عبد الرحمن
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ملخص الخطبة
1- أهمية الجزيرة العربية. 2- أحداث الرياض والمدينة ومكة. 3- تحريم الأعمال التخريبية. 4- ضرورة المحافظة على أحكام الإسلام. 5- السمع والطاعة لولي الأمر في المعروف. 6- وجوب تعميق الوحدة بين أفراد المجتمع. 7- أهمية الإخلاص والمتابعة. 8- التحذير من الغلو. 9- التحذير من التكفير. 10- وجوب الاتجاه إلى العلم الصحيح والالتفاف حول العلماء. 11- ضرورة الفهم الصحيح لمقاصد الإسلام. 12- العناية بالشباب في الإجازة الصيفية.
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فلا سعادةَ إلاّ في التّقوى، ولا خيرَ إلاّ في الطاعة والهُدى، ولا أمنَ ولا استقرارَ إلاّ في تحقيق توحيد الخالق جلّ وعلا.
معاشرَ المسلمين، إنّ الجزيرةَ العربيّة التي تضمّ بلادَ الحرمين هي معقل الإسلام وعاصمتُه الخالِدة وقلب العالم الإسلامي كمركزِ القلب في الجِسم الإنسانيّ، ورأس مال المسلمين والخطّ الأخير في الدّفاع عن الوجود الإسلاميّ.
بلادُ الحرمين في العالم الإسلامي بمثابة مركز القلب في الجِسم الإنسانيّ الذي إذا عاش وقوي وأدّى رسالتَه في الجهاز الجسميّ والنظام الحيويّ عاش الجسمُ وقوِي. بلادُ الحرمَين مهبط الوحي ومبعث الإسلام ومصدَر الدعوة الإسلاميّة ومركز الإسلام الدائم.
هذه البلادُ ينظر إليها العالم على أنّها مقياسٌ صحيح لحياة الإسلام وتعاليم الإسلام العالميّة وصلاحيتها للبقاء والتطبيق. فالرّسالة الإسلاميّة مهما كانت عالميّة آفاقيّة لا بدّ لها مِن مركز يُعدّ مقياسًا وميزانًا لعمليّتها وواقعيّتها، وهي ـ أي: هذه البلاد ـ أسوة وقدوة لجميع المدُن والقرى والمجتمعات التي تؤمن بهذه الرسالة وتحتضِن هذه العقيدةَ والدّعوة. فالإنسان مفطورٌ على البحث عن المقياس الصّحيح والبَلد المثالي والموئل الذي يأوي إليه والمصدر الذي يستمدّ منه القوّة والثّقة والحمايةَ والانتفاع، ومِن هنا حرَص الحبيبُ المصطفى على سلامةِ بلاد الحرمين واستقرارها وشدّة تماسكِها بهذا الدّين؛ لأنّ العاصمةَ يجب أن تكونَ بعيدةً عن كلّ تشويش وعن كلّ فوضَى وعن كلّ صِراع، ولهذا كان الخلفاءُ الراشدون ينظرون دائمًا إلى بلادِ الحرمين والجزيرةِ العربيّة ككلّ كمعلَمٍ للإسلام ورأسِ مال الدّعوة الإسلاميّة الصحيحة، ومِن هنا أُسِّست هذه الدّولة السعوديّة على تلك الأسُس وهذه المرتكزات رعايةً لأحكام الإسلام، وتأسيسًا للحياة بشتّى أنشِطتها وسائر ممارساتِها على كتابِ الله وسنّة رسوله وعلى المنهَج المعتدِل والوسطيّة الحقّة دون تفريط أو إفراط، ودون غلوّ أو جفاء.
عبادَ الله، ومِن هنا والعالم ككلّ يعيش في فتنٍ متلاطِمة ومدلهمّات جسيمة وعواقب مجهولة فلا بدّ أن يدرك أبناءُ هذه البلاد صغارًا وكبارًا، شبابًا وشيبًا، علماء ومتعلِّمين، مثقّفين ومفكِّرين، إنّ المتعيِّن حقًّا والواجبَ حتمًا أن يعيَ الجميع الخصائصَ التي خُصّت بما هذه البلاد، والميزان الذي أُسِّست عليه ليحفظوا لها حقّها ويعمَلوا لتحقيق جميعِ الأسباب التي تدرَأ كلَّ خطر وشرٍّ وضارّ يُراد لها ولأهلها، أو لمحاربةِ عقيدتها ومنهجها وثوابتِها.
معاشرَ المسلمين، لقد مرّت بنا عن قريبٍ أحداث جِسام ووقائعُ عِظام، يشيب الولدان لهَولها، ويتصدّع القلب حزنًا لفظاعتها، ويعجز القلم واللّسان عن تصوير مآسيها والإحاطة عن إدراك مضامين ضررِها وشرّها وهولِ قبحها وإجرامها، حوادثُ تفجير وقتلٍ في عاصمة التّوحيد الرياض، وحوادث إرعابٍ وإخافةِ سبيل وتهديد أمنٍ واستقرار وإشهار سلاح في مدينة سيِّد البشر وعاصمةِ الإسلام الأولى مدينةِ رسولنا التي قال فيها: ((من أحدث فيها حدثًا أو آوى فيها مُحدِثًًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين))[1]. ثمّ يفاجأ العالم كلّه بمصيبةٍ عظمى ومدلهمّة كبرى بما حدث في مكّة المكرّمة من قتلٍ لرجال الأمن وإعدادٍ مسلّح للإفساد والتّخريب، كلّ ذلك يقع في حرم آمنٍ وبلد معظّم، حفِظ الله أمنَه وأعلى شأنَه وأكرم منـزلتَه. حادثةٌ وحوادث تضمّنت جرائمَ عظمى، حوادث في نظر الإسلام هي كبرى، نالت ضروريات الدنيا والدّين معًا، وأضرّت بالبلاد والعباد جميعًا. حوادثُ أجمعَ المسلمون على استنكارها وقُبحها وتجريمِها، وكشفَ علماء الأمّة عن عظيم جُرمها وكبير وزرها، فهي وقائع وحوادث اجتمع لها مِن عناصر المحرّمات القطعيّة كمًّا هائلاً، وتضمّنت مِن أسباب المخالفة للوحيين شيئًا كبيرًا، يجمعها قول الله جلّ وعلا: وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا [الأعراف:56]، وقوله جلّ وعلا: وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ [المائدة:64]، وينتظمُها قوله تعالى: وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً [الأحزاب:58].
حوادثُ لا يقرّها عقلٌ، ولا يؤيّدها منطق، ولا تقرّها شريعة، يقول : ((كلّ المسلم على المسلم حرامٌ؛ دمه وماله وعرضه))[2]، ويقول في خطبةِ الوداع: ((إنّ دماءَكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمةِ يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا))[3].
ومِن هنا ـ معاشر المسلمين ـ فثمّة مرتكزات أساسيّة لا بدّ من طرقها، وأساسيّات لا بدّ من تفصيلها، وأحكام إسلاميّة لا بدّ من وعيِها ورعايتها حقَّ رعايتها.
أولى هذه المرتكزَات: ضرورةُ المحافظة على أحكام الإسلام، والتمسُّك بالعقيدة الإسلاميّة الصحيحة، والحرص على أطر النّفس على التّوحيد الخالص والالتزام بحدود الله في جميع المجالات وشتّى الشؤون؛ ليتحقّق الأمن العامّ والخاصّ، ويسودَ الاستقرار المنشود والسعادة المبتغاة، استجابةً لقول المولى سبحانه: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82].
ثاني هذه المرتكزات: ضرورةُ التّركيز على أنَّ السمعَ والطاعة لوليّ أمر المسلمين في المعروف أصلٌ من أصول العقيدة الإسلاميّة، فقلّ أن يخلوَ كتاب من كتب علماء الإسلام مِن تقرير هذا الأصل وشرحِه وبيانه، يقول جل وعلا: يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، جاء في صحيح البخاري عن النبيّ أنّه قال: ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبَّ وكرِه، إلاّ أن يؤمَر بمعصية، فإن أُمِر بمعصية فلا سمعَ ولا طاعة))[4]. ومِن هنا حذّر الإسلام أشدّ التحذير من الخروجِ عن الإمام ونقضِ البيعة المعقودة له، ففي البخاري ومسلم أنّ النبيّ قال: ((من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر، فإنّه مَن فارق الجماعة شبرًا فمات فميتة جاهليّة))[5]، يقول ابن أبي العزّ رحمه الله: "وأمّا لزوم طاعتِهم وإن جاروا فلأنّه يترتَّب على الخروج من طاعتهم من المفاسِد أضعافُ ما يحصل مِن جورهم". أخرج مسلم في صحيحه عن الحبيب المصطفى أنّه قال: ((إذا رأيتُم مِن ولاّتكم شيئًا تكرهونه فاكرَهوا عمَله، ولا تنـزَعوا يدًا من طاعة))[6]، وفي الصحيحين من حديث عبادة: دعانا رسول الله فبايعناه، فكان فيما أخَذ علينا أن بايعنا على السّمع والطاعة في منشطِنا ومكرهنا وعُسرنا ويسرنا وأثرةٍ علينا، وأن لا ننازعَ الأمرَ أهلَه، قال: ((إلاّ أن تَروا كفرًا بواحًا، عندكم فيه من الله برهان))[7].
قال أئمّة الدعوة في نصيحة لهم: "إذا فُهم ما تقدّم من النصوص القرآنية والأحاديث النبويّة وكلام العلماء المحقِّقين في وجوبِ السمع والطاعة لوليّ الأمر وتحريم منازعته والخروج عليه، وأنّ المصالحَ الدينيّة والدنيويّة لا انتظامَ لها إلاّ بالإمامة والجماعة، تبيّن أنّ الخروجَ عن طاعة وليّ الأمر والافتياتَ عليه بغزوٍ أو غيره معصيةٌ ومشاقَّة لله ورسوله ومخالفةٌ لما عليه أهل السنة والجماعة" انتهى.
وثالثُ هذه المرتكزات: وجوبُ تعميق الوحدة بين أفرادِ المجتمع في هذه البلاد على أساس دينيٍّ ومرتكَز عقائديّ، الجميعُ تحت ظلّ الإسلام، يعيشون بحبّ وتوادٍّ وتعاطف وتعاون، على هديٍ من الوحيين ومنهج واضحٍ لا غموضَ فيه ولا شطَط ولا انحرافَ في محيط تعميق الرّابطة الدينيّة التي أوضحَها الإسلام في قول الحبيب : ((لا يؤمِن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه))[8]، ((مثَل المؤمنين في توادّهم وتراحمِهم كمثل الجسَد الواحد)) الحديث[9].
يجب أن يعيَ أبناء هذه البلاد أنّ الله أنعمَ عليهم بنعمٍ لا تُحصى، ومنها بلادٌ ومجتمع يعظِّم الإسلامَ ويحكِّمه، عقيدتُه التّوحيد الخالص، ومنهجُه في النّظُم والحكم والقضاء هديُ الوحيَين على منهج السّلف، فيجب الفهم العميقُ لذلك، وأن يستشعِر المجتمع ككلّ هذه الحقيقة، فيتعاونون على جزم الجذور العصبيّة مهما ظهرت، ويجِب أن يحرصَ الجميع على سلخِ العصبيّات الجاهلية ومحاربة أسبابِ الفتن والبعدِ عن مواطن الشّغب وبواعثِ الإحَن ونوازع الفُرقة والاختلاف، وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران:103].
لا بدّ من محاصرةِ كلّ دخيلٍ ومعالجة كلّ عليل، وفقَ رباطٍ متين من ترسيخ علاقة متينةٍ بين أفرادِ المجتمع من جِهة، وبين الحاكم والمحكوم من جهة أخرى، في إطار قول الله جل وعلا: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ [المائدة:2].
وإنّ مِن بوادر الخير بحول الله ما تمّ مؤخَّرًا من لقاءٍ لحوار وطنيّ بتأييدٍ من وليّ الأمر، دعوةٌ لتعزيز الوحدة بين أبناء هذا البلد ليحقِّقوا من خلال هذه اللقاءات الأسبابَ التي تضمَن بمشيئة الله الصالحَ العام، وتدرأ عنه عواقبَ التحدّيات والمخاطر، في إطارِ تحمّل للمسؤوليّة وتمسّك كاملٍ بالوحيَين وتفعيلٍ تامّ لثوابت الإسلام ومقرّرات العقيدة الصّحيحة التي تستمدّ منها هذه الدّولة نظامَها، ويسيِّر به المجتمع حياته ونشاطَه.
رابع هذه المرتكزات: أنّ المسلمين جميعًا يجب أن يدرِكوا أنّ الإسلامَ مبنيّ على إخلاصٍ للخالق وعلى صوابٍ في العمل من المخلوق على السنّة والهدى، لا بدّ من فهمِ حقائق الإسلام كما جاء، وممارستِه كما نزل، في فهم دقيقٍ لمقاصده وأهدافه وأغراضه وغاياته؛ لإصلاح الدارين وإسعادِ العالمين والإحسان إلى المخلوقين والرّحمة بالخلق أجمعين، قال تعالى: وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]، قال المفسّرون: "فجعل الله هذه الأمّةَ وسطًا في كلّ أمور الدين، فدين الإسلام في وصف نبيّ الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام: ((إنّ هذا الدّين يُسر))[10]، ((يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا))[11] رواهما البخاري، وهو في وصيّة الرحيم الشفيق عليه أفضل الصلاة والسلام دينُ رفق في جميع أمورِه وشتّى مجالاته وكافّة تعاليمه، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إنّ الرفقَ ما كان في شيءٍ إلاّ زانه، ولا نُزع من شيء إلا شانه))[12]، ((إنّ الله رفيق يحبّ الرفق، ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف)) رواهما مسلم[13].
ومِن هنا فلا مجال في الإسلام لغلوّ أو تطرّفٍ يحمل على هدم تعاليم الإسلام، أو يصرف العبدَ عن تعاليم سيّد الأنام، فربّنا جل وعلا يقول: لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ [النساء:171]، ورسولنا يقول: ((إيّاكم والغلوّ في الدين))[14].
وإنّ مِن أعظم الغلوّ وأشدّ صورِه التي نهى الإسلام عنها الوقوعَ في تكفير المسلمين بمجرّد شبهة حادثةٍ أو أدلّة محتملة، وفق حكمٍ بالتكفير يستنِد على منهج مختلٍّ وفكر يعتريه الخلَل.
إنّ منهجَ الإسلام الذي سلكه سلفُ هذه الأمة من صحابة رسول الله ومَن تبعهم منهجٌ يقوم على مبادئ الاعتدال والتّوازن، لذا فالحكم على المسلم بالكفر حكمٌ خطير في مفهوم هذا المنهج الصّافي القائم على الوحيين، الحكم بالتكفير على المسلمين مزلَق خطِر له آثاره الضارّة على الإسلام والخطيرة بمجتمع الإيمان، لذا صرّح علماء الإسلام بأنّه لا يجوز الإقدامُ على تكفير المسلمين إلاّ ببرهان واضحٍ ودليل ساطع، ففي الصحيحين عن النبيّ : ((إذا قال الرّجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهم))[15]، وفي البخاريّ عن النّبيّ : ((ومن رمى مؤمنًا بكفر فهو كقتله))[16]، وفي حديث أبي ذرّ أنّه سمع النّبيّ يقول: ((مَن دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدوّ الله، وليس كذلك إلاّ حار عليه)) أي: رجع عليه، رواه البخاريّ[17]. قال ابن دقيق: "وهذا وعيد عظيمٌ لمن كفّر أحدًا من المسلمين وليس هو كذلك، وهي ورطة عظيمةٌ وقع فيها خلقٌ" انتهى المقصود.
إنّ التكفيرَ حكم شرعيّ مضبوطٌ بضوابطَ معلومة من النصوص، مفهومَة محدّدة عند أولى التحقيق من أهل العلم، قال شيخ الإسلام: "من ادّعى دعوى وأطلق فيها عنانَ الجهل مخالفًا لجميع أهلِ العلم، ثمّ مع مخالفتهم يريد أن يُكفِّر ويضلِّل من لم يوافِقه عليها، فهذا من أعظمِ ما يفعله كلّ جهول" انتهى[18].
ولهذا فمِن قواعدِ أهل العلم اعتبارُ الشروط وانتفاء الموانع بوضوحٍ كامل. ومِن قواعدهم أيضًا أنّ الفعلَ المحتمِل لقصد الكفر وغيره لا اعتبارَ بصدوره من فاعلِه في التكفير ما لم يُرِد به فاعلُه الخروجَ عن الإسلام إلى ملّة الكفر، قال ابن أبي العزّ رحمه الله: "إنّه لمِن أعظم البغي أن يُشهَد على معيّن أنّ الله لا يغفِر له ولا يرحمه، بل يخلّده في النّار"، ويقول: "ولا نكفِّر أحدًا من أهل القبلة بذنبٍ ما لم يستحلّه، ولا نقول: لا يضرّ مع الإيمان ذنب لمن عمله".
خامس هذه المرتكزات: أنّ الواجبَ على شبابِ المسلمين الاتجاهُ إلى العلم الصحيح والتوجّه للعلماء الربانيّين والحذر من مزالق الهوى والشيطان، لا بدّ أن يتعقّلوا بحكمةِ العلماء المحقّقين ذوي المنهج السويّ و المسلك المحمّدي، فقديمًا قيل: عليكم بآراء الشيوخ؛ فإنّهم إن فقَدوا ذكاءَ الطّبع فقد مرّت على عيونهم وجوهُ العبر، ووردت على أسماعهم آثارُ الغير.
وإنّ المتعيِّنَ على شبابِ هذه البلاد أن يحذروا من الوقوع في المصائد الضالّة، وأن يعلَموا أنّهم في بلادٍ أنعم الله عليها بنعمةِ التّوحيد وظهور السنّة المحمّدية، وأن يستيقِنوا أنَّ مِن الخطر العظيم على الإسلام والمسلمين أن يتوجّهوا إلى مَن يوقعهم في مفاسدَ عظمى وشرور كبرى، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ [النساء:71].
سادس هذه المرتكزات وآخرها: أنّ بلادَ المسلمين ومجتمعاتهم ـ ومنها بلاد الحرمين ـ لا بدّ أن يسودَ فيها الفهم الصحيحُ لمقاصد الإسلام بإقامة مجتمع مثاليٍّ تسود فيه روح المودّة والمحبّة، وتنتظم فيه أسبابُ الصلاح وعوامل السعادة، ومِن هنا حرص الإسلام على تحقيق ذلك وفقَ مبدأ النصيحة وتفعيلها في المجتمع في إطار أخلاقيّ راقٍ لم يُسبق له مثيل، النصيحة من المسلم لأخيه من بني المجتمع، النصيحة من الحاكم للمحكوم، النصيحةُ من المحكوم للحاكم، نصيحةٌ يدفعها الإخلاص لله جلّ وعلا وابتغاءُ ما عنده، نصيحةٌ تسودها أخلاقيّات الإسلام ومبادؤه العظام، في مفهوم ٍ لقاعدة: المسلم ينصح ولا يفضَح، والمنافق يفضَح ولا ينصَح.
أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم: وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ [التوبة:71].
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري في الحج (1870)، ومسلم في الحج (1370) من حديث علي رضي الله عنه. وفي الباب عن أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما.
[2] جزء من حديث أخرجه مسلم في البر (2564) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[3] أخرجه البخاري في العلم (67)، ومسلم في القسامة (1679) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
[4] أخرجه البخاري في الأحكام (7144)، ومسلم في الإمارة (1839) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
[5] أخرجه البخاري في الفتن (7054)، ومسلم في الإمارة (1849) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[6] أخرجه مسلم في الإمارة (1855) من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه.
[7] أخرجه البخاري في الفتن (7056)، ومسلم في الإمارة (1709).
[8] أخرجه البخاري في الإيمان (13)، ومسلم في الإيمان (45) من حديث أنس رضي الله عنه.
[9] أخرجه البخاري في الأدب (6011)، ومسلم في البر (2586) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
[10] أخرجه البخاري في الإيمان (39) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[11] أخرجه البخاري في العلم (69)، ومسلم في الجهاد (1734) من حديث أنس رضي الله عنه. وفي الباب عن أبي موسى رضي الله عنه عند مسلم في الجهاد (1732).
[12] أخرجه مسلم في البر (2594) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[13] أخرجه مسلم في البر (2593) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[14] أخرجه أحمد (1/215)، والنسائي في المناسك (3057)، وابن ماجه في المناسك (3029)، وابن الجارود (473)، والضياء في المختارة (10/30-31) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه ابن خزيمة (4/274)، وابن حبان (3871)، والحاكم (1/466)، ووافقه الذهبي، وقال ابن تيمية في الاقتضاء (ص106): "وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم"، وخرجه الألباني في السلسلة الصحيحة (1283).
[15] أخرجه البخاري في الأدب (6104)، ومسلم في الإيمان (60) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه.
[16] أخرجه البخاري في الأدب (6047، 6105) من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه.
[17] أخرجه البخاري في الأدب (6045)، ومسلم في الإيمان (61) واللفظ له.
[18] الرد على البكري (ص263).
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ نبيّنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهمَّ صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أمّا بعد: فيا أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، والالتزام الكامل بسنّة النبيّ عليه أفضل الصلاة والسلام.
أيّها المسلمون، اختَتَم شبابنا عامَهم الدراسيَّ بحمد الله، فنسأل الله التوفيقَ والنجاح للجميع. وأقبلت على الشباب الإجازةُ المعهودة، يجِدون فيها وقتًا كبيرًا وفراغًا كثيرًا، فلتكن ـ يا شباب الإسلام ـ أوقاتُكم مليئة بما ينفعكم في دينكم وديناكم، وبما يكون خيرًا وغنيمة لكم ولأمّتكم ولمجتمعاتكم، واحذَروا من البطالة والكسَل، ومن تضييع الأوقات فيما لا فائدة فيه أو لا خيرَ منه، فالوقت ثمين وثمين.
أيّها الآباء، اتّقوا الله في أولادكم، فهم أمانة لديكم، ومن مضامين مسؤوليّاتكم وجوبُ رعايتهم، فالزموا ـ رحمكم الله ـ مراقبتَهم في حركاتهم وسكناتِهم، في ذهابهم وإيابهم، في أصحابهم وأخلاقهم، واحذَروا من التّسارع في تحقيق المطالب التي تعود عليهم بالضّرر في آخرتهم ودنياهم، واحذَروا من ترك الحبل لهم على الغارِب ليذهبوا كيف شاؤوا، من الأماكن التي تتوافر فيها أسبابُ الشرّ والفساد وسبُل الغيّ وأسباب الضلال، فهم نعمةٌ من نِعم الله علينا، فمَن راعى هذه النعمة وقام بما أوجب الله عليه فيها فهي مِنحة وسَعادة في الدّنيا والآخرة، ومن ضيّع واجبَ الله فيها وأهملها صارَت محنةً وشقاء، والواقع أكبرُ دليل وأوضح برهان، وربّنا جلّ وعلا يقول: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ [التحريم:6].
ثمَّ اعلموا أنّ الله أمرنا بأمر عظيم تصلح به شؤوننا، ألا وهو الصّلاة والسّلام على النبيّ الكريم.
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك وأنعم على سيّدنا وحبيبنا محمّد ، اللهمَّ ارضَ عن الخلفاء الراشدين...
1- أهمية الجزيرة العربية. 2- أحداث الرياض والمدينة ومكة. 3- تحريم الأعمال التخريبية. 4- ضرورة المحافظة على أحكام الإسلام. 5- السمع والطاعة لولي الأمر في المعروف. 6- وجوب تعميق الوحدة بين أفراد المجتمع. 7- أهمية الإخلاص والمتابعة. 8- التحذير من الغلو. 9- التحذير من التكفير. 10- وجوب الاتجاه إلى العلم الصحيح والالتفاف حول العلماء. 11- ضرورة الفهم الصحيح لمقاصد الإسلام. 12- العناية بالشباب في الإجازة الصيفية.
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فلا سعادةَ إلاّ في التّقوى، ولا خيرَ إلاّ في الطاعة والهُدى، ولا أمنَ ولا استقرارَ إلاّ في تحقيق توحيد الخالق جلّ وعلا.
معاشرَ المسلمين، إنّ الجزيرةَ العربيّة التي تضمّ بلادَ الحرمين هي معقل الإسلام وعاصمتُه الخالِدة وقلب العالم الإسلامي كمركزِ القلب في الجِسم الإنسانيّ، ورأس مال المسلمين والخطّ الأخير في الدّفاع عن الوجود الإسلاميّ.
بلادُ الحرمين في العالم الإسلامي بمثابة مركز القلب في الجِسم الإنسانيّ الذي إذا عاش وقوي وأدّى رسالتَه في الجهاز الجسميّ والنظام الحيويّ عاش الجسمُ وقوِي. بلادُ الحرمَين مهبط الوحي ومبعث الإسلام ومصدَر الدعوة الإسلاميّة ومركز الإسلام الدائم.
هذه البلادُ ينظر إليها العالم على أنّها مقياسٌ صحيح لحياة الإسلام وتعاليم الإسلام العالميّة وصلاحيتها للبقاء والتطبيق. فالرّسالة الإسلاميّة مهما كانت عالميّة آفاقيّة لا بدّ لها مِن مركز يُعدّ مقياسًا وميزانًا لعمليّتها وواقعيّتها، وهي ـ أي: هذه البلاد ـ أسوة وقدوة لجميع المدُن والقرى والمجتمعات التي تؤمن بهذه الرسالة وتحتضِن هذه العقيدةَ والدّعوة. فالإنسان مفطورٌ على البحث عن المقياس الصّحيح والبَلد المثالي والموئل الذي يأوي إليه والمصدر الذي يستمدّ منه القوّة والثّقة والحمايةَ والانتفاع، ومِن هنا حرَص الحبيبُ المصطفى على سلامةِ بلاد الحرمين واستقرارها وشدّة تماسكِها بهذا الدّين؛ لأنّ العاصمةَ يجب أن تكونَ بعيدةً عن كلّ تشويش وعن كلّ فوضَى وعن كلّ صِراع، ولهذا كان الخلفاءُ الراشدون ينظرون دائمًا إلى بلادِ الحرمين والجزيرةِ العربيّة ككلّ كمعلَمٍ للإسلام ورأسِ مال الدّعوة الإسلاميّة الصحيحة، ومِن هنا أُسِّست هذه الدّولة السعوديّة على تلك الأسُس وهذه المرتكزات رعايةً لأحكام الإسلام، وتأسيسًا للحياة بشتّى أنشِطتها وسائر ممارساتِها على كتابِ الله وسنّة رسوله وعلى المنهَج المعتدِل والوسطيّة الحقّة دون تفريط أو إفراط، ودون غلوّ أو جفاء.
عبادَ الله، ومِن هنا والعالم ككلّ يعيش في فتنٍ متلاطِمة ومدلهمّات جسيمة وعواقب مجهولة فلا بدّ أن يدرك أبناءُ هذه البلاد صغارًا وكبارًا، شبابًا وشيبًا، علماء ومتعلِّمين، مثقّفين ومفكِّرين، إنّ المتعيِّن حقًّا والواجبَ حتمًا أن يعيَ الجميع الخصائصَ التي خُصّت بما هذه البلاد، والميزان الذي أُسِّست عليه ليحفظوا لها حقّها ويعمَلوا لتحقيق جميعِ الأسباب التي تدرَأ كلَّ خطر وشرٍّ وضارّ يُراد لها ولأهلها، أو لمحاربةِ عقيدتها ومنهجها وثوابتِها.
معاشرَ المسلمين، لقد مرّت بنا عن قريبٍ أحداث جِسام ووقائعُ عِظام، يشيب الولدان لهَولها، ويتصدّع القلب حزنًا لفظاعتها، ويعجز القلم واللّسان عن تصوير مآسيها والإحاطة عن إدراك مضامين ضررِها وشرّها وهولِ قبحها وإجرامها، حوادثُ تفجير وقتلٍ في عاصمة التّوحيد الرياض، وحوادث إرعابٍ وإخافةِ سبيل وتهديد أمنٍ واستقرار وإشهار سلاح في مدينة سيِّد البشر وعاصمةِ الإسلام الأولى مدينةِ رسولنا التي قال فيها: ((من أحدث فيها حدثًا أو آوى فيها مُحدِثًًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين))[1]. ثمّ يفاجأ العالم كلّه بمصيبةٍ عظمى ومدلهمّة كبرى بما حدث في مكّة المكرّمة من قتلٍ لرجال الأمن وإعدادٍ مسلّح للإفساد والتّخريب، كلّ ذلك يقع في حرم آمنٍ وبلد معظّم، حفِظ الله أمنَه وأعلى شأنَه وأكرم منـزلتَه. حادثةٌ وحوادث تضمّنت جرائمَ عظمى، حوادث في نظر الإسلام هي كبرى، نالت ضروريات الدنيا والدّين معًا، وأضرّت بالبلاد والعباد جميعًا. حوادثُ أجمعَ المسلمون على استنكارها وقُبحها وتجريمِها، وكشفَ علماء الأمّة عن عظيم جُرمها وكبير وزرها، فهي وقائع وحوادث اجتمع لها مِن عناصر المحرّمات القطعيّة كمًّا هائلاً، وتضمّنت مِن أسباب المخالفة للوحيين شيئًا كبيرًا، يجمعها قول الله جلّ وعلا: وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا [الأعراف:56]، وقوله جلّ وعلا: وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ [المائدة:64]، وينتظمُها قوله تعالى: وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً [الأحزاب:58].
حوادثُ لا يقرّها عقلٌ، ولا يؤيّدها منطق، ولا تقرّها شريعة، يقول : ((كلّ المسلم على المسلم حرامٌ؛ دمه وماله وعرضه))[2]، ويقول في خطبةِ الوداع: ((إنّ دماءَكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمةِ يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا))[3].
ومِن هنا ـ معاشر المسلمين ـ فثمّة مرتكزات أساسيّة لا بدّ من طرقها، وأساسيّات لا بدّ من تفصيلها، وأحكام إسلاميّة لا بدّ من وعيِها ورعايتها حقَّ رعايتها.
أولى هذه المرتكزَات: ضرورةُ المحافظة على أحكام الإسلام، والتمسُّك بالعقيدة الإسلاميّة الصحيحة، والحرص على أطر النّفس على التّوحيد الخالص والالتزام بحدود الله في جميع المجالات وشتّى الشؤون؛ ليتحقّق الأمن العامّ والخاصّ، ويسودَ الاستقرار المنشود والسعادة المبتغاة، استجابةً لقول المولى سبحانه: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82].
ثاني هذه المرتكزات: ضرورةُ التّركيز على أنَّ السمعَ والطاعة لوليّ أمر المسلمين في المعروف أصلٌ من أصول العقيدة الإسلاميّة، فقلّ أن يخلوَ كتاب من كتب علماء الإسلام مِن تقرير هذا الأصل وشرحِه وبيانه، يقول جل وعلا: يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، جاء في صحيح البخاري عن النبيّ أنّه قال: ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبَّ وكرِه، إلاّ أن يؤمَر بمعصية، فإن أُمِر بمعصية فلا سمعَ ولا طاعة))[4]. ومِن هنا حذّر الإسلام أشدّ التحذير من الخروجِ عن الإمام ونقضِ البيعة المعقودة له، ففي البخاري ومسلم أنّ النبيّ قال: ((من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر، فإنّه مَن فارق الجماعة شبرًا فمات فميتة جاهليّة))[5]، يقول ابن أبي العزّ رحمه الله: "وأمّا لزوم طاعتِهم وإن جاروا فلأنّه يترتَّب على الخروج من طاعتهم من المفاسِد أضعافُ ما يحصل مِن جورهم". أخرج مسلم في صحيحه عن الحبيب المصطفى أنّه قال: ((إذا رأيتُم مِن ولاّتكم شيئًا تكرهونه فاكرَهوا عمَله، ولا تنـزَعوا يدًا من طاعة))[6]، وفي الصحيحين من حديث عبادة: دعانا رسول الله فبايعناه، فكان فيما أخَذ علينا أن بايعنا على السّمع والطاعة في منشطِنا ومكرهنا وعُسرنا ويسرنا وأثرةٍ علينا، وأن لا ننازعَ الأمرَ أهلَه، قال: ((إلاّ أن تَروا كفرًا بواحًا، عندكم فيه من الله برهان))[7].
قال أئمّة الدعوة في نصيحة لهم: "إذا فُهم ما تقدّم من النصوص القرآنية والأحاديث النبويّة وكلام العلماء المحقِّقين في وجوبِ السمع والطاعة لوليّ الأمر وتحريم منازعته والخروج عليه، وأنّ المصالحَ الدينيّة والدنيويّة لا انتظامَ لها إلاّ بالإمامة والجماعة، تبيّن أنّ الخروجَ عن طاعة وليّ الأمر والافتياتَ عليه بغزوٍ أو غيره معصيةٌ ومشاقَّة لله ورسوله ومخالفةٌ لما عليه أهل السنة والجماعة" انتهى.
وثالثُ هذه المرتكزات: وجوبُ تعميق الوحدة بين أفرادِ المجتمع في هذه البلاد على أساس دينيٍّ ومرتكَز عقائديّ، الجميعُ تحت ظلّ الإسلام، يعيشون بحبّ وتوادٍّ وتعاطف وتعاون، على هديٍ من الوحيين ومنهج واضحٍ لا غموضَ فيه ولا شطَط ولا انحرافَ في محيط تعميق الرّابطة الدينيّة التي أوضحَها الإسلام في قول الحبيب : ((لا يؤمِن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه))[8]، ((مثَل المؤمنين في توادّهم وتراحمِهم كمثل الجسَد الواحد)) الحديث[9].
يجب أن يعيَ أبناء هذه البلاد أنّ الله أنعمَ عليهم بنعمٍ لا تُحصى، ومنها بلادٌ ومجتمع يعظِّم الإسلامَ ويحكِّمه، عقيدتُه التّوحيد الخالص، ومنهجُه في النّظُم والحكم والقضاء هديُ الوحيَين على منهج السّلف، فيجب الفهم العميقُ لذلك، وأن يستشعِر المجتمع ككلّ هذه الحقيقة، فيتعاونون على جزم الجذور العصبيّة مهما ظهرت، ويجِب أن يحرصَ الجميع على سلخِ العصبيّات الجاهلية ومحاربة أسبابِ الفتن والبعدِ عن مواطن الشّغب وبواعثِ الإحَن ونوازع الفُرقة والاختلاف، وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران:103].
لا بدّ من محاصرةِ كلّ دخيلٍ ومعالجة كلّ عليل، وفقَ رباطٍ متين من ترسيخ علاقة متينةٍ بين أفرادِ المجتمع من جِهة، وبين الحاكم والمحكوم من جهة أخرى، في إطار قول الله جل وعلا: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ [المائدة:2].
وإنّ مِن بوادر الخير بحول الله ما تمّ مؤخَّرًا من لقاءٍ لحوار وطنيّ بتأييدٍ من وليّ الأمر، دعوةٌ لتعزيز الوحدة بين أبناء هذا البلد ليحقِّقوا من خلال هذه اللقاءات الأسبابَ التي تضمَن بمشيئة الله الصالحَ العام، وتدرأ عنه عواقبَ التحدّيات والمخاطر، في إطارِ تحمّل للمسؤوليّة وتمسّك كاملٍ بالوحيَين وتفعيلٍ تامّ لثوابت الإسلام ومقرّرات العقيدة الصّحيحة التي تستمدّ منها هذه الدّولة نظامَها، ويسيِّر به المجتمع حياته ونشاطَه.
رابع هذه المرتكزات: أنّ المسلمين جميعًا يجب أن يدرِكوا أنّ الإسلامَ مبنيّ على إخلاصٍ للخالق وعلى صوابٍ في العمل من المخلوق على السنّة والهدى، لا بدّ من فهمِ حقائق الإسلام كما جاء، وممارستِه كما نزل، في فهم دقيقٍ لمقاصده وأهدافه وأغراضه وغاياته؛ لإصلاح الدارين وإسعادِ العالمين والإحسان إلى المخلوقين والرّحمة بالخلق أجمعين، قال تعالى: وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]، قال المفسّرون: "فجعل الله هذه الأمّةَ وسطًا في كلّ أمور الدين، فدين الإسلام في وصف نبيّ الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام: ((إنّ هذا الدّين يُسر))[10]، ((يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا))[11] رواهما البخاري، وهو في وصيّة الرحيم الشفيق عليه أفضل الصلاة والسلام دينُ رفق في جميع أمورِه وشتّى مجالاته وكافّة تعاليمه، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إنّ الرفقَ ما كان في شيءٍ إلاّ زانه، ولا نُزع من شيء إلا شانه))[12]، ((إنّ الله رفيق يحبّ الرفق، ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف)) رواهما مسلم[13].
ومِن هنا فلا مجال في الإسلام لغلوّ أو تطرّفٍ يحمل على هدم تعاليم الإسلام، أو يصرف العبدَ عن تعاليم سيّد الأنام، فربّنا جل وعلا يقول: لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ [النساء:171]، ورسولنا يقول: ((إيّاكم والغلوّ في الدين))[14].
وإنّ مِن أعظم الغلوّ وأشدّ صورِه التي نهى الإسلام عنها الوقوعَ في تكفير المسلمين بمجرّد شبهة حادثةٍ أو أدلّة محتملة، وفق حكمٍ بالتكفير يستنِد على منهج مختلٍّ وفكر يعتريه الخلَل.
إنّ منهجَ الإسلام الذي سلكه سلفُ هذه الأمة من صحابة رسول الله ومَن تبعهم منهجٌ يقوم على مبادئ الاعتدال والتّوازن، لذا فالحكم على المسلم بالكفر حكمٌ خطير في مفهوم هذا المنهج الصّافي القائم على الوحيين، الحكم بالتكفير على المسلمين مزلَق خطِر له آثاره الضارّة على الإسلام والخطيرة بمجتمع الإيمان، لذا صرّح علماء الإسلام بأنّه لا يجوز الإقدامُ على تكفير المسلمين إلاّ ببرهان واضحٍ ودليل ساطع، ففي الصحيحين عن النبيّ : ((إذا قال الرّجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهم))[15]، وفي البخاريّ عن النّبيّ : ((ومن رمى مؤمنًا بكفر فهو كقتله))[16]، وفي حديث أبي ذرّ أنّه سمع النّبيّ يقول: ((مَن دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدوّ الله، وليس كذلك إلاّ حار عليه)) أي: رجع عليه، رواه البخاريّ[17]. قال ابن دقيق: "وهذا وعيد عظيمٌ لمن كفّر أحدًا من المسلمين وليس هو كذلك، وهي ورطة عظيمةٌ وقع فيها خلقٌ" انتهى المقصود.
إنّ التكفيرَ حكم شرعيّ مضبوطٌ بضوابطَ معلومة من النصوص، مفهومَة محدّدة عند أولى التحقيق من أهل العلم، قال شيخ الإسلام: "من ادّعى دعوى وأطلق فيها عنانَ الجهل مخالفًا لجميع أهلِ العلم، ثمّ مع مخالفتهم يريد أن يُكفِّر ويضلِّل من لم يوافِقه عليها، فهذا من أعظمِ ما يفعله كلّ جهول" انتهى[18].
ولهذا فمِن قواعدِ أهل العلم اعتبارُ الشروط وانتفاء الموانع بوضوحٍ كامل. ومِن قواعدهم أيضًا أنّ الفعلَ المحتمِل لقصد الكفر وغيره لا اعتبارَ بصدوره من فاعلِه في التكفير ما لم يُرِد به فاعلُه الخروجَ عن الإسلام إلى ملّة الكفر، قال ابن أبي العزّ رحمه الله: "إنّه لمِن أعظم البغي أن يُشهَد على معيّن أنّ الله لا يغفِر له ولا يرحمه، بل يخلّده في النّار"، ويقول: "ولا نكفِّر أحدًا من أهل القبلة بذنبٍ ما لم يستحلّه، ولا نقول: لا يضرّ مع الإيمان ذنب لمن عمله".
خامس هذه المرتكزات: أنّ الواجبَ على شبابِ المسلمين الاتجاهُ إلى العلم الصحيح والتوجّه للعلماء الربانيّين والحذر من مزالق الهوى والشيطان، لا بدّ أن يتعقّلوا بحكمةِ العلماء المحقّقين ذوي المنهج السويّ و المسلك المحمّدي، فقديمًا قيل: عليكم بآراء الشيوخ؛ فإنّهم إن فقَدوا ذكاءَ الطّبع فقد مرّت على عيونهم وجوهُ العبر، ووردت على أسماعهم آثارُ الغير.
وإنّ المتعيِّنَ على شبابِ هذه البلاد أن يحذروا من الوقوع في المصائد الضالّة، وأن يعلَموا أنّهم في بلادٍ أنعم الله عليها بنعمةِ التّوحيد وظهور السنّة المحمّدية، وأن يستيقِنوا أنَّ مِن الخطر العظيم على الإسلام والمسلمين أن يتوجّهوا إلى مَن يوقعهم في مفاسدَ عظمى وشرور كبرى، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ [النساء:71].
سادس هذه المرتكزات وآخرها: أنّ بلادَ المسلمين ومجتمعاتهم ـ ومنها بلاد الحرمين ـ لا بدّ أن يسودَ فيها الفهم الصحيحُ لمقاصد الإسلام بإقامة مجتمع مثاليٍّ تسود فيه روح المودّة والمحبّة، وتنتظم فيه أسبابُ الصلاح وعوامل السعادة، ومِن هنا حرص الإسلام على تحقيق ذلك وفقَ مبدأ النصيحة وتفعيلها في المجتمع في إطار أخلاقيّ راقٍ لم يُسبق له مثيل، النصيحة من المسلم لأخيه من بني المجتمع، النصيحة من الحاكم للمحكوم، النصيحةُ من المحكوم للحاكم، نصيحةٌ يدفعها الإخلاص لله جلّ وعلا وابتغاءُ ما عنده، نصيحةٌ تسودها أخلاقيّات الإسلام ومبادؤه العظام، في مفهوم ٍ لقاعدة: المسلم ينصح ولا يفضَح، والمنافق يفضَح ولا ينصَح.
أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم: وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ [التوبة:71].
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري في الحج (1870)، ومسلم في الحج (1370) من حديث علي رضي الله عنه. وفي الباب عن أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما.
[2] جزء من حديث أخرجه مسلم في البر (2564) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[3] أخرجه البخاري في العلم (67)، ومسلم في القسامة (1679) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
[4] أخرجه البخاري في الأحكام (7144)، ومسلم في الإمارة (1839) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
[5] أخرجه البخاري في الفتن (7054)، ومسلم في الإمارة (1849) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[6] أخرجه مسلم في الإمارة (1855) من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه.
[7] أخرجه البخاري في الفتن (7056)، ومسلم في الإمارة (1709).
[8] أخرجه البخاري في الإيمان (13)، ومسلم في الإيمان (45) من حديث أنس رضي الله عنه.
[9] أخرجه البخاري في الأدب (6011)، ومسلم في البر (2586) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
[10] أخرجه البخاري في الإيمان (39) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[11] أخرجه البخاري في العلم (69)، ومسلم في الجهاد (1734) من حديث أنس رضي الله عنه. وفي الباب عن أبي موسى رضي الله عنه عند مسلم في الجهاد (1732).
[12] أخرجه مسلم في البر (2594) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[13] أخرجه مسلم في البر (2593) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[14] أخرجه أحمد (1/215)، والنسائي في المناسك (3057)، وابن ماجه في المناسك (3029)، وابن الجارود (473)، والضياء في المختارة (10/30-31) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه ابن خزيمة (4/274)، وابن حبان (3871)، والحاكم (1/466)، ووافقه الذهبي، وقال ابن تيمية في الاقتضاء (ص106): "وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم"، وخرجه الألباني في السلسلة الصحيحة (1283).
[15] أخرجه البخاري في الأدب (6104)، ومسلم في الإيمان (60) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه.
[16] أخرجه البخاري في الأدب (6047، 6105) من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه.
[17] أخرجه البخاري في الأدب (6045)، ومسلم في الإيمان (61) واللفظ له.
[18] الرد على البكري (ص263).
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ نبيّنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهمَّ صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أمّا بعد: فيا أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، والالتزام الكامل بسنّة النبيّ عليه أفضل الصلاة والسلام.
أيّها المسلمون، اختَتَم شبابنا عامَهم الدراسيَّ بحمد الله، فنسأل الله التوفيقَ والنجاح للجميع. وأقبلت على الشباب الإجازةُ المعهودة، يجِدون فيها وقتًا كبيرًا وفراغًا كثيرًا، فلتكن ـ يا شباب الإسلام ـ أوقاتُكم مليئة بما ينفعكم في دينكم وديناكم، وبما يكون خيرًا وغنيمة لكم ولأمّتكم ولمجتمعاتكم، واحذَروا من البطالة والكسَل، ومن تضييع الأوقات فيما لا فائدة فيه أو لا خيرَ منه، فالوقت ثمين وثمين.
أيّها الآباء، اتّقوا الله في أولادكم، فهم أمانة لديكم، ومن مضامين مسؤوليّاتكم وجوبُ رعايتهم، فالزموا ـ رحمكم الله ـ مراقبتَهم في حركاتهم وسكناتِهم، في ذهابهم وإيابهم، في أصحابهم وأخلاقهم، واحذَروا من التّسارع في تحقيق المطالب التي تعود عليهم بالضّرر في آخرتهم ودنياهم، واحذَروا من ترك الحبل لهم على الغارِب ليذهبوا كيف شاؤوا، من الأماكن التي تتوافر فيها أسبابُ الشرّ والفساد وسبُل الغيّ وأسباب الضلال، فهم نعمةٌ من نِعم الله علينا، فمَن راعى هذه النعمة وقام بما أوجب الله عليه فيها فهي مِنحة وسَعادة في الدّنيا والآخرة، ومن ضيّع واجبَ الله فيها وأهملها صارَت محنةً وشقاء، والواقع أكبرُ دليل وأوضح برهان، وربّنا جلّ وعلا يقول: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ [التحريم:6].
ثمَّ اعلموا أنّ الله أمرنا بأمر عظيم تصلح به شؤوننا، ألا وهو الصّلاة والسّلام على النبيّ الكريم.
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك وأنعم على سيّدنا وحبيبنا محمّد ، اللهمَّ ارضَ عن الخلفاء الراشدين...
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى