رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
التأريخ الهجري
التأريخ: 9/1/1426هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
إن الله خص هذه الأمة بخصائص كثيرة لأنها خير أمة أخرجت للناس، لذا فلا يعقل أن تتبع هذه الأمة الموصوفة بالخيرية أمم المغضوب عليهم ولا الضالين.
ومما خص به الله تعالى هذه الأمة التأريخ، لنا تأريخ مستقل عن باقي الأمم لأننا خير أمة وأشرف أمة، ولهذا التأريخ قصة، وله أعداء، ولتمسكنا به أسباب، وما حقيقة التأريخ الميلادي، و ما هو الخطأ الذي وقع فيه، هذا ما سنحاول تناوله في هذه الخطبة.
عباد الله:
لم يكن للمسلمين تأريخ معين يقيّدون به أمورهم وأخبارهم حتى وقعت حادثة في عهد عمر بن الخطاب"عام 17هـ ():وهي أنه رفع إليه حجة لرجل على آخر - أي صك - وفيه إنه يحل عليه في شعبان فقال عمر: أي شعبان أشعبان هذه السنة التي نحن فيها أو السنة الماضية أو الآتية؟
ثم جمع الصحابة ي فاستشارهم في وضع تاريخ يتعرفون به حلول الديون وغير ذلك، فقال قائل: أرخوا كتاريخ الفرس، فكره ذلك وكانت الفرس يؤرخون بملوكهم واحدا بعد واحد، وقال قائل: أرخوا بتاريخ الروم وكانوا يؤرخون بملك اسكندر بن فلبس المقدوني فكره ذلك، وقال آخرون: أرخوا بمولد رسول الله، وقال آخرون: بل بمبعثه، وقال آخرون: بل بهجرته، وقال آخرون: بل بوفاته؛فمال عمر"إلى التاريخ بالهجرة لظهوره واشتهاره واتفقوا معه على ذلك ().
واليومَ - نرى معظم الأمَّة الإسلاميَّة - قد عدلت عن التوريخ بالتاريخ الإسلامي الهجري القمري إلى التوريخ بتاريخ النصارى الميلادي الشمسي الجريجوري، نسبةً إلى البابا جريجوري، وهو توريخ كما لا يخفى لا يَمتُّ إلى ديننا بصلة.
وإذا كان لبعض الناس شبهةٌ من العذر حين استعمر النصارى بلادَهم وأرغموهم على أن يتناسَوا تاريخهم الإسلامي الهجري، فليس لهم الآن أيُّ عذر في البقاء على تاريخ النصارى الميلادي، وقد علمتم أنَّ الصحابة كرهوا التوريخ بتاريخ الفرس والروم، والهدى في اتِّباعهم، والضلالة في مخالفة سبيلهم.
عباد الله:
هذا التأريخ هو وعاء أحداث الأمة المجيدة، لذا حرص أعداء الإسلام من المستعمرين وأذنابهم على محو هذا التأريخ من ذاكرة الناس. وسأذكر بعض الأحداث حسب الشهور.
ففي محرم غزو ذات السلاسل، ومسيرة عمرو بن العاص لفتح فلسطين
وفي صفر فتحت العراق أعادها الله للمسلمين، وأغار خالد بن الوليد على غسان في الشام
وفي ربيع الأول وما أدراك أي مصيبة حلت بالمسلمين في ربيع الأول ففيه توفي رسول الله غ، وفيه فتحت بصرى بالشام.
وفي ربيع الآخر بدأ الجيوش تغزوا الشام، وفيه فتحت القدس ردها الله للمسلمين.
وفي جمادى الأولى معركة أجنادين، وفي جمادة الآخرة وفاة الصديق.
وفي رجب فتح دومة الجندل، وفي شعبان فتح الجسر بالعراق، وفيه معركة القادسية
وفي رمضان شهر الكرامة والعزة والنصر غزوة بدر وفتح مكة، وفيه توفيت فاطمة بنت رسول غ.وفي شوال فتح قيسارية، وفي ذي القعدة معركة الفراص بالعراق، وفي ذي الحجة معركة العربة في الشام.
هذا ذكرٌ سريعٌ لأحداثٍ مرت بالأمةِ الإسلاميةِ كلُها متعلقةٌ بالأشهرِ الإسلاميةِ.
عباد الله:
لقد وضع أصحاب النبي غ هذا التأريخ بناءا على حدث شهدوه كلهم معه، وعرفوا وقته بدقة بينما وضع التأريخ الميلادي بعد وفاة المسيح؛ بستة قرون أو ثمانية قرون، وجعلوا ميلاد عيسى ابن مريم؛ بداية التأريخ، فكيف لهم أن يضبطوا حدثا مضى عليه ثمانمئة عام، يقول جورج شها - وهو نصراني -:(ولذلك - أي تأخر وضع التأريخ - لم يكن من السهل التثبت بالضبط من وقت الميلاد، بل الظاهر أنهم أخطأوا في حسابهم فعينوا تأريخا قبل وقوع الميلاد بأربع سنين على الأقل) ()
فالشهور الإفرنجيَّة شهورٌ وهميَّة، فلا هي ممَّا شرع الله في كتاب صريح، ولا هي ممَّا بني على حساب علميِّ صحيح، بل هي شهورٌ اصطلاحيَّة مختلفة، بعضها واحدٌ وثلاثون يومًا، وبعضها ثمانية وعشرون يومًا وبعضها بين ذلك، ولا يُعلم لهذا الاختلاف من سبب حقيقي محسوس أو معقول، ولا مشروع على لسان رسول.ولهذا طرحت مشروعات في الآونة الأخيرة لتغيير هذه الأشهر على وجه ينضبط، لكنَّها عورضت من قبل الكنيسة ورفضها القسِّيسون رفضًا شديدًا، تعصُّبًا منهم لباطلهم وتقليدًا لجهالهم.
فانظروا - معاشر المسلمين - كيف يعارض رجال الدين من النصارى في تغيير أشهر وهمية مختلفة إلى اصطلاح علمي يكون أحسن وأضبط، وأهل الإسلام فعامَّتهم سالكون لسبيلهم المعوجَّة، منحرفون عن سبيل سلفهم الصالح الواضحة المحجَّة. مصداقا لقول النبي ص: (حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه).
وهذه الأشهر النصرانية معانيها تدور حول آلهة اليونان إلا شهر يوليو وأغسطس فهو لبعض القياصرة. فالعمل بها من ترسيخ معان الوثنية.
فلنحرص جميعا على التمسك بهذا التأريخ العظيم، ونعلم أن أي شخص يطالب بالإنتقال للتأريخ الميلادي فهو عدو للإسلام والمسلمين.
عباد الله:
يتساءل بعض الناس بغفلة منه: ما الفرق بين أن نعتمد التاريخ الهجري أو الميلادي؟ ثم أليس هذا يعتمد على القمر وذاك على الشمس وكلاهمـا من مخلوقات الله؟
وفي هذا التساؤل غلبة جهل وغفلة، إذ أن كثيراً من عباداتنا مفروضها ومسنونها يقوم على معرفة الشهـور الهجرية، وهو - أي التقويم الهجري - دلالة على تميزنا واعتزازنا بكل ما يمت لديننا بصلة، وإلا ما الذي دعا عمر الفاروق الملهم إلى أن يجمع الصحابة ليضعوا التاريخ الهجري في حادثة فريدة عزيـزة؟! ألم يكونوا يستطيعون الاكتفاء بتاريخ أمة من الأمم الحضارية آنذاك لكنه الحرص منهم على التميز والاستقلال في كل شيء، ي.
وممن خاف من تغيير التأريخ الهجري شيخ الإسلام ابن تيمية / حيث قال: (فظهر بما ذكرناه انه بالهلال يكون توقيت الشهر والسنة وأنه ليس شيء يقوم مقام الهلال البتة لظهوره وظهور العدد المبنى عليه وتيسر ذلك وعمومه وغير ذلك من المصالح الخالية عن المفاسد، ومن عرف ما دخل على أهل الكتابين والصابئين والمجوس وغيرهم فى أعيادهم وعباداتهم وتواريخهم وغير ذلك من امورهم من الاضطراب والحرج وغير ذلك من المفاسد ازداد شكره على نعمة الاسلام مع اتفاقهم أن الانبياء لم يشرعوا شيئا من ذلك وانما دخل عليهم ذلك من جهة المتفلسفة الصابئة الذين أدخلوا فى ملتهم وشرعوا لهم من الدين ما لم ياذن به الله، فلهذا ذكرنا ما ذكرناه حفظا لهذا الدين عن ادخال المفسدين فان هذا مما يخاف تغييره) ()
وقد حصل ما خاف منه شيخ الإسلام ابن تيمية /، فقد تركت الأمة تأريخها وعملت بتأريخ النصارى، بينما اليهود تلك الأمة الممسوخة لها تأريخ تعمل وتعتز به، أحيوه وقد كان ميت لقرون، وهو تأريخ قمري، ولكننا استبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين مقلوب الشهور والأيام، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وبعد:
فقد بينّا قصة التأريخ الهجري، وأنه وعاء عزة الأمة وكرامتها، وبينا الخطأ الذي في التأريخ الميلادي، سنذكر الأدلة على وجوب العمل بالتأريخ الهجري.
الدليل الأول (): أن الله تعالى علّق العبادات على دخول الأشهر القمرية فقال:(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36].
وهذه الشهور التي جعلها الله تعالى مواقيت للناس كما قال Q: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)[البقرة:189].
قال الإمام الشافعي /: (إن الله حتم أن تكون المواقيت بالإهلة فيما وقت لأهل الإسلام..، ولم يجعل علمًا لأهل الإسلام إلا بها، فمن أعلم بغيرها فبغير ما أعلم الله أعلم) ()
قال الإمام ابن القيم /: (لهذا كانت أشهر الحج والصوم والأعياد ومواسم الإسلام إنما هي على حساب القمر وسيره ونزوله في منازله لا حساب الشمس وسيرها؛حكمة من الله ورحمة وحفظا للدين، لاشتراك الناس في هذا الحساب، وتعذر الغلط والخطأ فيه، فلا يدخل في الدين الاختلاف والتخليط ما دخل في دين أهل الكتاب) ()
قال الرازي: (الواجب على المسلمين أن يعتبروا في بيوعهم ومدد ديونهم وأحوال زكواتهم وسائر أحكامهم بالأهلة، ولا يجوز لهم اعتبار السنة العجمية الرومية) ()
الدليل الثاني: أن الله تعالى سمى تغيير الشهور زيادة في الكفر فقال: ((إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) [التوبة:37] فقد كان كفار قريش يغيرون الشهور حتى جاء حج النبي غ فقال للناس: (الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) رواه البخاري، فمن ابتغى غير هذه الشهور فقد وقع في النسيء
الدليل الثالث: هو أجماع الصحابة ي بل إجماع أمة محمد ص على العمل بهذا التأريخ، ولم يظهر الخلاف إلا بعد الاحتلال الصليبي لبلاد المسلمين.
والعمل بالتقويم القمري يتلائم مع يسر الإسلام فهو ظاهر معروف في كل زمان ومكان، فمن ناطحات السحاب وحتى أدغال أفريقيا، قال ابن القيم /: (ولذلك كان الحساب بالقمري أشهر وأعرف عند الأمم وأبعد من الغلط وأصح للضبط من الحساب الشمسي ويشترك فيه الناس دون الحساب الشمسي) ()
وبعد:
فيا عباد الله:نتيجة لترك العمل بالتاريخ الهجري واضحة على المسلمين، فتجدهم لا يعرفون الأيام البيض، أو عاشوراء، فضلا أن يعلموا حرمة الأشهر الحرم وتعظيم الذنوب فيها.
فإن قال قائل: التأريخ الهجري لا ينضبط بخلاف التأريخ الميلادي فهو مضبوط معروف.
فالجواب: يمكن الرجوع للتقاويم كما هو معمول به وضبط الأمور كتقويم أم القرى أو تقويم الرابطة أو غيره من التقاويم الكثيرة، أما ترك العمل بالتقويم الهجري فلا يجوز أبدا.
التأريخ الهجري
التأريخ: 9/1/1426هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
إن الله خص هذه الأمة بخصائص كثيرة لأنها خير أمة أخرجت للناس، لذا فلا يعقل أن تتبع هذه الأمة الموصوفة بالخيرية أمم المغضوب عليهم ولا الضالين.
ومما خص به الله تعالى هذه الأمة التأريخ، لنا تأريخ مستقل عن باقي الأمم لأننا خير أمة وأشرف أمة، ولهذا التأريخ قصة، وله أعداء، ولتمسكنا به أسباب، وما حقيقة التأريخ الميلادي، و ما هو الخطأ الذي وقع فيه، هذا ما سنحاول تناوله في هذه الخطبة.
عباد الله:
لم يكن للمسلمين تأريخ معين يقيّدون به أمورهم وأخبارهم حتى وقعت حادثة في عهد عمر بن الخطاب"عام 17هـ ():وهي أنه رفع إليه حجة لرجل على آخر - أي صك - وفيه إنه يحل عليه في شعبان فقال عمر: أي شعبان أشعبان هذه السنة التي نحن فيها أو السنة الماضية أو الآتية؟
ثم جمع الصحابة ي فاستشارهم في وضع تاريخ يتعرفون به حلول الديون وغير ذلك، فقال قائل: أرخوا كتاريخ الفرس، فكره ذلك وكانت الفرس يؤرخون بملوكهم واحدا بعد واحد، وقال قائل: أرخوا بتاريخ الروم وكانوا يؤرخون بملك اسكندر بن فلبس المقدوني فكره ذلك، وقال آخرون: أرخوا بمولد رسول الله، وقال آخرون: بل بمبعثه، وقال آخرون: بل بهجرته، وقال آخرون: بل بوفاته؛فمال عمر"إلى التاريخ بالهجرة لظهوره واشتهاره واتفقوا معه على ذلك ().
واليومَ - نرى معظم الأمَّة الإسلاميَّة - قد عدلت عن التوريخ بالتاريخ الإسلامي الهجري القمري إلى التوريخ بتاريخ النصارى الميلادي الشمسي الجريجوري، نسبةً إلى البابا جريجوري، وهو توريخ كما لا يخفى لا يَمتُّ إلى ديننا بصلة.
وإذا كان لبعض الناس شبهةٌ من العذر حين استعمر النصارى بلادَهم وأرغموهم على أن يتناسَوا تاريخهم الإسلامي الهجري، فليس لهم الآن أيُّ عذر في البقاء على تاريخ النصارى الميلادي، وقد علمتم أنَّ الصحابة كرهوا التوريخ بتاريخ الفرس والروم، والهدى في اتِّباعهم، والضلالة في مخالفة سبيلهم.
عباد الله:
هذا التأريخ هو وعاء أحداث الأمة المجيدة، لذا حرص أعداء الإسلام من المستعمرين وأذنابهم على محو هذا التأريخ من ذاكرة الناس. وسأذكر بعض الأحداث حسب الشهور.
ففي محرم غزو ذات السلاسل، ومسيرة عمرو بن العاص لفتح فلسطين
وفي صفر فتحت العراق أعادها الله للمسلمين، وأغار خالد بن الوليد على غسان في الشام
وفي ربيع الأول وما أدراك أي مصيبة حلت بالمسلمين في ربيع الأول ففيه توفي رسول الله غ، وفيه فتحت بصرى بالشام.
وفي ربيع الآخر بدأ الجيوش تغزوا الشام، وفيه فتحت القدس ردها الله للمسلمين.
وفي جمادى الأولى معركة أجنادين، وفي جمادة الآخرة وفاة الصديق.
وفي رجب فتح دومة الجندل، وفي شعبان فتح الجسر بالعراق، وفيه معركة القادسية
وفي رمضان شهر الكرامة والعزة والنصر غزوة بدر وفتح مكة، وفيه توفيت فاطمة بنت رسول غ.وفي شوال فتح قيسارية، وفي ذي القعدة معركة الفراص بالعراق، وفي ذي الحجة معركة العربة في الشام.
هذا ذكرٌ سريعٌ لأحداثٍ مرت بالأمةِ الإسلاميةِ كلُها متعلقةٌ بالأشهرِ الإسلاميةِ.
عباد الله:
لقد وضع أصحاب النبي غ هذا التأريخ بناءا على حدث شهدوه كلهم معه، وعرفوا وقته بدقة بينما وضع التأريخ الميلادي بعد وفاة المسيح؛ بستة قرون أو ثمانية قرون، وجعلوا ميلاد عيسى ابن مريم؛ بداية التأريخ، فكيف لهم أن يضبطوا حدثا مضى عليه ثمانمئة عام، يقول جورج شها - وهو نصراني -:(ولذلك - أي تأخر وضع التأريخ - لم يكن من السهل التثبت بالضبط من وقت الميلاد، بل الظاهر أنهم أخطأوا في حسابهم فعينوا تأريخا قبل وقوع الميلاد بأربع سنين على الأقل) ()
فالشهور الإفرنجيَّة شهورٌ وهميَّة، فلا هي ممَّا شرع الله في كتاب صريح، ولا هي ممَّا بني على حساب علميِّ صحيح، بل هي شهورٌ اصطلاحيَّة مختلفة، بعضها واحدٌ وثلاثون يومًا، وبعضها ثمانية وعشرون يومًا وبعضها بين ذلك، ولا يُعلم لهذا الاختلاف من سبب حقيقي محسوس أو معقول، ولا مشروع على لسان رسول.ولهذا طرحت مشروعات في الآونة الأخيرة لتغيير هذه الأشهر على وجه ينضبط، لكنَّها عورضت من قبل الكنيسة ورفضها القسِّيسون رفضًا شديدًا، تعصُّبًا منهم لباطلهم وتقليدًا لجهالهم.
فانظروا - معاشر المسلمين - كيف يعارض رجال الدين من النصارى في تغيير أشهر وهمية مختلفة إلى اصطلاح علمي يكون أحسن وأضبط، وأهل الإسلام فعامَّتهم سالكون لسبيلهم المعوجَّة، منحرفون عن سبيل سلفهم الصالح الواضحة المحجَّة. مصداقا لقول النبي ص: (حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه).
وهذه الأشهر النصرانية معانيها تدور حول آلهة اليونان إلا شهر يوليو وأغسطس فهو لبعض القياصرة. فالعمل بها من ترسيخ معان الوثنية.
فلنحرص جميعا على التمسك بهذا التأريخ العظيم، ونعلم أن أي شخص يطالب بالإنتقال للتأريخ الميلادي فهو عدو للإسلام والمسلمين.
عباد الله:
يتساءل بعض الناس بغفلة منه: ما الفرق بين أن نعتمد التاريخ الهجري أو الميلادي؟ ثم أليس هذا يعتمد على القمر وذاك على الشمس وكلاهمـا من مخلوقات الله؟
وفي هذا التساؤل غلبة جهل وغفلة، إذ أن كثيراً من عباداتنا مفروضها ومسنونها يقوم على معرفة الشهـور الهجرية، وهو - أي التقويم الهجري - دلالة على تميزنا واعتزازنا بكل ما يمت لديننا بصلة، وإلا ما الذي دعا عمر الفاروق الملهم إلى أن يجمع الصحابة ليضعوا التاريخ الهجري في حادثة فريدة عزيـزة؟! ألم يكونوا يستطيعون الاكتفاء بتاريخ أمة من الأمم الحضارية آنذاك لكنه الحرص منهم على التميز والاستقلال في كل شيء، ي.
وممن خاف من تغيير التأريخ الهجري شيخ الإسلام ابن تيمية / حيث قال: (فظهر بما ذكرناه انه بالهلال يكون توقيت الشهر والسنة وأنه ليس شيء يقوم مقام الهلال البتة لظهوره وظهور العدد المبنى عليه وتيسر ذلك وعمومه وغير ذلك من المصالح الخالية عن المفاسد، ومن عرف ما دخل على أهل الكتابين والصابئين والمجوس وغيرهم فى أعيادهم وعباداتهم وتواريخهم وغير ذلك من امورهم من الاضطراب والحرج وغير ذلك من المفاسد ازداد شكره على نعمة الاسلام مع اتفاقهم أن الانبياء لم يشرعوا شيئا من ذلك وانما دخل عليهم ذلك من جهة المتفلسفة الصابئة الذين أدخلوا فى ملتهم وشرعوا لهم من الدين ما لم ياذن به الله، فلهذا ذكرنا ما ذكرناه حفظا لهذا الدين عن ادخال المفسدين فان هذا مما يخاف تغييره) ()
وقد حصل ما خاف منه شيخ الإسلام ابن تيمية /، فقد تركت الأمة تأريخها وعملت بتأريخ النصارى، بينما اليهود تلك الأمة الممسوخة لها تأريخ تعمل وتعتز به، أحيوه وقد كان ميت لقرون، وهو تأريخ قمري، ولكننا استبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين مقلوب الشهور والأيام، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وبعد:
فقد بينّا قصة التأريخ الهجري، وأنه وعاء عزة الأمة وكرامتها، وبينا الخطأ الذي في التأريخ الميلادي، سنذكر الأدلة على وجوب العمل بالتأريخ الهجري.
الدليل الأول (): أن الله تعالى علّق العبادات على دخول الأشهر القمرية فقال:(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36].
وهذه الشهور التي جعلها الله تعالى مواقيت للناس كما قال Q: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)[البقرة:189].
قال الإمام الشافعي /: (إن الله حتم أن تكون المواقيت بالإهلة فيما وقت لأهل الإسلام..، ولم يجعل علمًا لأهل الإسلام إلا بها، فمن أعلم بغيرها فبغير ما أعلم الله أعلم) ()
قال الإمام ابن القيم /: (لهذا كانت أشهر الحج والصوم والأعياد ومواسم الإسلام إنما هي على حساب القمر وسيره ونزوله في منازله لا حساب الشمس وسيرها؛حكمة من الله ورحمة وحفظا للدين، لاشتراك الناس في هذا الحساب، وتعذر الغلط والخطأ فيه، فلا يدخل في الدين الاختلاف والتخليط ما دخل في دين أهل الكتاب) ()
قال الرازي: (الواجب على المسلمين أن يعتبروا في بيوعهم ومدد ديونهم وأحوال زكواتهم وسائر أحكامهم بالأهلة، ولا يجوز لهم اعتبار السنة العجمية الرومية) ()
الدليل الثاني: أن الله تعالى سمى تغيير الشهور زيادة في الكفر فقال: ((إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) [التوبة:37] فقد كان كفار قريش يغيرون الشهور حتى جاء حج النبي غ فقال للناس: (الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) رواه البخاري، فمن ابتغى غير هذه الشهور فقد وقع في النسيء
الدليل الثالث: هو أجماع الصحابة ي بل إجماع أمة محمد ص على العمل بهذا التأريخ، ولم يظهر الخلاف إلا بعد الاحتلال الصليبي لبلاد المسلمين.
والعمل بالتقويم القمري يتلائم مع يسر الإسلام فهو ظاهر معروف في كل زمان ومكان، فمن ناطحات السحاب وحتى أدغال أفريقيا، قال ابن القيم /: (ولذلك كان الحساب بالقمري أشهر وأعرف عند الأمم وأبعد من الغلط وأصح للضبط من الحساب الشمسي ويشترك فيه الناس دون الحساب الشمسي) ()
وبعد:
فيا عباد الله:نتيجة لترك العمل بالتاريخ الهجري واضحة على المسلمين، فتجدهم لا يعرفون الأيام البيض، أو عاشوراء، فضلا أن يعلموا حرمة الأشهر الحرم وتعظيم الذنوب فيها.
فإن قال قائل: التأريخ الهجري لا ينضبط بخلاف التأريخ الميلادي فهو مضبوط معروف.
فالجواب: يمكن الرجوع للتقاويم كما هو معمول به وضبط الأمور كتقويم أم القرى أو تقويم الرابطة أو غيره من التقاويم الكثيرة، أما ترك العمل بالتقويم الهجري فلا يجوز أبدا.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى