صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
الباب الثالث عشر
ذكر يوم القيامة وأهواله
( يضحك المرء والبكاء أمامه ... ويروم البقاء والموت رامه )
( ويمشي الحديث في كل لغو ... ويخلي حديث يوم القيامة )
( ولأمر بكاه كل لبيب ... ونفي في الظلام عنه منامه )
( صاح حدث حديثه واختصره ... فمحال بأن تطيق تمامه )
( عجز الواصفون عنه وقالوا ... لم نجيء من بحاره بكظامه )
( فلتحدثه جملة وشتاتا ... ودع الآن شرحه ونظامه )
واعلم رحمك الله أن هذا اليوم ليس عظمه مما يوصف ولا هوله مما يكيف ولا
يجري على مقدار مما يعلم في الدنيا ويعرف بل لا يعلم مقدار عظمه ولا هو له
إلا الله تعالى وما ظنك بيوم عبر الله تبارك وتعالى عن بعض ما يكون فيه
بشيء عظيم قال الله عز و جل ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة
شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى
الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) وماذا عسى أن يقول
القائل فيه وماذا عسى أن يصفه الواصف به الأمر أعظم والخطب أكبر والهول
أشنع كما قال القائل
( وما عسى أن أقول أو أقوم به ... الأمر أعظم مما قيل أو وصفا )
( والأمر مهما قد نظرت له ... ألفيته الأعظم الألفا )
يوم القيامة وما أدراك ما يوم القيامة ثم ما أدراك ما يوم القيامة يوم
الحسرة والندامة يوم يجد كل عامل عمله أمامه يوم الدمدمة يوم الزلزلة يوم
الصاعقة يوم الواقعة يوم الراجفة يوم الرادفة يوم الغاشية يوم الداهية يوم
الآرفة يوم الحاقة يوم الطامة يوم الصاخة يوم التلاق يوم الفراق يوم
المساق يوم الإشفاق يوم القصاص يوم لات حين مناص يوم التناد يوم الإشهاد
يوم الميعاد يوم المرصاد يوم المساءلة يوم الحساب يوم المناقشة يوم المآب
يوم العذاب يوم القرار إما في الجنة وإما في النار يوم القضاء يوم الجزاء
يوم البكاء يوم البلاء يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا يوم الحشر
يوم النشر يوم الجمع يوم البعث يوم العرض يوم الوزر يوم الحق يوم الحكم
يوم الفصل يوم الجزاء يوم عظيم يوم عقيم يوم عسير يوم قمطرير يوم النشور
يوم المصير يوم الدين يوم اليقين يوم النفخة يوم الصيحة يوم الرجفة يوم
الرجة يوم الزجرة يوم السكرة يوم الفزع يوم الجزع يوم القلق يوم الفرق يوم
العرق يوم الميقات يوم يخرج الأموات وتظهر المخبآت يوم الانشقاق يوم
الانكدار يوم الانتشار يوم الانفطار يوم الافتقار يوم الوقوف يوم الخروج
يوم الانصداع يوم الانقطاع يوم معلوم يوم موعود يوم مشهود
يوم
تبلى السرائر يوم تخرج الضمائر يوم لا تغنى نفس عن نفس شيئا يوم لا تملك
نفس لنفس شيئا يوم يدعى فيه إلى النار يوم يسجن فيه في النار يوم تقلب
الوجوه فيه في النار يوم البروز إلى الله يوم الصدور إلى الله يوم لا تنفع
المعذرة يوم لا يرتجى إلا من الله المغفرة وأهول أسمائه وأشنع ألقابه يوم
الخلود وما أدراك ما يوم الخلود يوم لا انقطاع لعذابه ولا آخر لعقابه ولا
يكشف فيه عن كافر ما به ونعوذ بالله ثم نعوذ بالله من بلائه وسوء قضائه
بكرمه ورحمته
واعلم أن العرب قد تسمى الشيء بأسماء كثيرة وتجعل له
ألقابا عديدة تعظيما لشأنه وإكثارا لأمره وقد سمي الله تعالى يوم القيامة
بأسماء كثيرة ولعله من هذا وهو تبارك وتعالى أعلم
الباب الرابع عشر
ذكر النفخ في الصور النفخة الأولى والثانية
قد تقدم الكلام في ذكر الموت وغصته وكربه وشدته وعذاب القبر وفتنته وضيقه
وظلمته ومنكر ونكير ورؤيتهما وسماع كلامهما على فظاظتهما وغلظتهما وبشاعة
منظرهما وتكلف جوابهما والتوقي من مقامعهما بالأقرار بالربوبية والشهادة
بالرسالة لمن ثبته الله تعالى بالقول الثابت وأمده بنور الإيمان وألهمه
حجته وإن في ذكر هذا لتنبيها من الغفلة وتنشيطا من الكسل وحلا من عقال
البطالة وصرفا عن اللذات وردعا عن نيل الشهوات بل فيه ما يذهل النفوس
ويميت القلوب أن تنال من الدنيا حظها الذي يكون به حياتها ويكون به قوامها
و يقيم به رمقها فكيف أن ينال منها غير ذلك فكيف بما وراء هذا من جمع
العباد ليوم التناد ويوم يقوم الاشهاد وحشر الأمم لذلك اليوم الأعظم
واعلم أن الإنسان لا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه من إحدى الدارين وصحبه
من أحد الفريقين وأنه لا تزال نفسه معذبة أو منعمة إلى يوم الجزاء
والاجتماع لفصل القضاء وبعد ذلك يتجدد النعيم أو العذاب على وجه آخر وصفة
أخرى مما سيأتي مما أمكن ذكره منه بعد هذا إن شاء الله عز و جل
واعلم أن الله تبارك وتعالى خلق للجنة أهلا وخلق للنار خلقا وهم مع
الساعات راحلون ومع الأنفاس ظاعنون إلى دار البلى ومعسكر الموتى
ومستقر الأرواح وكل مطلع على مكانه الذي يصير إليه ومشرف على
منزله الذي
ينزل به وبذلك يكون نعيمهم وعذابهم وبغير ذلك مما شاء الله عز و جل فلا
يزالون هكذا يرحلون وينتقلون ويظعنون إلى أن يفرغ العدد السعيد والفريق
المنعم ويبقى من العدد الشقي والفريق المقصى بقية وخروجهم من الدنيا في
دفعة واحدة لا يحصيها إلا الله تعالى خالقها لكنهم قليل بالإضافة إلى ما
رحل منهم يكون ارتحال البقية إلى الدار الآخرة بمرة واحدة وخروجهم من
الدنيا في دفعة واحدة وهم الذين تبعثهم الصيحة وتقوم عليهم الساعة قال
الله تعالى ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا
يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة )
يروى عن الشعبي قال لقي جبريل عيسى عليه السلام فقال له عيسى متى الساعة
فنفض جبريل أجنحته وقال ما المسئول عنها بأعلم من السائل ثقلت في السموات
والأرض لا تأتيكم إلا بغتة
وأما تقريب وقتها فكل آت قريب قال تعالى
( وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير )
وقال عز و جل ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون وما يأتيهم من ذكر
من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم ) وقال تعالى ( اقتربت
الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا
أهواءهم وكل أمر مستقر ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما
تغني النذر )
وقال الله عز و جل ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون
)
ويروى أن النبي صلى الله عليه و سلم لما نزل عليه ( أتى أمر الله
) وثب
قائما فلما نزل قوله ( فلا تستعجلوه ) جلس قال بعض العلماء إنما وثب صلى
الله عليه و سلم خوفا منه أن تكون الساعة قد قامت وقال صلى الله عليه و
سلم بعثت أنا والساعة كهاتين وقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ذكره مسلم
بن الحجاج في كتابه
وذكر أيضا عن النواس بن سمعان الكلابي عن النبي
صلى الله عليه و سلم وذكر خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام
وقتله الدجال ثم خروج يأجوج ومأجوج عليه ثم هلاكهم ثم ذكر ما يكون من بعد
ذلك من البركات والخيرات قال فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى ريحا طيبة
فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون
فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة
واعلم أن كل ميت مات فقد قامت
قيامته لكنها قيامة صغرى وقيامة كبرى فالقيامة الصغرى هي ما يقوم على كل
إنسان في خاصته من خروج روحه وفراق أهله وانقطاع سعيه وحصوله على عمله إن
خيرا فخير وإن شرا فشر والقيامة الكبرى هي التي تعم الناس وتأخذهم أخذة
واحدة والدليل على أن كل ميت يموت فقد قامت قيامته قول النبي صلى الله
عليه و سلم لقوم من الأعراب وقد سألوه متى الساعة فنظر إلى أحدث إنسان
منهم فقال إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم ذكره مسلم بن
الحجاج في كتابه
والقيامة التي تعم الأرض إنما تأتيهم بغتة وتأخذهم على غفلة لما تقدم
ولكنها تقوم في يوم الجمعة في غير شهر معروف ولا سنة معروفة
والملك الذي وكل بهذه النفخة وجعل على يديه هذه الصعقة قد استعد لها وتهيأ
لإمضائها
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده بإسناده إلى عبد الله بن
مسعود قال لما
كان ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه و سلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى
عليهم السلام فتذاكروا الساعة متى هي فبدأوا بإبراهيم عليه السلام فسألوه
عنها فلم يكن عنده منها علم فسألوا موسى عليه السلام فلم يكن عنده منها
علم فردوا الحديث إلى عيسى عليه السلام فقال عهد الله تعالى إلي فيما دون
وجبتها فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله
ويعني بوجبتها وقعتها
قال فذكر من خروج الدجال فأهبط فأقتله فيرجع الناس إلى بلادهم فيستقبلهم
يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون لا يمرون بماء إلا شربوه ولا بشيء إلا
أفسدوه فيجأرون إلي فأدعو الله فيميتهم فيملأ الأرض ريحهم فيجأرون إلي
فأدعو الله فيرسل من السماء ماء فيحمل أجسامهم فيلقيهم في البحر ثم تنسف
الجبال وتمد الأرض مد الأديم فعهد الله إلي أنه إذا كان ذلك فإن الساعة من
الناس كالحامل المتم التي لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادتها ليلا أو
نهارا
قال النواس فوجدت تصديق ذلك في كتاب الله عز و جل وقرأ ( حتى إذا فتحت
يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق )
وذكر أبو داود من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق الله آدم وفيه أهبط وفيه تيب
عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من
حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس وفيها ساعة لا
يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه
وذكر
النسائي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف أنعم
وصاحب الصور قد التقم القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر بالنفخ
فينفخ قالوا يا رسول الله وكيف نقول قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على
الله توكلنا
وذكر الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم ما زال صاحب الصور مذ وكل به مستعدا ينظر نحو العرش أن
يؤمر فينفخ قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان
ومن مسند البزار عن أبي سعيد الخدري قال ذكر رسول الله صلى الله عليه و
سلم صاحب الصور فقال عن يمينه جبريل وعن يساره ميكائيل
وذكر الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال جاء أعرابي إلى النبي صلى
الله عليه و سلم فقال ما الصور قال قرن ينفخ فيه
وذكر أبو بشر الدولابي من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه
و سلم في قوله تعالى ( نفخ في الصور ) فقال الصور كهيئة القرن
وقال بعض العلماء الصور أيضا جمع صورة
وذكر البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تقوم
الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة
وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كل يزعم أنه رسول الله وحتى يقبض
العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل
وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه
فيقول الذي يعرض عليه لا أرب لي فيه وحتى يتطاول الناس في البنيان وحتى
يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه وحتى تطلع
الشمس من
مغربها فإذا طلعت ورآها الناس أمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها
لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ولتقومن الساعة وقد نشر
الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد
انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي
فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها
وذكر مسلم بن
الحجاج من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يتركون
المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي يريد عوافي السباع والطير
ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها ملئت
وحوشا حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما
وسمعت في تفسيره أن
هذين الراعيين إنما يخران على وجوههما من صيحة يوم القيامة فعند هذه
الصيحة تخمد الأصوات وتسكن الحركات وتخلى من أهلها الأرضون والسماوات إلى
يوم الخروج والميقات والجزاء بالحسنات والسيئات إلا أن الله تعالى ذكر عند
هذه الصيحة استثناء سيأتي ما قيل فيه بعد إن شاء الله
ثم ينزل الله
مطرا فتنبت منه الأجسام ويحيا به الرفات من العظام ويستعد لقبول الأرواح
عند النفخة الثانية قال الله تعالى ( ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا )
وذكر مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول اللهA يخرج
الدجال في أمتي فيمكث أربعين لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو
أربعين عاما الشك من الراوي قال فيبعث الله عيسى بن مريم عليه السلام كأنه
عروة بن مسعود الثقفي فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين
عداوة ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى أحد على وجه الأرض
في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته حتى
لو أن أحدكم
دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه قال سمعتها من رسول الله صلى الله
عليه و سلم قال فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون
معروفا ولا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيقول لهم أما تستجيبون
فيقولون فما تأمرنا فيأمرهم بعبادة الأوثان وهم في ذلك دار رزقهم حسن
عيشهم ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا قال وأول
من يسمعه رجل يلوط حوض إبله قال فيصعق ويصعق الناس ثم يرسل أو قال ينزل
الله مطرا كأنه الطل أو الظل الشك من الراوي فتنبت منه أجساد الناس ثم
ينفخ فيه أخرى ( فإذا هم قيام ينظرون ) ثم يقال أيها الناس هلموا إلى ربكم
( وقفوهم إنهم مسئولون ) ثم يقال أخرجوا بعث النار فيقال من كم فيقال من
كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين قال فذلك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك ( يوم
يكشف عن ساق )
ويروى أن هذا المطر الذي تنبت منه الأجساد أنه كمني
الرجال وقد أخبر الله أن إنشاء الأجسام مثل إخراج النبات من الأرض قال
الله سبحانه ( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت
فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور ) أي كما ينبت نبات الأرض بالماء
كذلك تنبت الأجساد بهذا الماء فبينما روحك في البرزخ مع الأرواح وكل على
عمله من فساد أو صلاح إذ أمر الله عز و جل بها أن تجمع فتقبل أرواح
المؤمنين تتلألأ نورا وأرواح الكافرين
تسود ظلمة فيقبضها جميعا فيجعلها في الصور ثم ينفخ إسرافيل
فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض
ويروى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يقول الله تعالى وعزتي وجلالي
ليرجعن كل روح إلى جسده فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد فتدخل
الخياشيم حتى تمشي مشي السم في اللديغ
وذكر مسلم عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا
هريرة أربعون عاما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون يوما
قال أبيت ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل قال وليس شيء
من الإنسان إلا ويبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم
القيامة
وذكر أبو بكر بن أبي داود في كتاب البعث بإسناده عن أبي
سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يأكل التراب كل شيء من
الإنسان إلا عجب الذنب قيل وما هو يا رسول الله قال مثل حبة خردل منه
تنشأون
وذكر أبو بكر بن أبي خيثمة بإسناده إلى لقيط بن عامر عن
النبي صلى الله عليه و سلم في حديث طويل قال فيه ثم تلبثون ما لبثتم ثم
تبعث الصيحة فلعمرو إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات والملائكة الذين
مع ربك فأصبح ربك يطوف في الأرض وقد خلت عليه البلاد فأرسل ربك السماء
بهضب من عند العرش فلعمرو إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن
ميت إلا شقت القبر عنه حتى يخلقه من قبل رأسه وذكر الحديث وسيأتي بكماله
إن شاء الله تعالى
قوله فأصبح ربك يطوف في الأرض وقد خلت عليه البلاد إنما هو تفهيم وتقريب
إلى أن جميع من في الأرض يموت وأن الأرض تبقى خالية
ليس يبقى إلا الله وحده كما قال تعالى ( كل من عليها فان ويبقى
وجه ربك ذو الجلال والإكرام )
وقوله والملائكة الذين مع ربك فإنه قد جاء في بعض التفاسير في قوله تعالى
( ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) هو
جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك وملك الموت ثم يؤمر ملك الموت أن يقبض روح
جبريل ثم روح ميكائيل ثم روح إسرافيل ثم يؤمر ملك الموت أن يموت فيموت ولا
يبقى إلا الذي له البقاء والعزة والكبرياء والملك الذي ألا يزول ولا يفنى
تبارك وتعالى فينادي جل جلاله لمن الملك اليوم فلا يجيبه مجيب ومن ذا
يجيبه ولم يبق موجود إلا الواحد المعبود فيجيب نفسه فيقول سبحانه لله
الواحد القهار ثم يمكث الناس في البرزخ أربعين عاما ثم يحيى الله عز و جل
إسرافيل فيأمره أن ينفخ النفخة الثانية فذلك قوله عز و جل ( فإذا هم قيام
ينظرون ) قيام على أرجلهم ينظرون إلى ذلك الأمر العظيم والهول الجسيم
واعلم رحمك الله أنك إن كنت ممن لا يشاهد هذه الصعقة العامة التي هي قيام
الساعة فلا بد لك من أن تشاهد صعقة نفسك التي تخصك وهي صعقة موتك وخروج
روحك ولا بد من إنشائك وتسويتك ورد روحك إلى جسدك وإخراجك من الأرض التي
خلقت منها كما قال تعالى ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة
أخرى ) وقال عز من قال ( أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم
مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي
أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم )
قال سبحانه وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى
في
السموات والأرض وهو العزيز الحكيم
وقوله عز و جل وهو أهون عليه أي هو هين عليه لأنه ليس عند الله شيء أهون
من شيء بل كل عليه هين
و قال تبارك وتعالى ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق
نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين )
وقال سبحانه ( ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ) وذكر النسائي عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال قال الله تبارك وتعالى كذبني
ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن يكذبني وشمتني ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن
يشتمني أما تكذيبه إياي فقوله أني لا أعيده كما بدأته وليس آخر الخلق بأعز
علي من أوله وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الله أحد صمد لم
ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد
وقد أخرجه البخاري بمعناه
والاعتبار الصحيح يشهد بصحة النشأة الآخرة والقدرة متسعة لها ولكل ما شاءه
الحكيم القدير تبارك وتعالى كما قال سبحانه وهو الذي خلق من الماء بشرا
فجعله نسبا وصهرا و كان ربك قديرا
خلق سبحانه الماء من لا شيء
وأخرجه من غير شيء أخرجه من عدم إلى الوجود فكونه بعد أن لم يكن شيئا ثم
خلق منه الإنسان فجعله آية عجبا وعبرة ظاهرة في شكله وتخطيطه وحركاته
وسكناته وما فيه من الحكمة وما أودعه من عجائب الصنعة مما يطول وصفه ويتسع
شرحه فتبارك الله أحسن الخالقين
وأنشدوا
( أيا ابن آدم والألاء سابغة ... ومزنة الجود لا تنفك عن ديم )
( هل أنت ذاكر ما أوليت من حسن ... وشاكر كل ما خولت من نعم )
( براك باريء هذا الخلق من عدم ... بحت ولولاه لم تخرج من العدم )
( أنشاك من حمأ ولا حراك به ... فجئت منتصبا تمشي على قدم )
( مكمل الأدوات آية عجبا ... موفر العقل من حظ ومن فهم )
( ترى وتسمع كلا قد حبيت به ... فضلا وتنطق بالتبيين والحكم )
( هداك بالعلم سبل الصالحين له ... وكنت من غمرات الجهل في ظلم )
( ماذا عليك له من نعمة غمرت ... كل الجهات ولم تبرح ولم ترم )
( غراء كالشمس قد ألقت أشعتها ... حتى ليبصرها عليك كل عمي )
( فاشكر ولست مطيقا شكرها أبدا ... ولو جهدت فسدد ويك والتزم )
( رزق وأمن وإيمان وعافية ... متى تقوم بشكر هذه النعم )
( هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه إن ربك هو الخلاق العليم )
( فمن آمن بهذا لم يضق صدره عن الإيمان بالنشأة الثانية وكان منتظرا لها
مشتغلا بالفكرة فيها وإنها لموضع الانتظار وموضع الاشتغال آناء الليل
وأطراف النهار لكن حب العاجل والاشتغال بالحاضر والنظر إلى هذا الخيال
القائم صرف وجه القلب عن استعمال الحقيقة في هذا الأمر وطمس عينه عن النظر
إليها وسد مجاري فكره عن التصرف فيها فلو اشتغل ونظر وتفكر لأذهله ذلك عن
الأهل والمال وشغله عن قيل وقال وصرفه عن لذة الحال إلى المآل لكنه إن لم
ينظر الآن فسينظر في وقت لا ينفعه فيه النظر ولا ينقضي له به وطر وسيقدم
فيعلم
الباب الثالث عشر
ذكر يوم القيامة وأهواله
( يضحك المرء والبكاء أمامه ... ويروم البقاء والموت رامه )
( ويمشي الحديث في كل لغو ... ويخلي حديث يوم القيامة )
( ولأمر بكاه كل لبيب ... ونفي في الظلام عنه منامه )
( صاح حدث حديثه واختصره ... فمحال بأن تطيق تمامه )
( عجز الواصفون عنه وقالوا ... لم نجيء من بحاره بكظامه )
( فلتحدثه جملة وشتاتا ... ودع الآن شرحه ونظامه )
واعلم رحمك الله أن هذا اليوم ليس عظمه مما يوصف ولا هوله مما يكيف ولا
يجري على مقدار مما يعلم في الدنيا ويعرف بل لا يعلم مقدار عظمه ولا هو له
إلا الله تعالى وما ظنك بيوم عبر الله تبارك وتعالى عن بعض ما يكون فيه
بشيء عظيم قال الله عز و جل ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة
شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى
الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) وماذا عسى أن يقول
القائل فيه وماذا عسى أن يصفه الواصف به الأمر أعظم والخطب أكبر والهول
أشنع كما قال القائل
( وما عسى أن أقول أو أقوم به ... الأمر أعظم مما قيل أو وصفا )
( والأمر مهما قد نظرت له ... ألفيته الأعظم الألفا )
يوم القيامة وما أدراك ما يوم القيامة ثم ما أدراك ما يوم القيامة يوم
الحسرة والندامة يوم يجد كل عامل عمله أمامه يوم الدمدمة يوم الزلزلة يوم
الصاعقة يوم الواقعة يوم الراجفة يوم الرادفة يوم الغاشية يوم الداهية يوم
الآرفة يوم الحاقة يوم الطامة يوم الصاخة يوم التلاق يوم الفراق يوم
المساق يوم الإشفاق يوم القصاص يوم لات حين مناص يوم التناد يوم الإشهاد
يوم الميعاد يوم المرصاد يوم المساءلة يوم الحساب يوم المناقشة يوم المآب
يوم العذاب يوم القرار إما في الجنة وإما في النار يوم القضاء يوم الجزاء
يوم البكاء يوم البلاء يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا يوم الحشر
يوم النشر يوم الجمع يوم البعث يوم العرض يوم الوزر يوم الحق يوم الحكم
يوم الفصل يوم الجزاء يوم عظيم يوم عقيم يوم عسير يوم قمطرير يوم النشور
يوم المصير يوم الدين يوم اليقين يوم النفخة يوم الصيحة يوم الرجفة يوم
الرجة يوم الزجرة يوم السكرة يوم الفزع يوم الجزع يوم القلق يوم الفرق يوم
العرق يوم الميقات يوم يخرج الأموات وتظهر المخبآت يوم الانشقاق يوم
الانكدار يوم الانتشار يوم الانفطار يوم الافتقار يوم الوقوف يوم الخروج
يوم الانصداع يوم الانقطاع يوم معلوم يوم موعود يوم مشهود
يوم
تبلى السرائر يوم تخرج الضمائر يوم لا تغنى نفس عن نفس شيئا يوم لا تملك
نفس لنفس شيئا يوم يدعى فيه إلى النار يوم يسجن فيه في النار يوم تقلب
الوجوه فيه في النار يوم البروز إلى الله يوم الصدور إلى الله يوم لا تنفع
المعذرة يوم لا يرتجى إلا من الله المغفرة وأهول أسمائه وأشنع ألقابه يوم
الخلود وما أدراك ما يوم الخلود يوم لا انقطاع لعذابه ولا آخر لعقابه ولا
يكشف فيه عن كافر ما به ونعوذ بالله ثم نعوذ بالله من بلائه وسوء قضائه
بكرمه ورحمته
واعلم أن العرب قد تسمى الشيء بأسماء كثيرة وتجعل له
ألقابا عديدة تعظيما لشأنه وإكثارا لأمره وقد سمي الله تعالى يوم القيامة
بأسماء كثيرة ولعله من هذا وهو تبارك وتعالى أعلم
الباب الرابع عشر
ذكر النفخ في الصور النفخة الأولى والثانية
قد تقدم الكلام في ذكر الموت وغصته وكربه وشدته وعذاب القبر وفتنته وضيقه
وظلمته ومنكر ونكير ورؤيتهما وسماع كلامهما على فظاظتهما وغلظتهما وبشاعة
منظرهما وتكلف جوابهما والتوقي من مقامعهما بالأقرار بالربوبية والشهادة
بالرسالة لمن ثبته الله تعالى بالقول الثابت وأمده بنور الإيمان وألهمه
حجته وإن في ذكر هذا لتنبيها من الغفلة وتنشيطا من الكسل وحلا من عقال
البطالة وصرفا عن اللذات وردعا عن نيل الشهوات بل فيه ما يذهل النفوس
ويميت القلوب أن تنال من الدنيا حظها الذي يكون به حياتها ويكون به قوامها
و يقيم به رمقها فكيف أن ينال منها غير ذلك فكيف بما وراء هذا من جمع
العباد ليوم التناد ويوم يقوم الاشهاد وحشر الأمم لذلك اليوم الأعظم
واعلم أن الإنسان لا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه من إحدى الدارين وصحبه
من أحد الفريقين وأنه لا تزال نفسه معذبة أو منعمة إلى يوم الجزاء
والاجتماع لفصل القضاء وبعد ذلك يتجدد النعيم أو العذاب على وجه آخر وصفة
أخرى مما سيأتي مما أمكن ذكره منه بعد هذا إن شاء الله عز و جل
واعلم أن الله تبارك وتعالى خلق للجنة أهلا وخلق للنار خلقا وهم مع
الساعات راحلون ومع الأنفاس ظاعنون إلى دار البلى ومعسكر الموتى
ومستقر الأرواح وكل مطلع على مكانه الذي يصير إليه ومشرف على
منزله الذي
ينزل به وبذلك يكون نعيمهم وعذابهم وبغير ذلك مما شاء الله عز و جل فلا
يزالون هكذا يرحلون وينتقلون ويظعنون إلى أن يفرغ العدد السعيد والفريق
المنعم ويبقى من العدد الشقي والفريق المقصى بقية وخروجهم من الدنيا في
دفعة واحدة لا يحصيها إلا الله تعالى خالقها لكنهم قليل بالإضافة إلى ما
رحل منهم يكون ارتحال البقية إلى الدار الآخرة بمرة واحدة وخروجهم من
الدنيا في دفعة واحدة وهم الذين تبعثهم الصيحة وتقوم عليهم الساعة قال
الله تعالى ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا
يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة )
يروى عن الشعبي قال لقي جبريل عيسى عليه السلام فقال له عيسى متى الساعة
فنفض جبريل أجنحته وقال ما المسئول عنها بأعلم من السائل ثقلت في السموات
والأرض لا تأتيكم إلا بغتة
وأما تقريب وقتها فكل آت قريب قال تعالى
( وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير )
وقال عز و جل ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون وما يأتيهم من ذكر
من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم ) وقال تعالى ( اقتربت
الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا
أهواءهم وكل أمر مستقر ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما
تغني النذر )
وقال الله عز و جل ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون
)
ويروى أن النبي صلى الله عليه و سلم لما نزل عليه ( أتى أمر الله
) وثب
قائما فلما نزل قوله ( فلا تستعجلوه ) جلس قال بعض العلماء إنما وثب صلى
الله عليه و سلم خوفا منه أن تكون الساعة قد قامت وقال صلى الله عليه و
سلم بعثت أنا والساعة كهاتين وقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ذكره مسلم
بن الحجاج في كتابه
وذكر أيضا عن النواس بن سمعان الكلابي عن النبي
صلى الله عليه و سلم وذكر خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام
وقتله الدجال ثم خروج يأجوج ومأجوج عليه ثم هلاكهم ثم ذكر ما يكون من بعد
ذلك من البركات والخيرات قال فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى ريحا طيبة
فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون
فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة
واعلم أن كل ميت مات فقد قامت
قيامته لكنها قيامة صغرى وقيامة كبرى فالقيامة الصغرى هي ما يقوم على كل
إنسان في خاصته من خروج روحه وفراق أهله وانقطاع سعيه وحصوله على عمله إن
خيرا فخير وإن شرا فشر والقيامة الكبرى هي التي تعم الناس وتأخذهم أخذة
واحدة والدليل على أن كل ميت يموت فقد قامت قيامته قول النبي صلى الله
عليه و سلم لقوم من الأعراب وقد سألوه متى الساعة فنظر إلى أحدث إنسان
منهم فقال إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم ذكره مسلم بن
الحجاج في كتابه
والقيامة التي تعم الأرض إنما تأتيهم بغتة وتأخذهم على غفلة لما تقدم
ولكنها تقوم في يوم الجمعة في غير شهر معروف ولا سنة معروفة
والملك الذي وكل بهذه النفخة وجعل على يديه هذه الصعقة قد استعد لها وتهيأ
لإمضائها
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده بإسناده إلى عبد الله بن
مسعود قال لما
كان ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه و سلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى
عليهم السلام فتذاكروا الساعة متى هي فبدأوا بإبراهيم عليه السلام فسألوه
عنها فلم يكن عنده منها علم فسألوا موسى عليه السلام فلم يكن عنده منها
علم فردوا الحديث إلى عيسى عليه السلام فقال عهد الله تعالى إلي فيما دون
وجبتها فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله
ويعني بوجبتها وقعتها
قال فذكر من خروج الدجال فأهبط فأقتله فيرجع الناس إلى بلادهم فيستقبلهم
يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون لا يمرون بماء إلا شربوه ولا بشيء إلا
أفسدوه فيجأرون إلي فأدعو الله فيميتهم فيملأ الأرض ريحهم فيجأرون إلي
فأدعو الله فيرسل من السماء ماء فيحمل أجسامهم فيلقيهم في البحر ثم تنسف
الجبال وتمد الأرض مد الأديم فعهد الله إلي أنه إذا كان ذلك فإن الساعة من
الناس كالحامل المتم التي لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادتها ليلا أو
نهارا
قال النواس فوجدت تصديق ذلك في كتاب الله عز و جل وقرأ ( حتى إذا فتحت
يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق )
وذكر أبو داود من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق الله آدم وفيه أهبط وفيه تيب
عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من
حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس وفيها ساعة لا
يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه
وذكر
النسائي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف أنعم
وصاحب الصور قد التقم القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر بالنفخ
فينفخ قالوا يا رسول الله وكيف نقول قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على
الله توكلنا
وذكر الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم ما زال صاحب الصور مذ وكل به مستعدا ينظر نحو العرش أن
يؤمر فينفخ قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان
ومن مسند البزار عن أبي سعيد الخدري قال ذكر رسول الله صلى الله عليه و
سلم صاحب الصور فقال عن يمينه جبريل وعن يساره ميكائيل
وذكر الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال جاء أعرابي إلى النبي صلى
الله عليه و سلم فقال ما الصور قال قرن ينفخ فيه
وذكر أبو بشر الدولابي من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه
و سلم في قوله تعالى ( نفخ في الصور ) فقال الصور كهيئة القرن
وقال بعض العلماء الصور أيضا جمع صورة
وذكر البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تقوم
الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة
وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كل يزعم أنه رسول الله وحتى يقبض
العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل
وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه
فيقول الذي يعرض عليه لا أرب لي فيه وحتى يتطاول الناس في البنيان وحتى
يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه وحتى تطلع
الشمس من
مغربها فإذا طلعت ورآها الناس أمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها
لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ولتقومن الساعة وقد نشر
الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد
انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي
فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها
وذكر مسلم بن
الحجاج من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يتركون
المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي يريد عوافي السباع والطير
ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها ملئت
وحوشا حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما
وسمعت في تفسيره أن
هذين الراعيين إنما يخران على وجوههما من صيحة يوم القيامة فعند هذه
الصيحة تخمد الأصوات وتسكن الحركات وتخلى من أهلها الأرضون والسماوات إلى
يوم الخروج والميقات والجزاء بالحسنات والسيئات إلا أن الله تعالى ذكر عند
هذه الصيحة استثناء سيأتي ما قيل فيه بعد إن شاء الله
ثم ينزل الله
مطرا فتنبت منه الأجسام ويحيا به الرفات من العظام ويستعد لقبول الأرواح
عند النفخة الثانية قال الله تعالى ( ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا )
وذكر مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول اللهA يخرج
الدجال في أمتي فيمكث أربعين لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو
أربعين عاما الشك من الراوي قال فيبعث الله عيسى بن مريم عليه السلام كأنه
عروة بن مسعود الثقفي فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين
عداوة ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى أحد على وجه الأرض
في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته حتى
لو أن أحدكم
دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه قال سمعتها من رسول الله صلى الله
عليه و سلم قال فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون
معروفا ولا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيقول لهم أما تستجيبون
فيقولون فما تأمرنا فيأمرهم بعبادة الأوثان وهم في ذلك دار رزقهم حسن
عيشهم ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا قال وأول
من يسمعه رجل يلوط حوض إبله قال فيصعق ويصعق الناس ثم يرسل أو قال ينزل
الله مطرا كأنه الطل أو الظل الشك من الراوي فتنبت منه أجساد الناس ثم
ينفخ فيه أخرى ( فإذا هم قيام ينظرون ) ثم يقال أيها الناس هلموا إلى ربكم
( وقفوهم إنهم مسئولون ) ثم يقال أخرجوا بعث النار فيقال من كم فيقال من
كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين قال فذلك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك ( يوم
يكشف عن ساق )
ويروى أن هذا المطر الذي تنبت منه الأجساد أنه كمني
الرجال وقد أخبر الله أن إنشاء الأجسام مثل إخراج النبات من الأرض قال
الله سبحانه ( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت
فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور ) أي كما ينبت نبات الأرض بالماء
كذلك تنبت الأجساد بهذا الماء فبينما روحك في البرزخ مع الأرواح وكل على
عمله من فساد أو صلاح إذ أمر الله عز و جل بها أن تجمع فتقبل أرواح
المؤمنين تتلألأ نورا وأرواح الكافرين
تسود ظلمة فيقبضها جميعا فيجعلها في الصور ثم ينفخ إسرافيل
فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض
ويروى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يقول الله تعالى وعزتي وجلالي
ليرجعن كل روح إلى جسده فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد فتدخل
الخياشيم حتى تمشي مشي السم في اللديغ
وذكر مسلم عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا
هريرة أربعون عاما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون يوما
قال أبيت ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل قال وليس شيء
من الإنسان إلا ويبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم
القيامة
وذكر أبو بكر بن أبي داود في كتاب البعث بإسناده عن أبي
سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يأكل التراب كل شيء من
الإنسان إلا عجب الذنب قيل وما هو يا رسول الله قال مثل حبة خردل منه
تنشأون
وذكر أبو بكر بن أبي خيثمة بإسناده إلى لقيط بن عامر عن
النبي صلى الله عليه و سلم في حديث طويل قال فيه ثم تلبثون ما لبثتم ثم
تبعث الصيحة فلعمرو إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات والملائكة الذين
مع ربك فأصبح ربك يطوف في الأرض وقد خلت عليه البلاد فأرسل ربك السماء
بهضب من عند العرش فلعمرو إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن
ميت إلا شقت القبر عنه حتى يخلقه من قبل رأسه وذكر الحديث وسيأتي بكماله
إن شاء الله تعالى
قوله فأصبح ربك يطوف في الأرض وقد خلت عليه البلاد إنما هو تفهيم وتقريب
إلى أن جميع من في الأرض يموت وأن الأرض تبقى خالية
ليس يبقى إلا الله وحده كما قال تعالى ( كل من عليها فان ويبقى
وجه ربك ذو الجلال والإكرام )
وقوله والملائكة الذين مع ربك فإنه قد جاء في بعض التفاسير في قوله تعالى
( ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) هو
جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك وملك الموت ثم يؤمر ملك الموت أن يقبض روح
جبريل ثم روح ميكائيل ثم روح إسرافيل ثم يؤمر ملك الموت أن يموت فيموت ولا
يبقى إلا الذي له البقاء والعزة والكبرياء والملك الذي ألا يزول ولا يفنى
تبارك وتعالى فينادي جل جلاله لمن الملك اليوم فلا يجيبه مجيب ومن ذا
يجيبه ولم يبق موجود إلا الواحد المعبود فيجيب نفسه فيقول سبحانه لله
الواحد القهار ثم يمكث الناس في البرزخ أربعين عاما ثم يحيى الله عز و جل
إسرافيل فيأمره أن ينفخ النفخة الثانية فذلك قوله عز و جل ( فإذا هم قيام
ينظرون ) قيام على أرجلهم ينظرون إلى ذلك الأمر العظيم والهول الجسيم
واعلم رحمك الله أنك إن كنت ممن لا يشاهد هذه الصعقة العامة التي هي قيام
الساعة فلا بد لك من أن تشاهد صعقة نفسك التي تخصك وهي صعقة موتك وخروج
روحك ولا بد من إنشائك وتسويتك ورد روحك إلى جسدك وإخراجك من الأرض التي
خلقت منها كما قال تعالى ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة
أخرى ) وقال عز من قال ( أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم
مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي
أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم )
قال سبحانه وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى
في
السموات والأرض وهو العزيز الحكيم
وقوله عز و جل وهو أهون عليه أي هو هين عليه لأنه ليس عند الله شيء أهون
من شيء بل كل عليه هين
و قال تبارك وتعالى ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق
نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين )
وقال سبحانه ( ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ) وذكر النسائي عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال قال الله تبارك وتعالى كذبني
ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن يكذبني وشمتني ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن
يشتمني أما تكذيبه إياي فقوله أني لا أعيده كما بدأته وليس آخر الخلق بأعز
علي من أوله وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الله أحد صمد لم
ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد
وقد أخرجه البخاري بمعناه
والاعتبار الصحيح يشهد بصحة النشأة الآخرة والقدرة متسعة لها ولكل ما شاءه
الحكيم القدير تبارك وتعالى كما قال سبحانه وهو الذي خلق من الماء بشرا
فجعله نسبا وصهرا و كان ربك قديرا
خلق سبحانه الماء من لا شيء
وأخرجه من غير شيء أخرجه من عدم إلى الوجود فكونه بعد أن لم يكن شيئا ثم
خلق منه الإنسان فجعله آية عجبا وعبرة ظاهرة في شكله وتخطيطه وحركاته
وسكناته وما فيه من الحكمة وما أودعه من عجائب الصنعة مما يطول وصفه ويتسع
شرحه فتبارك الله أحسن الخالقين
وأنشدوا
( أيا ابن آدم والألاء سابغة ... ومزنة الجود لا تنفك عن ديم )
( هل أنت ذاكر ما أوليت من حسن ... وشاكر كل ما خولت من نعم )
( براك باريء هذا الخلق من عدم ... بحت ولولاه لم تخرج من العدم )
( أنشاك من حمأ ولا حراك به ... فجئت منتصبا تمشي على قدم )
( مكمل الأدوات آية عجبا ... موفر العقل من حظ ومن فهم )
( ترى وتسمع كلا قد حبيت به ... فضلا وتنطق بالتبيين والحكم )
( هداك بالعلم سبل الصالحين له ... وكنت من غمرات الجهل في ظلم )
( ماذا عليك له من نعمة غمرت ... كل الجهات ولم تبرح ولم ترم )
( غراء كالشمس قد ألقت أشعتها ... حتى ليبصرها عليك كل عمي )
( فاشكر ولست مطيقا شكرها أبدا ... ولو جهدت فسدد ويك والتزم )
( رزق وأمن وإيمان وعافية ... متى تقوم بشكر هذه النعم )
( هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه إن ربك هو الخلاق العليم )
( فمن آمن بهذا لم يضق صدره عن الإيمان بالنشأة الثانية وكان منتظرا لها
مشتغلا بالفكرة فيها وإنها لموضع الانتظار وموضع الاشتغال آناء الليل
وأطراف النهار لكن حب العاجل والاشتغال بالحاضر والنظر إلى هذا الخيال
القائم صرف وجه القلب عن استعمال الحقيقة في هذا الأمر وطمس عينه عن النظر
إليها وسد مجاري فكره عن التصرف فيها فلو اشتغل ونظر وتفكر لأذهله ذلك عن
الأهل والمال وشغله عن قيل وقال وصرفه عن لذة الحال إلى المآل لكنه إن لم
ينظر الآن فسينظر في وقت لا ينفعه فيه النظر ولا ينقضي له به وطر وسيقدم
فيعلم
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل ذكر أول ما يحكم فيه يوم القيامة وأول من يدعى للخصومة
ذكر مسلم بن الحجاج من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء
ويروى
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال أنا أول من يجثو يوم القيامة بين
يدي الرحمن للخصومة يريد قصته ومبارزته هو وصاحباه مع الثلاثة من كفار
قريش وذلك أن علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث بن
عبد المطلب رضي الله عنهم بارزوا يوم بدر من كفار قريش ثلاثة شيبة بن
ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة فبارز علي الوليد فقتله وبارز حمزة
شيبة فقتله واختلف بين عبيدة وبين عتبة ضربتان أثبت كل واحد منهما صاحبه
فكر حمزة وعلي على عتبة فأتما عليه واحتملا عبيدة فمات من ضربته في طريق
المدينة في رجوع النبي صلى الله عليه و سلم من غزوته تلك ونزلت فيهم هذه
الآية ( هذان خصمان اختصموا ) والخبر بها مشهور صحيح
فصل الخصومة بين المسلمين ورد المظالم والانتصاف منها بالحسنات
والسيئات
روى من حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه و سلم يقول يحشر العباد أو قال الناس وأومأ بيده إلى الشام حفاة عراة
غرلا بهما قلنا ما بهما قال ليس معهم شيء فيناديهم بصوت يسمعه من بعد
ويسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل
النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة حتى اللطمة قلنا كيف وإنما نأتي
الله حفاة عراة غرلا قال بالحسنات والسيئات ذكره الحارث بن أبي أسامة
وقوله غرلا يريد به غير مختونين
وأما مطالبة الكافر المؤمن فإنما تكون لمن ظلم من أهل الذمة والعهد أو
تكون فيما لم يأذن الله به من غيرهم والله أعلم
قد تقدم لك ذكر هول يوم الموقف وخطره وغرره وإنك لا تدري إلى ما تصدر عنه
ولا إلى أي مكان تسير منه فتفكر فيه وأطل الفكرة فقد وجدت مكان التفكر ذا
سعة ومجال الفزع ممتدا وميدان الخوف عريضا ثم تفكر فيك بينما أنت واقف في
تلك الحال التي حدثت عنها وتقدم لك ذكرها إذ وثب عليك خصماؤك وهجم عليك
طالبوك وأحاطوا بك ومدوا أيديهم إليك فهذا يأخذ بيدك وهذا بشعرك وهذا بما
أمكنه مما أذن الله تعالى له أن يأخذه منك فواحد يقول يا رب هذا ضربني
وثان يقول يا رب هذا شتمني وثالث يقول يا رب هذا اغتابني هذا احتقرني هذا
غصبني حقي وظلمني هذا
قتلني هذا عاملني فغشني ولم ينصحني هذا رآني
مظلوما وقدر على نصرتي فلم ينصرني هذا علم أني جائع وكان قديرا على أن
يطعمني فلم يطعمني
وكيف ما كانت معاملتك مع الناس وكيف ما كانت
معاشرتك لهم فبينا أنت كذلك لا تدري ما تقول ولا تدري ما تعمل ولا تدري
إلى أين تفر ولا كيف تتخلص وقد أبهتك الأمر وأدهشك الحال إذ سمعت نداء
المنادي اليوم تجزي كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب فلا
تسأل عن انخلاع قلبك واضطراب صدرك وقلة أنصارك وعدم الدافعين عنك فما شئت
من ضلوع تنخرق وأكباد تحترق وأحشاء تصطفق وهموم تنبعث عليك وتندفق وقد
علمت أن الأذى لا يرفع عن نفسك هناك بالدينار ولا بالدرهم وإنما هي حسناتك
التي تعبت فيها في الدنيا إن كانت قد قبلت منك تعطى منك لخصمك وتدفع
لمطالبيك وإن لم يكن لك حسنات أخذ من سيئاتهم فحملت عليك وألقيت على كاهلك
ولعلك جرأت مسلما على معصية أو حملته على ارتكاب خطيئة أو كنت له
سببا في ترك سنة واعتقاد بدعة فيجتمع ذلك كله لك ويناط بك ويحمل على ظهرك
قال تعالى ( وليحملن أثقالهم وأثقالامع أثقالهم )
فانظر وتدبر كيف
يكون حالك وقد أضيفت إلى سيئاتك سيئات أخر وإلى أوزارك أوزار أخر فاجتمعت
عليك السيئات وأحاطت بك الخطيئات وانكسر ظهرك من ثقلها ولم تستطع النهوض
بسببها واستغثت فلا مغيث واستعنت فلا معين وإلى الله نرغب في المعونة
فالتوفيق بيده والفضل فضله وإليه يرجع الأمر كله لا رب غيره ولا معبود
سواه
فصل في الموازين والكتب
( أصلح بهذي الدار ميزانكا ... وليكن العدل به شانكا )
( فإن فيه ربحك المرتجى ... في تلكمو الدار وخسرانكا )
( وليس خسرانك مالا ولا ... اهلا فيضني السقم جثمانكا )
( لكنها نفسك فانظر لها ... واجمع على ذلك أعوانكا )
( من عزمات صادقات ومن ... صبر يشد اليوم إيمانكا )
( وإنما أصبحت في مهلة ... فاجمع إلى فرضك إحسانكا )
( واحم على قلبك نار الأسى ... واغسل بماء الدمع أجفانكا )
( فربما أضحك طول البكا ... وبردت نارك نيرانكا )
ذكر الترمذي من حديث أنس بن مالك قال سألت النبي صلى الله عليه و سلم أن
يشفع لي يوم القيامة فقال أنا فاعل إن شاء الله قلت فأين أطلبك قال أول ما
تطلبني على الصراط قلت فإن لم ألقك على الصراط قال فاطلبني عند الميزان
قلت فإن لم ألقك عند الميزان قال فاطلبني عن الحوض فإني لا أخطىء هذه
الثلاثة مواطن قال حدث حسن غريب
وذكر الترمذي أيضا من حديث عبد الله
بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله سيخلص
رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا
كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر
من هذا شيئا أظلمك كتبتي الحافظون
فيقول لا يا رب فيقول أفلك عذر فيقول لا يا رب فيقول الله تعالى بلى إن لك
عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا
الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول احضر وزنك فيقول يا رب ما هذه
البطاقة مع هذه السجلات فيقول إنك لا تظلم قال فتوضع السجلات في كفة
والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء
وذكر أبو بكر البزار من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم
قال ملك موكل بالميزان فيؤتى بابن آدم فيوقف بين كفتي الميزان فإن ثقل
ميزانه نادى ملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا وإن
خف ميزانه نادى ملك بصوت يسمع الخلائق شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا
وروى عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يعرض الناس
يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاريض وأما الثالثة فعند ذلك
تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله ذكره أبو بكر البزار أيضا
وقال الترمذي جدال ومعاذير رواه من حديث الحسن عن أبي هريرة
وذكر
أبو جعفر العقيلي من حديث نعيم بن سالم عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله
عليه و سلم قال الكتب كلها تحت العرش فإذا كان الموقف بعث الله ريحا
فتطيرها بالأيمان والشمائل أول خط فيها ( أقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك
حسيبا )
وذكر أبو داود من حديث عائشة أنها قالت ذكرت النار فبكيت فقال رسول الله
صلى الله عليه و سلم ما يبكيك قلت ذكرت النار فبكيت
فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة فقال رسول الله صلى الله عليه و
سلم أما في
ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدا عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل
وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله أم من وراء
ظهره وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم حتى يجوز
وذكر الترمذي من
حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى ( يوم ندعو كل
أناس بإمامهم ) قال يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمد له في جسمه ستون
ذراعا ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ فينطلق إلى أصحابه
فيرونه من بعيد فيقولون اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا فيأتيهم فيقول
أبشروا لكل رجل مسلم مثل هذا قال وأما الكافر فيسود وجهه ويمد في جسده
ستون ذراعا على صورة آدم فيلبس تاجا من نار فيراه أصحابه فيقولون نعوذ
بالله من شر هذا اللهم لا تأتنا بهذا قال فيأتيهم فيقولون اللهم أخره
فيقول أبعدكم الله فإن لكل رجل منكم مثل هذا
وقد تقدم تقرير المؤمن بذنوبه وتعريفه بها
وأنشدوا
( أمدد يمينك من دنياك آخذة ... كتاب فوزك إذ تحتل أخراك )
( فلست تدرك ما هناك من أمل ... إلا بواسطة من دار دنياك )
( فإن تكاسلت أو قصرت في طلب ... كنت المخيب والمطلوب إذ ذاك )
( يا نائم القلب عن أمر يراد به ... نبهه ويحك إن الأمر حاذاك )
( واشدد حزيمك واكشف ساعديك له ... فربما حمدت بالجد عقباك )
( كم رابح بكتاب كان أملاه ... هنا بما شاء برا أوآفاك )
( فظل مرتقبا أدراج مكرمة ... في عدن أو نازلا في النار ادراكا )
( وطلعة الموت تبدي عن حقيقة ما ... تملي فإياك ان تنساه إياك )
فصل ذكر ما يتكلم من الإنسان وما جاء في شهادة جوارح ابن آدم
عليه يوم
القيامة
ذكر أبو بكر بن أبي شيبة من حديث معاوية بن حيدة القشيري أن النبي صلى
الله عليه و سلم قال تجيئون يوم القيامة على أفواهكم الفدام فأول ما يتكلم
من الإنسان فخذه وكفه
وذكر مسلم من حديث أبي هريرة قال قالوا يا
رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل تضارون في رؤية الشمس في
الظهيرة ليست في سحابة قالوا لا قال فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر
ليس في سحابة قالوا لا قال فوالذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا
كما تضارون في رؤية أحدهما قال فيلقى العبد فيقول أي فل ألم أكرمك وأسودك
وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وترتع فيقول بلى فيقول أفظننت
أنك ملاقي فيقول لا فيقول إني أنساك كما نسيتني ثم يلقى الثاني فيقول أي
فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وترتع فيقول
بلى يا رب فيقول أفظننت أنك ملاقي فيقول لا فيقول إني أنساك كما نسيتني ثم
يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت
وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول ها هنا إذا قال ثم يقال له الآن
نبعث شاهدنا عليك فيتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليه فيختم على فيه
ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله
وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه
وذكر مسلم من حديث أنس بن مالك قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم
فضحك فقال هل تدرون مم أضحك فقلنا الله ورسوله أعلم قال من مخاطبة العبد
ربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى قال فيقول فإني لا أجيز
على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام
الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله
قال ثم يخلى بينه وبين الكلام قال فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه و سلم يقول أني لأعلم آخر رجل من أمتي يجوز الصراط رجل
يتلوى على الصراط كالغلام حين يضربه أبوه تزل يده مرة فتصيبها النار وتزل
رجله مرة فتصيبها النار قال فتقول له الملائكة أرأيت إن بعثك الله من
مقامك هذا فمشيت سويا أتخبرنا بكل عمل عملته فيقول أي وعزته لا أكتمكم من
عملي شيئا قال فيقولون له قم فامش سويا فيقوم فيمشي حتى يجاوز الصراط
فيقولون له أخبرنا بأعمالك التي عملت فيقول في نفسه إن أخبرتهم بما عملت
ردوني إلى مكاني فيقول لا وعزته ما أذنبت ذنبا قط فيقولون له إن لنا عليك
شهودا قال فيلتفت يمينا وشمالا هل يرى من الآدميين أحدا ممن كان يشهد عليه
في الدنيا فلا يرى فيقول هاتوا بينتكم فيختم الله على فيه وتنطق يداه
ورجلاه وفخذاه بعمله فيقول أي وعزتك لقد عملتها وإن عندي للعظائم المضمرات
قال فيقول الله تعالى له اذهب فقد غفرتها لك
فصل ذكر الصراط ودرجات الناس في المرور عليه
ذكر أبو بكر بن أبي شيبة من حديث عائشة قالت قلت يا رسول الله أتذكرون
أهاليكم يوم القيامة قال أما عند ثلاث فلا عند الكتاب وعند الميزان وعند
الصراط
وذكر مسلم من حديث أبي هريرة وحذيفة قالا قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة
فيأتون آدم فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول وهل أخرجكم من الجنة
إلا خطيئة أبيكم آدم لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله قال
فيقول إبراهيم عليه السلام لست بصاحب ذلك إنما كنت خليلا من وراء وراء
اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليما فيأتون موسى عليه السلام فيقول لست
بصاحب ذلك اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه فيقول عيسى لست بصاحب ذلك قال
فيأتون محمدا صلى الله عليه و سلم فيقوم ويؤذن له وترسل الأمانة والرحم
فتقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا فيمر أولكم كالبرق قال قلت بأبي أنت
وأمي أي شيء كالبرق قال ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين ثم
كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرجال تجري بهم أعمالهم ونبيكم صلى الله عليه
و سلم قائم على الصراط يقول رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء
الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا قال وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة
مأمورة تأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكدوس في النار والذي نفس أبي هريرة
بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفا
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى
الله عليه و سلم وذكر الصراط ومرور الناس عليه قال فيمر المؤمنون كطرف
العين وكالبرق وكالريح و كالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش
مرسل ومكدوس في نار جهنم
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و
سلم وذكر حديث الشفاعة قال ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أنا وأمتي
أول من يجيز ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم
وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم السعدان قالوا نعم يا رسول الله
قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله تخطف الناس
بأعمالهم فمنهم الموبق بعمله ومنهم المجازي حتى ينجى وذكر الحديث
قد
سمع رحمك الله بهذا الطريق الحرج والمسلك الشاق والقنطرة المضطربة التي لا
تثبت عليها الأقدام ولا تجوزها الأوهام إلا قدم ثبتت على التقوى ووهم جاز
في الملكوت الأعلى
ولعلك تظن أن هذا الطريق من طرق الدنيا الصعبة
وسبلها الوعرة بل هو أحد من السيف وأدق من الشعرة فما ظنك بك وقد حملت
عليه وكلفت المرور به ومهواه جهنم تحتك وقد ملأ زفيرها أذنك ومنظرها
الهائل قلبك وعينك وأردت المرور فلم تقدر والنهوض فلم تستطع واضطرب بك
اضطرابا والتهب ذلك السعير تحتك التهابا ولم تجد إلى النجاة سبيلا ولا إلى
الخلاص بابا ولا ينهض بك إلا سعيك الذي سعيت ولا جرى بك إلا عملك الذي
عملت ومركوبك الذي في الدنيا ركبت فلتتخير الآن أي المراكب تركبها وأي
الأبواب تدخلها وأي الطرق تأخذ فيها وتسكلها والله المستعان وعليه التكلان
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وأنشدوا
( اجنب جيادا من التقوى مضمرة ... للسبق يوم يفوز الناس بالسبق )
( تمر مر الرياح الهوج عاصفة ... أو لمحة البرق إذ يجتاز بالأفق )
( واركض إلى الغاية القصوى وخل لها ... عنان صدق رمي في فتية صدق )
( فإن خلفك أعمالا مثبطة ... ولست تنهض إلا ويك بالعنق )
( كم حل عزمك من دنيا معرجة ... بقصدك اليوم عن مسلوكة الطرق )
( وفاز من فاز لا حزن ولا فرق ... وخلفوك حليف الحزن والفرق )
( يا غافلا والمنايا منه في ذكر ... وضاحكا والردى منه على حنق )
( قطعت عمرك في سهو وفي سنة ... ومن أمامك ليل دائم الأرق )
( ورب رأي تراه اليوم في سفه ... عقلا تراه غدا في غاية الخرق )
فصل ما جاء في أن بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون
ذكر مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
يقول الله عز و جل يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك قال يقول له
أخرج بعث النار قال وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين قال
فذلك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم
بسكارى ولكن عذاب الله شديد قال فاشتد ذلك عليهم قالوا يا رسول الله أينا
ذلك الرجل فقال أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل قال ثم قال
والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ربع أهل الجنة فحمدنا الله عز و جل
وكبرنا ثم قال والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة فحمدنا
الله وكبرنا ثم قال والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة
وإن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالرقمة
في ذراع الحمار
وفي بعض ألفاظ هذا الحديث من الزيادة اللهم قد بلغت
وفي بعض طرقه من غير كتاب مسلم وذكر بعث النار فقال رجل ومن الناجي بعد
ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أنتم في الناس إلا كالشامة في
جنب البعير
ذكر مسلم بن الحجاج من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء
ويروى
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال أنا أول من يجثو يوم القيامة بين
يدي الرحمن للخصومة يريد قصته ومبارزته هو وصاحباه مع الثلاثة من كفار
قريش وذلك أن علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث بن
عبد المطلب رضي الله عنهم بارزوا يوم بدر من كفار قريش ثلاثة شيبة بن
ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة فبارز علي الوليد فقتله وبارز حمزة
شيبة فقتله واختلف بين عبيدة وبين عتبة ضربتان أثبت كل واحد منهما صاحبه
فكر حمزة وعلي على عتبة فأتما عليه واحتملا عبيدة فمات من ضربته في طريق
المدينة في رجوع النبي صلى الله عليه و سلم من غزوته تلك ونزلت فيهم هذه
الآية ( هذان خصمان اختصموا ) والخبر بها مشهور صحيح
والسيئات
روى من حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه و سلم يقول يحشر العباد أو قال الناس وأومأ بيده إلى الشام حفاة عراة
غرلا بهما قلنا ما بهما قال ليس معهم شيء فيناديهم بصوت يسمعه من بعد
ويسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل
النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة حتى اللطمة قلنا كيف وإنما نأتي
الله حفاة عراة غرلا قال بالحسنات والسيئات ذكره الحارث بن أبي أسامة
وقوله غرلا يريد به غير مختونين
وأما مطالبة الكافر المؤمن فإنما تكون لمن ظلم من أهل الذمة والعهد أو
تكون فيما لم يأذن الله به من غيرهم والله أعلم
قد تقدم لك ذكر هول يوم الموقف وخطره وغرره وإنك لا تدري إلى ما تصدر عنه
ولا إلى أي مكان تسير منه فتفكر فيه وأطل الفكرة فقد وجدت مكان التفكر ذا
سعة ومجال الفزع ممتدا وميدان الخوف عريضا ثم تفكر فيك بينما أنت واقف في
تلك الحال التي حدثت عنها وتقدم لك ذكرها إذ وثب عليك خصماؤك وهجم عليك
طالبوك وأحاطوا بك ومدوا أيديهم إليك فهذا يأخذ بيدك وهذا بشعرك وهذا بما
أمكنه مما أذن الله تعالى له أن يأخذه منك فواحد يقول يا رب هذا ضربني
وثان يقول يا رب هذا شتمني وثالث يقول يا رب هذا اغتابني هذا احتقرني هذا
غصبني حقي وظلمني هذا
قتلني هذا عاملني فغشني ولم ينصحني هذا رآني
مظلوما وقدر على نصرتي فلم ينصرني هذا علم أني جائع وكان قديرا على أن
يطعمني فلم يطعمني
وكيف ما كانت معاملتك مع الناس وكيف ما كانت
معاشرتك لهم فبينا أنت كذلك لا تدري ما تقول ولا تدري ما تعمل ولا تدري
إلى أين تفر ولا كيف تتخلص وقد أبهتك الأمر وأدهشك الحال إذ سمعت نداء
المنادي اليوم تجزي كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب فلا
تسأل عن انخلاع قلبك واضطراب صدرك وقلة أنصارك وعدم الدافعين عنك فما شئت
من ضلوع تنخرق وأكباد تحترق وأحشاء تصطفق وهموم تنبعث عليك وتندفق وقد
علمت أن الأذى لا يرفع عن نفسك هناك بالدينار ولا بالدرهم وإنما هي حسناتك
التي تعبت فيها في الدنيا إن كانت قد قبلت منك تعطى منك لخصمك وتدفع
لمطالبيك وإن لم يكن لك حسنات أخذ من سيئاتهم فحملت عليك وألقيت على كاهلك
ولعلك جرأت مسلما على معصية أو حملته على ارتكاب خطيئة أو كنت له
سببا في ترك سنة واعتقاد بدعة فيجتمع ذلك كله لك ويناط بك ويحمل على ظهرك
قال تعالى ( وليحملن أثقالهم وأثقالامع أثقالهم )
فانظر وتدبر كيف
يكون حالك وقد أضيفت إلى سيئاتك سيئات أخر وإلى أوزارك أوزار أخر فاجتمعت
عليك السيئات وأحاطت بك الخطيئات وانكسر ظهرك من ثقلها ولم تستطع النهوض
بسببها واستغثت فلا مغيث واستعنت فلا معين وإلى الله نرغب في المعونة
فالتوفيق بيده والفضل فضله وإليه يرجع الأمر كله لا رب غيره ولا معبود
سواه
فصل في الموازين والكتب
( أصلح بهذي الدار ميزانكا ... وليكن العدل به شانكا )
( فإن فيه ربحك المرتجى ... في تلكمو الدار وخسرانكا )
( وليس خسرانك مالا ولا ... اهلا فيضني السقم جثمانكا )
( لكنها نفسك فانظر لها ... واجمع على ذلك أعوانكا )
( من عزمات صادقات ومن ... صبر يشد اليوم إيمانكا )
( وإنما أصبحت في مهلة ... فاجمع إلى فرضك إحسانكا )
( واحم على قلبك نار الأسى ... واغسل بماء الدمع أجفانكا )
( فربما أضحك طول البكا ... وبردت نارك نيرانكا )
ذكر الترمذي من حديث أنس بن مالك قال سألت النبي صلى الله عليه و سلم أن
يشفع لي يوم القيامة فقال أنا فاعل إن شاء الله قلت فأين أطلبك قال أول ما
تطلبني على الصراط قلت فإن لم ألقك على الصراط قال فاطلبني عند الميزان
قلت فإن لم ألقك عند الميزان قال فاطلبني عن الحوض فإني لا أخطىء هذه
الثلاثة مواطن قال حدث حسن غريب
وذكر الترمذي أيضا من حديث عبد الله
بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله سيخلص
رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا
كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر
من هذا شيئا أظلمك كتبتي الحافظون
فيقول لا يا رب فيقول أفلك عذر فيقول لا يا رب فيقول الله تعالى بلى إن لك
عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا
الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول احضر وزنك فيقول يا رب ما هذه
البطاقة مع هذه السجلات فيقول إنك لا تظلم قال فتوضع السجلات في كفة
والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء
وذكر أبو بكر البزار من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم
قال ملك موكل بالميزان فيؤتى بابن آدم فيوقف بين كفتي الميزان فإن ثقل
ميزانه نادى ملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا وإن
خف ميزانه نادى ملك بصوت يسمع الخلائق شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا
وروى عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يعرض الناس
يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاريض وأما الثالثة فعند ذلك
تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله ذكره أبو بكر البزار أيضا
وقال الترمذي جدال ومعاذير رواه من حديث الحسن عن أبي هريرة
وذكر
أبو جعفر العقيلي من حديث نعيم بن سالم عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله
عليه و سلم قال الكتب كلها تحت العرش فإذا كان الموقف بعث الله ريحا
فتطيرها بالأيمان والشمائل أول خط فيها ( أقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك
حسيبا )
وذكر أبو داود من حديث عائشة أنها قالت ذكرت النار فبكيت فقال رسول الله
صلى الله عليه و سلم ما يبكيك قلت ذكرت النار فبكيت
فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة فقال رسول الله صلى الله عليه و
سلم أما في
ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدا عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل
وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله أم من وراء
ظهره وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم حتى يجوز
وذكر الترمذي من
حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى ( يوم ندعو كل
أناس بإمامهم ) قال يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمد له في جسمه ستون
ذراعا ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ فينطلق إلى أصحابه
فيرونه من بعيد فيقولون اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا فيأتيهم فيقول
أبشروا لكل رجل مسلم مثل هذا قال وأما الكافر فيسود وجهه ويمد في جسده
ستون ذراعا على صورة آدم فيلبس تاجا من نار فيراه أصحابه فيقولون نعوذ
بالله من شر هذا اللهم لا تأتنا بهذا قال فيأتيهم فيقولون اللهم أخره
فيقول أبعدكم الله فإن لكل رجل منكم مثل هذا
وقد تقدم تقرير المؤمن بذنوبه وتعريفه بها
وأنشدوا
( أمدد يمينك من دنياك آخذة ... كتاب فوزك إذ تحتل أخراك )
( فلست تدرك ما هناك من أمل ... إلا بواسطة من دار دنياك )
( فإن تكاسلت أو قصرت في طلب ... كنت المخيب والمطلوب إذ ذاك )
( يا نائم القلب عن أمر يراد به ... نبهه ويحك إن الأمر حاذاك )
( واشدد حزيمك واكشف ساعديك له ... فربما حمدت بالجد عقباك )
( كم رابح بكتاب كان أملاه ... هنا بما شاء برا أوآفاك )
( فظل مرتقبا أدراج مكرمة ... في عدن أو نازلا في النار ادراكا )
( وطلعة الموت تبدي عن حقيقة ما ... تملي فإياك ان تنساه إياك )
فصل ذكر ما يتكلم من الإنسان وما جاء في شهادة جوارح ابن آدم
عليه يوم
القيامة
ذكر أبو بكر بن أبي شيبة من حديث معاوية بن حيدة القشيري أن النبي صلى
الله عليه و سلم قال تجيئون يوم القيامة على أفواهكم الفدام فأول ما يتكلم
من الإنسان فخذه وكفه
وذكر مسلم من حديث أبي هريرة قال قالوا يا
رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل تضارون في رؤية الشمس في
الظهيرة ليست في سحابة قالوا لا قال فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر
ليس في سحابة قالوا لا قال فوالذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا
كما تضارون في رؤية أحدهما قال فيلقى العبد فيقول أي فل ألم أكرمك وأسودك
وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وترتع فيقول بلى فيقول أفظننت
أنك ملاقي فيقول لا فيقول إني أنساك كما نسيتني ثم يلقى الثاني فيقول أي
فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وترتع فيقول
بلى يا رب فيقول أفظننت أنك ملاقي فيقول لا فيقول إني أنساك كما نسيتني ثم
يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت
وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول ها هنا إذا قال ثم يقال له الآن
نبعث شاهدنا عليك فيتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليه فيختم على فيه
ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله
وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه
وذكر مسلم من حديث أنس بن مالك قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم
فضحك فقال هل تدرون مم أضحك فقلنا الله ورسوله أعلم قال من مخاطبة العبد
ربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى قال فيقول فإني لا أجيز
على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام
الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله
قال ثم يخلى بينه وبين الكلام قال فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه و سلم يقول أني لأعلم آخر رجل من أمتي يجوز الصراط رجل
يتلوى على الصراط كالغلام حين يضربه أبوه تزل يده مرة فتصيبها النار وتزل
رجله مرة فتصيبها النار قال فتقول له الملائكة أرأيت إن بعثك الله من
مقامك هذا فمشيت سويا أتخبرنا بكل عمل عملته فيقول أي وعزته لا أكتمكم من
عملي شيئا قال فيقولون له قم فامش سويا فيقوم فيمشي حتى يجاوز الصراط
فيقولون له أخبرنا بأعمالك التي عملت فيقول في نفسه إن أخبرتهم بما عملت
ردوني إلى مكاني فيقول لا وعزته ما أذنبت ذنبا قط فيقولون له إن لنا عليك
شهودا قال فيلتفت يمينا وشمالا هل يرى من الآدميين أحدا ممن كان يشهد عليه
في الدنيا فلا يرى فيقول هاتوا بينتكم فيختم الله على فيه وتنطق يداه
ورجلاه وفخذاه بعمله فيقول أي وعزتك لقد عملتها وإن عندي للعظائم المضمرات
قال فيقول الله تعالى له اذهب فقد غفرتها لك
فصل ذكر الصراط ودرجات الناس في المرور عليه
ذكر أبو بكر بن أبي شيبة من حديث عائشة قالت قلت يا رسول الله أتذكرون
أهاليكم يوم القيامة قال أما عند ثلاث فلا عند الكتاب وعند الميزان وعند
الصراط
وذكر مسلم من حديث أبي هريرة وحذيفة قالا قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة
فيأتون آدم فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول وهل أخرجكم من الجنة
إلا خطيئة أبيكم آدم لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله قال
فيقول إبراهيم عليه السلام لست بصاحب ذلك إنما كنت خليلا من وراء وراء
اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليما فيأتون موسى عليه السلام فيقول لست
بصاحب ذلك اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه فيقول عيسى لست بصاحب ذلك قال
فيأتون محمدا صلى الله عليه و سلم فيقوم ويؤذن له وترسل الأمانة والرحم
فتقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا فيمر أولكم كالبرق قال قلت بأبي أنت
وأمي أي شيء كالبرق قال ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين ثم
كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرجال تجري بهم أعمالهم ونبيكم صلى الله عليه
و سلم قائم على الصراط يقول رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء
الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا قال وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة
مأمورة تأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكدوس في النار والذي نفس أبي هريرة
بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفا
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى
الله عليه و سلم وذكر الصراط ومرور الناس عليه قال فيمر المؤمنون كطرف
العين وكالبرق وكالريح و كالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش
مرسل ومكدوس في نار جهنم
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و
سلم وذكر حديث الشفاعة قال ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أنا وأمتي
أول من يجيز ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم
وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم السعدان قالوا نعم يا رسول الله
قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله تخطف الناس
بأعمالهم فمنهم الموبق بعمله ومنهم المجازي حتى ينجى وذكر الحديث
قد
سمع رحمك الله بهذا الطريق الحرج والمسلك الشاق والقنطرة المضطربة التي لا
تثبت عليها الأقدام ولا تجوزها الأوهام إلا قدم ثبتت على التقوى ووهم جاز
في الملكوت الأعلى
ولعلك تظن أن هذا الطريق من طرق الدنيا الصعبة
وسبلها الوعرة بل هو أحد من السيف وأدق من الشعرة فما ظنك بك وقد حملت
عليه وكلفت المرور به ومهواه جهنم تحتك وقد ملأ زفيرها أذنك ومنظرها
الهائل قلبك وعينك وأردت المرور فلم تقدر والنهوض فلم تستطع واضطرب بك
اضطرابا والتهب ذلك السعير تحتك التهابا ولم تجد إلى النجاة سبيلا ولا إلى
الخلاص بابا ولا ينهض بك إلا سعيك الذي سعيت ولا جرى بك إلا عملك الذي
عملت ومركوبك الذي في الدنيا ركبت فلتتخير الآن أي المراكب تركبها وأي
الأبواب تدخلها وأي الطرق تأخذ فيها وتسكلها والله المستعان وعليه التكلان
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وأنشدوا
( اجنب جيادا من التقوى مضمرة ... للسبق يوم يفوز الناس بالسبق )
( تمر مر الرياح الهوج عاصفة ... أو لمحة البرق إذ يجتاز بالأفق )
( واركض إلى الغاية القصوى وخل لها ... عنان صدق رمي في فتية صدق )
( فإن خلفك أعمالا مثبطة ... ولست تنهض إلا ويك بالعنق )
( كم حل عزمك من دنيا معرجة ... بقصدك اليوم عن مسلوكة الطرق )
( وفاز من فاز لا حزن ولا فرق ... وخلفوك حليف الحزن والفرق )
( يا غافلا والمنايا منه في ذكر ... وضاحكا والردى منه على حنق )
( قطعت عمرك في سهو وفي سنة ... ومن أمامك ليل دائم الأرق )
( ورب رأي تراه اليوم في سفه ... عقلا تراه غدا في غاية الخرق )
فصل ما جاء في أن بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون
ذكر مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
يقول الله عز و جل يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك قال يقول له
أخرج بعث النار قال وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين قال
فذلك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم
بسكارى ولكن عذاب الله شديد قال فاشتد ذلك عليهم قالوا يا رسول الله أينا
ذلك الرجل فقال أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل قال ثم قال
والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ربع أهل الجنة فحمدنا الله عز و جل
وكبرنا ثم قال والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة فحمدنا
الله وكبرنا ثم قال والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة
وإن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالرقمة
في ذراع الحمار
وفي بعض ألفاظ هذا الحديث من الزيادة اللهم قد بلغت
وفي بعض طرقه من غير كتاب مسلم وذكر بعث النار فقال رجل ومن الناجي بعد
ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أنتم في الناس إلا كالشامة في
جنب البعير
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى