صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الباب الثالث عشر
ذكر يوم القيامة وأهواله
( يضحك المرء والبكاء أمامه ... ويروم البقاء والموت رامه )
( ويمشي الحديث في كل لغو ... ويخلي حديث يوم القيامة )
( ولأمر بكاه كل لبيب ... ونفي في الظلام عنه منامه )
( صاح حدث حديثه واختصره ... فمحال بأن تطيق تمامه )
( عجز الواصفون عنه وقالوا ... لم نجيء من بحاره بكظامه )
( فلتحدثه جملة وشتاتا ... ودع الآن شرحه ونظامه )
واعلم رحمك الله أن هذا اليوم ليس عظمه مما يوصف ولا هوله مما يكيف ولا
يجري على مقدار مما يعلم في الدنيا ويعرف بل لا يعلم مقدار عظمه ولا هو له
إلا الله تعالى وما ظنك بيوم عبر الله تبارك وتعالى عن بعض ما يكون فيه
بشيء عظيم قال الله عز و جل ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة
شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى
الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) وماذا عسى أن يقول
القائل فيه وماذا عسى أن يصفه الواصف به الأمر أعظم والخطب أكبر والهول
أشنع كما قال القائل
( وما عسى أن أقول أو أقوم به ... الأمر أعظم مما قيل أو وصفا )
( والأمر مهما قد نظرت له ... ألفيته الأعظم الألفا )
يوم القيامة وما أدراك ما يوم القيامة ثم ما أدراك ما يوم القيامة يوم
الحسرة والندامة يوم يجد كل عامل عمله أمامه يوم الدمدمة يوم الزلزلة يوم
الصاعقة يوم الواقعة يوم الراجفة يوم الرادفة يوم الغاشية يوم الداهية يوم
الآرفة يوم الحاقة يوم الطامة يوم الصاخة يوم التلاق يوم الفراق يوم
المساق يوم الإشفاق يوم القصاص يوم لات حين مناص يوم التناد يوم الإشهاد
يوم الميعاد يوم المرصاد يوم المساءلة يوم الحساب يوم المناقشة يوم المآب
يوم العذاب يوم القرار إما في الجنة وإما في النار يوم القضاء يوم الجزاء
يوم البكاء يوم البلاء يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا يوم الحشر
يوم النشر يوم الجمع يوم البعث يوم العرض يوم الوزر يوم الحق يوم الحكم
يوم الفصل يوم الجزاء يوم عظيم يوم عقيم يوم عسير يوم قمطرير يوم النشور
يوم المصير يوم الدين يوم اليقين يوم النفخة يوم الصيحة يوم الرجفة يوم
الرجة يوم الزجرة يوم السكرة يوم الفزع يوم الجزع يوم القلق يوم الفرق يوم
العرق يوم الميقات يوم يخرج الأموات وتظهر المخبآت يوم الانشقاق يوم
الانكدار يوم الانتشار يوم الانفطار يوم الافتقار يوم الوقوف يوم الخروج
يوم الانصداع يوم الانقطاع يوم معلوم يوم موعود يوم مشهود
يوم
تبلى السرائر يوم تخرج الضمائر يوم لا تغنى نفس عن نفس شيئا يوم لا تملك
نفس لنفس شيئا يوم يدعى فيه إلى النار يوم يسجن فيه في النار يوم تقلب
الوجوه فيه في النار يوم البروز إلى الله يوم الصدور إلى الله يوم لا تنفع
المعذرة يوم لا يرتجى إلا من الله المغفرة وأهول أسمائه وأشنع ألقابه يوم
الخلود وما أدراك ما يوم الخلود يوم لا انقطاع لعذابه ولا آخر لعقابه ولا
يكشف فيه عن كافر ما به ونعوذ بالله ثم نعوذ بالله من بلائه وسوء قضائه
بكرمه ورحمته
واعلم أن العرب قد تسمى الشيء بأسماء كثيرة وتجعل له
ألقابا عديدة تعظيما لشأنه وإكثارا لأمره وقد سمي الله تعالى يوم القيامة
بأسماء كثيرة ولعله من هذا وهو تبارك وتعالى أعلم
الباب الرابع عشر
ذكر النفخ في الصور النفخة الأولى والثانية
قد تقدم الكلام في ذكر الموت وغصته وكربه وشدته وعذاب القبر وفتنته وضيقه
وظلمته ومنكر ونكير ورؤيتهما وسماع كلامهما على فظاظتهما وغلظتهما وبشاعة
منظرهما وتكلف جوابهما والتوقي من مقامعهما بالأقرار بالربوبية والشهادة
بالرسالة لمن ثبته الله تعالى بالقول الثابت وأمده بنور الإيمان وألهمه
حجته وإن في ذكر هذا لتنبيها من الغفلة وتنشيطا من الكسل وحلا من عقال
البطالة وصرفا عن اللذات وردعا عن نيل الشهوات بل فيه ما يذهل النفوس
ويميت القلوب أن تنال من الدنيا حظها الذي يكون به حياتها ويكون به قوامها
و يقيم به رمقها فكيف أن ينال منها غير ذلك فكيف بما وراء هذا من جمع
العباد ليوم التناد ويوم يقوم الاشهاد وحشر الأمم لذلك اليوم الأعظم
واعلم أن الإنسان لا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه من إحدى الدارين وصحبه
من أحد الفريقين وأنه لا تزال نفسه معذبة أو منعمة إلى يوم الجزاء
والاجتماع لفصل القضاء وبعد ذلك يتجدد النعيم أو العذاب على وجه آخر وصفة
أخرى مما سيأتي مما أمكن ذكره منه بعد هذا إن شاء الله عز و جل
واعلم أن الله تبارك وتعالى خلق للجنة أهلا وخلق للنار خلقا وهم مع
الساعات راحلون ومع الأنفاس ظاعنون إلى دار البلى ومعسكر الموتى
ومستقر الأرواح وكل مطلع على مكانه الذي يصير إليه ومشرف على
منزله الذي
ينزل به وبذلك يكون نعيمهم وعذابهم وبغير ذلك مما شاء الله عز و جل فلا
يزالون هكذا يرحلون وينتقلون ويظعنون إلى أن يفرغ العدد السعيد والفريق
المنعم ويبقى من العدد الشقي والفريق المقصى بقية وخروجهم من الدنيا في
دفعة واحدة لا يحصيها إلا الله تعالى خالقها لكنهم قليل بالإضافة إلى ما
رحل منهم يكون ارتحال البقية إلى الدار الآخرة بمرة واحدة وخروجهم من
الدنيا في دفعة واحدة وهم الذين تبعثهم الصيحة وتقوم عليهم الساعة قال
الله تعالى ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا
يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة )
يروى عن الشعبي قال لقي جبريل عيسى عليه السلام فقال له عيسى متى الساعة
فنفض جبريل أجنحته وقال ما المسئول عنها بأعلم من السائل ثقلت في السموات
والأرض لا تأتيكم إلا بغتة
وأما تقريب وقتها فكل آت قريب قال تعالى
( وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير )
وقال عز و جل ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون وما يأتيهم من ذكر
من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم ) وقال تعالى ( اقتربت
الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا
أهواءهم وكل أمر مستقر ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما
تغني النذر )
وقال الله عز و جل ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون
)
ويروى أن النبي صلى الله عليه و سلم لما نزل عليه ( أتى أمر الله
) وثب
قائما فلما نزل قوله ( فلا تستعجلوه ) جلس قال بعض العلماء إنما وثب صلى
الله عليه و سلم خوفا منه أن تكون الساعة قد قامت وقال صلى الله عليه و
سلم بعثت أنا والساعة كهاتين وقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ذكره مسلم
بن الحجاج في كتابه
وذكر أيضا عن النواس بن سمعان الكلابي عن النبي
صلى الله عليه و سلم وذكر خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام
وقتله الدجال ثم خروج يأجوج ومأجوج عليه ثم هلاكهم ثم ذكر ما يكون من بعد
ذلك من البركات والخيرات قال فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى ريحا طيبة
فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون
فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة
واعلم أن كل ميت مات فقد قامت
قيامته لكنها قيامة صغرى وقيامة كبرى فالقيامة الصغرى هي ما يقوم على كل
إنسان في خاصته من خروج روحه وفراق أهله وانقطاع سعيه وحصوله على عمله إن
خيرا فخير وإن شرا فشر والقيامة الكبرى هي التي تعم الناس وتأخذهم أخذة
واحدة والدليل على أن كل ميت يموت فقد قامت قيامته قول النبي صلى الله
عليه و سلم لقوم من الأعراب وقد سألوه متى الساعة فنظر إلى أحدث إنسان
منهم فقال إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم ذكره مسلم بن
الحجاج في كتابه
والقيامة التي تعم الأرض إنما تأتيهم بغتة وتأخذهم على غفلة لما تقدم
ولكنها تقوم في يوم الجمعة في غير شهر معروف ولا سنة معروفة
والملك الذي وكل بهذه النفخة وجعل على يديه هذه الصعقة قد استعد لها وتهيأ
لإمضائها
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده بإسناده إلى عبد الله بن
مسعود قال لما
كان ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه و سلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى
عليهم السلام فتذاكروا الساعة متى هي فبدأوا بإبراهيم عليه السلام فسألوه
عنها فلم يكن عنده منها علم فسألوا موسى عليه السلام فلم يكن عنده منها
علم فردوا الحديث إلى عيسى عليه السلام فقال عهد الله تعالى إلي فيما دون
وجبتها فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله
ويعني بوجبتها وقعتها
قال فذكر من خروج الدجال فأهبط فأقتله فيرجع الناس إلى بلادهم فيستقبلهم
يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون لا يمرون بماء إلا شربوه ولا بشيء إلا
أفسدوه فيجأرون إلي فأدعو الله فيميتهم فيملأ الأرض ريحهم فيجأرون إلي
فأدعو الله فيرسل من السماء ماء فيحمل أجسامهم فيلقيهم في البحر ثم تنسف
الجبال وتمد الأرض مد الأديم فعهد الله إلي أنه إذا كان ذلك فإن الساعة من
الناس كالحامل المتم التي لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادتها ليلا أو
نهارا
قال النواس فوجدت تصديق ذلك في كتاب الله عز و جل وقرأ ( حتى إذا فتحت
يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق )
وذكر أبو داود من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق الله آدم وفيه أهبط وفيه تيب
عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من
حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس وفيها ساعة لا
يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه
وذكر
النسائي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف أنعم
وصاحب الصور قد التقم القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر بالنفخ
فينفخ قالوا يا رسول الله وكيف نقول قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على
الله توكلنا
وذكر الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم ما زال صاحب الصور مذ وكل به مستعدا ينظر نحو العرش أن
يؤمر فينفخ قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان
ومن مسند البزار عن أبي سعيد الخدري قال ذكر رسول الله صلى الله عليه و
سلم صاحب الصور فقال عن يمينه جبريل وعن يساره ميكائيل
وذكر الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال جاء أعرابي إلى النبي صلى
الله عليه و سلم فقال ما الصور قال قرن ينفخ فيه
وذكر أبو بشر الدولابي من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه
و سلم في قوله تعالى ( نفخ في الصور ) فقال الصور كهيئة القرن
وقال بعض العلماء الصور أيضا جمع صورة
وذكر البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تقوم
الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة
وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كل يزعم أنه رسول الله وحتى يقبض
العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل
وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه
فيقول الذي يعرض عليه لا أرب لي فيه وحتى يتطاول الناس في البنيان وحتى
يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه وحتى تطلع
الشمس من
مغربها فإذا طلعت ورآها الناس أمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها
لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ولتقومن الساعة وقد نشر
الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد
انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي
فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها
وذكر مسلم بن
الحجاج من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يتركون
المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي يريد عوافي السباع والطير
ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها ملئت
وحوشا حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما
وسمعت في تفسيره أن
هذين الراعيين إنما يخران على وجوههما من صيحة يوم القيامة فعند هذه
الصيحة تخمد الأصوات وتسكن الحركات وتخلى من أهلها الأرضون والسماوات إلى
يوم الخروج والميقات والجزاء بالحسنات والسيئات إلا أن الله تعالى ذكر عند
هذه الصيحة استثناء سيأتي ما قيل فيه بعد إن شاء الله
ثم ينزل الله
مطرا فتنبت منه الأجسام ويحيا به الرفات من العظام ويستعد لقبول الأرواح
عند النفخة الثانية قال الله تعالى ( ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا )
وذكر مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول اللهA يخرج
الدجال في أمتي فيمكث أربعين لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو
أربعين عاما الشك من الراوي قال فيبعث الله عيسى بن مريم عليه السلام كأنه
عروة بن مسعود الثقفي فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين
عداوة ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى أحد على وجه الأرض
في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته حتى
لو أن أحدكم
دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه قال سمعتها من رسول الله صلى الله
عليه و سلم قال فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون
معروفا ولا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيقول لهم أما تستجيبون
فيقولون فما تأمرنا فيأمرهم بعبادة الأوثان وهم في ذلك دار رزقهم حسن
عيشهم ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا قال وأول
من يسمعه رجل يلوط حوض إبله قال فيصعق ويصعق الناس ثم يرسل أو قال ينزل
الله مطرا كأنه الطل أو الظل الشك من الراوي فتنبت منه أجساد الناس ثم
ينفخ فيه أخرى ( فإذا هم قيام ينظرون ) ثم يقال أيها الناس هلموا إلى ربكم
( وقفوهم إنهم مسئولون ) ثم يقال أخرجوا بعث النار فيقال من كم فيقال من
كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين قال فذلك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك ( يوم
يكشف عن ساق )
ويروى أن هذا المطر الذي تنبت منه الأجساد أنه كمني
الرجال وقد أخبر الله أن إنشاء الأجسام مثل إخراج النبات من الأرض قال
الله سبحانه ( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت
فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور ) أي كما ينبت نبات الأرض بالماء
كذلك تنبت الأجساد بهذا الماء فبينما روحك في البرزخ مع الأرواح وكل على
عمله من فساد أو صلاح إذ أمر الله عز و جل بها أن تجمع فتقبل أرواح
المؤمنين تتلألأ نورا وأرواح الكافرين
تسود ظلمة فيقبضها جميعا فيجعلها في الصور ثم ينفخ إسرافيل
فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض
ويروى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يقول الله تعالى وعزتي وجلالي
ليرجعن كل روح إلى جسده فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد فتدخل
الخياشيم حتى تمشي مشي السم في اللديغ
وذكر مسلم عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا
هريرة أربعون عاما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون يوما
قال أبيت ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل قال وليس شيء
من الإنسان إلا ويبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم
القيامة
وذكر أبو بكر بن أبي داود في كتاب البعث بإسناده عن أبي
سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يأكل التراب كل شيء من
الإنسان إلا عجب الذنب قيل وما هو يا رسول الله قال مثل حبة خردل منه
تنشأون
وذكر أبو بكر بن أبي خيثمة بإسناده إلى لقيط بن عامر عن
النبي صلى الله عليه و سلم في حديث طويل قال فيه ثم تلبثون ما لبثتم ثم
تبعث الصيحة فلعمرو إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات والملائكة الذين
مع ربك فأصبح ربك يطوف في الأرض وقد خلت عليه البلاد فأرسل ربك السماء
بهضب من عند العرش فلعمرو إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن
ميت إلا شقت القبر عنه حتى يخلقه من قبل رأسه وذكر الحديث وسيأتي بكماله
إن شاء الله تعالى
قوله فأصبح ربك يطوف في الأرض وقد خلت عليه البلاد إنما هو تفهيم وتقريب
إلى أن جميع من في الأرض يموت وأن الأرض تبقى خالية
ليس يبقى إلا الله وحده كما قال تعالى ( كل من عليها فان ويبقى
وجه ربك ذو الجلال والإكرام )
وقوله والملائكة الذين مع ربك فإنه قد جاء في بعض التفاسير في قوله تعالى
( ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) هو
جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك وملك الموت ثم يؤمر ملك الموت أن يقبض روح
جبريل ثم روح ميكائيل ثم روح إسرافيل ثم يؤمر ملك الموت أن يموت فيموت ولا
يبقى إلا الذي له البقاء والعزة والكبرياء والملك الذي ألا يزول ولا يفنى
تبارك وتعالى فينادي جل جلاله لمن الملك اليوم فلا يجيبه مجيب ومن ذا
يجيبه ولم يبق موجود إلا الواحد المعبود فيجيب نفسه فيقول سبحانه لله
الواحد القهار ثم يمكث الناس في البرزخ أربعين عاما ثم يحيى الله عز و جل
إسرافيل فيأمره أن ينفخ النفخة الثانية فذلك قوله عز و جل ( فإذا هم قيام
ينظرون ) قيام على أرجلهم ينظرون إلى ذلك الأمر العظيم والهول الجسيم
واعلم رحمك الله أنك إن كنت ممن لا يشاهد هذه الصعقة العامة التي هي قيام
الساعة فلا بد لك من أن تشاهد صعقة نفسك التي تخصك وهي صعقة موتك وخروج
روحك ولا بد من إنشائك وتسويتك ورد روحك إلى جسدك وإخراجك من الأرض التي
خلقت منها كما قال تعالى ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة
أخرى ) وقال عز من قال ( أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم
مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي
أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم )
قال سبحانه وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى
في
السموات والأرض وهو العزيز الحكيم
وقوله عز و جل وهو أهون عليه أي هو هين عليه لأنه ليس عند الله شيء أهون
من شيء بل كل عليه هين
و قال تبارك وتعالى ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق
نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين )
وقال سبحانه ( ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ) وذكر النسائي عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال قال الله تبارك وتعالى كذبني
ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن يكذبني وشمتني ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن
يشتمني أما تكذيبه إياي فقوله أني لا أعيده كما بدأته وليس آخر الخلق بأعز
علي من أوله وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الله أحد صمد لم
ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد
وقد أخرجه البخاري بمعناه
والاعتبار الصحيح يشهد بصحة النشأة الآخرة والقدرة متسعة لها ولكل ما شاءه
الحكيم القدير تبارك وتعالى كما قال سبحانه وهو الذي خلق من الماء بشرا
فجعله نسبا وصهرا و كان ربك قديرا
خلق سبحانه الماء من لا شيء
وأخرجه من غير شيء أخرجه من عدم إلى الوجود فكونه بعد أن لم يكن شيئا ثم
خلق منه الإنسان فجعله آية عجبا وعبرة ظاهرة في شكله وتخطيطه وحركاته
وسكناته وما فيه من الحكمة وما أودعه من عجائب الصنعة مما يطول وصفه ويتسع
شرحه فتبارك الله أحسن الخالقين
وأنشدوا
( أيا ابن آدم والألاء سابغة ... ومزنة الجود لا تنفك عن ديم )
( هل أنت ذاكر ما أوليت من حسن ... وشاكر كل ما خولت من نعم )
( براك باريء هذا الخلق من عدم ... بحت ولولاه لم تخرج من العدم )
( أنشاك من حمأ ولا حراك به ... فجئت منتصبا تمشي على قدم )
( مكمل الأدوات آية عجبا ... موفر العقل من حظ ومن فهم )
( ترى وتسمع كلا قد حبيت به ... فضلا وتنطق بالتبيين والحكم )
( هداك بالعلم سبل الصالحين له ... وكنت من غمرات الجهل في ظلم )
( ماذا عليك له من نعمة غمرت ... كل الجهات ولم تبرح ولم ترم )
( غراء كالشمس قد ألقت أشعتها ... حتى ليبصرها عليك كل عمي )
( فاشكر ولست مطيقا شكرها أبدا ... ولو جهدت فسدد ويك والتزم )
( رزق وأمن وإيمان وعافية ... متى تقوم بشكر هذه النعم )
( هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه إن ربك هو الخلاق العليم )
( فمن آمن بهذا لم يضق صدره عن الإيمان بالنشأة الثانية وكان منتظرا لها
مشتغلا بالفكرة فيها وإنها لموضع الانتظار وموضع الاشتغال آناء الليل
وأطراف النهار لكن حب العاجل والاشتغال بالحاضر والنظر إلى هذا الخيال
القائم صرف وجه القلب عن استعمال الحقيقة في هذا الأمر وطمس عينه عن النظر
إليها وسد مجاري فكره عن التصرف فيها فلو اشتغل ونظر وتفكر لأذهله ذلك عن
الأهل والمال وشغله عن قيل وقال وصرفه عن لذة الحال إلى المآل لكنه إن لم
ينظر الآن فسينظر في وقت لا ينفعه فيه النظر ولا ينقضي له به وطر وسيقدم
فيعلم
ذكر يوم القيامة وأهواله
( يضحك المرء والبكاء أمامه ... ويروم البقاء والموت رامه )
( ويمشي الحديث في كل لغو ... ويخلي حديث يوم القيامة )
( ولأمر بكاه كل لبيب ... ونفي في الظلام عنه منامه )
( صاح حدث حديثه واختصره ... فمحال بأن تطيق تمامه )
( عجز الواصفون عنه وقالوا ... لم نجيء من بحاره بكظامه )
( فلتحدثه جملة وشتاتا ... ودع الآن شرحه ونظامه )
واعلم رحمك الله أن هذا اليوم ليس عظمه مما يوصف ولا هوله مما يكيف ولا
يجري على مقدار مما يعلم في الدنيا ويعرف بل لا يعلم مقدار عظمه ولا هو له
إلا الله تعالى وما ظنك بيوم عبر الله تبارك وتعالى عن بعض ما يكون فيه
بشيء عظيم قال الله عز و جل ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة
شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى
الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) وماذا عسى أن يقول
القائل فيه وماذا عسى أن يصفه الواصف به الأمر أعظم والخطب أكبر والهول
أشنع كما قال القائل
( وما عسى أن أقول أو أقوم به ... الأمر أعظم مما قيل أو وصفا )
( والأمر مهما قد نظرت له ... ألفيته الأعظم الألفا )
يوم القيامة وما أدراك ما يوم القيامة ثم ما أدراك ما يوم القيامة يوم
الحسرة والندامة يوم يجد كل عامل عمله أمامه يوم الدمدمة يوم الزلزلة يوم
الصاعقة يوم الواقعة يوم الراجفة يوم الرادفة يوم الغاشية يوم الداهية يوم
الآرفة يوم الحاقة يوم الطامة يوم الصاخة يوم التلاق يوم الفراق يوم
المساق يوم الإشفاق يوم القصاص يوم لات حين مناص يوم التناد يوم الإشهاد
يوم الميعاد يوم المرصاد يوم المساءلة يوم الحساب يوم المناقشة يوم المآب
يوم العذاب يوم القرار إما في الجنة وإما في النار يوم القضاء يوم الجزاء
يوم البكاء يوم البلاء يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا يوم الحشر
يوم النشر يوم الجمع يوم البعث يوم العرض يوم الوزر يوم الحق يوم الحكم
يوم الفصل يوم الجزاء يوم عظيم يوم عقيم يوم عسير يوم قمطرير يوم النشور
يوم المصير يوم الدين يوم اليقين يوم النفخة يوم الصيحة يوم الرجفة يوم
الرجة يوم الزجرة يوم السكرة يوم الفزع يوم الجزع يوم القلق يوم الفرق يوم
العرق يوم الميقات يوم يخرج الأموات وتظهر المخبآت يوم الانشقاق يوم
الانكدار يوم الانتشار يوم الانفطار يوم الافتقار يوم الوقوف يوم الخروج
يوم الانصداع يوم الانقطاع يوم معلوم يوم موعود يوم مشهود
يوم
تبلى السرائر يوم تخرج الضمائر يوم لا تغنى نفس عن نفس شيئا يوم لا تملك
نفس لنفس شيئا يوم يدعى فيه إلى النار يوم يسجن فيه في النار يوم تقلب
الوجوه فيه في النار يوم البروز إلى الله يوم الصدور إلى الله يوم لا تنفع
المعذرة يوم لا يرتجى إلا من الله المغفرة وأهول أسمائه وأشنع ألقابه يوم
الخلود وما أدراك ما يوم الخلود يوم لا انقطاع لعذابه ولا آخر لعقابه ولا
يكشف فيه عن كافر ما به ونعوذ بالله ثم نعوذ بالله من بلائه وسوء قضائه
بكرمه ورحمته
واعلم أن العرب قد تسمى الشيء بأسماء كثيرة وتجعل له
ألقابا عديدة تعظيما لشأنه وإكثارا لأمره وقد سمي الله تعالى يوم القيامة
بأسماء كثيرة ولعله من هذا وهو تبارك وتعالى أعلم
الباب الرابع عشر
ذكر النفخ في الصور النفخة الأولى والثانية
قد تقدم الكلام في ذكر الموت وغصته وكربه وشدته وعذاب القبر وفتنته وضيقه
وظلمته ومنكر ونكير ورؤيتهما وسماع كلامهما على فظاظتهما وغلظتهما وبشاعة
منظرهما وتكلف جوابهما والتوقي من مقامعهما بالأقرار بالربوبية والشهادة
بالرسالة لمن ثبته الله تعالى بالقول الثابت وأمده بنور الإيمان وألهمه
حجته وإن في ذكر هذا لتنبيها من الغفلة وتنشيطا من الكسل وحلا من عقال
البطالة وصرفا عن اللذات وردعا عن نيل الشهوات بل فيه ما يذهل النفوس
ويميت القلوب أن تنال من الدنيا حظها الذي يكون به حياتها ويكون به قوامها
و يقيم به رمقها فكيف أن ينال منها غير ذلك فكيف بما وراء هذا من جمع
العباد ليوم التناد ويوم يقوم الاشهاد وحشر الأمم لذلك اليوم الأعظم
واعلم أن الإنسان لا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه من إحدى الدارين وصحبه
من أحد الفريقين وأنه لا تزال نفسه معذبة أو منعمة إلى يوم الجزاء
والاجتماع لفصل القضاء وبعد ذلك يتجدد النعيم أو العذاب على وجه آخر وصفة
أخرى مما سيأتي مما أمكن ذكره منه بعد هذا إن شاء الله عز و جل
واعلم أن الله تبارك وتعالى خلق للجنة أهلا وخلق للنار خلقا وهم مع
الساعات راحلون ومع الأنفاس ظاعنون إلى دار البلى ومعسكر الموتى
ومستقر الأرواح وكل مطلع على مكانه الذي يصير إليه ومشرف على
منزله الذي
ينزل به وبذلك يكون نعيمهم وعذابهم وبغير ذلك مما شاء الله عز و جل فلا
يزالون هكذا يرحلون وينتقلون ويظعنون إلى أن يفرغ العدد السعيد والفريق
المنعم ويبقى من العدد الشقي والفريق المقصى بقية وخروجهم من الدنيا في
دفعة واحدة لا يحصيها إلا الله تعالى خالقها لكنهم قليل بالإضافة إلى ما
رحل منهم يكون ارتحال البقية إلى الدار الآخرة بمرة واحدة وخروجهم من
الدنيا في دفعة واحدة وهم الذين تبعثهم الصيحة وتقوم عليهم الساعة قال
الله تعالى ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا
يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة )
يروى عن الشعبي قال لقي جبريل عيسى عليه السلام فقال له عيسى متى الساعة
فنفض جبريل أجنحته وقال ما المسئول عنها بأعلم من السائل ثقلت في السموات
والأرض لا تأتيكم إلا بغتة
وأما تقريب وقتها فكل آت قريب قال تعالى
( وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير )
وقال عز و جل ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون وما يأتيهم من ذكر
من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم ) وقال تعالى ( اقتربت
الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا
أهواءهم وكل أمر مستقر ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما
تغني النذر )
وقال الله عز و جل ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون
)
ويروى أن النبي صلى الله عليه و سلم لما نزل عليه ( أتى أمر الله
) وثب
قائما فلما نزل قوله ( فلا تستعجلوه ) جلس قال بعض العلماء إنما وثب صلى
الله عليه و سلم خوفا منه أن تكون الساعة قد قامت وقال صلى الله عليه و
سلم بعثت أنا والساعة كهاتين وقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ذكره مسلم
بن الحجاج في كتابه
وذكر أيضا عن النواس بن سمعان الكلابي عن النبي
صلى الله عليه و سلم وذكر خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام
وقتله الدجال ثم خروج يأجوج ومأجوج عليه ثم هلاكهم ثم ذكر ما يكون من بعد
ذلك من البركات والخيرات قال فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى ريحا طيبة
فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون
فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة
واعلم أن كل ميت مات فقد قامت
قيامته لكنها قيامة صغرى وقيامة كبرى فالقيامة الصغرى هي ما يقوم على كل
إنسان في خاصته من خروج روحه وفراق أهله وانقطاع سعيه وحصوله على عمله إن
خيرا فخير وإن شرا فشر والقيامة الكبرى هي التي تعم الناس وتأخذهم أخذة
واحدة والدليل على أن كل ميت يموت فقد قامت قيامته قول النبي صلى الله
عليه و سلم لقوم من الأعراب وقد سألوه متى الساعة فنظر إلى أحدث إنسان
منهم فقال إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم ذكره مسلم بن
الحجاج في كتابه
والقيامة التي تعم الأرض إنما تأتيهم بغتة وتأخذهم على غفلة لما تقدم
ولكنها تقوم في يوم الجمعة في غير شهر معروف ولا سنة معروفة
والملك الذي وكل بهذه النفخة وجعل على يديه هذه الصعقة قد استعد لها وتهيأ
لإمضائها
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده بإسناده إلى عبد الله بن
مسعود قال لما
كان ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه و سلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى
عليهم السلام فتذاكروا الساعة متى هي فبدأوا بإبراهيم عليه السلام فسألوه
عنها فلم يكن عنده منها علم فسألوا موسى عليه السلام فلم يكن عنده منها
علم فردوا الحديث إلى عيسى عليه السلام فقال عهد الله تعالى إلي فيما دون
وجبتها فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله
ويعني بوجبتها وقعتها
قال فذكر من خروج الدجال فأهبط فأقتله فيرجع الناس إلى بلادهم فيستقبلهم
يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون لا يمرون بماء إلا شربوه ولا بشيء إلا
أفسدوه فيجأرون إلي فأدعو الله فيميتهم فيملأ الأرض ريحهم فيجأرون إلي
فأدعو الله فيرسل من السماء ماء فيحمل أجسامهم فيلقيهم في البحر ثم تنسف
الجبال وتمد الأرض مد الأديم فعهد الله إلي أنه إذا كان ذلك فإن الساعة من
الناس كالحامل المتم التي لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادتها ليلا أو
نهارا
قال النواس فوجدت تصديق ذلك في كتاب الله عز و جل وقرأ ( حتى إذا فتحت
يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق )
وذكر أبو داود من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق الله آدم وفيه أهبط وفيه تيب
عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من
حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس وفيها ساعة لا
يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه
وذكر
النسائي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف أنعم
وصاحب الصور قد التقم القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر بالنفخ
فينفخ قالوا يا رسول الله وكيف نقول قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على
الله توكلنا
وذكر الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم ما زال صاحب الصور مذ وكل به مستعدا ينظر نحو العرش أن
يؤمر فينفخ قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان
ومن مسند البزار عن أبي سعيد الخدري قال ذكر رسول الله صلى الله عليه و
سلم صاحب الصور فقال عن يمينه جبريل وعن يساره ميكائيل
وذكر الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال جاء أعرابي إلى النبي صلى
الله عليه و سلم فقال ما الصور قال قرن ينفخ فيه
وذكر أبو بشر الدولابي من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه
و سلم في قوله تعالى ( نفخ في الصور ) فقال الصور كهيئة القرن
وقال بعض العلماء الصور أيضا جمع صورة
وذكر البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تقوم
الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة
وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كل يزعم أنه رسول الله وحتى يقبض
العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل
وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه
فيقول الذي يعرض عليه لا أرب لي فيه وحتى يتطاول الناس في البنيان وحتى
يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه وحتى تطلع
الشمس من
مغربها فإذا طلعت ورآها الناس أمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها
لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ولتقومن الساعة وقد نشر
الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد
انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي
فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها
وذكر مسلم بن
الحجاج من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يتركون
المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي يريد عوافي السباع والطير
ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها ملئت
وحوشا حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما
وسمعت في تفسيره أن
هذين الراعيين إنما يخران على وجوههما من صيحة يوم القيامة فعند هذه
الصيحة تخمد الأصوات وتسكن الحركات وتخلى من أهلها الأرضون والسماوات إلى
يوم الخروج والميقات والجزاء بالحسنات والسيئات إلا أن الله تعالى ذكر عند
هذه الصيحة استثناء سيأتي ما قيل فيه بعد إن شاء الله
ثم ينزل الله
مطرا فتنبت منه الأجسام ويحيا به الرفات من العظام ويستعد لقبول الأرواح
عند النفخة الثانية قال الله تعالى ( ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا )
وذكر مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول اللهA يخرج
الدجال في أمتي فيمكث أربعين لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو
أربعين عاما الشك من الراوي قال فيبعث الله عيسى بن مريم عليه السلام كأنه
عروة بن مسعود الثقفي فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين
عداوة ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى أحد على وجه الأرض
في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته حتى
لو أن أحدكم
دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه قال سمعتها من رسول الله صلى الله
عليه و سلم قال فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون
معروفا ولا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيقول لهم أما تستجيبون
فيقولون فما تأمرنا فيأمرهم بعبادة الأوثان وهم في ذلك دار رزقهم حسن
عيشهم ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا قال وأول
من يسمعه رجل يلوط حوض إبله قال فيصعق ويصعق الناس ثم يرسل أو قال ينزل
الله مطرا كأنه الطل أو الظل الشك من الراوي فتنبت منه أجساد الناس ثم
ينفخ فيه أخرى ( فإذا هم قيام ينظرون ) ثم يقال أيها الناس هلموا إلى ربكم
( وقفوهم إنهم مسئولون ) ثم يقال أخرجوا بعث النار فيقال من كم فيقال من
كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين قال فذلك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك ( يوم
يكشف عن ساق )
ويروى أن هذا المطر الذي تنبت منه الأجساد أنه كمني
الرجال وقد أخبر الله أن إنشاء الأجسام مثل إخراج النبات من الأرض قال
الله سبحانه ( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت
فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور ) أي كما ينبت نبات الأرض بالماء
كذلك تنبت الأجساد بهذا الماء فبينما روحك في البرزخ مع الأرواح وكل على
عمله من فساد أو صلاح إذ أمر الله عز و جل بها أن تجمع فتقبل أرواح
المؤمنين تتلألأ نورا وأرواح الكافرين
تسود ظلمة فيقبضها جميعا فيجعلها في الصور ثم ينفخ إسرافيل
فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض
ويروى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يقول الله تعالى وعزتي وجلالي
ليرجعن كل روح إلى جسده فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد فتدخل
الخياشيم حتى تمشي مشي السم في اللديغ
وذكر مسلم عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا
هريرة أربعون عاما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون يوما
قال أبيت ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل قال وليس شيء
من الإنسان إلا ويبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم
القيامة
وذكر أبو بكر بن أبي داود في كتاب البعث بإسناده عن أبي
سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يأكل التراب كل شيء من
الإنسان إلا عجب الذنب قيل وما هو يا رسول الله قال مثل حبة خردل منه
تنشأون
وذكر أبو بكر بن أبي خيثمة بإسناده إلى لقيط بن عامر عن
النبي صلى الله عليه و سلم في حديث طويل قال فيه ثم تلبثون ما لبثتم ثم
تبعث الصيحة فلعمرو إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات والملائكة الذين
مع ربك فأصبح ربك يطوف في الأرض وقد خلت عليه البلاد فأرسل ربك السماء
بهضب من عند العرش فلعمرو إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن
ميت إلا شقت القبر عنه حتى يخلقه من قبل رأسه وذكر الحديث وسيأتي بكماله
إن شاء الله تعالى
قوله فأصبح ربك يطوف في الأرض وقد خلت عليه البلاد إنما هو تفهيم وتقريب
إلى أن جميع من في الأرض يموت وأن الأرض تبقى خالية
ليس يبقى إلا الله وحده كما قال تعالى ( كل من عليها فان ويبقى
وجه ربك ذو الجلال والإكرام )
وقوله والملائكة الذين مع ربك فإنه قد جاء في بعض التفاسير في قوله تعالى
( ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) هو
جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك وملك الموت ثم يؤمر ملك الموت أن يقبض روح
جبريل ثم روح ميكائيل ثم روح إسرافيل ثم يؤمر ملك الموت أن يموت فيموت ولا
يبقى إلا الذي له البقاء والعزة والكبرياء والملك الذي ألا يزول ولا يفنى
تبارك وتعالى فينادي جل جلاله لمن الملك اليوم فلا يجيبه مجيب ومن ذا
يجيبه ولم يبق موجود إلا الواحد المعبود فيجيب نفسه فيقول سبحانه لله
الواحد القهار ثم يمكث الناس في البرزخ أربعين عاما ثم يحيى الله عز و جل
إسرافيل فيأمره أن ينفخ النفخة الثانية فذلك قوله عز و جل ( فإذا هم قيام
ينظرون ) قيام على أرجلهم ينظرون إلى ذلك الأمر العظيم والهول الجسيم
واعلم رحمك الله أنك إن كنت ممن لا يشاهد هذه الصعقة العامة التي هي قيام
الساعة فلا بد لك من أن تشاهد صعقة نفسك التي تخصك وهي صعقة موتك وخروج
روحك ولا بد من إنشائك وتسويتك ورد روحك إلى جسدك وإخراجك من الأرض التي
خلقت منها كما قال تعالى ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة
أخرى ) وقال عز من قال ( أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم
مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي
أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم )
قال سبحانه وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى
في
السموات والأرض وهو العزيز الحكيم
وقوله عز و جل وهو أهون عليه أي هو هين عليه لأنه ليس عند الله شيء أهون
من شيء بل كل عليه هين
و قال تبارك وتعالى ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق
نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين )
وقال سبحانه ( ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ) وذكر النسائي عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال قال الله تبارك وتعالى كذبني
ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن يكذبني وشمتني ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن
يشتمني أما تكذيبه إياي فقوله أني لا أعيده كما بدأته وليس آخر الخلق بأعز
علي من أوله وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الله أحد صمد لم
ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد
وقد أخرجه البخاري بمعناه
والاعتبار الصحيح يشهد بصحة النشأة الآخرة والقدرة متسعة لها ولكل ما شاءه
الحكيم القدير تبارك وتعالى كما قال سبحانه وهو الذي خلق من الماء بشرا
فجعله نسبا وصهرا و كان ربك قديرا
خلق سبحانه الماء من لا شيء
وأخرجه من غير شيء أخرجه من عدم إلى الوجود فكونه بعد أن لم يكن شيئا ثم
خلق منه الإنسان فجعله آية عجبا وعبرة ظاهرة في شكله وتخطيطه وحركاته
وسكناته وما فيه من الحكمة وما أودعه من عجائب الصنعة مما يطول وصفه ويتسع
شرحه فتبارك الله أحسن الخالقين
وأنشدوا
( أيا ابن آدم والألاء سابغة ... ومزنة الجود لا تنفك عن ديم )
( هل أنت ذاكر ما أوليت من حسن ... وشاكر كل ما خولت من نعم )
( براك باريء هذا الخلق من عدم ... بحت ولولاه لم تخرج من العدم )
( أنشاك من حمأ ولا حراك به ... فجئت منتصبا تمشي على قدم )
( مكمل الأدوات آية عجبا ... موفر العقل من حظ ومن فهم )
( ترى وتسمع كلا قد حبيت به ... فضلا وتنطق بالتبيين والحكم )
( هداك بالعلم سبل الصالحين له ... وكنت من غمرات الجهل في ظلم )
( ماذا عليك له من نعمة غمرت ... كل الجهات ولم تبرح ولم ترم )
( غراء كالشمس قد ألقت أشعتها ... حتى ليبصرها عليك كل عمي )
( فاشكر ولست مطيقا شكرها أبدا ... ولو جهدت فسدد ويك والتزم )
( رزق وأمن وإيمان وعافية ... متى تقوم بشكر هذه النعم )
( هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه إن ربك هو الخلاق العليم )
( فمن آمن بهذا لم يضق صدره عن الإيمان بالنشأة الثانية وكان منتظرا لها
مشتغلا بالفكرة فيها وإنها لموضع الانتظار وموضع الاشتغال آناء الليل
وأطراف النهار لكن حب العاجل والاشتغال بالحاضر والنظر إلى هذا الخيال
القائم صرف وجه القلب عن استعمال الحقيقة في هذا الأمر وطمس عينه عن النظر
إليها وسد مجاري فكره عن التصرف فيها فلو اشتغل ونظر وتفكر لأذهله ذلك عن
الأهل والمال وشغله عن قيل وقال وصرفه عن لذة الحال إلى المآل لكنه إن لم
ينظر الآن فسينظر في وقت لا ينفعه فيه النظر ولا ينقضي له به وطر وسيقدم
فيعلم
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الباب الخامس عشر
في انبعاث الناس من
قبورهم وصفة الأرض التي يحشرون عليها وكيف يحشرون وذكر أول من ينشق عنه
القبر يوم القيامة وما جاء أنهم يبعثون على نياتهم وما كانوا عليه
ذكر مسلم بن الحجاج من حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يعوذ عائذ بالبيت فيبعث الله بعثا فإذا
كانوا ببيداء من الأرض خسفت بهم قلت يا رسول الله فكيف بمن كان كارها قال
يخسف به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته
وعن عبد الله بن عمر
قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد الله بقوم عذابا أصاب
العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم
وعن جابر بن عبد الله قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول يبعث كل
عبد على ما مات عليه
وأما أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة فنبينا محمد صلى الله عليه و سلم
كما ذكر مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع
وأول مشفع
وذكر البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم
قال إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة فإذا أنا بموسى متعلق بالعرش
فلا أدري أكذلك كان أم بعد النفخة الآخرة ويروى فأكون أول من يفيق وهو
الأكثر
وقال البخاري أيضا في بعض ألفاظ هذا الحديث فإذا أنا بموسى
أخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أقام قبلي أم جوزي بصعقة الطور لم يكن
عنده صلى الله عليه و سلم علم حتى يعلمه الله عز و جل فقد أخبر صلى الله
عليه و سلم أنه أول من ينشق عنه القبر وهو حديث صحيح مشهور
واعلم
رحمك الله أنه إن لم تشق سمعك النفخة الأولى في الصور لهلاك هذا المعمور
فلا بد أن تشق سمعك النفخة الثانية لبعثرة القبور وقيام الخلائق ليوم
النشور وتحصيل ما في الصدور
( إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض
أثقالها وقال الإنسان مالها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها يومئذ
يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل
مثقال ذرة شرا يره )
( إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست
الجبال بسا فكانت هباء منبثا )
( فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة
فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها
ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية )
( إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت
وإذا الوحوش حشرت )
فناهيك من صيحة يقوم لها الاموات وتحيا بها العظام الرفات وحسبك
من هدة
تنهد لها الجبال وتعود كالكثيب المهيل من الرمال كما قال عز و جل ( يوم
ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا ) ( يوم يكون الناس كالفراش
المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش )
( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان )
وهذه أهوال لا بد لك من مكابدتها وأحوال لا بد لك من مشاهدتها يخرج سهمك
فيها بما خرج ويلج بك سعيك منها فيما يلج فإما بنزول في درك وإما بارتقاء
في درج
وقد صح هذا عندك فماذا أعددت له وثبت في نفسك فبماذا تستقبله
وماذا تقوله وماذا تفعله لطال ما دعاك الداعي فتصاممت ونصحك النصيح
فتعاميت وذكرك المذكر فتناسيت فقد وقفت على العيان مما كان عرضه عليك
بالأمس البرهان وجاءك به الرسول وخاطبك به القرآن فهل من رجعة أو سبيل
اليوم إلى استعمالك تلك الدعوة هيهات طمعت في غير مطمع وسمعت مالا يسمع إن
كنت تريد أن تعود إلى الدنيا أو ترجع فتفكر الآن في نفسك وكونك في قبرك
إذا سمعت انشقاق الأرض من فوقك ووقع ذلك الصوت الهائل في سمعك صوت تتصدع
له الأكباد لو أذن لها في الانصداع وتتقطع له القلوب لو أذن لها في
الانقطاع قال الله تعالى ( واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب يوم
يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج )
وفي الحديث أن هذا الإجتماع يكون بالشام
روى أبو بكر البزار في مسنده من حديث أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم الشام أرض المحشر والمنشر
ويروى أن المنادي ينادي على صخرة بيت المقدس أيتها العظام
البالية والأوصال المتقطعة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء
وهذا النداء خلاف الصيحة العظمى فتفكر وأطل فكرك في عظيم تلك الصيحة وشدة
تلك النفخة وتخيل قيام الناس وثورانهم من قبورهم دفعة واحدة وانبعاثهم
بمرة واحدة وأنت بينهم وفي جملتهم منكسفا وجهك متغيرا لونك متعثرا قدمك قد
ملأ قلبك الفزع وقصم ظهرك ذلك المستمع وانت حيران عطشان سكران شاخص البصر
نحو النداء مستمعا إلى ذلك الدعاء ولو وجدت مطارا لطرت ومفرا لفررت ( كلا
لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر )
( يا معشر معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات
والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان فبأي آلاء ربكما تكذبان )
ويروى عن الأوزاعي عن بلال بن سعد أنه قال إن للناس جولة يوم القيامة وهو
قوله تعالى ( يقول الإنسان يومئذ أين المفر )
وقال تعالى ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب )
وقال سبحانه ( إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله
من عاصم )
وأنشدوا
( ناد في القوم بيوم التناد ... وأعد فيهم حديث المعاد )
( فالحديث اليوم في غير هذا ... محدث في القلب صدع الفؤاد )
( وخلو القلب عن ذكر يوم ... ذكره أذهب طيب الرقاد )
( غبن في الرأي للعقل باد ... ومن الغبن خفي وباد )
( ولأمر ما بكاه رجال ... في الدياجي كبكاء العهاد )
( أي يوم ضاق عن حالتيه ... وصف وصاف بليغ وشاد )
( مشهد تبيض فيه وجوه ... ووجوه قد طليت بالحداد )
( يجعل الولدان شيبا ويرمي ... بالجبال الشم وسط الوهاد )
( وترى الناس سكارى وما هم ... بسكارى غير سكر التناد )
( فدع الدار وما دار فيها ... من تليد كان أو من تلاد )
( واقطع الأرض على ظهر طود ... نازلا منه إلى بطن واد )
( طالبا كهف نجاة لتنجو ... رائحا في نيل ذاكم وغاد )
( واقدح النار بجفن مروع ... جانب الأمن ولين المهاد )
( رام أمرا فشتتته أمور ... وعدته عن هواه عواد )
( فطوى كشحا على محرقات ... نشرت شعلاتها في البلاد )
( وأفض دمعة باك حزين ... مزجت دمعته بالجساد )
( وإذا ما أراد ذكرى لذنب ... بات من كربته في ازدياد )
( وقليل كل هذا قليل ... لأمور بين أيدي العباد )
( وكروب عند ما أنت فيه ... كالبحار السبع عند الثماد )
( فاجهد النفس وجاهد هواها ... فمراد الحق ترك المراد )
وقيل في قوله تعالى ( يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار )
أما تقلب القلوب فانتزاعها من أماكنها فتغص بها الحناجر فلا هي
تخرج ولا
هي ترجع إلى مواضعها قال الله تعالى ( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدي
الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع )
وأما تقلب الأبصار فمن الكحل إلى الزرق ومن البصر إلى العمى قال الله
تعالى ( ونحشر المجرمين يومئذ زرقا )
وقال سبحانه ( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم
جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا )
فتفكر في بهتك وحيرتك وانكسارك وذلتك وافتقارك وقلتك يوم لا تجد إلا عملك
الذي عملت وسعيك الذي سعيت قال الله تعالى ( يوم تجد كل نفس ما عملت من
خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله
نفسه )
وأنشد بعضهم من قصيدة
( واذكر رقادك في الثرى ... في قعر مظلمة بهيم )
( قد نحيت تلك الحلى ... واستبدلت تلك الرسوم )
( واعتضت من حلل الغنى ... وحلاه خلقان العديم )
( وتركت ويحك مفردا ... لا أهل فيه ولا حميم )
( حيران تفزع للبكا ... لهفان تأنس بالغموم )
( حتى ينادى بالورى ... فتقوم أسرع ما تقوم )
( عريان مصطفق الحشا ... هيمان مجتمع الهموم )
( والناس قد رجفت بهم ... حرب هنالكم عقيم )
( في مأزق تهفو به ... لفحات نيران السموم )
( وبدت هناك سرائر ... قد كنت قبل لها كتوم )
( ورأيت في محصولها ... ما شئت من خسر وشوم )
( ان لم يجد بالعفو من ... يعفو عن الذنب العظيم )
واعلم أنه كلما عظم قدر رجل في الدنيا صغر هناك وكلما كثر جاهه في الدنيا
قل هناك إلا من كان شعاره التقوى في الدنيا وطريقته المثلى وكل ما تراه أو
تسمع به من ملك جبار أو عزيز قهار قد قاد الأجناد وأكثر الأمداد ودوخ
البلاد وأذل العباد فهو في ذلك اليوم كالذرة في الرغام تطؤه الأقدام
ويمحقه ذلك الزحام كما قال القائل
( ألم تسمع عن النبأ العظيم ... وعن خطب خلقت له جسيم )
( وزلزال يهد الأرض هدا ... ويرمي في الحضيضة بالنجوم )
( وأهوال كأطواد رواس ... تلاطم في ضلوع كالهشيم )
( فمن رأس يشيب ومن فؤاد ... يذوب ومن هموم في هموم )
( وسكران ولم يشرب حميا ... وهيمان ولم يعلق بريم )
( ومرضعة قد أذهلها أساها ... فما تدري الرضيع من الفطيم )
( ومؤتمة تولت عن بنيها ... وألقت باليتيمة واليتيم )
( وحبلى اسقطت ذعرا وخوفا ... فيا لله لليوم العقيم )
( وهذا مشهد لا بد منه ... وجمع للحديث وللقديم )
( وما كسرى وقيصر والنجاشي ... وتبع والقروم بنو القروم )
( بذاك اليوم إلا في مقام ... أذل من التراب لذي السليم )
( وما للمرء إلا ما سعاه ... لدار البؤس أو دار النعيم )
( وأنت كما علمت ورب أمر ... يكون أذاه أوقع بالعليم )
( فدع عينيك تسبح في معين ... وقلبك ذره يقلب في جحيم )
في انبعاث الناس من
قبورهم وصفة الأرض التي يحشرون عليها وكيف يحشرون وذكر أول من ينشق عنه
القبر يوم القيامة وما جاء أنهم يبعثون على نياتهم وما كانوا عليه
ذكر مسلم بن الحجاج من حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يعوذ عائذ بالبيت فيبعث الله بعثا فإذا
كانوا ببيداء من الأرض خسفت بهم قلت يا رسول الله فكيف بمن كان كارها قال
يخسف به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته
وعن عبد الله بن عمر
قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد الله بقوم عذابا أصاب
العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم
وعن جابر بن عبد الله قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول يبعث كل
عبد على ما مات عليه
وأما أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة فنبينا محمد صلى الله عليه و سلم
كما ذكر مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع
وأول مشفع
وذكر البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم
قال إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة فإذا أنا بموسى متعلق بالعرش
فلا أدري أكذلك كان أم بعد النفخة الآخرة ويروى فأكون أول من يفيق وهو
الأكثر
وقال البخاري أيضا في بعض ألفاظ هذا الحديث فإذا أنا بموسى
أخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أقام قبلي أم جوزي بصعقة الطور لم يكن
عنده صلى الله عليه و سلم علم حتى يعلمه الله عز و جل فقد أخبر صلى الله
عليه و سلم أنه أول من ينشق عنه القبر وهو حديث صحيح مشهور
واعلم
رحمك الله أنه إن لم تشق سمعك النفخة الأولى في الصور لهلاك هذا المعمور
فلا بد أن تشق سمعك النفخة الثانية لبعثرة القبور وقيام الخلائق ليوم
النشور وتحصيل ما في الصدور
( إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض
أثقالها وقال الإنسان مالها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها يومئذ
يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل
مثقال ذرة شرا يره )
( إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست
الجبال بسا فكانت هباء منبثا )
( فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة
فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها
ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية )
( إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت
وإذا الوحوش حشرت )
فناهيك من صيحة يقوم لها الاموات وتحيا بها العظام الرفات وحسبك
من هدة
تنهد لها الجبال وتعود كالكثيب المهيل من الرمال كما قال عز و جل ( يوم
ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا ) ( يوم يكون الناس كالفراش
المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش )
( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان )
وهذه أهوال لا بد لك من مكابدتها وأحوال لا بد لك من مشاهدتها يخرج سهمك
فيها بما خرج ويلج بك سعيك منها فيما يلج فإما بنزول في درك وإما بارتقاء
في درج
وقد صح هذا عندك فماذا أعددت له وثبت في نفسك فبماذا تستقبله
وماذا تقوله وماذا تفعله لطال ما دعاك الداعي فتصاممت ونصحك النصيح
فتعاميت وذكرك المذكر فتناسيت فقد وقفت على العيان مما كان عرضه عليك
بالأمس البرهان وجاءك به الرسول وخاطبك به القرآن فهل من رجعة أو سبيل
اليوم إلى استعمالك تلك الدعوة هيهات طمعت في غير مطمع وسمعت مالا يسمع إن
كنت تريد أن تعود إلى الدنيا أو ترجع فتفكر الآن في نفسك وكونك في قبرك
إذا سمعت انشقاق الأرض من فوقك ووقع ذلك الصوت الهائل في سمعك صوت تتصدع
له الأكباد لو أذن لها في الانصداع وتتقطع له القلوب لو أذن لها في
الانقطاع قال الله تعالى ( واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب يوم
يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج )
وفي الحديث أن هذا الإجتماع يكون بالشام
روى أبو بكر البزار في مسنده من حديث أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم الشام أرض المحشر والمنشر
ويروى أن المنادي ينادي على صخرة بيت المقدس أيتها العظام
البالية والأوصال المتقطعة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء
وهذا النداء خلاف الصيحة العظمى فتفكر وأطل فكرك في عظيم تلك الصيحة وشدة
تلك النفخة وتخيل قيام الناس وثورانهم من قبورهم دفعة واحدة وانبعاثهم
بمرة واحدة وأنت بينهم وفي جملتهم منكسفا وجهك متغيرا لونك متعثرا قدمك قد
ملأ قلبك الفزع وقصم ظهرك ذلك المستمع وانت حيران عطشان سكران شاخص البصر
نحو النداء مستمعا إلى ذلك الدعاء ولو وجدت مطارا لطرت ومفرا لفررت ( كلا
لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر )
( يا معشر معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات
والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان فبأي آلاء ربكما تكذبان )
ويروى عن الأوزاعي عن بلال بن سعد أنه قال إن للناس جولة يوم القيامة وهو
قوله تعالى ( يقول الإنسان يومئذ أين المفر )
وقال تعالى ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب )
وقال سبحانه ( إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله
من عاصم )
وأنشدوا
( ناد في القوم بيوم التناد ... وأعد فيهم حديث المعاد )
( فالحديث اليوم في غير هذا ... محدث في القلب صدع الفؤاد )
( وخلو القلب عن ذكر يوم ... ذكره أذهب طيب الرقاد )
( غبن في الرأي للعقل باد ... ومن الغبن خفي وباد )
( ولأمر ما بكاه رجال ... في الدياجي كبكاء العهاد )
( أي يوم ضاق عن حالتيه ... وصف وصاف بليغ وشاد )
( مشهد تبيض فيه وجوه ... ووجوه قد طليت بالحداد )
( يجعل الولدان شيبا ويرمي ... بالجبال الشم وسط الوهاد )
( وترى الناس سكارى وما هم ... بسكارى غير سكر التناد )
( فدع الدار وما دار فيها ... من تليد كان أو من تلاد )
( واقطع الأرض على ظهر طود ... نازلا منه إلى بطن واد )
( طالبا كهف نجاة لتنجو ... رائحا في نيل ذاكم وغاد )
( واقدح النار بجفن مروع ... جانب الأمن ولين المهاد )
( رام أمرا فشتتته أمور ... وعدته عن هواه عواد )
( فطوى كشحا على محرقات ... نشرت شعلاتها في البلاد )
( وأفض دمعة باك حزين ... مزجت دمعته بالجساد )
( وإذا ما أراد ذكرى لذنب ... بات من كربته في ازدياد )
( وقليل كل هذا قليل ... لأمور بين أيدي العباد )
( وكروب عند ما أنت فيه ... كالبحار السبع عند الثماد )
( فاجهد النفس وجاهد هواها ... فمراد الحق ترك المراد )
وقيل في قوله تعالى ( يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار )
أما تقلب القلوب فانتزاعها من أماكنها فتغص بها الحناجر فلا هي
تخرج ولا
هي ترجع إلى مواضعها قال الله تعالى ( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدي
الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع )
وأما تقلب الأبصار فمن الكحل إلى الزرق ومن البصر إلى العمى قال الله
تعالى ( ونحشر المجرمين يومئذ زرقا )
وقال سبحانه ( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم
جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا )
فتفكر في بهتك وحيرتك وانكسارك وذلتك وافتقارك وقلتك يوم لا تجد إلا عملك
الذي عملت وسعيك الذي سعيت قال الله تعالى ( يوم تجد كل نفس ما عملت من
خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله
نفسه )
وأنشد بعضهم من قصيدة
( واذكر رقادك في الثرى ... في قعر مظلمة بهيم )
( قد نحيت تلك الحلى ... واستبدلت تلك الرسوم )
( واعتضت من حلل الغنى ... وحلاه خلقان العديم )
( وتركت ويحك مفردا ... لا أهل فيه ولا حميم )
( حيران تفزع للبكا ... لهفان تأنس بالغموم )
( حتى ينادى بالورى ... فتقوم أسرع ما تقوم )
( عريان مصطفق الحشا ... هيمان مجتمع الهموم )
( والناس قد رجفت بهم ... حرب هنالكم عقيم )
( في مأزق تهفو به ... لفحات نيران السموم )
( وبدت هناك سرائر ... قد كنت قبل لها كتوم )
( ورأيت في محصولها ... ما شئت من خسر وشوم )
( ان لم يجد بالعفو من ... يعفو عن الذنب العظيم )
واعلم أنه كلما عظم قدر رجل في الدنيا صغر هناك وكلما كثر جاهه في الدنيا
قل هناك إلا من كان شعاره التقوى في الدنيا وطريقته المثلى وكل ما تراه أو
تسمع به من ملك جبار أو عزيز قهار قد قاد الأجناد وأكثر الأمداد ودوخ
البلاد وأذل العباد فهو في ذلك اليوم كالذرة في الرغام تطؤه الأقدام
ويمحقه ذلك الزحام كما قال القائل
( ألم تسمع عن النبأ العظيم ... وعن خطب خلقت له جسيم )
( وزلزال يهد الأرض هدا ... ويرمي في الحضيضة بالنجوم )
( وأهوال كأطواد رواس ... تلاطم في ضلوع كالهشيم )
( فمن رأس يشيب ومن فؤاد ... يذوب ومن هموم في هموم )
( وسكران ولم يشرب حميا ... وهيمان ولم يعلق بريم )
( ومرضعة قد أذهلها أساها ... فما تدري الرضيع من الفطيم )
( ومؤتمة تولت عن بنيها ... وألقت باليتيمة واليتيم )
( وحبلى اسقطت ذعرا وخوفا ... فيا لله لليوم العقيم )
( وهذا مشهد لا بد منه ... وجمع للحديث وللقديم )
( وما كسرى وقيصر والنجاشي ... وتبع والقروم بنو القروم )
( بذاك اليوم إلا في مقام ... أذل من التراب لذي السليم )
( وما للمرء إلا ما سعاه ... لدار البؤس أو دار النعيم )
( وأنت كما علمت ورب أمر ... يكون أذاه أوقع بالعليم )
( فدع عينيك تسبح في معين ... وقلبك ذره يقلب في جحيم )
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
( وشق جيوب صبرك شق ثكلي ... تعلقت ابنها رجلا سهوم )
( وماذا الأمر ذلكم ولكن ... تشبه بالبحار يد الكريم )
وذكر مسلم بن الحجاج من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قام فينا رسول
الله صلى الله عليه و سلم بموعظة فقال أيها الناس إنكم محشورون إلى الله
عز و جل حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا
فاعلين ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام ألا
وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقال
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح ( وكنت عليهم
شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء
شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فيقال
لي انهم لم يزالوا مدبرين على أعقابهم منذ فارقتهم
وروى شهر بن حوشب
عن ابن عباس قال إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم ثم ينقاض أهل
السماء الدنيا على الأرض فأهل السماء الدنيا وحدهم اكثر من جميع أهل الأرض
جنهم وإنسهم بالضعف فيفزعون إليهم ويقولون أفيكم ربنا فيقولون سبحانه ليس
فينا وهو آت ثم اهل السماء الثانية فينتشرون على وجه الارض فأهل السماء
وحدهم أكثر من أهل السماء الدنيا وأهل الأرض من جنهم وإنسهم بالضعف
فيفزعون أليهم فيقولون أفيكم ربنا فيقولون سبحانه ليس فينا وهو آت ثم
ينقاض أهل السموات سماء سماء كلما انقاضت سماء انتشر أهلها على وجه الأرض
فيكونون أكثر من أهل السموات التي تحتهم وأهل الأرض جنهم وإنسهم بالضعف
ويفزع إليهم أهل الأرض فيقولون أفيكم ربنا فيقولون سبحانه ليس فينا وهو آت
ثم ينقاض أهل السماء السابعة فينتشر
أهلها على وجه الأرض فلهم
وحدهم أكثر من أهل السموات ومن جميع أهل الأرض جنهم وإنسهم بالضعف وينزل
الله تبارك وتعالى في ظلل من الغمام والملائكة
فتفكر في هذا المشهد
العظيم واليوم العقيم يوم يجمع فيه هذا الخلق كلهم من الملائكة ومن بني
آدم من لدن آدم عليه السلام إلى آخر الدنيا فتفكر في أي أرض تسعهم وأي
مكان يحملهم فكيف وينضاف إليهم جميع الوحوش النافرة والهوام الشاردة إلى
غير ذلك من المخلوقات التي ضمها ذلك الموعد وحشرها ذلك المشهد فتفكر الآن
فيهم كيف يساقون وكيف يجمعون وكيف يحشرون من بين محمول قد مدت ظلال الرحمة
عليه وجمعت الأماني في يديه وبين ساع على قدميه وآخر مجرور على خديه و
مصروع لهول ما بين يديه
كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه و
سلم قال إنكم تحشرون إلى الله عز و جل رجالا وركبانا وتجرون على وجوهكم
ويروى ويجرون على وجوههم على أرض بيضاء قاع صفصف مستوية لا ترى فيها عوجا
ولا أمتا لا ربوة يستتر بها ولا وهدة يختفى فيها بل هو صعيد واحد ليس فيه
شيء قائم ولا علم مرتفع قال الله تعالى ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها
ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا )
وقال النبي صلى الله عليه و سلم يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء
عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد
وقال صلى الله عليه و سلم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد
فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر
ذكر الحديثين مسلم من حديث سهل وأبي هريرة
يريد صلى الله عليه و سلم ارضا مستوية لا جبل فيها ولا أكمة ولا ربوة ولا
وهدة
أرض بيضاء نقية لم يسفك عليها دم ولا عمل عليها خطيئة ولا ارتكب
فيها محرم
قال الله تعالى ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد
القهار )
وفي حديث ثوبان ان النبي صلى الله عليه و سلم سئل أين يكون الناس يوم تبدل
الأرض غير الأرض والسموات قال هم في الظلمة دون الجسر والجسر هو الصراط
وفي حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم أنهم على
الصراط ذكر هذين الحديثين مسلم بن الحجاج
فتفكر في هذا المجتمع وهذا الهول الأشنع والخطب الأقطع الأبشع وفيمن يضره
ويشهده ويعانيه ويبصره وكيف يقومون على أقدامهم ويشخصون بأبصارهم وأنت
معهم في ضيق مقام وطول قيام
قد جمعوا جمع الدراهم في الصرة المشدودة
والنبل في الكنانة المشحونة وقد انشقت السماء فوقهم وذابت عليهم وسالت على
رؤوسهم وطاشت الألباب وذهلت الأوهام وتحيرت العقول وتلجلجت الألسن فلم يدر
قائل ما يقول وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا وضعفت الحركات فلا
تسمع للأقدام حسا فيالك من هول تنهد منه الجبال فكيف الرجال ويالك من خطب
تنشق منه السماء فكيف الأحشاء
فتفكر فيما يشق سمعك من ذلك وما يخلع
قلبك من الروع الذي هنالك وكيف بك إذا رأيت الشمس قد كورت فذهب ضوؤها
والنجوم قد طمست فمحي نورها وزالت عن مواضعها وفقدت في مطالعها وانتثرت
على من تحتها وعلى من كان من سمتها واشتبك الناس بعضهم في بعض وتداخل
الخلق بعضهم في بعض فصاروا كالفراش المبثوث وقامت الملائكة على أرجاء
السماء وأحاطت بالخلائق من كل الأرجاء والناس حفاة عراة
غرل كما خلقوا فيالك من يوم يختلط فيه الرجال مع النساء وقد
أمنوا أن ينظر بعضهم إلى بعض أو يحس بعضهم ببعض
وذكر مسلم بن الحجاج من حديث عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى
الله عليه و سلم يقول يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا قلت يا رسول
الله النساء والرجال جميعا ينظر بعضهم إلى بعض قال يا عائشة الأمر أشد من
أن ينظر بعضهم إلى بعض
وذكر النسائي عن ابن عباس قال قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم تحشرون حفاة عراة غرلا فقالت له زوجته أو يرى بعضنا
عورة بعض قال يا فلانة لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه
فيا لك من هول ما أعظمه ومن كرب ما أشده ومن خطب ما أبشعه
وإياك أن تستبطىء هذا اليوم وأن تستبعده فما سيرك إليه ببطيء وما هو منك
ببعيد وإن طال المدى وامتدت الغاية فكل آت قريب وكل ما يكون سيكون قال
الله تعالى ( ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون
بينهم )
وقال سبحانه ( كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم
فأسأل العادين )
وقال تعالى ( ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا
نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما )
أي يقول ذلك بعضهم إلى بعض سرا فيقول أعدلهم قولا وأرجحهم عقلا ان لبثتم
إلا يوما أي ما لبثتم في القبور إلا يوما واحدا
ويروى عن مجاهد أنه قال للكفار هجعة قبل يوم القيامة يجدون فيها
طعم النوم
فإذا بعثوا قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا فيقول لهم المؤمنون هذا ما
وعد الرحمن وصدق المرسلون فيخرج الخلائق مذعورين خائفين وجلين وإذا
المنادي ينادي يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون فيطمع في هذا
المؤمنون والكافرون فينادي المنادي الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين
فينكس الكفار رؤوسهم ويبقى المسلمون فينادي المنادي الثالثة الذين آمنوا
وكانوا يتقون فينكس أهل الكبائر رؤوسهم ويبقى أهل التقوى رافعي رؤوسهم قد
زال عنهم الخوف وذهب عنهم الحزن وغشيهم الفوز والأمن ذلك يوما يجعل
الولدان شيبا ولا ترى فيه إلا حزينا كئيبا يوم تشقق السماء كأنها السحاب
وتسير الجبال كأنها السراب
واعلم ان الناس يحشرون يومئذ على ثلاثة
أصناف ركبانا ومشاة وعلى وجوههم كما قال تعالى ( يوم نحشر المتقين إلى
الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ) والوفد في اللغة القوم
المكرمون يفدون من بلادهم في جماعتهم وإلى ملكهم فينزلهم ويكرمهم والورد
العطاش يساقون كما تساق الإبل وغيرها من الأنعام تسوقهم الملائكة بسياط من
النار إلى النار وقوم يمشون على وجوههم
ذكر الترمذي من حديث أبي
هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يحشر الناس يوم القيامة على
ثلاثة أصناف صنفا مشاة وصنفا ركبانا وصنفا على وجوههم قيل يا رسول الله
وكيف يمشون على وجوههم قال إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم
على وجوههم أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك
وذكر مسلم بن الحجاج من حديث قتادة عن أنس بن مالك أن رجلا
قال يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال أليس
الذي
أمشاه على رجليه في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة قال
قتادة حين بلغه بلى وعزة ربنا
قال أبو حامد وذكر هذا الفصل في طبع
الآدمي إنكار كل ما لم يأنس به ولم يشاهده ولو لم يشاهد الإنسان الحية وهي
تمشي على بطنها لأنكر المشي من غير رجل والمشي بالرجل أيضا مستبعد عند من
لم يشاهد ذلك فإياك أن تنكر شيئا من عجائب يوم القيامة لمخالفتها قياس
الدنيا فإنك لو لم تكن شاهدت عجائب الدنيا ثم عرضت عليك قبل المشاهدة لكنت
أشد إنكارا لها فأحضر رحمك الله في قلبك صورتك وأنت قد وقفت عاريا مكشوفا
ذليلا مدحورا متحيرا مبهوتا منتظر لما يجري عليك من القضاء بالسعادة أو
بالشقاء
ذكر أبو بكر بن أبي خيثمة بإسناده إلى لقيط بن عامر العقيلي
قال خرجت أنا وصاحب لي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم
المدينة لانسلاخ رجب فأتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم حين انصرف من
صلاة الغداة فقام في الناس خطيبا فقال أيها الناس ألا إني قد خبأت لكم
صوتي منذ أربعة أيام ألا لأسمعكم اليوم ألا فهل من امرىء بعثه قومه فقالوا
له اعلم ما يقول لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا ثم لعله أن يلهيه
حديث نفسه أو حديث صاحبه أو يلهيه الضلال ألا إني مسئول هل بلغت ألا
اسمعوا تعوا ألا اجلسوا ألا اجلسوا فجلس الناس وقمت أنا وصاحبي حتى إذا
فرغ لنا فؤاده وبصره قلت يا رسول الله ما عندك من علم الغيب قال فضحك
لعمرو الله وهز رأسه وزعم أني ابتغي تسخطه فقال ضن ربك بخمس من الغيب لا
يعلمها إلا الله وأشار بيده قلت وما هن يا رسول الله قال علم المنية قد
علم متى منية
أحدكم ولا تعلمونه وعلم المني متى يكون في الرحم قد
علمه ولا تعلمونه وعلم ما في غد قد علم ما أنت طاعم غدا ولا تعلمونه وعلم
يوم الغيث يشرف عليكم أزلين مشفقين فيظل يضحك قد علم أن غوثكم قريب قال
لقيط لم نعدم من رب يضحك خيرا قال وعلم يوم السعة قلت يا رسول الله إني
سائلك عن حاجتي فلا تعجلني قال سل عما شئت قلت يا رسول الله علمنا مما لم
يعلم الناس وما تعلم قال تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم ثم تلبثون ما
لبثتم ثم تبعث الصيحة فلعمرو إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات
والملائكة الذين مع ربك فأصبح ربك يطوف في الأرض قد خلت عليه البلاد فأرسل
ربك السماء بهضب من عند العرش فلعمرو إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل
ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى تخلقه من قبل رأسه حتى يستوي جالسا
يقول ربك مهيم لما كان فيه فيقول يا رب أمتني أمس وأحييتني اليوم لعهده
بالحياة يحسبه حديثا بأهله فقلت يا رسول الله فكيف يجمعنا بعد ما تمزقنا
الرياح والبلى والسباع قال أنبئك بمثل ذلك في إل الله الأرض أشرفت عليها
وهي مدرة بالية فقلت لا تحيا أبدا ثم أرسل ربك عليها السماء فلم تلبث عنها
إلا أياما حتى أشرفت عليها فإذا هي شربة واحدة فلعمرو إلهك لهو أقدر على
أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض فتخرجون من الأضواء ومن
مصارعكم فتنظرون إليه ساعة وينظر إليكم قال قلت يا رسول الله ونحن ملء
الأرض وهو شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه قال أنبئكم بمثل ذلك في إل الله
الشمس والقمر آية صغيرة ترونهما ساعة واحدة ويريانكم لا تضامون في رؤيتهما
ولعمرو ألهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه منهما أو ترونهما ويريانكم ولا
تضامون في رؤيتهما قلت يا رسول الله فما يفعل ربنا بنا إذا لقيناه قال
تعرضون عليه بادية صفحاتكم لا تخفى عليه منكم خافية فيأخذ ربك
بيده غرفة
من الماء فينضح بها قبلكم فلعمرو إلهك ما يخطيء وجه واحد منكم منها قطرة
فأما المسلم فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء وأما الكافر فتحطمه مثل الحميم
الأسود ألا ثم ينصرف نبيكم ويفرق على أثره الصالحون فيسلكون جسرا من النار
يطأ أحدكم الجمرة فتقول حس يقول ربكم أوانه ألا فتطلعون على حوض الرسول لا
يظمأ والله ناهله فلعمرو إلهك ما يبسط واحد منكم يده إلا وقع عليها قدح
يطهره من الطوف والبول والأذى وتحبس الشمس والقمر فلا ترون منهما واحدا
قال قلت يا رسول الله فبم نبصر الأرض قال بمثل ساعتكم هذه وذلك مع طلوع
الشمس في يوم أسفرته الأرض وواجهته الجبال قال قلت يا رسول الله فبم نجزي
من حسناتنا أو سيئاتنا قال الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها إلا أن
تغفر قلت يا رسول الله ما الجنة والنار قال لعمرو ألهك إن النار لها سبعة
أبواب ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما وإن للجنة ثمانية
أبواب ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما قال قلت يا رسول
الله فعلى ما نطلع من الجنة قال على أنهار من عسل مصفى وأنهار من كأس ما
بها صداع ولا ندامة وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وماء غير آسن وفاكهة
فلعمرو إلهك ما تعلمون وخير من مثله معه وأزواج مطهرة قلت يا رسول الله
وإن لنا فيها أزواجا وهن مصلحات قال الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم
في الدنيا ويلذذنكم غير إن لا توالدوا وذكر باقي الحديث
فصل دنو الشمس من الناس يوم القيامة
ذكر مسلم من حديث المقداد بن الأسود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و
سلم يقول تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل قال
سليم بن عامر فوالله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أو الميل الذي
تكحل به العين قال فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون
إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من
يلجمه العرق الجاما وأشار رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده إلى فيه
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم في هذا
الحديث قال تدنو الشمس يوم القيامة على مقدار ميل ويزاد فيها كذا وكذا
تغلى منها الهوام كما تغلي القدور على الأثافي ذكره قاسم بن أصيغ
وذكر مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم
يوم يقوم الناس لرب العالمين قال يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه
وذكر مسلم عن أبي هريرة في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين باعا وإنه ليبلغ إلى أفواه
الناس أو إلى آذانهم الشك من الراوي
وروى عن أنس أنه قال لم يلق ابن
آدم قط شيئا منذ خلقه الله أشد عليه من الموت ثم إن الموت لأهون عليه مما
بعده إنهم ليلقون من هول ذلك اليوم وشدته حتى يلجمهم العرق حتى لو أرسلت
فيه السفن لجرت
وذكر أبو بكر البزار في مسنده عن جابر بن عبد الله
قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن العرق ليلزم المرء في الموقف
حتى يقول يا رب إرسالك بي إلى النار أهون علي مما أجد وهو يعلم ما فيها من
شدة العذاب
ثم تفكر في ذلك الازدحام والانضمام والاتساق والالتصاق
واجتماع الإنس والجن ومن يجمع من سائر أصناف الحيوان وانضغاطهم وتدافعهم
واختلاطهم ولا فرار ولا انتصار ولا ملاذ ولا انتقاذ وقربت الشمس منهم قبل
تكويرها وكانت كمقدار ميل وزيد في حرها وضوعف في وهجها ولا ظل إلا ظل عرش
ربك بما قدمته من كسبك وقد انضاف إلى حر الشمس حر الأنفاس لتزاحم الناس
واحتراق القلوب بما غشيها من الكروب واشتد الفرق وعظم القلق وسال من
الأجسام العرق وانبعث من كل موضع من الجسد وانبثق وكان الناس فيه على قدر
أعمالهم كما تقدم
فتفكر في نفسك أيها المسكين وقد ضاق نفسك وزاد
قلقك وسال عرقك وجرى من جميع بدنك من قرنك إلى قدمك ووصل منك إلى حيث
أوصلته بعملك إما إلى كعبك أو صاعدا حتى إلى أذنك فانظر إلى هذا الحال
وتفكر في هذا الوبال وسوء هذا المآل واعلم رحمك الله أنه لو سال عرقك في
الدنيا طول عمرك وأضعافه في طاعة ربك وفي رضا سيدك على أن لا تعرق في ذلك
اليوم لكان ذلك يسيرا ولكنت به جديرا ولكانت سلامتك منه غنما كثيرا وفوزا
كبيرا
وأنشدوا
( قدم لنفسك نزلا ... وارفع لرأسك ظلا )
( في يوم تضحى البرايا ... في شمسه تتقلى )
( فمن جسوم تصلى ... ومن رؤوس تقلى )
( ولا ملاذ هناكم ... إلا سرائر تبلى )
( وكل ما كان مخفى ... هناك للخلق يجلى )
( فمن دم في دموع ... تهل في الخد هلا )
( ومن جوى في ضلوع ... قد حل فيها المحلا )
( فيا أخي والمنايا ... تثل عرشك ثلا )
( وهذه مفزعات ... تكفيك قولا وفعلا )
( وإنه الأمر جد ... وليس يا صاح هزلا )
( فاعمل له في تراخ ... للعمر من قبل ألا )
( وقد نصحتك فاقبل ... واسمع لنصحي وإلا )
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل طول يوم القيامة
أعلم رحمك الله أن يوم يوم القيامة ليس طوله كما عهدت من طول الأيام بل هو
آلاف من الأعوام ينصرف فيه هذا الأنام على الوجوه والأقدام حتى ينفذ فيهم
ما كتب لهم وعليهم من الأحكام وليس يكون خلاصهم دفعة واحدة ولا فراغهم في
مرة واحدة بل يتخلصون ويفرغون بفراغ اليوم لكن طول ذلك اليوم خمسين ألف
سنة فيفرغون بفراغ اليوم ويفرغ اليوم بفراغهم
وليس أيضا هذا اليوم
مثل أيام الدنيا التي تكون على حكم دوران الفلك إذا ذهب الليل جاء النهار
وإذا ذهب النهار جاء الليل حكمة الله التي حيرت العقول وأكلت الأبصار
وأخرست الألسن
ليس هناك ليل إنما هو وقت واحد على صفة واحدة وهذا
الذي يسمى يوما انما هو مقدار من ذلك الوقت يطوله الله عز و جل ما شاء
ويقصره ما شاء ويسمي ما شاء بما شاء
وذكر مسلم من حديث أبي هريرة
قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي
منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في
نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت لهم في يوم كان
مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما
إلى النار قيل يا رسول الله فالإبل قال ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها
ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا
كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر
أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما
مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي
بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار قيل يا رسول الله
فالبقر والغنم قال ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان
يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ولا
جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد
عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى
سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار
كذا روى وإنما هو كلما مر عليه اخراها رد عليه أولاها
قال الحسن البصري فما ظنك بقوم قاموا على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة لم
يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة حتى إذا انقطعت أعناقهم عطشا
واحترقت أجوافهم جوعا انصرف بهم إلى النار فسقوا من عين آنية قد أنى حرها
واشتد نضجها
واعلم أن هذا اليوم يتلون ألوانا ويستحيل حال الناس فيه
أحوالا فينبعثون فيه من قبورهم ويساقون فيه إلى محشرهم ومكان القضاء فيهم
ويقفون فيه ما شاء الله أن يقفوا شاخصة أبصارهم إلى السماء مبهوتين سكارى
حيارى من عظيم ما أصابهم وهول ما نزل بهم ثم يموج بعضهم في بعض ويدخل
بعضهم في بعض ويمشون من نبي إلى نبي يطلبون الشفاعة في الاستعجال
والانفصال والتخلص من تلك الأهوال والأنكال وليس كل الناس يكلم الأنبياء
وليس كل الناس يمشي إليهم ومن الناس من يكون بمنزلة الرغام تطؤه الأقدام
في ذلك الزحام وضيق ذلك المقام ويأتي في هذا اليوم وقت منه يتكلم فيه
المشركون فيقولون والله ربنا ما كنا مشركين
ويأتي عليهم منه وقت
آخر لا يتكلمون ولا يؤذن لهم فيعتذرون وفيه تكون المحاسبة والمناقشة وفيه
يتعلق الناس بعضهم ببعض ويطلب بعضهم بعضا ويخاصم بعضهم بعضا فمن الناس من
يخفف عليه اليوم حتى لا يجد فيه مشقة طول ولا يرد له فيه رغبة ولا سؤل
وذكر ابن وهب من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى
الله عليه و سلم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم فقال
النبي صلى الله عليه و سلم والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون
أخف عليه من صلاة مكتوبة كان يصليها في الدنيا فمن الناس من يطول مقامه
وحبسه إلى آخر اليوم ومنهم من يكون انفصاله في ذلك اليوم في مقدار يوم من
أيام الدنيا وفي ساعة من ساعاته أو فيما شاء الله من ذلك أو يكون رائحا في
ظل كسبه وعرش ربه ومنهم من يؤمر به إلى الجنة بغير حساب ولا عذاب كما أن
منهم من يؤمر به إلى النار في أول الأمر من غير وقوف ولا انتظار أو بعد
يسير من ذلك النهار وبالجملة فليس يتم ذلك اليوم إلا وقد نزل كل إنسان
بداره واستقر في قراره من جنته أو ناره
فتفكر أيها الإنسان في طول
ذلك اليوم وفي طول ذلك القيام فيه مع ذلك الحال الأخطر والفزع الأكبر
والهول الذي لا يكيف ولا يقدر فاختر لنفسك كم تريد أن تقف فيه وكيف تريد
أن تكون فيه ما دام النظر إليك والاختيار بيديك مع توفيق ربك عز و جل لك
ومعونته إياك
وأنشد بعضهم
( يا آمن الساحة لا يذعر ... بين يديك الفزع الأكبر )
( وإنما أنت كمصبورة ... حم رداها وهي لا تشعر )
( والمرء منصوب له حتفه ... لو أنه من عمه يبصر )
( وهذه النفس لها حاجة ... والعمر عن تحصيلها يقصر )
( وكلما تزجر عن مطلب ... كانت به أهيم إذ تزجر )
( وإنما تقصر مغلوبة ... كالماء عن عنصره يقصر )
( وربما ألقت معاذيرها ... لو أنها يا ويحها تعذر )
( وناظر الموت لها ناظر ... لو أنها تنظر إذ ينظر )
( وزائر الموت له طلعة ... يبصرها الأكمه والمبصر )
( وروعة الموت لها سكرة ... ما مثلها من روعة تسكر )
( وبين أطباق الثرى منزل ... ينزله الأعظم والأحقر )
( يترك ذو الفخر به فخره ... وصاحب الكبر به يصغر )
( قد ملأت ارجاءه روعة ... نكيرها المعروف والمنكر )
( وبعد ما بعد وأعظم به ... من مشهد ما قدره يقدر )
( يرجف منه ذا الورى رجفة ... ينهد منها الملأ الأكبر )
( وليس هذا الوصف مستوفيا ... كل الذي من وصفه يذكر )
( وإنما ذا قطرة أرسلت ... من أبحر تتبعها أبحر )
( وقد أتاك الثبت عنه بما ... أخبرك الصادق إذ يخبر )
( فاعمل له ويك وإلا فلا ... عذر وما مثلك من يعذر )
واعلم أنه كلما طال قيامك في طاعة الله وانتصابك له قصر قيامك في ذلك
اليوم وقل تعبك فيه وكلما كثر تصرفك في طاعة الله سبحانه وإقبالك وإدبارك
في قضاء حاجة مسلم ومشيك فيه ومشاركتك له يقل مشيك في ذلك اليوم ويقل تعبك
فيه وبقدر ما تبذل تعطى وكما تدين تدان
ولعلك يا هذا تستطيل ركعتين تقرأ فيهما حزبا أو حزبين تقوم بهما لربك جل
جلاله ولعلك تعجز عن مشي ميل في قضاء حاجة مسلم أو ميلين
وبين يديك هذا اليوم الطويل المديد والكرب العظيم الشديد الذي لا
يقصر إلا
على من أطال التعب لله ولا يسهل إلا على من تحمل الشدائد في ذات الله
ولعلك ان صليتهما ليلة عجزت عنهما ليلة أخرى ولعلك ان مشيت يوما في حاجة
مسلم برمت من ذلك يوما آخر وضجرت منه وكسلت عنه وربما وقفت لسماع حديث
فارغ يكون تقديره أكثر من حزب أو حزبين وربما مشيت في فضول الميل والميلين
وأكثر من ذلك ولو تدبرت في أمرك ونظرت فيما يراد بك لسهل عليك من أمرك
العسير وقرب عليك فيه البعيد فاعمل رحمك الله في أيام قصار وعمر قصير
لأيام طوال وعمر طويل
الباب السادس عشر
ذكر الحوض
قد سمعت رحمك الله بعطش هذا اليوم والتهابه وما يصل إلى القلوب من أواره
واحتراقه وأن الماء في ذلك اليوم أعز موجود وأعظم مفقود وأن لا منهل مورود
إلا حوض صاحب المقام المحمود صلى الله عليه و سلم ولا مشرب لأمته سواه ولا
تبرد أكبادهم إلا به وأن الشربة منه تروي من الظمأ وتشفي من الصدى وتذهب
كل داء فلا يظمأ شاربها ولا يسقم بعدها أبدا وأنها ترد العقل العازب
والشباب الذاهب ويؤوب معها من الزمن الصالح ما لم يكن قبل بآيب وانه لا
يرد ذلك الحوض إلا من ورد في الدنيا حوض شرعته وتمسك بسنته وتوفي على ملته
وإلا فيجلى عنه ولا يدنو منه ولا يكاد ويضرب عنه ضربا تتقطع له الجوانح
والأكباد
وأنا أذكر لك من أحاديث الحوض ما يسر الله عز و جل
ذكر مسلم من حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إني لبعقر حوضي
أذود الناس عنه لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم فسئل عن عرضه فقال
من مقامي إلى عمان وسئل عن شرابه فقال أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل
يفت فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والآخر من ورق
وعن
أبي ذر قال قلت يا رسول الله ما آنية الحوض قال والذي نفس محمد بيده
لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في الليلة المظلمة المصحية آنية
الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة من شرب
منه لم يظمأ عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة ماؤه أشد بياضا من
اللبن وأحلى من العسل
ومن حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ترى فيه
أباريق الذهب والفضة عدد نجوم السماء
وذكر الترمذي عن أبي سلام الحبشي قال حدثني ثوبان عن النبي صلى الله عليه
و سلم قال حوضي من عدن إلى عمان البلقاء ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من
العسل أكاويبه عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا أول
الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤوسا الدنس ثيابا الذين لا
ينكحون المنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد فقال عمر بن عبد العزيز قد نكحت
المنعمات فاطمة بنت عبد الملك وفتحت لي أبواب السدد لا جرم لا إغسل رأسي
حتى يشعث ولا أغسل ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ
وذكر البزار من حديث
أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم حوضي من كذا إلى كذا فيه من
الآنية عدد النجوم أطيب ريحا من المسك وأحلى من العسل وأبرد من الثلج
وأبيض من اللبن من شرب منه لم يظمأ أبدا ومن لم يشرب لم يرو أبدا
وذكر مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه
و سلم يقول وهو بين ظهراني أصحابه إني على الحوض أنتظر من يرد علي منكم
فوالله ليقتطعن دوني رجال فلأقولن أي رب مني ومن أمتي فيقول إنك لا تدري
ما عملوا بعدك مازالوا يرجعون على أعقابهم
وعن عبد الله بن عمرو بن
العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء
وماؤه أبيض من الورق وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء من شرب منه
فلا يظمأ بعدها أبدا
وقالت أسماء بنت أبي بكر قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم وسيؤخذ أناس من
دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال أما شعرت ما عملوا بعدك والله ما
برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم
قال فكان ابن أبي مليكة يقول اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن
نفتن عن ديننا
وعن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم عن أم
سلمة رضي الله عنها أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول
أيها الناس إني لكم فرط على الحوض فإياي لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذب
البعير الضال فأقول فيم هذا فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا
وقال النسائي في هذا الحديث يا أيها الناس بينا أنا على الحوض إذ مر بكم
زمرا فيذهب بكم الطرق فأناديكم ألا هلم إلى الطريق فينادي مناد من ورائي
إنهم بدلوا بعدك فأقول ألا سحقا سحقا
وذكر مسلم من حديث أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى المقبرة فقال السلام عليكم دار قوم
مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وددت أني رأيت إخواننا قالوا أولسنا
أخوانك يا رسول الله قال بل أنتم أصحابي وأخواننا الذين لم يأتوا بعد
قالوا كيف تعرف من لم يأت بعدك من أمتك يا رسول الله قال أرأيت لو أن رجلا
له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله قالوا بلى يا رسول
الله قال فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض ألا
ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم هلم فيقال
إنهم قد بدلوا بعدك فأقول سحقا سحقا
وذكر البخاري من حديث سهل بن
سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني فرط لكم على الحوض من مر
يشرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ليردن أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني
وبينهم زاد أبو سعيد الخدري رضي الله عنه
قال فأقول أمتي فيقال
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي وذكر من حديث
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال بينا إنا قائم إذا زمرة حتى
إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم فقلت أين فقال إلى النار
والله قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك القهقرى على أدبارهم ثم إذا
زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم فقلت أين فقال إلى
النار والله قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى فلا
أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم
قوله صلى الله عليه و سلم بينا أنا قائم يريد على الحوض كما ورد في حديث
آخر
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني ممسك بحجزكم عن النار
وتغلبونني وتقتحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب وأوشك أن أرسل حجزكم وأفرط
لكم عن أو على الحوض الشك من الراوي وتردون علي معا وأشتاتا فأعرفكم
بأسمائكم وسيماكم كما يعرف الرجل الغريبة من الإبل في إبله ويذهب بكم ذات
الشمال وأناشد فيكم رب العالمين فأقول أي رب رهطي أي رب أمتي فيقال إنك لا
تدري ما أحدثوا بعدك إنهم كانوا يمشون بعدك القهقرى فلأعرفن أحدكم يأتي
يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ينادي يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك من
الله شيئا قد بلغت ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيرا له رغاء
فينادي يا محمد يا محمد فأقول لا
أملك لك من الله شيئا قد بلغت
ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا له حمحمة ينادي يا محمد يا محمد
فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد بلغت ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة
يحمل قشعا من أدم ينادي يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد
بلغت
وذكر أبو بكر البزار عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله
صلى الله عليه و سلم يقول أنا فرط بين أيديكم فإن لم تجدوني فإني على
الحوض وسيأتي أقوام رجال ونساء ثم لا يذوقون منه شيئا
وذكر ابن السكن من حديث سويد بن جبلة قال قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم لتزدحمن هذه الأمة على الحوض ازدحام واردات الحمر
وذكر مسلم من حديث أنس بن مالك قال بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم
بين أظهرنا ذات يوم إذ أغفى إغفاءه ثم رفع رأسه مبتسما فقلنا ما أضحكك يا
رسول الله قال نزلت علي أنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ( إنا
أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر ) ثم قال أتدرون ما
الكوثر فقلنا الله ورسوله أعلم قال فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير هو
حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم فيختلج العبد فأقول يا رب
إنه من أمتي فيقول ما تدري ما أحدث بعدك
وفي طريق آخر عن أنس أيضا نهر وعدنيه ربي في الجنة عليه حوضي ويروى عليه
حوض
وفي حديث لقيط وذكر البعث قال تسلكون جسرا من النار يطأ أحدكم الجمرة
فيقول حس ألا فتطلعون على حوض الرسول لا يظمأ والله ناهله فلعمرو إلهك ما
يبسط واحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف والبول والأذى رواه
عن النبي صلى الله عليه و سلم
وذكر في هذا الحديث أن الحوض بعد الجسر وما تقدم في الحوض من
الأحاديث التي لم يحد له فيها موضع هو الصحيح المشهور
وذكر الترمذي من حديث الحسن عن سمرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم إن لكل نبي حوضا وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة وإني
لأرجو أن أكون أكثرهم واردة
وهذا يروى عن الحسن عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا
وذكر أبو بكر البزار من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم إن لي حوضا ما بين بيت المقدس إلى الكعبة أبيض من اللبن فيه عدد
الكواكب أنية وأنا فرطكم على الحوض ولكل نبي حوض وكل نبي يدعو أمته فمنهم
من يرد عليه فئام من الناس ومنهم من يرد عليه ما هو دون ذلك ومنهم من ترد
عليه العصابة ومنهم من يرد عليه الرجلان والرجل وفيهم من لا يرد عليه أحد
فيقول اللهم قد بلغت ثلاثا وذكر باقي الحديث
أعلم رحمك الله أن يوم يوم القيامة ليس طوله كما عهدت من طول الأيام بل هو
آلاف من الأعوام ينصرف فيه هذا الأنام على الوجوه والأقدام حتى ينفذ فيهم
ما كتب لهم وعليهم من الأحكام وليس يكون خلاصهم دفعة واحدة ولا فراغهم في
مرة واحدة بل يتخلصون ويفرغون بفراغ اليوم لكن طول ذلك اليوم خمسين ألف
سنة فيفرغون بفراغ اليوم ويفرغ اليوم بفراغهم
وليس أيضا هذا اليوم
مثل أيام الدنيا التي تكون على حكم دوران الفلك إذا ذهب الليل جاء النهار
وإذا ذهب النهار جاء الليل حكمة الله التي حيرت العقول وأكلت الأبصار
وأخرست الألسن
ليس هناك ليل إنما هو وقت واحد على صفة واحدة وهذا
الذي يسمى يوما انما هو مقدار من ذلك الوقت يطوله الله عز و جل ما شاء
ويقصره ما شاء ويسمي ما شاء بما شاء
وذكر مسلم من حديث أبي هريرة
قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي
منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في
نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت لهم في يوم كان
مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما
إلى النار قيل يا رسول الله فالإبل قال ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها
ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا
كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر
أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما
مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي
بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار قيل يا رسول الله
فالبقر والغنم قال ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان
يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ولا
جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد
عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى
سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار
كذا روى وإنما هو كلما مر عليه اخراها رد عليه أولاها
قال الحسن البصري فما ظنك بقوم قاموا على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة لم
يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة حتى إذا انقطعت أعناقهم عطشا
واحترقت أجوافهم جوعا انصرف بهم إلى النار فسقوا من عين آنية قد أنى حرها
واشتد نضجها
واعلم أن هذا اليوم يتلون ألوانا ويستحيل حال الناس فيه
أحوالا فينبعثون فيه من قبورهم ويساقون فيه إلى محشرهم ومكان القضاء فيهم
ويقفون فيه ما شاء الله أن يقفوا شاخصة أبصارهم إلى السماء مبهوتين سكارى
حيارى من عظيم ما أصابهم وهول ما نزل بهم ثم يموج بعضهم في بعض ويدخل
بعضهم في بعض ويمشون من نبي إلى نبي يطلبون الشفاعة في الاستعجال
والانفصال والتخلص من تلك الأهوال والأنكال وليس كل الناس يكلم الأنبياء
وليس كل الناس يمشي إليهم ومن الناس من يكون بمنزلة الرغام تطؤه الأقدام
في ذلك الزحام وضيق ذلك المقام ويأتي في هذا اليوم وقت منه يتكلم فيه
المشركون فيقولون والله ربنا ما كنا مشركين
ويأتي عليهم منه وقت
آخر لا يتكلمون ولا يؤذن لهم فيعتذرون وفيه تكون المحاسبة والمناقشة وفيه
يتعلق الناس بعضهم ببعض ويطلب بعضهم بعضا ويخاصم بعضهم بعضا فمن الناس من
يخفف عليه اليوم حتى لا يجد فيه مشقة طول ولا يرد له فيه رغبة ولا سؤل
وذكر ابن وهب من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى
الله عليه و سلم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم فقال
النبي صلى الله عليه و سلم والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون
أخف عليه من صلاة مكتوبة كان يصليها في الدنيا فمن الناس من يطول مقامه
وحبسه إلى آخر اليوم ومنهم من يكون انفصاله في ذلك اليوم في مقدار يوم من
أيام الدنيا وفي ساعة من ساعاته أو فيما شاء الله من ذلك أو يكون رائحا في
ظل كسبه وعرش ربه ومنهم من يؤمر به إلى الجنة بغير حساب ولا عذاب كما أن
منهم من يؤمر به إلى النار في أول الأمر من غير وقوف ولا انتظار أو بعد
يسير من ذلك النهار وبالجملة فليس يتم ذلك اليوم إلا وقد نزل كل إنسان
بداره واستقر في قراره من جنته أو ناره
فتفكر أيها الإنسان في طول
ذلك اليوم وفي طول ذلك القيام فيه مع ذلك الحال الأخطر والفزع الأكبر
والهول الذي لا يكيف ولا يقدر فاختر لنفسك كم تريد أن تقف فيه وكيف تريد
أن تكون فيه ما دام النظر إليك والاختيار بيديك مع توفيق ربك عز و جل لك
ومعونته إياك
وأنشد بعضهم
( يا آمن الساحة لا يذعر ... بين يديك الفزع الأكبر )
( وإنما أنت كمصبورة ... حم رداها وهي لا تشعر )
( والمرء منصوب له حتفه ... لو أنه من عمه يبصر )
( وهذه النفس لها حاجة ... والعمر عن تحصيلها يقصر )
( وكلما تزجر عن مطلب ... كانت به أهيم إذ تزجر )
( وإنما تقصر مغلوبة ... كالماء عن عنصره يقصر )
( وربما ألقت معاذيرها ... لو أنها يا ويحها تعذر )
( وناظر الموت لها ناظر ... لو أنها تنظر إذ ينظر )
( وزائر الموت له طلعة ... يبصرها الأكمه والمبصر )
( وروعة الموت لها سكرة ... ما مثلها من روعة تسكر )
( وبين أطباق الثرى منزل ... ينزله الأعظم والأحقر )
( يترك ذو الفخر به فخره ... وصاحب الكبر به يصغر )
( قد ملأت ارجاءه روعة ... نكيرها المعروف والمنكر )
( وبعد ما بعد وأعظم به ... من مشهد ما قدره يقدر )
( يرجف منه ذا الورى رجفة ... ينهد منها الملأ الأكبر )
( وليس هذا الوصف مستوفيا ... كل الذي من وصفه يذكر )
( وإنما ذا قطرة أرسلت ... من أبحر تتبعها أبحر )
( وقد أتاك الثبت عنه بما ... أخبرك الصادق إذ يخبر )
( فاعمل له ويك وإلا فلا ... عذر وما مثلك من يعذر )
واعلم أنه كلما طال قيامك في طاعة الله وانتصابك له قصر قيامك في ذلك
اليوم وقل تعبك فيه وكلما كثر تصرفك في طاعة الله سبحانه وإقبالك وإدبارك
في قضاء حاجة مسلم ومشيك فيه ومشاركتك له يقل مشيك في ذلك اليوم ويقل تعبك
فيه وبقدر ما تبذل تعطى وكما تدين تدان
ولعلك يا هذا تستطيل ركعتين تقرأ فيهما حزبا أو حزبين تقوم بهما لربك جل
جلاله ولعلك تعجز عن مشي ميل في قضاء حاجة مسلم أو ميلين
وبين يديك هذا اليوم الطويل المديد والكرب العظيم الشديد الذي لا
يقصر إلا
على من أطال التعب لله ولا يسهل إلا على من تحمل الشدائد في ذات الله
ولعلك ان صليتهما ليلة عجزت عنهما ليلة أخرى ولعلك ان مشيت يوما في حاجة
مسلم برمت من ذلك يوما آخر وضجرت منه وكسلت عنه وربما وقفت لسماع حديث
فارغ يكون تقديره أكثر من حزب أو حزبين وربما مشيت في فضول الميل والميلين
وأكثر من ذلك ولو تدبرت في أمرك ونظرت فيما يراد بك لسهل عليك من أمرك
العسير وقرب عليك فيه البعيد فاعمل رحمك الله في أيام قصار وعمر قصير
لأيام طوال وعمر طويل
الباب السادس عشر
ذكر الحوض
قد سمعت رحمك الله بعطش هذا اليوم والتهابه وما يصل إلى القلوب من أواره
واحتراقه وأن الماء في ذلك اليوم أعز موجود وأعظم مفقود وأن لا منهل مورود
إلا حوض صاحب المقام المحمود صلى الله عليه و سلم ولا مشرب لأمته سواه ولا
تبرد أكبادهم إلا به وأن الشربة منه تروي من الظمأ وتشفي من الصدى وتذهب
كل داء فلا يظمأ شاربها ولا يسقم بعدها أبدا وأنها ترد العقل العازب
والشباب الذاهب ويؤوب معها من الزمن الصالح ما لم يكن قبل بآيب وانه لا
يرد ذلك الحوض إلا من ورد في الدنيا حوض شرعته وتمسك بسنته وتوفي على ملته
وإلا فيجلى عنه ولا يدنو منه ولا يكاد ويضرب عنه ضربا تتقطع له الجوانح
والأكباد
وأنا أذكر لك من أحاديث الحوض ما يسر الله عز و جل
ذكر مسلم من حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إني لبعقر حوضي
أذود الناس عنه لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم فسئل عن عرضه فقال
من مقامي إلى عمان وسئل عن شرابه فقال أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل
يفت فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والآخر من ورق
وعن
أبي ذر قال قلت يا رسول الله ما آنية الحوض قال والذي نفس محمد بيده
لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في الليلة المظلمة المصحية آنية
الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة من شرب
منه لم يظمأ عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة ماؤه أشد بياضا من
اللبن وأحلى من العسل
ومن حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ترى فيه
أباريق الذهب والفضة عدد نجوم السماء
وذكر الترمذي عن أبي سلام الحبشي قال حدثني ثوبان عن النبي صلى الله عليه
و سلم قال حوضي من عدن إلى عمان البلقاء ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من
العسل أكاويبه عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا أول
الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤوسا الدنس ثيابا الذين لا
ينكحون المنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد فقال عمر بن عبد العزيز قد نكحت
المنعمات فاطمة بنت عبد الملك وفتحت لي أبواب السدد لا جرم لا إغسل رأسي
حتى يشعث ولا أغسل ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ
وذكر البزار من حديث
أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم حوضي من كذا إلى كذا فيه من
الآنية عدد النجوم أطيب ريحا من المسك وأحلى من العسل وأبرد من الثلج
وأبيض من اللبن من شرب منه لم يظمأ أبدا ومن لم يشرب لم يرو أبدا
وذكر مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه
و سلم يقول وهو بين ظهراني أصحابه إني على الحوض أنتظر من يرد علي منكم
فوالله ليقتطعن دوني رجال فلأقولن أي رب مني ومن أمتي فيقول إنك لا تدري
ما عملوا بعدك مازالوا يرجعون على أعقابهم
وعن عبد الله بن عمرو بن
العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء
وماؤه أبيض من الورق وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء من شرب منه
فلا يظمأ بعدها أبدا
وقالت أسماء بنت أبي بكر قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم وسيؤخذ أناس من
دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال أما شعرت ما عملوا بعدك والله ما
برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم
قال فكان ابن أبي مليكة يقول اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن
نفتن عن ديننا
وعن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم عن أم
سلمة رضي الله عنها أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول
أيها الناس إني لكم فرط على الحوض فإياي لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذب
البعير الضال فأقول فيم هذا فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا
وقال النسائي في هذا الحديث يا أيها الناس بينا أنا على الحوض إذ مر بكم
زمرا فيذهب بكم الطرق فأناديكم ألا هلم إلى الطريق فينادي مناد من ورائي
إنهم بدلوا بعدك فأقول ألا سحقا سحقا
وذكر مسلم من حديث أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى المقبرة فقال السلام عليكم دار قوم
مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وددت أني رأيت إخواننا قالوا أولسنا
أخوانك يا رسول الله قال بل أنتم أصحابي وأخواننا الذين لم يأتوا بعد
قالوا كيف تعرف من لم يأت بعدك من أمتك يا رسول الله قال أرأيت لو أن رجلا
له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله قالوا بلى يا رسول
الله قال فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض ألا
ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم هلم فيقال
إنهم قد بدلوا بعدك فأقول سحقا سحقا
وذكر البخاري من حديث سهل بن
سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني فرط لكم على الحوض من مر
يشرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ليردن أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني
وبينهم زاد أبو سعيد الخدري رضي الله عنه
قال فأقول أمتي فيقال
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي وذكر من حديث
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال بينا إنا قائم إذا زمرة حتى
إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم فقلت أين فقال إلى النار
والله قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك القهقرى على أدبارهم ثم إذا
زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم فقلت أين فقال إلى
النار والله قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى فلا
أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم
قوله صلى الله عليه و سلم بينا أنا قائم يريد على الحوض كما ورد في حديث
آخر
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني ممسك بحجزكم عن النار
وتغلبونني وتقتحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب وأوشك أن أرسل حجزكم وأفرط
لكم عن أو على الحوض الشك من الراوي وتردون علي معا وأشتاتا فأعرفكم
بأسمائكم وسيماكم كما يعرف الرجل الغريبة من الإبل في إبله ويذهب بكم ذات
الشمال وأناشد فيكم رب العالمين فأقول أي رب رهطي أي رب أمتي فيقال إنك لا
تدري ما أحدثوا بعدك إنهم كانوا يمشون بعدك القهقرى فلأعرفن أحدكم يأتي
يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ينادي يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك من
الله شيئا قد بلغت ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيرا له رغاء
فينادي يا محمد يا محمد فأقول لا
أملك لك من الله شيئا قد بلغت
ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا له حمحمة ينادي يا محمد يا محمد
فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد بلغت ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة
يحمل قشعا من أدم ينادي يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد
بلغت
وذكر أبو بكر البزار عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله
صلى الله عليه و سلم يقول أنا فرط بين أيديكم فإن لم تجدوني فإني على
الحوض وسيأتي أقوام رجال ونساء ثم لا يذوقون منه شيئا
وذكر ابن السكن من حديث سويد بن جبلة قال قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم لتزدحمن هذه الأمة على الحوض ازدحام واردات الحمر
وذكر مسلم من حديث أنس بن مالك قال بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم
بين أظهرنا ذات يوم إذ أغفى إغفاءه ثم رفع رأسه مبتسما فقلنا ما أضحكك يا
رسول الله قال نزلت علي أنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ( إنا
أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر ) ثم قال أتدرون ما
الكوثر فقلنا الله ورسوله أعلم قال فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير هو
حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم فيختلج العبد فأقول يا رب
إنه من أمتي فيقول ما تدري ما أحدث بعدك
وفي طريق آخر عن أنس أيضا نهر وعدنيه ربي في الجنة عليه حوضي ويروى عليه
حوض
وفي حديث لقيط وذكر البعث قال تسلكون جسرا من النار يطأ أحدكم الجمرة
فيقول حس ألا فتطلعون على حوض الرسول لا يظمأ والله ناهله فلعمرو إلهك ما
يبسط واحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف والبول والأذى رواه
عن النبي صلى الله عليه و سلم
وذكر في هذا الحديث أن الحوض بعد الجسر وما تقدم في الحوض من
الأحاديث التي لم يحد له فيها موضع هو الصحيح المشهور
وذكر الترمذي من حديث الحسن عن سمرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم إن لكل نبي حوضا وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة وإني
لأرجو أن أكون أكثرهم واردة
وهذا يروى عن الحسن عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا
وذكر أبو بكر البزار من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم إن لي حوضا ما بين بيت المقدس إلى الكعبة أبيض من اللبن فيه عدد
الكواكب أنية وأنا فرطكم على الحوض ولكل نبي حوض وكل نبي يدعو أمته فمنهم
من يرد عليه فئام من الناس ومنهم من يرد عليه ما هو دون ذلك ومنهم من ترد
عليه العصابة ومنهم من يرد عليه الرجلان والرجل وفيهم من لا يرد عليه أحد
فيقول اللهم قد بلغت ثلاثا وذكر باقي الحديث
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الباب السابع عشر
ذكر الشفاعة الأولى التي تكون لفصل القضاء بين الناس )
وهي المختصة بنبينا صلى الله عليه و سلم فلا تكون إلا له ولا يشركه فيها
أحد غيره
ذكر البخاري من حديث آدم بن علي قال سمعت ابن عمر يقول ان الناس يصيرون
يوم القيامة جثى كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع لنا يا فلان اشفع
حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فذلك يوم يبعثه الله
المقام المحمود رواه حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله
عليه و سلم
وذكر الترمذي من حديث أبي هريرة قال كنا مع النبي صلى
الله عليه و سلم في دعوة فدفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهش منها نهشة ثم
قال أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون مم ذاك يجمع الله الأولين
والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ
الناس من الغم والكرب مالا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس ألا ترون إلى
ما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض الناس لبعض عليكم
بآدم فيأتون آدم فيقولون له أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من
روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه
ألا ترى ما قد بلغ بنا فيقول آدم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله
قبله ولن يغضب مثله بعده وإنه قد نهاني عن الشجرة فعصيته
نفسي نفسي
نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح فيأتون نوحا فيقولون يا نوح إنك أنت
أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا أشفع لنا إلى ربك ألا
ترى ما نحن فيه فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن
يغضب بعده مثله وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي نفسي نفسي نفسي
اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم
أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك الا ترى ما نحن فيه
فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله
وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات فذكرهن أبو حيان في الحديث نفسي نفسي نفسي
اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول
الله فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما
نحن فيه فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده
مثله وإني قد قتلت نفسا ولم أؤمر بقتلها نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري
اذهبوا إلى عيسى فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها
إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن
فيه فيقول عيسى إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده
مثله ولم يذكر ذنبا نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد
فيأتون محمدا صلى الله عليه و سلم فيقولون يا محمد أنت رسول الله صلى الله
عليه و سلم وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع
لنا إلى ربك ألاترى إلى ما نحن فيه فانطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي
ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي
ثم يقال يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول أمتي يا
رب أمتي يا رب
ثلاثا فيقال يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليه
من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب
ثم قال والذي نفسي بيده إن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة
وحمير أو كما بين مكة وبصرى أو كما بين مكة وهجر
الباب الثامن عشر
المساءلة والتقرير والمحاسبة والقصاص
قال الله تعالى ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون )
وقال سبحانه ( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا
ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما
عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا )
وقال جل جلاله ( وأشرقت الأرض بنور
ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون
ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون )
ذكر قاسم بن أصبغ من
حديث سعيد بن عبد الله عن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما
أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه
فيما أبلاه ذكره الترمذي أيضا
وذكر مسلم من حديث صفوان بن محرز قال
قال رجل لابن عمر كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في النجوى
قال سمعته يقول يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه تعالى حتى يضع عليه كنفه
فيقرره بذنوبه فيقول هل تعرف ذنب كذا وكذا فيقول رب أعرف قال فإني سترتها
عليك في الدنيا
وإني أغفرها لك اليوم ثم تطوى صحيفة حسناته وأما
الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على
ربهم ألا لعنة الله على الظالمين
وذكر مسلم أيضا من حديث ابن أبي
مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من
حوسب يوم القيامة عذب فقلت أليس قد قال الله تعالى فسوف يحاسب حسابا يسيرا
قال ليس ذلك الحساب وإنما ذلك العرض من نوقش الحساب يوم القيامة عذب
وذكر أبو بكر البزار من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال
يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاثة دواوين ديوان فيه العمل الصالح وديوان
فيه ذنوبه وديوان فيه النعم التي من الله عليه فيقول الله تعالى لأصغر
نعمة أحسبه قال في ديوان النعيم خذي ثمنك من عمله الصالح فتستوعب عمله
الصالح ثم تتنحى فتقول وعزتك ما استوفيت وتبقى الذنوب والنعم وقد ذهب
العمل فإذا أراد الله أن يرحم عبده قال يا عبدي قد ضاعفت لك حسناتك
وتجاوزت عن سيئاتك وأحسبه قال ووهبت لك نعمي
وذكر أبو بكر البزار من
حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يؤتى بالمالك والمملوك
والزوج والزوجة حتى يقال للرجل شربت يوم كذا وكذا على لذة ويقال للزوج
خطبت يوم كذا فلانة مع خطاب فزوجتكها وتركتهم
وفي الخبر المشهور أن
أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما أكلا تمرا وبسرا ورطبا ثم
أكلا خبزا ولحما أطعمهما رجل من الأنصار وأكلاه على جوع فقال لهما النبي
صلى الله عليه و سلم لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة والحديث ذكره مسلم
وذكر الترمذي من حديث عبد الله بن الزبير عن أبيه قال لما نزلت (
ثم إنكم
يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) قال الزبير يا رسول الله أتكرر علينا
الخصومة بعد الذي كان بيننا في الدنيا قال نعم قال إن الأمر إذن لشديد
وذكر النسائي من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم إذا أسلم العبد فحسن إسلامه كتب الله عز و جل له كل حسنة كان أزلفها
ومحيت عنه كل سيئة كان أزلفها ثم كان بعد ذلك القصاص الحسنة بعشر أمثالها
إلى سبعمائة ضعف والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها
وذكر مسلم
من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أتدرون ما المفلس
قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي من يأتي
يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا
وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته
قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار
وذكر البخاري من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم يخلص المؤمنون من النار فيجلسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص
لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في
دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى لمنزله في الجنة منه بمنزله
الذي كان في الدنيا
وذكر مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لتؤدن
الحقوق
إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء
وذكر أبو بكر الشافعي من حديث أبي ذر قال رأى رسول الله صلى الله عليه و
سلم شاتين تنتطحان فقال يا أبا ذر هل تدري فيم تنتطحان قلت لا أدري قال
لكن الله يدري ويقضي بينهما يوم القيامة وذكر البخاري من حديث أبي هريرة
ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله
منها فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته فإن لم
يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه
وذكر أبو بكر البزار عن
أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الظلم ثلاثة فظلم لا
يغفره الله وظلم يغفره وظلم لا يتركه فاما الظلم الذي لا يغفره فالشرك قال
الله تبارك وتعالى ( إن الشرك لظلم عظيم ) وأما الظلم الذي يغفره فظلم
العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين ربهم وأما الظلم الذي لا يتركه الله فظلم
العباد بعضهم بعضا حتى يدين بعضهم من بعض
وذكر مسلم من حديث أبي ذر
قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا
الجنة وآخر أهل النار خروجا منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال اعرضوا
عليه صغار ذنوبه وارفعوه عنه كبارها فيعرض عليه صغار ذنوبه فيقال أعملت
يوم كذا وكذا كذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار
ذنوبه أن تعرض عليه فيقال له فإن لك مكان كل سيئة حسنة فيقول رب قد عملت
أشياء لا أراها ها هنا فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ضحك حتى
بدت نواجذه
وذكر الترمذي من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه و
سلم قال يجاء بابن آدم يوم القيامة كأنه بذج فيوقف بين يدي الله عز و جل
فيقول الله له أعطيتك وخولتك وأنعمت عليك فماذا صنعت فيقول يا رب جمعته
وثمرته فتركته أكثر ما كان فارجعني آتك به فيقول له أرني ما قدمت فيقول يا
رب جمعته وثمرته وتركته أكثر ما كان فارجعني آتك به فإذا عبد لم يقدم خيرا
فيمضى به إلى النار
فتفكر أيها المسكين في نفسك بينما أنت في هذا
اليوم الذي وصف لك وفي هذا الحال الذي حدثت عنه وقد جيىء بجهنم كما روي في
الصحيح تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها حتى تكون
بمرأى من الخلق ومسمع يرون لهيبها ويسمعون زفيرها
اذ أخذ بضبعيك
وقبض على عضديك وجيء بك تتخطى الرقاب وتخترق الصفوف والخلائق ينظرون إليك
حتى إذا وقفت بين يدي الله تعالى فسئلت عن القليل والكثير والنقير
والقطمير ولا تجد أحدا يجاوب عنك بلفظة ولا يعينك بكلمة ولا يرد عنك جوابا
في مسألة
وأنت قد شاهدت من عظم الأمر وجلالة القدر وهيبة الحضرة ما
أذهب بيانك وأخرس لسانك وأذهل جنانك ونظرت يمينا وشمالا وبين يديك فلم تر
إلا النار وعملك الذي كنت تعمل وكلمك رب العزة جل جلاله بغير حجاب يحجبك
ولا ترجمان يترجم لك كما جاء في الخبر الصحيح وسئلت عن كل شيء كان منك في
حق نفسك وحق غيرك وقيل لك مالك من أين اكتسبته ومن أين جمعته وفيم أنفقته
فما ظنك بنفسك في ذلك اليوم وكيف يكون فزعك وجزعك
وكيف تكون
حيرتك ودهشتك إذا قيل لك عاملت فلانا يوم كذا وكذا في كذا وكذا وأخذت منه
كذا وكذا وغبنته في كذا وكذا وتركت نصيحته في كذا وكذا وفي هذه السلعة ولم
تبين له هذا العيب أو غصبت فلانا أو ظلمت فلانا أو غششت فلانا أو قتلت
فلانا أو فعلت كذا وكذا وقيل لك أدل بحجة قم ببينة ائت ببرهان انفذ بسلطان
فأردت الكلام فلم تبين وجئت بعذر فلم يستبن هيهات أنى لك الكلام ولم تنقحه
وأنى لك بالعذر وفي الدنيا لم تصححه
قال الله تعالى ( يوم يقوم
الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ذلك
اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر
المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا )
وقال الحارث
بن أسد المحاسبي في موعظة له أحذرك يا أخي ونفسي يوما إلى الله فيه على
نفسه ألا يترك عبدا أمره في الدنيا ونهاه حتى يسأله عن عمله كله دقيقه
وجليله سره وعلانيته فانظر بأي بدن تقف بين يديه وبأي لسان تجيبه فأعد
للسؤال جوابا وللجواب صوابا فتفكر الآن وانظر بأي قدم تقف في ذلك المقام
وبأي أذن تسمع ذلك الكلام فما شئت من قلب يخلع وكبد تصدع ولسان يتلجلج
وأحشاء تتموج ونفس تريد أن تخرج فلا تترك أن تخرج
فانظر ما أشأم تلك
الأرباح التي ربحتها وأخسر تلك المعاملات التي عاملت بها انظر كيف ذهبت
عنك مسراتها وبقيت حسراتها والشهوات التي في ظلم العباد انفدتها كيف ذهب
عنك الفرح بها وبقيت تبعتها وانظر الآن بكم تفتدي من ذلك الموقف وبكم
تتخلص من ذلك السؤال
أتقول لو كان لك نصف الدنيا أكنت تعطيه في
التخلص من ذلك المقام أي لعمرو الله والدنيا وأضعافها مرات فكيف ولم يحصل
لك من عمرك الا دريهمات يسيرة أنفقتها في أيام يسيرة وربما لم تنفقها
ولعلك كنت أنت جامعها والمتعب فيها وكان المنفق لها سواك والمتلذذ بها
غيرك إما زوج ابنتك أو زوجة
ابنك أو غيرهما من ورثتك وأنت إنما
حصل لك منها ما أنفقته في الحال لا ما اعددته للمآل وتركت ذلك لمن لا
يحمدك ولا يشكرك ولعله ينفقها في معصية فتكون أنت السبب فيها ويكون مالك
العون عليها أو ينفقها في طاعة فترى مالك في ميزان غيرك تشقى أنت به وينعم
به سواك
وان كنت قد أنفقتها في معصية ربك ومخالفة مولاك واتباع هواك
واطلقت فيها شهوتك وأرسلت فيها لذتك فيا ويلك ثم يا ويلك من أسير شد خناقه
وأحكم وثاقه وثبتت على عنقه أرباقه وطولب بما جناه وأخذ بما كسبت يداه
وقيل له لا تلم فيما أنضج من جسمك وطبخ فيداك اوكتا وفوك نفخ ولا تبك من
سهم أنفذك وأصماك فطرفك أشار إليك وساعدك رماك
وإن أخذت ذلك بالغصب والظلم وسائر أنواع المحرمات والأمور المحظورات فقد
علمت ما أعد الله للظالمين وما تواعدهم في كتابه المبين
وأعلم أن في هذا اليوم يصدق الله تعالى قوله ( فلنسألن الذين أرسل اليهم
ولنسألن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين ) ( فوربك لنسألنهم
أجمعين عما كانوا يعملون )
فيبدأ بالأنبياء عليهم السلام فيقول ماذا
أجبتم قيل في تفسيرها كانوا قد علموا ولكن ذهبت عقولهم وعزبت أفهامهم
ونسوا من شدة الهول وعظم الخطب وصعوبة الأمر فقالوا لا علم لنا إنك أنت
علام الغيوب
ثم يقربهم الله عز و جل فيدعى نوح عليه السلام
وذكر البخاري من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم يدعى نوح عليه السلام يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول هل
بلغت فيقول نعم فيقول لأمته هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير فيقول من
يشهد لك فيقول محمد وأمته فيشهدون أنه بلغ ويكون الرسول عليهم شهيدا فذلك
قوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون
الرسول عليكم شهيدا ) والوسط العدل
وروى ابن أنعم عن حبان بن أبي
جبلة قال أول من يدعى يوم القيامة إسرافيل فيقول الله جل ثناؤه هل بلغت
عهدي فيقول نعم يا رب قد بلغته جبريل فيدعى جبريل فيقال هل بلغت إسرافيل
عهدي فيقول نعم يا رب فيخلي عن إسرافيل ويقول لجبريل ما صنعت بعهدي فيقول
بلغته الرسل فيدعى الرسل فيقول هل بلغكم جبريل عهدي فيقولون نعم فيخلى عن
جبريل ويقال للرسل هل بلغتم عهدي فيقولون نعم قد بلغناه الأمم فتدعى الأمم
فيقال لهم هل بلغكم الرسل عهدي فمصدق ومكذب فتقول الرسل لنا عليهم شهداء
فيقول تبارك وتعالى من فيقولون أمة محمد صلى الله عليه و سلم فيقال لهم
أتشهدون أن الرسل قد بلغت الأمم فيقولون نعم فتقول الأمم يا رب كيف يشهد
علينا من لم يدركنا فيقول الله تعالى كيف تشهدون عليهم ولم تدركوهم
فيقولون يا ربنا أرسلت إلينا رسولا وأنزلت علينا كتابا فقصصت علينا فيه أن
قد بلغوا قال فذلك قوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على
الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) والوسط العدل
ثم يدعى غيره من
الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ثم ينادي كل انسان باسمه واحدا واحدا
ويسألون واحدا واحدا وتعرض أعمالهم على رب العزة جل جلاله قليلها وكثيرها
حسنها وقبيحها
وفي بعض الأخبار يتمنى رجال أن يبعث بهم إلى النار
ولا تعرض قبائحهم على الله تعالى ولا تكشف مساوئهم على رؤوس الخلائق فما
ظنك بهذا المقام وبهذا السؤال وبهذا النكال والوبال وما ظنك بنفسك وق جييء
بجهنم على الوصف الذي تقدم وقد دنت من الخلائق وشهقت وزفرت وثارت وفارت
وانتهض خزانها والموكلون بها والمعدون لتعذيب أهلها متسارعين إلى أخذ ما
أمروا بأخذه ساحبين له على بطنه وحر وجهه سامعين مطيعين لا يعصون الله ما
أمرهم ويفعلون ما يؤمرون
فتمثل حالك وكيف أنت وقد امتلأت القلوب خوفا وجزعا ورعبا وفزعا وارتعدت
الفرائص وبلغت القلوب الحناجر واصطفقت الأحشاء وتقطعت
الأمعاء وطلبوا الفرار فلا فرار وطاروا لو يصادفون مطارا وجثت
الأمم على الركب وأيقن المذنبون بالهلاك والعطب وسوء المنقلب
وينادي الأنبياء والصديقون والأولياء نفسي نفسي كل نفس قد أفردت لشأنها
وتركت لما بها وظن كل إنسان أنه هو المأخوذ وأنه هو المقصود وذهلت العقول
وطاشت الألباب وتحيرت الأذهان وفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه
واشتغل بشأنه الذي يغنيه وسئل عن جميع أمره سره وجهره دقيقه وجليله كثيره
وقليله وسئل عن أعضائه عضوا عضوا وجارحة جارحة وعن شكره عليها وعن أداء حق
الله فيها
وظهرت القبائح وكثرت الفضائح وبدت المخازي واشتهرت
المساوي وتركك الأهل والأقربون ولم ينفعك مال ولا بنون وأقبلت تجادل عن
نفسك وتخاصم عنها وتطلب المعاذير لها وقد أسلمت وأفردت واشتغل كل إنسان
عنك بنفسه وترك ما حل بك لما حل به
وأنشدوا
( خليلي ما أقضي وما أنا قائل ... إذا جئت عن نفسي بنفسي اجادل )
( وقد وضع الرحمن في الخلق عدله ... وسيق جميع الناس واليوم باسل )
( وجيىء بجرم النار خاضعة له ... وثلت عروش عندها ومجادل )
( فيا ليت شعري ذلك اليوم هل أنا ... أأغفر أم أجزى بما أنا فاعل )
( فإن أك مجزيا فعدل وحجة ... وان يك غفران ففضل ونائل )
وأعلم أنه بقدر ما تيسسر على أخيك المسلم في الدنيا ييسر عليك في ذلك
اليوم وبحسب ما تلتمس له العذر في الدنيا يلتمس لك العذر في ذلك اليوم
وهبك يا ابن آدم أنه قد غفر لك وستر عليك ألم تقم هذا المقام
وتشاهد هذا
المشهد وقرع سمعك هذا النداء وخلع قلبك هذا الروع أقام خوفك هذا بأمنك في
الدنيا أقام حزنك هذا بفرحك في الدنيا أقام ذلك هذا بعزك في الدنيا أين
يقع هذا منه أين يبلغ هذا منه أيقوم تعظيم الخلق لك في الدنيا باحتقار
الله لك في ذلك اليوم أتقوم نعمتك في الدنيا ببؤسك في ذلك اليوم فكيف إن
نوقشت الحساب ووجب عليك العذاب وضرب بينك وبين ربك عز و جل بحجاب وسد بينك
وبين رحمته بباب ليس كالأبواب
هناك لا دعاء يسمع ولا شفاعة تنفع ولا
عذاب عن البائس المرتهن يرفع إلا أن تكون ممن سبقت له العناية بالإيمان
عند الموت وتداركته الرحمة به قبل الفوت فإن الشفاعة ستخلصك من ذلك الاسار
وتستخرجك من سوء ذلك القرار يكون منك قبل ذلك ما كان ويدور عليك قبل ذلك
ما دار
ذكر الشفاعة الأولى التي تكون لفصل القضاء بين الناس )
وهي المختصة بنبينا صلى الله عليه و سلم فلا تكون إلا له ولا يشركه فيها
أحد غيره
ذكر البخاري من حديث آدم بن علي قال سمعت ابن عمر يقول ان الناس يصيرون
يوم القيامة جثى كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع لنا يا فلان اشفع
حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فذلك يوم يبعثه الله
المقام المحمود رواه حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله
عليه و سلم
وذكر الترمذي من حديث أبي هريرة قال كنا مع النبي صلى
الله عليه و سلم في دعوة فدفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهش منها نهشة ثم
قال أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون مم ذاك يجمع الله الأولين
والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ
الناس من الغم والكرب مالا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس ألا ترون إلى
ما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض الناس لبعض عليكم
بآدم فيأتون آدم فيقولون له أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من
روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه
ألا ترى ما قد بلغ بنا فيقول آدم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله
قبله ولن يغضب مثله بعده وإنه قد نهاني عن الشجرة فعصيته
نفسي نفسي
نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح فيأتون نوحا فيقولون يا نوح إنك أنت
أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا أشفع لنا إلى ربك ألا
ترى ما نحن فيه فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن
يغضب بعده مثله وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي نفسي نفسي نفسي
اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم
أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك الا ترى ما نحن فيه
فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله
وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات فذكرهن أبو حيان في الحديث نفسي نفسي نفسي
اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول
الله فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما
نحن فيه فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده
مثله وإني قد قتلت نفسا ولم أؤمر بقتلها نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري
اذهبوا إلى عيسى فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها
إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن
فيه فيقول عيسى إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده
مثله ولم يذكر ذنبا نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد
فيأتون محمدا صلى الله عليه و سلم فيقولون يا محمد أنت رسول الله صلى الله
عليه و سلم وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع
لنا إلى ربك ألاترى إلى ما نحن فيه فانطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي
ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي
ثم يقال يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول أمتي يا
رب أمتي يا رب
ثلاثا فيقال يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليه
من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب
ثم قال والذي نفسي بيده إن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة
وحمير أو كما بين مكة وبصرى أو كما بين مكة وهجر
الباب الثامن عشر
المساءلة والتقرير والمحاسبة والقصاص
قال الله تعالى ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون )
وقال سبحانه ( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا
ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما
عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا )
وقال جل جلاله ( وأشرقت الأرض بنور
ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون
ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون )
ذكر قاسم بن أصبغ من
حديث سعيد بن عبد الله عن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما
أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه
فيما أبلاه ذكره الترمذي أيضا
وذكر مسلم من حديث صفوان بن محرز قال
قال رجل لابن عمر كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في النجوى
قال سمعته يقول يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه تعالى حتى يضع عليه كنفه
فيقرره بذنوبه فيقول هل تعرف ذنب كذا وكذا فيقول رب أعرف قال فإني سترتها
عليك في الدنيا
وإني أغفرها لك اليوم ثم تطوى صحيفة حسناته وأما
الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على
ربهم ألا لعنة الله على الظالمين
وذكر مسلم أيضا من حديث ابن أبي
مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من
حوسب يوم القيامة عذب فقلت أليس قد قال الله تعالى فسوف يحاسب حسابا يسيرا
قال ليس ذلك الحساب وإنما ذلك العرض من نوقش الحساب يوم القيامة عذب
وذكر أبو بكر البزار من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال
يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاثة دواوين ديوان فيه العمل الصالح وديوان
فيه ذنوبه وديوان فيه النعم التي من الله عليه فيقول الله تعالى لأصغر
نعمة أحسبه قال في ديوان النعيم خذي ثمنك من عمله الصالح فتستوعب عمله
الصالح ثم تتنحى فتقول وعزتك ما استوفيت وتبقى الذنوب والنعم وقد ذهب
العمل فإذا أراد الله أن يرحم عبده قال يا عبدي قد ضاعفت لك حسناتك
وتجاوزت عن سيئاتك وأحسبه قال ووهبت لك نعمي
وذكر أبو بكر البزار من
حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يؤتى بالمالك والمملوك
والزوج والزوجة حتى يقال للرجل شربت يوم كذا وكذا على لذة ويقال للزوج
خطبت يوم كذا فلانة مع خطاب فزوجتكها وتركتهم
وفي الخبر المشهور أن
أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما أكلا تمرا وبسرا ورطبا ثم
أكلا خبزا ولحما أطعمهما رجل من الأنصار وأكلاه على جوع فقال لهما النبي
صلى الله عليه و سلم لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة والحديث ذكره مسلم
وذكر الترمذي من حديث عبد الله بن الزبير عن أبيه قال لما نزلت (
ثم إنكم
يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) قال الزبير يا رسول الله أتكرر علينا
الخصومة بعد الذي كان بيننا في الدنيا قال نعم قال إن الأمر إذن لشديد
وذكر النسائي من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم إذا أسلم العبد فحسن إسلامه كتب الله عز و جل له كل حسنة كان أزلفها
ومحيت عنه كل سيئة كان أزلفها ثم كان بعد ذلك القصاص الحسنة بعشر أمثالها
إلى سبعمائة ضعف والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها
وذكر مسلم
من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أتدرون ما المفلس
قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي من يأتي
يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا
وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته
قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار
وذكر البخاري من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم يخلص المؤمنون من النار فيجلسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص
لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في
دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى لمنزله في الجنة منه بمنزله
الذي كان في الدنيا
وذكر مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لتؤدن
الحقوق
إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء
وذكر أبو بكر الشافعي من حديث أبي ذر قال رأى رسول الله صلى الله عليه و
سلم شاتين تنتطحان فقال يا أبا ذر هل تدري فيم تنتطحان قلت لا أدري قال
لكن الله يدري ويقضي بينهما يوم القيامة وذكر البخاري من حديث أبي هريرة
ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله
منها فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته فإن لم
يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه
وذكر أبو بكر البزار عن
أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الظلم ثلاثة فظلم لا
يغفره الله وظلم يغفره وظلم لا يتركه فاما الظلم الذي لا يغفره فالشرك قال
الله تبارك وتعالى ( إن الشرك لظلم عظيم ) وأما الظلم الذي يغفره فظلم
العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين ربهم وأما الظلم الذي لا يتركه الله فظلم
العباد بعضهم بعضا حتى يدين بعضهم من بعض
وذكر مسلم من حديث أبي ذر
قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا
الجنة وآخر أهل النار خروجا منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال اعرضوا
عليه صغار ذنوبه وارفعوه عنه كبارها فيعرض عليه صغار ذنوبه فيقال أعملت
يوم كذا وكذا كذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار
ذنوبه أن تعرض عليه فيقال له فإن لك مكان كل سيئة حسنة فيقول رب قد عملت
أشياء لا أراها ها هنا فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ضحك حتى
بدت نواجذه
وذكر الترمذي من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه و
سلم قال يجاء بابن آدم يوم القيامة كأنه بذج فيوقف بين يدي الله عز و جل
فيقول الله له أعطيتك وخولتك وأنعمت عليك فماذا صنعت فيقول يا رب جمعته
وثمرته فتركته أكثر ما كان فارجعني آتك به فيقول له أرني ما قدمت فيقول يا
رب جمعته وثمرته وتركته أكثر ما كان فارجعني آتك به فإذا عبد لم يقدم خيرا
فيمضى به إلى النار
فتفكر أيها المسكين في نفسك بينما أنت في هذا
اليوم الذي وصف لك وفي هذا الحال الذي حدثت عنه وقد جيىء بجهنم كما روي في
الصحيح تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها حتى تكون
بمرأى من الخلق ومسمع يرون لهيبها ويسمعون زفيرها
اذ أخذ بضبعيك
وقبض على عضديك وجيء بك تتخطى الرقاب وتخترق الصفوف والخلائق ينظرون إليك
حتى إذا وقفت بين يدي الله تعالى فسئلت عن القليل والكثير والنقير
والقطمير ولا تجد أحدا يجاوب عنك بلفظة ولا يعينك بكلمة ولا يرد عنك جوابا
في مسألة
وأنت قد شاهدت من عظم الأمر وجلالة القدر وهيبة الحضرة ما
أذهب بيانك وأخرس لسانك وأذهل جنانك ونظرت يمينا وشمالا وبين يديك فلم تر
إلا النار وعملك الذي كنت تعمل وكلمك رب العزة جل جلاله بغير حجاب يحجبك
ولا ترجمان يترجم لك كما جاء في الخبر الصحيح وسئلت عن كل شيء كان منك في
حق نفسك وحق غيرك وقيل لك مالك من أين اكتسبته ومن أين جمعته وفيم أنفقته
فما ظنك بنفسك في ذلك اليوم وكيف يكون فزعك وجزعك
وكيف تكون
حيرتك ودهشتك إذا قيل لك عاملت فلانا يوم كذا وكذا في كذا وكذا وأخذت منه
كذا وكذا وغبنته في كذا وكذا وتركت نصيحته في كذا وكذا وفي هذه السلعة ولم
تبين له هذا العيب أو غصبت فلانا أو ظلمت فلانا أو غششت فلانا أو قتلت
فلانا أو فعلت كذا وكذا وقيل لك أدل بحجة قم ببينة ائت ببرهان انفذ بسلطان
فأردت الكلام فلم تبين وجئت بعذر فلم يستبن هيهات أنى لك الكلام ولم تنقحه
وأنى لك بالعذر وفي الدنيا لم تصححه
قال الله تعالى ( يوم يقوم
الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ذلك
اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر
المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا )
وقال الحارث
بن أسد المحاسبي في موعظة له أحذرك يا أخي ونفسي يوما إلى الله فيه على
نفسه ألا يترك عبدا أمره في الدنيا ونهاه حتى يسأله عن عمله كله دقيقه
وجليله سره وعلانيته فانظر بأي بدن تقف بين يديه وبأي لسان تجيبه فأعد
للسؤال جوابا وللجواب صوابا فتفكر الآن وانظر بأي قدم تقف في ذلك المقام
وبأي أذن تسمع ذلك الكلام فما شئت من قلب يخلع وكبد تصدع ولسان يتلجلج
وأحشاء تتموج ونفس تريد أن تخرج فلا تترك أن تخرج
فانظر ما أشأم تلك
الأرباح التي ربحتها وأخسر تلك المعاملات التي عاملت بها انظر كيف ذهبت
عنك مسراتها وبقيت حسراتها والشهوات التي في ظلم العباد انفدتها كيف ذهب
عنك الفرح بها وبقيت تبعتها وانظر الآن بكم تفتدي من ذلك الموقف وبكم
تتخلص من ذلك السؤال
أتقول لو كان لك نصف الدنيا أكنت تعطيه في
التخلص من ذلك المقام أي لعمرو الله والدنيا وأضعافها مرات فكيف ولم يحصل
لك من عمرك الا دريهمات يسيرة أنفقتها في أيام يسيرة وربما لم تنفقها
ولعلك كنت أنت جامعها والمتعب فيها وكان المنفق لها سواك والمتلذذ بها
غيرك إما زوج ابنتك أو زوجة
ابنك أو غيرهما من ورثتك وأنت إنما
حصل لك منها ما أنفقته في الحال لا ما اعددته للمآل وتركت ذلك لمن لا
يحمدك ولا يشكرك ولعله ينفقها في معصية فتكون أنت السبب فيها ويكون مالك
العون عليها أو ينفقها في طاعة فترى مالك في ميزان غيرك تشقى أنت به وينعم
به سواك
وان كنت قد أنفقتها في معصية ربك ومخالفة مولاك واتباع هواك
واطلقت فيها شهوتك وأرسلت فيها لذتك فيا ويلك ثم يا ويلك من أسير شد خناقه
وأحكم وثاقه وثبتت على عنقه أرباقه وطولب بما جناه وأخذ بما كسبت يداه
وقيل له لا تلم فيما أنضج من جسمك وطبخ فيداك اوكتا وفوك نفخ ولا تبك من
سهم أنفذك وأصماك فطرفك أشار إليك وساعدك رماك
وإن أخذت ذلك بالغصب والظلم وسائر أنواع المحرمات والأمور المحظورات فقد
علمت ما أعد الله للظالمين وما تواعدهم في كتابه المبين
وأعلم أن في هذا اليوم يصدق الله تعالى قوله ( فلنسألن الذين أرسل اليهم
ولنسألن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين ) ( فوربك لنسألنهم
أجمعين عما كانوا يعملون )
فيبدأ بالأنبياء عليهم السلام فيقول ماذا
أجبتم قيل في تفسيرها كانوا قد علموا ولكن ذهبت عقولهم وعزبت أفهامهم
ونسوا من شدة الهول وعظم الخطب وصعوبة الأمر فقالوا لا علم لنا إنك أنت
علام الغيوب
ثم يقربهم الله عز و جل فيدعى نوح عليه السلام
وذكر البخاري من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم يدعى نوح عليه السلام يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول هل
بلغت فيقول نعم فيقول لأمته هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير فيقول من
يشهد لك فيقول محمد وأمته فيشهدون أنه بلغ ويكون الرسول عليهم شهيدا فذلك
قوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون
الرسول عليكم شهيدا ) والوسط العدل
وروى ابن أنعم عن حبان بن أبي
جبلة قال أول من يدعى يوم القيامة إسرافيل فيقول الله جل ثناؤه هل بلغت
عهدي فيقول نعم يا رب قد بلغته جبريل فيدعى جبريل فيقال هل بلغت إسرافيل
عهدي فيقول نعم يا رب فيخلي عن إسرافيل ويقول لجبريل ما صنعت بعهدي فيقول
بلغته الرسل فيدعى الرسل فيقول هل بلغكم جبريل عهدي فيقولون نعم فيخلى عن
جبريل ويقال للرسل هل بلغتم عهدي فيقولون نعم قد بلغناه الأمم فتدعى الأمم
فيقال لهم هل بلغكم الرسل عهدي فمصدق ومكذب فتقول الرسل لنا عليهم شهداء
فيقول تبارك وتعالى من فيقولون أمة محمد صلى الله عليه و سلم فيقال لهم
أتشهدون أن الرسل قد بلغت الأمم فيقولون نعم فتقول الأمم يا رب كيف يشهد
علينا من لم يدركنا فيقول الله تعالى كيف تشهدون عليهم ولم تدركوهم
فيقولون يا ربنا أرسلت إلينا رسولا وأنزلت علينا كتابا فقصصت علينا فيه أن
قد بلغوا قال فذلك قوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على
الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) والوسط العدل
ثم يدعى غيره من
الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ثم ينادي كل انسان باسمه واحدا واحدا
ويسألون واحدا واحدا وتعرض أعمالهم على رب العزة جل جلاله قليلها وكثيرها
حسنها وقبيحها
وفي بعض الأخبار يتمنى رجال أن يبعث بهم إلى النار
ولا تعرض قبائحهم على الله تعالى ولا تكشف مساوئهم على رؤوس الخلائق فما
ظنك بهذا المقام وبهذا السؤال وبهذا النكال والوبال وما ظنك بنفسك وق جييء
بجهنم على الوصف الذي تقدم وقد دنت من الخلائق وشهقت وزفرت وثارت وفارت
وانتهض خزانها والموكلون بها والمعدون لتعذيب أهلها متسارعين إلى أخذ ما
أمروا بأخذه ساحبين له على بطنه وحر وجهه سامعين مطيعين لا يعصون الله ما
أمرهم ويفعلون ما يؤمرون
فتمثل حالك وكيف أنت وقد امتلأت القلوب خوفا وجزعا ورعبا وفزعا وارتعدت
الفرائص وبلغت القلوب الحناجر واصطفقت الأحشاء وتقطعت
الأمعاء وطلبوا الفرار فلا فرار وطاروا لو يصادفون مطارا وجثت
الأمم على الركب وأيقن المذنبون بالهلاك والعطب وسوء المنقلب
وينادي الأنبياء والصديقون والأولياء نفسي نفسي كل نفس قد أفردت لشأنها
وتركت لما بها وظن كل إنسان أنه هو المأخوذ وأنه هو المقصود وذهلت العقول
وطاشت الألباب وتحيرت الأذهان وفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه
واشتغل بشأنه الذي يغنيه وسئل عن جميع أمره سره وجهره دقيقه وجليله كثيره
وقليله وسئل عن أعضائه عضوا عضوا وجارحة جارحة وعن شكره عليها وعن أداء حق
الله فيها
وظهرت القبائح وكثرت الفضائح وبدت المخازي واشتهرت
المساوي وتركك الأهل والأقربون ولم ينفعك مال ولا بنون وأقبلت تجادل عن
نفسك وتخاصم عنها وتطلب المعاذير لها وقد أسلمت وأفردت واشتغل كل إنسان
عنك بنفسه وترك ما حل بك لما حل به
وأنشدوا
( خليلي ما أقضي وما أنا قائل ... إذا جئت عن نفسي بنفسي اجادل )
( وقد وضع الرحمن في الخلق عدله ... وسيق جميع الناس واليوم باسل )
( وجيىء بجرم النار خاضعة له ... وثلت عروش عندها ومجادل )
( فيا ليت شعري ذلك اليوم هل أنا ... أأغفر أم أجزى بما أنا فاعل )
( فإن أك مجزيا فعدل وحجة ... وان يك غفران ففضل ونائل )
وأعلم أنه بقدر ما تيسسر على أخيك المسلم في الدنيا ييسر عليك في ذلك
اليوم وبحسب ما تلتمس له العذر في الدنيا يلتمس لك العذر في ذلك اليوم
وهبك يا ابن آدم أنه قد غفر لك وستر عليك ألم تقم هذا المقام
وتشاهد هذا
المشهد وقرع سمعك هذا النداء وخلع قلبك هذا الروع أقام خوفك هذا بأمنك في
الدنيا أقام حزنك هذا بفرحك في الدنيا أقام ذلك هذا بعزك في الدنيا أين
يقع هذا منه أين يبلغ هذا منه أيقوم تعظيم الخلق لك في الدنيا باحتقار
الله لك في ذلك اليوم أتقوم نعمتك في الدنيا ببؤسك في ذلك اليوم فكيف إن
نوقشت الحساب ووجب عليك العذاب وضرب بينك وبين ربك عز و جل بحجاب وسد بينك
وبين رحمته بباب ليس كالأبواب
هناك لا دعاء يسمع ولا شفاعة تنفع ولا
عذاب عن البائس المرتهن يرفع إلا أن تكون ممن سبقت له العناية بالإيمان
عند الموت وتداركته الرحمة به قبل الفوت فإن الشفاعة ستخلصك من ذلك الاسار
وتستخرجك من سوء ذلك القرار يكون منك قبل ذلك ما كان ويدور عليك قبل ذلك
ما دار
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى