صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
تولي أهل العلم للمناصب
ولا أقول إن أهل العلم العارفين به المطلعين على أسراره يمنعون أنفسهم من
المناصب الدينية
وكيف أقول بهذا وهذه المناصب إذا لم تربط بهم ضاعت وإذا لم يدخل فيها
الأخبار تتابع فيها الأشرار وإذا لم يقم بها أهل العلم قام بها أهل الجهل
وإذا أدبر عنها أهل الورع أقبل إليها أهل الجور
وكيف أقول هذا وأهل العلم هم المأمورون بالحكم بين الناس بالحق والعدل
والقسط وما أنزل الله وما أراهم الله القيام بين الناس بحججه والتبليغ
لأحكامه وتذكيرهم بما أمر الله بالتذكير به وإرشادهم إلى ما أرشدهم الله
إليه ولأهل القضاء والإفتاء ونحوها من هذه الأمور أوفر نصيب وأكبر حظ
ولكني أقول إنه ينبغي لطالب العلم أن يطلبه كما ينبغي ويتعلمه على الوجه
الذي يريده الله منه معتقدا أنه أعلى أمور الدين والدنيا راجيا أن ينفع به
عباد الله بعد الوصول إلى الفائدة منه ومن جملة النفع إذا احتاج إليه
الملوك وأهل الدنيا أن يلي منصبا من المناصب فطلبوا منه ذلك وعولوا عليه
في الإجابة معترفين بحق العلم منقادين إلى ما يوجبه الشرع معظمين لما أوجب
الله تعظيمه وكان قد بلغ إلى منزلة في العلم تصلح لذلك المنصب وشهد له أهل
العلم بكمال التأهيل وإحراز عدته فهذا إذا كان الحال هكذا لا يحل له أن
يمتنع من الإجابة أو يأتي من قبول ذلك فإنه إذا فعل ذلك كان تاركا لما
أوجبه الله عليه من القيام بحجته ونشر أحكامه وإرشاد عباده إلى
معالمه ونهيهم عن تجاوز حدوده ولا شك أن ذلك
من أوجب الواجبات على أهل العلم وأهم المهمات ولو جاز ذلك لمن طلب منهم
وعول عليه لجاز لغيره من أهل العلم أن يصنع كصنعه ويسلك مسلكه فتتعطل
معاهد الشرع وتذهب رسومه ويتخذ الناس رؤوسا جهالا يقضون بغير علم فيضلون
ويضلون وذلك من علامات القيامة وأشراط الساعة كما ورد به الخبر الصحيح
كيفية الوصول إلى المرتبة الثانية للعلم
وإذا عرفت ما ينبغي لأهل الطبقة الأولى من العلوم فلنتكلم الآن على ما
ينبغي لأهل الطبقة الثانية من الطبقات المذكورة سابقا وهي طبقة من يريد أن
يعرف ما طلبه منه الشارع من أحكام التكليف والوضع على وجه يستقل فيه بنفسه
ولا يحتاج إلى غيره من دون أن يتصور البلوغ إلى ما تصوره أهل الطبقة
الأولى من تعدي فوائد معارفهم إلى غيرهم والقيام في مقام أكابر الأئمة
المرجوع إليهم كما يتصوره أهل الطبقة الأولى
فتقول صاحب هذه الطبقة الثانية هو من يطلب ما يصدق عليه مسمى الاجتهاد
ويسوغ به العمل بأدلة الشرع وهو يكفي بأن يأخذ من كل فن من فنون الاجتهاد
بنصيب يعلم به ذلك الفن علما يستغني به عن الحاجة إليه أو يهتدي به إلى
المكان الذي فيه ذلك البحث على وجه يفهم به ما يقف عليه منه
علم النحو
فيشرع بتعلم علم النحو حتى تثبت له فيه ملكة يقتدر بها على معرفة أحوال
أواخر الكلم إعرابا وبناء وأقل ما يحصل له ذلك بحفظ مختصر من
المختصرات المشتملة على مهمات مسائل النحو
والمتضمنة لتقرير مباحثه على الوجه المعتبر = كالكافية = لابن الحاجب
وقراءة شرح من شروحها المختصرة وأحسنها بالنسبة إلى الشروح المختصرة شرح
الجامي فإنه ينتفع به الطالب انتفاعا لا يجده في غيره من مختصرات الشروح
علم الصرف
ثم يحفظ مختصرا في الصرف = كالشافية = لابن الحاجب وقراءة شرح من شروحها
المختصرة وأحسنها شرح الجاربردي
علم المعاني والبيان
ثم يشتغل بحفظ مختصر من مختصرات علم المعاني والبيان = كالتلخيص =
للقزويني وقراءة شرح من شروحه المختصرة كشرح السعد المختصر
علم أصول الفقه
ثم يشتغل بحفظ مختصر من مختصرات الأصول الفقهية وقراءة شرح منُ
شروحه وأنفع ما ينتفع به الطالب = الغاية =
للحسين بن القاسم وشرحها له فإنهما مع المبالغة في الاختصار قد اشتملا على
ما حوته غالب المطولات الكبار
علم التفسير
ثم يشتغل بقراءة تفسير من التفاسير المختلفة كتفسير القاضي البيضاوي مع
مراجعة ما يمكنه مراجعته من التفاسير
علم الحديث
ثم يشتغل بسماع ما لابد من سماعه من كتب الحديث وهي = الست الأمهات = فإن
عجز عن ذلك اشتغل بسماع ما هو مشتمل على ما فيها من المتون = كجامع الأصول
= ثم لا يدع البحث عن ما هو موجود من أحاديث الأحكام في غيرها بحسب ما
تبلغ إليه طاقته ويبحث عن الأحاديث الخارجة عن الصحيح في المواطن التي هي
مظنة للكلام عليها من الشروح والتخريجات
علوم أخرى
ويكون مع هذا عند ممارسته لعلم اللغة على وجه يهتدي به في البحث عن
الألفاظ العربية واستخراجها من مواطنها
وعنده من علم إصلاح الحديث وعلم الجرح والتعديل ما يهتدي به إلى معرفة ما
يتكلم به الحفاظ على أسانيد الأحاديث ومتونها
مؤشر الوصول إلى المرتبة الثانية
فمن علم بهذه العلوم علما متوسطا يوجب ثبوت مطلق الملكة في كل واحد منها
صار مجتهدا مستغنيا عن غيره ممنوعا من العمل بغير دليل
وعليه أن يبحث عند كل حادثة يحتاج إليها في دينه عن أقوال أهل العلم
وكيفية استدلالهم في تلك الحادثة وما قالوه وما رد عليهم به فإنه ينتفع
بذلك انتفاعا كاملا ويضم إلى علمه علوما وإلى فهمه فهوما
وهو وإن قصر عن أهل الطبقة الأولى فليس بمحتاج فيما يتعلق به من أمر الدين
إلى زيادة على هذا المقدار
ويختلف الانتفاع بالعلوم باختلاف القرائح والفهوم فقد ينتفع من هو كامل
الذكاء صادق الفهم قوي الإدراك بالقليل ما لا يقتدر على الانتفاع بما هو
أكثر منه كثير من جامد الفهم راكدي الفطنة
كيفية الوصول إلى المرتبة الثالثة للعم
وأما أهل الطبقة الثالثة وهم الذين يرغبون في إصلاح ألسنتهم وتقويم
أفهامهم بما يقتدرون به على فهم معاني ما يحتاجون إليه من الشرع وعدم
تحريفه وتصحيفه وتغيير إعرابه من دون قصد منهم إلى الاستقلال بل
يعزمون على التعويل على السؤال عند عروض
التعارض والاحتياج إلى الترجيح
علم الإعراب
فينبغي تعلم شيئا من علم الإعراب حتى يعرف به إعراب أواخر الكلمة
ويكفيه في مثل ذلك حفظ منظومة الحريري المسماة = الملحة = وقراءة شروحها
على أهل الفن وتدربه في إعراب ما يطلع عليه من الكلام المنظوم والمنثور
ويحفى السؤال عن إعراب ما أشكل عليه حتى تثبت له بمجموع ذلك ملكه يعرف بها
أحوال أواخر الكلم إعرابا وبناء وإلا لم يعلم بوجوده العلل النحوية ولا
عرف الحجج العربية
علم مصطلح الحديث
ثم يتعلم اصطلاح علم الحديث ويكفيه في مثل ذلك مثل = النخبة = وشرحها
تولي أهل العلم للمناصب
ولا أقول إن أهل العلم العارفين به المطلعين على أسراره يمنعون أنفسهم من
المناصب الدينية
وكيف أقول بهذا وهذه المناصب إذا لم تربط بهم ضاعت وإذا لم يدخل فيها
الأخبار تتابع فيها الأشرار وإذا لم يقم بها أهل العلم قام بها أهل الجهل
وإذا أدبر عنها أهل الورع أقبل إليها أهل الجور
وكيف أقول هذا وأهل العلم هم المأمورون بالحكم بين الناس بالحق والعدل
والقسط وما أنزل الله وما أراهم الله القيام بين الناس بحججه والتبليغ
لأحكامه وتذكيرهم بما أمر الله بالتذكير به وإرشادهم إلى ما أرشدهم الله
إليه ولأهل القضاء والإفتاء ونحوها من هذه الأمور أوفر نصيب وأكبر حظ
ولكني أقول إنه ينبغي لطالب العلم أن يطلبه كما ينبغي ويتعلمه على الوجه
الذي يريده الله منه معتقدا أنه أعلى أمور الدين والدنيا راجيا أن ينفع به
عباد الله بعد الوصول إلى الفائدة منه ومن جملة النفع إذا احتاج إليه
الملوك وأهل الدنيا أن يلي منصبا من المناصب فطلبوا منه ذلك وعولوا عليه
في الإجابة معترفين بحق العلم منقادين إلى ما يوجبه الشرع معظمين لما أوجب
الله تعظيمه وكان قد بلغ إلى منزلة في العلم تصلح لذلك المنصب وشهد له أهل
العلم بكمال التأهيل وإحراز عدته فهذا إذا كان الحال هكذا لا يحل له أن
يمتنع من الإجابة أو يأتي من قبول ذلك فإنه إذا فعل ذلك كان تاركا لما
أوجبه الله عليه من القيام بحجته ونشر أحكامه وإرشاد عباده إلى
معالمه ونهيهم عن تجاوز حدوده ولا شك أن ذلك
من أوجب الواجبات على أهل العلم وأهم المهمات ولو جاز ذلك لمن طلب منهم
وعول عليه لجاز لغيره من أهل العلم أن يصنع كصنعه ويسلك مسلكه فتتعطل
معاهد الشرع وتذهب رسومه ويتخذ الناس رؤوسا جهالا يقضون بغير علم فيضلون
ويضلون وذلك من علامات القيامة وأشراط الساعة كما ورد به الخبر الصحيح
كيفية الوصول إلى المرتبة الثانية للعلم
وإذا عرفت ما ينبغي لأهل الطبقة الأولى من العلوم فلنتكلم الآن على ما
ينبغي لأهل الطبقة الثانية من الطبقات المذكورة سابقا وهي طبقة من يريد أن
يعرف ما طلبه منه الشارع من أحكام التكليف والوضع على وجه يستقل فيه بنفسه
ولا يحتاج إلى غيره من دون أن يتصور البلوغ إلى ما تصوره أهل الطبقة
الأولى من تعدي فوائد معارفهم إلى غيرهم والقيام في مقام أكابر الأئمة
المرجوع إليهم كما يتصوره أهل الطبقة الأولى
فتقول صاحب هذه الطبقة الثانية هو من يطلب ما يصدق عليه مسمى الاجتهاد
ويسوغ به العمل بأدلة الشرع وهو يكفي بأن يأخذ من كل فن من فنون الاجتهاد
بنصيب يعلم به ذلك الفن علما يستغني به عن الحاجة إليه أو يهتدي به إلى
المكان الذي فيه ذلك البحث على وجه يفهم به ما يقف عليه منه
فيشرع بتعلم علم النحو حتى تثبت له فيه ملكة يقتدر بها على معرفة أحوال
أواخر الكلم إعرابا وبناء وأقل ما يحصل له ذلك بحفظ مختصر من
المختصرات المشتملة على مهمات مسائل النحو
والمتضمنة لتقرير مباحثه على الوجه المعتبر = كالكافية = لابن الحاجب
وقراءة شرح من شروحها المختصرة وأحسنها بالنسبة إلى الشروح المختصرة شرح
الجامي فإنه ينتفع به الطالب انتفاعا لا يجده في غيره من مختصرات الشروح
علم الصرف
ثم يحفظ مختصرا في الصرف = كالشافية = لابن الحاجب وقراءة شرح من شروحها
المختصرة وأحسنها شرح الجاربردي
ثم يشتغل بحفظ مختصر من مختصرات علم المعاني والبيان = كالتلخيص =
للقزويني وقراءة شرح من شروحه المختصرة كشرح السعد المختصر
ثم يشتغل بحفظ مختصر من مختصرات الأصول الفقهية وقراءة شرح منُ
شروحه وأنفع ما ينتفع به الطالب = الغاية =
للحسين بن القاسم وشرحها له فإنهما مع المبالغة في الاختصار قد اشتملا على
ما حوته غالب المطولات الكبار
علم التفسير
ثم يشتغل بقراءة تفسير من التفاسير المختلفة كتفسير القاضي البيضاوي مع
مراجعة ما يمكنه مراجعته من التفاسير
ثم يشتغل بسماع ما لابد من سماعه من كتب الحديث وهي = الست الأمهات = فإن
عجز عن ذلك اشتغل بسماع ما هو مشتمل على ما فيها من المتون = كجامع الأصول
= ثم لا يدع البحث عن ما هو موجود من أحاديث الأحكام في غيرها بحسب ما
تبلغ إليه طاقته ويبحث عن الأحاديث الخارجة عن الصحيح في المواطن التي هي
مظنة للكلام عليها من الشروح والتخريجات
ويكون مع هذا عند ممارسته لعلم اللغة على وجه يهتدي به في البحث عن
الألفاظ العربية واستخراجها من مواطنها
وعنده من علم إصلاح الحديث وعلم الجرح والتعديل ما يهتدي به إلى معرفة ما
يتكلم به الحفاظ على أسانيد الأحاديث ومتونها
مؤشر الوصول إلى المرتبة الثانية
فمن علم بهذه العلوم علما متوسطا يوجب ثبوت مطلق الملكة في كل واحد منها
صار مجتهدا مستغنيا عن غيره ممنوعا من العمل بغير دليل
وعليه أن يبحث عند كل حادثة يحتاج إليها في دينه عن أقوال أهل العلم
وكيفية استدلالهم في تلك الحادثة وما قالوه وما رد عليهم به فإنه ينتفع
بذلك انتفاعا كاملا ويضم إلى علمه علوما وإلى فهمه فهوما
وهو وإن قصر عن أهل الطبقة الأولى فليس بمحتاج فيما يتعلق به من أمر الدين
إلى زيادة على هذا المقدار
ويختلف الانتفاع بالعلوم باختلاف القرائح والفهوم فقد ينتفع من هو كامل
الذكاء صادق الفهم قوي الإدراك بالقليل ما لا يقتدر على الانتفاع بما هو
أكثر منه كثير من جامد الفهم راكدي الفطنة
وأما أهل الطبقة الثالثة وهم الذين يرغبون في إصلاح ألسنتهم وتقويم
أفهامهم بما يقتدرون به على فهم معاني ما يحتاجون إليه من الشرع وعدم
تحريفه وتصحيفه وتغيير إعرابه من دون قصد منهم إلى الاستقلال بل
يعزمون على التعويل على السؤال عند عروض
التعارض والاحتياج إلى الترجيح
علم الإعراب
فينبغي تعلم شيئا من علم الإعراب حتى يعرف به إعراب أواخر الكلمة
ويكفيه في مثل ذلك حفظ منظومة الحريري المسماة = الملحة = وقراءة شروحها
على أهل الفن وتدربه في إعراب ما يطلع عليه من الكلام المنظوم والمنثور
ويحفى السؤال عن إعراب ما أشكل عليه حتى تثبت له بمجموع ذلك ملكه يعرف بها
أحوال أواخر الكلم إعرابا وبناء وإلا لم يعلم بوجوده العلل النحوية ولا
عرف الحجج العربية
ثم يتعلم اصطلاح علم الحديث ويكفيه في مثل ذلك مثل = النخبة = وشرحها
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
القياس
وأما القياس فاعلم أنه قد رسمه أهل الأصول بأنه مساواة أصل للفرع في علة
حكمه ثم شرطوه بشروط وقيدوه بقيود هي معلومة عند من يعرف الفن لكنهم
توسعوا في هذه المساواة وأثبتوها بأمور هي مجرد خيال ليس على ثبوته إشارة
من علم
وبيانه أنهم جعلوا مسالك العلة أنواعا فأكثر ما قيل أنها عشرة ثم جميع هذه
المسالك إلا القليل هي بحث الرأي ومحصل الدعاوي المجردة
فعليك أن تضع قدمك موضع المنع وتقوم في مقام الإنكار حتى يوجب عليك المصير
إلى شيء منها ما لا يقدر على دفعه ولا يشك في صحته كمسلك النص على العلة
ومسلك القطع بانتفاء الفارق ومثل هذا فحوى الخطاب وما شابه هذه الأمور
وإياك أن تثبت أحكام الله بخيالات تقع لك أو لعالم مثلك من سابق الأمة أو
لاحقها فإن عليك من الوزر والوبال ما قدمنا ذكره في هذا الكتاب
وبالجملة فالقياس الذي يذكره أهل الأصول ليس بدليل شرعي تقوم به الحجة على
أحد من عباد الله ولا جاء دليل شرعي يدل على حجيته وإن زعم ذلك من لا خبرة
له بالأدلة الشرعية ولا بكيفية الاستدلال بها يعرف هذا من يعرفه وينكره من
ينكره
وأما ما كانت العلة فيه منصوصة فالدليل هو ذلك النص على العلة لأن
الشارع كأنه صرح باعتبارها إذا وجدت في شيء
من المسائل من غير فرق بين كونه أصلا أو فرعا
وهكذا ما وقع القطع فيه بنفي الفارق فإنه بهذا اقدر قد صار الأمران اللذان
لا فارق بينهما شيئا واحدا ما دل على أحدهما دل على الآخر من دون أصلا أو
فرعا وهكذا ما وقع القطع فيه بنفي الفارق فأنه بهذا القدر قد صار الأمران
اللذان لا فارق بينهما شيئا واحدا ما دل على أحدهما دل على الآخر من دون
تعدية ولا اعتماد أصلية ولا فرعية
وأما فحوى الخطاب ولحنه فهذان هما راجعان إلى المفهوم والمنطوق وإن سماهما
بعض أهل العلم بقياس الفحوى وبحث العمل بالمفهوم خارج عما نحن بصدده وقد
جاءت لغة العرب الحاكية لما كانوا يفهمونه ويتحاورون به ويعملون عليه أن
مثل هذا المفهوم كان معتبرا لديهم مأخوذا به عندهم
ولهذا قال من قال من العلماء إنه منطوق لا مفهوم
ولقد تلاعب كثير من أهل الرأي بالكتاب والسنة تلاعبا لا يخفى إلا على من
لا يعرف الإنصاف بهذه الذريعة القياسية وعولوا على ما هو منه أوهن من بيت
العنكبوت وقدموه على آيات قرآنية وأحاديث نبوية
وما هذه بأول فاقرة جاء بها الشيطان وحسنها لنوع الإنسان وذاد بها عباد
الله عن شرائعه
ومن أنكر هذا فلينظر المصنفات في الفقه ويتتبع مسائلها المبنية على مجرد
القياس المبني على غير أساس مع وجود أدلة نيرة وبراهين مرضية
ومن هذا الباب دخل أهل الرأي وإليه خرجوا من أبواب الأدلة الثابتة في كتاب
الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
( فكن رجلا رجله في الثرى ** وهامه همته في الثريا )
وكل من له فهم لا يغرب عنه أن الله تعالى لم يتعبد عباده بمجرد قول عالم
من العلماء أنه قد أفاده مسلك تخريج المناط أو تنقيح الناط أو الشبه أو
الدوران أو نحو هذا الهذيان هذا على فرض أنه لم يوجد في الكتاب والسنة
ما يخالف هذا المسلك الذي لا يسلكه
المتورعون ولا يمشي عليه المتدينون فكيف إذا كان الدليل المخالف له واضح
المنار ظاهر الاشتهار قريب الديار لمن سافر إليه من أهل الاعتبار
والكلام في هذا البحث طويل الذيول وقد أفرده جماعة من أهل العلم بالتصنيف
وليس المراد هنا إلا مجرد التنبيه لطاب العلم وإني وإن حذرته عن العمل
بهذا القياس فلا أحذره عن العلم به وتطويل الباع في معرفته والإحاطة بما
جاء به المصنفون من أهل الأصول في مباحثه فإنه لا يعرف صحة ما قلته إلا من
عرفه حق معرفته وقد يعرف الشيء ليجتنب ويحذر ويعرف الشر لا للشر
الاستحسان
وأما الاستحسان فاعلم أنهم رسموه بأنه دليل ينقدح في نفس المجتهد ويعسر
عله التعبير عنه
وأنت لا يخفى عليك إن بقي لك نصيب من فهم وحظ من إنصاف أن الله تبارك
وتعالى لم يتعبد أحدا من عباده بدليل يستدل به أحد من علماء الأمة ويمكنه
التعبير عنه وإبرازه من القول إلى الفعل إلا إذا كان صحيحا تقوم به الحجة
فكيف يتعبدهم بما انقدح في نفس فرد من أفرادهم على وجه لا يمكنه التعبير
عنه ولا إبرازه إلى الخارج
فإن هذا الذي انقدح في نفسه لا ندري ما هو ولا كيف هو فكيف يكون حجة على
أحد من الناس وقد عجز صاحبه عن بيانه وعسرت عليه ترجمته
فبالله العجب من هذا الهذيان وكيف استجاز قائله أن يحكم عليه وأنه دليل
شرعي ويفترى على الشرع ما ليس منه وعلى الله سبحانه ما لم يقله
وبالجملة تبيان فساد هذا لا يحتاج إلى إيضاح وإفهام البشر وإن بلغت في
الضعف أي مبلغ وقاربت أفهام الدواب فهي لا تطلب البرهان على بطلان
هذا الهذيان ولو احتاج محتاج إلى الاستدلال
على بطلان هذا الباطل لزمه أن يدفع فرية كل مفتر على الله ولله در الإمام
الشافعي حيث يقول من استحسن فقد شرع
الاجتهاد
وأما الاجتهاد فقد رسموه بأنه استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن يحكم شرعي
ولا شك أن هذا الظن الكائن بعد الاستفراغ وإن تعبد الله به ذلك المستفرغ
لكونه فرضه عند فقد الدليل كما تقدم البحث عن هذا والاستدلال عليه لكن
الشأن في كون هذا الظن حجة على أحد من عباد الله ممن لم يقع له هذا الظن
ولا تقدم له استفراغ الوسع فإن الحجة الشرعية ليست ظنون بعض المكلفين
بالشرع المتعبدين به على البعض الآخر ولا جاء في الشريعة حرف واحد مما
يفيد هذا ويدل عليه بل صرح الكتاب العزيز بالنهي عن اتباع الظن وأنه لا
يغني من الحق شيئا وأن بعضه إثم وهذه الأدلة الكلية توجب على الإنسان أن
لا يعمل بظنه في شئ كائنا ما كان إلا ما خصصه الشرع فكيف بظن غيره
فيا معشر المقلدة اسمعوا وعوا فإنكم إنما تتبعون ظنونا خطرت لقوم الحجة من
الله بما في كتابه وسنة نبيه قائمة عليهم كما هي قائمة عليكم وهم متعبدون
بها كتعبدكم بها فما لكم ولهم وماذا عليكم من ظنونهم فقد أسفر الصبح لذي
عينين وارتفع ما على قلوب قوم من الرين إن بقي للهداية مجال ولاستماع
الصواب احتمال وقد كررت الكلام في المقام بما لا يحتاج معه إلى التطويل هنا
مفاسد أصابت دين الإسلام
وأعلم أن المفاسد الماحقة لبركة الله والمفرقة لكلمة المسلمين كثيرة جدا
والإحاطة بها تتعسر وقد ذكرنا هنا ما حضر عند التحرير وأعظم ما أصيب به
دين الإسلام من الدواهي الكبار والمفاسد التي لا يوقف لها في الضرر على
مقدار أمران
تعدد المذاهب
أحدها هذه المذاهب التي ذهبت ببهجة الإسلام وغيرت رونقه وجهمت وجهه وقد
قدمنا في هذا ما يستغنى عن الزيادة إن بقي له فهم يرجع به إلى الحق ويخرج
به من الباطل
الاعتقادات الفاسدة في بعض الأموات
والأمر الثاني هذه الاعتقادات التي حدثت لهذه الأمة في صالحي الأموات حتى
صار الرجل يقرن من يعتقده من الأموات بمن يقلده منهم
فيقول إمامه في المذهب فلان وشيخه في الاعتقاد والمحبة فلان
وهذا يقوله ظاهرا وهو لو كوشف ونطق بما في ضميره لقال وشيخه الذي يعول
عليه في زعمه عند الشدائد في قضاء حاجاته ونيل مطالبه فلان
وصمى صام من خلف وأمام فإن هذه الداهية الدهياء والمصيبة الصماء العمياء
فقد كان أوائل المقلدة يعتمدون على أئمتهم في المسائل الشرعية ويعولون على
آرائهم ويقفون عند اختياراتهم ويدعون نصوص الكتاب والسنة ولكنهم ا ينزلون
حوائجهم بغير الله عز وجل ولا يناجون سواه ولا يرجون غيره ولا يعولون إلا
عليه ولا يطلبون إلا منه
فهم وإن خلطوا صومهم وصلاتهم وحجهم وزكاتهم وسائر عباداتهم ومعاملاتهم
بآراء الرجال وقلدوا في كثير من تفاصيلها ما لم يأذن الله بتقليده
وأخذوا دينهم على الوجه الذي لم يأمر الله
به ولا ارتضاه لهم لكنهم لم يخلطوا في معنى لا إله إلا الله ولا تلاعبوا
بالتوحيد ولا دخلوا في أدوار الشرك ومضايق الجحود وبلايا الجاهلية وما
كانوا عليه
وأما هؤلاء فعمدوا إلى جماعة من الأموات الذين لا يستطيعون توصية ولا إلى
أهلهم يرجعون فقصدوهم في المهمات وعكفوا على قبورهم ونذروا لهم النذور
ونحروا لهم النحاير وفزعوا إليهم عند المهمات
فتارة يطلبون منهم من الحاجات ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل وخصوهم
بالنداء وأفردوهم بالطلب وتارة ينادونهم مع الله عز وجل ويصرخون بأسمائهم
مع اسم الله سبحانه فيأتون بكلمات تقشعر لها جلود من يعلم معنى لا إله إلا
الله ويعرف مدلول قل هو الله أحد وتلاعب بهم الشيطان في ذلك ونقلهم من
مرتبة إلى مرتبة ومن منزلة إلى منزلة حتى استعظموا من جانب هؤلاء الأموات
الذي خلقهم الله ورزقهم وأحياهم وأماتهم ما لا يستعظمونه من جانب بارئ
البرية وخالق الخالق يستعظمون جل اسمه وتعالى قدره ولا إله غيره
وأفضى ذلك إلى أن أحدهم يحلف بالله تعالى فاجرا ولا يحلف بمن يعتقده من
الأموات ويقدم على المعصية في المساجد التي هي بيوت الله ولا يقدم عليها
عند قبر من يعتقده
وتزايد الشر وعظمت المحنة وتفاقمت المصيبة حتى صار كثير منهم ينسبون ما
أصابهم من الخير في الأنفس والأموال والأهل إلى ذلك الميت وما أصابهم من
الشر في ذلك إليه وقد صارت تحت أطباق الثرى وغيب عن أعين البشر وصار
مشغولا عاجزا عن جر نفع إليه أو دفع ضر عنه منتظرا لما ينتظر له مثله من
الأموات لا يدري ما نزل به من هؤلاء النوكاء ولا يشعر بما ألصقوه به ولو
علم بذلك لجالدهم بالسيف ودفعهم بما يقدر عليه
ولو اتبع الناس ما أرشد إليه الشارع من تسوية القبور كما ثبت في = صحيح
مسلم = وغيره من حديث أبي الهياج قال قال لي علي بن أبي طالب ألا أبعثك
على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع قبرا مشرفا إلا
سويته ولا تمثالا إلا طمسته فانظر كيف بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
أميرا لهدم القبور المشرفة وطمس التماثيل هو أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب رضي الله عنه ثم بعث علي أيام خلافته أميرا على ذلك هو أبو الهياج
وأخرج أبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث جابر أن النبي صلى
الله عليه وسلم نهى أن يجصص القبور وأن يبني عليه
ومن أعظم الذرائع الشيطانية والوسائل الطاغوتية أنهم بالغوا في التأنق فين
عمارة قبور من يعتقدونه من الصالحين ونصبوا عليها القباب وجعلوا على
أبوابها الحجاب ووضعوا عليها من الستور العالية والآلات الرائعة ما يبهر
الناظر إليه ويدخل الروعة في قلبه ويدعوه إلى التعظيم كما جبلت عليه طبائع
العوام من دخول المهابة في قلوبهم والروعة في عقولهم بما يتعاطاه المريدون
لذلك كما يفعله غالب ملوك الدنيا من المبالغة في تزيين منازلهم وتعظيمها
والتألق في بنائها والاستكثار من الحجاب والخدم والصياح والجلبة وارتباط
الأسود ونحوها من الحيوانات ولبس فاخر الثياب قاصدين بذلك تربية المهابة
لهم والمخافة منهم وصنع هؤلاء القبوريون كصنعهم ففعلوا في الأموات من
جوالب التعظيم وأسباب الهيبة ما يكون له من التأثير في قلوب من يزورهم من
العامة ما لا يقادر قدره ثم يزيد ذلك قليلا قليلا حتى يحصل لهم من
الاعتقاد في أولئك الأموات ما يقدح في إسلامهم ويخدش في توحيدهم
وأن يكتب عليه وأن يوطئ وأخرجه مسلم في
صحيحه بدون ذكر الكتابة قال الحاكم النهي عن الكتابة على شرط مسلم وهي
صحيحة غريبة قال والعمل من أئمة المسلمين من المشرق إلى المغرب على خلاف
ذلك يعني يقررون كتابة الاسم من دون إنكار انتهى
وأقول لا حجة في أحد خالف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كائنا من كان قل عددهم أو كثر فليس لهم أن يشرعوا للناس غير ما شرعه الله
بل يحملون على الخطأ وعدم العناية بأمر الشرع والتساهل في أمر الدين
وما هذا بأول باب من أبواب الشرع أهمله الناس وخالفوا فيه السنن الواضحة
والشرائع الثابتة ولا سميا بعد أن استعلى الجهل على العلم وغلبت آراء
الرجال ما جاء في الكتاب والسنة وصار التقليد والتمذهب هو المعروف عند
الجمهور وغيره المنكر
ولا اعتبار بسكوت أهل العلم الذين هم أهله فإنهم مغلوبون مكثورون مخبوطون
بسوط العامة الذين منهم السلاطين وجنودهم كما قدمنا الإشارة إلى
هذا وأطباق أهل المشرق والمغرب على الكتابة
هو كأطباقهم على رفع القبور وتجصيصها ووضع القباب عليها وجعلها مساجد
فخالفوا ما تقدم عنه صلى الله عليه وسلم مع مخالفتهم لما ثبت في الصحيح
عنه ثبوتا لا يخالفه فيه مخالف من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا
تجعلوا قبري مسجدا لا تجعلوا قبرى وثنا لعن الله اليهود اتخذوا قبور
أنبيائهم مسجدا وكان هذا القول من آخر ما قاله في مرض موته كما ثبت أن آخر
ما قاله صلى الله عليه وسلم الأمر بإخراج اليهود من جزيرة العرب وتنفيذ
جيش أسامة ثم كان الواقع من أمته بعد هذا التأكيد أنهم بنوا على قبره
الشريف قبة ومازال ملوك الإسلام يبالغون في تحسينها وتزيينها ورفع سمكها
ووضعوا القباب ورفعوا القبور وكانوا يفعلون هذا بأهل الصلاح ثم تزايد الشر
وصاروا يفعلون ذلك لمن له رئاسة دنيوية وإن كان من أفجر الفجرة وقد يوصي
الميت في وصيته بذلك
وأعجب من هذا كله تصريح جماعة من أهل الفقه بأنه لا بأس بذلك إذا كان
الميت فاضلا ودونوه في مصنفاتهم التي هي مدارس الطلبة وضربوا ما ذكرناه من
الأدلة في وجه من جاء به ورموا بها خلف الحائط ولم يردعهم دين ولا وزعهم
حياء وقابلوا بما أسلفنا بقولهم أنه قد استحسن
رفع هذه القباب وتزيين هذه القبور بعض السلف
فلا كثر الله في أهل العلم من أمثال من استحسن مخالفة الشرع من السلف
الذين صرتم تقولون عليهم بما لم يقولوه فإنه إذا صح ما تزعمونه من أنه
استحسن ذلك بعض السلف فلا حجة في استحسان من استحسن مخالفة الشرع كائنا من
كان فإنه أو مبتدع ومخالف للشرع وعاص لله ولرسوله وللشريعة المطهرة
ولقد تزلزل بهذا السبب أقدام كثير من العباد عن الإسلام وذهب بهذه الذريعة
إيمان جماهير من الأنام فإنا لله وإنا إليه راجعون
فإنها لو كانت القبور على الصفة التي شرعها الله وعلمها الأمة رسول الله
لم يحدث من هذه الاعتقادات الفاسدة شئ ولا يشك عاقل أن أعظم ما أدخل فاسد
الاعتقاد في صدور كثير من العباد هو هذا الأمر مع سكوت العلماء عن البيان
الذي أمرهم الله به ومجاملتهم للعامة إما مع علمهم بما في هذا الأمر من
الخطر أو مع غلبة العادات الطارئة عليهم لما عندهم من العلم حتى ذهب ذلك
بما يعلمونه ومحق بركته وأبطل ثمرته
ومما أحكيه لك أنه كان يبلغني وأنا في الطلب للعلم والاشتغال به ما يصنعه
أهل القطر التهامي من الاجتماع لزيارة جمعة من المعتقدين لديهم وما يحدث
منهم عند ذلك من النهيق الذي لا يعود صاحبه إلى الإسلام سالما مع عدم
إنكار من بتلك الديار من العلماء بل كان الكثير منهم يحضرون تلك المجامع
ويشهدون تلك الزيارات فتكون المنكرات وما يحدث من أنواع الشرك بمرأى منهم
ومسمع فكتب رسالة إلى العلماء من أهل تلك الديار على يد رجل من أهل العلم
الراحلين إلى هنالك فلما عاد أخبرني بما حصل من الاستنكار منهم لما كتبته
إليهم وعدم الاعتداد به والالتفات إليه فقضيت من ذلك العجب
ثم لما ولى القضاء ببعض البيادر التهامية بعض علماء صنعاء الأكابر وشاهدُ
من هذه المنكرات ما حمله على أن يحرر إلي
سؤالا فأجبته برسالة مطولة سميتها الدر النضيد في إخلاص التوحيد وأمرته أن
يكتب نسخا ويرسلها إلى القضاة في تلك الديار ففعل ولم يؤثر ذلك شيئا بل
كتب كثير من علماء تلك الديار على رسالتي مناقشات واعتراضات
فلم تمض إلا أيام قلائل حتى نزل بهم السيف وهدم الله تلك الطواغيب وذهب
بتلك الاعتقادات الفاسدة فهي الآن صافية عن تلك الأمور التي كان يتلوث بها
أهلها فلا يقدر أحد منهم أن يستغيث بغير الله سبحانه أو ينادي ميتا من
الأموات أو يجري ذكره على لسانه ولكنه لم يغسل أدرانهم ويذيب بالكدورات
التي كانت تشوب صافي إسلامهم إلا السيف وهو الحكم العدل في من استحكمت
عليه نزعات الشيطان الرجيم ولم تردعه قوارع آيات الرحمن الرحيم
مفاسد بعض أدعياء التصوف
ويلتحق بالأمرين المذكورين أمر ثالث وإن لم تكن مفسدته كمفسدتهما ولا
شموله كشمولهما وهو ما صار عليه هذه الطائفة المدعوة بالمتصوفة
فقد كان أول هذا الأمر يطلق هذا الاسم على من بلغ في الزهد والعبادة إلى
أعلا مبلغ ومشى على هدى الشريعة المطهرة وأعرض عن الدنيا وصد عن زينتها
ولم يغتر ببهجتها ثم حدث أقوام جعلوا هذا الأمر طريقا إلى الدنيا ومدرجا
إلى التلاعب بأحكام الشرع ومسلكا إلى أبواب اللهو والخلاعة ثم جعلوا لهم
شيخا يعلمهم كيفية السلوك فمنهم من يكون مقصده صالحا وطريقته حسنة فيلقن
أتباعه كلمات تباعدهم من الدنيا وتقربهم من الآخرة وينقلهم من رتبة إلى
رتبة على أعراف يتعارفوها ولكنه لا يخلو غالب ذلك من مخالفة للشرع وخروج
عن كثير من آدابه
وهكذا كل من رام أن يطيع اله على غير الوجه الذي شرعه لعباده وارتضاه لهم
فإنه ربما يلحق بالخوارج بجامع وقوع ما أطاعوا الله به على غير ما شرعه
لهم في كتابه وعلى لسان رسوله
وإني أخشى أن يكون من هذا القبيل ما يقع من كثير من المتصوفة من تلك
الأقوال والأفعال التي ظاهرها التنفير عن الدنيا والبعد عن أهلها
والخير كل الخير في الكتاب والسنة فما خرج عن ذلك فلا خير فيه وإن جاءنا
أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة وأتقاهم الله تعالى وأخشاهم له في
الظاهر فإنه لا زهد لمن يمش على الهدى النبوي ولا تقوى ولا خشية لمن لم
يسلك الصراط المستقيم فإن الأمور لا تكون طاعات بالتعب فيها والنصب
وإيقاعها على أبلغ الوجوه بل إنما تكون طاعات خالصة محضة مباركة نافعة
بموافقة الشرع والمشي على الطريقة المحمدية واعتبر بالخوارج فقد وصفهم
النبي صلى الله عليه وسلم بما وصف من تلك العبادات والمجاهدات التي لا
تبلغ عبادتنا ولا مجاهدتنا إلى شئ منها ولا تعتبر بالنسبة إليها ومع هذا
فقال إنها لا تجاوز تراقيهم وقال إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من
الرمية وقال إنهم كلاب النار فانظر كيف كانت مجاهداتهم وعباداتهم وقيامهم
الليل وصيامهم النهار نقمة عليهم وبلية ومحنة لهم لم تعد عليه بنفع قط إلا
ما أصيبوا به من الخسار والنكال والوبال فكانت تلك الطاعات الصورية من
صلاة وصيام وتهجد وقيام هي نفس المعاصي الموجبة للنار
والفرار عن زينتها مع تلك الوظائف التي
يلازمونها من التخشع والإنكسار والتلهب والتأسف والصراخ تارة والهدوء تارة
أخرى والرياضيات والمجاهدات ملازمة أذكار يذكرون بها لم ترد في الشرع على
صفات لم يأذن الله بها مع ملازمة تلك الثياب الخشنة الدرنة والقعود في تلك
المساطب القذرة وما ينضم إلى ذلك من ذلك الهيام والشطح والأحوال التي لو
كان فيها خير لكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين هم خير
القرون
ولا أنكر أن في هذه الطائفة من قد بلغ في تهذيب نفسه وغسلها من الطواغيب
الباطنة والأصنام المستورة عن الناس كالحسد والكبر والعجب والرياء ومحبة
الثناء والشرف والمال والجاه مبلغا عظيما وارتقى مرتقا جسيما
ولكني أكره له أن يتداوى بغير الكتاب والسنة وأن يتطبب بغير الطب الذي
اختاره الله لعباده فإن في القوارع القرآنية والزواجر المصطفوية ما يغسل
كل قذر ويرخص كل درن ويدمغ كل شهية ويدفع كل عارض من عوارض السوء
فأنا أحب لكل عليل في الدين أن يتداوى بهذا الدواء فيعكف على تلاوة كتاب
الله متدبرا له متفهما لمعانيه باحثا عن مشكلاته سائلا عن معضلاته ويستكثر
من مطالعة السيرة النبوية ويتدبر ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه
وسلم في ليله ونهاره ويتفكر في أخلاقه وشمائله وهديه وسمته وما كان عليه
أصحابه وكيف كان هديهم في عبادتهم ومعاملاتهم
فإنه إذا تداوى بهذا الدواء ولاحظته العناية الربانية وجذبته الهداية
الإلهية فاز بكل خير مع ماله من الأجر الكثير والثواب الكبير في مباشرة
هذه الأسباب
وإذا حال بينه وبين الانتفاع بهذه الأمور حائل ومنعه من الظفر بما يترتب
عليها مانع فقد نال بتلك الأسباب التي باشرها أجرا عظيما لأنه طلب الخير
والصراط الإسلامي مع كونه قد صار من تصفية
باطنه من كدورات الكبر والعجب والحسد والرياء ونحوها بمحل يتقاصر عنه غيره
ويعجز عنه سواه
ولكني في هذا المصنف بسبب الإرشاد إلى العمل بالكتاب والسنة والتنفير عما
عداهما كائنا ما كان فلست أحب لمن أراد القرب إلى الله والفوز بما لديه
والظفر بما عنده أن يتسبب إلى ذلك بسبب خارج عنهما من رياضة أو مجاهدة أو
خلوة أو مراقبة أو يأخذ عن شيخ من شيوخ الطريقة الصوفية شيئا من
الاصطلاحات الموصلة إلى الله عندهم بل يطلب علم الكتاب والسنة ويأخذهما عن
العلماء المتقنين لهما المؤثرين لهما على غيرهما المتجنبين لعلم الرأي وما
يوصل إليه النافرين عن التقليد وما يحمل عليه فإنه إذا فعل ذلك سلك مسلك
النبوة وظفر بهدى الصحابة وسلم من البدع كائنة ما كانت فعند ذلك يحمد
مسراه ويشكر مسعاه ويفوز بخير أولاه وأخراه
تم بحمد الله
وأما القياس فاعلم أنه قد رسمه أهل الأصول بأنه مساواة أصل للفرع في علة
حكمه ثم شرطوه بشروط وقيدوه بقيود هي معلومة عند من يعرف الفن لكنهم
توسعوا في هذه المساواة وأثبتوها بأمور هي مجرد خيال ليس على ثبوته إشارة
من علم
وبيانه أنهم جعلوا مسالك العلة أنواعا فأكثر ما قيل أنها عشرة ثم جميع هذه
المسالك إلا القليل هي بحث الرأي ومحصل الدعاوي المجردة
فعليك أن تضع قدمك موضع المنع وتقوم في مقام الإنكار حتى يوجب عليك المصير
إلى شيء منها ما لا يقدر على دفعه ولا يشك في صحته كمسلك النص على العلة
ومسلك القطع بانتفاء الفارق ومثل هذا فحوى الخطاب وما شابه هذه الأمور
وإياك أن تثبت أحكام الله بخيالات تقع لك أو لعالم مثلك من سابق الأمة أو
لاحقها فإن عليك من الوزر والوبال ما قدمنا ذكره في هذا الكتاب
وبالجملة فالقياس الذي يذكره أهل الأصول ليس بدليل شرعي تقوم به الحجة على
أحد من عباد الله ولا جاء دليل شرعي يدل على حجيته وإن زعم ذلك من لا خبرة
له بالأدلة الشرعية ولا بكيفية الاستدلال بها يعرف هذا من يعرفه وينكره من
ينكره
وأما ما كانت العلة فيه منصوصة فالدليل هو ذلك النص على العلة لأن
الشارع كأنه صرح باعتبارها إذا وجدت في شيء
من المسائل من غير فرق بين كونه أصلا أو فرعا
وهكذا ما وقع القطع فيه بنفي الفارق فإنه بهذا اقدر قد صار الأمران اللذان
لا فارق بينهما شيئا واحدا ما دل على أحدهما دل على الآخر من دون أصلا أو
فرعا وهكذا ما وقع القطع فيه بنفي الفارق فأنه بهذا القدر قد صار الأمران
اللذان لا فارق بينهما شيئا واحدا ما دل على أحدهما دل على الآخر من دون
تعدية ولا اعتماد أصلية ولا فرعية
وأما فحوى الخطاب ولحنه فهذان هما راجعان إلى المفهوم والمنطوق وإن سماهما
بعض أهل العلم بقياس الفحوى وبحث العمل بالمفهوم خارج عما نحن بصدده وقد
جاءت لغة العرب الحاكية لما كانوا يفهمونه ويتحاورون به ويعملون عليه أن
مثل هذا المفهوم كان معتبرا لديهم مأخوذا به عندهم
ولهذا قال من قال من العلماء إنه منطوق لا مفهوم
ولقد تلاعب كثير من أهل الرأي بالكتاب والسنة تلاعبا لا يخفى إلا على من
لا يعرف الإنصاف بهذه الذريعة القياسية وعولوا على ما هو منه أوهن من بيت
العنكبوت وقدموه على آيات قرآنية وأحاديث نبوية
وما هذه بأول فاقرة جاء بها الشيطان وحسنها لنوع الإنسان وذاد بها عباد
الله عن شرائعه
ومن أنكر هذا فلينظر المصنفات في الفقه ويتتبع مسائلها المبنية على مجرد
القياس المبني على غير أساس مع وجود أدلة نيرة وبراهين مرضية
ومن هذا الباب دخل أهل الرأي وإليه خرجوا من أبواب الأدلة الثابتة في كتاب
الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
( فكن رجلا رجله في الثرى ** وهامه همته في الثريا )
وكل من له فهم لا يغرب عنه أن الله تعالى لم يتعبد عباده بمجرد قول عالم
من العلماء أنه قد أفاده مسلك تخريج المناط أو تنقيح الناط أو الشبه أو
الدوران أو نحو هذا الهذيان هذا على فرض أنه لم يوجد في الكتاب والسنة
ما يخالف هذا المسلك الذي لا يسلكه
المتورعون ولا يمشي عليه المتدينون فكيف إذا كان الدليل المخالف له واضح
المنار ظاهر الاشتهار قريب الديار لمن سافر إليه من أهل الاعتبار
والكلام في هذا البحث طويل الذيول وقد أفرده جماعة من أهل العلم بالتصنيف
وليس المراد هنا إلا مجرد التنبيه لطاب العلم وإني وإن حذرته عن العمل
بهذا القياس فلا أحذره عن العلم به وتطويل الباع في معرفته والإحاطة بما
جاء به المصنفون من أهل الأصول في مباحثه فإنه لا يعرف صحة ما قلته إلا من
عرفه حق معرفته وقد يعرف الشيء ليجتنب ويحذر ويعرف الشر لا للشر
الاستحسان
وأما الاستحسان فاعلم أنهم رسموه بأنه دليل ينقدح في نفس المجتهد ويعسر
عله التعبير عنه
وأنت لا يخفى عليك إن بقي لك نصيب من فهم وحظ من إنصاف أن الله تبارك
وتعالى لم يتعبد أحدا من عباده بدليل يستدل به أحد من علماء الأمة ويمكنه
التعبير عنه وإبرازه من القول إلى الفعل إلا إذا كان صحيحا تقوم به الحجة
فكيف يتعبدهم بما انقدح في نفس فرد من أفرادهم على وجه لا يمكنه التعبير
عنه ولا إبرازه إلى الخارج
فإن هذا الذي انقدح في نفسه لا ندري ما هو ولا كيف هو فكيف يكون حجة على
أحد من الناس وقد عجز صاحبه عن بيانه وعسرت عليه ترجمته
فبالله العجب من هذا الهذيان وكيف استجاز قائله أن يحكم عليه وأنه دليل
شرعي ويفترى على الشرع ما ليس منه وعلى الله سبحانه ما لم يقله
وبالجملة تبيان فساد هذا لا يحتاج إلى إيضاح وإفهام البشر وإن بلغت في
الضعف أي مبلغ وقاربت أفهام الدواب فهي لا تطلب البرهان على بطلان
هذا الهذيان ولو احتاج محتاج إلى الاستدلال
على بطلان هذا الباطل لزمه أن يدفع فرية كل مفتر على الله ولله در الإمام
الشافعي حيث يقول من استحسن فقد شرع
الاجتهاد
وأما الاجتهاد فقد رسموه بأنه استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن يحكم شرعي
ولا شك أن هذا الظن الكائن بعد الاستفراغ وإن تعبد الله به ذلك المستفرغ
لكونه فرضه عند فقد الدليل كما تقدم البحث عن هذا والاستدلال عليه لكن
الشأن في كون هذا الظن حجة على أحد من عباد الله ممن لم يقع له هذا الظن
ولا تقدم له استفراغ الوسع فإن الحجة الشرعية ليست ظنون بعض المكلفين
بالشرع المتعبدين به على البعض الآخر ولا جاء في الشريعة حرف واحد مما
يفيد هذا ويدل عليه بل صرح الكتاب العزيز بالنهي عن اتباع الظن وأنه لا
يغني من الحق شيئا وأن بعضه إثم وهذه الأدلة الكلية توجب على الإنسان أن
لا يعمل بظنه في شئ كائنا ما كان إلا ما خصصه الشرع فكيف بظن غيره
فيا معشر المقلدة اسمعوا وعوا فإنكم إنما تتبعون ظنونا خطرت لقوم الحجة من
الله بما في كتابه وسنة نبيه قائمة عليهم كما هي قائمة عليكم وهم متعبدون
بها كتعبدكم بها فما لكم ولهم وماذا عليكم من ظنونهم فقد أسفر الصبح لذي
عينين وارتفع ما على قلوب قوم من الرين إن بقي للهداية مجال ولاستماع
الصواب احتمال وقد كررت الكلام في المقام بما لا يحتاج معه إلى التطويل هنا
مفاسد أصابت دين الإسلام
وأعلم أن المفاسد الماحقة لبركة الله والمفرقة لكلمة المسلمين كثيرة جدا
والإحاطة بها تتعسر وقد ذكرنا هنا ما حضر عند التحرير وأعظم ما أصيب به
دين الإسلام من الدواهي الكبار والمفاسد التي لا يوقف لها في الضرر على
مقدار أمران
أحدها هذه المذاهب التي ذهبت ببهجة الإسلام وغيرت رونقه وجهمت وجهه وقد
قدمنا في هذا ما يستغنى عن الزيادة إن بقي له فهم يرجع به إلى الحق ويخرج
به من الباطل
والأمر الثاني هذه الاعتقادات التي حدثت لهذه الأمة في صالحي الأموات حتى
صار الرجل يقرن من يعتقده من الأموات بمن يقلده منهم
فيقول إمامه في المذهب فلان وشيخه في الاعتقاد والمحبة فلان
وهذا يقوله ظاهرا وهو لو كوشف ونطق بما في ضميره لقال وشيخه الذي يعول
عليه في زعمه عند الشدائد في قضاء حاجاته ونيل مطالبه فلان
وصمى صام من خلف وأمام فإن هذه الداهية الدهياء والمصيبة الصماء العمياء
فقد كان أوائل المقلدة يعتمدون على أئمتهم في المسائل الشرعية ويعولون على
آرائهم ويقفون عند اختياراتهم ويدعون نصوص الكتاب والسنة ولكنهم ا ينزلون
حوائجهم بغير الله عز وجل ولا يناجون سواه ولا يرجون غيره ولا يعولون إلا
عليه ولا يطلبون إلا منه
فهم وإن خلطوا صومهم وصلاتهم وحجهم وزكاتهم وسائر عباداتهم ومعاملاتهم
بآراء الرجال وقلدوا في كثير من تفاصيلها ما لم يأذن الله بتقليده
وأخذوا دينهم على الوجه الذي لم يأمر الله
به ولا ارتضاه لهم لكنهم لم يخلطوا في معنى لا إله إلا الله ولا تلاعبوا
بالتوحيد ولا دخلوا في أدوار الشرك ومضايق الجحود وبلايا الجاهلية وما
كانوا عليه
وأما هؤلاء فعمدوا إلى جماعة من الأموات الذين لا يستطيعون توصية ولا إلى
أهلهم يرجعون فقصدوهم في المهمات وعكفوا على قبورهم ونذروا لهم النذور
ونحروا لهم النحاير وفزعوا إليهم عند المهمات
فتارة يطلبون منهم من الحاجات ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل وخصوهم
بالنداء وأفردوهم بالطلب وتارة ينادونهم مع الله عز وجل ويصرخون بأسمائهم
مع اسم الله سبحانه فيأتون بكلمات تقشعر لها جلود من يعلم معنى لا إله إلا
الله ويعرف مدلول قل هو الله أحد وتلاعب بهم الشيطان في ذلك ونقلهم من
مرتبة إلى مرتبة ومن منزلة إلى منزلة حتى استعظموا من جانب هؤلاء الأموات
الذي خلقهم الله ورزقهم وأحياهم وأماتهم ما لا يستعظمونه من جانب بارئ
البرية وخالق الخالق يستعظمون جل اسمه وتعالى قدره ولا إله غيره
وأفضى ذلك إلى أن أحدهم يحلف بالله تعالى فاجرا ولا يحلف بمن يعتقده من
الأموات ويقدم على المعصية في المساجد التي هي بيوت الله ولا يقدم عليها
عند قبر من يعتقده
وتزايد الشر وعظمت المحنة وتفاقمت المصيبة حتى صار كثير منهم ينسبون ما
أصابهم من الخير في الأنفس والأموال والأهل إلى ذلك الميت وما أصابهم من
الشر في ذلك إليه وقد صارت تحت أطباق الثرى وغيب عن أعين البشر وصار
مشغولا عاجزا عن جر نفع إليه أو دفع ضر عنه منتظرا لما ينتظر له مثله من
الأموات لا يدري ما نزل به من هؤلاء النوكاء ولا يشعر بما ألصقوه به ولو
علم بذلك لجالدهم بالسيف ودفعهم بما يقدر عليه
ولو اتبع الناس ما أرشد إليه الشارع من تسوية القبور كما ثبت في = صحيح
مسلم = وغيره من حديث أبي الهياج قال قال لي علي بن أبي طالب ألا أبعثك
على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع قبرا مشرفا إلا
سويته ولا تمثالا إلا طمسته فانظر كيف بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
أميرا لهدم القبور المشرفة وطمس التماثيل هو أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب رضي الله عنه ثم بعث علي أيام خلافته أميرا على ذلك هو أبو الهياج
وأخرج أبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث جابر أن النبي صلى
الله عليه وسلم نهى أن يجصص القبور وأن يبني عليه
ومن أعظم الذرائع الشيطانية والوسائل الطاغوتية أنهم بالغوا في التأنق فين
عمارة قبور من يعتقدونه من الصالحين ونصبوا عليها القباب وجعلوا على
أبوابها الحجاب ووضعوا عليها من الستور العالية والآلات الرائعة ما يبهر
الناظر إليه ويدخل الروعة في قلبه ويدعوه إلى التعظيم كما جبلت عليه طبائع
العوام من دخول المهابة في قلوبهم والروعة في عقولهم بما يتعاطاه المريدون
لذلك كما يفعله غالب ملوك الدنيا من المبالغة في تزيين منازلهم وتعظيمها
والتألق في بنائها والاستكثار من الحجاب والخدم والصياح والجلبة وارتباط
الأسود ونحوها من الحيوانات ولبس فاخر الثياب قاصدين بذلك تربية المهابة
لهم والمخافة منهم وصنع هؤلاء القبوريون كصنعهم ففعلوا في الأموات من
جوالب التعظيم وأسباب الهيبة ما يكون له من التأثير في قلوب من يزورهم من
العامة ما لا يقادر قدره ثم يزيد ذلك قليلا قليلا حتى يحصل لهم من
الاعتقاد في أولئك الأموات ما يقدح في إسلامهم ويخدش في توحيدهم
وأن يكتب عليه وأن يوطئ وأخرجه مسلم في
صحيحه بدون ذكر الكتابة قال الحاكم النهي عن الكتابة على شرط مسلم وهي
صحيحة غريبة قال والعمل من أئمة المسلمين من المشرق إلى المغرب على خلاف
ذلك يعني يقررون كتابة الاسم من دون إنكار انتهى
وأقول لا حجة في أحد خالف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كائنا من كان قل عددهم أو كثر فليس لهم أن يشرعوا للناس غير ما شرعه الله
بل يحملون على الخطأ وعدم العناية بأمر الشرع والتساهل في أمر الدين
وما هذا بأول باب من أبواب الشرع أهمله الناس وخالفوا فيه السنن الواضحة
والشرائع الثابتة ولا سميا بعد أن استعلى الجهل على العلم وغلبت آراء
الرجال ما جاء في الكتاب والسنة وصار التقليد والتمذهب هو المعروف عند
الجمهور وغيره المنكر
ولا اعتبار بسكوت أهل العلم الذين هم أهله فإنهم مغلوبون مكثورون مخبوطون
بسوط العامة الذين منهم السلاطين وجنودهم كما قدمنا الإشارة إلى
هذا وأطباق أهل المشرق والمغرب على الكتابة
هو كأطباقهم على رفع القبور وتجصيصها ووضع القباب عليها وجعلها مساجد
فخالفوا ما تقدم عنه صلى الله عليه وسلم مع مخالفتهم لما ثبت في الصحيح
عنه ثبوتا لا يخالفه فيه مخالف من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا
تجعلوا قبري مسجدا لا تجعلوا قبرى وثنا لعن الله اليهود اتخذوا قبور
أنبيائهم مسجدا وكان هذا القول من آخر ما قاله في مرض موته كما ثبت أن آخر
ما قاله صلى الله عليه وسلم الأمر بإخراج اليهود من جزيرة العرب وتنفيذ
جيش أسامة ثم كان الواقع من أمته بعد هذا التأكيد أنهم بنوا على قبره
الشريف قبة ومازال ملوك الإسلام يبالغون في تحسينها وتزيينها ورفع سمكها
ووضعوا القباب ورفعوا القبور وكانوا يفعلون هذا بأهل الصلاح ثم تزايد الشر
وصاروا يفعلون ذلك لمن له رئاسة دنيوية وإن كان من أفجر الفجرة وقد يوصي
الميت في وصيته بذلك
وأعجب من هذا كله تصريح جماعة من أهل الفقه بأنه لا بأس بذلك إذا كان
الميت فاضلا ودونوه في مصنفاتهم التي هي مدارس الطلبة وضربوا ما ذكرناه من
الأدلة في وجه من جاء به ورموا بها خلف الحائط ولم يردعهم دين ولا وزعهم
حياء وقابلوا بما أسلفنا بقولهم أنه قد استحسن
رفع هذه القباب وتزيين هذه القبور بعض السلف
فلا كثر الله في أهل العلم من أمثال من استحسن مخالفة الشرع من السلف
الذين صرتم تقولون عليهم بما لم يقولوه فإنه إذا صح ما تزعمونه من أنه
استحسن ذلك بعض السلف فلا حجة في استحسان من استحسن مخالفة الشرع كائنا من
كان فإنه أو مبتدع ومخالف للشرع وعاص لله ولرسوله وللشريعة المطهرة
ولقد تزلزل بهذا السبب أقدام كثير من العباد عن الإسلام وذهب بهذه الذريعة
إيمان جماهير من الأنام فإنا لله وإنا إليه راجعون
فإنها لو كانت القبور على الصفة التي شرعها الله وعلمها الأمة رسول الله
لم يحدث من هذه الاعتقادات الفاسدة شئ ولا يشك عاقل أن أعظم ما أدخل فاسد
الاعتقاد في صدور كثير من العباد هو هذا الأمر مع سكوت العلماء عن البيان
الذي أمرهم الله به ومجاملتهم للعامة إما مع علمهم بما في هذا الأمر من
الخطر أو مع غلبة العادات الطارئة عليهم لما عندهم من العلم حتى ذهب ذلك
بما يعلمونه ومحق بركته وأبطل ثمرته
ومما أحكيه لك أنه كان يبلغني وأنا في الطلب للعلم والاشتغال به ما يصنعه
أهل القطر التهامي من الاجتماع لزيارة جمعة من المعتقدين لديهم وما يحدث
منهم عند ذلك من النهيق الذي لا يعود صاحبه إلى الإسلام سالما مع عدم
إنكار من بتلك الديار من العلماء بل كان الكثير منهم يحضرون تلك المجامع
ويشهدون تلك الزيارات فتكون المنكرات وما يحدث من أنواع الشرك بمرأى منهم
ومسمع فكتب رسالة إلى العلماء من أهل تلك الديار على يد رجل من أهل العلم
الراحلين إلى هنالك فلما عاد أخبرني بما حصل من الاستنكار منهم لما كتبته
إليهم وعدم الاعتداد به والالتفات إليه فقضيت من ذلك العجب
ثم لما ولى القضاء ببعض البيادر التهامية بعض علماء صنعاء الأكابر وشاهدُ
من هذه المنكرات ما حمله على أن يحرر إلي
سؤالا فأجبته برسالة مطولة سميتها الدر النضيد في إخلاص التوحيد وأمرته أن
يكتب نسخا ويرسلها إلى القضاة في تلك الديار ففعل ولم يؤثر ذلك شيئا بل
كتب كثير من علماء تلك الديار على رسالتي مناقشات واعتراضات
فلم تمض إلا أيام قلائل حتى نزل بهم السيف وهدم الله تلك الطواغيب وذهب
بتلك الاعتقادات الفاسدة فهي الآن صافية عن تلك الأمور التي كان يتلوث بها
أهلها فلا يقدر أحد منهم أن يستغيث بغير الله سبحانه أو ينادي ميتا من
الأموات أو يجري ذكره على لسانه ولكنه لم يغسل أدرانهم ويذيب بالكدورات
التي كانت تشوب صافي إسلامهم إلا السيف وهو الحكم العدل في من استحكمت
عليه نزعات الشيطان الرجيم ولم تردعه قوارع آيات الرحمن الرحيم
مفاسد بعض أدعياء التصوف
ويلتحق بالأمرين المذكورين أمر ثالث وإن لم تكن مفسدته كمفسدتهما ولا
شموله كشمولهما وهو ما صار عليه هذه الطائفة المدعوة بالمتصوفة
فقد كان أول هذا الأمر يطلق هذا الاسم على من بلغ في الزهد والعبادة إلى
أعلا مبلغ ومشى على هدى الشريعة المطهرة وأعرض عن الدنيا وصد عن زينتها
ولم يغتر ببهجتها ثم حدث أقوام جعلوا هذا الأمر طريقا إلى الدنيا ومدرجا
إلى التلاعب بأحكام الشرع ومسلكا إلى أبواب اللهو والخلاعة ثم جعلوا لهم
شيخا يعلمهم كيفية السلوك فمنهم من يكون مقصده صالحا وطريقته حسنة فيلقن
أتباعه كلمات تباعدهم من الدنيا وتقربهم من الآخرة وينقلهم من رتبة إلى
رتبة على أعراف يتعارفوها ولكنه لا يخلو غالب ذلك من مخالفة للشرع وخروج
عن كثير من آدابه
وهكذا كل من رام أن يطيع اله على غير الوجه الذي شرعه لعباده وارتضاه لهم
فإنه ربما يلحق بالخوارج بجامع وقوع ما أطاعوا الله به على غير ما شرعه
لهم في كتابه وعلى لسان رسوله
وإني أخشى أن يكون من هذا القبيل ما يقع من كثير من المتصوفة من تلك
الأقوال والأفعال التي ظاهرها التنفير عن الدنيا والبعد عن أهلها
والخير كل الخير في الكتاب والسنة فما خرج عن ذلك فلا خير فيه وإن جاءنا
أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة وأتقاهم الله تعالى وأخشاهم له في
الظاهر فإنه لا زهد لمن يمش على الهدى النبوي ولا تقوى ولا خشية لمن لم
يسلك الصراط المستقيم فإن الأمور لا تكون طاعات بالتعب فيها والنصب
وإيقاعها على أبلغ الوجوه بل إنما تكون طاعات خالصة محضة مباركة نافعة
بموافقة الشرع والمشي على الطريقة المحمدية واعتبر بالخوارج فقد وصفهم
النبي صلى الله عليه وسلم بما وصف من تلك العبادات والمجاهدات التي لا
تبلغ عبادتنا ولا مجاهدتنا إلى شئ منها ولا تعتبر بالنسبة إليها ومع هذا
فقال إنها لا تجاوز تراقيهم وقال إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من
الرمية وقال إنهم كلاب النار فانظر كيف كانت مجاهداتهم وعباداتهم وقيامهم
الليل وصيامهم النهار نقمة عليهم وبلية ومحنة لهم لم تعد عليه بنفع قط إلا
ما أصيبوا به من الخسار والنكال والوبال فكانت تلك الطاعات الصورية من
صلاة وصيام وتهجد وقيام هي نفس المعاصي الموجبة للنار
والفرار عن زينتها مع تلك الوظائف التي
يلازمونها من التخشع والإنكسار والتلهب والتأسف والصراخ تارة والهدوء تارة
أخرى والرياضيات والمجاهدات ملازمة أذكار يذكرون بها لم ترد في الشرع على
صفات لم يأذن الله بها مع ملازمة تلك الثياب الخشنة الدرنة والقعود في تلك
المساطب القذرة وما ينضم إلى ذلك من ذلك الهيام والشطح والأحوال التي لو
كان فيها خير لكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين هم خير
القرون
ولا أنكر أن في هذه الطائفة من قد بلغ في تهذيب نفسه وغسلها من الطواغيب
الباطنة والأصنام المستورة عن الناس كالحسد والكبر والعجب والرياء ومحبة
الثناء والشرف والمال والجاه مبلغا عظيما وارتقى مرتقا جسيما
ولكني أكره له أن يتداوى بغير الكتاب والسنة وأن يتطبب بغير الطب الذي
اختاره الله لعباده فإن في القوارع القرآنية والزواجر المصطفوية ما يغسل
كل قذر ويرخص كل درن ويدمغ كل شهية ويدفع كل عارض من عوارض السوء
فأنا أحب لكل عليل في الدين أن يتداوى بهذا الدواء فيعكف على تلاوة كتاب
الله متدبرا له متفهما لمعانيه باحثا عن مشكلاته سائلا عن معضلاته ويستكثر
من مطالعة السيرة النبوية ويتدبر ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه
وسلم في ليله ونهاره ويتفكر في أخلاقه وشمائله وهديه وسمته وما كان عليه
أصحابه وكيف كان هديهم في عبادتهم ومعاملاتهم
فإنه إذا تداوى بهذا الدواء ولاحظته العناية الربانية وجذبته الهداية
الإلهية فاز بكل خير مع ماله من الأجر الكثير والثواب الكبير في مباشرة
هذه الأسباب
وإذا حال بينه وبين الانتفاع بهذه الأمور حائل ومنعه من الظفر بما يترتب
عليها مانع فقد نال بتلك الأسباب التي باشرها أجرا عظيما لأنه طلب الخير
والصراط الإسلامي مع كونه قد صار من تصفية
باطنه من كدورات الكبر والعجب والحسد والرياء ونحوها بمحل يتقاصر عنه غيره
ويعجز عنه سواه
ولكني في هذا المصنف بسبب الإرشاد إلى العمل بالكتاب والسنة والتنفير عما
عداهما كائنا ما كان فلست أحب لمن أراد القرب إلى الله والفوز بما لديه
والظفر بما عنده أن يتسبب إلى ذلك بسبب خارج عنهما من رياضة أو مجاهدة أو
خلوة أو مراقبة أو يأخذ عن شيخ من شيوخ الطريقة الصوفية شيئا من
الاصطلاحات الموصلة إلى الله عندهم بل يطلب علم الكتاب والسنة ويأخذهما عن
العلماء المتقنين لهما المؤثرين لهما على غيرهما المتجنبين لعلم الرأي وما
يوصل إليه النافرين عن التقليد وما يحمل عليه فإنه إذا فعل ذلك سلك مسلك
النبوة وظفر بهدى الصحابة وسلم من البدع كائنة ما كانت فعند ذلك يحمد
مسراه ويشكر مسعاه ويفوز بخير أولاه وأخراه
تم بحمد الله
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى