عبد الرحمن
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ملخص الخطبة
1- متانة الروابط في المجتمع المسلم. 2- المنع من أذية المسلم والإضرار به. 3- أذية المسلم سبب لسخط الله تعالى. 4- عظم جرم أذية الجار والرجل الصالح. 5- فضل دفع الأذى عن المسلمين. 6- سوء عاقبة المؤذين. 7- الحث على الرفق بالرعية.
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فهي خير زاد.
عبادَ الله، لقد بَنى الإسلام أُسسَه في تنظيم العلاقةِ الاجتماعية بين بني المجتمع على قواعدَ مُثلى وركائزَ فضلى في مثلِ قوله تعالى: إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، ونحو قوله : ((لا تحاسدوا، ولا تناجَشوا، ولا تباغَضوا، ولا يبِع بعضكم على بيعِ بعض، وكونوا عبادَ الله إخوانا، المسلمُ أخو المسلم، لا يظلِمه، ولا يحقرُه، ولا يخذُله، التّقوى ها هنا ـ فأشار بيده إلى صدره ثلاثًا ـ، بحسب امرئٍ من الشّرّ أن يحقرَ أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام؛ دمُه وماله وعِرضه)) رواه مسلم[1]، وفي مثلِ قولِه : ((لا يؤمِن أحدُكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه)) متّفق عليه[2]، وفي نحو قوله عليه الصلاة والسلام: ((من أحبَّ أن يُزحزَح عن النار ويُدخَل الجنّة فلتأتِه منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى النّاس الذي يحبّ أن يؤتَى إليه)) رواه مسلم[3].
فتأسيسًا على ما تقدّم جاءت النّصوص المتضافرةُ في آيات قرآنيةٍ وأحاديثَ نبوية كلُّها تتضمّن المنعَ الأكيدَ مِن أذيّة المؤمن، والزجرَ الشديدَ من الإضرار بالمسلم بأيّ وجهٍ من الوجوه أو شكلٍ من الأشكال، القوليّة أو الفعليّة، الحسّيّة أو المعنويّة.
قال الله جلّ وعلا: وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰنًا وَإِثْمًا مُّبِينًا [الأحزاب:58]. قال أهل التفسير: "وهذا التّشديد لأنّه كان في المدينة يومذاك فريقٌ يتولّى هذا الكيدَ بالمؤمنين والمؤمِنات، بنشرِ قالةِ السّوء عنهم وتدبير المؤامرات لهم وإشاعة التّهَم ضدّهم، وهو ـ أي: هذا التحريم والتّشديد ـ عامّ في كلّ زمان وفي كلّ مكان، والمؤمنون والمؤمنات عُرضةٌ لمثل هذا الكيدِ في كلّ بيئة من الأشرارِ المنحرفين والمنافقين والذين في قلوبهم مرَض، والله جلّ وعلا يتولّى عنهم الردَّ على ذلك الكيدِ ويسِم أعداءَهم بالإثم والبُهتان وهو أصدق القائلين" انتهى.
ونبيّنا يحذّر من الأذى فيقول: ((إيّاكم والجلوسَ في الطرقات))، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بدّ في مجالسنا، نتحدّث فيها، فقال عليه الصلاة والسلام وهو الرحيم المشفِق: ((إذا أبَيتم إلاّ المجلس فأعطُوا الطريقَ حقَّه))، قالوا: وما حقُّ الطريق يا رسول الله؟ قال: ((غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر)) متفق عليه[4]، ويقول : ((لا تسبّوا أمواتَنا فتؤذوا أحياءَنا)) أخرجه النسائيّ وسنده حسن[5].
معاشرَ المسلمين، أذيّة المؤمنين وإحداثُ ما فيه إضرارُهم سببٌ عظيم لسخط المولى جلّ وعلا ومقتِه وعذابه وغضبِه، قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا كنتم ثلاثةً فلا يتناجَى اثنان دون صاحبِهما، فإنّ ذلك يُحزِنه))[6]، وفي رواية: ((فإنّ ذلك يؤذي المؤمنَ، والله يكرَه أذَى المؤمن))[7] أخرجه الترمذي وقال: "حديث صحيح". وصعد المنبرَ فنادى بصوتٍ رفيع فقال: ((يا معشرَ من أسلم بلسانِه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلِمين، ولا تعيّروهم، ولا تتَّبعوا عوراتِهم، فإنّه من تتبّع عورةَ أخيه المسلم تتبّع الله عورتَه، ومن تتبّع الله عورتَه يفضحه ولو في جوفِ رحله))، ونظر راوي الحديث ابنُ عمر رضي الله عنهما يومًا إلى البيتِ أو إلى الكعبة فقال: (ما أعظمَك وأعظمَ حرمتَك، والمؤمن أعظمُ حرمةً عند الله منك) والحديث سنده حسن[8].
يقول الفضيل رحمه الله: "لا يحلّ لك أن تؤذيَ كلبًا أو خنزيرًا بغير حقّ، فكيف بمن هو أكرم مخلوق؟!"[9]، وعن قتادة: "إيّاكم وأذى المؤمن، فإنّ الله يحوطه ويغضب له"[10].
معاشرَ المسلمين، وهذه النصوص الآنفةُ تعمّ بدلالاتِها وتشملُ بعمومِها تحريمَ أذى المؤمنين وجماعاتهم، صغارهم وكبارَهم، رجالهم ونساءَهم، وتشمل أيضًا التحذيرَ من أنواع الأذى وصُوَر الإضرار في النّفس والبدن، في العِرض والمال، في أمورِ الدّين والدّنيا، يقول في الحديث المشهور الصّحيح: ((لا ضررَ ولا ضِرار))[11]، ويقول : ((المسلم من سلِم المسلمون من لسانِه ويده)) أخرجاه في الصحيحين[12].
عبادَ الله، ولقد بلغَت عناية الشريعة المحمّدية في منعِ أذى المؤمنين والتحذير من الإضرار بهم ولو كان القصد حسنًا والهدف نبيلاً، جاء رجلٌ يتخطّى رقابَ النّاس يومَ الجمعة والنبيّ يخطب، فقال عليه الصلاة والسلام له: ((اجلِس فقد آذيت)) رواه أبو داود والنسائي وإسناده حسن[13]. وإذا كان الأمر كذلك فكيف بالأذى المقصود والأذيّة المتعمَّدة لأجل الأغراض الشخصيّة والمنافع الدنيوية؟!
إخوةَ الإيمان، جُرمُ الأذى يزداد إثمًا وبهتانًا ويشتدّ عند الله كُرهًا ومقتًا حينما يتّجه إلى دارٍ مِن الجيران، أو يتوجّه لأحدٍ من الصالحين، فنبيّنا يقول: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره)) متفق عليه[14]، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((لا يدخل الجنَّةَ من لا يأمن جارُه بوائِقه)) رواه مسلم واللفظ له ورواه البخاري أيضًا[15]، وبوائقه أي: غوائله وشروره، ونبيّنا يحذّر تحذيرًا واضحًا صريحًا عن الأذيّة بعباد الله الصالحين، فيقول : ((إنّ الله جلّ وعلا يقول: من عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب)) الحديث[16].
إخوةَ الإسلام، دفعُ الأذى عن المسلم عندَ الله جلّ وعلا أمرٌ محمود وفعلٌ مرغوب، فنبيّنا وهو قائدُ الإصلاح والخير والبرّ يقول: ((عُرِضت عليّ أعمال أمّتي حسنُها وسيّئها، فوجدتُ في محاسن أعمالِها الأذى يُماط عن الطريق، ووجدتُ في مساوئ أعمالِها النخاعة تكون في المسجد لا تُدفَن)) أخرجه مسلم[17]، وأخرج أيضًا في باب فضل إزالة الأذى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((مرّ رجلٌ بغُصن شجرةٍ على ظهرِ طريقٍ فقال: والله، لأنحِّينّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأُدخِل الجنّة))[18].
يقول أحد السّلف معبِّرًا عن منهاج النبوّة: "اجعَل كبيرَ المسلمين عندك أبًا، وصغيرَهم ابنًا، وأوسطَهم أخًا، فأيّ أولئك تحبّ أن تسيء إليه"، ويقول آخر: "ليكُن حظّ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضرَّه، وإن لم تُفرحه فلا تغمَّه، وإن لم تمدَحه فلا تذمَّه".
يا مَن لا يزال على أذيّة المسلمين قائمًا ولإحداث الضّرر بهم ساعيًا، تذكّر أنّ معهم سلاحًا بتّارًا، تذكّر أنّ الأذيّة ظلمٌ والإضرار بالمؤمنين بغيٌ، ولقد قال : ((واتّق دعوةَ المظلوم، فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب))[19].
دعا رجلٌ مِن السلف على امرأة أضرّته وأفسدَت عليه عِشرةَ امرأة له، فذهب بصرها في الحال، وكذَب رجلٌ على مطرّف بن عبد الله رحمه الله فقال له: "إن كنتَ كاذبًا فعجّلَ الله حتفَك"، فمات الرّجل مكانَه[20]، وكان رجلٌ من الخوارج يغشَى مجلسَ الحسن البصري فيؤذيهم، فلمّا زاد في ذلك، قال الحسن: "اللهمّ قد علمتَ أذاه لنا فاكفِناه بما شئتَ"، فخرّ الرجل من قامتِه، فما حُمِل إلى أهله إلا ميتًا على سريره[21]، ومع هذا فأكثرُ مَن كان مجابَ الدّعوة من السلف كان يصبِر على الأذى والبلاءِ ابتغاءَ الأجر والثّواب من الله جلّ وعلا.
أيّها المسلم، أيّها المؤمن، كُفَّ عن الأذى بإخوانك قبل أن يُقضَى بينك وبينهم يومَ لا ينفع مال ولا بنون، فعن أبي هريرة أنّ رسول الله قال: ((أتدرون ما المفلس؟)) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: ((إنّ المفلسَ من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وقيام وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مالَ هذا وسفك دمَ هذا أو ضربَ هذا، فيُعطى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه، فإن فنِيت حسناته قبل أن يَقضيَ ما عليه أخِذ من خطاياهم فطُرحت عليه فطُرح في النّار)) رواه مسلم[22].
إخوةَ الإسلام، إنّ من يتولّى للمسلمين عملاً من أعمالهم أو وظيفة من الوظائف التي جُعلت لخدمتهم فهو أمين فما وُلِّي عليه، واجبٌ عليه بذلُ الجهد في تحقيق مصالحهم ورفع الضّرر والأذى عنهم، وحينئذ فمن آذى مسلمًا من خلال عملِه أو ألحَق به الضّررَ من منطلَق وظيفتِه فهو على إثم مبينٍ وفي خطَر كبير، فنبيّنا يقول: ((لا ضرَرَ ولا ضِرار، ومن ضارّ ضرّه الله، ومن شاقّ شقّ الله عليه)) والحديث حسن[23]، ويقول أيضًا: ((اللهمَّ من ولِي من أمر أمّتي شيئًا فشقّ عليهم فاشقُق عليه))[24].
فاتّقوا الله أيّها المؤمنون، والتزِموا بتلك التعاليم وهذه التوجهاتِ، تفوزوا وتسعَدوا في الدنيا والآخرة.
اللهمّ بارك لنا في القرآن، وانفَعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] صحيح مسلم: كتاب البر (2564) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] صحيح البخاري: كتاب الإيمان (13)، صحيح مسلم: كتاب الإيمان (45) من حديث أنس رضي الله عنه.
[3] صحيح مسلم: كتاب الإمارة (1844) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[4] صحيح البخاري: كتاب المظالم والغصب (2465)، صحيح مسلم: كتاب اللباس (2121) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[5] سنن النسائي: كتاب القسامة (4775) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه أيضا أحمد (1/300)، والطبراني في الكبير (12/36)، وصححه الحاكم (5421)، وأورده الألباني في ضعيف سنن النسائي (328)، ولكن له شواهد يتقوى بها.
[6] أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان (6290)، ومسلم في كتاب السلام (2184) واللفظ له من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
[7] علقه الترمذي في كتاب الأدب (2825).
[8] أخرجه الترمذي في البر (2032) وقال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسين بن واقد"، وصححه ابن حبان (5763)، وهو في صحيح الترغيب (2339).
[9] انظر: تهذيب الكمال (23/291)، وسير أعلام النبلاء (8/427).
[10] أخرجه ابن جرير في تفسيره (22/45).
[11] أخرجه أحمد (1/313)، وابن ماجه في الأحكام (2341) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/48): "فيه جابر الجعفي وقد اتهم"، وللحديث شواهد كثيرة لا تخلو من مقال، ولكن بعضها يقوي بعضا كما قال النووي في الأربعين، ووافقه ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص304) وقال: "وقد قال البيهقي في بعض أحاديث كثير بن عبد الله المزني: إذا انضمت إلى غيرها من الأسانيد التي فيها ضعف قوتها... وقد استدل الإمام أحمد بهذا الحديث وقال: قال النبي : ((لا ضرر ولا ضرار))، وقال أبو عمرو بن الصلاح: هذا الحديث أسنده الدارقطني من وجوه، ومجموعها يقوي الحديث ويحسنه، وقد تقبله جماهير أهل العلم واحتجوا به، وقول أبي داود: إنه من الأحاديث التي يدور الفقه عليها يشعر بكونه غير ضعيف، والله أعلم"، وأورده الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1896).
[12] صحيح البخاري: كتاب الإيمان (10) واللفظ له، صحيح مسلم: كتاب الإيمان (40) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[13] سنن أبي داود: كتاب الصلاة (1118)، سنن النسائي: كتاب الجمعة (1399) من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه، وأخرجه أيضا أحمد (4/188)، وصححه ابن الجارود (294)، وابن خزيمة (1811)، وابن حبان (2790)، والحاكم (1061)، وهو في صحيح سنن أبي داود (989).
[14] صحيح البخاري: كتاب الأدب (6018، 6136)، صحيح مسلم: كتاب الإيمان (47) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[15] صحيح مسلم: كتاب الإيمان (46)، صحيح البخاري: كتاب الأدب (6016) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[16] أخرجه البخاري في الرقاق (6502) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[17] صحيح مسلم: كتاب المساجد (553) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
[18] أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب (2472)، ومسلم في كتاب البر (1914) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[19] أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب (2448)، ومسلم في كتاب الإيمان (19) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[20] رواه اللالكائي في كرامات الأولياء (172)، وانظر: صفة الصفوة (3/225)، وجامع العلوم والحكم (ص368).
[21] رواه اللالكائي في كرامات الأولياء (166)، وانظر: جامع العلوم والحكم (ص368).
[22] صحيح مسلم: كتاب البر (2581) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[23] أخرجه الدارقطني (3/77)، والبيهقي في الكبرى (6/69) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وصححه الحاكم (2345)، وقد اختلف في وصله، فرجح غير واحد من الحفاظ فيه الإرسال، انظر: جامع العلوم والحكم (ص368)، وحسنه الألباني لطرقه وشواهده الكثيرة، أحكام الجنائز (16).
[24] أخرجه مسلم في الإمارة (1828) من حديث عائشة رضي الله عنها.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشّكر له توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهمَّ صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فهي وصيّة الله جلّ وعلا للأوّلين والآخرين.
أيّها المسلمون، احذَروا من أذيّة إخوانِكم بأيّ نوعٍ من أنواع الأذى أو صورةٍ من صوَر الإضرَار، فذلكم وقوعٌ في شرّ عظيم وخطرٍ جسيم، واسلَموا بدينكم، وحافِظوا على أعمالكم، فرسولنا يقول: ((من آذى المسلمين في طرقِهم وجبت عليه لعنتُهم)) أخرجه الطبراني بسند حسن[1]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، إنّ فلانة تصلّي الليلَ وتصوم النّهار وتؤذي جيرانَها بلسانها، فقال: ((لا خيرَ فيها، هي في النّار)) صححه الحاكم وغيره[2].
ثمّ إنّ الله جلّ وعلا أمرنا بأمر عظيمٍ تسعَد به حياتنا وتفلح به أخرانا، ألا وهو الإكثار من الصلاة والسلام على نبيّنا وسيّدنا وحبيبنا.
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، اللهمّ ارضَ عن الخلفاء الراشدين...
[1] المعجم الكبير (3/179) من حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه، وحسن إسناده المنذري في الترغيب (1/81) والهيثمي في المجمع (1/204)، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (2294).
[2] المستدرك (7304، 7305)، وأخرجه أحمد (2/440)، والبخاري في الأدب المفرد (119)، والبيهقي في الشعب (7/78)، وصححه ابن حبان (5764)، والمنذري في الترغيب (3/242)، وقال الهيثمي في المجمع (8/169): "رجاله ثقات"، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (190).
1- متانة الروابط في المجتمع المسلم. 2- المنع من أذية المسلم والإضرار به. 3- أذية المسلم سبب لسخط الله تعالى. 4- عظم جرم أذية الجار والرجل الصالح. 5- فضل دفع الأذى عن المسلمين. 6- سوء عاقبة المؤذين. 7- الحث على الرفق بالرعية.
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فهي خير زاد.
عبادَ الله، لقد بَنى الإسلام أُسسَه في تنظيم العلاقةِ الاجتماعية بين بني المجتمع على قواعدَ مُثلى وركائزَ فضلى في مثلِ قوله تعالى: إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، ونحو قوله : ((لا تحاسدوا، ولا تناجَشوا، ولا تباغَضوا، ولا يبِع بعضكم على بيعِ بعض، وكونوا عبادَ الله إخوانا، المسلمُ أخو المسلم، لا يظلِمه، ولا يحقرُه، ولا يخذُله، التّقوى ها هنا ـ فأشار بيده إلى صدره ثلاثًا ـ، بحسب امرئٍ من الشّرّ أن يحقرَ أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام؛ دمُه وماله وعِرضه)) رواه مسلم[1]، وفي مثلِ قولِه : ((لا يؤمِن أحدُكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه)) متّفق عليه[2]، وفي نحو قوله عليه الصلاة والسلام: ((من أحبَّ أن يُزحزَح عن النار ويُدخَل الجنّة فلتأتِه منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى النّاس الذي يحبّ أن يؤتَى إليه)) رواه مسلم[3].
فتأسيسًا على ما تقدّم جاءت النّصوص المتضافرةُ في آيات قرآنيةٍ وأحاديثَ نبوية كلُّها تتضمّن المنعَ الأكيدَ مِن أذيّة المؤمن، والزجرَ الشديدَ من الإضرار بالمسلم بأيّ وجهٍ من الوجوه أو شكلٍ من الأشكال، القوليّة أو الفعليّة، الحسّيّة أو المعنويّة.
قال الله جلّ وعلا: وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰنًا وَإِثْمًا مُّبِينًا [الأحزاب:58]. قال أهل التفسير: "وهذا التّشديد لأنّه كان في المدينة يومذاك فريقٌ يتولّى هذا الكيدَ بالمؤمنين والمؤمِنات، بنشرِ قالةِ السّوء عنهم وتدبير المؤامرات لهم وإشاعة التّهَم ضدّهم، وهو ـ أي: هذا التحريم والتّشديد ـ عامّ في كلّ زمان وفي كلّ مكان، والمؤمنون والمؤمنات عُرضةٌ لمثل هذا الكيدِ في كلّ بيئة من الأشرارِ المنحرفين والمنافقين والذين في قلوبهم مرَض، والله جلّ وعلا يتولّى عنهم الردَّ على ذلك الكيدِ ويسِم أعداءَهم بالإثم والبُهتان وهو أصدق القائلين" انتهى.
ونبيّنا يحذّر من الأذى فيقول: ((إيّاكم والجلوسَ في الطرقات))، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بدّ في مجالسنا، نتحدّث فيها، فقال عليه الصلاة والسلام وهو الرحيم المشفِق: ((إذا أبَيتم إلاّ المجلس فأعطُوا الطريقَ حقَّه))، قالوا: وما حقُّ الطريق يا رسول الله؟ قال: ((غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر)) متفق عليه[4]، ويقول : ((لا تسبّوا أمواتَنا فتؤذوا أحياءَنا)) أخرجه النسائيّ وسنده حسن[5].
معاشرَ المسلمين، أذيّة المؤمنين وإحداثُ ما فيه إضرارُهم سببٌ عظيم لسخط المولى جلّ وعلا ومقتِه وعذابه وغضبِه، قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا كنتم ثلاثةً فلا يتناجَى اثنان دون صاحبِهما، فإنّ ذلك يُحزِنه))[6]، وفي رواية: ((فإنّ ذلك يؤذي المؤمنَ، والله يكرَه أذَى المؤمن))[7] أخرجه الترمذي وقال: "حديث صحيح". وصعد المنبرَ فنادى بصوتٍ رفيع فقال: ((يا معشرَ من أسلم بلسانِه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلِمين، ولا تعيّروهم، ولا تتَّبعوا عوراتِهم، فإنّه من تتبّع عورةَ أخيه المسلم تتبّع الله عورتَه، ومن تتبّع الله عورتَه يفضحه ولو في جوفِ رحله))، ونظر راوي الحديث ابنُ عمر رضي الله عنهما يومًا إلى البيتِ أو إلى الكعبة فقال: (ما أعظمَك وأعظمَ حرمتَك، والمؤمن أعظمُ حرمةً عند الله منك) والحديث سنده حسن[8].
يقول الفضيل رحمه الله: "لا يحلّ لك أن تؤذيَ كلبًا أو خنزيرًا بغير حقّ، فكيف بمن هو أكرم مخلوق؟!"[9]، وعن قتادة: "إيّاكم وأذى المؤمن، فإنّ الله يحوطه ويغضب له"[10].
معاشرَ المسلمين، وهذه النصوص الآنفةُ تعمّ بدلالاتِها وتشملُ بعمومِها تحريمَ أذى المؤمنين وجماعاتهم، صغارهم وكبارَهم، رجالهم ونساءَهم، وتشمل أيضًا التحذيرَ من أنواع الأذى وصُوَر الإضرار في النّفس والبدن، في العِرض والمال، في أمورِ الدّين والدّنيا، يقول في الحديث المشهور الصّحيح: ((لا ضررَ ولا ضِرار))[11]، ويقول : ((المسلم من سلِم المسلمون من لسانِه ويده)) أخرجاه في الصحيحين[12].
عبادَ الله، ولقد بلغَت عناية الشريعة المحمّدية في منعِ أذى المؤمنين والتحذير من الإضرار بهم ولو كان القصد حسنًا والهدف نبيلاً، جاء رجلٌ يتخطّى رقابَ النّاس يومَ الجمعة والنبيّ يخطب، فقال عليه الصلاة والسلام له: ((اجلِس فقد آذيت)) رواه أبو داود والنسائي وإسناده حسن[13]. وإذا كان الأمر كذلك فكيف بالأذى المقصود والأذيّة المتعمَّدة لأجل الأغراض الشخصيّة والمنافع الدنيوية؟!
إخوةَ الإيمان، جُرمُ الأذى يزداد إثمًا وبهتانًا ويشتدّ عند الله كُرهًا ومقتًا حينما يتّجه إلى دارٍ مِن الجيران، أو يتوجّه لأحدٍ من الصالحين، فنبيّنا يقول: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره)) متفق عليه[14]، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((لا يدخل الجنَّةَ من لا يأمن جارُه بوائِقه)) رواه مسلم واللفظ له ورواه البخاري أيضًا[15]، وبوائقه أي: غوائله وشروره، ونبيّنا يحذّر تحذيرًا واضحًا صريحًا عن الأذيّة بعباد الله الصالحين، فيقول : ((إنّ الله جلّ وعلا يقول: من عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب)) الحديث[16].
إخوةَ الإسلام، دفعُ الأذى عن المسلم عندَ الله جلّ وعلا أمرٌ محمود وفعلٌ مرغوب، فنبيّنا وهو قائدُ الإصلاح والخير والبرّ يقول: ((عُرِضت عليّ أعمال أمّتي حسنُها وسيّئها، فوجدتُ في محاسن أعمالِها الأذى يُماط عن الطريق، ووجدتُ في مساوئ أعمالِها النخاعة تكون في المسجد لا تُدفَن)) أخرجه مسلم[17]، وأخرج أيضًا في باب فضل إزالة الأذى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((مرّ رجلٌ بغُصن شجرةٍ على ظهرِ طريقٍ فقال: والله، لأنحِّينّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأُدخِل الجنّة))[18].
يقول أحد السّلف معبِّرًا عن منهاج النبوّة: "اجعَل كبيرَ المسلمين عندك أبًا، وصغيرَهم ابنًا، وأوسطَهم أخًا، فأيّ أولئك تحبّ أن تسيء إليه"، ويقول آخر: "ليكُن حظّ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضرَّه، وإن لم تُفرحه فلا تغمَّه، وإن لم تمدَحه فلا تذمَّه".
يا مَن لا يزال على أذيّة المسلمين قائمًا ولإحداث الضّرر بهم ساعيًا، تذكّر أنّ معهم سلاحًا بتّارًا، تذكّر أنّ الأذيّة ظلمٌ والإضرار بالمؤمنين بغيٌ، ولقد قال : ((واتّق دعوةَ المظلوم، فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب))[19].
دعا رجلٌ مِن السلف على امرأة أضرّته وأفسدَت عليه عِشرةَ امرأة له، فذهب بصرها في الحال، وكذَب رجلٌ على مطرّف بن عبد الله رحمه الله فقال له: "إن كنتَ كاذبًا فعجّلَ الله حتفَك"، فمات الرّجل مكانَه[20]، وكان رجلٌ من الخوارج يغشَى مجلسَ الحسن البصري فيؤذيهم، فلمّا زاد في ذلك، قال الحسن: "اللهمّ قد علمتَ أذاه لنا فاكفِناه بما شئتَ"، فخرّ الرجل من قامتِه، فما حُمِل إلى أهله إلا ميتًا على سريره[21]، ومع هذا فأكثرُ مَن كان مجابَ الدّعوة من السلف كان يصبِر على الأذى والبلاءِ ابتغاءَ الأجر والثّواب من الله جلّ وعلا.
أيّها المسلم، أيّها المؤمن، كُفَّ عن الأذى بإخوانك قبل أن يُقضَى بينك وبينهم يومَ لا ينفع مال ولا بنون، فعن أبي هريرة أنّ رسول الله قال: ((أتدرون ما المفلس؟)) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: ((إنّ المفلسَ من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وقيام وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مالَ هذا وسفك دمَ هذا أو ضربَ هذا، فيُعطى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه، فإن فنِيت حسناته قبل أن يَقضيَ ما عليه أخِذ من خطاياهم فطُرحت عليه فطُرح في النّار)) رواه مسلم[22].
إخوةَ الإسلام، إنّ من يتولّى للمسلمين عملاً من أعمالهم أو وظيفة من الوظائف التي جُعلت لخدمتهم فهو أمين فما وُلِّي عليه، واجبٌ عليه بذلُ الجهد في تحقيق مصالحهم ورفع الضّرر والأذى عنهم، وحينئذ فمن آذى مسلمًا من خلال عملِه أو ألحَق به الضّررَ من منطلَق وظيفتِه فهو على إثم مبينٍ وفي خطَر كبير، فنبيّنا يقول: ((لا ضرَرَ ولا ضِرار، ومن ضارّ ضرّه الله، ومن شاقّ شقّ الله عليه)) والحديث حسن[23]، ويقول أيضًا: ((اللهمَّ من ولِي من أمر أمّتي شيئًا فشقّ عليهم فاشقُق عليه))[24].
فاتّقوا الله أيّها المؤمنون، والتزِموا بتلك التعاليم وهذه التوجهاتِ، تفوزوا وتسعَدوا في الدنيا والآخرة.
اللهمّ بارك لنا في القرآن، وانفَعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] صحيح مسلم: كتاب البر (2564) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] صحيح البخاري: كتاب الإيمان (13)، صحيح مسلم: كتاب الإيمان (45) من حديث أنس رضي الله عنه.
[3] صحيح مسلم: كتاب الإمارة (1844) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[4] صحيح البخاري: كتاب المظالم والغصب (2465)، صحيح مسلم: كتاب اللباس (2121) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[5] سنن النسائي: كتاب القسامة (4775) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه أيضا أحمد (1/300)، والطبراني في الكبير (12/36)، وصححه الحاكم (5421)، وأورده الألباني في ضعيف سنن النسائي (328)، ولكن له شواهد يتقوى بها.
[6] أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان (6290)، ومسلم في كتاب السلام (2184) واللفظ له من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
[7] علقه الترمذي في كتاب الأدب (2825).
[8] أخرجه الترمذي في البر (2032) وقال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسين بن واقد"، وصححه ابن حبان (5763)، وهو في صحيح الترغيب (2339).
[9] انظر: تهذيب الكمال (23/291)، وسير أعلام النبلاء (8/427).
[10] أخرجه ابن جرير في تفسيره (22/45).
[11] أخرجه أحمد (1/313)، وابن ماجه في الأحكام (2341) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/48): "فيه جابر الجعفي وقد اتهم"، وللحديث شواهد كثيرة لا تخلو من مقال، ولكن بعضها يقوي بعضا كما قال النووي في الأربعين، ووافقه ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص304) وقال: "وقد قال البيهقي في بعض أحاديث كثير بن عبد الله المزني: إذا انضمت إلى غيرها من الأسانيد التي فيها ضعف قوتها... وقد استدل الإمام أحمد بهذا الحديث وقال: قال النبي : ((لا ضرر ولا ضرار))، وقال أبو عمرو بن الصلاح: هذا الحديث أسنده الدارقطني من وجوه، ومجموعها يقوي الحديث ويحسنه، وقد تقبله جماهير أهل العلم واحتجوا به، وقول أبي داود: إنه من الأحاديث التي يدور الفقه عليها يشعر بكونه غير ضعيف، والله أعلم"، وأورده الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1896).
[12] صحيح البخاري: كتاب الإيمان (10) واللفظ له، صحيح مسلم: كتاب الإيمان (40) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[13] سنن أبي داود: كتاب الصلاة (1118)، سنن النسائي: كتاب الجمعة (1399) من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه، وأخرجه أيضا أحمد (4/188)، وصححه ابن الجارود (294)، وابن خزيمة (1811)، وابن حبان (2790)، والحاكم (1061)، وهو في صحيح سنن أبي داود (989).
[14] صحيح البخاري: كتاب الأدب (6018، 6136)، صحيح مسلم: كتاب الإيمان (47) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[15] صحيح مسلم: كتاب الإيمان (46)، صحيح البخاري: كتاب الأدب (6016) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[16] أخرجه البخاري في الرقاق (6502) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[17] صحيح مسلم: كتاب المساجد (553) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
[18] أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب (2472)، ومسلم في كتاب البر (1914) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[19] أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب (2448)، ومسلم في كتاب الإيمان (19) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[20] رواه اللالكائي في كرامات الأولياء (172)، وانظر: صفة الصفوة (3/225)، وجامع العلوم والحكم (ص368).
[21] رواه اللالكائي في كرامات الأولياء (166)، وانظر: جامع العلوم والحكم (ص368).
[22] صحيح مسلم: كتاب البر (2581) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[23] أخرجه الدارقطني (3/77)، والبيهقي في الكبرى (6/69) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وصححه الحاكم (2345)، وقد اختلف في وصله، فرجح غير واحد من الحفاظ فيه الإرسال، انظر: جامع العلوم والحكم (ص368)، وحسنه الألباني لطرقه وشواهده الكثيرة، أحكام الجنائز (16).
[24] أخرجه مسلم في الإمارة (1828) من حديث عائشة رضي الله عنها.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشّكر له توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهمَّ صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فهي وصيّة الله جلّ وعلا للأوّلين والآخرين.
أيّها المسلمون، احذَروا من أذيّة إخوانِكم بأيّ نوعٍ من أنواع الأذى أو صورةٍ من صوَر الإضرَار، فذلكم وقوعٌ في شرّ عظيم وخطرٍ جسيم، واسلَموا بدينكم، وحافِظوا على أعمالكم، فرسولنا يقول: ((من آذى المسلمين في طرقِهم وجبت عليه لعنتُهم)) أخرجه الطبراني بسند حسن[1]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، إنّ فلانة تصلّي الليلَ وتصوم النّهار وتؤذي جيرانَها بلسانها، فقال: ((لا خيرَ فيها، هي في النّار)) صححه الحاكم وغيره[2].
ثمّ إنّ الله جلّ وعلا أمرنا بأمر عظيمٍ تسعَد به حياتنا وتفلح به أخرانا، ألا وهو الإكثار من الصلاة والسلام على نبيّنا وسيّدنا وحبيبنا.
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، اللهمّ ارضَ عن الخلفاء الراشدين...
[1] المعجم الكبير (3/179) من حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه، وحسن إسناده المنذري في الترغيب (1/81) والهيثمي في المجمع (1/204)، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (2294).
[2] المستدرك (7304، 7305)، وأخرجه أحمد (2/440)، والبخاري في الأدب المفرد (119)، والبيهقي في الشعب (7/78)، وصححه ابن حبان (5764)، والمنذري في الترغيب (3/242)، وقال الهيثمي في المجمع (8/169): "رجاله ثقات"، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (190).
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى