لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب اداب الطلب ومنتهى الادب الجزء الثالث Empty كتاب اداب الطلب ومنتهى الادب الجزء الثالث {السبت 4 يونيو - 15:48}

المنافسة بين الأقران بلا تبصر


ومن الأسباب المانعة من الإنصاف ما يقع من المنافسة بين المتقاربين في
الفضائل أو في الرئاسة الدينية أو الدنيوية فإنه إذا نفخ الشيطان في
أنفهما وترقت المنافسة بلغت إلى حد يحمل كل واحد منهما على أن يرد ما جاء
به الآخر إذا تمكن من ذلك وإن كان صحيحا جاريا على منهج الصواب
وقد رأينا وسمعنا من هذا القبيل عجائب صنع فيها جماعة من أهل العلم صنيع
أهل الطاغوت وردوا ما جاء به بعضهم من الحق وقابلوه بالجدال الباطل
والمراء القاتل
وإني لأذكر أيام اشتغال الطلبة بالدرس علي في كثير من العلوم وكنت أجيب عن
مسائل ترد علي يحررها الطلبة ويحررها غيرهم من أهل العلم من أمكنة قريبة
وبعيدة فكان يتعصب على تلك الأجوبة جماعة من المشاركين لي في تدريس الطلبة
في علوم الاجتهاد وغيرها
وقد يسلكون مسلكا غير هذا فيقع منهم الإيهمام على العوام بمخالفة ذلك
الكلام لما يقوله من يعتقدون قوله من الأموات فينشأ عن ذلك فتن عظيمة
وحوادث جسيمة
وكان بعض نبلائهم يكتب على بعض ما أكتبه ثم يهديه إلى السائل وإن كان في
بلد بعيد من دون أن يقصده بسؤال ولا طلب منه تعقب ما أجبت به من المقال
وقد أقف على شيء من ذلك فأجده في غاية من الإعتساف فأتعقبه تعقبا فيه كشف
عواره وإيضاح بواره وقد ينضم إلى ذلك كلمات والاستشهاد بأبيات اقتضاها
الشباب والنشاط واشتعال الغضب لما أراه من التعصب والمنافسة على ما ليس
فيه اختيار فإن ورود سؤالات السائلين إلي من العامة والخاصة وانثيال
المستفتين من كل جهة لم يكن بسعي مني ولا احتيال وكذلك اجتماع نبلاء
الطلبة لدي وأخذهم عني وتعدد دروسهم عندي ليس لي فيه حيلة ولا هو من جهتي



فإذا كان هذا في المشتركين في التدريس والأفتى وهما خارجان عن مناصب
الدنيا لأنهما في ديارنا لا يقابلان بشيء من الدنيا لا من سلطان ولا من
غيره من نوع الإنسان فما بالك بالرئاسات التي لها مدخل في الدين والدنيا
أو التي هي خاصة بالدنيا متمحضة لها فإنه لا شك أن التنافس بين أهلها أهم
من الرئاسات الدينية المحضة التي لم تشب بشيء من شوائب الدنيا
فينبغي للمنصف أن لا يغفل عن هذا السبب فإن النفس قد تنقبض عن كلام من كان
منافسا في رتبة معارضا في فضيلة وإن كان حقا وقد يحصل مع الناظر فيه زيادة
على مجرد الانقباض فيتكلم بلسانه أو يحرر بقلمه ما فيه معارضة للحق ودفع
للصواب فيكون مؤثرا لحمية الجاهلية وعصبية الطاغوت على الشريعة المطهرة
وكفى بهذا فإنه من الخذلان البين نسأل الله الهداية إلى سبيل الرشاد

فكان هذا الصنع منهم يحملني على مجاوبتهم بما لا يعجبني بعد الصحو من سكر
الحداثة والقيام من رقدة الشباب لا لكونه غير حق أو ليس بصواب بل لكون فيه
من سهام الملام وصوارم الخصام ما لا يناسب هذا المقام

التباس ما هو من الرأي البحث بشيء من العلوم التي هي
مواد الاجتهاد



ومن أسباب التعصب الحائلة بين من أصيب بها وبين المتمسك بالإنصاف التباس
ما هو من الرأي البحث بشيء من العلوم التي هي مواد الاجتهاد
وكثيرا ما يقع ذلك في أصول الفقه فإنه قد اختلط فيها المعروف بالمنكر
والصحيح بالفاسد والجيد بالرديء فربما يتكلم أهل العلم على مسائل من مسائل
الرأي ويحررونها ويقررونها وليست منه في شي ولا تعلق لها به بوجه فيأتي
الطالب لهذا العلم إلى تلك المسائل فيعتقد أنها منه فيرد

إليها المسائل الفروعية ويرجع إليها عند
تعارض الأدلة ويعمل بها في كثير من المباحث زاعما أنها من أصول الفقه
ذاهلا عن كونها من علم الرأي ولو علم بذلك لم يقع فيه ولا ركن إليه فيكون
هذا وأمثاله قد وقعوا في التعصب وفارقوا مسلك الإنصاف ورجعوا إلى علم
الرأي وهم لا يشعرون بشيء من ذلك ولا يفطنون به بل يعتقدون أنهم متشبثون
بالحق متمسكون بالدليل واقفون على الإنصاف خارجون عن التعصب
وقل من يسلم من هذه الدقيقة وينجو من غبار هذه الأعاصير بل هم أقل من
القليل وما أخطر ذلك وأعظم ضرره وأشد تأثيره وأكثر وقوعه وأسرع نفاقه على
أهل الإنصاف وأرباب الاجتهاد
فإن قلت إذا كان هذا السبب كما زعمت من الغموض والدقة ووقوع كثير من
المنصفين فيه وهم لا يشعرون فما أحقه بالبيان وأولاه بالإيضاح وأجرده
بالكشف حتى يتخلص عنه الواقعون فيه وينجوا منه المتهافتون إليه
قلت اعلم أن ما كان من أصول الفقه راجعا إلى لغة العرب رجوعا ظاهرا مكشوفا
كبناء العام على الخاص وحمل المطلق على المقيد ورد المجمل إلى المبين وما
يقتضيه الأمر والنهي ونحو هذه الأمور فالواجب على المجتهد أن يبحث عن
مواقع الألفاظ العربية وموارد كلام أهلها وما كانوا عليه في مثل ذلك فما
وافقه فهو الأحق بالقبول والأولى بالرجوع إليه
فإذا اختلف أهل الأصول في شيء من هذه المباحث كان الحق بيد من هو أسعد
بلغة العرب هذا على فرض عدم وجود دليل شرعي يدل على ذلك فإن وجد فهو
المقدر على كل شيء
وإذا أردت الزيادة في البيان والتكثر من الإيضاح بضرب من التمثيل وطرق من
التصوير فاعلم أنه قد وقع الخلاف في أنه هل يبنى العام على الخاص مطلقا أو
مشروطا بشرط أن يكون الخاص متأخرا



ووقع الخلاف في أنه هل يحمل المطلق على
المقيد مع اختلاف السبب أم لا
ووقع الخلاف في معنى الأمر الحقيقي هل هو الوجوب أم غيره
ووقع الخلاف في معنى النهي الحقيقي هل هو التحريم أو غيره
فإذا أردت الوقوف على الحق في بحث من هذه الأبحاث فانظر في اللغة العربية
واعمل على ما هو موافق لها مطابق لما كان عليه أهلها واجتنب ما خالفها فإن
وجدت ما يدل على ذلك من أدلة الشرع كما تقف عليه في الأدلة الشرعية من كون
الأمر يفيد الوجوب والنهي يفيد التحريم فالمسألة أصولية لكونها قاعدة كلية
شرعية لكون دليلها شرعيا كما أن ما يستفاد من اللغة من القواعد الكلية
أصولية لغوية
فهذه المباحث وما يشابهها من مسائل النسخ ومسائل المفهوم والمنطوق الراجعة
إلى لغة العرب المستفادة منها على وجه يكون قاعدة كلية هي مسائل الأصول
والمرجع لها الذي يعرف به راجحها من مرجوحها هو العلم الذي هي مستفادة منه
مأخوذة من موارده ومصادره
وأما مباحث القياس فغالبها من بحث الرأي الذي لا يرجع إلى شيء مما تقوم به
الحجة وبيان ذلك أنهم جعلوا للعلة مسالك عشرة لا تقوم الحجة بشيء منها إلا
ما كان راجعا إلى الشرع كمسلك النص على العلة أو ما كان معلوما من لغة
العرب كالإلحاق بمسلك إلغاء الفارق وكذلك قياس الأولى المسمى عند البعض
بفحوى الخطاب
وأما المباحث التي يذكرها أهل الأصول في مقاصده كما فعلوه في مقصد الكتاب
ومقصد السنة والإجماع فما كان من تلك المباحث الكلية مستفادا من أدلة
الشرع فهو أصولي شرعي وما كان مستفادا من مباحث اللغة فهو أصولي لغوي وما
كان مستفادا من غير هذين فهو من علم الرأي الذي



كررنا عليك التحذير منه ومن المقاصد
المذكورة في الكتب الأصولية التي هي من محض الرأي الاستحسان والاستصحاب
والتلازم
وأما المباحث المتعلقة بالاجتهاد والتقليد وشرع من قبلنا والكلام على
أقوال أصحابه فهي شرعية فما انتهض عليه دليل الشرع منها فهو حق وما خالفه
فباطل
وأما المباحث المتعلقة بالترجيح فإن كان المرجح مستفادا من الشرع فهو شرعي
وإن كان مستفادا من علم من العلوم المدونة فالاعتبار بذلك العلم فإن كان
له مدخل في الترجيح كعلم اللغة فإنه مقبول وإن كان لا مدخل له إلا لمجرد
الدعوى كعلم الرأي فإنه مردود
وإذا تقرر هذا ظهر لك منه فائدتان
الأولى إرشادك إلى أن بعض ما دون أهل الأصول في الكتب الأصولية ليس من
الأصول في شيء بل هو من علم الرأي الذي هو عن الشرع وما يتوصل إليه به من
العلوم بمعزل
الثانية إرشادك إلى العلوم التي تستمد منها المسائل المدونة في الأصول
لترجع إليها عند النظر في تلك المسائل حتى تكون على بصيرة ويصفو لك هذا
العلم ويخلص عن مشوب الكذب
فإن قلت إذا كان الأمر كما ذكرته فما تقول فيما يزعمه أهل الأصول من أنه
لا يقبل في إثبات مسائله إلا الأدلة القطعية
قلت هذه دعوى منهم يكذبها العمل ويدفعها ما دونوه في هذا العلم



من أدلة مسائله
فإن قلت إذا كان استمداد هذا العلم عندهم من الكلام والعربية والأحكام كما
صرحوا به فليس ذلك دعوى مجردة فإنهم قد صرحوا في علم الكلام بأنه لا يقبل
في إثبات مسائله إلا الأدلة القطعية وصرحوا في الكلام على نقل اللغة أنها
لا تثبت بالآحاد وإذا كان ما منه الاستمداد مثبتا ببراهين قطعية كان ما
استمد منه مثله في ذلك
قلت هذه دعوى على دعوى وظلمات بعضها فوق بعض أما علم الكلام فغالب مسائله
مبنية على مجرد الدعاوي على العقل التي هي كسراب بقيعة إذا جاءه طالب
الهداية لم يجد شيئا وقد قدمنا الإشارة إلى هذا وأما ما كان من مسائله
مأخوذا من الشرع فهي مسائل شرعية ولا فرق بين شرعي وشرعي من هذه الحيثية
وأما اللغة فقد وقع الخلاف بين أهل العلم هل يشترط في إثباتها أن يكون
النقل متواترا أم لا والحق بيد من لم يثبت هذا الشرط فإن سابق المشتغلين
بنقل علم اللغة ولاحقهم قد رأيناهم يثبتونها لمجرد وجود الحرف في بيت من
أبيات شعرائهم وكلمة من كلمات بلغائهم ومن أنكر هذا فهو مكابر لا يستحق
تطويل الكلام معه






كيفية الوصول إلى مراتب العلم الختلفة



طبقات طلاب العلم



كيفية الوصول إلى المرتبة الأولى للعلم



كيفية الوصول إلى المرتبة الثانية



كيفية الوصول إلى المرتبة الثالثة



كيفية الوصول إلى المرتبة الرابعة






كيفية الوصول إلى مراتب العلم المختلفة


إذ قد انتهى بنا الكلام في بيان الأسباب المانعة من الإنصاف إلى هذه
الغاية وتغلغل بنا البحث إلى ذكر ما ذكرناه من تلك الدقائق التي ينبغي لكل
عالم ومتعلم أن تكون نصب عينيه في إقدامه وإحجامه وأن تكون ثابتة في تصوره
في جميع أحواله وما أحقها بذلك وأولاها بالحرص على ما هنالك فإنها فوائد
لا توجد في كتاب وفرائد لا يخلو أكثرها عن قوة كثير من المرشدين المحققين
وإن حال بينهم وبين إبرازها إلى الفعل حجاب
فلنتكلم الآن على ما ينبغي لطالب العلم أن يتعلمه من العلوم
طبقات طلاب العلم


فأقول إنها لما كانت تتفاوت المطالب في هذا الشأن وتتباين المقاصد بتفاوت
همم الطالبين وأغراض القاصدين فقد ترتفع همة البعض منهم فيقصد البلوغ إلى
مرتبة في الطلب لعلم الشرع ومقدما لها يكون عند تحصيلها إماما مرجوعا إليه
مستفادا منه مأخوذا بقوله مدرسا مفتيا مصنفا
وقد تقصر همته عن هذه الغاية فتكون غاية مقصده ومعظم مطلبه ونهاية رغبته
أن يعرف ما طلبه منه الشارع من أحكام التكليف والوضع على وجه يستقل فيه
بنفسه ولا يحتاج إلى غيره من دون أن يتصور البلوغ إلى ما تصوره أهل الطبقة
الأولى من تعدي فوائد معارفهم إلى غيرهم والقيام في مقام أكابر الأئمة
ونحارير هذه الأمة
وقد يكون نهاية ما يريده وغاية ما يطلبه أمرا دون أهل الطبقة الثانية وذلك
كما يكون من جماعة يرغبون إلى إصلاح ألسنتهم وتقويم أفهامهم بما يقتدرون
به على فهم معاني ما يحتاجون إليه من الشرع وعدم تحريفه وتصحيفه وتغيير
إعرابه من دون قصد منهم إلى الاستقلال بل يعزمون

على التعويل على السؤال عند عروض التعارض
والاحتياج إلى الترجيح
فهذه ثلاث طبقات للطلبة من المتشرعين الطالبين للاطلاع على ما جاء في
الكتاب والسنة إما كلا أو بعضا بحسب اختلاف المقاصد وتفاوت المطالب
وثم طبقة رابعة يقصدون الوصول إلى علم من العلوم أو علمين أو أكثر لغرض من
الأغراض الدينية والدنيوية من دون تصور الوصول إلى علم الشرع
فكانت الطبقات أربع
وينبغي لمن كان صادق الرغبة قوي الفهم ثاقب النظر عزيز النفس شهد الطبع
عالي الهمة سامي الغريزة أن لا يرضى لنفسه بالدون ولا يقنع بما دون الغاية
ولا يقعد عن الجد والاجتهاد المبلغين له إلى أعلى ما يراد وأرفع ما يستفاد
فإن النفوس الأبية والهمم العلية لا ترضى بدون الغاية في المطالب الدنيوية
من جاه أو مال أو رئاسة أو صناعة أو حرفة حتى قال قائلهم
( إذا غامرت في شرف مدوم ** فلا تقنع بما دون النجوم )
( فطعم الموت في أمر حقير ** كطعم الموت في أمر عظيم )
وقال آخر مشيرا إلى هذا المعنى
( إذا لم تكن ملكا مطاعا ** فكن عبدا لخالقه مطيعا )
( وإن لم تملك الدنيا جميعا ** كما تهواه فاتركها جميعا )
( هما شيئان من ملك ونسك ** ينيلان الفتى شرفا رفيعا )
وقال آخر
( فإما مكانا يضرب النجم دونه ** سرادقه أو باكيا لحمام )
وقد ورد هذا المعنى كثيرا في النظم والنثر وهو المطلب الذي تنشط إليه
الهمم الشريفة وتقبله النفوس العلية





وقصر الخشية له التي هي سبب الفوز لديه عليهم فقال ( ^ إنما يخشى الله من
عباده العلماء )
وأخبره عباده بأنه يرفع علماء أمته درجات فقال ( ^ يرفع الله الذين آمنوا
منكم والذين أوتوا العلم درجات )
وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن العلماء ورثة الأنبياء
وناهيك بهذه المزية الجليلة والمنقبة النبيلة فأكرم بنفس تطلب غاية
المطالب في أشرف المكاسب وأحبب برجل أراد من الفضائل ما لا تدانيه فضيلة
ولا تساميه منقبة ولا تقاربه مكرمة فليس بعد ما يتصوره أهل الطبقة الأولى
متصور فإن نالوه على الوجه الذي تصوروه فقد ظفروا من خير العاجلة والآجلة
وشرف الدنيا والآخرة بما لا يظفر به إلا من صنع صنيعهم ونال نيلهم وبلغ
مبالغهم وإن اخترمهم دونه مخترم وحال بينهم وبينه حائل فقد أعذروا وليس
على من طلب جسميا ورام أمرا عظيما

وإذا كان هذا شأنهم في الأمور الدنيوية التي هي سريعة الزوال قريبة
الاضمحلال فكيف لا يكون ذلك من مطالب المتوجهين إلى ما هو أشرف مطلبا
وأعلى مكسبا وأربع مرادا وأجل خطرا وأعظم قدرا وأعود نفعا وأتم فائدة وهي
المطالب الدينية مع كون العلم أعلاها وأولاها بكل فضيلة وأجلها وأكملها في
حصول المقصود وهو الخير الأخروي فإن الله سبحانه قد قرن العلماء في كتابه
بنفسه وملائكته فقال ( ^ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا
العلم )
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب اداب الطلب ومنتهى الادب الجزء الثالث Empty رد: كتاب اداب الطلب ومنتهى الادب الجزء الثالث {السبت 4 يونيو - 15:49}


إن منعته عنه الموانع وصرفته عنه الصوارف من
بأس وما أحسن ما قاله الشريف الرضي الموسوي
( لا بد أن أركبها صعبة ** وقاحة تحت علام وقاح )
( اجهدها أو تنثني بالردا ** دون الذي أملت أو بالنجاح )
أما فتى نال المنى فاشتفي ** أو بطل ذاق الردى فاستراح )
وكنت في أيام الطلب وعصر الشباب قد نظمت قصيدة في هذا المعنى على هذا
النمط أذكر منها الآن أبياتا هي
( قد أتعب السير رحالي وقد ** آن لها بعد الوحى أن تراح )
( فما يهاب العتب من فاز من ** غاية أمنيته بالنجاح )
سعى فلما ظفرت بالمنى ** يمينه ألقى العصى واستراح )
فيا أيها العالم الصعلوك قد ظفرت برتبة أرفع من رتب الملوك ونلت من
المعالي أعلاها ومن المناقب والفضائل أولاها بالشرف وأولاها فإن كل
المعالي الدنيوية وإن تناهت فليست باعتبار المعالي العلمية والشرف الحاصل
بها في ورد ولا صدر
فإنه يحصل للعالم أولا وبالذات الفوز بالنعيم الأخروي الدائم السرمدي الذي
لا تعدل منه الدنيا بأسرها قيد شرط بل مقدار سوط
ويحصل له ثانيا وبالعرض من شرف الدنيا ما يصغر عنده كل شرف ويتقاصر دونه
كل مجد ويتضاءل لديه كل فخر وإن من فهم مقدار ما في العلوم من العلو كان
عند نفسه أعز قدرا وأعلى محلا وأجل رتبة من الملوك



وإن كان متضايق المعيشة يركب نعليه ويلبس
طمريه وقلت في هذا المعنى من أبيات
( قد كنت ذا طمرين أمرح في ** العلا مرح الأغر بجانب الميدان )
( ما كنت مضطهدا فأطلب رفعة ** أو خاملا فأريد شهرة شاني )
فاحرص أيها الطالب على أن تكون من أهل الطبقة الأولى فإنك إذا ترقيت من
البداية التصورية إلى العلة الغائية التي هي أول الفكر وآخر العمل كنت فرد
العالم وواحد الدهر وقريع الناس وفخر العصر ورئيس القرن وأي شرف يسامي
شرفك أو فخر يداني فخرك وأنت تأخذ دينك عن الله وعن رسوله لا تقلد في ذلك
أحدا ولا تقتدي بقول رجل ولا تقف عند رأي ولا تخضع لغير الدليل ولا تعول
على غير النقد
هذه والله رتبة تسمو على السماء ومنزلة تتقاصر عندها النجوم فكيف بك إذا
كنت مع هذه المزية مرجعا في دين الله ملجأ لعباد الله مترجما لكتاب الله
وسنة رسول الله يدوم لك الأجر ويستمر لك النفع ويعود لك الخير وأنت بين
أطباق الثرى وفي عداد الموتى بعد مئتين من السنين
ولا يحول بينك وبين هذا المطلب الشريف ما تنازعك نفسك إليه من مطالب
الدنيا التي تروقها وتود الظفر بها فإنه حاصلة لك على الوجه الذي تحب
والسبيل الذي تريد بعد تحصيلك لما أرشدتك إليه من الرتبة العلمية وتكون إذ
ذاك مخطوبا لا خاطبا ومطلوبا لا طالبا
وعلى فرض أنها تكدي عليك المطالب وتعاند الأسباب فلست تعدم الكفاف الذي لا
بد لك منه فما رأينا عالما ولا متعلما مات جوعا ولا أعوزه الحال حتى
انكشفت عورته عريا أو لم يجد مكانا يكنه ومنزلا يسكنه وليس الدنيا إلا هذه
الأمور وما عداها فضلات مشغلة للأحياء مهلكة للأموات
( أنا إن عشت لست أعدم قوتا ** وإذا مت لست أعدم قبرا )



وعلى العاقل أن يعلم أن لن يصيبه إلا ما
كتبه الله له ولا يعدوه ما قدره له وأنه قد فرغ من أمر رزقه الذي فرضه
الله له فلا العقود يصده ولا السعي واتعاب النفس يوجب الوصول إلى ما لم
يأذن به الله
وهذا معلوم من الشرع قد توافق عليه صريح الكتاب والسنة وتطابقت عليه
الشرائع وإذا كان الأمر هكذا فما أحق هذا النوع العاقل من الحيوان الذي
دارت رحى التكليف عليه ونيطت أسباب الخير والشر به أن يشتغل بطلب ما أمره
الله بطلبه وتحصيل ما خلقه الله لتحصيله وهو الامتثال لما أمره به من
طاعته والانتهاء مما نهاه عنه من معاصيه
وإن أعظم ما يريده الله منه ويقربه إليه ويفوز به عنده أن يشغل نفسه
ويستغرق أوقاته في طلب معرفة هذه الشريعة التي شرعها الله لعباده وينفق
ساعاته في تحصيل هذا الأمر الذي جاءت به رسل الله إلى عباده ونزلت به
ملائكته فإن جميع ما يريده الله من عباده عاجلا وآجلا وما وعدهم به من خير
وشر قد صار في هذه الشريعة
فأكرم برجل تاقت نفسه عن أن يكون عبد بطنه إلى أن يكون عبد دينه حتى يناله
على الوجه الأكمل ويعرفه على الوجه الذي أراده الله منه ويرشد إليه من
عباده من أراد له الرشاد ويهدي به من استحق الهداية فانظر أعزك الله كم
الفرق بين الرجلين وتأمل قدر مسافة التفاوت بين الأمرين هذا يستغرق جميع
أوقاته وينفق كل ساعاته في تحصيل طعامه وشرابه وملبسه وما لا بد منه قام
أو قعد سعى أو وقف وهذا يقابله بسعي غير هذا السعي وعمل غير ذلك العمل
فينفق ساعاته ويستغرق أوقاته في طلب ما جاء عن الله وعن رسوله من التكاليف
التي كلف بها عباده وما أذن به من إبلاغه إليهم من أمور دنياهم وأخراهم
لينتفع بذلك ثم ينفع به من يشاء الله من عباده ويبلغ إليهم حجة الله
ويعرفهم شرائعه
فلقد تعاظم الفرق بين النوعين وتفاوت تفاوتا بقصر التعبير عنه ويعجز



البيان له إلا على وجه الإجمال بأن يقال إن
أحد النوعين قد التحق بالدواب والآخر بالملائكة لأن كل واحد منهما قد سعى
سعيا شابه من التحق به فإن الدابة يستعملها مالكها في مصالحه ويقوم
بطعامها وشرابها وما يحتاج إليه
ومع هذا فمن نظر في الأمر بعين البصيرة وتأمله حق التأمل وجد عيش من شغل
نفسه بالطاعة وفرغها للعلم ولم يلتفت إلى ما تدعو إليه الحاجة من أمر
دنياه تجده أرفه وحاله أقوم وسروره أتم وتلك حكمة الله البالغة التي يتبين
عندها أنه لن يعدو المرء ما قدر له ولن يفوته ما كان يدركه
وكما أن هذا المعنى الذي ذكرناه ثابت في الشريعة مصرح به في غير موطن منها
قد أجراه الله على لسان الجبابرة من عباده وعتاة أمته حتى قال الحجاج بن
يوسف الثقفي في بعض خطبه ما معناه أيها الناس إن الله كفانا أمر الرزق
وأمرنا بالعبادة فسعينا لما كفيناه وتركنا السعي للذي أمرنا به فليتنا
أمرنا بطلب الرزق وكفينا العبادة حتى نكون كما أراده الله منا هذا معنى
كلامه لا لفظه فلما بلغ كلامه هذا بعض السلف المعاصرين له قال إن الله لا
يخرج الفاجر من هذه الديار وفي قلبه حكمة ينتفع بها العباد إلا أخرجها منه
وإن هذا ما أخرجه من الحجاج
فانظر هذا الجبار كيف لم يخف عليه هذا الأمر مع ما هو فيه من التجبر وسفك
الدماء وهتك الحرم والتجرؤ على الله وعلى عباده وتعدي حدوده فما أحقه بأن
لا يخفى على من هو ألين منه قلبا وأقل منه ظلما وأخف منه تجبرا وأقرب منه
من خير وأبعد منه من شر
وإن من تصور هذا الأمر حق التصور وتعقله كما ينبغي انتفع به انتفاعا عظيما
ونال به من الفوائد جسيما والهداية بيد الهادي جل جلاله وتقدست أسماؤه



وإن لحسن النية وإخلاص العمل تأثيرا عظيما
في هذا المعنى فمن تعكست عليه بعض أموره من طلبة العلم أو أكلف عليه
مطالبه وتضايقت مقاصده فليعلم أنه بذنبه أصيب وبعدم إخلاصه عوقب أو أنه
أصيب بشيء من ذلك محنة له وابتلاء واختبارا لينظر كيف صبره واحتماله ثم
يفيض عليه بعد ذلك من خزائن الخير ومخازن العطايا ما لم يكن بحسبان ولا
يبلغ إليه تصوره فليعض على العلم بناجذه ويشد عليه يده ويشرح به صدره فإنه
لا محالة واصل إلى المنزل الذي ذكرنا نائل للمرتبة التي بينا
وما أحسن ما حكاه بعض أهل العلم عن الحكيم أفلاطون فإنه قال الفضائل مرة
الأوائل حلوة العواقب والرذائل حلوة الأوائل مرة العواقب
وقد صدق فإن من شغل أوائل عمره وعنفوان شبابه بطلب الفضائل لا بد أن يفطم
نفسه عن بعض شهواتها ويحسبها عن الأمور التي يشتغل بها أترابه ومعارفه من
الملاهي ومجالس الراحة وشهوات الشباب فإذا انتهى إليه ما هم فيه من تلك
اللذات والخلاعات وجد في نفسه بحكم الشباب وحداثة السن وميل الطبع ما هناك
مرارة واحتاج إلى مجاهدة يرد بها جامع طبعه ومتفلت هواه ومتؤثب نشاطه ولا
يتم له ذلك إلا بإلجام شهوته بلجام الصبر ورباطها بمربط العفة
وكيف لا يجد مرارة الحبس للنفس من كان في زاوية من زوايا المساجد ومقصورة
من مقاصر المدارس لا ينظر إلا في دفتر ولا يتكلم إلا في فن من الفنون ولا
يتحدث إلا إلى عالم أو متعلم وأترابه ومعارفه من قرابته وجيرانه وذوي سنه
وأهل نشأته وبلده يتقبلون في رافه العيش ورائق القصف
وإذا انضم لذلك الطالب إلى هذه المرارة الحاصلة له بعزف النفس عن شهواتها
مرارة أخرى هي اعواز الحال وضيق المكسب وحقارة الدخل فإنه لا بد أن يجد من
المرارة المتضاعفة ما يعظم عنده موقعه لكنه يذهب عنه قليلا قليلا





ثم تنحل عنه العقدة الثانية بفهم المباحث وحفظ المسائل وإدراك الدقائق
فإنه عند ذلك يجد من اللذة والحلاوة ما يذهب بكل مرارة
ثم إذا نال من المعارف حظا وأحرز منها نصيبا ودخل في عداد أهل العلم كان
متقلبا في اللذات النفسانية التي هي اللذات بالحقيقة ولا يعدم عند ذلك من
اللذات الجسمانية ما هو أفضل وأحلى من اللذات التي يتقلب فيها كل من كان
من أترابه
وهو إذا وازن بين نفسه الشريفة وبين فرد معارفه الذين لم يشتغلوا بما
اشتغل به اغتبط بنفسه غاية الاغتباط ووجد من السرور والحبور ما لا يقادر
قدره هذا باعتبار ما يجده من اللذة النفسانية عند أن يجد نفسه عالمة ونفس
معارفه جاهلة
ويزداد ذلك بما يحصل له من لوازم العلم من الجلالة والفخامة وبعد الصيت
وعظم الشهرة ونبالة الذكر ورفعة المحل والرجوع إليه في مسائل الدين
وتقديمه على غيره في مطالب الدنيا وخضوع من كان يزري عليه ويستخفف مكانه
من بني عصره فإذا جمعهم مجلس من الدنيا كانوا له بمنزلة الخدم وإن كان على
غاية من الإفلاس والعدم
ثم إذا تناهى حاله وبلغ من الحظ في العلم إلى مكان علي انثال عليه الطلبة
للعلوم وأقبل إليه المستفتون في أمر الدين واحتاج إليه ملوك الدنيا فضلا
عن غيره فيكون عند هذا عيشه حلوا محضا وعمره مغمورا باللذات النفسانية
والجسمانية ويرتفع أمره عن هذه الدرجة ارتفاع لا يقادر قدره إذا تصور ماله
عند الله من عظيم المنزلة وعلي الرتبة وعظيم الجزاء الذي هو المقصود أولا
وبالذات من علوم الدين

فأول عقدة تنحل عنه من عقد هذه المرارة عندما يتصور ما يؤول به الأمر
الأمر وينتهي إليه حاله من الوصول إلى ما قد وصل إليه من يجده في عصره من
العلماء




( سددت الأذن عن داعي ** التصابي فلا داع لدي ولا مجيب )
( وأنفقت الشبيبة غير وان ** لمجد الشيب فليهن المشيب )
وقلت أحب رامز إلى هذا المعنى
( وأبدي رغبة لنجود نجد ** وشوقا لا نتشاقى منه ريحا )
( وما بسوى العقيق أقام قلبي ** وأضحى بين أهليه طريحا )
وأما كون الرذائل حلوة الأوائل مرة العواقب فصدق هذا غير خاف على ذي لب
فإن من أرسل عنان شبابه في البطالات وحل رباط نفسه فأجراها في ميادين
اللذات أدرك من اللذة الجسمانية من ذلك بحسب ما يتفق له منها ولا سيما إذا
كان ذا مال وجمال ولكنها تنقضي عنه اللذة وتفارقه هذه الحلاوة إذا تكامل
عقلها ورجح فهمه وقوي فكره فإنه لا يدري عند ذلك ما يدهمه من المرارات
التي منها الندامة على ما اقترفه من معاصي الله ثم الحسرة على ما فوته من
العمر في غير طائل ثم على ما أنفقه من المال في غير حله ولم يفز من الجميع
بشيء ولا ظفر من الكل بطائل
وتزداد حسرته وتتعاظم كربته إذا قاس نفسه بنفس من أشتغل بطلب المعالي من
أترابه في مقتبل شبابه فإنه لا يزال عند موازنة ذاته بذاته وصفاته بصفاته
في حسرات متجددة وزفرات متصاعدة ولا سيما إذا كان بيته في العلم طويل
الدعائم وسلفه من المتأهلين لتلك المعالي والمكارم فإنه حينئذ تذهب عنه
سكرة البطالة وتنقشع عنه عماية الجهالة بكروب طويلة وهموم ثقيلة وقد فاته
ما فات وحيل بين العير والنزوان وحال الجريض دون القريض وفي الصيف ضيعت
اللبن
فانظر أعزك الله أي الرجلين أربح صفقة وأكثر فائدة وأعظم عائدة فقد بين
الصبح لذي عينين وعند الصباح يحمد القوم السرى

وكنت في أوائل أيام طلبي للعلم في سن البلوغ وبعدها بقليل تصورت ما ذكرت
هنا فقلت




ولنعد الآن إلى بيان ما يحتاج إليه أهل تلك الطبقات من العلوم وما ينبغي
له أن يشتغلوا به فنقول

كيفية الوصول إلى المرتبة الأولى للعلم


أما أهل الطبقة الأولى التي هي في أرفع مكان وأعز محل يرتقي إليه علماء
الشريعة على حسب ما قدمنا بيانه فينبغي لمن تصور الوصول إليها وقصد
الإدراك لها
علم النحو


أن يشرع بعلم النحو مبتدئا بالمختصرات كمنظومة الحريري المسماه بالملحة
وشروحها
فإذا فهم ذلك وأتقنه انتقل إلى = كافية ابن الحاجب =

وشروحها و = مغنى اللبيب = وشروحه
هذا باعتبار هذه الديار اليمنية إذا كان طالب العلم فيها لأنه يجد شيوخ
هذه المصنفات ولا يجد شيوخ غيرها من مصنفات النحو إلا باعتبار الوجادة لا
باعتبار السماع فإذا كان ناشئا في أرض يشتغلون فيها بغير هذه المصنفات
فعليه الاشتغال بما اشتغل به مشائخ تلك الأرض مبتدئا بما هو أقربها تناولا
منتهيا إلى ما هو النهاية للمشتغلين بذلك الفن وذلك القطر
فأعرف هذا وأعلم أن ما أسميه هاهنا إنما هو باعتبار ما يشتغل به الناس في
الديار اليمنية فمن كان في غيرها فليأخذ عن شيوخها في كل فن مقدارا يوافق
ما أذكره هنا
وأعلم أنه لا يستغني طالب العلم المتصور المتبحر في علم الشريعة العازم
على أن يكون من أهل الطبقة الأولى عن إتقان ما اشتمل عليه شرح الرضي على
الكافية من المباحث اللطيفة والفوائد الشريفة وكذلك ما في = مغنى اللبيب =
من المسائل الغريبة
ويكون اشتغاله بسماع شروح المختصرات بعد أن تكون هذه المختصرات



محفوظة له حفظا يمليه عن ظهر قلب ويبديه من
طرف لسانه وأقل الأحوال أن يحفظ مختصرا منها هو أكثرها مسائل وأنفعها
فوائد
ولا يفوته النظر في مثل = الألفية = لابن مالك وشروحها = والتسهيل = وشرحه
و = المفضل = للزمخشري و = الكتاب = لسيبويه فإنه يجد في هذه الكتب من
لطائف المسائل النحوية ودقائق المباحث العربية ما لم يكن قد وجده في تلك
وينبغي للطالب المذكور أن يطلع على مختصرات المنطق ويأخذه عن شيوخه ويفهم
معانيه بعد أن يفهم النحو يفهم ما يبتدئ به من كتبه ليستعين بذلك على فهم
ما يورده المصنفون في مطولات كتب النحو ومتوسطاتها من المباحث النحوية
ويكفيه في ذلك مثل المختصر المعروف = بإيساغوجي = أو = تهذيب



السعد = وشرح من شروحهما وسيأتي بيان ما
ينبغي الاشتغال به من فن المنطق إن شاء الله وليس المراد هنا إلا
الاستعانة بمعرفة مباحث التصورات والتصديقات إجمالا لئلا يعثر على بحث من
مباحث العربية من نحو أو صرف أو بيان قد سلك فيه صاحب الكتاب مسلكا على
النمط الذي سلكه أهل المنطق فلا يفهمه كما يقع كثيرا من الحدود والإلزامات
فإن أهل العربية يتكلمون بذلك بكلام المناطقة فإذا كان الطالب عاطلا عن
علم المنطق بالمرة فلم يفهم تلك المباحث كما ينبغي


علم الصرف


ثم بعد ثبوت الملكة له في النحو وإن لم يكن قد فرغ من سماع من سميناه يشرع
في الاشتغال في علم الصرف = كالشافية = وشرحها و = الريحانية ولامية
الأفعال =
ولا يكون عالما بعلم الصرف كما ينبغي إلا بعد أن تكون الشافية من محفوظاته
لانتشار مسائل فن الصرف وطول ذيل قواعده وتشعب أبوابه
ولا يفوته الاشتغال بشرح = الرضى = على الشافية بعد أن يشتغل بما هو

أخصر منه من شرحها = كشرح الجاربردي و = لطف
الله الغياث = فإن فيه من الفوائد الصرفيه ما لا يوجد في غيره


علم المعاني والبيان


ثم ينبغي له بعد ثبوت الملكة له نحوا وصرفا وإن لم يكن قد فرغ من سماع كتب
الفنين أن يشرع في علم المعاني والبيان فيبتدئ بحفظ مختصر من مختصرات الفن
يشتمل على مهمات مسائله = كالتلخيص = و = شرح السعد = المختصر وما عليه من
الحواشي وشرحه المطول وحواشيه فإنه إذا حفظ هذا المختصر وحقق الشرحين
المذكورين وحواشيهما بلغ إلى مكان من الفن مكين فقد أحاطت هذه الجملة بما
في مؤلفات المتقدمين من شراح المفتاح ونحوه وإذا ظفر بشيء من مؤلفات عبد
القاهر الجرجاني والسكاكي في هذا الفن فليمعن النظر فيه فإنه يقف في تلك
المؤلفات على فوائد
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب اداب الطلب ومنتهى الادب الجزء الثالث Empty رد: كتاب اداب الطلب ومنتهى الادب الجزء الثالث {السبت 4 يونيو - 15:50}

فن الوضع والمناظرة


وينبغي له حال الاشتغال بهذا الفن أن يشتغل بفنون مختصرة قريبة المأخذ
قليلة المباحث كفن الوضع وفن المناظرة ويكفيه في الأول رسالة الوضع وشرح
من شروحها وفي الثاني أدب البحث العضديه وشرح من شروحها
وقد تشعبت مسائل علم المناظرة في الأزمنة الأخيرة فوصل رجل من الأكراد من
طلبة العلم ومعه رسالة وشرحها يذكر أنها لبعض علماء الهند ولم يعرف اسمه
وفيها من الفوائد وشروحها والتفاصيل ما لا يوجد في الآداب العضدية وشروحها
إلا ما هو بالنسبة إليه كالرموز وقد نقلها الناس عنه وانتشرت بين علماء
صنعاء وهي في نحو ثلاثة كراريس مشتملة على مقدمة وتسعة مباحث ولا يستغني
طالب هذا الفن عن إمعان النظر فيها وقد اشتغلت بهذه الرسالة وقابلتها معه
على نسخته ولم يكن له من الفهم والاستعداد ما يبلغ به إلى أن تؤخذ عنه هذه
الرسالة وشرحها رواية ولا دراية مع كونه كان من أهل الصلاح والإكباب على
الطلب والرغبة في العلم
وكما تشعبت مباحث علم المناظرة فقد تشعبت أيضا عند المتأخرين مباحث علم
البديع فإن الموجود في كتب المتقدمين من أنواعه اللفظية والمعنوية دون
أربعين نوعا وعند أهل البديعيات زيادة على مائة وخمسين نوعا



وأنا بحمد الله قد استخرجت أنواعا من البديع وذكرت لها أسماء خارجة عن
الأسماء التي ذكرها أهل هذا العلم وذكرت أبياتا اشتملت على ذلك

وأخبرني الشيخ عبد الرحمن بن أحمد الرئيس من علماء الحرم المكي عند وفوده
إلى صنعاء أنه قد أنهاها بعض المتأخرين إلى نحو سبع مائة نوع وأنه وقف على
رسالة أو منظومة الشك مني لبعض المتأخرين تشتمل على ذلك

المؤلفات المشتملة على بيان مفردات اللغة عموما وخصوصا


ثم ينبغي له أن يكتب على مؤلفات اللغة المشتملة على بيان مفرداتها =
كالصحاح = و = القاموس = و = شمس العلوم = و = ضياء الحلوم =

و = ديوان الأدب = ونحو ذلك من المؤلفات
المشتملة على بيان اللغة العربية عموما أو خصوصا كالمؤلفات المختصة بغريب
القرآن والحدث


علم المنطق


ثم يشتغل بعد هذا بعلم المنطق فيحفظ مختصرا من مختصراته = كالتهذيب = أو =
الشمسية = ثم يأخذ في سماع شروحها على أهل الفن فإن العلم بهذا الفن على
الوجه الذي ينبغي يستفيد به الطالب مزيد إدراك وكمال استعداد عند ورود
الحجج العقلية عليه وأقل الأحوال أن يكون على بصيرة عند وقوفه على المباحث
التي يوردها المؤلفون في علوم الاجتهاد من المباحث المنطقية كما يفعله
كثير من المؤلفين في الأصول والبيان والنحو
فن أصول الفقه


ثم يشتغل بفن أصول الفقه بعد أن يحفظ مختصرا من مختصراته المشتملة

على مهمات مسائله = كمختصر المنتهى = أو =
جمع الجوامع = أو = الغاية =
ثم يشتغل بسماع شروح هذه المختصرات كشرح العضد على = المختصر = وشرح
المحلى على = الجوامع = وشرح ابن الإمام على = الغاية =
وينبغي له أن يطول الباع في هذا الفن ويطلع على مؤلفات أهل المذاهب
المختلفة = كالتنقيح = و = التوضيح = و = التلويح = و = المنار =



وتحرير ابن الهمام وليس في هذه المؤلفات مثل
التحرير المذكور وشرحه
ومن أنفع ما يستعان به على بلوغ درجة التحقيق في هذا الفن الاكباب على
الحواشي التي ألفها المحققون على الشرح العضدي وعلى شرح الجمع


علم الكلام أو أصول الدين


ثم ينبغي له بعد إتقان فن أصول الفقه وإن لم يكن قد فرغ من سماع مطولاته
أن يشتغل بفن الكلام المسمى بأصول الدين ويأخذ من مؤلفات الأشعرية بنصيب
ومن مؤلفات المعتزلة بنصيب ومن المؤلفات الماتريدية بنصيب ومن مؤلفات
المتوسطين بين هذه الفرق كالزيدية بنصيب
فإنه إذا فعل كل هذا عرف الاعتقادات كما ينبغي وأنصف كل فرقة بالترجيح أو
التجريح على بصيرة وقابل كل قول بالقبول أو الرد على حقيقة
ومن أحسن مؤلفات المعتزلة المجتبي ومن أحسن مؤلفات متأخري الأشعرية =
المواقف العضدية = وشرحها للشريف و = المقاصد السعدية = وشرحها له
وإياك أن يثنيك عن الاشتغال بهذا الفن ما تسمعه من كلمات بعض أهل العلم في
التنفير عنه والتزهيد فيه والتقليل لفائدته فإنك إن عملت على ذلك وقبلت ما
يقال في الفن قبل معرفته كنت مقلدا فيما لا يدري ما هو
_ _ _ _ _ _ _ والكون في الطبقة الأولية بل أعرفه حق معرفته وأنت بعد ذلك
مفوض فما تقوله من مدح أو قدح فإنه لا يقال لك حينئذ أنت تمدح ما لا تعرفه
أو تقدح فيما لا تدري ما هو

على أنه يتعلق بذلك فائدة وزيادة بصيرة في
علوم أخرى كعلم التفسير وعلم تفسير الحديث فإنك إذا بلغت إلى ذلك علمت ما
في العلم بهذا الفن من الفائدة لا سيما عند قراءة = كشاف = الزمخشري ومن
سلك مسلكه فإن في مباحثهم من التدقيقات الراجعة إلى علم الكلام ما لا
يفهمها حق الفهم إلا من عرف الفن واطلع على مذاهب المعتزلة والأشعرية
وسائر الفرق
وإني أقول بعد هذا إنه لا ينبغي لعالم أن يدين بغير ما دان به السلف
الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم من الوقوف على ما تقتضيه أدلة
الكتاب والسنة وإبراز الصفات كما جاءت ورد علم المتشابه إلى الله سبحانه
وعدم الاعتداد بشيء من تلك القواعد المدونة في هذا العلم المبنية على شفى
جرف هار من أدلة العقل التي لا تعقل ولا تثبت إلا بمجرد الدعاوي والافتراء
على العقل بما يطابق الهوى ولا سيما إذا كانت مخالفة لأدلة الشرع الثابتة
في الحديث والسنة فإنها حينئذ حديث خرافة ولعبة لاعب فلا سبيل للعباد
يتوصلون به إلى معرفة ما يتعلق بالرب سبحانه وبالوعد والوعيد والجنة
والنار والمبدأ والمعاد إلا ما جاءت به الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه
عن الله سبحانه وليس للمعقول وصول إلى تلك الأمور ومن زعم ذلك فقد كلف
العقول ما أراحها الله منه ولم يتعبدها به بل غاية ما تدركه وجل ما تصل
إليه هو ثبوت الخالق الباري وأن هذه المصنوعات لها صانع وهذه الموجودات
لها موجد وما عدى ذلك من التفاصيل التي جاءتنا في كتب الله عز وجل وعلى
ألسن رسله فلا يستفاد من العقل بل من ذلك النقل الذي منه جاءت وإلينا به
وصلت
واعلم أني عند الاشتغال بعلم الكلام وممارسة تلك المذاهب والنحل لم أزدد
بها إلا حيرة ولا استفدت منها إلا العلم بأن تلك المقالات خزعبلات فقلت إذ
ذاك مشيرا إلى ما استفدته من هذا العلم
( وغاية ما حصلته من مبحاثي ** ومن نظري من بعد طول التدبر )




( هو الوقف ما بين الطريقين حيرة ** فما علم من لم يلق غير التحير )
( على أنني قد خضت منه غماره ** وما قنعت نفسي بدون التبحر )
وعند هذا رميت بتلك القواعد من حالق وطرحتها خلف الحائط ورجعت إلى الطريقة
المربوطة بأدلة الكتاب والسنة المعمودة بالأعمدة التي هي أوثق ما يعتمد
عليه عباد الله وهم الصحابة ومن جاء بعدهم من علماء الأمة المقتدين بهم
السالكين مسالكهم فطاحت الحيرة وانجابت ظلمة العماية وانقشعت وانكشفت ستور
الغواية ولله الحمد
على أني ولله الشكر لم أشتغل بهذا الفن إلا بعد رسوخ القدم في أدلة الكتاب
والسنة فكنت إذا عرضت مسألة من مسائله مبنية على غير أساس رجعت إلى ما
يدفعها من علم الشرع ويدمغ زائفها من أنوار الكتاب والسنة ولكنني كنت أقدر
في نفسي أنه لو لم يكن لدي إلا تلك القواعد والمقالات فلا أجد حينئذ إلا
حيرة ولا أمشي إلا في ظلمة ثم إذا ضربت بها وجه قائلها ودخلت إلى تلك
المسائل من الباب الذي أمر الله بالدخول منه كنت حينئذ في راحة من تلك
الحيرة وفي دعة من تلك الخزعبلات والحمد لله رب العالمين عدد ما حمده
الحامدون بكل لسان في كل زمان
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب اداب الطلب ومنتهى الادب الجزء الثالث Empty رد: كتاب اداب الطلب ومنتهى الادب الجزء الثالث {السبت 4 يونيو - 15:51}

علم التفسير


ثم بعد إحراز هذه العلوم يشتغل بعلم التفسير فيأخذ عن الشيوخ ما يحتاج
مثله إلى الأخذ = كالكشاف = ويكب على كتب التفسير على اختلاف أنواعها
وتباين مقاديرها ويعتمد في تفسير كلام الله سبحانه ما ثبت عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم عن الصحابة فإنهم مع كونهم أعلم من غيرهم بمقاصد
الشارع هم أيضا من أهل اللسان العربي فما وجده من تفاسير رسول الله صلى
الله عليه وسلم في الكتب المعتبرة = كالأمهات = وما يلتحق بها قدمه على
غيره بل يتعين عليه الأخذ به ولا يحل له

مخالفته وأجمع مؤلف في ذلك وأنفعه وأكثره
فائدة = الدر المنثور = للسيوطي
وما ذكرنا من تقديم ما ورد عن الصحابة مقيد بما إذا لم يخالف ما يعلم من
لغة العرب ولم تكن تلك المخالفة لأجل معنى شرعي فإن كانت لمعنى شرعي فقد
تقرر أن الحقائق الشرعية مقدمة على اللغوية
وينبغي له أن يطول الباع في هذا العلم ويطالع مطولات التفاسير = كمفاتيح
الغيب = للرازي فإن المعاني المأخوذة من كتاب الله سبحانه كثير العدد
يستخرج منها كل عالم بحسب استعداده وقدر ملكته في العلوم
ولا يغتر بما يزعمه بعض أهل العلم من أنه يكفي الاطلاع على تفسير آيات
الكتاب العزيز كما وقع لكثير من التآليف في تفسير آيات مخصوصة مسميا لها =
بآيات الأحكام = كالموزعي وصاحب = الثمرات = فإن القرآن جميعه حتى قصصه
وأمثاله لا يخلو من فوائد متعلقة بالأحكام الشرعية ولطائف لا يأتي الحصر
عليها لها مدخل في الدين يعرف هذا من يعرفه ويجهله من يجهله
وينبغي أن يقدم على قراءة التفاسير الاطلاع على علوم الأداء وكل ما كان



له مدخل في التلاوة وسائر العلوم المتعلقة
بالكتاب العزيز وما أنفع الإتقان للسيوطي في مثل هذه الأمور
ثم لا يهمل النظر في الكتب المدونة في القراءات وما يتعلق بها = كالشاطبية
= وشرحها و = الطيبة = وشروحها


علم السنة


إذا عرفت ما ينبغي لمن أراد أن يكون من أهل الطبقة الأولى فاعلم أن أعظم
العلوم فائدة وأكثرها نفعا وأوسعها قدرا وأجلها خطرا علم السنة المطهرة
فإنه الذي تكلفل ببيان الكتاب العزيز ثم استقل بما لا ينحصر من الأحكام
ولست أقول إن الطالب يشتغل به في وقت معين ولا أقول إنه يقدمه على هذه
العلوم المتقدمة أو يؤخره عنها بل أقول إنه ينبغي لطالب العلم بعد أن يقيم
لسانه بما يحتاج إليه من النحو أن يقبل على سماع الكتب التي جمع فيها أهل
العلم متون الأحاديث مقطوعة الأسانيد = كجامع الأصول = و = المشارق = و =
كنز العمال = و = المنتقى = لابن تيمية و = بلوغ

المرام = لابن حجر و = العمدة =
ثم يسمع الكتب التي فيها الأسانيد = كالأمهات الست = و = مسند أحمد = و =
صحيح = ابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود و = سنن = الدارقطني والبيهقي
وبالجملة فما بلغت إليه قدرته ووجد في أهل عصره شيوخه من كتب السنة جد في
سماعه واجتهد بحسب ما يمكنه
ويكون هذا الاشتغال بهذا العلم الجليل مصاحبا لاشتغاله بجميع العلوم
المتقدمة من البداية إلى النهاية
فإذا قضى وطره من سماع كتب المتن والإسناد اشتغل بشروح هذه المؤلفات فيسمع
منها ما تيسر له سماعه ويطالع ما لم يتيسر له سماعه
ويستكثر من النظر في المؤلفات في علم الجرح والتعديل بل يتوسع في هذا



العلم بكل ممكن وأنفع ما ينتفع به مثل =
النبلاء = و = تاريخ الإسلام = و = تذكرة الحفاظ = و = الميزان = فإنه يجد
في هذه المؤلفات من الاختلاف في المترجم له وذكر أسباب الجرح والتعديل ما
لا يجده في غيرها = كتهذيب الكمال = وفروعه


علم مصطلح الحديث


وهذا بعد أن يشتغل بشيء من علم اصطلاح أهل الحديث كمؤلفات = ابن الصلاح =
و = الألفية = للعراقي وشروحها ولا يستغني عن المطولات بالمختصرات لا سيما
إذا بالغ مؤلفوها في الاختصار = كالنخبة = وما هو مشابه لها
علم التاريخ


وينبغي له أن يشتغل بمطالعة الكتب المصنعة في تاريخ الدول وحوادث

العالم في كل سنة كما فعله الطبري في =
تاريخه = وابن كثير في = كامله = وكما فعله كثير من المؤرخين على اختلاف
مسالكهم في تخصيص التصنيف بدولة من الدول أو طائفة من طوائف أهل العلم
والأدب أو فرقة من فرق أهل الرئاسات أو غير ذلك فإن للاطلاع على ذلك فائدة
جليلة لا يعرفها إلا من عرف أحوال العالم وأتقن أهل كل عصر منهم وعلم
بأوقات موالدهم ووفياتهم


مؤشر الوصول إلى المرتبة الأولى


فإذا أحاط الطالب بما ذكرناه من العلوم فقد صار حينئذ في الطبقة العالية
من طبقات المجتهدين وكملت له جميع أنواع علوم الدين وصار قادرا على
استخراج الأحكام من الأدلة متى شاء وكيف شاء
ولكنه ينبغي له أن يطلع على علوم أخرى ليكمل له ما قد حازه من الشرف ويتم
له ما قد ظفر به من بلوغ الغاية
علم الفقه


فمن ذلك علم الفقه وأقل الأحوال أن يعرف مختصرا في فقه كل مذهب من المذاهب
المشهورة فإن معرفة ما يذهب إليه أهل المذاهب الإسلامية قد يحتاجه المجتهد
لإفادة المتذهبين السائلين عن مذاهب أئمتهم وقد يحتاجه لدفع من يشنع عليه
في اجتهاده كما يقع ذلك كثيرا من أهل التعصب والتقصير

فإنه إذا قال له قد قال بهذه المقالة العالم
الفلاني أو عمل عليها أهل المذهب الفلاني كان ذلك دافعا لصولته كاسرا
لسورته وقد وقعنا في كثير من هذه الأمور مع المقصرين وتخلصنا عن شغبهم
بحكاية ما أنكروه علينا عن بعض من يعتقدونه من الأموات
وما أنفع الاطلاع على المؤلفات البسيطة في حكاية مذاهب السلف وأهل المذاهب
وحكاية أدلتهم وما دار بين المتناظرين منهم إما تحقيقا أو فرضا كمؤلفات
ابن المنذر وابن قدامة وابن حزم وابن تيمية ومن سلك مسالكهم
فإن المجتهد يزداد بذلك علما إلى علمه وبصيرة إلى بصيرته وقوة في
الاستدلال إلى قوته فإن تلك المؤلفات هي مطارح أنظار المحققين ومطامح
أفكار المجتهدين وكثيرا ما يحصل للعالم من النكت واللطائف الصالحة
للاستدلال بها ما لا يحصل للعالم الآخر وإن تقاربت معارفهما وتوازنت
علومها بل قد يتيسر لمن هو أقل علما ما لا يتيسر لمن هو أكثر علما من
الاستدلال والجواب والنقض والمعارضة وكما قيل
( ورأيان أحزم من واحد ** ورأي الثلاثة لا ينقض )
وكما قيل




( ولكن تأخذ الأفهام منه ** على قدر القرائح والعلوم )
ولا سيما مؤلفات أهل الإنصاف الذين لا يتعصبون لمذهب من المذاهب ولا
يقصدون إلا تقرير الحق وتبيين الصواب فإن المجتهد الطالب للحق ينتفع بها
ويستعين بأهلها فينظر فيما قد حرروه من الأدلة وقدروه من المباحث ويعمل
فكره في ذلك فيأخذ ما يرتضيه ويزيد عليه ما بلغت إليه قدرته ووصلت إليه
ملكته غير تارك للبحث عن تصحيح ما قد صححوه وتضعيف ما قد ضعفوه على الوجه
المعتبر


من لوازم الإنصاف والاجتهاد


ومن حق الإنصاف ولازم الاجتهاد أن لا يحسن الظن أو يسيئه بفرد من أفراد
أهل العلم على وجه يوجب قبول ما جاء به أو رده من غير إعمال فكر وإمعان
نظر وكشف وبحث فإن هذا شأن المقلدين وصنيع المتعصبين وإن غرته نفسه بأنه
من المنصفين
وأن لا يغتر بالكثرة فإن المجتهد هو الذي لا ينظر إلى من قال بل إلى ما
قال فإن وجد نفسه تنازعه إلى الدخول في قول الأكثرين والخروج عن قول
الأقلين أو إلى متابعة من له جلالة قدر ونبالة ذكر وسعة دائرة علم لا لأمر
سوى ذلك فيعلم أنه قد بقي فيه عرق من عروق العصبية وشعبة من شعب التقليد
وأنه لم يوف الاجتهاد حقه
وبالجملة فالمجتهد على التحقيق وهو من يأخذ الأدلة الشرعية من مواطنها على
الوجه الذي قدمناه ويفرض نفسه موجودا في زمن النبوة وعند نزول الوحي وإن
كان في آخر الزمان وكأنه لم يسبقه عالم ولا تقدمه مجتهد فإن الخطابات
الشرعية تتناوله كما تناولت الصحابة من غير فرق
وحينئذ يهون الخطب وتذهب الروعة التي نزلت بقلبه من الجمهور وتزول

الهيبة التي تداخل قلوب المقصرين

أهمية الاطلاع على أشعار المبدعين


ومما يزيد من أراد هذه الطبقة العلية علوا ويفيده قوة إدراك وصحة فهم
وسيلان ذهن الإطلاع على أشعار فحول الشعراء ومجيديهم والمشهورين منهم
باستخراج لطائف المعنى ومطربات النكات مع ما تحصل له بذلك من الاقتدار على
النظم والتصرف في فنونه فقد يحتاج العالم إلى النظم لجواب ما يرد عليه من
الأسئلة المنظومة أو المطارحات الواردة إليه من أهل العلم وربما ينظم في
فن من الفنون لغرض من الأغراض الصحيحة فإن من كان بهذه المنزلة الرفيعة من
العلم إذا كان لا يقتدر على النظم كان ذلك خدشة في وجه محاسنه ونقصا في
كماله
النظر في بلاغات مبدعي الإنشاء


وهكذا الاستكثار من النظر في بلاغات أهل الإنشاء المشهورين بالإجادة
والإحسان المتصرفين في رسالاتهم وحكاياتهم بأفصح لسان وأبين بيان فإنه
ينتفع بذلك إذا احتاج إلى الإنشاء أو جاوب صديقا أو كاتب حبيبا لأنه ينبغي
أن يكون كلامه على قدر علمه وهو إذا لم يمارس جيد النظم والنثر كان كلامه
ساقطا عن درجة الاعتبار عند أهل البلاغة والعلم شجرة ثمرتها الألفاظ وما
أقبح بالعالم المتبحر في كل فن أن يتلاعب به في النظم والنثر من لا يجاريه
في علم من علومه ويتضاحك منه من له أدنى إلمام بمستحسن الكلام ورائق النظام
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب اداب الطلب ومنتهى الادب الجزء الثالث Empty رد: كتاب اداب الطلب ومنتهى الادب الجزء الثالث {السبت 4 يونيو - 15:52}

علم العروض والقوافي


ويستعين على بلوغ ما يليق به ويطابق رتبته بمثل علم العروض والقوافي وأنفع
ما في ذلك منظومة الجزولي وشروحها وبمثل المؤلفات المدونة لذلك وأنفع ما
ينتفع به المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر لابن الأثير
أهمية الاطلاع على العلوم الفلسفية


ثم لا بأس على من رسخ قدمه في العلوم الشرعية أن يأخذ بطرف من فنون هي من
أعظم ما يصقل الأفكار ويصفي القرائح ويزيد القلب سرورا والنفس انشراحا
كالعلم الرياضي والطبيعي والهندسة والهيئة والطب
وبالجملة فالعلم بكل فن خير من الجهل به بكثير ولا سيما من رشح نفسه
للطبقة العلية والمنزلة الرفيعة
ودع عنك ما تسمعه من التشنيعات فإنها كما قدمنا لك شعبة من التقليد وأنت
بعد العلم بأي علم من العلوم حاكم عليه بما لديك من العلم غير محكوم عليك
واختر لنفسك ما يحلو وليس يخشى على من كان غير ثابت القدم في علوم الكتاب
والسنة فإنه ربما يتزلزل وتحول ثقته



( أتانا أن سهلا ذم جهلا ** علوما ليس يعرفهن سهل )
( علوما لو دراها ما قلاها ** ولكن الرضى بالجهل سهل )
وإني لأعجب من رجل يدعي الإنصاف والمحبة للعلم ويجري على لسانه الطعن في
علم من العلوم لا يدري به ولا يعرفه ولا يعرف موضوعه ولا غايته ولا فائدته
ولا يتصوره بوجه من الوجوه
وقد رأينا كثيرا ممن عاصرنا ورأيناه يشتغل بالعلم وينصف في مسائل الشرع
ويقتدي به بالدليل فإنه سمع مسألة من فن من الفنون التي لا يعرفها كعلم
المنطق والكلام والهيئة ونحو ذلك نفر منه طبعه ونفر عنه غيره وهو لا يدري
ما تلك المسألة ولا يعقلها قط ولا يفهم شيئا منها
فما أحق من كان هكذا بالسكوت والاعتراف بالقصور والوقوف حيث أوقفه الله
والتمسك في الجواب إذا سئل عن ذلك بقوله لا أدري
فإن كان ولا بد متكلما ومادحا أو قادحا فلا يكون متكلما بالجهل وعائبا لما
لا يفهمه بل يقدم بين يدي ذلك الاشتغال بذلك الفن حتى يعرفه حق المعرفة ثم
يقول بعد ذلك ما شاء
ولقد وجدنا لكثير من العلوم التي ليست من علم الشرع نفعا عظيما وفائدة
جليلة في دفع المبطلين والمتعصبين وأهل الرأي البحت ومن لا اشتغال له
بالدليل
فإنه إذا اشتغل من يشتغل منهم بفن من الفنون كالمشتغلين بعلم المنطق

فإذا قدمت العلم بما قدمنا لك من العلوم الشرعية فاشتغل بما شئت واستكثر
من الفنون ما أردت وتبحر في الدقائق ما استطعت وجاوب من خالفك وعذلك وشنع
عليك بقول القائل


جعلوا كلامهم ومذكراتهم في قواعد فنهم
ويعتقدون لعدم اشتغالهم بغيره أن من لا يجاريهم في مباحثه ليس من أهل
العلم ولا هو معدود منهم وإن كان بالمحل العالي من علوم الشرع فحينئذ لا
يبالون بمقاله ويوردون عليه ما لا يدري ما هو ويسخرون منه فيكون في ذلك من
المهانة على علماء الشريعة ما لا يقادر قدره
وأما إذا كان العالم المتشرع المتصدر للهداية إلى المسالك الشرعية
والمناهج الإنصافية عالما بذلك فإنه يجري معهم في فنهم فيكبر في عيونهم ثم
يعطف عليهم فيبن لهم بطلان ما يعتقدونه بمسلك من المسالك التي يعرفونها
فإن ذلك لا يصعب على مثله ثم بعد ذلك يوضح لهم أدلة الشرع فيقبلون منه
أحسن قبول ويقتدون به أتم قدوة
وأما العالم الذي لا يعرف ما يقولون فغاية ما يجري بينه وبينهم خصام وسباب
ومشاتمة هو يرميهم بالاشتغال بالعلوم الكفرية ولا يدري ما هي تلك العلوم
وهم يرمونه بالبلادة وعدم الفهم والجهل بعلم العقل ولا يدرون ما لديه من
علم الشرع


أنصاف المثقفين في زمن الشوكاني


ولقد أهدت لها هذه الأيام ما لم يكن لنا في حساب من زعانف هم سقط المتاع
وفقعة القاع وأبناء الرعاع لابسوا طلبة العلم بعض الملابسة وشاركوهم بجامع
الخلطة والعشرة في مثل النظر في مختصرات النحو حتى صاروا ممن يتمكن من
إعراب أواخر الكلم ثم طاحت بهم الطوائح ورمت بهم الروامي إلى مطالعة تجريد
الطوسي وبعض شروحه وفهموا بعض

مباحثه فظنوا أنهم قد ظفروا بما لم يظفر به
أرسطو طاليس ولا جالينوس دع مثل الكندي والفارابي وابن سينا فإنهم عندهم
في عداد المقصرين وأما مثل الرازي وطبقته فليسوا من أهل العلم في ورد ولا
صدر وأما سائر العلماء المتبحرين في علم الشرع وغيره من أهل العصر وغيرهم
فهم عند هؤلاء النوكاء الرقعاء لا يفهمون شيئا ولا يعقلون
فقبح الله تلك الوجوه فإنها صارت عارا وشنارا على أهل العلم وصار



دخول مثل هؤلاء الذين دنسوا عرض العلم
وجهموا وجهه وأهانوا شرفه من أعظم المصائب التي أصابت أهله وأكبر المحن
التي امتحن بها حملته فإنه يسمعهم السامع يثلبون أعراض الأحياء والأموات
من المشهورين بالعلم الذين قد اشتهرت مصنفاتهم وانتشرت معارفهم فيزهد في
العلم ويخاف من أن يعرض نفسه للوقيعة من مثل هؤلاء الجهلة وعلى أنهم لا
يعرفون شيئا إلا ما ذكرت لك ولا يفهمون علما من العلوم لا بالكنة ولا
بالوجه فما أحق هؤلاء بالمنع لهم عن مجالس العلم والأخذ على أيديهم من
الدخول في مداخل أهله والتشبه بهم في شيء من الأمور وإلزامهم بملازمة حرف
آبائهم وصناعات أهلهم والوقوف في الأسواق لمباشرة الأعمال التي يباشرها
سلفهم فليس في مفارقتهم لها إلا ما جلبوه من الشر على العلم وأهله
ولكنهم قد تحذلقوا وجعلوا لأنفسهم حصنا حصينا وسورا منيعا فتظهروا بشيء من
الرفض وتلبسوا بثيابه فإذا أراد من له غيرة على العلم المعاقبة لهم وإعزاز
دين الإسلام بإهانتهم قالوا للعامة إنهم أصيبوا بسبب التشيع وأهينوا بما
اختاروه لأنفسهم من محبة أهل البيت رضي الله عنهم
وقد علم الله وكل من له فهم أنهم ليسوا من ذلك في قبيل ولا دبير بل ليس
عندهم إلا التهاون بالشريعة الإسلامية والتلاعب بالدين والطعن على
الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه فضلا عن غيرهم من المتمسكين بالشرع
وكل عارف إذا سمع كلامهم وتدبر أبحاثهم يتضوع له منها روائح الزندقة بل قد
يقف على ما هو صريح الكفر الذي لا يبقى معه ريب
ولقد كان القضاة من أهل المذاهب في البلاد الشامية والمصرية والرومية
والمغربية وغيرها يحكمون بإراقة دم من ظهر منه دون ما يظهر من هؤلاء حسبما
تحكيه كتب التاريخ وقد أصابوا أصاب الله بهم فإعزاز دين الله هو في
الانتقام من أعدائه المتنقصين به
وما يصنع العالم في مثل أرضنا هذه في مثل هؤلاء المخذولين فإنه إن قام



عليهم وأفتى بما يستحقونه ويوجبه عليهم
الشرع حال بينه وبينهم حوائل منها عدم اعتياد مثل هذه البلاد لمثل سفك
دماء المتزندقين ومنها عدم نفوذ أفهام المنفذين لأحكام الشرع حتى يعرفوا
الدقائق الكفرية الموجبة للخروج من الإسلام القاضية بسفك دم من صدرت عنه
وكيف يفهم ذلك غالب القضاة وهم يعجزون عن فهم شروط الوضوء وفرائضه وسننه
بل يقصرون عن فهم مباحث أبواب قضاء الحاجة فهل تراهم يفهمون ما يقوله لهم
المفتي بسفك دم المتزندق من أنه كفر بكذا استحق سفك دمه بكذا
هيهات هيهات فإنهم أبلد من ذاك وأسوأ فهما من البلوغ إليه
ومنها وهو أعظمها ما عرفناك به من تظهرهم بالرفض وادعائهم أنهم لم يصابوا
بذنب سواه ولا نالهم ما نالهم إلا بسببه فإن هذه الدعوى سريعة النفاق تدخل
إلى أذهان غالب الناس وتقبلها عقولهم بأيسر عمل للاشتراك في الجنس وإن لم
يكن على التواطئ بل على التشكيك وكفاك من شر سماعه
وبعد هذا فإني أرجو الله عز وجل أن يمكن منهم فتجري عليهم الأحكام الشرعية
وينفذ فيهم ما يقتضيه مر الحق ونص الدليل وقد علم الله سبحانه أني أجد من
الحسرة والتلهف ما لا يقادر قدره ولا يمكن التعبير عنه لأنه ليس بتغاض عن
مبتدع ولا بمجرد سكوت عن انتهاك حرمة من حرمات الشرع بل هو سكوت عن الكفر
وإغماض عن متظهر بالزندقة يتكلم فيما بملء فيه ويبدي منها ما تبكي له عيون
الإسلام وأهله فتارة يتهاون بالقرآن وتارة يتهاون بالأنبياء وتارة يتهاون
بحملة الدين وحينا يزري على علماء المسلمين ولكن بعبارات لا يفهمها
المقصرون ورموز لا يهتدي إليها المشتغلون بأبواب الفقه مع خلط تلك
العبارات بشيء من الرفض يفهمه المقصر والكامل فإذا نظره المقصرون في
كلامهم لم يفهموا منه إلا ما فيه من الرفض ولا يفهمون شيئا مما عداه
وإذا أخبرهم العالم بما اشتمل عليه ذلك الكلام من الكفر والزندقة لم تقبله



أفهامهم لأمرين
أحدهما الجهل بالعلوم التي يتوصلون بها إلى فهم ذلك
والثاني اعتقادهم أن ذلك المتكلم شيعي وأن هذا العالم الذي أنكره إنما قام
عليه لأجل الشيعة لكونهم يعتقدون في كل من اشتغل بعلوم الاجتهاد أنه يخالف
الشيعة طبيعة راسخة فيهم وأمر ورثوه عن أسلافهم وداء قبلوه من كل مخذول
ومحنة تعاظم بسببها البلاء على الشريعة وعلى أهلها
فبهذه الأسباب علمت أن قيامي عليهم لا يجدى إلا ثوران فتنة وظهور محنة وقد
يكون سببا لتظهرهم بزيادة على ما يتظهرون به من تلك الأمور الفظيعة
والكفريات الشنيعة
اللهم إني أشهدك وأنت خير الشاهدين أني أول حاكم بسفك دم من صدر منه ذلك
وأول مفت بقتل من فعل شيئا منه أو قال به عند أول بارقة من بوارق العدل
وفي إخفاء رائحة من روائح الإنصاف
ولست أقول أن جميع من أشرت إليهم هم على الصفة التي ذكرتها الموجبة لإراقة
الدم وإزهاق الروح بل يتظهر بذلك بعض مخذوليهم ويشتغل به أناس من شياطينهم
والبقية وإن كانوا بما يصدر منهم نقمة على العلم وأهله فإنهم ينفرون الناس
عن علم الشرع ويهونونه في صدورهم ويستصغرون علوم الدين بأسرها ويجذبون من
يطمعون فيه إلى جهالاتهم وضلالاتهم فهم مستحقون للحيلولة بينهم وبين كل
سبب يتوصلون به إلى العلم على كل تقدير كما أشرنا إليه سابقا مع إنزال بعض
ما فيه إهانة لهم بهم ومسهم بسوط إذلال ليكون في ذلك إعزاز للدين ورفع
لمناره وغسل لما قد لوثوا به أهله من القدر الذي يلقونه عليهم وينجسونهم
به
والله المرجو فعنده الخير كله وهو أغير على دينه وهو أكرم عليه من أن يهان
أو يضام أهله
وفيهم أفراد قليلون يصلحون بتعلم العلم ويتشبهون بأهله ويجرون على



نمط من يتعلمون منه ويأخذون عنه إن خيرا
فخير وإن شر فشر ولكن ما أقل من يكون هكذا منهم


المؤهلون لتلقي العلم


فإن قلت وما هذه الأهلية التي يكون صاحبها محلا لوضع العلم فيه وتعليمه
إياه
قلت هي شرف المحتد وكرم النجار وظهور الحسب أو كون في سلف الطالب من له
تعلق بالعلم والصلاح ومعالم الدين أو بمعالي الأمور ورفيع الرتب
وقد أشار إلى هذا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت عنه في
الصحيح فقال الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم
في الإسلام إذا فقهوا
فاعتبر صلى الله عليه وسلم الخيار في الجاهلية وليس ذلك لأمر يتعلق بالدين
فإنه لا دين لأهل الجاهلية بل المراد بخيار أهل من كان منهم من أهل الشرف
وفي البيوت الرفيعة فإن هذا أمر يجذب بطبع صاحبه إلى معالي الأمور ويحول
بيته وبين الرذائل ويوجب عليه إذا دخل في أمر أن يكون منه في أعلى محل
وأرفع رتبة فمتعلم العلم منهم يكون في أهله على أتم وصف وأحسن حال غير
شامخ بأنفه ولا متباه بما حصله ولا مترفع على الناس بما نال منه
وأما من كان من سقط المتاع وسفساف أهل المهن كأهل الحياكة

العصارة والقضابة ونحو ذلك من المهن الدنية
والحرف الوضيعة فإن نفسه لا تفارق الدناءة ولا تجانب السقوط ولا تأبى
المهانة ولا تنفر عن الضيم
فإذا اشتغل مشتغل منهم بطلب العلم ونال منه بعض النيل وقع في أمور منها
العجب والزهو والخيلاء لأنه يرى نفسه بعد أن كان في أوضع مكان وأخس رتبة
قاعدا في أعلا محل وأرفع موضع فإن منزلة العلم وأهله هي المنزلة التي لا
تساميها منزلة وإن علت ولا تساويها رتبة وإن ارتفعت
فبينما ذلك الطالب قاعد بين أهل حرفته من أهل الحياكة أو الحجامة أو
الجزارة أو نحوهم في أخس بقعة وأعظم مهانة إذ صار بين العلماء المتعلمين
الذين هم في أعلا منازل الدنيا والدين
فمبجرد ذلك يحصل له من العجب والتطاول على الناس والترفع عليهم ما يعظم به
الضرر على أهل العلم فضلا عن غيرهم ممن هو دونهم ومع ما ينضم إلى ذلك من
السخف الذي نشأ عليه وتلقاه من سلفه وسقوط النفس وضعف العقل ونذالة الهمة
ومثل تأمر الصبي لما ينشأ عليه من أخلاق آبائه لا ينكره أحد
ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه في = الصحيح = كل مولود يولد
على الفطرة ولكن أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه فإذا كان الصغير ينطبع
بطابع الكفر بسبب أبويه فما بالك بسائر الأخلاق التي يجدهما عليها



ومما يقع فيه هذا الطالب الناشئ بين أهل
الوضاعة المرتضع من ثدي الرقاعة أنه بحكم الطبع وألف المنشأ لا يرى في
الناس إلا أهل حرفته وبني مهنته فيعود من حيث بدا ويرجع من الباب الذي خرج
منه فيكون في ذلك من الإهانة للعلم والإزراء على أهله والوضع بجانبه ما لا
يقادر قدره لأن هذا يراه الناس تارة في المدارس قاعدا بين أيدي شيوخ العلم
مشاركا للمتعلمين وتارة يرونه في دكاكين الحجامين وحوانيت العطارين ومن
جرى هذا المجرى من المحترفين
ومما يقع فيه أنه بحكم الطبع الذي استفاده من المنشأ وتطبع به من أبويه
ومن يماثلهما وإن دخل في مداخل العلم وتزيا بزي أهله فهم أبغض الناس إليه
وأحقرهم لديه لا يقيموا له وزنا ولا يعترف لهم بفضيلة بل يكون ديدنه
وهجيراه ومعنى كلامه وفحواه هو التهاوم بهم وتحقير ما عظمه الله من أمرهم
والإغراء بين أماثلهم والتعرض للمفاضلة بين فضائلهم وإدخال الشحناء بينهم
بكل ممكن
ومن نكر هذا فعليه بالاستقراء والتتبع فإنه سيجد ما وجدناه ويقف على صحة
ما حكيناه ولا يخرج من هؤلاء إلا النادر القليل ولا يكون ذلك إلا لعرق
ينزعه إلى الشرف ويجذبه إلى الخير في سلفه القديم وإن جهله من لم يعرفه
وبالجملة فهذا ما تفيده التجربة وتشير إليه بعض الأدلة الشرعية وإذا صح
قوله صلى الله عليه وسلم واضع العلم في غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر
ففيه أعظم عبرة للمعتبرين من الحاملين لعلوم الدين
وقد عزاه بعض أهل العلم إلى ابن ماجه ولا استحضره حال الرقم فيما هو في
حفظ من أحاديث كتاب = سنن ابن ماجه = فلينظر ثم كشفت عنه فوجدته في = سنن
ابن ماجه = عن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم



طلبوا العلم فريضة على كل مسلم وواضع العلم
عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب وفي إسناده حفص بن
سليمان البزاز وفيه مقال
وأما من كان أهلا للعم وفي مكان من الشرف فإنه يزداد بالعلم شرفا إلى شرفه
ويكتسب به من حسن السمت وجميل التواضع ورائق الوقار وبديع الأخلاق ما يزيد
عمله علوا وعرفانه تعظيما فيتخلق بأخلاق الأنبياء ومن يمشي على طريقهم من
عامل العلماء وصالح الأمة ويعرف للعلم حقه ويعظمه بما ينبغي من تعظيمه فلا
يكدره بالمطامع ولا يشوبه بالخضوع لأهل الدنيا ولا يجهمه بالتوصل به إلى
ما في يد الأغنياء فيكون عنده مخدوما لا خادما ومقصودا لا قاصدا
وبين هذه الطائفتين طائفة ثالثه ليست من هؤلاء ولا من هؤلاء جعل العلم
مكسبا من مكاسب الدنيا ومعيشة من معايش أهله لا غرض لهم فيه إلا إدراك
منصب من مناصب أسلافهم ونيل رئاسة من الرئاسات التي كانت لهم
كما نشاهده في غالب البيوت المعمورة بالقضاء أو الإفتاء أو الخطابة أو
الكتابة أو ما هو شبيه بهذه الأمور
فإن من كان طالبا للوصول إلى شئ من هذه الأمور ذهب إلى مدارس العلم يتعلم
ما يتأهل به لما يطلبه وهو لا يتصور البلوغ إلى الثمرة المستفادة من العلم
والغاية الحاصلة لطالبه فيكون ذهنه كليلا وفهمه عليلا ونفسه خائرة ونيته
خاسرة بل غاية تصوره ومعظم فكرته في اقتناص المنصب والوصول إليه فيخدم في
مدة طلبه واشتغاله أهل المناصب ومن يرجو منهم الإعانة على بلوغ مراده أكثر
مما يخدم العلم ويتردد إلى أبوابهم ويتعثر في مجالسهم ويذوق به من الإهانة
ما فيه أعظم مرارة ويتجرع من الغصص



ما يصغر قدر الدنيا بالنسبة إليه فإذا نال
ذلك المنصب ضرب بالدفاتر وجه الحائط وألقاها خلف الصور لعدم الباعث عليها
من جهة نفسه والمنشط على العلم والمرغب فيه
فهذا هو شبيه بمن يتعلم مهنة من المهن ويتدرب في حرفة من الحرف فيقصد
أهلها حتى يدركها ويكون فيها أستاذا ثم يذهب إلى دكان من الدكاكين فيعتاش
بتلك الحرفة
وليس هو من أهل العلم في ورد ولا صدر ولا ينبغي أن يكون معدودا منهم وإن
ارتسم في ذهنه منه رسوم فهو من أزهد الناس فيها وأجفاهم لها وأقلهم
احتفالا بها ولا فائدة في تعلمه راجعة إلى الدين قط بل غاية ما استفاده
منه العلم وأهله تعريضه وتعريضهم للإهانة عند أهل الدنيا وإيقاعه وإيقاعهم
في يد من لا يعرف للعلم قدرا ولا يرفع له ذكرا ولا يقيم له وزنا كما يشاهد
من المتعلقين بالأعمال الدولية فإنهم يتلاعبون بطلبة المناصب الدنيوية
غاية التلاعب ويعرضونهم للإهانة مرة بعد أخرى ويتلذذون بذلك ويبتهجون
لأنهم يظنون أنها قد ارتفعت طبقتهم عن طبقات أهل العلم وحكموا تارة فيهم
بالولاية وتارة بالعزل وتمرغوا على عتابتهم مرة بعد مرة فبهذه الوسيلة دخل
على أهل العلم بما يصنعه هؤلاء من هذه الهنات الوضيعة والفعلات الشنيعة ما
تبكي عيون العلم وأهله وتقوم عليه النواعي ويغضب له كل من له حمية دينة
وهمة علية ولو علم أولئك المغرورون لم يبتهجوا بمن قصدهم من هؤلاء النوكاء
فإنهم ليسوا من أهل العلم ولا بينهم وبينهم علاقة ولا فرق بينهم وبين من
يطلب الأعمال الدولية التي لا تعلق لها بالعلم
ومن هذه الحيثية تنازل منصب العلم وتهاون الناس به لأنهم يرون رجلا قد لبس
لباس أهل العلم وتزين بزيهم وحضر مجالسهم ثم ذهب إلى مجالس أهل الدنيا ومن
لهم قدرة على إيصال أهل الأعمال الدنيوية إليها من وزير أو أمير فتصاغر
لهم وتذلل وتهاون وتحقر حتى يصير في عداد خدمهم



ومن هو في أبوابهم ثم أعطوه منصبا من
المناصب فعمل ما يريدونه منهم وإن خالف الشرع واعتمد على ما يرسمونه له
وإن كان طاغوتا بحتا
فيظن من لا علم عنده بحقائق الأمور أن أهل العلم كلهم هكذا وأنهم ينسلخون
من العلم إذا ظفروا بمنصب من المناصب هذا الانسلاخ ويمسخون هذا المسخ
ويعود أمرهم إلى هذا المعاد فيزهد في العلم وأهله وتنفر عنه نفسه وتقل فيه
رغبته ويؤثر الحرف الدنيوية عليه ليربح السلامة من المهانة التي رآها
نازلة بهذا المشؤوم الجالب على نفسه وعلى أهل العلم ما جلب من الذل
والصغار
وإذا كان ما جناه هؤلاء النكاء على العلم وأهله بالغا إلى هذا الحد عند
سائر الناس فما ظنك بما يعتقده فيهم من يطلبونه من المناصب بعد أن شاهد
منهم ما يشاهد من الخضوع والذلة والانسلاخ عن الشرع إلى ما يريدونه منه
وبذل الأموال لهم على ذلك ومهاداتهم بأفخر الهدايا والوقوف على ما يطلبونه
منه على أي صفة تراد منهم
وينظم إلى هذا خلوهم عن العلم وجهلهم لأهله الذين هم أهلهم فيظنون أن
هؤلاء الذين قصدوهم وتعثروا على أبوابهم هم رؤوس أهله لما يشاهدونه عليهم
من الهيئة واللباس الفاخر الذي لا يجدونه عند المشتغلين بالعلم
فهل تراهم بعد هذا يميلون إلى ما يقوله أهل العلم وينزجرون بما يوردونه
عليهم من الزواجر الشرعية المتضمنة لإنكار ما هو منكر والأمر بما هو معروف
والتخويف لهم عن مجاوزة حدود الله هيهات أن يصغوا لهذا سمعا أو يفتحوا له
طرفا فإلى الله المشتكى وعليه المعول فهذا أمر وقع فيه أهل العصور الأول
فألأول
وما أحق أهل العلم الحاملين لحجيج الله المرشدين لعباده إلى شرائعه أن
يطردوا هؤلاء عن مجالسهم ويبعدونهم عن مواطن تعليمهم وأن لا يبذلوا العلم
إلا لمن يقدره حق قدره وينزله منزلته ويطلبه لذاته ويرغب فيه



لشرفه ويعتقد أنه أشرف مطلب من مطالب الدين
والدنيا وأنه يصغر عنده الملك فضلا عما هو دونه
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى