رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
هل سألت نفسك لماذا التأريخ الإسلامي ابتدأ بالهجرة النبوية وليس بميلاد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أو موته ؟
لقد اختار الصحابة رضوان الله تعالى عنهم يوم الهجرة النبوية لبداية التأريخ الإسلامي للعديد من المعاني والأسباب منها :
1- يوم الهجرة هو اليوم الفاصل بين التشتيت والتوحيد ، وبين الفردية والدولة ، فقد بدأت الدولة الإسلامية أولى خطواتها بوصول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة ، وبدأ في بناية المسجد والسوق وإقامة الجمعة والجماعات المعلنة والآمنة ، ثم التآخي بين المهاجرين والأنصار ، ونقض الجاهلية الاجتماعية ، والعصبية الجاهلية ، وسلوك الجاهلية ، ومن هذه الدولة المحددة الحدود والمعالم بقيادة واحدة موحدة انطلق سفراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى رؤساء وعظماء فارس والروم والقبط واليمن والحبشة واتضحت عالمية الدعوة الإسلامية ، واتضح أن طبيعة العلاقة بين المسلمين وغيرهم من الأمم – على اختلاف ألوانها ولغاتها وأديانها إنما هي علاقة دعوة للتوحيد وعبادة الواحد الأحد ، وهي علاقة سلم فقد بلغ عدد سفراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أكثر من سبع وأربعين بعثة كما جاء في كتاب السفارة والسفراء في الإسلام دراسة فقهية ، عثمان ضميرية ( 1421ه- - ص163 ) .
وقد كانت رسالتهم الدعوة إلى الإسلام ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم لهرقل عظيم الروم : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين )
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [آل عمران : 64] . ( أخرجه البخاري في الجهاد ) .
والمهمة الثانية للرسل والسفراء تمثيل الدولة الإسلامية لدى الدول الأجنبية ، وحمل الكتب ، والتعاهد لعقد الأمان والهدنة والمعاهدات ، والإبلاغ بإنهاء المعاهدات أو نبذ العهود وفسخها ، ومفاداة الأسرى والإطلاع على المعلومات وهذا ما فصله الدكتور عثمان ضميرية في بحثه السابق .
وفي الدولة الإسلامية بدأ إعداد الجيوش لصدّ العدوان وحفظ هيبة الدولة وعقد العقود مع دول الجوار كما حدث في غزوة تبوك وعقد الصلح مع حاكم أيلة .
ووضع المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وثيقة المدينة ، وهي أول دستور مكتوب في الدولة الإسلامية ، حيث نظمت الحقوق والواجبات وحفظت التوازنات مع المسلمين واليهود وغيرهم في المدينة المنورة .
لذلك كانت الهجرة النبوية هي التجسيد الحقيقي لرسالة الإسلام المحلية والعالمية ، وبدأت التشريعات بعدها ، وانطلقت الدولة .
2- الإسلام دين مبادئ لا دين أفراد ، فلم يرتبط التأريخ الإسلامي بميلاد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أو موته لأن الإسلام دين المبادئ ، ودين التشريع يربط المسلم بربه مباشرة ، ولا يصرفه لعبد من عباده وإن كان خير خلق الله صلى الله عليه وآله وسلم ، هكذا فهم الصحابة رضوان الله عليهم رسالة الإسلام أنها رسالة إنسانية ، عالمية ، لا رسالة عبد من عباد الله ، لذلك قال تعالى : { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة : 3] .
إنها النعمة الكبرى التامة ، نعمة إتمام الإسلام ، وبيان معالم الدولة ، والدين ، والحقوق الواجبات .
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الله للمسلمين : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } [آل عمران : 144] .
ولذلك قال الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أيها الناس ، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت ) . وقرأ الآية السابقة ، وأبعد المسلمين عن ربط الدين برسول الله ، وانتهاء الدين بموته ، ولكن موت رسول الله صلى الله عليه وسلم علامة على كمال الدين وترك الأمر للمسلمين ، ولكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، لذلك فإن ربط الدين بالأفراد خطأ فادح ، إنه الدين العالمي ، الدين الخاتم ، للعجم والعرب ، والأبيض والأحمر وللناس جميعاً ، لذلك ربط المسلمون تأريخ دينهم بالهجرة وهي بداية تأسيس الدولة وتمام الدين .
3- الهجرة عمل جماعي اشترك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ، وصحابته ، وفقراء المسلمين وأغنياؤهم ، ورجالهم ونساؤهم ، وصغيرهم وكبيرهم ، وحُرُّهم وعبدهم ، الكل في بناء الدولة سواء ميزانهم في التمايز ميزان مطلق ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، وهنا ذابت العصبيات ، والعنصريات والقبليات في بوتقة الإيمان والعمل الصالح : { الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } إنها بوتقة الدولة المدنية ، لا الدولة الكهنوتية ، لذلك كان من الفقه والفهم ، والفطنة ، والإبداع ، ربط التأريخ الإسلامي بعمل جماعي عظيم هو الهجرة النبوية .
4- تمايز الإسلام عن السلوك البشري الذي ربط المسيحية بميلاد المسيح عليه السلام وارتباط اليهودية بعزير ، والبوذية ببوذا ، والثورات بقياداتها ، إن التأريخ الهجري يدلل على استقلالية العقل المسلم عن التبعية والتقليد وسياسية القطيع الذي لا يفكر ، إنه الإبداع الإسلامي الذي حرّر الدين من تقديس العباد كما قال ربعي بن عامر لرستم : الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد .
ولذلك شاء الله أن يفصل البيت الحرام عن بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن قبره ، ليكون الحج خالصاً لله والعمرة خالصةً لله ، وإبعاداً للمغالين والمبتدعين ، والمطرين ، والمقدسين للعباد ، ففي بيت الله ، الكلّ يتجه إلى الله ، وفي كتاب الله ، لا معبود بحقّ إلا الله ، لذلك ذمّ الله الغلو في الدين .
وذم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المغالين في الأنبياء والرسل ، وذمَّ الله المتبعين لشرع غير شرع الله ، فقال تعالى : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [التوبة : 31] .
وعندما قال عدي بن حاتم لم يتخذوهم أرباباً فبيّن له المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أن أتباعهم لتشريعاتهم وفتاواهم المخالفة لشرع الله هي عبادة لهم وفي هذا تخليص للدين لله ، وتخليص للشرع لله ، والبعد عن المغالاة في العباد ، وتقديسهم ، ولذلك فهم الصحابة هذا واتخذوا الهجرة حدثاً وعلماً يستحق التأريخ به فجاء التأريخ الهجري شاهداً على فهمهم لهذا الدين وبراءتهم من تقديس العباد ، والانشغال بميلادهم وموتهم ، وصرفت الهمم للدين ، والإيمان والعمل الصالح ، وتعمير الكون بنواميس الله في الخلق وفق منهاج الله .
ولذلك كانت معجزة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكبرى ، القرآن الكريم ، وهي معجزة علمية ربانية بعيدة عن العباد ، وإبعاد المعجزة عن العباد ليكون الدين كله لله ، والدولة لله والحكم لله ، والتشريع لله ، وكل بتوفيق الله ، فالتأريخ الهجري توفيق من الله مثل توفيق تجميع القرآن الكريم وتوحيد نسخته ، ومثل توفيق حرب المرتدين وحفظ الدين ، وترتيب خلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا درس للمغالين في عباد الله ، والصارفين للناس عن الدين وتوحيد الله والداعين إلى البدع وتقديس عباد الله ، لذلك كان التأريخ الهجري معجزة إسلامية تبين أن كل شيء في هذا الدين لله ، ومحفوظ بحفظ الله وبتوفيق الله ، ومن أحدث في هذا الدين ما ليس فيه فهو ردّ ( أي مردود عليه ) ومن أراد ، إطفاء نور هذا الدين ، فهو الخاسر لأن الله تعالى تعهد أن يحفظ هذا الدين وأن يتم نوره ولو كره الكافرون .
بقلم : د . نظمي خليل أبو العطا
أخبار الخليج -الإسلامي - العدد 10542 – الجمعة 14 محرم 1428
لقد اختار الصحابة رضوان الله تعالى عنهم يوم الهجرة النبوية لبداية التأريخ الإسلامي للعديد من المعاني والأسباب منها :
1- يوم الهجرة هو اليوم الفاصل بين التشتيت والتوحيد ، وبين الفردية والدولة ، فقد بدأت الدولة الإسلامية أولى خطواتها بوصول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة ، وبدأ في بناية المسجد والسوق وإقامة الجمعة والجماعات المعلنة والآمنة ، ثم التآخي بين المهاجرين والأنصار ، ونقض الجاهلية الاجتماعية ، والعصبية الجاهلية ، وسلوك الجاهلية ، ومن هذه الدولة المحددة الحدود والمعالم بقيادة واحدة موحدة انطلق سفراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى رؤساء وعظماء فارس والروم والقبط واليمن والحبشة واتضحت عالمية الدعوة الإسلامية ، واتضح أن طبيعة العلاقة بين المسلمين وغيرهم من الأمم – على اختلاف ألوانها ولغاتها وأديانها إنما هي علاقة دعوة للتوحيد وعبادة الواحد الأحد ، وهي علاقة سلم فقد بلغ عدد سفراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أكثر من سبع وأربعين بعثة كما جاء في كتاب السفارة والسفراء في الإسلام دراسة فقهية ، عثمان ضميرية ( 1421ه- - ص163 ) .
وقد كانت رسالتهم الدعوة إلى الإسلام ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم لهرقل عظيم الروم : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين )
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [آل عمران : 64] . ( أخرجه البخاري في الجهاد ) .
والمهمة الثانية للرسل والسفراء تمثيل الدولة الإسلامية لدى الدول الأجنبية ، وحمل الكتب ، والتعاهد لعقد الأمان والهدنة والمعاهدات ، والإبلاغ بإنهاء المعاهدات أو نبذ العهود وفسخها ، ومفاداة الأسرى والإطلاع على المعلومات وهذا ما فصله الدكتور عثمان ضميرية في بحثه السابق .
وفي الدولة الإسلامية بدأ إعداد الجيوش لصدّ العدوان وحفظ هيبة الدولة وعقد العقود مع دول الجوار كما حدث في غزوة تبوك وعقد الصلح مع حاكم أيلة .
ووضع المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وثيقة المدينة ، وهي أول دستور مكتوب في الدولة الإسلامية ، حيث نظمت الحقوق والواجبات وحفظت التوازنات مع المسلمين واليهود وغيرهم في المدينة المنورة .
لذلك كانت الهجرة النبوية هي التجسيد الحقيقي لرسالة الإسلام المحلية والعالمية ، وبدأت التشريعات بعدها ، وانطلقت الدولة .
2- الإسلام دين مبادئ لا دين أفراد ، فلم يرتبط التأريخ الإسلامي بميلاد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أو موته لأن الإسلام دين المبادئ ، ودين التشريع يربط المسلم بربه مباشرة ، ولا يصرفه لعبد من عباده وإن كان خير خلق الله صلى الله عليه وآله وسلم ، هكذا فهم الصحابة رضوان الله عليهم رسالة الإسلام أنها رسالة إنسانية ، عالمية ، لا رسالة عبد من عباد الله ، لذلك قال تعالى : { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة : 3] .
إنها النعمة الكبرى التامة ، نعمة إتمام الإسلام ، وبيان معالم الدولة ، والدين ، والحقوق الواجبات .
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الله للمسلمين : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } [آل عمران : 144] .
ولذلك قال الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أيها الناس ، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت ) . وقرأ الآية السابقة ، وأبعد المسلمين عن ربط الدين برسول الله ، وانتهاء الدين بموته ، ولكن موت رسول الله صلى الله عليه وسلم علامة على كمال الدين وترك الأمر للمسلمين ، ولكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، لذلك فإن ربط الدين بالأفراد خطأ فادح ، إنه الدين العالمي ، الدين الخاتم ، للعجم والعرب ، والأبيض والأحمر وللناس جميعاً ، لذلك ربط المسلمون تأريخ دينهم بالهجرة وهي بداية تأسيس الدولة وتمام الدين .
3- الهجرة عمل جماعي اشترك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ، وصحابته ، وفقراء المسلمين وأغنياؤهم ، ورجالهم ونساؤهم ، وصغيرهم وكبيرهم ، وحُرُّهم وعبدهم ، الكل في بناء الدولة سواء ميزانهم في التمايز ميزان مطلق ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، وهنا ذابت العصبيات ، والعنصريات والقبليات في بوتقة الإيمان والعمل الصالح : { الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } إنها بوتقة الدولة المدنية ، لا الدولة الكهنوتية ، لذلك كان من الفقه والفهم ، والفطنة ، والإبداع ، ربط التأريخ الإسلامي بعمل جماعي عظيم هو الهجرة النبوية .
4- تمايز الإسلام عن السلوك البشري الذي ربط المسيحية بميلاد المسيح عليه السلام وارتباط اليهودية بعزير ، والبوذية ببوذا ، والثورات بقياداتها ، إن التأريخ الهجري يدلل على استقلالية العقل المسلم عن التبعية والتقليد وسياسية القطيع الذي لا يفكر ، إنه الإبداع الإسلامي الذي حرّر الدين من تقديس العباد كما قال ربعي بن عامر لرستم : الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد .
ولذلك شاء الله أن يفصل البيت الحرام عن بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن قبره ، ليكون الحج خالصاً لله والعمرة خالصةً لله ، وإبعاداً للمغالين والمبتدعين ، والمطرين ، والمقدسين للعباد ، ففي بيت الله ، الكلّ يتجه إلى الله ، وفي كتاب الله ، لا معبود بحقّ إلا الله ، لذلك ذمّ الله الغلو في الدين .
وذم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المغالين في الأنبياء والرسل ، وذمَّ الله المتبعين لشرع غير شرع الله ، فقال تعالى : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [التوبة : 31] .
وعندما قال عدي بن حاتم لم يتخذوهم أرباباً فبيّن له المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أن أتباعهم لتشريعاتهم وفتاواهم المخالفة لشرع الله هي عبادة لهم وفي هذا تخليص للدين لله ، وتخليص للشرع لله ، والبعد عن المغالاة في العباد ، وتقديسهم ، ولذلك فهم الصحابة هذا واتخذوا الهجرة حدثاً وعلماً يستحق التأريخ به فجاء التأريخ الهجري شاهداً على فهمهم لهذا الدين وبراءتهم من تقديس العباد ، والانشغال بميلادهم وموتهم ، وصرفت الهمم للدين ، والإيمان والعمل الصالح ، وتعمير الكون بنواميس الله في الخلق وفق منهاج الله .
ولذلك كانت معجزة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكبرى ، القرآن الكريم ، وهي معجزة علمية ربانية بعيدة عن العباد ، وإبعاد المعجزة عن العباد ليكون الدين كله لله ، والدولة لله والحكم لله ، والتشريع لله ، وكل بتوفيق الله ، فالتأريخ الهجري توفيق من الله مثل توفيق تجميع القرآن الكريم وتوحيد نسخته ، ومثل توفيق حرب المرتدين وحفظ الدين ، وترتيب خلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا درس للمغالين في عباد الله ، والصارفين للناس عن الدين وتوحيد الله والداعين إلى البدع وتقديس عباد الله ، لذلك كان التأريخ الهجري معجزة إسلامية تبين أن كل شيء في هذا الدين لله ، ومحفوظ بحفظ الله وبتوفيق الله ، ومن أحدث في هذا الدين ما ليس فيه فهو ردّ ( أي مردود عليه ) ومن أراد ، إطفاء نور هذا الدين ، فهو الخاسر لأن الله تعالى تعهد أن يحفظ هذا الدين وأن يتم نوره ولو كره الكافرون .
بقلم : د . نظمي خليل أبو العطا
أخبار الخليج -الإسلامي - العدد 10542 – الجمعة 14 محرم 1428
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى