رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
موقعة اليمامة1 آخر سنة 11هـ وبدء سنة 633 م
كان خالد بن الوليد يحارب المرتدين في اليمامة من أتباع مسيلمة، واليمامة موطن بني حنيفة في وسط شبه جزيرة العرب وفي اتجاه الشرق قليلا، الشرق منها يوالي البحرين وبني تميم، والغرب يوالي أطراف اليمن والحجاز والجنوب نجران، والشمال أرض نجد، وطول اليمامة عشرون مرحلة وهي على أربعة أيام من مكة، بلاد نخل وزرع.
بلغ عدد جيوش مسيلمة 40.0000 مقاتل وهؤلاء هم الذين سار خالد لمحاربتهم.
كان مسيلمة رجلا صغير الجسم دميم الوجه له كفاءة تؤهله للزعامة، وكان قد قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في وفد بني حنيفة واجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى قومه وادعى أنه شريك رسول الله في النبوة، فاتبعه بنو حنيفة، وكتب مسيلمة إلى رسول الله يذكر أنه شريكه في النبوة وأرسل كتابا مع رسولين فسألهما رسول الله عنه فصدقاه، فقال لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما، وكان كتاب مسيلمة :
من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، أما بعد فإني أشركت معك في الأمر وإن لنا نصف الأرض، ولقريش نصفها ولكن قريش قوم يعتدون.2
فكتب إليه رسول الله :
"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب أما بعد فالسلام على من اتبع الهدى فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين"3
فلما مات رسول الله وبعث أبو بكر السرايا إلى المرتدين أرسل عكرمة بن أبي جهل في عسكر إلى مسيلمة، وأتبعه شرحبيل بن حسنة فاستعجل وانهزم وأقام شرحبيل بالطريق حين أدركه الخبر وكتب عكرمة إلى أبي بكر بالخبر، فكتب إليه أبو بكر :
لا أرينك ولا تراني، لا ترجعن فتوهن الناس، امض إلى حذيفة وعرجفة فقاتل أهل عمان ومهرة ثم تسير أنت وجندك لا تستبرئون الناس حتى تلقى بها مهاجر بن أبي أمية باليمن وحضرموت4.
وكتب إلى شرحبيل بالمقام إلى أن يأتي خالد فإذا فرغوا من مسيلمة تلحق بعمرو بن العاص تعينه على قضاعة.
فلما رجع خالد من البطاح إلى أبي بكر واعتذر إليه فقبل عذره وأوعب معه المهاجرين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- البداية والنهاية: 4/716، الكامل في التاريخ: 2/246.
2- تاريخ الطبري: 2/203، البداية والنهاية: 5/51، البدء والتاريخ: 5/161، المنتظم: 4/22.
3- البداية والنهاية: 5/51، البدء والتاريخ: 5/161، تاريخ الطبري: 2/204، تاريخ اليعقوبي: 2/130.
4- تاريخ الطبري: 2/275.
ص -46- والأنصار، وعلى الأنصار - ثابت بن قيس بن شماس - وعلى المهاجرين - أبو حذيفة وزيد بن الخطاب - وأقام خالد بالبطاح ينتظر وصول البعث إليه، فلما وصلوا إليه سار إلى اليمامة بجيشه لملاقاة العدو.
ولما بلغ مسيلمة دنو خالد ضرب عسكره بعقرباء، وخرج إليه الناس وخرج مجاعة بن مرارة في سرية يطلب ثأرا لهم في بني عامر - فلم يكن يقصد قتال المسلمين - فأخذه المسلمون وأصحابه وقتلهم خالد واستبقاه لشرفه في بني حنيفة وكانوا ما بين أربعين إلى ستين وترك مسيلمة الأموال وراء ظهره.
وفي صباح اليوم التالي التقى الجيشان بسهل عقرباء وقال شرحبيل بن مسيلمة: يا بني حنيفة قاتلوا فإن اليوم يوم الغيرة فإن انهزمتم تستردف النساء سبيات وينكحن غير خطيبات، فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم فاقتتلوا بعقرباء1.
وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حنيفة، وكانت مع عبد الله بن حفص بن غانم فقتل فقالوا لسالم: نخشى عليك من نفسك فقال: بئس حامل القرآن أنا إذا2.
وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس وكان أول من لقي المسلمين نهار الرجال بن عنفوة ، فقتله زيد بن الخطاب واشتد القتال ولم يلق المسلمون حربا مثلها قط وانهزم المسلمون وخلص بنو حنيفة إلى مجاعة وإلى خالد فزال خالد عن الفسطاط ودخلوا إلى مجاعة وهو عند زوجة خالد يحرسها فأرادوا قتلها فنهاهم مجاعة عن قتلها وقال أنا لها جار فتركوها وقال لهم: عليكم بالرجال فقطعوا الفسطاط وحاق3 الخطر بالمسلمين في هذه الساعة وأخذ بعضهم يحث على القتال ويستفز الهمم، فقال ثابت بن قيس :
بئس ما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين، اللهم إني أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء - يعني أهل اليمامة - وأعتذر إليك مما يصنع هؤلاء - يعني المسلمين - ثم قاتل حتى قتل.
وقال زيد بن الخطاب :
لا تحوز بعد الرجال، والله لا أتكلم اليوم حتى نهزمهم، أو أقتل فأكلمه بحجتي، غضوا أبصاركم، وعضوا على أضراسكم أيها الناس واضربوا في عدوكم وامضوا قدما.
وقال أبو حذيفة :
يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال.
وقد كانت لهذه الكلمات الحماسية أثرها في النفوس فحمل خالد في الناس حتى ردهم إلى أبعد مما كانوا واشتد القتال وقاتل العدو قتال المستميت، وكانت الحرب يومئذ تارة للمسلمين، وتارة لبني حنيفة، وقتل سالم وأبو حذيفة وزيد بن الخطاب وغيرهم من كبار المسلمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ الطبري: 2/278، البداية والنهاية: 6/324.
2- البداية والنهاية: 6/237، الطبقات الكبرى: 3/377، الإصابة: 3/15.
3- حاق: أحاط، وعاد.
ص -47- ولما رأى خالد ما الناس فيه واختلاط جيشه، أراد أن يميزهم لتدب فيهم روح الغيرة فقال :
امتازوا أيها الناس لنعلم بلاء كل حي ولنعلم من أين نؤتى 1.
وكان أهل البوادي قد جنبوا المهاجرين والأنصار، وجنبهم المهاجرين والأنصار، فلما امتازوا قال بعضهم لبعض: اليوم يستحى من الفرار فما رئي يوم أعظم نكاية، غير أن القتل كان في المهاجرين والأنصار وأهل القرى أكثر منه في البوادي.
وثبت مسيلمة فدارت رحاهم عليه، وأدرك خالد أن الحالة لا تهدأ إلا إذا قتل مسيلمة فحمل عليهم ودعا إلى البراز ونادى بشعار المسلمين يومئذ وكان يا محمداه فلم يبرز إليه أحد إلا قتله، وحمل على مسيلمة ففر وفر أصحابه، وصاح خالد في الناس فهجموا عليهم فكانت الهزيمة، ونادى المحكم بن الطفيل وهو أحد قواد بني حنيفة المشهورين: يا بني حنيفة الحديقة، الحديقة ثم رماه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بسهم فوضعه في نحره فقتله، وكان ممن دخل الحديقة مسيلمة، وقال البراء بن مالك: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة، فتردد المسلمون خوفا عليه، ثم احتملوه فألقوه، فلما أشرف على الحديقة من الجدار اقتحم فقاتلهم عن باب الحديقة التي كانت مغلقة حتى فتحها للمسلمين فاندفع المسلمون إليها كالسيل الجارف، فأغلق الباب عليهم بعد دخولهم جميعا، ورمى بالمفتاح من وراء الجدار حتى لا يتمكن أحد من الخروج فاقتتلوا قتالا شديدا وقتل مسيلمة، قتله وحشي مولى جبير بن مطعم ورجل من الأنصار كلاهما قد أصابه، ووحشي هذا هو قاتل حمزة كما تقدم في السيرة النبوية، فولت بنو حنيفة عند قتله منهزمة وأخذهم السيف من كل جانب حتى قتلوا عن آخرهم وأخبر خالد بقتل مسيلمة فخرج بمجاعة يرسف في الحديد ليدله على مسيلمة وأخذ يكشف له عن جثث القتلى حتى عثر عليه، فقال مجاعة لخالد: ما جاءك إلا سرعان الناس وإن جماهير الناس لفي الحصون، فقال ويلك ما تقول؟ قال: هو والله الحق فهلم لأصالحك عن قومي، وكان خالد نهكته الحرب وأصيب معه من أشراف الناس من أصيب فقد رق وأحب الدعة والصلح، ثم قال مجاعة: أنطلق إليهم فأشاورهم وننظر في هذا الأمر فأرجع إليك فانطلق ودخل الحصون، وليس فيها إلا النساء والصبيان، ومشيخة فانية ورجال ضعفى فظاهر الحديد على النساء وأمرهن أن ينشرن شعورهن وأن يشرفن على رؤوس الحصون حتى يرجع إليهم ثم رجع فأتى فقال: قد أبوا ما صالحتك عليه وقد أشرف لك بعضهم نقضا علي وهم مني براء - فنظر خالد إلى رؤوس الحصون وقد اسودت - ولكن إن شئت صنعت شيئا فعزمت على القوم، قال: ما هو؟ قال: تأخذ مني ربع السبي وتدع ربعا، فقال قد فعلت، قال: قد صالحتك2 .فلما فرغ فتحت الحصون فإذا ليس فبها إلا النساء والصبيان والشيوخ فقال خالد لمجاعة : ويحك خدعتني . قال : قومي ولم أستطع إلا ما صنعت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ الطبري: 2/281، تاريخ خليفة بن خياط: ص108
2- تاريخ الطبري: 2/283، تاريخ خليفة بن خياط: ص108
ص -48- وقيل: صالحه خالد على الذهب والفضة والسلاح ونصف السبي ولما عرض هذا الصلح عارض قوم من بني حنيفة، ومنهم سلمة بن عمير الحنفي فإنه أبى إلا الحرب وتجنيد أهل القرى والعبيد غير أن مجاعة أصر على الصلح وكتب خالد كتاب الصلح وهذا نصه :
هذا ما قاضى عليه خالد بن الوليد مجاعة بن مرارة وسلمة بن عمير وفلانا وفلانا: قاضاهم على الصفراء، والبيضاء، ونصف السبي والحلقة والكراع وحائط من كل قرية ومزرعة على أن يسلموا ثم أنتم آمنون بأمان الله ولكم ذمة خالد بن الوليد، وذمة أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذمم المسلمين على الوفاء1.
ثم وصل كتاب أبي بكر إلى خالد أن يقتل كل محتلم لكنه وصل متأخرا لأن خالدا كان قد صالحهم فوفى لهم ولم يغدر، والذي أوصل كتاب أبي بكر هو سلمة بن سلامة بن وقش.
وحشرت بنو حنيفة إلى البيعة والبراءة مما كانوا عليه إلى خالد، وخالد في عسكره.
محاولة اغتيال خالد
لما اجتمعت بنو حنيفة للبيعة، قال سلمة بن عمير لمجاعة استأذن لي على خالد أكلمه في حاجة له عندي ونصيحة، وقد أراد أن يفتك به فأذن له، فأقبل سلمة بن عمير مشتملا على السيف يريد ما يريد، فقال خالد: من هذا المقبل؟ قال مجاعة: هذا الذي كلمتك فيه وقد أذنت له، قال: أخرجوه عني، فأخرجوه عنه ففتشوه فوجدوا معه السيف فلعنوه وشتموه وأوثقوه وقالوا: لقد أردت أن تهلك قومك، وايم الله ما أردت إلا تستأصل بنو حنيفة، وتسبى الذرية والنساء، وايم الله لو أن خالدا علم أنك حملت السلاح لقتلك وما نأمنه إن بلغه أن يقتل الرجال ويسبي النساء بما فعلت فأوثقوه وجعلوه في الحصن وتتابع بنو حنيفة على البراء مما كانوا عليه وعلى الإسلام.
و عاهدهم سلمة على أن لا يحدث حدثا ويتركوه فأبوا ولم يثقوا بحمقه أن يقبلوا منه عهدا، فأفلت ليلا فعمد إلى عسكر خالد فصاح به الحرس وفزعت بنو حنيفة فأتبعوه فأدركوه في بعض الحوائط، فشد عليهم بالسيف، فاكتنفوه بالحجارة وأجال السيف على حلقه فقطع أوداجه2.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ الطبري: 2/284.
2- تاريخ الطبري: 2/284.
ص -49- زواج خالد للمرة الثانية1
تقدم عند ذكر قصة مالك بن نويرة أن خالد بن الوليد تزوج أم تميم امرأة مالك بعد قتله، وأن أبا بكر لما استدعاه إليه عنفه على ذلك لكنه في هذه المرة أراد أن يتزوج أيضا بابنة مجاعة فعرض عليه ذلك، فقال له مجاعة: مهلا إنك قاطع ظهري، وظهرك معي عند صاحبك قال: أيها الرجل زوجني فزوجه، فبلغ ذلك أبا بكر، فكتب إليه كتابا شديد اللهجة وهذا ما جاء فيه :
لعمري يا ابن أم خال إنك لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجف بعد.
فلما نظر خالد في الكتاب جعل يقول: هذا عمل الأعيسر يعني عمر بن الخطاب.
ثم ذهب وفد من بني حنيفة إلى أبي بكر وقص عليه ما كان من أمر مسيلمة، وسألهم عن بعض أسجاع مسيلمة فقالوا له شيئا منها فقال: ويحكم إن هذا الكلام ما خرج إلا من إل ولا بر فأين يذهب بكم؟
خسائر بني حنيفة: قتل بعقرباء 7000، وبالحديقة نحو 7000، وفي الطلب نحو منها، وكانت موقعة عقرباء أعظم مواقع أهل الردة.
خسائر المسلمين: قتل من المهاجرين والأنصار من المدينة 360 ومن المهاجرين من غير المدينة 300 أو يزيدون عدا الجرحى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ الطبري: 2/284- 285.
كان خالد بن الوليد يحارب المرتدين في اليمامة من أتباع مسيلمة، واليمامة موطن بني حنيفة في وسط شبه جزيرة العرب وفي اتجاه الشرق قليلا، الشرق منها يوالي البحرين وبني تميم، والغرب يوالي أطراف اليمن والحجاز والجنوب نجران، والشمال أرض نجد، وطول اليمامة عشرون مرحلة وهي على أربعة أيام من مكة، بلاد نخل وزرع.
بلغ عدد جيوش مسيلمة 40.0000 مقاتل وهؤلاء هم الذين سار خالد لمحاربتهم.
كان مسيلمة رجلا صغير الجسم دميم الوجه له كفاءة تؤهله للزعامة، وكان قد قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في وفد بني حنيفة واجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى قومه وادعى أنه شريك رسول الله في النبوة، فاتبعه بنو حنيفة، وكتب مسيلمة إلى رسول الله يذكر أنه شريكه في النبوة وأرسل كتابا مع رسولين فسألهما رسول الله عنه فصدقاه، فقال لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما، وكان كتاب مسيلمة :
من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، أما بعد فإني أشركت معك في الأمر وإن لنا نصف الأرض، ولقريش نصفها ولكن قريش قوم يعتدون.2
فكتب إليه رسول الله :
"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب أما بعد فالسلام على من اتبع الهدى فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين"3
فلما مات رسول الله وبعث أبو بكر السرايا إلى المرتدين أرسل عكرمة بن أبي جهل في عسكر إلى مسيلمة، وأتبعه شرحبيل بن حسنة فاستعجل وانهزم وأقام شرحبيل بالطريق حين أدركه الخبر وكتب عكرمة إلى أبي بكر بالخبر، فكتب إليه أبو بكر :
لا أرينك ولا تراني، لا ترجعن فتوهن الناس، امض إلى حذيفة وعرجفة فقاتل أهل عمان ومهرة ثم تسير أنت وجندك لا تستبرئون الناس حتى تلقى بها مهاجر بن أبي أمية باليمن وحضرموت4.
وكتب إلى شرحبيل بالمقام إلى أن يأتي خالد فإذا فرغوا من مسيلمة تلحق بعمرو بن العاص تعينه على قضاعة.
فلما رجع خالد من البطاح إلى أبي بكر واعتذر إليه فقبل عذره وأوعب معه المهاجرين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- البداية والنهاية: 4/716، الكامل في التاريخ: 2/246.
2- تاريخ الطبري: 2/203، البداية والنهاية: 5/51، البدء والتاريخ: 5/161، المنتظم: 4/22.
3- البداية والنهاية: 5/51، البدء والتاريخ: 5/161، تاريخ الطبري: 2/204، تاريخ اليعقوبي: 2/130.
4- تاريخ الطبري: 2/275.
ص -46- والأنصار، وعلى الأنصار - ثابت بن قيس بن شماس - وعلى المهاجرين - أبو حذيفة وزيد بن الخطاب - وأقام خالد بالبطاح ينتظر وصول البعث إليه، فلما وصلوا إليه سار إلى اليمامة بجيشه لملاقاة العدو.
ولما بلغ مسيلمة دنو خالد ضرب عسكره بعقرباء، وخرج إليه الناس وخرج مجاعة بن مرارة في سرية يطلب ثأرا لهم في بني عامر - فلم يكن يقصد قتال المسلمين - فأخذه المسلمون وأصحابه وقتلهم خالد واستبقاه لشرفه في بني حنيفة وكانوا ما بين أربعين إلى ستين وترك مسيلمة الأموال وراء ظهره.
وفي صباح اليوم التالي التقى الجيشان بسهل عقرباء وقال شرحبيل بن مسيلمة: يا بني حنيفة قاتلوا فإن اليوم يوم الغيرة فإن انهزمتم تستردف النساء سبيات وينكحن غير خطيبات، فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم فاقتتلوا بعقرباء1.
وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حنيفة، وكانت مع عبد الله بن حفص بن غانم فقتل فقالوا لسالم: نخشى عليك من نفسك فقال: بئس حامل القرآن أنا إذا2.
وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس وكان أول من لقي المسلمين نهار الرجال بن عنفوة ، فقتله زيد بن الخطاب واشتد القتال ولم يلق المسلمون حربا مثلها قط وانهزم المسلمون وخلص بنو حنيفة إلى مجاعة وإلى خالد فزال خالد عن الفسطاط ودخلوا إلى مجاعة وهو عند زوجة خالد يحرسها فأرادوا قتلها فنهاهم مجاعة عن قتلها وقال أنا لها جار فتركوها وقال لهم: عليكم بالرجال فقطعوا الفسطاط وحاق3 الخطر بالمسلمين في هذه الساعة وأخذ بعضهم يحث على القتال ويستفز الهمم، فقال ثابت بن قيس :
بئس ما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين، اللهم إني أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء - يعني أهل اليمامة - وأعتذر إليك مما يصنع هؤلاء - يعني المسلمين - ثم قاتل حتى قتل.
وقال زيد بن الخطاب :
لا تحوز بعد الرجال، والله لا أتكلم اليوم حتى نهزمهم، أو أقتل فأكلمه بحجتي، غضوا أبصاركم، وعضوا على أضراسكم أيها الناس واضربوا في عدوكم وامضوا قدما.
وقال أبو حذيفة :
يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال.
وقد كانت لهذه الكلمات الحماسية أثرها في النفوس فحمل خالد في الناس حتى ردهم إلى أبعد مما كانوا واشتد القتال وقاتل العدو قتال المستميت، وكانت الحرب يومئذ تارة للمسلمين، وتارة لبني حنيفة، وقتل سالم وأبو حذيفة وزيد بن الخطاب وغيرهم من كبار المسلمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ الطبري: 2/278، البداية والنهاية: 6/324.
2- البداية والنهاية: 6/237، الطبقات الكبرى: 3/377، الإصابة: 3/15.
3- حاق: أحاط، وعاد.
ص -47- ولما رأى خالد ما الناس فيه واختلاط جيشه، أراد أن يميزهم لتدب فيهم روح الغيرة فقال :
امتازوا أيها الناس لنعلم بلاء كل حي ولنعلم من أين نؤتى 1.
وكان أهل البوادي قد جنبوا المهاجرين والأنصار، وجنبهم المهاجرين والأنصار، فلما امتازوا قال بعضهم لبعض: اليوم يستحى من الفرار فما رئي يوم أعظم نكاية، غير أن القتل كان في المهاجرين والأنصار وأهل القرى أكثر منه في البوادي.
وثبت مسيلمة فدارت رحاهم عليه، وأدرك خالد أن الحالة لا تهدأ إلا إذا قتل مسيلمة فحمل عليهم ودعا إلى البراز ونادى بشعار المسلمين يومئذ وكان يا محمداه فلم يبرز إليه أحد إلا قتله، وحمل على مسيلمة ففر وفر أصحابه، وصاح خالد في الناس فهجموا عليهم فكانت الهزيمة، ونادى المحكم بن الطفيل وهو أحد قواد بني حنيفة المشهورين: يا بني حنيفة الحديقة، الحديقة ثم رماه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بسهم فوضعه في نحره فقتله، وكان ممن دخل الحديقة مسيلمة، وقال البراء بن مالك: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة، فتردد المسلمون خوفا عليه، ثم احتملوه فألقوه، فلما أشرف على الحديقة من الجدار اقتحم فقاتلهم عن باب الحديقة التي كانت مغلقة حتى فتحها للمسلمين فاندفع المسلمون إليها كالسيل الجارف، فأغلق الباب عليهم بعد دخولهم جميعا، ورمى بالمفتاح من وراء الجدار حتى لا يتمكن أحد من الخروج فاقتتلوا قتالا شديدا وقتل مسيلمة، قتله وحشي مولى جبير بن مطعم ورجل من الأنصار كلاهما قد أصابه، ووحشي هذا هو قاتل حمزة كما تقدم في السيرة النبوية، فولت بنو حنيفة عند قتله منهزمة وأخذهم السيف من كل جانب حتى قتلوا عن آخرهم وأخبر خالد بقتل مسيلمة فخرج بمجاعة يرسف في الحديد ليدله على مسيلمة وأخذ يكشف له عن جثث القتلى حتى عثر عليه، فقال مجاعة لخالد: ما جاءك إلا سرعان الناس وإن جماهير الناس لفي الحصون، فقال ويلك ما تقول؟ قال: هو والله الحق فهلم لأصالحك عن قومي، وكان خالد نهكته الحرب وأصيب معه من أشراف الناس من أصيب فقد رق وأحب الدعة والصلح، ثم قال مجاعة: أنطلق إليهم فأشاورهم وننظر في هذا الأمر فأرجع إليك فانطلق ودخل الحصون، وليس فيها إلا النساء والصبيان، ومشيخة فانية ورجال ضعفى فظاهر الحديد على النساء وأمرهن أن ينشرن شعورهن وأن يشرفن على رؤوس الحصون حتى يرجع إليهم ثم رجع فأتى فقال: قد أبوا ما صالحتك عليه وقد أشرف لك بعضهم نقضا علي وهم مني براء - فنظر خالد إلى رؤوس الحصون وقد اسودت - ولكن إن شئت صنعت شيئا فعزمت على القوم، قال: ما هو؟ قال: تأخذ مني ربع السبي وتدع ربعا، فقال قد فعلت، قال: قد صالحتك2 .فلما فرغ فتحت الحصون فإذا ليس فبها إلا النساء والصبيان والشيوخ فقال خالد لمجاعة : ويحك خدعتني . قال : قومي ولم أستطع إلا ما صنعت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ الطبري: 2/281، تاريخ خليفة بن خياط: ص108
2- تاريخ الطبري: 2/283، تاريخ خليفة بن خياط: ص108
ص -48- وقيل: صالحه خالد على الذهب والفضة والسلاح ونصف السبي ولما عرض هذا الصلح عارض قوم من بني حنيفة، ومنهم سلمة بن عمير الحنفي فإنه أبى إلا الحرب وتجنيد أهل القرى والعبيد غير أن مجاعة أصر على الصلح وكتب خالد كتاب الصلح وهذا نصه :
هذا ما قاضى عليه خالد بن الوليد مجاعة بن مرارة وسلمة بن عمير وفلانا وفلانا: قاضاهم على الصفراء، والبيضاء، ونصف السبي والحلقة والكراع وحائط من كل قرية ومزرعة على أن يسلموا ثم أنتم آمنون بأمان الله ولكم ذمة خالد بن الوليد، وذمة أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذمم المسلمين على الوفاء1.
ثم وصل كتاب أبي بكر إلى خالد أن يقتل كل محتلم لكنه وصل متأخرا لأن خالدا كان قد صالحهم فوفى لهم ولم يغدر، والذي أوصل كتاب أبي بكر هو سلمة بن سلامة بن وقش.
وحشرت بنو حنيفة إلى البيعة والبراءة مما كانوا عليه إلى خالد، وخالد في عسكره.
محاولة اغتيال خالد
لما اجتمعت بنو حنيفة للبيعة، قال سلمة بن عمير لمجاعة استأذن لي على خالد أكلمه في حاجة له عندي ونصيحة، وقد أراد أن يفتك به فأذن له، فأقبل سلمة بن عمير مشتملا على السيف يريد ما يريد، فقال خالد: من هذا المقبل؟ قال مجاعة: هذا الذي كلمتك فيه وقد أذنت له، قال: أخرجوه عني، فأخرجوه عنه ففتشوه فوجدوا معه السيف فلعنوه وشتموه وأوثقوه وقالوا: لقد أردت أن تهلك قومك، وايم الله ما أردت إلا تستأصل بنو حنيفة، وتسبى الذرية والنساء، وايم الله لو أن خالدا علم أنك حملت السلاح لقتلك وما نأمنه إن بلغه أن يقتل الرجال ويسبي النساء بما فعلت فأوثقوه وجعلوه في الحصن وتتابع بنو حنيفة على البراء مما كانوا عليه وعلى الإسلام.
و عاهدهم سلمة على أن لا يحدث حدثا ويتركوه فأبوا ولم يثقوا بحمقه أن يقبلوا منه عهدا، فأفلت ليلا فعمد إلى عسكر خالد فصاح به الحرس وفزعت بنو حنيفة فأتبعوه فأدركوه في بعض الحوائط، فشد عليهم بالسيف، فاكتنفوه بالحجارة وأجال السيف على حلقه فقطع أوداجه2.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ الطبري: 2/284.
2- تاريخ الطبري: 2/284.
ص -49- زواج خالد للمرة الثانية1
تقدم عند ذكر قصة مالك بن نويرة أن خالد بن الوليد تزوج أم تميم امرأة مالك بعد قتله، وأن أبا بكر لما استدعاه إليه عنفه على ذلك لكنه في هذه المرة أراد أن يتزوج أيضا بابنة مجاعة فعرض عليه ذلك، فقال له مجاعة: مهلا إنك قاطع ظهري، وظهرك معي عند صاحبك قال: أيها الرجل زوجني فزوجه، فبلغ ذلك أبا بكر، فكتب إليه كتابا شديد اللهجة وهذا ما جاء فيه :
لعمري يا ابن أم خال إنك لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجف بعد.
فلما نظر خالد في الكتاب جعل يقول: هذا عمل الأعيسر يعني عمر بن الخطاب.
ثم ذهب وفد من بني حنيفة إلى أبي بكر وقص عليه ما كان من أمر مسيلمة، وسألهم عن بعض أسجاع مسيلمة فقالوا له شيئا منها فقال: ويحكم إن هذا الكلام ما خرج إلا من إل ولا بر فأين يذهب بكم؟
خسائر بني حنيفة: قتل بعقرباء 7000، وبالحديقة نحو 7000، وفي الطلب نحو منها، وكانت موقعة عقرباء أعظم مواقع أهل الردة.
خسائر المسلمين: قتل من المهاجرين والأنصار من المدينة 360 ومن المهاجرين من غير المدينة 300 أو يزيدون عدا الجرحى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ الطبري: 2/284- 285.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى