال القادح فيه.
الرابع أن يكون حكم الفرع في أحدهما قد ثبت بالنص جملةً لا تفصيلاً بخلاف الآخر فإنه يكون أولى لأنه أغلب على الظن وأبعد عن الخلاف.

وأما
الترجيحات العائدة إلى حكم الفرع وإلى أمر خارج فعلى ما أسلفناه في
المنقولات وقد يتركب مما ذكرناه من الترجيحات ومقابلات بعضها لبعض ترجيحات
أخر خارجة عن الحصر لا يخفى إيجادها في مواضعها على من أخذت الفطانة بيده.
وقد أشرنا إلى جملة منها في كتابنا الموسوم بمنتهى المسالك في رتب السالك فعليك بمراجعته.
وعلى هذا فلا يخفى الترجيح المتعلق بالاستدلالات المتعارضة بالنظر إلى ذواتها وطرق إثباتها.
وأما التعارض الواقع بين المنقول والمعقول فالمنقول إما أن يكون خاصاً وإما عاماً.
فإن
كان خاصاً فإما أن يكون دالاً بمنظومه أو لا بمنظومه فإن كان الأول فهو
أولى لكونه أصلاً بالنسبة إلى الرأي وقلة تطرق الخلل إليه.
وإن كان الثاني فمنه ما هو ضعيف جداً ومنه ما هو قوي جدا ومنه ما هو متوسط بين الرتبتين.
والترجيح
إذ ذاك يكون على حسب ما يقع في نفس المجتهد من قوة الدلالة وضعفها وذلك
مما لا ينضبط ولا حاصر له بحيث تمكن الإشارة إليه في هذا الكتاب وإنما هو
موكول إلى الناظرين في آحاد الصور التي لا حصر لها.
وأما إن كان المنقول
عاماً فقد قيل بتقدم القياس عليه وقيل بتقدم العموم وقيل بالتوقف وقيل
يتقدم على جلي القياس دون خفيه وقيل يتقدم القياس على ما دخله التخصيص دون
ما لم يدخله.
والمختار إنما هو تقديم القياس وسواء كان جلياً أو خفياً
لأنه يلزم من العمل بعموم العام إبطال دلالة القياس مطلقاً ولا يلزم من
العمل بالقياس إبطال العام مطلقا بل غاية ما يلزم منه تخصيصه وتأويله.
ولا
يخفى أن الجمع بين الدليلين على وجه يلزم منه تأويل أحدهما أولى من العمل
بأحدهما وإبطال الآخر ولأن القياس يتناول المتنازع فيه بخصوصه والمنقول
يتناوله بعمومه والخاص أقوى من العام.
فإن قيل: إلا أن العموم أصل
والقياس فرع والأصل مقدم على الفرع وأيضاً فإن تطرق الخلل إلى العموم أقل
من تطرقه إلى القياس على ما سبق تقريره فكان أولى.
قلنا: أما الأول فإنما يلزم أن لو كان ما قيل بتقديم القياس عليه هو أصل ذلك القياس وليس كذلك بل جاز أن يكون فرعاً لغيره.
فإن قيل: وإن لم يكن فرعاً لذلك العام بعينه فهو فرع بالنسبة إلى ما هو من جنسه.
قلنا:
إلا أن ذلك لا يمنع من تخصيص العموم بالقياس وإلا لما جاز تخصيص عموم
الكتاب بخبر الواحد لكونه فرعاً بالنسبة إلى ما هو من جنسه وهو ممتنع على
ما سبق.
وما ذكروه من الترجيح الثاني فهو معارض بمثله فإن العام وإن كان
ظاهراً فيحتمل الخصوص واحتمال ذلك في الشرع أغلب من احتمال الغلط من
المجتهد المتبحر على ما لا يخفى.
ولهذا قيل إنه ما من عام إلا وهو مخصوص إلا في قوله تعالى: " والله بكل شيء عليم " البقرة 282 ولا كذلك القياس.
الباب الثاني

في الترجيحات الواقعة بين الحدود

الموصلة إلى المعاني المفردة التصورية

واعلم أن الحدود على اختلاف أنواعها منقسمة إلى عقلية وسمعية كانقسام الحجج.
غير
أن ما هو متعلق غرضنا هاهنا إنما هو السمعية ومن السمعية ما كان ظنياً
وعند تعارض الحدين السمعيين فقد يقع الترجيح بينهما من وجوه.
الأول أن
يكون أحدهما مشتملاً على ألفاظ صريحة ناصة على الغرض المطلوب من غير تجوز
ولا استعادة ولا اشتراك ولا غرابة ولا اضطراب ولا ملازمة بل بطريق المطابقة
أو التضمن بخلاف الآخر فهو أولى لكونه أقرب إلى الفهم وأبعد عن الخلل
والاضطراب.
الثاني أن يكون المعرف في أحدهما أعرف من المعرف في الآخر فهو أولى لكونه أفضى إلى التعريف.
الثالث
أن يكون أحدهما معرفا بالأمور الذاتية والآخر بالأمور العرضية فالمعرف
بالأمور الذاتية أولى لأنه مشارك للمعرف بالأمور العرضية في التمييز ومرجح
عليه بتصوير معنى الحدود.
الرابع أن يكون أحد الحدين أعم من الآخر فقد
يمكن أن يقال الأعم أولى لتناوله محدود الآخر وزيادة وما كان أكثر فائدة
فقد يمكن أن يقال بأن الأخص أولى نظراً إلى أن مدلوله متفق عليه ومدلول
الآخر من الزيادة مختلف فيه وما مدلوله متفق عليه أولى.
الخامس أن يكون أحدهما قد أتي فيه بجميع ذاتياته والآخر ببعضها مع التمييز فالأول يكون أولى لأنه أشد تعريفاً.

السادس أن يكون أحدهما على وفق النقل السمعي والآخر على خلافه فالموافق يكون أولى لبعده عن الخلل ولأنه أغلب على الظن.
السابع أن يكون طريق اكتساب أحدهما أرجح من طريق اكتساب الآخر فهو أولى لأنه أغلب على الظن.
الثامن
أن يكون أحدهما موافقاً للوضع اللغوي والآخر على خلافه أو أنه أقرب إلى
موافقته والآخر أبعد فالموافق أو ما هو أكثر موافقةً للوضع اللغوي يكون
أولى لأن الأصل إنما هو التقرير دون التغيير لكونه أقرب إلى الفهم وأسرع
إلى الانقياد.
ولهذا كان التقرير هو الغالب وكان متفقا عليه بخلاف التغيير فكان أولى.
التاسع
أن يكون أحدهما مما قد ذهب إلى العمل به أهل المدينة أو الخلفاء الراشدون
أو جماعة من الأمة أو واحد من المشاهير بالاجتهاد والعدالة والثقة بما يقول
بخلاف الآخر فهو أولى لكونه أغلب على الظن وأقرب إلى الانقياد.
العاشر
أن يلزم من العمل بأحدهما تقرير حكم الحظر والآخر تقرير الوجوب أو الكراهة
أو الندب فما يلزم منه تقرير الحظر أولى لما قدمناه في الحجج.
الحادي عشر أن يلزم من أحدهما تقرير حكم النفي والآخر الإثبات فالمقرر للنفي أولى لما سبق في الحجج.
الثاني عشر أن يلزم من أحدهما تقرير حكم معقول ومن الآخر حكم غير معقول فما يلزم منه تقرير حكم معقول أولى لما سبق في الحجج.
الثالث عشر أن يلزم من أحدهما درء الحد والعقوبة ومن الآخر إثباته فالدارىء للحد أولى لما سبق أيضاً.
الرابع عشر أن يكون أحدهما يلازمه الحرية أو الطلاق والآخر يلازمه الرق أو إبقاء النكاح فالحكم فيه ما سبق في الحجج.
وقد يتشعب من تقابل هذه الترجيحات ترجيحات أخرى كثيرة خارجة عن الحصر لا تخفى على متأملها.
وهذا
آخر ما أردناه ونهاية ما رتبناه.اللهم! فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على
إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة
آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك
مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد
الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه
أجمعين وسلم إلى يوم الدين !.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى