رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فهذا العامد إلى كتب ما لا يعرفون صحيح الأحاديث من باطلها ولا يميزونها
بوجه من وجوه التمييز كالمشتغلين بعلم الفقه والمشتغلين بعلم الأصول قد
دخل تحت حديث فهو أحد الكاذبين لأن من كان كذلك فهو مظنة للكذب على رسول
الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن عن عمد منه وقصد لأنه أقدم على رواية
من لا يدري أصحيح هو أم باطل ومن أقدم على ما هذا شأنه وقع في الكذب
وإما إذا كان الناقل من غير أهل الفن لا يدري أن من نقل عنه لا تمييز له
فهذا جاهل ليس بأهل لئن يتكلم على أحكام الله فاستحق العقوبة من الله
بإقدامه على الشريعة وهو بهذه المنزلة التي لا يستحق صاحبها أن يتكلم معها
على كلام فرد من أفراد أهل العلم فكيف على كلام الله ورسوله فبعدا وسحقا
للمتجرئين على الله وعلى شريعته بالإقدام على التأليفات للناس مع قصورهم
وعدم تأهلهم
وقد كثر هذا الصنع من جماعة يبرزون في معرفة مسائل الفقه التي هي مشوبة
بالرأي إن لم يكن هو الغالب عليها ويتصدرون لتعليم الطلبة لهذا العلم ثم
تكبر أنفسهم عندهم لما يجدونه من اجتماع الناس عليهم وأخذ العامة بأقوالهم
في دينهم فيظنون أنهم قد عرفوا ما عرفه الناس وظفروا بما ظفر به علماء
الشريعة المتصدرون للتأليف والكلام على مسائل الشريعة فيجمعون مؤلفات هي
مما قمشت وطن حبل الحاطب صنع من لا يدري لمن لا يفهم ثم يأخذها عنهم من هو
أجهل منهم وأقصر باعا في العلم فينشر في العالم وتظهر في الملة الإسلامية
فاقرة من الفواقر وقاصمة من القواصم وصاحبها لجهله يظن أنه قد تقرب إلى
الله بأعظم القرب وتاجره بأحسن
بوجه من وجوه التمييز كالمشتغلين بعلم الفقه والمشتغلين بعلم الأصول قد
دخل تحت حديث فهو أحد الكاذبين لأن من كان كذلك فهو مظنة للكذب على رسول
الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن عن عمد منه وقصد لأنه أقدم على رواية
من لا يدري أصحيح هو أم باطل ومن أقدم على ما هذا شأنه وقع في الكذب
وإما إذا كان الناقل من غير أهل الفن لا يدري أن من نقل عنه لا تمييز له
فهذا جاهل ليس بأهل لئن يتكلم على أحكام الله فاستحق العقوبة من الله
بإقدامه على الشريعة وهو بهذه المنزلة التي لا يستحق صاحبها أن يتكلم معها
على كلام فرد من أفراد أهل العلم فكيف على كلام الله ورسوله فبعدا وسحقا
للمتجرئين على الله وعلى شريعته بالإقدام على التأليفات للناس مع قصورهم
وعدم تأهلهم
وقد كثر هذا الصنع من جماعة يبرزون في معرفة مسائل الفقه التي هي مشوبة
بالرأي إن لم يكن هو الغالب عليها ويتصدرون لتعليم الطلبة لهذا العلم ثم
تكبر أنفسهم عندهم لما يجدونه من اجتماع الناس عليهم وأخذ العامة بأقوالهم
في دينهم فيظنون أنهم قد عرفوا ما عرفه الناس وظفروا بما ظفر به علماء
الشريعة المتصدرون للتأليف والكلام على مسائل الشريعة فيجمعون مؤلفات هي
مما قمشت وطن حبل الحاطب صنع من لا يدري لمن لا يفهم ثم يأخذها عنهم من هو
أجهل منهم وأقصر باعا في العلم فينشر في العالم وتظهر في الملة الإسلامية
فاقرة من الفواقر وقاصمة من القواصم وصاحبها لجهله يظن أنه قد تقرب إلى
الله بأعظم القرب وتاجره بأحسن
متاجرة وهو فاسد الظن باطل الاعتقاد مستحق
لسخط الله وعقوبته لأنه أقدم في محل الإحجام وتحلى بما ليس له ودخل في غير
مدخله ووضع جهله على أشرف الأمور وأعلاها وأوالها بالعلم والإتقان
والتمييز وكمال الإدراك
فهذا هو بمنزلة القاضي الذي لا يعلم بالحق فهو في النار سواء حكم بالحق أو
بالباطل بل هذا الذي أقدم على تصنيف الكتب وتحرير المجلدات في الشريعة
الإسلامية مع قصوره وعدم بلوغه إلى ما لا يبد لمن يتكلم في هذا الشأن منه
أحق بالنار من ذلك القاضي الجاهل لأنه لم يصب بجهل القاضي الجاهل مثل ما
أصيب بمصنفات هذا المصنف المقصر
ومن فتح الله عليه من معارفه بما يعرف به الحق من الباطل والصواب من الخطأ
لا يخفى عليه ما في هذه المصنفات الكائنة بأيدي الناس في كل مذهب فإنه يقف
من ذلك على العجب ففي بعض المذاهب يرى أكثر ما يقف عليه في مصنف من مصنفات
الفقه خلاف الحق وفي بعضها يجد بعضه صوابا وبعضه خطأ وفي بعضها يجد الصواب
أكثر من الخطأ ثم يعثر على ما يحرره مصنفو تلك الكتب من الأدلة لتلك
المسائل التي قد دونوها فيجدوا في الصحيح والحسن والضعيف والموضوع وقد
جعلها المصنف شيئا واحدا وعمل بها جميعا من غير تمييز وعارض بين الصحيح
والموضوع وهو لا يدري ورجح الباطل على الصحيح وهو لا يعلم
فما كان أحق هذا المصنف لا كثر الله في أهل العلم من أمثاله بأن يؤخذ على
يده ويقال له اترك ما لا يعنيك ولا تشتغل بما ليس من شأنك ولا تدخل فيما
لا مدخل لك فيه
ثم إذا فات أهل عصره أن يأخذوا على يده فلا ينبغي أن يفوت من بعده أن
يأخذوا على أيدي الناس ويحولوا بينهم وبين هذا الكتاب الذي لا يفرق مؤلفه
بين الحق والباطل ولا يميز بين ما هو من الشريعة وما ليس منها فما أوجب
هذا عليهم فإن هذا المشئوم قد جنى على الشريعة وأهلها جناية
شديدة وفعل منكرا عظيما وهو يعتقد لجهله أنه
قد نشر في الناس مسائل الدين ويظن من اتبعه في الأخذ عنه أن هذا الذي جاء
به هذا المصنف هو الشريعة فانتشر بين الجاهلين أمر عظيم وفتنة شديدة
وهذا هو السبب الأعظم في اختلاط المعروف بالمنكر في كتب الفقه وغلبة علم
الرأي على علم الرواية
فإن المتصدر للتصنيف في كتب الفقه وإن بلغ في إتقانه وإتقان علم الأصول
وسائر الفنون الآلية إلى حد يتقاصر عنه الوصف إذ لم يتقن علم السنة ويعرفه
صحيحه من سقيمه ويعول على أهله في إصداره وإيراده كانت مصنفاته مبنية على
غير أساس لأن علم الفقه هو مأخوذ من علم السنة إلا القليل منه وهو ما قد
صرح بحكمه القرآن الكريم فما يصنع ذو الفنون بفنونه إذا لم يكن عالما بعلم
الحديث متقنا له معولا على المصنفات المدونة فيه
وبهذه العلة تجد المصنفين في علم الفقه يعولون في كثير من المسائل على محض
الرأي ويدونونه في مصنفاتهم وهم لا يشعرون أن في ذلك سنة صحيحة يعرفها أقل
طالب لعلم الحديث وقد كثر هذا جدا من المشتغلين بالفقه على تفاقم شره
وتعاظم ضرره وجنوا على أنفسهم وعلى الشريعة وعلى المسلمين
وإذا شككت في شئ من هذا فخذ أي كتاب شئت من الكتب المصنفة في الفقه وطالعه
تجد الكثير الواسع وكثيرا ما تجد في ذلك من المسائل التي لم تدع إليها
حاجة ولا قام عليها دليل بل مجرد الفرض والتقدير وما يدور في مناظرة
الطلبة ويسبق إليه أذهانهم فإن هذا يكون في الابتداء سؤالا ومناظرة ثم
يجيب عنه من هو من أهل الفقه وغالب من يتصدر منهم وينفق بينهم هو من لا
التفات له إلى سائر العلوم ولا اشتغال منه بها ولا يعرف الحجة ولا يعقلها
فيدون الطلبة جوابه ويصير حينئذ فقيها وعلما وهو كلام جاهل لا يستحق
الخطاب ولا يعول على مثله في جواب لو تكلم معه المتكلم في فن من فنون
الاجتهاد لكان ذلك عنده بمنزلة من يتكلم بالعجمية ويأتي بالمعميات ويتعمد
الألغاز
ولقد عظمت المحنة على الشرع وأهله بهذا الجنس من المقلدة حتى بطل كثير من
الشريعة الصحيحة التي لا خلاف بين المسلمين في ثبوتها لاشتهارها بين أهل
العلم ووجودها إما في محكم الكتاب العزيز أو في ما صح من دواوين السنة
المطهرة التي هي مشتهرة بين الناس اشتهارا على وجه لا يخفى على من ينسب
إلى العلم وإن كان قليل الحظ فيه
وسبب ذلك أن هؤلاء كما عرفت قد جعلوا غاية مطلبهم ونهاية مقصدهم
فيا هذا الجاهل لا كثر الله في أهل العلم من أمثالك ألا تعتصر على ما قد
عرفته من كلام من تقلده فإذا سألك سائل عن شيء منه نقلته له بنصه وإن سألك
عما لم يكن منه قلت لا أدري فما بالك والكلام برأيك وأنت جاهل لعلم الرأي
فضلا عن علم الرواية وعاطل عن كل معقول ومنقول لم تحط من علم الفقه الذي
ألفه أهل مذهبك إلا بمختصر من المختصرات فضلا عن مؤلفات غير أهل مذهبك في
الفقه فضلا عن المؤلفات في سائر العلوم فأنت من علامات القيامة ومن دلائل
رفع العلم وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك وعن أمثالك وأبان
لنا أنه يتخذ الناس رؤوسا جهالا فيفتون بغير علم فيظلون ويضلون فأنت ممن
يفتي بغير علم ويعتمد الضلالة لنفسه والإضلال للناس فاربع على ظلعك وأقصر
من غوايتك واترك ما ليس من شأنك ودع مثل هذا لمن علمه الله الكتاب والسنة
وأطلعه على أسرارها بما فتح له من المعارف الموصلة إليهما فأنت وإن وكلت
الأمر إلى أهله وألقيت عنان هذا المركب إلى فارسه دخل إلى الشرع من أبوابه
ووصل إلى الحق من طريقه وحط عن عباد الله كثيرا من هذه التكاليف التي قد
كلفهم بها أمثالك من الجهال وأراحهم من غالب هذه الأكاذيب التي يسمونها
علما فإن ذلك شيء بالجهل خير منه
العلم بمختصر من مختصرات الفقه التي هي
مشتملة على ما هو من علم الرأي والرواية والرأي أغلب ولم يرفعوا إلى غير
ذلك رأسا من جميع أنواع العلوم فصاروا جاهلين بالكتاب والسنة وعلمهما جهلا
شديدا لأنه قد تقرر عندهم أن حكم الشريعة منحصر في ذلك المختصر وأن ما
عداه فضلة أو فضول فاشتد شغفهم به وتكالبهم عليه ورغبوا عما عداه وزهدوا
فيه زهدا شديدا
فإذا سمعوا آية من كتاب الله أو حديثا من سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم مصرحا بحكم من الأحكام الشرعية تصريحا يفهمه العامة من أهل طبقتهم
كان ذلك هينا عندهم كأنه لم يكن كلام الله أو كلام رسوله ويطرحونه لمجرد
مخالفته لحرف من حروف ذلك الكتاب بل مفهوم من مفاهيمه
وهذا لا ينكره من صنيعهم إلا من لا يعرفهم
وقد عرفت منهم من لو جمع له الجامع مصنفا مستقلا من أدلة الكتاب والسنة
يشتمل على أدلة قرآنية وحديثية ما يجاوز المئتين أو الألوف كلها مصرح
بخلاف حرف من حروف ذلك المختصر الذي قد عرفه من الفقه لم يلتفت إلى شيء من
ذلك ولو انضم إلى الكتاب والسنة المنقولة في ذلك المصنف إجماع الأمة
سابقها ولاحقها وكبيرها وصغيرها من كل من ينتسب إلى العلم على خلاف ما في
ذلك المختصر لم يرفع رأسه إلى شيء من ذلك
ولا أستبعد أنه لو جاءه نبي مرسل أو ملك مقرب يخبره أن الحق الذي شرعه
الله لعباده خلاف حرف من حروف ذلك المختصر لم يسمع منهما ولا صدقهما بل لو
انشقت السماء وصرخ منها ملك من الملائكة بصوت يسمعه جميع أهل الدنيا بأن
الحق على خلاف ذلك الحرف الذي في المختصر لم يصدقه ولا رجع إلى قوله
وأعظم من هذا أنك ترى الواحد منهم يعترف بأنه مقلد ثم يحفظ عن شيخه مسألة
يعترف أنها من أفكاره وأنه لم يسبق إليها مع اعترافه بأن ذلك الشيخ مقلد
واعترافه بأن تقليد المقلد لا يصح ثم يأخذ هذه المسألة عن
شيخه ويعمل بها قابلا لها قبولا تاما ساكنا
إليها منثلج الخاطر بها مؤثر لها على أدلة الكتاب والسنة وأنظار المبرزين
من العلماء ولو أجمعوا جميعا فإن إجماعهم ودليلهم لا يثني هذا الفدم
الجافي الجلف عن كلام شيخه المقلد الذي سمعه منه
وبالجملة فمن كان بهذه المنزلة فهو ممن طبع الله على قلبه وسلبه نور
التوفيق فعمى عن طريق الرشاد وضل عن سبيل الحق ومثل هذا لا يستحق توجيه
الخطاب إليه ولا يستأهل الاشتغال به فإنه وإن كان في مسلاخ إنسان وعلى شكل
بني آدم فهو بالدواب أشبه وإليها أقرب ويا ليته لو كان دابة ليسلم من
معرته عباد الله وشريعته ولكن هذا المخذول مع كونه حماري الفهم بهيمي
الطبع قد شغل نفسه بالحط على علماء الدين المبرزين المشتغلين بالكتاب
والسنة وعلمهما وما يوصل إليهما وعاداهم أشد العداوة وكافحهم بالمكروه
مكافحة ونسبهم إلى مخالفة الشرع ومباينة الحق بسبب عدم موافقتهم له على
العمل بما تلقنه من شيخه الجاهل
ولقد جاءت هذه الأزمة في ديارنا هذه بما لم يكن في حساب ولا خطر ببال
إبليس أن تكون له مثل هذه البطانة ولا ظن أنه ينجح كيده فيهم إلى هذا الحد
ويبلغون في طاعته هذا المبلغ فإن غالبهم قد ضم إلى ما قدمنا من أوصافه
وصفا أشد منها وأشنع وأقبح وهو أنه إذا سمع قائلا يقول قال رسول الله أو
يملي سندا فيقول حدثنا فلان عن فلان قامت قيامته وثار شيطانه واعتقد أن
هذه صنع أعداء أهل البيت المناصبين لهم بالعداوة المخالفين لهديهم
فانظر ما صنع هذا الشيطان فإن في نسبته للمشتغلين بالسنة المطهرة إلى
مخالفة أهل البيت طعنا عظيما على أهل البيت لأنه جعلهم في جانب والسنة في
جانب آخر وجعل بينهما عنادا وتخالفا فانظر هذا الشيعي المحب لأهلُ
البيت القائم في نشر مناقبهم كان أول ما
قرره من مناقبهم النداء في الناس بأن من عمل بالسنة المطهرة أو رواها أو
أحبها فهو مخالف لأهل البيت وحاشى لأهل البيت أن يكونوا كما قال فهم أحق
الأمة باتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والاهتداء بهديه والاقتداء
بكلامه
ولقد رأينا هؤلاء الذين يسخطون على السنة المطهرة ويعاون من اشتغل بها
وعكف عليها يسمع أحدهم في المساجد والمدارس علوم الفلسفة وسائر علوم غير
الشريعة يقرأها الطلبة على الشيوخ فلا ينكر ذلك ولا يرى به بأسا فإذا سمع
حدثنا فلان عن فلان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هذا أشد على
سمعه من علم أرسطو طاليس وأفلاطون وجالينوس بل أثقل على سمعه من فرعون
وهامان
فقبح الله أهل البدع وقلل عددهم وأراح منهم فإنهم أضر على الشريعة من كل
شيء قد شغلوا أنفسهم بمسائل معروفة هي رأس مذهبهم وأساسه وتركوا ما عدا
ذلك وعابوه وعادوا أهله
انظر الرافضة فإنك تجد أكثر ما لديهم وأعظم ما يشتغلون به ويكتبونه
ويحفظونه مثالب الصحابة رضي الله عنهم المكذوبة عليهم ليتوصلوا بذلك إلى
ما هو غاية ما لديهم من السب والثلب لهم صانهم الله وكبت مبغضيهم ثم
يعتبرون الناس جميعا بهذا المسألة فمن وافقهم فيما هو
المسلم حقا المحق وإن فعل ما فعل ومن خالفهم
في هذه المسألة فهو المبطل المبتدع وإن كان على جانب من الورع وحظ من
التقوى لا يقادر قدرهما وقد يضمون إلى هذه المسألة التظهر بجميع الصلوات
وترك الجمع كما قلته في أبيات
( تشيع الأقوام في عصرنا ** منحصر في بدع تبتدع )
( عداوة السنة والثلب للأسلاف ** والجمع وترك الجمع )
وأما معيار التشيع في دارنا هذه عند جماعة من الزيدية لا عند جميعهم
فيزيدون على هذه الأربع خامسة وهي التظهر بترك بعض من سنن الصلاة كالرفع
والضم فإن أهل الطبقة التي ذكرنا لك أنها أصل الشر إذا رأوا من يفعل الرفع
والضم ونحوهما كالتوجه في الصلاة بعد التكبير والتورك في التشهد الأخير
والدعاء في الصلاة بغير ما قد عرفوه عادوه عداوة أشد من عداوتهم لليهود
النصارى وظنوا أنه على شريعة أخرى وعلى دين غير دين الإسلام وأوقعوا في
أذهان العوام أنه ناصبي فانتقوا من فعله لهذه السنن أو أحدها إلى النصب
الذي هو بغض علي وحكموا عليه به حكما جازما فانظر هذا الصنع الشنيع الذي
هو شبيه بلعب الصبيان
ومما أحكيه لك إني أدركت في أوائل أيام طلبي رجلا يقال له الفقيه صالح
النهمي قد اشتهر في الناس بالعلم والزهد وطلب علوم الاجتهاد طلبا قويا
فأدركها إدراكا جيدا فرفع يديه في بعض الصلوات ورآه يفعل ذلك بعض المدرسين
في علم الفقه المشهورين بالتحقيق فيه والإتقان له فقال اليوم ارتد الفقيه
صالح
فانظر هذه الكلمة من مثل هذا مع شهرته في الناس واجتماع كثير من طيلة علم
الفروع عليه في جامع صنعاء وشيبه الناصع وثيابه الحسنة كيف موقعها في قلوب
العامة وما تراهم يعتقدون في الفاعل لذلك بعد هذا
فأبعد الله هذا عالما وذهب بهذا علما وإن كان لا عالم ولا علم فإن من لا
يعقل الحجة ولا يفهم إلا مجرد الرأي لا الرواية ليس من العلم في شيء
فيا هذا لا حياك الله أيكون فعل سنة الرفع التي اجتمع على روايتها عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم العشرة المبشرة بالجنة ومعهم زيادة على أربعين
صحابيا ردة وكفرا وخروجا من الملة الإسلامية
أتدري ما صنعت بنفسك يا جاهل عمدت إلى سنة من السنن الثابتة ثبوتا متواترا
فتركتها ولم تقنع لمجرد إنكار ثبوتها بل جاوزت ذلك إلى أن جعلتها ردة
فجنيت على صاحب الشريعة أولا ثم على كل مسلم يفعل هذه السنة ثانيا ثم على
نفسك ثالثا فخبت وخسرت وخبطت خبطا ليس من شأن من هو مثلك من أسراء التقليد
واتباع التعصب وكفرت عالما من علماء المسلمين يفعل سنة من سنن سيد
المرسلين
فما بالك بهذا وأنت تعترف على نفسك أنك لا تعرف الحق ولا تعقل الصواب في
مسائل الطهارة والتخلي والوضوء والصلاة فكيف قمت هاهنا مقام تكفير
المسلمين والحكم عليهم بصريح الردة جازما بذلك متحدثا به مطمئنا إليه
فما أوجب إنكار مثل هذا المنكر على أئمة المسلمين وأولي الأمر منهم فإن
التنكيل بهذا المتكلم بمثل هذا الكلام بالحبس وسائر أنواع التعزير التي
تردعه وتردع أمثاله من أهل التعصب عن انتهاك أعراض المسلمين والتلاعب
بعلماء الدين من أعظم ما يتقرب به المتقربون وأفضل ما يفعله من ولاه الله
من أمر عباده شيئا فإن غالب ما يصدر من هؤلاء المتعصبة من تمزيق أعراض
علماء الدين المتمسكين بالسنن الصحيحة الثابتة في هذه الشريعة هو راجع إلى
الطعن على الشريعة والرد لما جاءت به وتقليب السنن بدعا والبدع سننا
والأخذ على أيدي هؤلاء حتى يدعوا ما ليس من شأنهم ويقلعوا عن غوايتهم
ويقصروا عن ضلالتهم واجب على كل
ولا يستحق الدخول في باب من أبوابه ولا ينبغي وصفه بشيء من صفاته
مسلم وإذا لم تتناول أدلة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر مثل هذا لم تتناول غيره
ومن هذا الجنس الذي يفعله أهل التعصب فرارهم عن علماء الإنصاف وطعنهم على
من اتصل بهم أو أخذ عنهم وتحذيرهم للعامة وللطلبة عن مجالسة من كان كذلك
وإخبارهم لهم بأن ذلك العالم سيضلهم ويخرجهم عما هم فيه من المذهب الذي هم
عليه
ثم يذكرون عند هذا التحذير والإنذار مطاعن يطعنون بها على ذلك العالم
لمجرد سماعها يثور غضب كل مسلم ويلتهب طبع من يسمع ذلك كائنا من كان
فيقولون مثلا لذلك العامي أو الطالب هذا العالم الذي تتصل به يبغض علي بن
أبي طالب ويبغض أهل البيت أو نحو هذه العبارات الفظيعة فعند سماع ذلك تقوم
قيامة هذا المسكين وليس بملوم فإنه جاهل جاء إليه من له ثياب أهل العلم
وسمتهم وشكلهم فقال له إن ذلك العالم يعتقد كذا أو يقول كذا فصدقه فالذئب
محمول على ذلك القائل ولا يكون إلا من أهل تلك الطبقة التي هي منشأ الشر
ومنبع الفتنة
وقد اشتهر على ألسن الناس في صنعاء وما يتصل بها أن العلماء المجتهدين ومن
يأخذ عنهم ويتصل بهم في هذه العصور يقال لهم سنية وهذا هو اللقب الذي
يتنافس فيه المتنافسون فإن نسبة الرجل إلى السنة تنادي أبلغ نداء وتشهد
أكمل شهادة بأنه متلبس بها ولكنه لما صار في اصطلاح هؤلاء المتعصبة يطلق
على من يعادي عليا ويوالي معاوية افتراء منهم على أهل العلم واجتراء على
المسلمين استصعب ذلك من استصعبه عند إطلاقه عليه في ألسن هؤلاء الذين هم
بالدواب أشبه
ولم أجد ملة من الملل ولا فرقة من الفرق الإسلامية أشد بهتا وأعظم كذبا
وأكثر افتراء من الرافضة فإنهم لا يبالون بما يقولون من الزور كائنا من
كان ومن كان مشاركا لهم في نوع من أنواع الرفض وإن قل كان فيه مشابهة لهم
بقدر ما يشاركهم فيه
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فهذا الذي نجده في ديارنا هذه يختلف باختلاف المشاركة المذكورة فمن تلاعب
به الشيطان ولم يزل ينقله من درجة إلى درجة حتى وصل به إلى الرفض البحت
كما تشاهده في جماعة فلا مطمع في كفه عن الطعن والثلب لخير القرون فضلا عن
أهل عصره وليس يفلح من كان هكذا ولا يرجع إلى حق ولا ينزع عن باطل فإن
تظاهر بالإنصاف والإقلاع عن البدعة والتلبس بالسنة فالغالب أن ذلك يكون
لجلب مصلحة له دنيوية أو دفع مفسدة يخشى ضررها ولا يصح إلا في أندر
الأحوال فالهداية بيد الله يهدي من يشاء
وقد شاهدنا من خضوع هؤلاء لأطماع الدنيا وإن كانت حقيرة ما لا يمكن
التعبير عنه فإنه لو طلب منه بعض أهل الدنيا أن يخرج من مذهبه لكان سريع
الإجابة قريب الانفعال حتى ينال ذلك الغرض الدنيوي وهو لا محالة راجع إلى
ما كان فيه
ومن كان دون هذا فهو أقل ضررا منه للإسلام وأهله ولنفسه وأقرب إلى الإنصاف
ثم من كان أقل تلبسا بهذه البدعة كان أقل شرا وأخف ضرا وهو يرجع عنها إذا
طلب العلم ومارس فنونه وعكف على علم الحديث فإن لم يكن متأهلا لطلب العلوم
فليلزم أهله المتصفين بالإنصاف العارفين بالحق المهتدين بهدى الدليل
وقد شاهدنا كثيرا فمن كان كذلك يقلع عنه وتنحل من عقد ما قد أصابه عقدة
بعد عقدة حتى تصفو وتذهب ما تكدرت به فطرته ويدخل إلى الحق من أبوابه بحسب
استعداده وبقدر فهمه
صعوبة الرجوع إلى الحق الذي قال بخلافهبه الشيطان ولم يزل ينقله من درجة إلى درجة حتى وصل به إلى الرفض البحت
كما تشاهده في جماعة فلا مطمع في كفه عن الطعن والثلب لخير القرون فضلا عن
أهل عصره وليس يفلح من كان هكذا ولا يرجع إلى حق ولا ينزع عن باطل فإن
تظاهر بالإنصاف والإقلاع عن البدعة والتلبس بالسنة فالغالب أن ذلك يكون
لجلب مصلحة له دنيوية أو دفع مفسدة يخشى ضررها ولا يصح إلا في أندر
الأحوال فالهداية بيد الله يهدي من يشاء
وقد شاهدنا من خضوع هؤلاء لأطماع الدنيا وإن كانت حقيرة ما لا يمكن
التعبير عنه فإنه لو طلب منه بعض أهل الدنيا أن يخرج من مذهبه لكان سريع
الإجابة قريب الانفعال حتى ينال ذلك الغرض الدنيوي وهو لا محالة راجع إلى
ما كان فيه
ومن كان دون هذا فهو أقل ضررا منه للإسلام وأهله ولنفسه وأقرب إلى الإنصاف
ثم من كان أقل تلبسا بهذه البدعة كان أقل شرا وأخف ضرا وهو يرجع عنها إذا
طلب العلم ومارس فنونه وعكف على علم الحديث فإن لم يكن متأهلا لطلب العلوم
فليلزم أهله المتصفين بالإنصاف العارفين بالحق المهتدين بهدى الدليل
وقد شاهدنا كثيرا فمن كان كذلك يقلع عنه وتنحل من عقد ما قد أصابه عقدة
بعد عقدة حتى تصفو وتذهب ما تكدرت به فطرته ويدخل إلى الحق من أبوابه بحسب
استعداده وبقدر فهمه
ومن آفات التعصب الماحقة لبركة العلم أن يكون طالب العلم قد قال بقول في
مسألة كما يصدر ممن يفتي أو يصنف أو يناظر غيره ويشتهر ذلك القول عنه فإنه
قد يصعب عليه الرجوع عنه إلى ما يخالفه وإن علم أنه
الحق وتبين له فساد ما قاله
ولا سبب لهذا الاستصعاب إلا تأثير الدنيا على الدين فإنه قد يسول له
الشيطان أو النفس الأمارة أن ذلك ينقصه ويحط من رتبته ويخدش في تحقيقه
ويغض من رئاسته
وهذا تخيل مختل وتسويل باطل فإن الرجوع إلى الحق يوجب له من الجلالة
والنبالة وحسن الثناء ما لا يكون في تصميمه على الباطل بل ليس في التصميم
على الباطل إلا محض النقص له والإزراء عليه والاستصغار لشأنه فإن منهج
الحق واضح المنار يفهمه أهل العلم ويعرفون براهينه ولا سيما عند المناظرة
فإذا زاغ عنه زائغ تعصبا لقول قد قاله أو رأي رآه فإنه لا محالة بكون عند
من يطلع على ذلك من أهل العلم أحد رجلين إما متعصب مجادل مكابر إن كان له
من الفهم والعلم ما يدرك به الحق ويتميز به الصواب أو جاهل فاسد الفهم
باطل التصور إن لم يكن له من العلم ما يتوصل به إلى معرفة بطلان ما صمم
عليه وجادل عنه وكلا هذين المطعنين فيه غاية الشين
وكثيرا ما تجد الرجلين المنصفين من أهل العلم قد تباريا في مسألة وتعارضا
في بحث فبحث كل واحد منهما عن أدلة ما ذهب إليه فجاءا بالمتردية والنطيحة
على علم منه بأن الحق في الجانب الآخر وأن ما جاء به لا يسمن ولا يغني من
جوع
وهذا نوع من التعصب دقيق جدا يقع فيه كثير من أهل الإنصاف ولا سيما إذا
كان بمحضر من الناس وأنه لا يرجع المبطل إلى الحق إلا في أندر الأحوال
وغالب وقوع هذا في مجالس الدرس ومجامع أهل العلم
أن يكون المنافس المتكلم بالحق صغير السن أو الشأن
ومن الآفات المانعة عن الرجوع إلى الحق أن يكون المتكلم بالحق حدث السن
بالنسبة إلى من يناظره أو قليل العلم أم الشهرة في الناس والآخر بعكس ذلك
فإنه قد تحمله حمية الجاهلية والعصبية الشيطانية على التمسك بالباطل أنفة
من الرجوع إلى قول من هو أصغر منه سنا أو أقل منه علما أو أخفى شهرة ظنا
منه أن في ذلك عليه ما يحط منه وينقص ما هو فيه
وهذا الظن فاسد فإن الحط والنقص إنما هو في التصميم على الباطل والعلو
والشرف في الرجوع إلى الحق بيد من كان وعلى أي وجه حصل
ومن الآفات ما يقع تارة من الشيوخ وأخرى من تلامذتهم فإن الشيخ قد يريد
التظهر لمن يأخذ عنه بأنه بمحل من التحقيق وبمكان من الإتقان فيحمله ذلك
على دفع الحق إذا سبق فهمه إلى الباطل لئلا يظن من يأخذ عنه أنه يخطئ
ويغلط
وهو لو عرف ما عند ذلك الذي يأخذ عنه العلم أن رجوعه عن الخطأ إلى الصواب
أعظم في عينه وأجل عنده وزاده ذلك رغبة فيه ومحبة له وإذا استمر على الغلط
وصمم على الخطأ كان عنده دون منزلة الرجوع إلى الحق بمنازل
وهكذا التلميذ قد يخطر بباله التزين لشيخه والتجمل عنده بأنه قوي الفهم
سريع الإدراك صادق التصور فيحمله ذلك على الوقوف على ما قد سبق إلى ذهنه
من الخطأ والتشبث بما دفع له من الغلطُ
وبالجملة فالأسباب المانعة من الإنصاف لا تخفى على الفطن وفي بعضها دقة
تحتاج إلى تيقظ وتدبر وتتفق في كثير من الحالات لأهل العلم والفهم
والإنصاف
علاج التعصب
فالمعيار الذي لا يزيغ أن يكون طالب العلم مع الدليل في جميع موارده
ومصادره لا يثنيه عنه شيء ولا يحول بينه وبينه حائل
فإذا وجد في نفسه نزوعا إلى ما غير هو المدلول عليه بالدليل الصحيح وأدرك
منها رغبة للمخالفة وتأثيرا لغير ما هو الحق فليعلم عند ذلك أنه قد أصيب
بأحد الأسباب السابقة من حيث لا يشعر ووقع في محنة فإن عرفها بعد التدبر
فليجتنبها كما يجتنب العليل ما ورد عليه من الأمور التي كانت سببا لوقوعه
في المرض وإن خفيت عليه العلة التي حالت بينه وبين اتباع الحق فليسأل من
له ممارسة للعلم ومعرفة بأحوال أهله كما يسأل المريض الطبيب إذا لم يعرف
علته ولا اهتدى إليها فقد يكون دفع العلة بمجرد تجنب الأسباب الموقعة فيها
كالحمية التي يرشد إليها كثير من الأطباء إذا لم تكن العلة قد استحكمت وقد
يكون دفعها باستعمال الأدوية التي تقاوم المادة الكائنة في البدن وتدافعها
حتى تغلبها
وهكذا على التعصب فإنه إذا عرف سببه أمكن الخروج منه باجتنابه
وإن لم يعرف سأل أهل العلم المنصفين عن دواء ما أصابه من التعصب فإنه سيجد
عندهم من الأدوية ما هو أسرع كشفا وأقرب نفعا وأنجع برا مما يجده العليل
عند الأطباء
العواقب الوخيمة للتعصب والبعد عن الحق
واعلم أنه كما يتسبب عن التعصب محق بركة العلم وذهاب رونقه وزوال ما يترتب
عليه من الثواب كذلك يترتب عليه من الفتن المفضية إلى سفك الدماء وهتك
الحرم وتمزيق الأعراض واستحلال ما هو في عصمة الشرع ما لا يخفى على عاقل
وقد لا يخلو عصر من العصور ولا قطر من الأقطار من وقوع ذلك لا سيما إذا
اجتمع في المدينة والقرية مذهبان أو أكثر وقد يقع من ذلك ما يفضي إلى
إحراق الديار وقتل النساء والصبيان كمثل ما كان يقع بين السنية والشيعة
ببغداد فإنهم كانوا يفعلون في كل عام فتنا ويهرقون الدماء ويستحلون من
بعضهم البعض ما لا يستحلونه من أهل الذمة بل قد لا يستحلونه من الكفار
الذين لا ذمة لهم ولا عهد
وهذا يعرفه كل من له خبرة بأحوال الناس ومن أراد الاطلاع على تفاصيل ما
كان يقع بينهم في بغداد بخصوصها فلينظر في مثل تاريخ ابن جرير وفي تواريخ
الذهبي وتاريخ ابن كثير ونحو ذلك فإنه يسجل في حوادث كل سنة شيئا من ذلك
في الغالب
ومن غرائب مناقضاتهم أن الشيعة لما اجتمعوا لزيارة الحسين بن علي رضي الله
عنه في عاشوراء اجتمعت السنية وخرجوا يزورون مصعب بن الزبير وجعلوا ذلك
عادة لهم في عاشوراء فانظر ما في هذه المناقضة من الجهل فإن مصعبا ليس
بمستحق لذلك لأنه لم يكن معروفا بعلم ولا فضل بل أمير كبير ولى العراق من
أخيه عبد الله بن الزبير وسفك من الدماء ما لا يأتي عليه الحصر وبقي كذلك
حتى وقع الحرب بينه وبين عبد الملك بن مروان فخذله أهل العراق فقتل فانظر
أي فضيلة لمصعب يستحق بها أن يكون للسنية كالحسين للشيعة
وبالجملة فقد حدثت بسبب الاختلاف بين الطائفتين فواقر عظيمة لو لم يكن
منها إلا دخول التتر بغداد وقتلهم الخليفة والمسلمين فإن سبب ذلك الوزير
الرافضي ابن العلقمي كان بينه وبن الأمير مجاهد الدين الدويدار من العداوة
أمر عظيم وكان مجاهد الدين يتعصب على الشيعة
وقد تنتهي بهم التعصبات والمناقضات إلى ما هو من أنواع الجنون والحماقات
القبيحة كما وقع في كتب التاريخ أن أهل السنة ببغداد أركبوا امرأة على جمل
وأركبوا رجلين آخرين وسموا المرأة عائشة والرجلين طلحة والزبير ومشوا معهم
وتحزبوا وتجمعوا فسمع بذلك الشيعة من أهل الكرخ فأقبلوا مشرعين بالسلاح
والكراع وقاتلوا أهل السنة قتالا شديدا وضربوا المرأة المسماة عائشة
والمسمى طلحة والزبير ضربا مبرحا
تعصبا شديدا حتى أفضى ذلك إلى نهب أهل الكرخ
وإحراق بعض مساكنهم فغضب الوزير عضبا شديدا ولم يستطع المكافأة إذا ذاك
فحمله ذلك على مكاتبة التتر وترغيبهم في بغداد وتسهيل الأمر عليهم فأقبل
هولاكو ملك التتر ومعه جيش من التتر عظيم فوصلوا بغداد وأحاطوا بها من
جميع جوانبها وما زال الوزير يخدع الخليفة ويفرق جيوشه ويحول بينه وبين
الحزم حتى أعيته الحيلة وتمكن العدو فخرج عن ذلك الوزير إلى التتر وقد
تقدم بينهم من المكاتبة ما فيه حرمة وذمة وتكفل لهم بإقاع الخليفة وأعيان
المحل في أيديهم يقتلونهم كيف شاؤوا ثم دخلوهم بغداد بعد ذلك ثم رجع إلى
الخليفة وأخبره أن سلطان التتر لا يريد استئصاله ولا نزع يده من الخلافة
وليس له رغبة إلى ذلك بل مراده أن يكون متصرفا عن أمر الخليفة كما كان
يتصرف عن أمرهم الملوك الحمدانية والبويهية والسلجوقية وأنه يريد أن يتزوج
ابن الخليفة بابنته وما زال يخدع الخليفة ويفتل منه في الذروة والغارب حتى
أسعده ومال إلى مقاله وقال له يخرج هو وأعيان البلد لعقد النكاح فخرج
الخليفة وأخوته وأولاده وأعمامه وأمراؤه وأعيان بغداد من كل طبقة من
الطبقات التي تتصل بالخليفة وكان الذي عين الخارجين وسماهم هو الوزير
المذكور فلم يدع أحدا من أركان الدولة يخشى منه ولا سيما من كان متعصبا
على الشيعة كالأمير مجاهد الدين الدويدار فإنه جعلهم في أول الخارجين
لشهود العقد وقد كان أبرم هو وسلطان التتر أنه سيجعله وزيرا كما كان مع
الخليفة العباسي فلما خرج أولئك الأعيان والخليفة قتلهم التتر جميعا ثم
دخلوا بغداد فقتلوا من بها من الطائفتين لم يبقوا على شيعي ولا سني وكان
جملة القتلى كما نقله كثير من ثقات المؤرخين ثمانية عشر لكا عن ألف قتيل
وثماني مائة ألف قتيل
فانظر هذه الفاقرة العظيمة التي تسببت عن
تعصب الوزير الرافضي لأصحابه من الرافضة لا رحمه الله وقد كان يظهر التأسف
والتندم ويقول إنه ما كان يظن أن الأمر يقع هكذا وأنه كان يظن سلامة
الشيعة وعدم وصول الأمر إليهم حسبما قدمه لنفسه ولهم ولم يصل إلى ما شرطه
لنفسه من الوزارة ولا غيرها وغاية ما ناله السلامة من القتل ومات بعد أن
اقترف هذه العظيمة بأيام يسيرة دون سنة وكان موته كمدا على ما جناه على
نفسه خصوصا وعلى إخوانه من الرافضة وسائر المسلمين وكان في بعض الأوقات
يظهر التجلد ويقول لا يبالي بمن قتل ولا بمن أصيب بعد أن شفى نفسه من
الدويدار
فانظر هذه الجاهلية التي تظاهر بها هذا الرافضي وانظر ما صنع بالمسلمين
وما جناه الخليفة على نفسه من استخلاصه للوزارة وأمانته على الأسرار
والركون إليه في تدبير الدولة
وهكذا من ألقى مقاليد أمره إلى رافضي وإن كان حقيرا فإنه لا أمانة لرافضي
قط على من يخالفه في مذهبه ويدين بغير الرفض بل يستحل ماله ودمه عند أدنى
فرصة تلوح له لأنه عنده مباح الدم والمال وكل ما يظهره من المودة فهو تقيه
يذهب أثره بمجرد إمكان الفرصة
وقد جربنا هذا تجريبا كثيرا فلم نجد رافضيا يخلص المودة لغير رافضي وإن
آثره بجميع ما يملكه وكان له بمنزلة الخول وتودد إليه بكل ممكن
ولم نجد في مذهب من المذاهب المبتدعة ولا غيرها ما نجده عند هؤلاء من
العداوة لمن خالفهم ثم لم نجد عند أحد ما نجد عندهم من التجرئ على شتم
الأعراض المحترمة فإنه يلغن أقبح اللعن ويسب أفظع السب كل من تجري بينه
وبينه أدنى خصومة وأحقر جدال وأقل اختلاف ولعل سبب هذا والله أعلم أنه لما
تجرؤا على سب السلف الصالح هان عليهم سب من
عداهم ولا جرم فكل شديد ذنب يهون ما دونه
وقد يقع بعض شياطينهم في علي كرم الله وجهه حردا عليه وغضبا له حيث ترك
حقه بل قد يبلغ بعض ملاعينهم إلى ثلب العرض الشريف النبوي صانه الله قائلا
إنه كان عليه الإيضاح للناس وكشف أمر الخلافة ومن الأقدم فيها والأحق بها
وأما تسرع هذه الطائفة إلى الكذب وإقدامهم عليه والتهاون بأمره فقد بلغ من
سلفهم وخلفهم إلى حد الكذب على الله وعلى رسوله وعلى كتابه وعلى صالحي
أمته ووقع منهم في ذلك ما يقشعر له الجلد وناهيك بقوم بلغ الخذلان بغلاتهم
إلى إنكار بعض كتاب الله وتحريف البعض الآخر وإنكار سنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم
وجاوز ذلك جماعة من زناديقهم إلى اعتقاد الألوهية في ملوكهم بل في شيوخ
بلدانهم
ولا غرو فاصل هذا المظهر الرافضي مظهر إلحاد وزندقة جعله من أراد كيدا
للإسلام سترا له فأظهر التشيع والمحبة لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم
استجذابا لقلوب الناس لأن هذا أمر يرغب فيه كل مسلم وقصدا للتغرير عليهم
ثم أظهر للناس أنه لا يتم القيام بحق القرابة إلا بترك حق الصحابة ثم جاوز
ذلك إلى إخراجهم صانهم الله عن سبيل المؤمنين
ومعظم ما يقصده بهذا هو الطعن على الشريعة وإبطالها لأن الصحابة رضي الله
تعالى عنهم هم الذين رووا للمسلمين علم الشريعة من الكتاب والسنة فإذا تم
لهذا الزنديق باطنا الرافضي ظاهرا القدح في الصحابة وتكفيرهم والحكم عليه
بالردة بطلت الشريعة بأسرها لأن هؤلاء هم حملتها الراوون لها عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فهذا هو العلة الغائية لهم وجميع ما يتظهرون به من التشيع كذب وزور ومن لم
يفهم هذا فهو حقيق بأن يتهم نفسه ويلوم تقصيره ولهذا
تجده إذا تمكنوا وسارت لهم دولة يتظاهرون
بهذا ويدعون الناس إليه كما وقع من القرامطة والباطنية والإسماعلية وما
نحا نحوه فإنهم لما تمكنوا أظهروا صريح الكفر والزندقة وفعلوا تلك
الأفاعيل من الاستهتار بمحارم الله وما عظمه كنقلهم للحجر الأسود من الحرم
إلى هجر وكقول رئيس القرامطة اللعين لما سفك دماء الحجاج بالبيت الحرام
وفعل به من المنكرات ما هو معروف
( ولو كان هذا البيت لله ربنا ** لصب علينا النار من فوقنا صبا )
( لأنا حججنا حجة جاهلية ** محللة لم يبق شرقا ولا غربا )
ثم قال لمن بقي في الحرم سالما من القتل يا حمير أنت تقولون ( ^ ومن دخله
كان آمنا )
وقد كان أول هذه النحلة القرمطية التظهر بمحبة أهل البيت والتوجع لهم
والعداوة لأعدائهم ثم انتهى أمرهم إلى مثل هذا
وهكذا الباطنية فإن مذهبهم الذي يتظهرون به ويبدونه للناس هو التشيع ولا
يزال شياطينهم ينقلون من دخل معهم فيه من مرتبة إلى مرتبة حتى يقفوه على
باب الكفر وصراح الزندقة وإذا تمكن بعض طواغيتهم فعل كما فعل علي بن الفضل
الخارج باليمن من دعاء الناس إلى صريح الكفر ودعوى النبوة ثم الترقي إلى
دعوى الألوهية وكما فعله الحاكم العبيدي بمصر من
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
أمر الناس بالسجود له والقيام عند ذكره على
صفة معروفة فكان إذا ذكره الخطيب يوم الجمعة على المنبر قام جميع من
بالمسجد ثم يخرون ساجدين ثم يقوم بقيامهم من يتصل بالجامع من أهل الأسواق
ثم يسري ذلك إلى قيام أهل مصر وما كان يبديه من الأفعال المتناقضة
والحماقات الباردة مقصوده من ذلك تجريب أحوال الناس واختبار طاعتهم له في
الأمور الباطلة وفي مخالفة الشريعة حتى ينقلهم إلى ما يريده وكم نعدد لك
من هذا
والجملة فإذا رأيت رجلا قد انتهى به الرفض إلى ذم السلف الصالح والوقيعة
فيهم وإن كان ينتمي إلى غير مذهب الإمامية فلا تشك في أنه مثلهم في ما
قدمنا لك
وجرب هذا إن كنت ممن يفهم فقد جربناه وجربه من قبلنا فلم يجدوا رجلا
رافضيا يتنزه عن شئ من محرمات الدين كائنا ما كان ولا تغتر بالظواهر فإن
الرجل قد يترك المعصية في الملأ ويكون أعف الناس عنها في الظاهر وهو إذا
أمكنته فرصة انتهزها انتهاز من لا يخاف نارا ولا يرجو جنة
وقد رأيت من كان منهم مؤذنا ملازما للجماعات فانكشف سارقا
وآخر كان يؤم الناس في بعض مساجد صنعاء وله سمت حسن وهدى عجيب وملازمة
للطاعة وكنت أكثر التعجب منهم كيف يكون مثله رافضيا ثم سمعت بعد ذلك عنه
بأمور تقشعر له الجلود وترجف منها القلوب
وكان لي صديق يكثر المجالسة لي والوصول إلي وفيه رفض يسير وهو متنزه عن كل
محظور ثم ما زال ذلك يزيد به الأسباب حتى صار يصنف في مثالب جماعة من
الصحابة ثم صار يمزق أعراض جماعة من أحياء أهل العلم
والأموات وينسبهم إلى النصب بمجرد كونهم لا
يوافقونه على رفضه ثم صار يتصل به جماعة ويأخذون عنه من الرفض ما لا
يتظاهر بمثله أهل هذه الديار
وكنت أعرف منه في مبادئ أمره صلابة وعفة قلت إذا كان ولا بد من رافضي عفيف
فهذا ثم سمعت عنه بفواقر نسأل الله الستر والسلام
وأما وثوب هذه الطائفة على أموال اليتامى والمستضعفين ومن يقدرون على ظلمه
كائنا من كان فلا يحتاج إلى برهان بل يكفي مدعيه إحالة منكره على
الاستقرار والتتبع فإنه سيظهر عند ذلك بصحة ما ذكرناه
ولقد جربت أهل عصرى في هذه المادة تجريبا عظيما لتعلقي بما تتعلق به
الأطماع واختبار بالناس على اختلاف طبقاتهم ولا شك أن الدنيا مؤثرة وأن
الوثوب على مصالحها وتقديمها وانتهاز الفرص في ما يتعلق بها غير مختص
بهؤلاء بل هو عام لكل الفرق والزاهد فيها المؤثر للدين عليها هو الشاذ
النادر لكن هؤلاء لهم مزيد تكالب وعظيم تهافت وشدة تهالك مع عدم وقوف عند
حدود الشرع واقتصار على ما فيها من تحليل وتحريم
ومن أقرب حوادث الرفض في ديارنا هذه أنه كان جماعة من المتظهرين بالعلم
يملون على الناس في جامع صنعاء في شهر رمضان سنة ست عشرة ومائة بعد الألف
في كتب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان نحو ثلاثة أو أربعة كل
واحد منهم قد اجتمع عليه جماعة كثيرة من العامة وكان أحدهم يملي على كرسي
مرتفع وتسرج حوله الشمع الكثير فيجتمع من الناس عدد كثير جدا لقصد الفرجة
كما يتفق في مثل هذا وكانوا يشوبون المناقب بذكر مثالب بعض الصحابة ويحطون
من بعضهم ويصرحون بسب البعض ويتوجعون من البعض
وكان ما يصدر من هؤلاء من هذه الأمور إنما هو مطابقة للوزير الرافضي الذي
قد قدمت لك ذكره ولا سيما صاحب الكرسي وهذا الوزير لم يكن رفضه لوازع ديني
كما يتفق لكثير من أهل الجهل المتعلقين بالرفض فهو أنذل من ذاك وأقل ولكنه
يفعل ذلك مساعدة لجماعة من شياطين المتفقهة
المتعصبة يدخلون إليه فيقولون إنه لم يبق من
يحامي على هذا الأمر سواك وإنك ركن التشيع وملجأ أهله ونحو هذه العبارات
فيبالغ في التظهر بهذه الخصلة ويحب نسبة ذلك إليه فكان الرفض مكملا
لمثالبه متتما لمعايبه لأنه في كل باب من أبواب القبائح قريع ظهره ونسيج
وحده
فلما تكاثر ما يصدر من أولئك المشتغلين بما لا يعنيهم من ثلب السلف مع ما
ينضم إلى ذلك من إدخال الضغائن في قلوب العامة وإيمانهم أن الناس قد تركوا
مذهب أهل البيت وفعلوا وفعلوا وكل ذلك كذب فإن الناس هم في هذه الديار
زيدية وكثير منهم يجاوز ذلك فيصيروا رافضيا جلدا ولم يكن في هذه الديار
على خلاف ذلك إلا الشاذ النادر وهم أكابر العلماء ومن يقتد بهم فإنهم
يعملون بمقتضى الدليل ولا ينتمون إلى مذهب ولا يتعصبون لأحد فهؤلاء الذين
يقصدهم أولئك الرافضة بكل فاقرة ويرمونهم بالحجر والمدر ويسمونهم بميسم
النصب
فلما تفاقم شر أولئك المدرسين وصار الجامع ملعبا لا متعبدا واشتغل
بأصواتهم المصلون عن صلاتهم والذاكرون عن ذكرهم رجع إمام العصر أعز الله
به الدين منع صاحب الكرسي من الإملاء في الجامع وأمره بالعود إلى المسجد
الذي كان يملي فيه
فحضر أولئك المستعمرون على عادتهم وكان الإملاء قبل صلاة العشاء فلما لم
يحضر شيخهم ذهب بعضهم ليجيء به من بيته فأخبرهم أن الإمام قد منعه وأمره
بالعود إلى حيث كان
فلم يعذروه ولا سمعوا منه ورجعوا إلى الجامع ثم ثاروا ثورة شيطانية وقاموا
قومة طاغوية فمنعوا من الصلاة في الجامع وما زال ينظم إليهم كل رافضي ومن
له رغبة في إثارة الفتنة حتى صاروا جمعا كثيرا ثم خرجوا فقصدوا بيت المؤذن
الذي أظهر عليهم الرأي الإمامي فرجموه حتى كادوا
يهدمونه وفيه نساء وأطفال قد صاروا في أمر
مريع
هذا وليس لذلك المؤذن المسكين سعي ولا له قدرة على شئ ولكنه أرسل بالرأي
الإمامي وإلى الأوقاف إليه ووالى الوقف أيضا ليس له سعي في ذلك ولكنه
أرسله إليه بعض من يتصل بالمقام الإمامي
ثم لما فرغوا من رجم بيت المؤذن ذهبوا ولهم صراخ عظيم وأصوات شديدة إلى
بيت والي الأوقاف وهو رجل من أهل العلم من آل رسول الله صلى الله عليه
وسلم فرجموا بيته رجما شديدا حتى غشى على بعض من فيه من الشرائف فقال لهم
قائل إن هؤلاء الشرائف المرجومات هن بنات نبيكم وبنات علي بن أبي طالب ولم
يكن بنات معاوية ولا بنات عمر بن العاص وغيرهما ممن تعادونهم فما لكم ولهن
فلم يلتفتوا إلى ذلك واستمروا في الرجم ثم دخلوا إلى بعض البيت ونهبوا بعض
متاعه
وبلغهم أن والي الأوقاف وولده لمسجد قريب من بيته فحاصروا حيصة حمر الوحش
وصرخوا صرخة الحمر الأهلية وذهبوا إلى ذلك المسجد عازمين على قتله فأغلق
عليه بعض الناس مقصورة المسجد فسلم
ثم ذهبوا بصراخهم وجلبتهم إلى بيت بعض أهل العلم من أهل البيت النبوي وكان
يعظ الناس بالجامع ويتظهر ببعض من السنة فرجموا بيته رجما شديدا وفيه
شرائف وأطفال
ثم ثاروا إلى بيت بعض وزراء الخليفة لا لذنب إلا لكونه ينافسه ذلك الوزير
الرافضي وكونه ينتسب إلى بعض بطون قريش فرجموه رجما شديدا ثم كسروا بعض
أبوابه ودخلوا وكادوا يتصلون بمن فيه لولا أنه حماه جماعة بالرمي بالبنادق
وآخرون بالسلاح
ويتصل ببيت هذا الوزير المرجوم بيت وزير آخر من أهل العلم فرجموه ورجمهم
من في بيت الوزير حتى أصابوا جماعة منهم فتركوه وسبب رجمهم
لبيت الوزير هذا أنه من جملة من يتظهر بعلم
السنة ثم لما كاد ينقضى الليل فارقوا ما هم فيه وقد أثاروا فتنة عظيمة
ومحنة شديدة
ولما كان النهار جمع الخليفة أعوانه وطلبني واستشارني فأشرت عليه بأن يحبس
أولئك المدرسين الذين أثاروا الفتنة في الجامع بسبب ما يصدر منهم من نكاية
القلوب وإثارة العوام فحبسهم ثم أشرت عليه بأنه يأمر بتتبع أولئك الذين
رجموا البيوت وفعلوا تلك الأفاعيل ومن وجدوه حبسوه ويأمر بتتبع جماعة من
شياطين الفقهاء المثيرين للفتنة ففعل وحبسوا جميعا
ولكن لم ينصح وإلى مدينة صنعاء لموافقته للوزير الرافضي في الرفض ومهابته
له ووقوفه عندما يختاره ويرتضيه
وبعد أن اجتمع في الحبس جماعة كثيرة من هؤلاء أرسل الإمام حفظه الله
لجماعة من شياطينهم المباشرين للفتنة من الفقهاء فجئ بهم من الحبس إليه
وضربهم بالعصى تحت داره وهو ينظر ثم أرسل في اليوم الآخر لجماعة من أهل
السوق المباشرين للفتنة فصنع بهم ما صنع بأولئك ثم جعل جماعة من شياطين
الجميع في سلاسل وأرسل بهم إلى جزائر البحر على هيئة منكرة فسكنت الفتنة
سكونا تاما
ولقد شهدت من التعصبات في هذه الفتنة ما بهرني من الخاصة والعامة أما
الخاصة فإني رأيت من أهل بيت الخلافة من أولاد الإمام وغيرهم ومن الوزراء
والأمراء والقضاه وأهل العلم من ذلك ما يعجب منه فإني لما أشرت على
الخليفة بما أشرت خرجت من المكان الذي هو مستقر فيه إلى حجرته وفيها أكابر
أولاده وهم إذا ذاك أمراء الأجناد وعندهم جميع الوزراء وهم جميعا في أمر
مريع فيهم من يعظم عليه حبس أولئك المدرسين ويراه حطا في مرتبة الرفض
ونقصا من الرافضة وقد قتل منهم ذلك الوزير الرافضي في الذروة والغارب
وأوهمهم أنها ستثور فتنة من العامة والأجناد ومازال بعض أولاد الخليفة
يردد علي ذلك ويرغبني في الرجوع
عن الشور الذي أشرت به على الخليفة ويذكر ما
قد ألقاه إليه الوزير الرافضي من خشية ثورة الأجناد والعامة فمازلت أعرفه
بالصواب وأذكر له أن هذه الفتنة لو لم تحسم يومنا هذا بحبس المثيرين لها
لهلك غالب الناس في الليلة الواصلة ونهبوا الأموال جهارا وأنه سيصل الأمر
إلى الخليفة وأولاده فضلا عن غيرهم وعرفته أنه ما سيثور بسبب ذلك أجناد
ولا غيرهم فإن هذا تسكين للفتنة لا إثارة لها
ولقد حمدوا هذه المشورة بعد حين وعرفوا أنها صواب وأن بها كان سكون تلك
الفتنة التي غلت مراجلها وكادت تعم جميع أهل صنعاء ثم تسرى بعد ذلك إلى
سائر الديار اليمنية
وأما العامة فلا يتسع المقام لسرد ما شوهد منهم من الصولة والجولة
والاشتغال بهذا الأمر ولقد كنت أرى كثيرا من المنسوبين إلى العلم يبكون
رحمة لإخوانهم المثيرين للفتنة لما حل بهم من العقوبة
ولقد تغيرت بهجة هذه المدينة العظيمة وتكدرت مشاربها العلمية وذهب رونق
معارفها بما يصنعه جماعة المقصرين المغيرين لفطرتهم السليمة بما حدث من
علم الروافض ودسائسهم التي هي أضر على المقصرين من السم القتال وأدوى على
من لم تستحكم معرفته وترسخ في العلوم قدمه من الداء العضال على كثرة من
فيها من العلماء المنصفين والطلبة المتميزين الأذكياء الماهرين فإنه قل أن
يوجد بمدينة من المدائن ما يوجد الآن في صنعاء من رجوع أهل العلم بها إلى
ما صح عن الشارع وعدم تعويلهم على الرأي وطرحهم للمذاهب عند قيام الدليل
الناهض
فإن هذه مزية وفضيلة لا تكاد تعرف في سائر الأقطار إلا في الفرد الشاذ
البالغ من العلم إلى منزلة علية مع مراجعته لفطرته وتفكره في طروء ما طرأ
من المغيرات وتدبره لما قدمنا ذكره من الأسباب الموجبة للتعصب الحائلة بين
المتمذهبين وبين الإنصاف
وما كان أغناه عن هذه البلية التي وقع فيها والجناية التي جناها عل نفسه
في العاجلة والآجلة
أما في الآجلة فظاهر فإن اشتغاله بذلك التصنيف المشتمل على تأثير رأى فرد
من أفراد أهل العلم على ما شرعه الله في محكم كتابه وعلى لسان رسوله من
أعظم الذنوب التي تلقاه بين يدي الله فإنه ضال مضل مفتون فاتن محارب
للشريعة المطهرة معاند لها فعليه إثم بما سنة من هذه السنة السيئة وإثم من
عمل بها إلى يوم القيامة
وأما في العاجلة فإن مثل هؤلاء الصم البكم من المقلدة لا يفرح العاقل
وهذا النادر الشاذ يبالغ في الكتم ويستكثر من المجانبة لما يظنه الحق
مخافة من وثوب المقلدة عليه وهتكهم له لأنهم لا يقنعون من العالم وإن كان
في أعلى درجات الاجتهاد إلا بأن يكون مثلهم مقلدا بحتا مقتديا بالعالم
الذي يقلدونه هم وأسلافهم وإن كان هذا العالم الذي يريدون منه ذلك أغلا
رتبة وأجل قدرا وأكثر علما من عالمهم الذي يقلدونه كما يجده من له اطلاع
على كثير من أحوال الناس فإن في علماء المذاهب الأربعة من هو أوسع علما
وأعلا قدرا من أمامه الذي ينتمي إليه ويقف عند رأيه ويقتدي بما قاله في
عبادته ومعاملته وفي فتاويه وقضائه ويسرى ذلك إلى مصنفاته فيرجح فيها ما
يرجحه إمامه وإن كان دليلة ضعيفا أو موضوعا أو لا دليل بيده أصلا بل مجرد
محض الرأي ويدفع من الأدلة المخالفة له ما هو أوضح من شمس النهار تارة
بالتأويل المتعسف وحينا بالزور الملفق مع كونه بمكان من العلم لا يخفى
عنده الصواب ولا يلتبس معه الحق ولكنه يفعل ذلك مخافة على نفسه من تلك
الطبقة المشومة أو تأثيرا لما قد ظفر به من الدنيا والجاه الذي لا يستمر
له إلا بالموافقة لهم والسلوك فيما يرضيهم وقد يحمله على ذلك الحرص على
نفاق مصنفه بينهم واشتهاره عندهم وتداولهم له
بانتشار مصنفاته عندهم وشيوعها بينهم لأنهم
لا يفهمون العلم ولا يعرفون أهله ولا فرق بينهم وبين العامة البحت إلا
مجرد الدعوة والتلبس بلباس أهل العلم والقعود في مقاعد أهله فكما أن
العاقل لا يفرح بإقرار جماعة له من البدو والحراث أو السوقة من أهل
الحياكة والحجامة وسقاط أهل المهن الدنيئة والمعاشر الوضيعة كذلك لا ينبغي
له أن يفرح بمثل ذلك من المقلدة فإنهم كما قال القائل
( فإن لم يكنها أو تكنه فإنه ** أخوها غذته أمه بلبانها )
ومع هذا فإنه يعرف نفسه بهذا التصنيف لاستقصار أهل العلم الذين هم أهله
وعليهم المعول فيه لغايته واستحقار ما جاء به والإزراء عليه من كل واحد
منهم في عصره ذلك وما بعده من العصور ما دام ذلك المصنف المشؤوم موجودا
على وجه الأرض كما هو معلوم فإن المحقق من أهل العلم إذا عثر على شئ من
هذه المصنفات المتعسفة الخارجة عن الحق انقبضت أنفسهم عنه واستبردوه وسقط
مصنفه عندهم ولم يعدوه من أهل العلم في ورد ولا صدر وألحقوه بالطبقة التي
حملته على ذلك الصنع الذي صنعه لهم وأحملوا ذكره في مصنافاتهم التي هي
المصنفات المعتبرة
وبالجملة فما صنع هذا المصنف لنفسه بذلك التصنيف إلا ما هو خزى له في
الدنيا والآخرة ووبال عليه في الآجلة والعاجلة
وقد يسلك بعض هؤلاء مسلكا هو أخس من ذلك المسلك وذلك بأن يورد الأقوال
ويحتج لكل واحد منها بما احتج به قائله ويستكثر من إيراد أدلة ما هو الحق
منها ويخرجه من مخارجه المقبولة ثم يذكر ما قيل من ضعف دليل ما قال به من
يعتقده أهل عصره وقطره وينسب ذلك التضعيف إلى من يعتد به من أهل العلم ثم
يعترض ذلك التضعيف باعتراض يعرف من هو من أهل العلم والإتقان سقوطه و
بطلانه ركونا منه على أن ذلك لا يخفى على من له قدم في العلم وزعما أنه
قدر من لهم إلى ما هو الحق بإيراد دليله الصحيح وإلى ما يخالفه بإيراد
دليله الضعيف وأنه لم يأت بما أتى به من الاعتراض
الساقط والتقوية للقول الفاسد إلا على وجه
لا يخفى على أهل الإتقان ولا يلتبس عند العارفين وهو في زعمه قد أرضى
الخاصة والعامة وسلك مسلكا في غاية التحذلق ونهاية التبصر وهو لا يشعر بأن
الخاصة من أهل التحقيق في غنى عن رمزه وهمزه وتحذلقه فإنهم يعرفون مسالك
الحق بدون زعمه ويأخذون الصواب من معادنه فنفاق ما جاء به لديهم غاية ما
فيه أنهم لا يطعنون عليه بالجهل والقصور والبلادة وبعد الإدراك ولكنه قد
فتح للمقصرين أبواب الطعن على الأدلة الصحيحة وزادهم إلى ما لديهم من
البلايا الباطلة بلايا أخرى وجعل بينهم وبين الرجوع إلى الحق ردما فوق
الردم الذي قد كان معمورا ورفع أبنية الباطل وشيدها ولم يهدم منها بتصنيفه
حجرا ولا مدرا لأنه لقنهم المطاعن على الشرع وفتح لهم أبواب المقال على
الأدلة وهم لا يعرفون أن اعتراضهم فاسد وأنه لا ينفق ولا يصلح لقصور
أفهامهم عن إدراك ما هو صحيح أو باطل وضعف معارفهم عن البلوغ إلى درجة
التمييز فزادهم بما أفادهم شرا إلى شرهم وتعصبا إلى تعصبهم وبعدا عن الحق
إلى بعدهم ولم ينتفع الخاصة بشيء مما جاء به من الألغاز بل أنزل بهم من
الضرر ما لم يكن قبله فإن أهل التعصب يصولون عليهم باعتراضه ويجولون
ويدفعون به في وجه من قال بضعف دليل القول الذي قاله من يقلدونه ويجعلون
ذلك ذريعة لهم إلى الاغتباط بما هم فيه والتهالك على ما ألفوه ووجدوا عليه
آباهم
وإنما التصنيف الذي يستحق أن يقال له تصنيف والتأليف الذي ينبغي لأهل
العلم الذين أخذ الله عليهم بيانه وأقام لهم على وجوبه عليهم برهانه هو أن
ينصروا فيه الحق ويخذلوا به الباطل ويهدموا بحججه أركان البدع ويقطعوا به
حبائل التعصب ويوضحوا فيه للناس ما نزل إليهم من البينات والهدى ويبالغوا
في إرشاد العباد إلى الإنصاف ويحببوا إلى قلوبهم العمل بالكتاب السنة
وينفروهم من اتباع محض الرأي وزائف المقال وكاسد الاجتهاد ولا يمنعهم من
ذلك ما يخيله لهم الشيطان ويسوله من أن هذا التصنيف لا ينفق عند المقلدة
أو يكون سببا لجلب فتنة أو نزول مضرة أو
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ذهاب جاه أو مال أو رئاسة فإن الله ناصر
دينه ومتمم نوره وحافظ شرعه ومؤيد من يؤيده وجاعل لأله الحق ودعاة الشرع
والقائمين بالحجة سلطانا وأنصارا واتباعا وإن كانوا في أرض قد انغمس أهلها
في موجات البدع وتكسعوا في متراكم الضلال وقد قدمنا الإرشاد إلى شئ من هذا
فإن قلت هؤلاء المتعصبة قد طبقوا جميع أقطار الأرض الإسلامية وصارت
المدارس والفتاوى والقضاء وجميع الأعمال الدينية بأيديهم فإن كل مملكة من
الممالك الإسلامية يعتزى أهلها إلى مذهب من المذاهب ونحلة من النحل وكل
بلد من البلاد وقطر من الأقطار كثرت أو قلت لا بد أن يكون أهلها مقلدين
لميت من الأموات يأخذون عنه ما يجدون في مؤلفاته ومؤلفات أتباعه المقلدين
له حتى صارت مسائل مذهبهم نصب أعينهم لا يتحولون عنها ولا يخالفونها
ويعتقد من تفاقم تعصبه من المقلدة أن الخروج عن ذلك الخروج من الدين بأسره
وإن كانت بقية المذاهب على خلافة في تلك المسألة كما نجده في كل مذهب من
المذاهب الأربعة وغيرها
فما عسى يغنى إرشاد فرد من أفراد العلم إلى الإنصاف واتباع نص الدليل في
قطر واسع من أقطار الأرض أو مدينة كبيرة من مدائنه فأنه بأول كلمة تخرج
منه وأيسر مخالفة يفوه بها يقوم عليه من المقلدة من ينغص عليه مشربه ويكدر
عليه حاله وأقل الأحوال أن يسعى به هؤلاء المقلدة إلى أمثالهم ممن بأيديهم
الأمر والنهي والدولة والصولة فيمنعونه من المعاودة ويتوعدونه بأبلغ توعد
هذا إذا لم يمنعوه من التدريس والإفتاء بمجرد ذلك ويحولون بينه وبين ما
أردت منه بكل حائل وما يصنع المسكين بين مئين من المقلدة كل واحد منهم أجل
قدرا منه وأنبل ذكرا وأحسن ثيابا وأفره مركوبا وأكثر اتباعا عند ألوف
مؤلفة من العامة الذين هم بين جند وسوقة وحراث وأهل حرف لا يفهمون خطابا
ولا يعقلون حقا فما ظنك بالعامة إذا بلغهم الخلاف بين فرد من أفراد العلم
خامل الذكر وبين جميع من
دينه ومتمم نوره وحافظ شرعه ومؤيد من يؤيده وجاعل لأله الحق ودعاة الشرع
والقائمين بالحجة سلطانا وأنصارا واتباعا وإن كانوا في أرض قد انغمس أهلها
في موجات البدع وتكسعوا في متراكم الضلال وقد قدمنا الإرشاد إلى شئ من هذا
فإن قلت هؤلاء المتعصبة قد طبقوا جميع أقطار الأرض الإسلامية وصارت
المدارس والفتاوى والقضاء وجميع الأعمال الدينية بأيديهم فإن كل مملكة من
الممالك الإسلامية يعتزى أهلها إلى مذهب من المذاهب ونحلة من النحل وكل
بلد من البلاد وقطر من الأقطار كثرت أو قلت لا بد أن يكون أهلها مقلدين
لميت من الأموات يأخذون عنه ما يجدون في مؤلفاته ومؤلفات أتباعه المقلدين
له حتى صارت مسائل مذهبهم نصب أعينهم لا يتحولون عنها ولا يخالفونها
ويعتقد من تفاقم تعصبه من المقلدة أن الخروج عن ذلك الخروج من الدين بأسره
وإن كانت بقية المذاهب على خلافة في تلك المسألة كما نجده في كل مذهب من
المذاهب الأربعة وغيرها
فما عسى يغنى إرشاد فرد من أفراد العلم إلى الإنصاف واتباع نص الدليل في
قطر واسع من أقطار الأرض أو مدينة كبيرة من مدائنه فأنه بأول كلمة تخرج
منه وأيسر مخالفة يفوه بها يقوم عليه من المقلدة من ينغص عليه مشربه ويكدر
عليه حاله وأقل الأحوال أن يسعى به هؤلاء المقلدة إلى أمثالهم ممن بأيديهم
الأمر والنهي والدولة والصولة فيمنعونه من المعاودة ويتوعدونه بأبلغ توعد
هذا إذا لم يمنعوه من التدريس والإفتاء بمجرد ذلك ويحولون بينه وبين ما
أردت منه بكل حائل وما يصنع المسكين بين مئين من المقلدة كل واحد منهم أجل
قدرا منه وأنبل ذكرا وأحسن ثيابا وأفره مركوبا وأكثر اتباعا عند ألوف
مؤلفة من العامة الذين هم بين جند وسوقة وحراث وأهل حرف لا يفهمون خطابا
ولا يعقلون حقا فما ظنك بالعامة إذا بلغهم الخلاف بين فرد من أفراد العلم
خامل الذكر وبين جميع من
يعدونه عالما من أهل بلدهم من المدرسين
والقضاة والمفتين وهم عدد جم ومقدار ضخم أتراهم يظنون الحق بيد ذلك الفرد
ويتبعونه ويقولون بقوله ويدعون من يخالفه من أهل مدينتهم قاطبة هذا ما لا
يكون فإنا نجد العامة في قديم الزمن وحديثه مع الكثرة ولا سيما من كان له
من أهل العلم نصيب من دولة كالقضاة فإن الواحد منهم يعدل عند العامة ألوفا
من أهل العلم الذين لا مناصب لهم ولا دولة فكيف إذا انضم إلى ذلك ما يلقيه
إليهم المقلدة من الكلمات التي تثير غضبهم وتستطير حميتهم كقولهم هذا
الرجل يخالف إمامكم ويدعو الناس إلى الخرج من مذهبه ويزرى عليه ويقول إنه
جاء بغير الحق وخالف الشرع فإنهم عند سماع هذا مع ما قد رسخ في عقائدهم
وثبت في عقولهم لا يبالون أي دم سفكوا وأي عرض انتهكوا يعلم هذا كل من له
خبرة بهم وممارسة له
قلت هذا السؤال الذي أوردته أيها الطالب للحق الراغب في الإنصاف قد أفادنا
أنك لم تفهم ما قدمته لك في هذا الكتاب حق الفهم ولم تتصوره كلية التصور
فقد كررت لك في مواضع منه ما تستفيد منه جواب ما أوردته هنا فعاود النظر
وكرر التدبر وأطل الفكر بعد أن تبالغ في تصفية الفطرة وتستكثر من
الاستعداد للقبول وهب أنه لم يتقدم ما يصلح أن يكون جوابا لما خطر ببالك
الآن من هذا السؤال فها أنا أجيب عليك بجوابين الأول جواب مجمل والآخر
جواب مفصل
أما الجواب المجمل فأقول لك بعد تسليم جميع ما أوردته في سؤالك هذا من أن
حامل العلم ومبلغ الحجة سيحال بينه وبين ما يريده بأول كلمة تخرج منه فيها
مخالفة لما ألفه الناس ولا يقدر بعدها عل شئ من الهداية إلى الحق والإرشاد
إلى الإنصاف لما قدرته من أنها ستقوم عليه القيامة وتأزف عليه الآزفة
وتضيق عنه دائرة الحق وتنبو عنه جميع المسامع وتؤخذ عليه كل وسيلة
وهذا فرضه ليس عليه غيره ولا يجب على من سواه فهو لم يكتم ما علمه الله
ولا خان عهد الله ولا خالف أمره ولا اشترى به ثمنا قليلا ولا باعه بعرض من
أعراض الدنيا فله أجر من مكنه الله من ذلك وخلى بينه وبينه لأنه قد قام في
المقام الذي افترضه الله عليه وسلك الطريقة التي أمره بسلوكها فحال بينه
وبينه من لا يطيق دفعه ولا يقدر على مناهضته فكان ذلك قائم بعذره مسقطا
لفرضه موجبا لاستحقاقه لثواب ما قد عزم عليه وأجر ما أراده
فأي غنيمة أجل من غنيمته ونعمة أكبر من نعمته وأين منزلته عند الله من
منزلة من فتح الله عليه من أبواب معارفه ولطائف شريعته بما يفرق به بين
الحق والباطل ويعرف به صواب القول من خطأه فكتم الحجة وآثر على نشرها ما
يرجوه من استدرار خلف من أخلاف الدنيا ونيل جاه من الجاهات ورئاسة من
الرئاسات ومعيشة من المعائش فمضى عمره وانقضت حياته كاتما للحجة مخالفا
لأمر الله نابذا لعهده طارحا لما أخذه عليه
وأما الجواب المفصل فاعلم أني لم أرد بما أرشدت إليه في هذا الكتاب ما خطر
ببالك ولا لوم علي فقد كررت لك ما قصدته تكررا لا يخفى على الفطن فهل طلبت
من حامل الحجة أن يقوم بين ظهراني الناس قائلا اجتنبوا كذا من الرأي
اتبعوا كذا من الكتاب والسنة صارخا بذلك في المحافل ناطقا به في المشاهد
مع علمه بتراكم سحائب الجهل وتلاطم أمواج بحار التعصب وإظلام أفق الإنصاف
واكفهرارا وجه الاسترشاد
فإن هذا وإن كان مسقطا لما افترضه الله على من استخلصه من عباده لحمل حجته
وإبلاغ شريعته لكن لكل عالم قدوة بأنبياء الله وأسوة بمن أرسله
فبعد هذا كله قد قام بما أوجب الله عليه وأراد ما طلبه الله منه من
الهداية ووفي بما أخذ عليه من العهد وامتثل ما ألزنه به من البيان وصار
بذلك من العلماء العاملين القائمين بنشر حجج الله وإبلاغ شرائعه
من رسله فقد كانوا صلى الله عليه وسلم
يدبرون عباد الله بتدبيرات فيها من الرفق واللطف وحسن المسلك ما لا يخفى
على أهل العلم فإن نبينا صلى الله عليه وسلم قد تألف رؤساء المشركين وهم
إذ ذاك حديثو عهد بجاهلية وترك المهاجرين والأنصار من الغنيمة وسيوفهم
تقطر من دماء المؤلفين واتباعهم ومن يشاكلهم فيما كانوا عليه وصح عنه صلى
الله عليه وسلم أنه ترك من كان منافقا على نفاقه وعصمهم بظاهر كلمة
الإسلام ولم يكشفهم ويتلف مما عندهم بعد أن ظهر منهم ما ظهر من النفاق
كعبد الله بن أبي سلول رأس المنافقين وقال لا يتحدث الناس أن محمد يقتل
أصحابه وقد اشتمل الكتاب والسنة على ما كان يقع من الأنبياء صلى الله عليه
وسلم من تدبير أمرهم والرفق بهم واغتنام الفرص في إرشادهم وإلقاء ما
يحدوبهم إلى الحق في الوقت بعد الوقت والحالة بعد الحالة على حسب ما تقبله
عقولهم وتحتمله طبائعهم وتفهمه أذهانهم
فالعالم الذي أعطاه الله الأمانة وحمله الحجة وأخذ عليه البيان يورد
الكلام مع كل أحد على حسب ما يقبله عقله وبقدر استعداده
فإن كان كلامه مع أهل العلم الذين يفهمون الحجة ويعقلون البرهان ويعلمون
أن الله سبحانه لم يتعبد عباده إلا بما أنزله في كتابه وعلى لسان رسوله
وحال بينهم وبين الالتفات إلى ذلك والرجوع إليه والعمل عليه ما تكدرت به
فطرهم وتشوشت عنده أفهامهم من اعتقاد حقية لتقليد أو استعظام الأموات من
أهل العلم أو استقصار أنفسهم عن معرفة الحق بنص الدليل فعليه أن يعتمد
معهم تسهيل ما تعاظموه من الوقوف على الحق قائلا
إن الله تعبد جميع هذه الأمة بما في الكتاب والسنة ولم يخص بفهم ذلك
من كان من السلف دون من تبعهم من الخلف ولا
قصر فضله بما شرعه لجميع عباده على أهل عصر دون عصر أو أهل قطر دون قطر أو
أهل بطن دون بطن فالفهم الذي خلقه للسلف خلق مثله للخلف والعقل الذي ركبه
في الأموات ركب مثله في الأحياء والكتاب والسنة موجودان في الأزمنة
المتأخرة كما كانا في الأزمنة المتقدمة والتعبد بهما لمن لحق كالتعبد لمن
مضى وعلم لغة العرب موجود في الدفاتر عند المتأخرين على وجه لا يشذ منه شئ
بعد أن كان المتقدمون بأخذونه عن الرواة حرفا حرفا ويستفيدون من أربابه
كلمة كلمة وكذلك تفسير الكتاب العزيز موجود في التفاسير التي دونها السلف
للخلف بعد أن كان الواحد منهم يرحل في تفسير آية من كتاب الله إلى الأقطار
الشاسعة وكذلك الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودة
في الدفاتر التي جمعها الأول للآخر بعد أن كان الواحد منهم يرحل في طلب
الحديث الواحد إلى البلاد البعيدة وهكذا جميع العلوم التي يستعان بها على
فهم الكتاب والسنة
فالوقوف على الحق والاطلاع على ما شرعه الله لعباده قد سهله الله على
المتأخرين ويسره على وجه لا يحتاجون فيه من العناية والتعب إلا بعض ما كان
يحتاجه من قبلهم وقد قدمنا الإشارة إلى هذا المعنى
ثم أن هذا العالم يوضح لمن يأخذ عنه العلم في كل بحث ما يقتضيه الدليل
ويوجبه الإنصاف وهو وإن أبى ذلك في الابتداء فلا بد أن يؤثر ذلك البيان في
طبعه قبولا وفي فطرته انقيادا
ويحرص على أن تكون أوقاته مشغولة بتدريس الطلبة في كتب التفسير والحديث
وشروحه وفي كتب الفقه التي يتعرض مؤلفوها لذكر الأدلة والترجيح فإنه في
تدريس هذه المؤلفات يتيسر له من الإرشاد والهداية وتأسيس الحق وتقريب
الإنصاف ما لا يتيسر له في غيرها
وإن كان كلامه ومع من هو دون هذه الطبقة فأنفع ما يلقيه إليه هو ترغيبه في
علوم الاجتهاد وتعريفه أن المقصود بهذه العلوم هو الوصول إلى ما وصل
إليه علماء الإسلام فإذا جد في ذلك فقد
انفتحت منه أبواب الهداية ولاحت عليه أنوار التوفيق ثم إذا تأهل واستعد
لفهم الحجة سلك معه المسلك الأول
ومن كان لا يهتدي إلى طلب تلك العلوم بوجه من الوجوه فأقرب ما يسلكه
العالم معه هو أن ينظر إلى من قال من أهل العلم الذين يعتقدهم ذلك المقصر
بما قامت عليه الأدلة وأوجب سلوكه الإنصاف فيقول له إن قول العالم الفلاني
قوم راجح لقيام الأدلة عليه ثم يصنع معه هذا الصنع في المسائل التي
يعتقدها تقليدا ويجمد عليها قصورا فإن انتفع بذلك فهو المطلوب
وإن لم ينتفع فأقل الأحوال السلامة من معرته والخلوص من شره
وأما العامة الذين لم يتعلقوا بشيء من علم الرأي فهم أسرع الناس انقيادا
وأقربهم إلى القبول إن سلموا من بلايا ما يلقيه إليهم المتعصبون
وبالجملة فالعالم المتصدي للإرشاد المتصدي للهداية لا يخفى عليه ما يصلح
من الكلام مع من يتكلم معه
فهذا هو الذي أردته من نشر حجج الله وإرشاد العباد إليها وقد قدمته بأبسط
من هذا وإنما كررته هنا لقصد دفع ما سبق من السؤال
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
عود إلى أسباب التعصب الاستناد إلى قواعد ظنية
ومن جملة أسباب التعصب التي لا يشعر بها كثير من المشتغلين بالعلوم ما
يذكره كثير من المصنفين من أنه يرد ما خالف القواعد المقررة
فإن من لا عناية له بالبحث يسمع هذه المقالة ويرى ما صنعه كثير من
المصنفين من رد الأدلة من الكتاب والسنة إذا خالف تلك القاعدة فيظن أنها
في اللوح المحفوظ فإذا كشفها وجدها في الغاب كلمة تكلم بها بعض من يعتقده
الناس من أهل العلم الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى لا مستند لها إلا محض
الرأي وبحت ما يدعى من دلالة العقل
وليس إلا مجرد الدعوى على العقل وهو عنه برئ فإنه لم يقض بذلك العقل الذي
خلقه الله في عباده بل قضى به عقل قد تدنس بالبدع وتكدر بالتعصب وابتلى
بالجهل بما جاء به الشرع وجاء بعده من هو أشد بلاء منه واسخف عقلا وأقل
علما وأبعد عن الشرع فجعل ذلك قاعدة عقلية ضرورية فدفع بها جميع ما جاء عن
الشارع عرف هذا من عرفه وجهله من جهله ومن لم يعرف هذا فليتهم نفسه فيا
لله العجيب من مزية يفتريها على العقل بعض من حرم علم الشرع ثم يأتي من
بعده فيجعلها أصولا مقررة وقواعد محررة ويؤثرها على قول الله عز وجل وقول
الأنبياء
وهكذا تجد في علم أصول الفقه قاعدة قد أخذها الآخر عن الأول وتلقنها الخلف
عن السلف وبنوا عليها القناطر وجعلوها إماما لأدلة الكتاب والسنة يجيزون
ما أجازته ويردون ما ردته وليست من قواعد اللغة الكلية ولا من القوانين
الشرعية بل لا يستند لها إلا الخيال المختل والظن الفاسد والرأي البحت ومع
هذا فهم يزعمون أن هذا العلم لا تقبل فيه إلا الأدلة القطعية دعوى ظاهرة
البطلان واضحة الفساد فإن غالبها لا يوجد عليه دليل من الآحاد صحيح ولا
حسن بل لا يوجد أحادي ضعيف وغالب ما يوجد الموضوعات التي لا يمترى من له
حظ من العلم في كذبها كاستدلالهم بمثل حكمي على الواحد حكمي على الجماعة
وبمثل نحن نحكم بالظاهر ونحو هذه الأكاذيب
فالمغرور من اغتر بهذه الدلس والمخدوع من خدع بها وترقى بها من
وكثيرا ما تجد في علم الكلام الذي يسمونه أصول الدين قاعدة قد تقررت بينهم
واشتهرت وتلقنها الآخر من الأول وخطوها جسرا يدفعون بها الآيات القرآنية
والأحاديث النبوية فإذا كشفت عنها وجدتها في الأصل كلمة قالها بعض حكماء
الكلام زاعما أنه يقتضي ذلك العقل ويستحسنه
كونها موضوعة إلى كونها صحيحة ثم من كونها
صحيحة إلى كونها قطعية
فيا لله العجب من نفاق مثل هذه الأمور على كثير من أهل العلم وانقراض
القرن بعد القرن والعصر بعد العصر وهي عندهم مسائل قطعية وقواعد مقررة
والذنب لمن تكلم بها وذكرها في مؤلفاته ولم يقف حيث أوقفه الله من جهله
بما جاء في الشريعة
وهكذا ما وقع في كثير من أبواب الفقه من ذكر قواعد يطردونها في جميع
المسائل ويظنون أنها من قواعد الشرع الثابتة بقطعيات الشريعة ومن كشف عن
ذلك وجد أكثرها مبنيا عل محض الرأي الذي ليس عليه إثارة من علم ولا يرجع
إلى شئ من الشرع
ومن خفى عليه هذا فليعلم أن قصوره وعدم اشتغاله بالعلم هو الذي جنى عليه
وغره بما لا يغتر به من عض على العلم بناجذه وكشف عن الأمور كما ينبغي
فعلى من أراد الوصول إلى الحق والتمسك بشعار الإنصاف أن يكشف عن هذه
الأمور فإنه إذا فعل ذلك هان عليه الخطب ولم يحل بينه وبين الحق ما ليس من
الحق
عدم الموضوعية في عرض حجج الخصوم
ومن أسباب الوقوع في غر الإنصاف والتمسك بذيل من الاعتساف أن يأخذ طالب
الحق أدلة المسائل من مجاميع الفقه التي يعتزى مؤلفها إلى مذهب من المذاهب
فإن من كان كذلك يبالغ في إيراد أدلة مذهبه ويطيل ذيل الكلام عليها ويصرح
تارة بأنها أدلة وتارة بأنها حجج وتارة بأنها صحيحة ثم يطفف لخصمه المخالف
فيورد أدلته بصيغة التمريض ويعنونها بلفظ الشبه وما يؤذي هذا المعنى
فإذا اقتصر طالب الحق على النظر في مثل هذه المؤلفات وقع في الباطل وهو
يظنه الحق وخالف الحق وهو يظنه الباطل والذي أوقعه في ذلك
ُ اقتصاره في البحث والنظر على ذلك الكتاب
الذي ألفه ذلك المعتصب وإحسان الظن به وغفوله عن أن مواطن الأدلة هي
مجاميع الحديث كالأمهات وما يلتحق بها وأن هؤلاء هم أهل العلم وأربابه
الذين يعرفون صحيحة من فاسده كما قدمنا الإشارة إلى هذا
ولا بأس بأن ينظر طالب الحق في كتب العلماء المشهورين بالإنصاف الذين لم
يتعصبوا لمذهب من المذاهب ولا انتسبوا إلى عالم من العلماء فإنه يستفيد
بمطالعة مؤلفات المصنفين كيفية العمل عند التعارض ويهتدي إلى مواقع
الترجيح ومواطن ما يحق الاجتهاد على الوجه المطابق
وهكذا كتب الكلام وأصول الفقه فإن كل طائفة تصنع هذا الصنع في الغالب فتصف
ما يوافق مذهبها بالحجج القواطع والأدلة الراجحة وتطفف للمخالف فتورد له
ما لا يعجزون عن جوابه ودفعه ويتركون ما لا يتمكنون من دفعه وقد يذكرونه
على وجه فيه مدخل للدفع ويلصقون به ما يفتح فيه أبواب المقال
فليحذر المصنف من الركون على ما يورده المتذهبون لأنفسهم ولخصومهم من
الحجج فإنه قد علق بكل طائفة من العداوة للأخرى ما يوجب عدم القبول من
بعضهم في بعض
وبالجملة فليبس المتعصب بأهل لأن يؤخذ الحق من مؤلفاته فإذا إذا لم ينتفع
بالعلم ويهتدي بما علف منه فكيف يهتدي به غيره أو يتوصل بما جمعه إلى ما
هو الحق فالمصاب بالعمى لا يقود الأعمى فإن فعل كانت ظلمات بعضها فوق بعضه
والمريض لا يداوي من هو مصاب مثل مرضه ولو كان صادقا فيما يزعمه من اقتدار
على المداواة كانت نفسه التي بين جنبيه أحق بذاك منه
تقليد المتعصبين من علماء الجرح والتعديل
ومن جملة الأسباب المانعة من الإنصاف التقليد في علم الجرح والتعديل لمن
فيه عصبية من المصنفين فيه كما يجده اللبيب كثيرا فإنه إذا تصدى لذلك بعض
المصابين بالتقليد كان العدل عنده من يوافقه في مذهبه الذي يعتقده
والمجروح من خالفه كائنا من كان
ومن خفى عليه فلينظر ما في مصنفات الحفاظ بعد انتشار المذاهب وتقيد الناس
بها وكذلك ما في كتب المؤرخين
فإن الموافقة في المذهب حاملة على ترك التعرض لموجبات الجرح وكتم الأسباب
المقتضية لذلك فإن وقع التعرض لشئ منها نادرا أكثر المصنف من التأويلات
والمراوغات والتعسفات الموجبة لدفع كون ذلك الخارج خارجا
وإن كان الكلام على أحوال المخالفات كان الأمر بالعكس من ذلك فالفضائل
مغموطة والرذائل منشورة من غير تأويل ولا إحسان ظن
وبالجملة فالاهتمام في الموافق بذكر المناقب دون المثالب وفي المخالف
بالعكس من ذلك ولا أقول إنهم يتعمدون الكذب ويكتمون الحق فهم أعلى قدرا
وأشد تورعا من ذلك ولكن رسخ في قلوبهم حب مذاهبهم فأحسنوا الظن بأهلها
فتسبب عن ذلك ما ذكرنا ولم يشعروا بأن هذا الصنيع من أشد التعصب وأقبح
الظلم بل ظنوا أن ذلك من نصرة الدين ورفع منار المحقين ووضع أمر المبطلين
غفلة منهم وتقليدا
وقد يقع ذلك بين أهل المذهب الواحد مع اتفاقهم في التقليد لإمام واحد
واعتقادهم بمعتقد واحد فإذا تصدى أحدهم لتراجم أهل مذهبه أطال ذيل الكلام
عند ذكر شيوخه وتلامذته بكل ما يقدر عليه وكذلك يوسع نطاق المقام عند
ترجمته لمن عليه أي يد كانت فإذا ترجم غير شيوخه وتلامذته وأهل مودته طفف
لهم تطفيفا وأوسعهم ظلما وحيفا
وإذا كان هذا مع الاتفاق في المذهب والمعتقد فما ظنك بما يكون مع
الاختلاف في المذهب والاتفاق في التسمي باسم
واحد إما باعتبار الاعتقاد أو باعتبار أمر آخر كأهل المذاهب الأربعة فإنهم
اختلفوا في المذاهب مع اتفاقهم على أنهم أهل السنة واشتراك غالبهم في
اعتقاد قول الأشعري فإن دائرة الأهوية حينئذ تتسع ومحبة العصبية تكثر كما
تراه كثيرا في تراجم بعضهم لبعض خصوصا فيما بين الحنابلة ومن عداهم من أهل
المذاهب الأربعة وكذلك فيما بين الحنفية ومن عداهم ومن نظر في ذلك بعين
الإنصاف علم بالصواب
دع عنك ما يقع مع الاختلاف في المذاهب والمعتقدات فإنه يبلغ الأمر إلى
عداوة فوق عداوة أهل الملل المختلفة
فطالب بالإنصاف لا يلتفت إلى شيء مما يقع من الجرح والتعديل بالمذاهب
والنحل فيقبلون جميعا إلا أن يكون ما جاء به المتذهب مقويا لبدعته أو كان
على مذهب لا يرى بالكذب فيه بأسا كما هو عند غلاة الرافضة وأما ما عدى
الجرح والتعديل بالمذاهب والمعتقدات فإن كان المتكلم في ذلك بريئا عن
المتذهب والتعصب كما يروى عن السلف قبل انتشار المذاهب فاحرص عليه واعمل
به على اعتبار صحة الرواية وصدوره في الواقع وأما باعتبار كونه جارحا أو
غير جارح فذلك مفوض إلى نظر المجتهد
والذي ينبغي التعويل عليه أن القادح إن كان يرجع إلى أمر يتعلق بالرواية
كالكذب فيها وضعت الحفظ والمجازفة فهذا هو القادح المعتبر وإن كان يرجع
إلى شيء آخر فلا اعتداد به وإن كان المتكلم متلبسا بشيء من هذه المذاهب
فهو مقبول في جرح من يجرحه من الموافقين له وتزكية من يزكيه من المخالفين
له وأما ما جاء بما يقتضي تعديل الموافق وجرح المخالف فهذا مما ينبغي
التوقف فيه حتى يعرف من طريق غيره أو يشتهر اشتهارا يقبله سامعه
ومن جملة أسباب التعصب التي لا يشعر بها كثير من المشتغلين بالعلوم ما
يذكره كثير من المصنفين من أنه يرد ما خالف القواعد المقررة
فإن من لا عناية له بالبحث يسمع هذه المقالة ويرى ما صنعه كثير من
المصنفين من رد الأدلة من الكتاب والسنة إذا خالف تلك القاعدة فيظن أنها
في اللوح المحفوظ فإذا كشفها وجدها في الغاب كلمة تكلم بها بعض من يعتقده
الناس من أهل العلم الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى لا مستند لها إلا محض
الرأي وبحت ما يدعى من دلالة العقل
وليس إلا مجرد الدعوى على العقل وهو عنه برئ فإنه لم يقض بذلك العقل الذي
خلقه الله في عباده بل قضى به عقل قد تدنس بالبدع وتكدر بالتعصب وابتلى
بالجهل بما جاء به الشرع وجاء بعده من هو أشد بلاء منه واسخف عقلا وأقل
علما وأبعد عن الشرع فجعل ذلك قاعدة عقلية ضرورية فدفع بها جميع ما جاء عن
الشارع عرف هذا من عرفه وجهله من جهله ومن لم يعرف هذا فليتهم نفسه فيا
لله العجيب من مزية يفتريها على العقل بعض من حرم علم الشرع ثم يأتي من
بعده فيجعلها أصولا مقررة وقواعد محررة ويؤثرها على قول الله عز وجل وقول
الأنبياء
وهكذا تجد في علم أصول الفقه قاعدة قد أخذها الآخر عن الأول وتلقنها الخلف
عن السلف وبنوا عليها القناطر وجعلوها إماما لأدلة الكتاب والسنة يجيزون
ما أجازته ويردون ما ردته وليست من قواعد اللغة الكلية ولا من القوانين
الشرعية بل لا يستند لها إلا الخيال المختل والظن الفاسد والرأي البحت ومع
هذا فهم يزعمون أن هذا العلم لا تقبل فيه إلا الأدلة القطعية دعوى ظاهرة
البطلان واضحة الفساد فإن غالبها لا يوجد عليه دليل من الآحاد صحيح ولا
حسن بل لا يوجد أحادي ضعيف وغالب ما يوجد الموضوعات التي لا يمترى من له
حظ من العلم في كذبها كاستدلالهم بمثل حكمي على الواحد حكمي على الجماعة
وبمثل نحن نحكم بالظاهر ونحو هذه الأكاذيب
فالمغرور من اغتر بهذه الدلس والمخدوع من خدع بها وترقى بها من
وكثيرا ما تجد في علم الكلام الذي يسمونه أصول الدين قاعدة قد تقررت بينهم
واشتهرت وتلقنها الآخر من الأول وخطوها جسرا يدفعون بها الآيات القرآنية
والأحاديث النبوية فإذا كشفت عنها وجدتها في الأصل كلمة قالها بعض حكماء
الكلام زاعما أنه يقتضي ذلك العقل ويستحسنه
كونها موضوعة إلى كونها صحيحة ثم من كونها
صحيحة إلى كونها قطعية
فيا لله العجب من نفاق مثل هذه الأمور على كثير من أهل العلم وانقراض
القرن بعد القرن والعصر بعد العصر وهي عندهم مسائل قطعية وقواعد مقررة
والذنب لمن تكلم بها وذكرها في مؤلفاته ولم يقف حيث أوقفه الله من جهله
بما جاء في الشريعة
وهكذا ما وقع في كثير من أبواب الفقه من ذكر قواعد يطردونها في جميع
المسائل ويظنون أنها من قواعد الشرع الثابتة بقطعيات الشريعة ومن كشف عن
ذلك وجد أكثرها مبنيا عل محض الرأي الذي ليس عليه إثارة من علم ولا يرجع
إلى شئ من الشرع
ومن خفى عليه هذا فليعلم أن قصوره وعدم اشتغاله بالعلم هو الذي جنى عليه
وغره بما لا يغتر به من عض على العلم بناجذه وكشف عن الأمور كما ينبغي
فعلى من أراد الوصول إلى الحق والتمسك بشعار الإنصاف أن يكشف عن هذه
الأمور فإنه إذا فعل ذلك هان عليه الخطب ولم يحل بينه وبين الحق ما ليس من
الحق
عدم الموضوعية في عرض حجج الخصوم
ومن أسباب الوقوع في غر الإنصاف والتمسك بذيل من الاعتساف أن يأخذ طالب
الحق أدلة المسائل من مجاميع الفقه التي يعتزى مؤلفها إلى مذهب من المذاهب
فإن من كان كذلك يبالغ في إيراد أدلة مذهبه ويطيل ذيل الكلام عليها ويصرح
تارة بأنها أدلة وتارة بأنها حجج وتارة بأنها صحيحة ثم يطفف لخصمه المخالف
فيورد أدلته بصيغة التمريض ويعنونها بلفظ الشبه وما يؤذي هذا المعنى
فإذا اقتصر طالب الحق على النظر في مثل هذه المؤلفات وقع في الباطل وهو
يظنه الحق وخالف الحق وهو يظنه الباطل والذي أوقعه في ذلك
ُ اقتصاره في البحث والنظر على ذلك الكتاب
الذي ألفه ذلك المعتصب وإحسان الظن به وغفوله عن أن مواطن الأدلة هي
مجاميع الحديث كالأمهات وما يلتحق بها وأن هؤلاء هم أهل العلم وأربابه
الذين يعرفون صحيحة من فاسده كما قدمنا الإشارة إلى هذا
ولا بأس بأن ينظر طالب الحق في كتب العلماء المشهورين بالإنصاف الذين لم
يتعصبوا لمذهب من المذاهب ولا انتسبوا إلى عالم من العلماء فإنه يستفيد
بمطالعة مؤلفات المصنفين كيفية العمل عند التعارض ويهتدي إلى مواقع
الترجيح ومواطن ما يحق الاجتهاد على الوجه المطابق
وهكذا كتب الكلام وأصول الفقه فإن كل طائفة تصنع هذا الصنع في الغالب فتصف
ما يوافق مذهبها بالحجج القواطع والأدلة الراجحة وتطفف للمخالف فتورد له
ما لا يعجزون عن جوابه ودفعه ويتركون ما لا يتمكنون من دفعه وقد يذكرونه
على وجه فيه مدخل للدفع ويلصقون به ما يفتح فيه أبواب المقال
فليحذر المصنف من الركون على ما يورده المتذهبون لأنفسهم ولخصومهم من
الحجج فإنه قد علق بكل طائفة من العداوة للأخرى ما يوجب عدم القبول من
بعضهم في بعض
وبالجملة فليبس المتعصب بأهل لأن يؤخذ الحق من مؤلفاته فإذا إذا لم ينتفع
بالعلم ويهتدي بما علف منه فكيف يهتدي به غيره أو يتوصل بما جمعه إلى ما
هو الحق فالمصاب بالعمى لا يقود الأعمى فإن فعل كانت ظلمات بعضها فوق بعضه
والمريض لا يداوي من هو مصاب مثل مرضه ولو كان صادقا فيما يزعمه من اقتدار
على المداواة كانت نفسه التي بين جنبيه أحق بذاك منه
تقليد المتعصبين من علماء الجرح والتعديل
ومن جملة الأسباب المانعة من الإنصاف التقليد في علم الجرح والتعديل لمن
فيه عصبية من المصنفين فيه كما يجده اللبيب كثيرا فإنه إذا تصدى لذلك بعض
المصابين بالتقليد كان العدل عنده من يوافقه في مذهبه الذي يعتقده
والمجروح من خالفه كائنا من كان
ومن خفى عليه فلينظر ما في مصنفات الحفاظ بعد انتشار المذاهب وتقيد الناس
بها وكذلك ما في كتب المؤرخين
فإن الموافقة في المذهب حاملة على ترك التعرض لموجبات الجرح وكتم الأسباب
المقتضية لذلك فإن وقع التعرض لشئ منها نادرا أكثر المصنف من التأويلات
والمراوغات والتعسفات الموجبة لدفع كون ذلك الخارج خارجا
وإن كان الكلام على أحوال المخالفات كان الأمر بالعكس من ذلك فالفضائل
مغموطة والرذائل منشورة من غير تأويل ولا إحسان ظن
وبالجملة فالاهتمام في الموافق بذكر المناقب دون المثالب وفي المخالف
بالعكس من ذلك ولا أقول إنهم يتعمدون الكذب ويكتمون الحق فهم أعلى قدرا
وأشد تورعا من ذلك ولكن رسخ في قلوبهم حب مذاهبهم فأحسنوا الظن بأهلها
فتسبب عن ذلك ما ذكرنا ولم يشعروا بأن هذا الصنيع من أشد التعصب وأقبح
الظلم بل ظنوا أن ذلك من نصرة الدين ورفع منار المحقين ووضع أمر المبطلين
غفلة منهم وتقليدا
وقد يقع ذلك بين أهل المذهب الواحد مع اتفاقهم في التقليد لإمام واحد
واعتقادهم بمعتقد واحد فإذا تصدى أحدهم لتراجم أهل مذهبه أطال ذيل الكلام
عند ذكر شيوخه وتلامذته بكل ما يقدر عليه وكذلك يوسع نطاق المقام عند
ترجمته لمن عليه أي يد كانت فإذا ترجم غير شيوخه وتلامذته وأهل مودته طفف
لهم تطفيفا وأوسعهم ظلما وحيفا
وإذا كان هذا مع الاتفاق في المذهب والمعتقد فما ظنك بما يكون مع
الاختلاف في المذهب والاتفاق في التسمي باسم
واحد إما باعتبار الاعتقاد أو باعتبار أمر آخر كأهل المذاهب الأربعة فإنهم
اختلفوا في المذاهب مع اتفاقهم على أنهم أهل السنة واشتراك غالبهم في
اعتقاد قول الأشعري فإن دائرة الأهوية حينئذ تتسع ومحبة العصبية تكثر كما
تراه كثيرا في تراجم بعضهم لبعض خصوصا فيما بين الحنابلة ومن عداهم من أهل
المذاهب الأربعة وكذلك فيما بين الحنفية ومن عداهم ومن نظر في ذلك بعين
الإنصاف علم بالصواب
دع عنك ما يقع مع الاختلاف في المذاهب والمعتقدات فإنه يبلغ الأمر إلى
عداوة فوق عداوة أهل الملل المختلفة
فطالب بالإنصاف لا يلتفت إلى شيء مما يقع من الجرح والتعديل بالمذاهب
والنحل فيقبلون جميعا إلا أن يكون ما جاء به المتذهب مقويا لبدعته أو كان
على مذهب لا يرى بالكذب فيه بأسا كما هو عند غلاة الرافضة وأما ما عدى
الجرح والتعديل بالمذاهب والمعتقدات فإن كان المتكلم في ذلك بريئا عن
المتذهب والتعصب كما يروى عن السلف قبل انتشار المذاهب فاحرص عليه واعمل
به على اعتبار صحة الرواية وصدوره في الواقع وأما باعتبار كونه جارحا أو
غير جارح فذلك مفوض إلى نظر المجتهد
والذي ينبغي التعويل عليه أن القادح إن كان يرجع إلى أمر يتعلق بالرواية
كالكذب فيها وضعت الحفظ والمجازفة فهذا هو القادح المعتبر وإن كان يرجع
إلى شيء آخر فلا اعتداد به وإن كان المتكلم متلبسا بشيء من هذه المذاهب
فهو مقبول في جرح من يجرحه من الموافقين له وتزكية من يزكيه من المخالفين
له وأما ما جاء بما يقتضي تعديل الموافق وجرح المخالف فهذا مما ينبغي
التوقف فيه حتى يعرف من طريق غيره أو يشتهر اشتهارا يقبله سامعه
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى