صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
حق الأخوة
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} سورة آل عمران: 102.
{يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا
وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ
إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} سورة النساء: 1
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا *
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن
يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب: 70 ، 71.
أما بعد ..
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار.
ثم أما بعد ...
فحياكم
الله جميعاً أيها الأخوة الأخيار، وأسأل الله الكريم جل وعلا الذى جمعنا
فى هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة
المصطفى فى جنته ودار مقامته، إنه ولى ذلك ومولاه...
إننا الآن على موعد مع درس مهم وهو بعنوان: "حق الآخوة" وكما تعودنا فسوف ينتظم حديثنا تحت هذا العنوان فى العناصر التالية:
أولاً: حقيقة الأخوة فى الله.
ثانيا: حقوق الأخوة.
ثالثاً: الطريق إلى الأخوة.
أولاً: حقيقة الأخوة:
إذ
إن الأخوة فى الله لا يمكن أبداً أن تتحقق إلا على عقيدة التوحيد بصفائها
وشمولها، محال أن تتحقق أخوة بمعناها الحقيقى إلا على عقيدة صافية بشمولها
وكمالها، فما حولت هذه الإخوة الجماعة المسلمة الأولى من رعاة للغنم إلى
سادة وقادة لجميع الدول والأمم إلا يوم أن تحولت هذه الأخوة التى بُنيت على
العقيدة، بشمولها وكمالها، إلا يوم أن تحولت هذه الأخوة إلى واقع علمى
ومنهج حياة، تجلى هذا الواقع المشرق يوم أن آخى النبى ابتداءً بين الموحدين فى مكة ثم آخى
ثانياً بين أهل المدينة من الأوس والخزرج، تلكم الأخوة التى لا يمكن أبداً
على الإطلاق، أن تدانيها أخوة تنبنى على أواصر العقيدة أو العرض أو النسب
أو الدم أو اللون مستحيل.
فإن
الأخوة فى الله لا تنبنى إلا على أواصر العقيدة وأواصر الإيمان، وأواصر
الحب فى الله، تلكم الأواصر التى لا تنفك عراها أبدا، الأخوة فى الله نعمة
من الله وفيض من الله يغدقها الله على المؤمنين الصادقين.
الأخوة
فى الله شراب طهور يسقيه الله للمؤمنين الأصفياء الأتقياء؛ ولذا فإن
الأخوة فى الله قرينة الإيمان لا نفك الأخوة عن الإيمان، ولا ينفك الإيمان
عن الأخوة، فإن وجدت أخوة من غير إيمان، فاعلم بأنها التقاء مصالح وتبادل
منافع وإن رأيت إيماناً بدون أخوة صادقة، فاعلم بأنه إيمان ناقص يحتاج
صاحبه إلى دواء وإلى علاج؛ لذا جمع الله بين الإيمان والأخوة، فالآية جامعة
فقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (10)
سورة الحجرات.
فالمؤمنون جميعاً كأنهم روح واحد، حل فى أجسام متعددة كأنهم أغصان متشابكة تنبثق كلها من دوجة واحدة أين هذه المعانى الآن.
ولذلك
لو تحدثت الآن عن مشهد كهذا الذى ذكرت، ربما استغرب أهل الإسلام هذه
الكلمات وظنوها كما قلت من الخيالات والأوهام؛ لأن حقيقة الأخوة قد ضاعت
الآن بين المسلمين وإن واقع المسلمين ليؤكد الآن تأكيداً جازماً لا ليس فيه
حقيقة الأخوة.
فلم
تعد الأخوة إلا مجرد كلمات جوفاء باهتة باردة، فأنت ترى المسلم الآن ينظر
إلى إخواته هنا وهناك يذبحون ذبح الخراف ، وتنتهك أعراض نسائهن، بل ويطردون
من أرضهم وديارهم وبلادهم، ومع ذلك ينظر المسلم إلى هؤلاء الإخوة فيضحك
ملء فيه، ويأكل ملء بطنه، وينام ملء عينيه، ويهز كتفيه ويمضى وكأن الأمر لا
يعنيه لا من قريب ولا من بعيد.
الأخوة الموصولة بحبل الله، نعمة امتن بها ربنا جل وعلا على المسلمين الأوائل، فقال سبحانه وتعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ
جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم
بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ
فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (102، 103) سورة آل عمران. فالأخوة من الله
نعمة امتن الله عز وجل بها على المسلمين فمستحيل أن تجد قانوناً وضعياً على
ظهر الأرض يؤلف بين القلوب أبداً {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ
أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ
وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (63)
سورة الأنفال.
محال
أن ترى قانوناً وضعياً بشرياً يؤلف بين القلوب بين قلوب أهله وأصحابه،
فهذه نعمة لا يمنحها الله عز وجل إلا لأهل الإيمان فإن رأيت محبة بين غير
أهل الإيمان، فاعلم بأن قلوب هؤلاء متنافرة متشتتة {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} (14)
سورة الحشر.
أما اتقاء القلوب بصدق وصفاء لا يكون إلا لمن ملأ الله قلوبهم بالإيمان.
ثانياً: حقوق الأخوة:
أول حق من حقوق الأخوة، وأرجو الله تهتموا جيداً، فما أحوج الأمة بصفة
عامة إلى أخوة الذين يعملون الآن للإسلام بصفة خاصة، لمثل هذه المحاضرة فى
هذه الأيام، فإن الأمة الآن متشرذمة متهارجة، متشتتة ممزقة، ولن تقوم لها
قائمة ولن يكون لها كيان إلا إذا اتحد صفها والتقى شملها وتجمع أبناؤها،
ولن يجمع هذا الشتات المتنافر إلا الأخوة الصادقة فى الله أسأل الله أن
يجعلنا من الصادقين.
الحق الأول: من
حقوق الأخوة فى الله: الحب فى الله والبغض فى الله محال محال أن تتحقق
أخوة صادقة من غير حب فى الله وبغض فى الله، فالحب فى الله والبغض فى الله
أوثق عرى الإيمان " أوثق عرى الإيمان الحب فى الله والبغض فى الله" ([1])
قال كما فى الحديث الذى رواه أبو داود والضياء المقدسى وصححه الشيخ الألبانى من حديث أبى أمامة أنه قال: " من أحب وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان" ([2])
هل تحبنى لله؟ هل أنا أحبك لله؟ هل تحب أخاك لله؟ هل تبغض أخاك لله؟ هل
تعطى أخا لله؟ هل تمنع أخاك من أخيك لله؟ سل نفسك الآن بصدق.
إن
عقد الولاء والبراء الآن ليس لله إلا من رحم الله وإنما من أجل رايات
ومسميات وجماعات ، فأنا أحب فى الله أخا ينتمى لجماعتى ويجلس معى بين يدى
شيخى الذى أتتلمذ على يديه وأتلقى العلم عنه.
أما
هذا الأخ الصادق المتبع المخلص الناصح الأمين أنا أبغضه، فهو لا يفهم ولا
يعى ولا يدرك عن الواقع شيئاً وهو رجل جهول ولا حديث له إلا الحيض ولا
يتكلم إلا فى النفاس ولا يجيد إلا فى الرقية، ولا يحسن القول إلا فيما يبكى
الناس، ولذا فأنا أبغضه، لا ينتمى إلى جماعتى.
مصيبة!
هم يحطم القلب نتنياهو يصفع الأمة بالنعال على الأقفية، ولا زال إخواتنا
الذين يعملون والذين يرفعون راية الإسلام يوالون ويعادون على مسميات ما
تعبدنا الله بها، وما أنزل الله بها من سلطان.
هل
تحب لله؟ هل تبغض لله؟ هل تعطى لله؟ هل تمنع لله؟ ما الذى جاء بك الآن؟
لماذا أتيت؟ ولماذا لم تأت؟ ولماذا تكلمت؟ ولماذا صَمَت؟ ولماذا أعطيت؟
ولماذا منعت؟ ولماذا ابتسمت؟ ولماذا غضبت؟ ولماذا واليت؟ ولماذا عاديت؟
سل نفسك الآن أيها المسلم هل عملك لله؟ أصدق الله؟ فلو خدعت الخلق لم تخادع الذى يعلم منك السر وأخفى " من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان"([3]).
وفى الصحيحين من حديث أنس أنه قال: "ثلاث
من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أ، يكون الله ورسوله أحب إليه مما
سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعوذ فى الكفر بعد إذ
أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى فى النار"([4]).
إذا كانت هذه هى حلاوة الإيمان، فإن للإيمان طعماً ، إن للإيمان حلاوة ، "وأن يجب المرء لا يحبه إلا لله"، وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن النبى قال:" سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لاظل إلا ظله" أرجو ألا تقرأ هذا الحديث كلاماً عابراً، فإن هذا يكاد يمزق القلب أن أرى الإخوة يستمعون وكأن الكلام لا يصل إلى القلوب.
أنتبه أقول: هؤلاء يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله.
هل
فكرت فى هذه العبارة النبوية ؟ فى يوم ستدنو فيه الشمس من الرؤوس لا
عمارات ولا اشجار ولا بيوت، ولا مكيفات، الشمس فوق الرؤوس، تغلي الرؤوس، لا
عمارات ولا أشجار، ولا بيوت، ولا مكيفات، الشمس فوق الرؤوس، تغلى الرؤوس
من حرارتها، الزحام يكاد وحده أن يخنق الأنفاس، فالبشرية كلها من لدن آدم
إلى إلى آخر رجل، قامت عليه الساعة فى أرض المحشر تقف كلها فى أرض واحدة
وجهنم تزفر وتزمجر، قد أتى بها لها سبعون ألف زمام مع كل سبعون ألف ملك
يجرونها.
حق الأخوة
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} سورة آل عمران: 102.
{يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا
وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ
إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} سورة النساء: 1
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا *
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن
يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب: 70 ، 71.
أما بعد ..
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار.
ثم أما بعد ...
فحياكم
الله جميعاً أيها الأخوة الأخيار، وأسأل الله الكريم جل وعلا الذى جمعنا
فى هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة
المصطفى فى جنته ودار مقامته، إنه ولى ذلك ومولاه...
إننا الآن على موعد مع درس مهم وهو بعنوان: "حق الآخوة" وكما تعودنا فسوف ينتظم حديثنا تحت هذا العنوان فى العناصر التالية:
أولاً: حقيقة الأخوة فى الله.
ثانيا: حقوق الأخوة.
ثالثاً: الطريق إلى الأخوة.
أولاً: حقيقة الأخوة:
إذ
إن الأخوة فى الله لا يمكن أبداً أن تتحقق إلا على عقيدة التوحيد بصفائها
وشمولها، محال أن تتحقق أخوة بمعناها الحقيقى إلا على عقيدة صافية بشمولها
وكمالها، فما حولت هذه الإخوة الجماعة المسلمة الأولى من رعاة للغنم إلى
سادة وقادة لجميع الدول والأمم إلا يوم أن تحولت هذه الأخوة التى بُنيت على
العقيدة، بشمولها وكمالها، إلا يوم أن تحولت هذه الأخوة إلى واقع علمى
ومنهج حياة، تجلى هذا الواقع المشرق يوم أن آخى النبى ابتداءً بين الموحدين فى مكة ثم آخى
ثانياً بين أهل المدينة من الأوس والخزرج، تلكم الأخوة التى لا يمكن أبداً
على الإطلاق، أن تدانيها أخوة تنبنى على أواصر العقيدة أو العرض أو النسب
أو الدم أو اللون مستحيل.
فإن
الأخوة فى الله لا تنبنى إلا على أواصر العقيدة وأواصر الإيمان، وأواصر
الحب فى الله، تلكم الأواصر التى لا تنفك عراها أبدا، الأخوة فى الله نعمة
من الله وفيض من الله يغدقها الله على المؤمنين الصادقين.
الأخوة
فى الله شراب طهور يسقيه الله للمؤمنين الأصفياء الأتقياء؛ ولذا فإن
الأخوة فى الله قرينة الإيمان لا نفك الأخوة عن الإيمان، ولا ينفك الإيمان
عن الأخوة، فإن وجدت أخوة من غير إيمان، فاعلم بأنها التقاء مصالح وتبادل
منافع وإن رأيت إيماناً بدون أخوة صادقة، فاعلم بأنه إيمان ناقص يحتاج
صاحبه إلى دواء وإلى علاج؛ لذا جمع الله بين الإيمان والأخوة، فالآية جامعة
فقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (10)
سورة الحجرات.
فالمؤمنون جميعاً كأنهم روح واحد، حل فى أجسام متعددة كأنهم أغصان متشابكة تنبثق كلها من دوجة واحدة أين هذه المعانى الآن.
ولذلك
لو تحدثت الآن عن مشهد كهذا الذى ذكرت، ربما استغرب أهل الإسلام هذه
الكلمات وظنوها كما قلت من الخيالات والأوهام؛ لأن حقيقة الأخوة قد ضاعت
الآن بين المسلمين وإن واقع المسلمين ليؤكد الآن تأكيداً جازماً لا ليس فيه
حقيقة الأخوة.
فلم
تعد الأخوة إلا مجرد كلمات جوفاء باهتة باردة، فأنت ترى المسلم الآن ينظر
إلى إخواته هنا وهناك يذبحون ذبح الخراف ، وتنتهك أعراض نسائهن، بل ويطردون
من أرضهم وديارهم وبلادهم، ومع ذلك ينظر المسلم إلى هؤلاء الإخوة فيضحك
ملء فيه، ويأكل ملء بطنه، وينام ملء عينيه، ويهز كتفيه ويمضى وكأن الأمر لا
يعنيه لا من قريب ولا من بعيد.
الأخوة الموصولة بحبل الله، نعمة امتن بها ربنا جل وعلا على المسلمين الأوائل، فقال سبحانه وتعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ
جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم
بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ
فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (102، 103) سورة آل عمران. فالأخوة من الله
نعمة امتن الله عز وجل بها على المسلمين فمستحيل أن تجد قانوناً وضعياً على
ظهر الأرض يؤلف بين القلوب أبداً {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ
أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ
وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (63)
سورة الأنفال.
محال
أن ترى قانوناً وضعياً بشرياً يؤلف بين القلوب بين قلوب أهله وأصحابه،
فهذه نعمة لا يمنحها الله عز وجل إلا لأهل الإيمان فإن رأيت محبة بين غير
أهل الإيمان، فاعلم بأن قلوب هؤلاء متنافرة متشتتة {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} (14)
سورة الحشر.
أما اتقاء القلوب بصدق وصفاء لا يكون إلا لمن ملأ الله قلوبهم بالإيمان.
ثانياً: حقوق الأخوة:
أول حق من حقوق الأخوة، وأرجو الله تهتموا جيداً، فما أحوج الأمة بصفة
عامة إلى أخوة الذين يعملون الآن للإسلام بصفة خاصة، لمثل هذه المحاضرة فى
هذه الأيام، فإن الأمة الآن متشرذمة متهارجة، متشتتة ممزقة، ولن تقوم لها
قائمة ولن يكون لها كيان إلا إذا اتحد صفها والتقى شملها وتجمع أبناؤها،
ولن يجمع هذا الشتات المتنافر إلا الأخوة الصادقة فى الله أسأل الله أن
يجعلنا من الصادقين.
الحق الأول: من
حقوق الأخوة فى الله: الحب فى الله والبغض فى الله محال محال أن تتحقق
أخوة صادقة من غير حب فى الله وبغض فى الله، فالحب فى الله والبغض فى الله
أوثق عرى الإيمان " أوثق عرى الإيمان الحب فى الله والبغض فى الله" ([1])
قال كما فى الحديث الذى رواه أبو داود والضياء المقدسى وصححه الشيخ الألبانى من حديث أبى أمامة أنه قال: " من أحب وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان" ([2])
هل تحبنى لله؟ هل أنا أحبك لله؟ هل تحب أخاك لله؟ هل تبغض أخاك لله؟ هل
تعطى أخا لله؟ هل تمنع أخاك من أخيك لله؟ سل نفسك الآن بصدق.
إن
عقد الولاء والبراء الآن ليس لله إلا من رحم الله وإنما من أجل رايات
ومسميات وجماعات ، فأنا أحب فى الله أخا ينتمى لجماعتى ويجلس معى بين يدى
شيخى الذى أتتلمذ على يديه وأتلقى العلم عنه.
أما
هذا الأخ الصادق المتبع المخلص الناصح الأمين أنا أبغضه، فهو لا يفهم ولا
يعى ولا يدرك عن الواقع شيئاً وهو رجل جهول ولا حديث له إلا الحيض ولا
يتكلم إلا فى النفاس ولا يجيد إلا فى الرقية، ولا يحسن القول إلا فيما يبكى
الناس، ولذا فأنا أبغضه، لا ينتمى إلى جماعتى.
مصيبة!
هم يحطم القلب نتنياهو يصفع الأمة بالنعال على الأقفية، ولا زال إخواتنا
الذين يعملون والذين يرفعون راية الإسلام يوالون ويعادون على مسميات ما
تعبدنا الله بها، وما أنزل الله بها من سلطان.
هل
تحب لله؟ هل تبغض لله؟ هل تعطى لله؟ هل تمنع لله؟ ما الذى جاء بك الآن؟
لماذا أتيت؟ ولماذا لم تأت؟ ولماذا تكلمت؟ ولماذا صَمَت؟ ولماذا أعطيت؟
ولماذا منعت؟ ولماذا ابتسمت؟ ولماذا غضبت؟ ولماذا واليت؟ ولماذا عاديت؟
سل نفسك الآن أيها المسلم هل عملك لله؟ أصدق الله؟ فلو خدعت الخلق لم تخادع الذى يعلم منك السر وأخفى " من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان"([3]).
وفى الصحيحين من حديث أنس أنه قال: "ثلاث
من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أ، يكون الله ورسوله أحب إليه مما
سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعوذ فى الكفر بعد إذ
أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى فى النار"([4]).
إذا كانت هذه هى حلاوة الإيمان، فإن للإيمان طعماً ، إن للإيمان حلاوة ، "وأن يجب المرء لا يحبه إلا لله"، وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن النبى قال:" سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لاظل إلا ظله" أرجو ألا تقرأ هذا الحديث كلاماً عابراً، فإن هذا يكاد يمزق القلب أن أرى الإخوة يستمعون وكأن الكلام لا يصل إلى القلوب.
أنتبه أقول: هؤلاء يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله.
هل
فكرت فى هذه العبارة النبوية ؟ فى يوم ستدنو فيه الشمس من الرؤوس لا
عمارات ولا اشجار ولا بيوت، ولا مكيفات، الشمس فوق الرؤوس، تغلي الرؤوس، لا
عمارات ولا أشجار، ولا بيوت، ولا مكيفات، الشمس فوق الرؤوس، تغلى الرؤوس
من حرارتها، الزحام يكاد وحده أن يخنق الأنفاس، فالبشرية كلها من لدن آدم
إلى إلى آخر رجل، قامت عليه الساعة فى أرض المحشر تقف كلها فى أرض واحدة
وجهنم تزفر وتزمجر، قد أتى بها لها سبعون ألف زمام مع كل سبعون ألف ملك
يجرونها.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
وأخيرا: من عناصر الدرس الطريق إلى الأخوة.
وأنا اعتقد اعتقاداً جازما أن الطريق قد وضح فى ثنايا المحاضرة، لكننى أجمل هذا الطريق فى خطوتين أثنتين لا ثالث لهما.
أما الخطوة الأولى فهى العودة الصادقة إلى أخلاق هذا الدين.
نعود
إلى هذه الأخلاقيات التى ذكرتها فى ثنايا الدرس، فتعود لنا الأخوة الحقيقة
فتلتئم الصفوف، وتضمد الجراح وتبقى الأمة على قلب رجل واحد، أما وحال
الأمة فى هذا فوالله لا وحدة ولا ألفة ولا نصر ولا عزة ولا تمكين، فهذه سنن
ثابتة لله فى كونه.
العودة الصاصدقة إلى أخلاق هذا الدين أو إن شئت فقل: العودة الصادقة إلى أخلاق سيد النبيين.
فلقد لخصت عائشة أخلاق النبى فى كلمات قليلة فقالت: كان خلقه القرآن.
لقد كان محمد
قرآنا متحركاً فى دنيا الناس رأى الناس صدقه ونيله وعفته، وشرفه، وحياءه،
وكرمه، وبطولته، وشجاعته، وعزته، ورجولته، وسخاءه، وعبادته، وخشوع، وجهده،
وورعه وتقواه فعلم الناس يقنا أن هذا المنهج ما أنزله الله، إلا ليتحول فى
دنياهم إلى واقع عملى وإلى منهج حياة فصدقوا هذا المنهج الربانى وحولوا
بهذا المنهج، وتحولوا بهذا المنهج من رعاة للغنم إلى سادة وقادة لجميع
الأمم.
يجب
علينا بعد ذلك أن نتحرك لدعوة المسلمين إلى هذه الأخلاق بالحكمة البالغة
والموعظة الحسنة، والكلمة الرقيقة الراقراقة والرزق والحلم، فهذا هو مقام
دعوة الناس إلى الله فى كل زمان ومكان: قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (125) سورة النحل.
وقال تعالى: {فَبِمَا
رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ
لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى
اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران.
الدعاء...
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى